العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:39 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:40 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق السّماوات والأرض منها أربعةٌ حرمٌ ذلك الدّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين (36)
هذه الآية والتي بعدها تتضمن ما كانت العرب شرعته في جاهليتها من تحريم شهور الحل وتحليل شهور الحرمة، وإذا نص ما كانت العرب تفعله تبين معنى الآيات فالذي تظاهرت به الروايات وينفك عن مجموع ما ذكر الناس، أن العرب كانت لا عيش لأكثرها إلا من الغارات وإعمال سلاحها فكانوا إذا توالت عليهم حركة ذي القعدة وذي الحجة والمحرم صعب عليهم وأملقوا، وكان بنو فقيم من كنانة أهل دين في العرب وتمسك بشرع إبراهيم عليه السلام، فانتدب منهم القلمس وهو حذيفة بن عبد فقيم فنسأ الشهور للعرب، ثم خلفه على ذلك ابنه عباد بن حذيفة، ثم خلف ابنه قلع بن عباد، ثم خلفه ابنه أمية بن قلع، ثم خلفه ابنه عوف بن أمية، ثم خلفه ابنه أبو ثمامة جنادة بن عوف وعليه قام الإسلام، وذكر الطبري وغيره أن الأمر كان في عدوان قبل بني مالك بن كنانة، وكانت صورة فعلهم أن العرب كانت إذا فرغت من حجها جاء إليه من شاء منهم مجتمعين، فقالوا أنسئنا شهرا أي أخّر عنا حرمة المحرم فاجعلها في صفر، فيحل لهم المحرم فيغيرون فيه ويعيشون ثم يلتزمون حرمة صفر ليوافقوا عدة الأشهر الأربعة، قال مجاهد: ويسمون ذلك الصفر المحرم، ثم يسمون، ربيعا، ربيعا الأول صفرا وربيعا الآخر ربيعا الأول، وهكذا في سائر الشهور يستقبلون سنتهم من المحرم الموضوع لهم فيسقط على هذا حكم المحرم الذي حال لهم، وتجيء السنة من ثلاثة عشر شهرا أولها المحرم المحلل ثم المحرم الذي هو في الحقيقة صفر، ثم استقبال السنة كما ذكرنا، ففي هذا قال الله عز وجل إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهراً أي ليست ثلاثة عشر شهرا، قال الطبري حدثني ابن وكيع عن عمران بن عيينة عن حصين عن أبي مالك قال: كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا، قال مجاهد: ثم كانوا يحجون في كل شهر عامين ولاء، وبعد ذلك يندلون فيحجون عامين ولاء، ثم كذلك حتى كانت حجة أبي بكر في ذي القعدة حقيقة، وهم يسمونه ذا الحجة، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر في ذي الحجة حقيقة، فذلك قوله إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان وفي حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خطب في حجة الوداع فساق الحديث فقال فيه: أولهن رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان وذو القعدة وذو الحجة والمحرم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويجيء في أكثر الكتب أنهم كانوا يجعلون حرمة المحرم في صفر ويسكت عن تمام القصة، والذي ذكرناه هو بيانها، وأما كون المحرم أول السنة العربية وكان حقه إذ التاريخ من الهجرة أن يكون أول السنة في ربيع الأول فإن ذلك فيما يرون لأن عمر بن الخطاب دون ديوان المسلمين وجعل تاريخه المحرم إذ قبله انقضاء الموسم والحج فكان الحج خاتمة للسنة، واعتد بعام الهجرة وإن كان قد نقص من أوله شيء، ولما كانت سنة العرب هلالية بدئ العام من أول شهر ولم يكن في الثاني عشر من ربيع الذي هو يوم دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ولا كان عند تمام الحج لأنه في كسر شهر، وأما الأربعة الحرم فهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم «ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» قصد التفريق بينه وبين ما كانت تفعله قبائل ربيعة بأسرها، فإنها كانت تجعل رجبها رمضان وتحرمه ابتداعا منها، وكانت قريش ومن تابعها في ذلك من قبائل مضر على الحق، فقر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ونسبه إلى مضر إذ كان حكمه وتحريمه إنما كان من قبل قريش، وفي المفضليات لبعض شعراء الجاهلي [عوف بن الأحوص العامري]: [الوافر]
وشهر بني أمية والهدايا = ... ... ... ...
البيت قال الأصمعي: يريد رجبا، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «اثنا عشر شهرا» بسكون العين وذلك تخفيف لتوالي الحركات، وكذلك قرأ أحد عشر وتسعة عشر وقوله في كتاب اللّه أي فيما كتبه وأثبته في اللوح المحفوظ أو غيره، فهي صفة فعل مثل خلقه ورزقه وليست بمعنى قضائه وتقديره لأن تلك هي قبل خلق السموات والأرض، و «الكتاب» الذي هو المصدر هو العامل في يوم، وفي قوله في كتاب اللّه متعلقة بمستقرة أو ثابتة ونحوه، ويقلق أن يكون الكتاب القرآن في هذا الموضع، وتأمل، ولا يتعلق في بعده للتفرقة بين الصلة والموصول بخبر «أن»، وقوله منها أربعةٌ حرمٌ نص على تفضيل هذه الأربعة وتشريفها، قال قتادة: اصطفى الله من الملائكة والبشر رسلا ومن الشهور المحرم ورمضان، ومن البقع المساجد، ومن الأيام الجمعة، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الكلام ذكره فينبغي أن يعظم ما عظم الله، وقوله ذلك الدّين القيّم، قالت فرقة: معناه الحساب المستقيم، وقال ابن عباس فيما حكى المهدوي: معناه القضاء المستقيم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والأصوب عندي أن يكون الدين هاهنا على أشهر وجوهه، أي ذلك الشرع والطاعة لله، القيّم أي القائم المستقيم، وهو من قام يقوم بمنزلة سيد من ساد يسود أصله قيوم، وقوله فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم الضمير عائد على ال اثنا عشر شهراً، أي لا تظلموا أنفسكم بالمعاصي في الزمن كله، وقال قتادة الضمير عائد على الأربعة الأشهر، ونهي عن الظلم فيها تشريفا لها بالتخصيص والذكر وإن كان منهيا عنه في كل الزمن، وزعم النحاة أن العرب تكني عما دون العشرة من الشهور، فيهن وعما فوق العشرة فيها، وروي عن الكسائي أنه قال إني لأتعجب من فعل العرب هذا، وكذلك يقولون فيما دون العشرة من الليالي خلون وفيما فوقها خلت وقال الحسن معنى فيهن أي بسببهن ومن جراهن في أن تحلوا حرامها وتبدلوه بما لا حرمة له، وحكى المهدوي أنه قيل «لا تظلموا فيهن أنفسكم بالقتل». ثم نسخ بفرض القتال في كل زمن، قال سعيد بن المسيب في كتاب الطبري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحرم القتال في الأشهر الحرم بما أنزل الله في ذلك حتى نزلت براءة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقوله وقاتلوا المشركين معناه فيهن فأحرى في غيرهن، وقوله كافّةً معناه جميعا وهو مصدر في موضع الحال، قال الطبري: كالعاقبة والعافية فهو على هذا كما تقول خاصة وعامة، ويظهر أيضا أنه من كف يكف أي جماعة تكف من عارضها وكذلك نقل الكافة أي تكف من خالفها، فاللفظة على هذا اسم فاعل، وقال بعض الناس: معناه يكف بعضهم بعضا عن التخلف، وما قدمناه أعم وأحسن، وقال بعض الناس: كان الفرض بهذه الآية قد توجه على الأعيان ثم نسخ ذلك بعد وجعل فرض كفاية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الذي قالوه لم يعلم قط من شرع النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ألزم الأمة جميعا النفر، وإنما معنى الآية الحض على قتالهم والتحزب عليهم وجمع الكلمة، ثم قيدها بقوله كما يقاتلونكم فبحسب قتالهم واجتماعهم لنا يكون فرض اجتماعنا لهم، وأما الجهاد الذي ينتدب إليه فإنما هو فرض على الكفاية إذا قام به بعض الأمة سقط عن الغير، وقوله واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين خبر في ضمنه أمر بالتقوى ووعد عليها بالنصر والتأييد).[المحرر الوجيز: 4/ 305-309]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عاماً ويحرّمونه عاماً ليواطؤا عدّة ما حرّم اللّه فيحلّوا ما حرّم اللّه زيّن لهم سوء أعمالهم واللّه لا يهدي القوم الكافرين (37)
النّسيء على وزن فعيل مصدر بمعنى التأخير، تقول العرب أنسأ الله في أجلك ونسأ في أجلك.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سره النساء في الأجل والسعة في الرزق فليصل رحمه». وقرأ جمهور الناس والسبعة «النسيء» كما تقدم، وقرأ ابن كثير فيما روي عنه وقوم معه في الشاذ «النسيّ» بشد الياء، وقرأ فيما روى عنه جعفر بن محمد والزهري «النسيء»، وقرأ أيضا فيما روي عنه «النسء» على وزن النسع وقرأت فرقة «النسي». فأما «النسيء» بالمد والهمز فقال أبو علي هو مصدر مثل النذير والنكير وعذير الحي ولا يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول لأنه يكون المعنى إنما المؤخر زيادة والمؤخر الشهر ولا يكون الشهر زيادة في الكفر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقال أبو حاتم هو فعيل بمعنى مفعول، وينفصل عن إلزام أبي علي بأن يقدر مضاف كان المعنى إنما إنساء النسيء، وقال الطبري هو من معنى الزيادة أي زيادتهم في الأشهر، وقال أبو وائل كان النسيء رجلا من بني كنانة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، وأما «النسي» فهو الأول بعينه خففت الهمزة وقيل قلبت الهمزة ياء وأدغمت الياء في الياء، وأما «النسء» هو مصدر من نسأ إذا أخر، وأما «النسي» فقيل تخفيف همزة النسيء وذلك على غير قياس، وقال الطبري هو مصدر من نسي ينسى إذا ترك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والنسيء هو فعل العرب في تأخيرهم الحرمة، وقوله زيادةٌ في الكفر أي جار في كفرهم بالله وخلاف منهم للحق فالكفر متكثر بهذا الفعل الذي هو باطل في نفسه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومما وجد في أشعارها من هذا المعنى قول بعضهم: [الوافر]
ومنا منسئ الشهر القلمس
وقال الآخر: [الكامل]
نسؤوا الشهور بها وكانوا أهلها = من قبلكم والعز لم يتحول
ومنه قول جذل الطعان: [الوافر]
وقد علمت معدّ أنّ قومي = كرام الناس أن لهم كراما
فأي الناس فاتونا بوتر = وأي الناس لم تعلك لجاما
ألسنا الناسئين على معد = شهور الحل نجعلها حراما
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر «يضل» بفتح الياء وكسر الضاد، وقرأ ابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة وعمرو بن ميمون «يضل» بضم الياء وكسر الضاد فإما على معنى يضل الله وإما على معنى يضل به الذين كفروا أتباعهم، ف الّذين في التأويل الأول في موضع نصب، وفي الثاني في موضع رفع، وقرأ عاصم أيضا وحمزة والكسائي وابن مسعود فيما روي عنه «يضل» بضم الياء وفتح الضاد على المفعول الذي لم يسم فاعله، ويؤيد ذلك قوله تعالى: زيّن للتناسب في اللفظ، وقرأ أبو رجاء «يضل» من ضل يضل على وزن فعل بكسر العين يفعل بفتحها وهي لغتان يقال ضل يضل وضل يضل والوزن الذي ذكرناه يفرق بينهما، وكذلك يروى قول النبي صلى الله عليه وسلم، «حتى يضل الرجل إن يدركم صلى» بفتح الضاد وكسرها، وقوله يحلّونه عاماً ويحرّمونه عاماً معناه عاما من الأعوام وليس يريد أن تلك مداولة في الشهر بعينه عام حلال وعام حرام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد تأول بعض الناس القصة أنهم كانوا إذا شق عليهم توالي الأشهر الحرم أحل لهم المحرم وحرم عليهم صفر بدلا منه ثم مشت الشهور مستقيمة على أسمائها المعهودة فإذا كان من قابل حرم المحرم على حقه وأحل صفر، ومشت الشهور مستقيمة، ورأت هذه الطائفة أن هذه كانت حالة القوم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والذي قدمناه قبل أليق بألفاظ الآيات، وقد بينه مجاهد وأبو مالك، وهو مقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم، «إن الزمان قد استدار» مع أن هذا الأمر كله قد تقضى والله أعلم.
أي ذلك كان، وقوله ليواطؤا معناه ليوافقوا والمواطأة الموافقة تواطأ الرجلان على كذا إذا اتفقا عليه، ومعنى ليواطئوا عدة ما حرم الله ليحفظوا في كل عام أربعة أشهر في العدد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فأزالوا الفضيلة التي خص الله بها الأشهر الحرم وحدها بمثابة أن يفطر أحد رمضان ويصوم شهرا من السنة بغير مرض أو سفر، وقوله زيّن يحتمل هذا التزيين أن يضاف إلى الله عز وجل والمراد به خلقه لكفرهم وإقرارهم عليه وتحبيبه لهم، ويحتمل أن يضاف إلى مغويهم ومضلهم من الإنس والجن، ثم أخبر تعالى أنه لا يهديهم ولا يرشدهم، وهو عموم معناه الخصوص في الموافين أو عموم مطلق لكن لا هدية من حيث هم كفار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذكر أبو علي البغدادي في أمر «النسيء» أنه كان إذا صدر الناس من منى قام رجل يقال له نعيم بن ثعلبة فيقول أنا الذي لا أعاب ولا يرد لي قضاء فيقولون أنسئنا شهرا أي أخّر عنا حرمة المحرم فاجعلها في صفر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: واسم نعيم لم يعرف في هذا وما أرى ذلك إلا كما حكى النقاش من بني فقيم كانوا يسمون القلامس واحدهم قلمس وكانوا يفتون العرب في الموسم، يقوم كبيرهم في الحجر ويقوم آخر عند الباب ويقوم آخر عند الركن فيفتون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهم على هذا عدة، منهم نعيم وصفوان ومنهم ذرية القلمس حذيفة وغيرهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «لا عدوى ولا هامة ولا صفر»، فقال بعض الناس: إنه يريد بقوله لا صفر هذا النسيء، وقيل غير ذلك). [المحرر الوجيز: 4/ 309-313]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:40 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:40 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهرًا في كتاب اللّه يوم خلق السّماوات والأرض منها أربعةٌ حرمٌ ذلك الدّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين (36)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا إسماعيل، أخبرنا أيّوب، أخبرنا محمّد بن سيرين، عن أبي بكرة، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خطب في حجّته، فقال: "ألا إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّموات والأرض، السّنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ [حرمٌ، ثلاثةٌ] متوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم، ورجب مضر الّذي بين جمادى وشعبان". ثمّ قال: "أيّ يومٍ هذا؟ " قلنا: اللّه ورسوله أعلم. فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: "أليس يوم النّحر؟ " قلنا؛ بلى. ثمّ قال: "أيّ شهرٍ هذا؟ " قلنا: اللّه ورسوله أعلم. فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: "أليس ذا الحجّة؟ " قلنا: بلى. ثمّ قال: "أيّ بلدٍ هذا؟ ". قلنا: اللّه ورسوله أعلم. فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: "أليست البلدة؟ " قلنا: بلى. قال: "فإنّ دماءكم وأموالكم -قال: وأحسبه قال: وأعراضكم -عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وستلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ، ألا هل بلغت؟ ألا ليبلّغ الشّاهد الغائب منكم، فلعلّ من يبلّغه يكون أوعى له من بعض من يسمعه
ورواه البخاريّ في التّفسير وغيره، ومسلمٌ من حديث أيّوب، عن محمّدٍ -وهو ابن سيرين -عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، به
وقد قال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن معمر، حدّثنا روحٌ، حدّثنا أشعث، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّموات والأرض، وإنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعةٌ حرمٌ، ثلاثةٌ متوالياتٌ، ورجب مضر بين جمادى وشعبان"
ورواه البزّار، عن محمّد بن معمرٍ، به ثمّ قال: لا يروى عن أبي هريرة إلّا من هذا الوجه، وقد رواه ابن عون وقرّة، عن ابن سيرين، عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، به.
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، حدّثنا زيد بن حباب، حدّثنا موسى بن عبيدة الربذي، حدّثني صدقة بن يسارٍ، عن ابن عمر قال: خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حجّة الوداع بمنًى في أوسط أيّام التّشريق فقال: "أيّها النّاس، إنّ الزّمان قد استدار، فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهرًا منها أربعةٌ حرمٌ، أوّلهنّ رجب مضر بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم"
وروى ابن مردويه من حديث موسى بن عبيدة، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمرو، مثله أو نحوه.
وقال حمّاد بن سلمة: حدّثني عليّ بن زيدٍ، عن أبي حرّة حدّثني الرّقاشيّ، عن عمّه -وكانت له صحبةٌ -قال: كنت آخذًا بزمام ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أوسط أيّام التّشريق، أذود النّاس عنه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألا إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّموات والأرض، وإنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهرًا في كتاب اللّه يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم"
وقال سعيد بن منصورٍ: حدّثنا أبو معاوية، عن الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {منها أربعةٌ حرمٌ} قال: محرّمٌ، ورجبٌ، وذو القعدة، وذو الحجّة.
وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديث: " إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض"، تقريرٌ منه، صلوات اللّه وسلامه عليه، وتثبيتٌ للأمر على ما جعله اللّه تعالى في أوّل الأمر من غير تقديمٍ ولا تأخيرٍ، ولا زيادةٍ ولا نقصٍ، ولا نسيءٍ ولا تبديلٍ، كما قال في تحريم مكّة: "إنّ هذا البلد حرّمه اللّه يوم خلق السّموات والأرض، فهو حرامٌ بحرمة اللّه إلى يوم القيامة"، وهكذا قال هاهنا: "إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّموات والأرض" أي: الأمر اليوم شرعًا كما ابتدأ اللّه ذلك في كتابه يوم خلق السموات والأرض.
وقد قال بعض المفسّرين والمتكلّمين على هذا الحديث: إنّ المراد بقوله: "قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض"، أنّه اتّفق أنّ حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في تلك السّنة في ذي الحجّة، وأنّ العرب قد كانت نسأت النّسيء، يحجّون في كثيرٍ من السّنين، بل أكثرها، في غير ذي الحجّة، وزعموا أنّ حجّة الصّدّيق في سنة تسعٍ كانت في ذي القعدة، وفي هذا نظرٌ، كما سنبيّنه إذا تكلّمنا على النّسيء.
وأغرب منه ما رواه الطّبرانيّ، عن بعض السّلف، في جملة حديثٍ: أنّه اتّفق حجّ المسلمين واليهود والنّصارى في يومٍ واحدٍ، وهو يوم النّحر، عام حجّة الوداع، واللّه أعلم.
[حاشية فصلٍ]
ذكر الشّيخ علم الدّين السّخاوي في جزءٍ جمعه سمّاه "المشهور في أسماء الأيّام والشّهور": أنّ المحرّم سمّي بذلك لكونه شهرًا محرّمًا، وعندي أنّه سمّي بذلك تأكيدًا لتحريمه؛ لأنّ العرب كانت تتقلّب به، فتحلّه عامًا وتحرّمه عامًا، قال: ويجمع على محرّماتٍ، ومحارم، ومحاريم.
صفرٌ: سمّي بذلك لخلوّ بيوتهم منه، حين يخرجون للقتال والأسفار، يقال: "صفر المكان": إذا خلا ويجمع على أصفارٍ كجملٍ وأجمالٍ.
شهر ربيع أول: سمّي بذلك لارتباعهم فيه. والارتباع الإقامة في عمارة الرّبع، ويجمع على أربعاء كنصيبٍ وأنصباء، وعلى أربعةٍ، كرغيفٍ وأرغفةٍ.
ربيعٌ الآخر: كالأوّل.
جمادى: سمّي بذلك لجمود الماء فيه. قال: وكانت الشّهور في حسابهم لا تدور. وفي هذا نظرٌ؛ إذ كانت شهورهم منوطةً بالأهلّة، ولا بدّ من دورانها، فلعلّهم سمّوه بذلك، أوّل ما سمّي عند جمود الماء في البرد، كما قال الشّاعر:
وليلةٍ من جمادى ذات أندية = لا يبصر العبد في ظلماتها الطّنبا
لا ينبح الكلب فيها غير واحدةٍ = حتّى يلفّ على خرطومه الذّنبا
ويجمع على جماديات، كحبارى وحباريات، وقد يذكّر ويؤنّث، فيقال: جمادى الأولى والأوّل، وجمادى الآخر والآخرة.
رجبٌ: من التّرجيب، وهو التّعظيم، ويجمع على أرجابٍ، ورجاب، ورجبات.
شعبان: من تشعّب القبائل وتفرّقها للغارة ويجمع على شعابين وشعبانات
ورمضان: من شدّة الرّمضاء، وهو الحرّ، يقال: "رمضت الفصال": إذا عطشت، ويجمع على رمضانات ورماضين وأرمضة قال: وقول من قال: "إنّه اسمٌ من أسماء اللّه"؛ خطأٌ لا يعرّج عليه، ولا يلتفت إليه.
قلت: قد ورد فيه حديثٌ؛ ولكنّه ضعيفٌ، وبيّنته في أوّل كتاب الصّيام.
شوّالٌ: من شالت الإبل بأذنابها للطّراق، قال: ويجمع على شواول وشواويل وشوّالات.
القعدة: بفتح القاف -قلت: وكسرها -لقعودهم فيه عن القتال والتّرحال، ويجمع على ذوات القعدة.
الحجّة: بكسر الحاء -قلت: وفتحها -سمّي بذلك لإيقاعهم الحجّ فيه، ويجمع على ذوات الحجّة.
أسماء الأيّام: أوّلها الأحد، ويجمع على آحادٍ، وأحاد ووحودٍ. ثمّ يوم الاثنين، ويجمع على أثانين. الثّلاثاء: يمدّ، ويذكّر ويؤنّث، ويجمع على ثلاثاواتٍ وأثالث. ثمّ الأربعاء بالمدّ، ويجمع على أربعاواتٍ وأرابيع. والخميس: يجمع على أخمسةٍ وأخامس، ثمّ الجمعة -بضمّ الميم، وإسكانها، وفتحها أيضًا -ويجمع على جمع وجمعات.
السّبت: مأخوذٌ من السّبت، وهو القطع؛ لانتهاء العدد عنده. وكانت العرب تسمّي الأيّام أوّل، ثمّ أهون، ثمّ جبار، ثمّ دبار، ثمّ مؤنس، ثمّ العروبة، ثمّ شيار، قال الشّاعر -من العرب العرباء العاربة المتقدّمين -:
أرجّي أن أعيش وأنّ يومي = بأوّل أو بأهون أو جبار
أو التّالي دبار فإن أفته = فمؤنس أو عروبة أو شيار
وقوله تعالى: {منها أربعةٌ حرمٌ} فهذا ممّا كانت العرب أيضًا في الجاهليّة تحرّمه، وهو الّذي كان عليه جمهورهم، إلّا طائفةً منهم يقال لهم: "البسل"، كانوا يحرّمون من السّنة ثمانية أشهرٍ، تعمّقًا وتشديدًا.
وأمّا قوله: "ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم، ورجب مضر الّذي بين جمادى وشعبان، [فإنّما أضافه إلى مضر، ليبيّن صحّة قولهم في رجبٍ أنّه الشّهر الّذي بين جمادى وشعبان] لا كما كانت تظنّه ربيعة من أنّ رجب المحرّم هو الشّهر الّذي بين شعبان وشوّالٍ، وهو رمضان اليوم، فبيّن، عليه [الصّلاة و] السّلام، أنّه رجب مضر لا رجب ربيعة. وإنّما كانت الأشهر المحرّمة أربعةٌ، ثلاثةٌ سردٌ وواحدٌ فردٌ؛ لأجل أداء مناسك الحجّ والعمرة، فحرم قبل شهر الحجّ شهرٌ، وهو ذو القعدة؛ لأنّهم يقعدون فيه عن القتال، وحرّم شهر ذي الحجّة لأنّهم يوقعون فيه الحجّ ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرم بعده شهرٌ آخر، وهو المحرّم؛ ليرجعوا فيه إلى نائي أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول، لأجل زيارة البيت والاعتمار به، لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب، فيزوره ثمّ يعود إلى وطنه فيه آمنًا.
وقوله تعالى: {ذلك الدّين القيّم} أي: هذا هو الشّرع المستقيم، من امتثال أمر اللّه فيما جعل من الأشهر الحرم، والحذو بها على ما سبق في كتاب اللّه الأوّل.
وقال تعالى: {فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم} أي: في هذه الأشهر المحرّمة؛ لأنّه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أنّ المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ نذقه من عذابٍ أليمٍ} [الحجّ: 25] وكذلك الشّهر الحرام تغلظ فيه الآثام؛ ولهذا تغلظ فيه الدّية في مذهب الشّافعيّ، وطائفةٍ كثيرةٍ من العلماء، وكذا في حقّ من قتل في الحرم أو قتل ذا محرمٍ.
وقال حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم} قال: في الشّهور كلّها.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: {إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهرًا} الآية {فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم} في كلّهن، ثمّ اختصّ من ذلك أربعة أشهرٍ فجعلهنّ حرامًا، وعظم حرماتهن، وجعل الذّنب فيهنّ أعظم، والعمل الصّالح والأجر أعظم.
وقال قتادة في قوله: {فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم} إنّ الظّلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزرًا، من الظّلم فيما سواها، وإن كان الظّلم على كلّ حالٍ عظيمًا، ولكنّ اللّه يعظّم من أمره ما يشاء. قال: إنّ اللّه اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلًا ومن النّاس رسلًا واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيّام يوم الجمعة، واصطفى من اللّيالي ليلة القدر، فعظّموا ما عظّم اللّه، فإنّما تعظم الأمور بما عظّمها اللّه به عند أهل الفهم وأهل العقل.
وقال الثّوريّ، عن قيس بن مسلمٍ، عن الحسن بن محمّد بن الحنفيّة: بألّا تحرّموهنّ كحرمتهنّ
وقال محمّد بن إسحاق: {فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم} أي: لا تجعلوا حرامها حلالًا ولا حلالها حرامًا، كما فعل أهل الشّرك، فإنّما النّسيء الّذي كانوا يصنعون من ذلك، زيادةٌ في الكفر {يضلّ به الّذين كفروا} الآية [التّوبة: 37].
وهذا القول اختيار ابن جريرٍ.
وقوله: {وقاتلوا المشركين كافّةً} أي: جميعكم {كما يقاتلونكم كافّةً} أي: جميعهم، {واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
وقد اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشّهر الحرام: هل هو منسوخٌ أو محكمٌ؟ على قولين:
أحدهما -وهو الأشهر: أنّه منسوخٌ؛ لأنّه تعالى قال هاهنا: {فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم} وأمر بقتال المشركين وظاهر السّياق مشعرٌ بأنّه أمر بذلك أمرًا عامًّا، فلو كان محرما ما في الشّهر الحرام لأوشك أن يقيّده بانسلاخها؛ ولأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حاصر أهل الطّائف في شهرٍ حرامٍ -وهو ذو القعدة -كما ثبت في الصّحيحين: أنّه خرج إلى هوازن في شوّال، فلمّا كسرهم واستفاء أموالهم، ورجع فلّهم، فلجئوا إلى الطّائف -عمد إلى الطّائف فحاصرها أربعين يومًا، وانصرف ولم يفتتحها فثبت أنّه حاصر في الشّهر الحرام.
والقول الآخر: أنّ ابتداء القتال في الشّهر الحرام حرامٌ، وأنّه لم ينسخ تحريم الحرام، لقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام} [الآية] [المائدة: 2] وقال: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} الآية [البقرة: 194] وقال: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} [الآية] [التّوبة: 50]
وقد تقدّم أنّها الأربعة المقرّرة في كلّ سنةٍ، لا أشهر التّسيير على أحد القولين.
وأمّا قوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً} فيحتمل أنّه منقطعٌ عمّا قبله، وأنّه حكمٌ مستأنفٌ، ويكون من باب التّهييج والتّحضيض، أي: كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم فاجتمعوا أنتم أيضًا لهم إذا حاربتموهم، وقاتلوهم بنظير ما يفعلون، ويحتمل أنّه أذن للمؤمنين بقتال المشركين في الشّهر الحرام إذا كانت البداءة منهم، كما قال تعالى: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ} [البقرة: 194] وقال تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم} الآية [البقرة: 191]، وهكذا الجواب عن حصار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أهل الطّائف، واستصحابه الحصار إلى أن دخل الشّهر الحرام، فإنّه من تتمّة قتال هوازن وأحلافها من ثقيفٍ، فإنّهم هم الّذين ابتدءوا القتال، وجمعوا الرّجال، ودعوا إلى الحرب والنّزال، فعندما قصدهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كما تقدّم، فلمّا تحصّنوا بالطّائف ذهب إليهم لينزلهم من حصونهم، فنالوا من المسلمين، وقتلوا جماعةً، واستمرّ الحصار بالمجانيق وغيرها قريبًا من أربعين يومًا. وكان ابتداؤه في شهرٍ حلالٍ، ودخل الشّهر الحرام، فاستمرّ فيه أيّامًا، ثمّ قفل عنهم لأنّه يغتفر في الدّوام ما لا يغتفر في الابتداء، وهذا هو أمرٌ مقرّرٌ، وله نظائر كثيرةٌ، واللّه أعلم. ولنذكر الأحاديث الواردة في ذلك وقد حررنا ذلك في السيرة، والله أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 144-150]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عامًا ويحرّمونه عامًا ليواطئوا عدّة ما حرّم اللّه فيحلّوا ما حرّم اللّه زيّن لهم سوء أعمالهم واللّه لا يهدي القوم الكافرين (37)}
هذا ممّا ذمّ اللّه تعالى به المشركين من تصرّفهم في شرع اللّه بآرائهم الفاسدة، وتغييرهم أحكام اللّه بأهوائهم الباردة، وتحليلهم ما حرّم اللّه وتحريمهم ما أحلّ اللّه، فإنّهم كان فيهم من القوّة الغضبية والشّهامة والحميّة ما استطالوا به مدّة الأشهر الثّلاثة في التّحريم المانع لهم من قضاء أوطارهم من قتال أعدائهم، فكانوا قد أحدثوا قبل الإسلام بمدّةٍ تحليل المحرّم وتأخيره إلى صفرٍ، فيحلّون الشّهر الحرام، ويحرّمون الشّهر الحلال، ليواطئوا عدّة الأشهر الأربعة كما قال شاعرهم -وهو عمير بن قيسٍ المعروف -بجذل الطّعان:
لقد علمت معد أنّ قومي = كرام النّاس أنّ لهم كراما
ألسنا الناسئين على معد = شهور الحل نجعلها حراما
فأيّ النّاس لم تدرك بوتر? = وأيّ النّاس لم نعلك لجاما?
قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر} قال: النّسيء أنّ جنادة بن عوف بن أميّة الكنانيّ، كان يوافي الموسم في كلّ عامٍ، وكان يكنّى "أبا ثمامة"، فينادي: ألا إنّ أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب، ألا وإنّ صفر العام الأوّل حلالٌ. فيحلّه للنّاس، فيحرّم صفرًا عامًا، ويحرّم المحرّم عامًا، فذلك قول اللّه: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر} [إلى قوله: {الكافرين} وقوله {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر}] يقول: يتركون المحرّم عامًا، وعامًا يحرّمونه.
وروى العوفيّ عن ابن عبّاسٍ نحوه.
وقال ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ، كان رجلٌ من بني كنانة يأتي كلّ عامٍ إلى الموسم على حمارٍ له، فيقول: يا أيّها النّاس، إنّي لا أعاب ولا أجاب، ولا مردّ لما أقول، إنّا قد حرّمنا المحرم، وأخرنا صفر. ثمّ يجيء العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته، ويقول: إنا قد حرمنا صفر، وأخّرنا المحرّم. فهو قوله: {ليواطئوا عدّة ما حرّم اللّه} قال: يعني الأربعة {فيحلّوا ما حرّم اللّه} لتأخير هذا الشّهر الحرام.
وروي عن أبي وائلٍ، والضّحّاك، وقتادة نحو هذا.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر} الآية، قال: هذا رجلٌ من بني كنانة يقال له: "القلمّس"، وكان في الجاهليّة، وكانوا في الجاهليّة لا يغير بعضهم على بعضٍ في الشّهر الحرام، يلقى الرّجل قاتل أبيه ولا يمدّ إليه يده، فلمّا كان هو، قال: اخرجوا بنا. قالوا له: هذا المحرّم! قال: ننسئه العام، هما العام صفران، فإذا كان العام القابل قضينا جعلناهما محرّمين. قال: ففعل ذلك، فلمّا كان عام قابلٍ قال: لا تغزوا في صفرٍ، حرّموه مع المحرّم، هما محرّمان.
فهذه صفةٌ غريبةٌ في النّسيء، وفيها نظرٌ؛ لأنّهم في عامٍ إنّما يحرّمون على هذا ثلاثة أشهرٍ فقط، وفي العام الّذي يليه يحرّمون خمسة أشهرٍ، فأين هذا من قوله تعالى: {يحلّونه عامًا ويحرّمونه عامًا ليواطئوا عدّة ما حرّم اللّه}.
وقد روي عن مجاهدٍ صفةٌ أخرى غريبةٌ أيضًا، فقال عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ في قوله: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر} الآية، قال: فرض اللّه، عزّ وجلّ، الحجّ في ذي الحجّة. قال: وكان المشركون يسمّون الأشهر ذا الحجّة، والمحرّم، وصفر، وربيع، وربيع، وجمادى، وجمادى، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوّالًا وذا القعدة. وذا الحجّة يحجّون فيه مرّةً أخرى ثمّ يسكتون عن المحرم ولا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفر صفر، ثم يسمون رجب جمادى الآخرة، ثمّ يسمّون شعبان رمضان، ثمّ يسمّون شوّالًا رمضان، ثمّ يسمّون ذا القعدة شوالا ثمّ يسمّون ذا الحجّة ذا القعدة، ثمّ يسمّون المحرّم ذا الحجّة، فيحجّون فيه، واسمه عندهم ذو الحجّة، ثمّ عادوا بمثل هذه القصّة فكانوا يحجّون في كلّ شهرٍ عامين، حتّى وافق حجّة أبي بكرٍ الآخر من العامين في القعدة ثمّ حجّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حجّته الّتي حجّ، فوافق ذا الحجّة، فذلك حين يقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في خطبته: "إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّموات والأرض".
وهذا الّذي قاله مجاهدٌ فيه نظرٌ أيضًا، وكيف تصحّ حجّة أبي بكرٍ وقد وقعت في ذي القعدة، وأنّى هذا؟ وقد قال اللّه تعالى: {وأذانٌ من اللّه ورسوله إلى النّاس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريءٌ من المشركين ورسوله} الآية [التّوبة: 3]، وإنّما نودي بذلك في حجّة أبي بكرٍ، فلو لم تكن في ذي الحجّة لما قال تعالى: {يوم الحجّ الأكبر} ولا يلزم من فعلهم النّسيء هذا الّذي ذكره، من دوران السّنة عليهم، وحجّهم في كلّ شهرٍ عامين؛ فإنّ النّسيء حاصلٌ بدون هذا، فإنّهم لمّا كانوا يحلّون شهر المحرّم عامًا يحرّمون عوضه صفرا، وبعده ربيعٌ وربيعٌ إلى آخر [السّنة والسّنة بحالها على نظامها وعدّتها وأسماء شهورها ثمّ في العام القابل يحرّمون المحرّم ويتركونه على تحريمه، وبعده صفرٌ، وربيعٌ وربيعٌ إلى آخرها] فيحلّونه عامًا ويحرّمونه عامًا؛ ليواطئوا عدّة ما حرّم اللّه، فيحلّوا ما حرّم اللّه، أي: في تحريم أربعة أشهرٍ من السّنة، إلّا أنّهم تارةً يقدّمون تحريم الشّهر الثّالث من الثّلاثة المتوالية وهو المحرّم، وتارةً ينسئونه إلى صفرٍ، أي: يؤخّرونه. وقد قدّمنا الكلام على قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّموات والأرض، السّنة اثنا عشر شهرًا منها أربعةٌ حرمٌ، ثلاثةٌ متواليةٌ: ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم، ورجب مضر"، أي: أنّ الأمر في عدّة الشّهور وتحريم ما هو محرّمٌ منها، على ما سبق في كتاب اللّه من العدد والتّوالي، لا كما يعتمده جهلة العرب، من فصلهم تحريم بعضها بالنّسيء عن بعضٍ، واللّه أعلم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا صالح بن بشر بن سلمة الطّبرانيّ، حدّثنا مكّيّ بن إبراهيم، حدّثنا موسى بن عبيدة، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر أنّه قال: وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالعقبة، فاجتمع إليه من شاء اللّه من المسلمين، فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو له أهلٌ ثمّ قال: "وإنّما النّسيء من الشّيطان، زيادةٌ في الكفر، يضلّ به الّذين كفروا، يحلّونه عامًا ويحرّمونه عاما". فكانوا يحرمون المحرم عاما، ويستحلون صفر ويستحلّون المحرّم، وهو النّسيء
وقد تكلّم الإمام محمّد بن إسحاق على هذا في كتاب "السّيرة" كلامًا جيّدًا ومفيدًا حسنًا، فقال: كان أوّل من نسأ الشّهور على العرب، فأحلّ منها ما حرّم اللّه، وحرّم منها ما أحلّ اللّه، عزّ وجلّ، "القلمّس"، وهو: حذيفة بن عبد مدركة فقيم بن عديّ بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان، ثمّ قام بعده على ذلك ابنه عبّاد ثمّ من بعد عبّادٍ ابنه قلع بن عبّادٍ، ثمّ ابنه أميّة بن قلعٍ، ثمّ ابنه عوف بن أميّة، ثمّ ابنه أبو ثمامة جنادة بن عوفٍ، وكان آخرهم، وعليه قام الإسلام. فكانت العرب إذا فرغت من حجّها اجتمعت إليه، فقام فيهم خطيبًا، فحرّم رجبًا، وذا القعدة، وذا الحجّة، ويحلّ المحرم عاما، ويجعل مكانه صفر، ويحرّمه عامًا ليواطئ عدّة ما حرّم اللّه، فيحلّ ما حرّم اللّه، يعني: ويحرّم ما أحلّ اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 150-153]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة