العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:56 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (155) إلى الآية (157) ]

{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:39 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلمّا أخذتهم الرّجفة قال ربّ لو شئت أهلكتهم مّن قبل وإيّاي}.
يقول تعالى ذكره: واختار موسى من قومه سبعين رجلاً للوقت والأجل الّذي وعده اللّه أن يلقاه فيه بهم للتّوبة ممّا كان من فعل سفهائهم في أمر العجل.
- كما حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: إنّ اللّه أمر موسى عليه السّلام أن يأتيه في ناسٍ من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موعدًا. فاختار موسى قومه سبعين رجلاً على عينه، ثمّ ذهب بهم ليعتذروا، فلمّا أتوا ذلك المكان، قالوا: لن نؤمن لك يا موسى حتّى نرى اللّه جهرةً، فإنّك قد كلّمته فأرناه، فأخذتهم الصّاعقة فماتوا. فقام موسى يبكي ويدعو اللّه ويقول: ربّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم، لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلاً الخيّر فالخيّر، وقال: انطلقوا إلى اللّه فتوبوا إليه ممّا صنعتم، واسألوه التّوبة على من تركتم وراءكم من قومكم، صوموا، وتطهّروا، وطهّروا ثيابكم، فخرج بهم إلى طور سينا لميقاتٍ وقّته له ربّه، وكان لا يأتيه إلاّ بإذنٍ منه وعلمٍ، فقال السّبعون فيما ذكر لي حين صنعوا ما أمرهم به، وخرجوا معه للقاء ربّه لموسى: اطلب لنا نسمع كلام ربّنا، فقال: أفعل. فلمّا دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمود الغمام حتّى تغشّى الجبل كلّه، ودنا موسى فدخل فيه، وقال للقوم: ادنوا، وكان موسى إذا كلّمه اللّه، وقع على جبهته نورٌ ساطعٌ، لا يستطيع أحدٌ من بني آدم أن ينظر إليه. فضرب دونه بالحجاب، ودنا القوم حتّى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودًا، فسمعوه وهو يكلّم موسى، يأمره وينهاه: افعل، ولا تفعل، فلمّا فرغ اللّه من أمره، وانكشف عن موسى الغمام، أقبل إليهم، فقالوا لموسى: {لن نؤمن لك حتّى نرى اللّه جهرةً} {فأخذتهم الرّجفة} وهي الصّاعقة، فالتقت أرواحهم فماتوا جميعًا، وقام موسى عليه السّلام يناشد ربّه ويدعوه ويرغب إليه، ويقول: ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي، قد سفهوا، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا} قال: كان اللّه أمره أن يختار من قومه سبعين رجلاً، فاختار سبعين رجلاً، فبرز بهم ليدعوا ربّهم، فكان فيما دعوا اللّه أن قالوا: اللّهمّ أعطنا ما لم تعط أحدًا بعدنا، فكره اللّه ذلك من دعائهم، فأخذتهم الرّجفة. قال موسى: {ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي} الآية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا خالد بن حيّان، عن جعفرٍ، عن ميمونٍ: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا} قال: لموعدهم الّذي وعدهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {سبعين رجلاً لميقاتنا} قال: اختارهم لتمام الوعد.
وقال آخرون: إنّما أخذتهم الرّجفة من أجل دعواهم على موسى قتل هارون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثني أبو إسحاق، عن عمارة بن عبدٍ السّلوليّ، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: انطلق موسى وهارون وشبّرٌ وشبيرٌ، فانطلقوا إلى سفح جبلٍ، فنام هارون على سريرٍ، فتوفّاه اللّه. فلمّا رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا له: أين هارون؟ قال: توفّاه اللّه. قالوا: أنت قتلته، حسدتنا على خلقه ولينه أو كلمةٌ نحوها قال: فاختاروا من شئتم، قال: فاختاروا سبعين رجلاً. قال: فذلك قوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا} قال: فلمّا انتهوا إليه قالوا: يا هارون من قتلك؟ قال: ما قتلني أحدٌ، ولكنّني توفّاني اللّه. قالوا: يا موسى لن نعصي بعد اليوم، قال: فأخذتهم الرّجفة. قال: فجعل موسى يرجع يمينًا وشمالاً، وقال: يا {ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلاّ فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء} قال: فأحياهم اللّه وجعلهم أنبياء كلّهم.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن رجلٍ، من بني سلولٍ، أنّه سمع عليًّا، رضي اللّه عنه يقول في هذه الآية: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا} قال: كان هارون حسن الخلق محبّبًا في بني إسرائيل. قال: فلمّا مات دفنه موسى. قال: فلمّا أتى بني إسرائيل، قالوا له: أين هارون؟ قال: مات. فقالوا: قتلته، قال: فاختار منهم سبعين رجلاً. قال: فلمّا أتوا القبر، قال موسى: أقتلت أو متّ؟ قال: متّ. قال: فأصعقوا، فقال موسى: ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت؟ يقولون: أنت قتلتهم، قال: فأحيوا وجعلوا أنبياء.
- حدّثني عبد اللّه بن الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا أبي، قال، حدّثنا الرّبيع بن حبيبٍ، قال: سمعت أبا سعيدٍ، يعني الرّقاشيّ، وقرأ، هذه الآية: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا} فقال: كانوا أبناء ما عدا عشرين ولم يتجاوزوا الأربعين، وذلك أنّ ابن عشرين قد ذهب جهله وصباه، وأنّ من لم يتجاوز الأربعين لم يفقد من عقله شيئًا.
وقال آخرون: إنّما أخذت القوم الرّجفة لتركهم فراق عبدة العجل، لا لأنّهم كانوا من عبدته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا} فقرأ حتّى بلغ: {السّفهاء منّا} ذكر لنا أنّ ابن عبّاسٍ كان يقول: إنّما تناولتهم الرّجفة؛ لأنّهم لم يزايلوا القوم حين نصبوا العجل، وقد كرهوا أن يجامعوهم عليه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا} ممّن لم يكن قال ذلك القول على أنّهم لم يجامعوهم عليه، فأخذتهم الرّجفة من أجل أنّهم لم يكونوا باينوا قومهم حين اتّخذوا العجل. فلمّا خرجوا ودعوا، أماتهم اللّه ثمّ أحياهم. {فلمّا أخذتهم الرّجفة قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا}.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، قال: قال مجاهدٌ: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا} والميقات: الموعد. فلمّا أخذتهم الرّجفة بعد أن خرج موسى بالسّبعين من قومه يدعون اللّه ويسألونه أن يكشف عنهم البلاء، فلم يستجب لهم، علم موسى أنّهم قد أصابوا من المعصية ما أصابه قومهم قال ابن سعدٍ: فحدّثني محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: لم يستجب لهم من أجل أنّهم لم ينهوهم عن المنكر ويأمروهم بالمعروف. قال: فأخذتهم الرّجفة فماتوا، ثمّ أحياهم اللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن عوفٍ، عن سعيد بن حيّان، عن ابن عبّاسٍ: إنّ السّبعين الّذين اختارهم موسى من قومه، إنّما أخذتهم الرّجفة؛ إنّهم لم يرضوا ولم ينهوا عن العجل.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا عوفٌ، قال: حدّثنا سعيد بن حيّان، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه.
واختلف أهل العربيّة في وجه نصب قوله: {قومه سبعين رجلاً لميقاتنا} فقال بعض نحويّي البصرة: معناه: واختار موسى من قومه سبعين رجلاً، فلمّا نزع من أعمل الفعل، كما قال الفرزدق:
ومنّا الّذي اختير الرّجال سماحةً ....... وجودًا إذا هبّ الرّياح الزّعازع
وكما قال الآخر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ....... فقد تركتك ذا مالٍ وذا نشبٍ
وقال الرّاعي:
اخترتك النّاس إذ غثّت خلائقهم ....... واعتلّ من كان يرجى عنده السّول
وقال بعض نحويّي الكوفة: إنّما استجيز وقوع الفعل عليهم إذا طرحت من؛ لأنّه مأخوذٌ من قولك: هؤلاء خير القوم، وخيرٌ من القوم، فإذا جازت الإضافة مكان من ولم يتغيّر المعنى، استجازوا أن يقولوا: اخترتكم رجلاً، واخترت منكم رجلاً.
وقد قال الشّاعر:
فقلت له اخترها قلوصًا سمينةً
وقال الرّاجز:
تحت الّتي اختار له اللّه الشّجر
بمعنى: اختارها له اللّه من الشّجر.
وهذا القول الثّاني أولى عندي في ذلك بالصّواب؛ لدلالة الاختيار على طلب من الّتي بمعنى التّبعيض، ومن شأن العرب أن تحذف الشّيء من حشو الكلام إذا عرف موضعه، وكان فيما أظهرت دلالةٌ على ما حذفت، فهذا من ذلك إن شاء اللّه.
وقد بيّنّا معنى الرّجفة فيما مضى بشواهدها، وأنّها ما رجف بالقوم وأرعبهم وحرّكهم وأهلكهم بعد، فأماتهم أو أصعقهم، فسلب أفهامهم.
وقد ذكرنا الرّواية في غير هذا الموضع، وقول من قال: إنّها كانت صاعقةً أماتتهم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فلمّا أخذتهم الرّجفة} ماتوا ثمّ أحياهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {سبعين رجلاً لميقاتنا} اختارهم موسى لتمام الموعد. {فلمّا أخذتهم الرّجفة} ماتوا ثمّ أحياهم اللّه.
- حدّثني عبد الكريم، قال: حدّثنا إبراهيم، قال: حدّثنا سفيان، قال: قال أبو سعدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {فلمّا أخذتهم الرّجفة} قال: رجف بهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلاّ فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: أتهلك هؤلاء الّذين أهلكتهم بما فعل السّفهاء منّا: أي: بعبادة من عبد العجل. قالوا: وكان اللّه إنّما أهلكهم؛ لأنّهم كانوا ممّن يعبد العجل، وقال موسى ما قال ولا علم عنده بما كان منهم من ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا} فأوحى اللّه إلى موسى: إنّ هؤلاء السّبعين ممّن اتّخذ العجل، فذلك حين يقول موسى: {إن هي إلاّ فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء}.
وقال آخرون: معنى ذلك: إنّ إهلاكك هؤلاء الّذين أهلكتهم هلاكٌ لمن وراءهم من بني إسرائيل إذا انصرفت إليهم، وليسوا معي، والسّفهاء على هذا القول كانوا المهلكين الّذين سألوا موسى أن يريهم ربّهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لمّا أخذت الرّجفة السّبعين فماتوا جميعًا، قام موسى يناشد ربّه ويدعوه، ويرغب إليه يقول: ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي قد سفهوا، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما فعل السّفهاء منّا؟ أي: إنّ هذا لهم هلاكٌ، قد اخترت منهم سبعين رجلاً الخيّر فالخيّر، أرجع إليهم وليس معي رجلٌ واحدٌ؟ فما الّذي يصدّقونني به أو يأمنونني عليه بعد هذا.
وقال آخرون في ذلك بما:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا} أتؤاخذنا وليس منّا رجلٌ واحدٌ ترك عبادتك ولا استبدل بك غيرك.
وأولى القولين بتأويل الآية، قول من قال: إنّ موسى إنّما حزن على هلاك السّبعين بقوله: {أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا} وإنّه إنّما عنى بالسّفهاء عبدة العجل وذلك أنّه محالٌ أن يكون موسى -صلّى اللّه عليه وسلّم- كان تخيّر من قومه لمسألة ربّه ما أراه أن يسأل لهم إلاّ الأفضل فالأفضل منهم، ومحالٌ أن يكون الأفضل كان عنده من أشرك في عبادة العجل واتّخذه دون اللّه إلهًا.
قال: فإن قال قائلٌ: فجائزٌ أن يكون موسى عليه السّلام كان معتقدًا أنّ اللّه سبحانه يعاقب قومًا بذنوب غيرهم، فيقول: أتهلكنا بذنوب من عبد العجل، ونحن من ذلك برآء؟
قيل جائزٌ أن يكون معنى الإهلاك قبض الأرواح على غير وجه العقوبة، كما قال جلّ ثناؤه: {إن امرؤٌ هلك} يعني: مات، فيقول: أتميتنا بما فعل السّفهاء منّا.
وأمّا قوله: {إن هي إلاّ فتنتك} فإنّه يقول جلّ ثناؤه: ما هذه الفعلة الّتي فعلها قومي من عبادتهم ما عبدوا دونك، إلاّ فتنةً منك أصابتهم. ويعني بالفتنة: الابتلاء والاختبار. يقول: ابتليتهم بها ليتبيّن الّذي يضلّ عن الحقّ بعبادته إيّاه والّذي يهتدي بترك عبادته. وأضاف إضلالهم وهدايتهم إلى اللّه؛ إذ كان ما كان منهم من ذلك عن سببٍ منه جلّ ثناؤه.
وبنحو ما قلنا في الفتنة قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، {إن هي إلاّ فتنتك} قال: بليّتك.
- قال: حدّثنا حبّويه الرّازيّ، عن يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ: {إلاّ فتنتك} إلاّ بليّتك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، قال: أخبرنا ابن جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ: {إن هي إلاّ فتنتك} قال: بليّتك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {إن هي إلاّ فتنتك تضلّ بها من تشاء} إن هو إلاّ عذابك تصيب به من تشاء، وتصرفه عمّن تشاء.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إن هي إلاّ فتنتك} أنت فتنتهم.
وقوله: {أنت وليّنا} يقول: أنت ناصرنا. {فاغفر لنا} يقول: فاستر علينا ذنوبنا بتركك عقابنا عليها. {وارحمنا} تعطّف علينا برحمتك. {وأنت خير الغافرين} يقول: خير من صفح عن جرمٍ وستر على ذنبٍ). [جامع البيان: 10/ 467-478]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({واختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقاتنا فلمّا أخذتهم الرّجفة قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلّا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين (155)}
قوله تعالى: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو بكر بن بشّارٍ، ثنا يحيى بن سعيدٍ، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمارة، عن عليٍّ قال: انطلق موسى وهارون وبشرٌ وبشيرٌ قال: فانطلقوا إلى سفح جبلٍ فنام هارون على سريره فتوفّاه اللّه، فلمّا رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا له: أين هارون؟ قال: توفّاه اللّه قالوا: أنت قتلته حسدتنا على خلقه ولينه- أو كلمةٌ نحوها- قال: اختاروا من شئتم فاختاروا سبعين رجلاً.
فذلك قوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا} فلمّا انتهوا إليه قالوا:
يا هارون من قتلك قال: ما قتلني أحدٌ ولكن توفّاني اللّه، قالوا يا موسى لن نعصي بعدها ف أخذتهم الرّجفة.
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ الواسطيّ ويزيد بن هارون، عن أصبغ بن زيدٍ، عن القاسم ابن أبي أيّوب، حدّثني سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: ثمّ انصرف يعني موسى إلى السّامريّ فقال له: ما حملك على ما صنعت قال: قبضت قبضةً من أثر رسول اللّه فطنت وعمّيت عليكم فقذفتها، وكذلك سوّلت لي نفسي إلى قوله: ثمّ لننسفنّه في اليمّ نسفًا، ولو كان إلهًا لم يخلص إلى ذلك منه فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة واغتبط الّذين كان رأيهم فيه رأي هارون قالوا بجماعتهم لموسى: سل ربّك أن يفتح لنا باب توبةٍ نصنعها تكفّر لنا ما عملنا فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً لذلك لا يألون الخير خيار بني إسرائيل ومن لم يشرك في العجل فانطلق يسأل ربّه عزّ وجلّ لقومه التّوبة فرجفت به الأرض.
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حمّادٌ عن أبي هارون العبديّ عن نوفٍ البكاليّ: أنّ موسى -صلّى اللّه عليه وسلّم- لمّا اختار من قومه سبعين رجلاً قال لهم: فدوا إلى اللّه وسلوه فكانت لموسى مسألةٌ، ولهم مسألةٌ، فلمّا انتهى إلى الطّور المكان الّذي وعده اللّه به قال لهم موسى: سلوا اللّه قالوا: أرنا اللّه جهرةً قال: ويحكم تسألون اللّه هذا مرّتين قالوا: هي مسألتنا أرنا الله جهرة ف أخذتهم الرّجفة.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: واختار موسى قومه سبعين رجلاً قال: اختار موسى من قومه اثنى عشر نقيبًا من اثنى عشر سبطًا لكلّ سبطٍ رجلاً يعني بالنّقيب النّافذ في الأمر وأخذه له.
- حدّثنا أبي، ثنا مسدّدٌ، ثنا يحيى بن سعيدٍ، عن أبي سلمة، سمعت أبا سعيدٍ الرّقاشيّ يقول: اختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا قال: كانوا أيتامًا قد جاوزوا العشرين فلم يبلغوا الأربعين، وذلك أنّ ابن العشرين قد ذهب جهله وصباه وإنّ ابن الأربعين لم يفقد من عقله شيئاً.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا قال: كان اللّه عزّ وجلّ أمره أن يختار من قومه سبعين رجلاً فاختار سبعين رجلاً، فبرز بهم ليدعوا ربّهم تبارك وتعالى، فكان فيما دعوا اللّه عزّ وجلّ أن قالوا: اللّهمّ أعطنا ما لم تعط أحدًا قبلنا ولا تعط أحدًا بعدنا فكره اللّه جلّ ثناؤه ذلك من دعائهم ف أخذتهم الرجفة.
قوله عز وجل: {فلما أخذتهم الرجفة}
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ، ثنا محمّد بن الحسين ويزيد بن هارون قالا، ثنا أصبغ بن زيدٍ عن القاسم بن أبي أيّوب، حدّثني سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ ف أخذتهم الرّجفة، وكان فيهم من قد اطّلع اللّه منه على ما أشرب قلبه من حبّ العجل والإيمان به فلذلك رجفت بهم الأرض.
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حمّاد بن سلمة، عن أبي هارون العبديّ عن نوفٍ البكاليّ قال: فقالوا أرنا اللّه جهرةً ف أخذتهم الرّجفة فصعقوا.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ فلما أخذتهم الرجفة ماتوا ثمّ أحياهم.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو توبة، ثنا ابن المبارك، عن عوفٍ، عن سعيد بن حيّان: قال: إنّ السّبعين إنّما أخذتهم الرّجفة لأنّهم لم يأمروا بالعجل ولم ينهوا عنه.
قوله تعالى: {قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي}
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن بشّارٍ، ثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمارة، عن علي قال: ف أخذتهم الرّجفة فجعل موسى يرجع يمينًا وشمالا قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء فأحياهم اللّه وجعلهم أنبياء.
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حمّادٌ عن أبي هارون العبديّ عن نوفٍ البكاليّ قال: فقال موسى أي ربّ جئتك بسبعين من خيار بني إسرائيل فارجع إليهم وليس معي منهم أحدٌ، فكيف أصنع ببني إسرائيل أليس يقتلوني؟ فقيل له سل مسألتهم ومسألته وجعلت تلك الدّعوة لهذه الأمّة.
قوله تعالى: {إن هي إلا فتنتك}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {إن هي إلا فتنتك}؛ يقول: إن هو إلا عذابك.
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث ثنا عبد الرّحمن الدّشتكيّ أنبأ أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله: {إنّ هي إلا فتنتك} يقول: بليّتك- وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قول اللّه: {إن هي إلا فتنتك} قال: أنت فتنتهم.
قوله تعالى: {تضلّ بها من تشاء}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: {تضلّ بها من تشاء}؛ يقول: إن هو إلا عذابك تصيب به من تشاء.
قوله تعالى: {وتهدي من تشاء}
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: إن هي إلا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء يقول: إن هو إلا عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عن من تشاء.
قوله تعالى: {أنت وليّنا فاغفر لنا}
- وبه عن ابن عبّاسٍ أنت وليّنا فاغفر لنا يعني قال: ربّنا اغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1573-1576]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن الرقي وقتادة في قوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا} قال: اختارهم لتمام الموعد).[تفسير مجاهد: 247]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {فلما أخذتهم الرجفة} يقول: ماتوا ثم أحياهم). [تفسير مجاهد: 247]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {واختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقاتنا} قال: دعا موسى فبعث اللّه سبعين، فجعل دعاءه حين دعاه لمن آمن بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، واتّبعه قوله: {فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين} {فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة} والّذين يتّبعون محمّدًا -صلّى الله عليه وسلّم- وآله وسلّم «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 352]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {واختار موسى قومه} إلى آخر الآيات.
- عن ابن عبّاسٍ قال: سئل موسى - صلّى اللّه عليه وسلّم - مسألةً، فأعطيها محمّدٌ - صلّى اللّه عليه وسلّم - قوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلًا} إلى قوله: {فسأكتبها للّذين يتّقون}.
رواه البزّار، وفيه عطاء بن السّائب، وقد اختلط، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/ 24]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا إسحاق بن شاهين الواسطيّ، ثنا خالد بن عبد اللّه، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: سأل موسى -صلّى اللّه عليه وسلّم- مسألةً فأعطيها محمّدٌ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، قوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلا} إلى قوله: {فسأكتبها للّذين يتّقون}). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/ 49-50]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال محمّد بن يحيى بن أبي عمر: ثنا أبو أسامة، حدّثني عتيق بن حيّان الأزديّ، عن ابن عبّاسٍ- رضي اللّه عنه- قال: "إن السبعين الذي اختار موسى من قومه إنّما أخذتهم الرّجفة أنّهم لم ينهوا عن العجل ولم يرموا به"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 211]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال ابن أبي عمر: حدثنا أبو أسامة، حدّثني (عتيق بن حيّان) الأزديّ، عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما، قال: إنّ السّبعين الذي: اختار موسى من قومه إنّما أخذتهم الرّجفة، أنّهم لم ينهوا عن العجل ولم (يرضوا به) ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 660]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {واختار موسى قومه} الآية، قال: كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلا فاختار سبعين رجلا فبرز بهم فكان ليدعوا ربكم فيما دعوا الله أن قالوا: اللهم أعطنا ما لم تعطه أحدا بعدنا فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة قال موسى: {لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك} يقول: إن هو إلا عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عمن تشاء.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن نوف الحميري قال: لما اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقات ربه قال الله لموسى: أجعل لكم الأرض مسجدا وطهورا وأجعل لكم السكينة معكم في بيوتكم وأجعلكم تقرأون التوراة من ظهور قلوبكم فيقرأها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير، فقال موسى: إن الله قد جعل لكم الأرض مسجدا وطهورا، قالوا: لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس، قال: ويجعل السكينة معكم في بيوتكم، قالوا: لا نريد إلا كما كانت في التابوت، قال: ويجعلكم تقرأون التوراة عن ظهور قلوبكم فيقرأها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير، قالوا: لا نريد أن نقرأها إلا نظرا، قال الله: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة} إلى قوله: {المفلحون} قال موسى: أتيتك بوفد قومي فجعلت وفادتهم لغيرهم اجعلني نبي هذه الأمة، قال: إن نبيهم منهم، قال: اجعلني من هذه الأمة، قال: إنك لن تدركهم، قال: رب أتيتك بوفد قومي فجعلت وفادتهم لغيرهم، قال: فأوحى الله إليه: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}.
قال: فرضي موسى، قال نوف: ألا تحمدون ربا شهد غيبتكم وأخذ لكم بسمعكم وجعل وفادة غيركم لكم.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن نوف البكالي، إن موسى لما اختار من قومه سبعين رجلا قال لهم: فدوا إلى الله وسلوه فكانت لموسى مسألة ولهم مسألة فلما انتهى إلى الطور - المكان الذي وعده الله به - قال لهم موسى: سلوا الله، قالوا: {أرنا الله جهرة} [النساء: 153] قال: ويحكم، تسألون الله هذا مرتين قال: هي مسألتنا أرنا الله جهرة فأخذتهم الرجفة فصعقوا فقال موسى: أي رب جئتك بسبعين من خيار بني اسرائيل فأرجع إليهم وليس معي منهم أحد فكيف أصنع ببني إسرائيل أليس يقتلونني فقيل له: سل مسألتك، قال: أي رب إني أسألك أن تبعثهم، فبعثهم الله فذهبت مسألتهم ومسألته وجعلت تلك الدعوة لهذه الأمة.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي سعيد الرقاشي في قوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلا} قال: كانوا قد جاوزوا الثلاثين ولم يبلغوا الأربعين وذلك أن من جاوز الثلاثين فقد ذهب جهله وصباه ومن بلغ الأربعين لم يفقد من عقله شيئا.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا} قال: لتمام الموعد، وفي قوله: {فلما أخذتهم الرجفة} قال: ماتوا ثم أحياهم.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي العالية في قوله: {إن هي إلا فتنتك} قال: بليتك.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {إن هي إلا فتنتك} قال: مشيئتك.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: قال موسى: يا رب إن هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل أرأيت الروح من نفخها فيه قال الرب: أنا، قال: رب فأنت إذا أضللتهم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن راشد بن سعد، أن موسى لما أتى ربه لموعده قال: يا موسى إن قومك افتتنوا من بعدك، قال: يا رب وكيف يفتنون وقد أنجيتهم من فرعون ونجيتهم من البحر وأنعمت عليهم قال: يا موسى إنهم اتخذوا من بعدك عجلا جسدا له خوار، قال: يا رب فمن جعل فيه الروح قال: أنا، قال: فأنت أضللتهم يا رب، قال: يا موسى يا رأس النبيين يا أبا الحكماء إني رأيت ذلك في قلوبهم فيسرته لهم.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي عمر العدني في مسنده، وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: إن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم يرضوا بالعجل ولم ينهوا عنه.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة قال: ذكر لنا أن أولئك السبعين كانوا يلبسون ثياب الطهرة ثياب يغزله وينسجه العذارى ثم يتبرزون صبيحة ليلة المطر إلى البرية فيدعون الله فيها فو الله ما سأل القوم يومئذ شيئا إلا أعطاه الله هذه الأمة.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، إن السبعين الذين اختار موسى من قومه كانوا يعرفون بخضاب السواد). [الدر المنثور: 6/ 600-603]

تفسير قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر في قوله تعالى: {فسأكتبها للذين يتقون} قال: أخبرني يحيى بن أبي كثير عن نوف البكالي قال لما انطلق موسى بوفد بني إسرائيل فناجاه ربه قال إني أجعل السكينة في قلوبهم وأجعلهم يقرؤون التوراة عن ظهر ألسنتهم وأجعل لهم الأرض مساجد يصلون حيث أدركتهم الصلاة إلا عند مرحاض أو حمام قال فقالوا لا نصلي إلا في الكنيسة ولا نستطيع أن نحمل السكينة في قلوبنا فاجعلها لنا في تابوت ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهر ألسنتنا قال: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة} حتى بلغ المفلحون قال فقال موسى رب جئتك بوفد بني إسرائيل فجعلت وفادتهم لغيرهم قال فقال موسى اجعلني نبيهم قال نبيهم منهم قال يا رب فاجعلني منهم قال يا رب فاجعلني منهم قال إنك لن تدركهم قال فقيل له: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} قال فكان نوف يقول الحمد لله الذي حفظ غيبكم وأخذ بسهمكم وجعل وفادة بني إسرائيل لكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 237-238]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {إنا هدنا إليك} قال تبنا إليك). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 239]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن وقتادة في قوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} قال وسعت في الدنيا البر والفاجر وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 243]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن عبد الرّحمن الأصبهانيّ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {إنا هدنا إليك} قال: تبنا إليك ). [تفسير الثوري: 114]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك... } إلى قوله تعالى: {أولئك هم المفلحون}
- حدّثنا سعيدٌ ؛ قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا خالدٌ، عن أبي العريان، قال: قال ابن عبّاسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك} -، قال: فلم يعطها موسى، {قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ... } إلى قوله: {أولئك هم المفلحون}.
- حدّثنا سعيدٌ ؛ قال: نا أبو معاوية، عن موسى بن قيسٍ، عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجل: {ويضع عنهم إصرهم} - قال: عهودًا كانت عليهم). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 158-159]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا محمّد بن يزيد، عن العوّام، عن إبراهيم التّيميّ {إنّا هدنا إليك} قال: تبنا). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 303]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو الأحوص، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {إنّا هدنا إليك} قال: تبنا). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 407]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: ... وقال غيره: " هادوا: صاروا يهودًا، وأمّا قوله: {هدنا} [الأعراف: 156] : تبنا، هائدٌ: تائبٌ "). [صحيح البخاري: 6/57] (م)

- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله هادوا تابوا هدنا تبنا هائدٌ تائبٌ هو كلام أبي عبيدة وقد تقدم في أوائل الهجرة). [فتح الباري: 8/295] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وأما قوله) تعالى: إنّا ({هدنا}) إليك بالأعراف فمعناه (تبنا هائد تائب) كذا نقل ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، وغيره الخ لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/121]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن دعاء نبيّه موسى عليه السّلام أنّه قال فيه: {واكتب لنا} أي: اجعلنا ممّن كتبت له {في هذه الدّنيا حسنةً} وهي الصّالحات من الأعمال، {وفي الآخرة} ممّن كتبت له المغفرة لذنوبه.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً} قال: مغفرةً. وقوله: {إنّا هدنا إليك} يقول: إنّا تبنا إليك.
وبنحو ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، وابن فضيلٍ وعمران بن عيينة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، وقال عمران: عن ابن عبّاسٍ: {إنّا هدنا إليك} قال: إنّا تبنا إليك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: تبنا إليك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: تبنا إليك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن بكرٍ، عن حاتم بن أبي مغيرة، عن سماكٍ: أنّ ابن عبّاسٍ قال في هذه الآية: {إنّا هدنا إليك} قال: تبنا إليك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: أحسبه عن ابن عبّاسٍ: إنّا هدنا إليك قال: تبنا إليك.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {إنّا هدنا إليك} يقول تبنا إليك.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثني يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن الأصبهانيّ عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {إنّا هدنا إليك} قال: تبنا إليك.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن ووكيع بن الجرّاح، قالا: حدّثنا سفيان عن عبد الرّحمن بن الأصبهانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ بمثله.
- حدّثني ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ابن الأصبهانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، مثله.
- حدّثني ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: تبنا إليك.
- حدّثني ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن زيدٍ، عن العوّام، عن إبراهيم التّيميّ، قال: تبنا إليك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن العوّام، عن إبراهيم التّيميّ، مثله.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {إنّا هدنا إليك} أي: إنّا تبنا إليك.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {هدنا إليك} قال: تبنا.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّا هدنا إليك} يقول: تبنا إليك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إنّا هدنا إليك} يقول: تبنا إليك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، قال: تبنا إليك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي جحيرٍ، عن الضّحّاك، قال: تبنا إليك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: تبنا إليك.
- وحدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول، فذكر مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، وعبيد اللّه، عن شريكٍ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، قال: تبنا إليك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حبّويه أبو يزيد، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن شريكٍ، عن جابرٍ، عن عبد اللّه بن يحيى، عن عليٍّ عليه السّلام قال: إنّما سمّيت اليهود لأنّهم قالوا {هدنا إليك}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {إنّا هدنا إليك} يعني: تبنا إليك.
- حدّثنا ابن البرقيّ، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: سمعت رجلاً يسأل سعيدًا: {إنّا هدنا إليك} قال: إنّا تبنا إليك.
وقد بيّنّا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.
القول في تأويل قوله تعالى: {قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون}.
يقول تعالى ذكره: {قال} اللّه لموسى: هذا الّذي أصبت به قومك من الرّجفة {عذابي أصيب به من أشاء} من خلقي، كما أصيب به هؤلاء الّذين أصبتهم به من قومك. {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} يقول: ورحمتي عمّت خلقي كلّهم.
وقد اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم مخرجه عامٌّ ومعناه خاصٌّ، والمراد به: ورحمتي وسعت المؤمنين بي من أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. واستشهد بالّذي بعده من الكلام وهو قوله: {فسأكتبها للّذين يتّقون} الآية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو سلمة المنقريّ، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، قال: أخبرنا عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قرأ: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون} قال: جعلها اللّه لهذه الأمّة.
- حدّثني عبد الكريم، قال: حدّثنا إبراهيم بن بشّارٍ، قال: قال سفيان، قال أبو بكرٍ الهذليّ: فلمّا نزلت: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} قال: إبليس: أنا من الشّيء.
فنزعها اللّه من إبليس، قال: {فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون} فقال اليهود: نحن نتّقي ونؤتي الزّكاة، ونؤمن بآيات ربّنا. فنزعها اللّه من اليهود، فقال: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ} الآيات كلّها. قال: فنزعها اللّه من إبليس ومن اليهود وجعلها لهذه الأمّة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: لمّا نزلت: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} قال إبليس: أنا من كلّ شيءٍ، قال اللّه: {فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون} الآية. فقالت اليهود: ونحن نتّقي ونؤتي الزّكاة. فأنزل اللّه: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ} قال: نزعها اللّه عن إبليس وعن اليهود، وجعلها لأمّة محمّدٍ، سأكتبها للّذين يتّقون من قومك.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} فقال إبليس: أنا من ذلك الشّيء، فأنزل اللّه: {فسأكتبها للّذين يتّقون} معاصي اللّه {والّذين هم بآياتنا يؤمنون} فتمّنتها اليهود والنّصارى. فأنزل اللّه شرطًا وثيقًا بيّنًا، فقال: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ} فهو نبيّكم كان أمّيًّا لا يكتب صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا خالدٌ الحذّاء، عن أنيس بن أبي العريان، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك} قال: فلم يعطها، فقال: {عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون} إلى قوله: {الرّسول النّبيّ الأمّيّ}.
- حدّثني ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عليّة، وعبد الأعلى، عن خالدٍ، عن أنيس بن أبي العريان قال عبد الأعلى: عن أنيس أبي العريان وقال: قال ابن عبّاسٍ: {واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك} قال: فلم يعطها موسى. {قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها} إلى آخر الآية.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان اللّه كتب في الألواح ذكر محمّدٍ وذكر أمّته وما ادّخر لهم عنده وما يسّر عليهم في دينهم وما وسّع عليهم فيما أحلّ لهم، فقال: {عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون} يعني الشّرك، الآية.
وقال آخرون: بل ذلك على العموم في الدّنيا وعلى الخصوص في الآخرة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، وقتادة، في قوله: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} قالا: وسعت في الدّنيا البرّ والفاجر، وهي يوم القيامة للّذين اتّقوا خاصّةً.
وقال آخرون: هي على العموم، وهي التّوبة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك} فقال: سأل موسى هذا، فقال اللّه: {عذابي أصيب به من أشاء} العذاب الّذي ذكر {ورحمتي} التّوبة {وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون} قال: فرحمته: التّوبة الّتي سأل موسى عليه السّلام كتبها اللّه لنا.
وأمّا قوله: {فسأكتبها للّذين يتّقون} فإنّه يقول: فسأكتب رحمتي الّتي وسعت كلّ شيءٍ. ومعنى أكتب في هذا الموضع: أكتب في اللّوح الّذي كتب فيه التّوراة {للّذين يتّقون} يقول: للقوم الّذين يخافون اللّه ويخشون عقابه على الكفر به والمعصية له في أمره ونهيه، فيؤدّون فرائضه، ويجتنبون معاصيه.
وقد اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي وصف اللّه هؤلاء القوم بأنّهم يتّقونه، فقال بعضهم: هو الشّرك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فسأكتبها للّذين يتّقون} يعني الشّرك.
وقال آخرون: بل هو المعاصي كلّها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فسأكتبها للّذين يتّقون} معاصي اللّه وأمّا الزّكاة وإيتاؤها، فقد بيّنا صفتها فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وقد ذكر عن ابن عبّاسٍ في هذا الموضع أنّه قال في ذلك ما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ويؤتون الزّكاة} قال: يطيعون اللّه ورسوله فكأنّ ابن عبّاسٍ تأوّل ذلك بمعنى أنّه العمل بما يزكّي النّفس ويطهّرها من صالحات الأعمال.
وأمّا قوله: {والّذين هم بآياتنا يؤمنون} فإنّه يقول: وللقوم الّذين هم بأعلامنا وأدلّتنا يصدّقون ويقرّون). [جامع البيان: 10/ 478-488]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون (156)}
قوله تعالى: {واكتب لنا في هذه الدّنيا}
- ذكر عن عبد الرّحمن بن بشر بن الحكم النّيسابوريّ، ثنا موسى بن عبد العزيز حدّثني الحكم بن أبان، حدّثني عكرمة في قوله: {واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة} فكتب الرّحمة يومئذٍ لهذه الأمّة.
قوله تعالى: {في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا أبو الأحوص محمّد بن حيّان، حدّثني عبّاد بن العوّام، أخبرني هشامٌ عن الحسن قوله: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً} قال: الحسنة في الدّنيا العلم والعبادة.
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا الحسين بن حفصٍ، ثنا سفيان عن رجلٍ، عن الحسن قوله: {في الدّنيا حسنةً} قال: الرّزق الطّيّب، والعلم النّافع في الدّنيا
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة {في الدنيا حسنة} في الدّنيا عافيةً.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد حدّثني عبد اللّه بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ في هذه الآية في هذه الدّنيا حسنةً قال: المرأة الصّالحة من الحسنات.
قوله تعالى: {إنا هدنا إليك}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ هدنا إليك تبنا إليك.
وروي عن أبي الطّفيل، وأبي العالية، ومجاهدٍ وسعيد بن جبيرٍ، وإبراهيم التّيميّ، والنّخعيّ، وعكرمة، وعطاءٍ الخراسانيّ، والرّبيع بن أنسٍ، والضّحّاك، وقتادة نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا المعلّى عن أبيه، ثنا هارون بن أبي عيسى الشّاميّ، عن محمّد بن إسحاق قال: سمعت أبا وجزة يقول: إنّا هدنا إليك بكسر الهاء يعني: ملنا.
- ذكر أبي النّضر هاشم بن القاسم، ثنا المسعوديّ، عن علي بن علي بن السائب عن إبراهيم عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: نحن أعلم من حيث تسمّت اليهود باليهوديّة منهم كلمة موسى صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّا هدنا إليك ولم تسمّت النّصارى بالنّصرانيّة كلمة عيسى -صلّى اللّه عليه وسلّم-: كونوا أنصار الله
قوله تعالى: {قال عذابي أصيب به من أشاء}
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {قال عذابي أصيب به من أشاء} للعذاب الّذي ذكر اللّه عزّ وجلّ.
قوله تعالى: {ورحمتي}
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري، ثنا سفيان، عن عمرو يعني بن دينارٍ عن عطاءٍ قال: إنّ اللّه خلق رحمته مائة رحمةٍ فقسم بين خلقه رحمةً وادّخر لنفسه تسعةً وتسعين فمن تلك الرّحمة يتعاطف بها بنو آدم بعضهم على بعض والبهايم بعضها على بعضٍ حتّى يوجد الطّير على فراخه، فإذا كان يوم القيامة يجمع تلك الرّحمة إلى التّسعة والتّسعين فوسعت رحمته كلّ شيءٍ.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: ورحمتي قال: التّوبة فسأكتبها للّذين يتّقون قال: فرحمته التّوبة الّتي سأل موسى.
قوله تعالى: {وسعت كلّ شيءٍ}
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن الحسن وقتادة يعني قوله: {وسعت كلّ شيءٍ} قال: وسعت في الدّنيا البرّ والفاجر وهي يوم القيامة للّذين اتّقوا خاصّةً.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان عن الوليد قال: سألت صدقة بن يزيد الخراسانيّ عن قول اللّه:{ ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} فقال: حدّثني الحسن بن ذكوان عن الحسن البصريّ قال: اشترك في هذه الآية في الدّنيا المسلم والكافر فإذا كان يوم القيامة كانت للمتّقين خاصّةً.
- حدّثنا أبي، ثنا سلمة بن شبيبٍ ثنا إبراهيم بن خالدٍ، عن عمر بن عبد الرّحمن بن مهربٍ قال: ذكرنا عند سماك بن الفضل، أيّ شيءٍ أعظم فذكروا السّماوات والأرض وهو ساكتٌ، فقالوا: ما تقول يا أبا الفضل، فقال: ما من شيءٍ أعظم من رحمته قال اللّه تعالى: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ}.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان عن أبي بكرٍ الهذليّ قال: لمّا نزلت ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ قال إبليس: يا ربّ وأنا من الشّيء فنزلت فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون فنزعها اللّه من إبليس.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة يقول قوله: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} سمعها ناسٌ فقالوا: إنّا من ذلك الشّيء فأنزل اللّه: فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة
قوله تعالى: {فسأكتبها}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال: وكان تبارك وتعالى كتب في الألواح ذكر محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- وذكر أمّته، وما ذخر لهم عنده، وما يسّر عليهم في دينهم، وما وسّع عليهم فيما أحلّ لهم: قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون. الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل
- حدّثنا أبو هارون الخزّاز، ثنا عبد اللّه بن الجهم ثنا عمرٌو ابن أبي قيسٍ ثنا ليثٌ عن شهرٍ عن نوفٍ قال: لمّا اختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا قال اللّه: يا موسى إنّي معلّم قومك التّوراة عن ظهر قلوبهم رجلهم وامرأتهم، وأجعل السّكينة في قلوبهم، وأجعل لهم الأرض مساجد وطهورًا قال: فعرض ذلك موسى على قومه فقالوا: لا نتعلّم التّوراة إلا نظرًا، ولا نصلّي إلا في الكنائس ولا تكون السّكينة إلا في التّابوت، قال اللّه عزّ وجلّ: فسأكتبها للذين يتقون إلى قوله: والإنجيل
قوله تعالى: {للذين يتقون}
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ الواسطيّ، ثنا محمّد بن الحسن ويزيد بن هارون عن أصبغ بن زيدٍ عن القاسم بن أبي أيّوب، حدّثني سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون فقال موسى: ربّ سألتك التّوبة لقومي فقلت إنّ رحمتك كتبتها لقومٍ غير قومك فليتك أخّرتني حتّى تخرجني حيًّا في أمّة ذلك الرّجل المرحومة.
- حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الهرويّ ثنا العلاء بن عبد الجبّار ثنا حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ أنّ ابن عبّاسٍ قرأ: ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون قال: جعلها اللّه لهذه الأمّة.
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى أنبأ يحيى بن يمانٍ، عن محمّد بن مسلمٍ البصريّ عن الحسن وابن سيرين فسأكتبها للّذين يتقون قالا: يتّقون الشّرك، وعبادة الأوثان.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ ثنا يزيد بن سمرة قال: سمعت عطاءً الخراسانيّ في قوله: {فسأكتبها للّذين يتّقون} قال: ليس لك ولا لأصحابك.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة {فسأكتبها للّذين يتّقون} معاصي اللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان ثنا أبو يحيى الحمّانيّ، عن محمّد العطّار عن كثير النّواء عن بعض أصحابنا عن عليٍّ أنّه سئل عن أبي بكرٍ وعمر فقال: عليٌّ رضي اللّه عنه إنّهما من الوفد السّبعين الّذين سئل موسى عليه السّلام فأعطى محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: {ويؤتون الزكاة}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: {الزّكاة} يعني: بالزّكاة طاعة اللّه والإخلاص.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين بن الجنيد ثنا أبو بكرٍ وعثمان أنبأ أبي شيبة قالا: ثنا وكيعٌ عن أبي جنابٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {الزّكاة} قال: ما يوجب الزّكاة، قال: مائتين فصاعدًا.
- حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ ثنا حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة وآتوا الزّكاة قال: زكاة المال من كلّ مائتي درهمٍ قفلة خمسة دراهم.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن في قوله: وآتوا الزّكاة قال: فريضةٌ واجبةٌ لا تنفع الأعمال إلا بها مع الصّلاة. وروي عن قتادة نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جريرٌ، عن أبي حيّان التّميميّ عن الحارث العكليّ في قوله: {وآتوا الزّكاة} قال: صدقة الفطر.
والوجه الرّابع:
- قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله لأهل الكتاب: وآتوا الزّكاة أمرهم أن يؤتوا الزّكاة، يدفعونها إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: {والّذين هم بآياتنا يؤمنون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا العبّاس ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: {والّذين هم بآياتنا يؤمنون} فثمنتها اليهود ذو النّصارى فأنزل اللّه عزّ وجلّ شرطًا وثيقًا بيّنًا فقال: الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، ثنا جريرٌ، عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قوله: {فسأكتبها للّذين يتّقون} ويؤتون الزّكاة الّذين يتّبعون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم. وروي عن قتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1576-1581]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد هدنا إليك قال تبنا إليك). [تفسير مجاهد: 247]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {واختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقاتنا}قال: دعا موسى فبعث اللّه سبعين، فجعل دعاءه حين دعاه لمن آمن بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، واتّبعه قوله: {فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين}{فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة} والّذين يتّبعون محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم وآله وسلّم «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 352] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس في قوله: {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة} قال: فلم يعطها موسى {قال عذابي أصيب به من أشاء} إلى قوله: {المفلحون}.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة} قال: فكتب الرحمة يومئذ لهذه الأمة.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة} قال: مغفرة.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {إنا هدنا إليك} قال: تبنا إليك.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد ين جبير في قوله: {إنا هدنا إليك} قال: تبنا
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وجرة السعدي - وكان من أعلم الناس بالعربية - قال: لا والله لا أعلمها في كلام أحد من العرب (هدنا) قيل: فكيف قال: هدنا بكسر الهاء يقول: ملنا.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن وقتادة في قوله: {ورحمتي وسعت كل شيء} قالا: وسعت في الدنيا البر والفاجر وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة.
- وأخرج أبو الشيخ عن عطاء في قوله: {ورحمتي وسعت كل شيء} قال: رحمته في الدنيا على خلقه كلهم يتقلبون فيها.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سماك بن الفضل، أنه ذكر عنده أي شيء أعظم فذكروا السموات والأرض وهو ساكت فقالوا: ما تقول يا أبا الفضل فقال: ما من شيء أعظم من رحمته قال الله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء}.
- وأخرج أحمد وأبو داود عن جندب بن عبد الله البجلي قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها ثم صلى خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم نادى: اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا أحدا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لقد حظرت رحمة واسعة إن الله خلق مائة رحمة فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنها وإنسها وبهائمها وعنده تسعة وتسعون
».
- وأخرج أحمد ومسلم عن سلمان عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن لله مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الوحوش على أولادها وأخر تسع وتسعون إلى يوم القيامة
».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان موقوفا، وابن مردويه عن سلمان قال: قال النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-:
«إن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السموات والأرض كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض فأهبط منها رحمة إلى الأرض فيها تراحم الخلائق وبها تعطف الوالدة على ولدها وبها يشرب الطير والوحوش من الماء وبها تعيش الخلائق فإذا كان يوم القيامة انتزعها من خلقه ثم أفاضها على المتقين وزاد تسعا وتسعين رحمة»، ثم قرأ: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون}.
- وأخرج الطبراني عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه الأحمق في معيشته والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه».
- وأخرج أحمد، وعبد بن حميد في مسنده وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري، أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:
«افتخرت الجنة والنار فقالت النار: يا رب يدخلني الجبابرة والملوك والأشراف، وقالت الجنة: يا رب، يدخلني الفقراء والضعفاء والمساكين، فقال الله للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء وقال للجنة: أنت رحمتي وسعت كل شيء ولكل واحدة منكما ملؤها».
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بكر الهذلي قال: لما نزلت: {ورحمتي وسعت كل شيء} قال إبليس: يا رب وأنا من الشيء، فنزلت {فسأكتبها للذين يتقون} الآية، فنزعها الله من إبليس.
- وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: لما نزلت: {ورحمتي وسعت كل شيء} قال إبليس: وأنا من الشيء، فنسخها الله فأنزل: {فسأكتبها للذين يتقون} إلى آخر الآية.
- وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال: لما نزلت {ورحمتي وسعت كل شيء} قال إبليس: أنا من كل شيء، قال الله: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة} قالت يهود: فنحن نتقي ونؤتي الزكاة، قال الله: {الذين يتبعون الرسول النّبيّ الأمي}
فعزلها الله عن إبليس وعن اليهود وجعلها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة نحوه.
- وأخرج البيهقي في الشعب عن سفيان بن عيينة قال: لما نزلت هذه الآية: {ورحمتي وسعت كل شيء} مد إبليس عنقه فقال: أنا من الشيء، فنزلت: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} فمدت اليهود والنصارى أعناقها فقالوا: نحن نؤمن بالتوراة والإنجيل ونؤدي الزكاة، فاختلسها الله من إبليس واليهود والنصارى فجعلها لهذه الأمة خاصة فقال: {الذين يتبعون} الآية.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والبزار في مسنده، وابن مردويه عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه مسألة فأعطاها محمدا -صلى الله عليه وسلم-، قوله: {واختار موسى قومه} إلى قوله: {فسأكتبها للذين يتقون} فأعطى محمدا -صلى الله عليه وسلم- كل شيء، سأل موسى ربه في هذه الآية.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فسأكتبها للذين يتقون} قال: كتبها الله لهذه الأمة.
- وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: دعا موسى فبعث الله سبعين فجعل دعاءه حين دعاه لمن آمن بمحمد واتبعه قوله: {فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين} {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة} والذين يتبعون محمدا.
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {فسأكتبها للذين يتقون} قال: يتقون الشرك.
- وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير {فسأكتبها للذين يتقون} أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال موسى: يا ليتني أخرت في أمة محمد، فقالت اليهود لموسى: أيخلق ربك خلقا ثم يعذبهم فأوحى الله إليه: يا موسى ازرع، قال: قد زرعت، قال: أحصد، قال: قد حصدت، قال: دس، قال: قد دست، قال: ذر، قال: قد ذريت، قال: فما بقي قال: ما بقي شيء فيه خير، قال: كذلك لا أعذب من خلقي إلا من لا خير فيه.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، إنه سئل عن أبي بكر وعمر فقال: إنهما من السبعين الذين سألهم موسى بن عمران فاخرا حتى أعطيهما محمدا صلى الله عليه وسلم، قال: وتلا هذه الآية: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا} الآية.
- وأخرج ابن مردويه، عن علي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إذا كان يوم الجمعة نزل جبريل عليه السلام إلى المسجد الحرام فركز لواءه بالمسجد الحرام وغدا بسائر الملائكة إلى المساجد التي يجمع فيها يوم الجمعة فركزوا ألويتهم وراياتهم بأبواب المساجد ثم نشروا قراطيس من فضة وأقلاما من ذهب ثم كتبوا الأول فالأول من بكر إلى الجمعة فإذا بلغ من في المسجد سبعين رجلا قد بكروا طووا القراطيس فكان أولئك السبعون كالذين اختارهم موسى من قومه والذين اختارهم موسى من قومه كانوا أنبياء».
- وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إذا راح منا إلى الجمعة سبعون رجلا كانوا كسبعين موسى الذين وفدوا إلى ربهم أو أفضل»). [الدر المنثور: 6/ 603-610]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك... } إلى قوله تعالى: {أولئك هم المفلحون}
- حدّثنا سعيدٌ ؛ قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا خالدٌ، عن أبي العريان، قال: قال ابن عبّاسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك} -، قال: فلم يعطها موسى، {قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ... } إلى قوله: {أولئك هم المفلحون}.
- حدّثنا سعيدٌ ؛ قال: نا أبو معاوية، عن موسى بن قيسٍ، عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجل: {ويضع عنهم إصرهم} - قال: عهودًا كانت عليهم). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 158-159] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل}.
وهذا القول إبانةٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن أنّ الّذين وعد موسى نبيّه عليه السّلام أن يكتب لهم الرّحمة الّتي وصفها جلّ ثناؤه بقوله: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} هم أمّة محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-؛ لأنّه لا يعلم للّه رسولٌ وصف بهذه الصّفّة أعني الأمّيّ غير نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وبذلك جاءت الرّوايات عن أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {فسأكتبها للّذين يتّقون} قال: أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن أشعث، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، في قوله: {فسأكتبها للّذين يتّقون} قال: أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال موسى عليه السّلام: ليتني خلقت في أمّة محمّدٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {فسأكتبها للّذين يتّقون} قال: الّذين يتّبعون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن شهر بن حوشبٍ، عن نوفٍ الحميريّ، قال: لمّا اختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقات ربّه قال اللّه لموسى: أجعل لكم الأرض مسجدًا وطهورًا، وأجعل السّكينة معكم في بيوتكم، وأجعلكم تقرءون التّوراة عن ظهور قلوبكم، يقرؤها الرّجل منكم والمرأة والحرّ والعبد والصّغير والكبير. فقال موسى لقومه: إنّ اللّه قد يجعل لكم الأرض طهورًا ومسجدًا. قالوا: لا نريد أنّ نصلّي إلاّ في الكنائس. قال: ويجعل السّكينة معكم في بيوتكم. قالوا: لا نريد إلاّ أن تكون كما كانت في التّابوت. قال: ويجعلكم تقرءون التّوراة عن ظهور قلوبكم ويقرؤها الرّجل منكم والمرأة والحرّ والعبد والصّغير والكبير. قالوا: لا نريد أن نقرأها إلاّ نظرًا. فقال اللّه: {فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة} إلى قوله: {أولئك هم المفلحون}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن نوفٍ البكاليّ، قال: لمّا انطلق موسى بوفد بني إسرائيل كلّمه اللّه، فقال: إنّي قد بسطت لهم الأرض طهورًا ومساجد يصلّون فيها حيث أدركتهم الصّلاة إلاّ عند مرحاضٍ أو قبرٍ أو حمّامٍ، وجعلت السّكينة في قلوبهم، وجعلتهم يقرءون التّوراة عن ظهر ألسنتهم. قال: فذكر ذلك موسى لبني إسرائيل، فقالوا: لا نستطيع حمل السّكينة في قلوبنا، فاجعلها لنا في تابوتٍ، ولا نقرأ التّوراة إلاّ نظرًا، ولا نصلّي إلاّ في الكنيسة، فقال اللّه: {فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة} حتّى بلغ: {أولئك هم المفلحون} قال: فقال موسى عليه السّلام: يا ربّ اجعلني نبيّهم، قال: نبيّهم منهم. قال: ربّ اجعلني منهم، قال: لن تدركهم. قال: يا ربّ أتيتك بوفد بني إسرائيل، فجعلت وفادتنا لغيرنا، فأنزل اللّه: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} قال نوفٌ البكاليّ: فاحمدوا اللّه الّذي حفظ غيبتكم، وأخذ لكم بسهمكم، وجعل وفادة بني إسرائيل لكم.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن نوفٍ البكاليّ بنحوه، إلاّ أنّه قال: فإنّي أنزل عليكم التّوراة تقرءونها عن ظهر ألسنتكم، رجالكم ونساؤكم وصبيانكم. قالوا: لا نصلّي إلاّ في كنيسةٍ، ثمّ ذكر سائر الحديث نحوه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {فسأكتبها للّذين يتّقون} قال: أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فسأكتبها للّذين يتّقون} قال: هؤلاء أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: لمّا قيل: {فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون} تمّنتها اليهود والنّصارى، فأنزل اللّه شرطًا بيّنًا وثيقًا، فقال: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ} وهو نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم كان أمّيًّا لا يكتب.
وقد بيّنّا معنى الأمّيّ فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وأمّا قوله: {الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل} فإنّ الهاء في قوله: {يجدونه} عائدةٌ على الرّسول، وهو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- كالّذي حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ} هذا محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني ابن المثنّى، قال: حدّثنا عثمان بن عمر، قال: حدّثنا فليحٌ، عن هلال بن عليٍّ، عن عطاء بن يسارٍ، قال: لقيت عبد اللّه بن عمرٍو، فقلت: أخبرني عن صفة رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- في التّوراة، قال: أجل واللّه إنّه لموصوفٌ في التّوراة كصفته في القرآن: {يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا} وحرزًا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا صخّابٍ في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة السّيّئة، ولكن يعفو ويصفح ولن نقبضه حتّى نقيم به الملّة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلاّ اللّه، فنفتح به قلوبًا غلفًا وآذانًا صمًّا، وأعينًا عميًا. قال عطاءٌ: ثمّ لقيت كعبًا فسألته عن ذلك، فما اختلفا حرفًا، إلاّ أنّ كعبًا قال بلغته: قلوبًا غلوفيا. وآذانًا صموميا، وأعينًا عموميا.
- حدّثني أبو كريبٍ، قال: حدّثنا موسى بن داود، قال: حدّثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن عليٍّ، قال: حدّثني عطاءٌ، قال: لقيت عبد اللّه بن عمرو بن العاص، فذكر نحوه. إلاّ أنّه قال في كلام كعبٍ: أعينًا عموما، وآذانًا صموما، وقلوبًا غلوفًا.
- حدّثني أبو كريبٍ، قال: حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عبد العزيز بن سلمة، عن هلال بن عليٍّ، عن عطاء بن يسارٍ، عن عبد اللّه بنحوه، وليس فيه كلام كعبٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال اللّه: {الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم} يقول: يجدون نعته وأمره ونبوّته مكتوبًا عندهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم}.
يقول تعالى ذكره: يأمر هذا النّبيّ الأمّيّ أتباعه بالمعروف، وهو الإيمان باللّه ولزوم طاعته فيما أمر ونهى، فذلك المعروف الّذي يأمرهم به، وينهاهم عن المنكر وهو الشّرك باللّه، والانتهاء عمّا نهاهم اللّه عنه.
وقوله: {ويحلّ لهم الطّيّبات} وذلك ما كانت الجاهليّة تحرّمه من البحائر والسّوائب والوصائل والحوامي. {ويحرّم عليهم الخبائث} وذلك لحم الخنزير والرّبا، وما كانوا يستحلّونه من المطاعم والمشارب الّتي حرّمها اللّه.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ويحرّم عليهم الخبائث} وهو لحم الخنزير والرّبا، وما كانوا يستحلّونه من المحرّمات من المآكل الّتي حرّمها اللّه.
وأمّا قوله: {ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: يعني بالإصر: العهد والميثاق الّذي كان أخذه على بني إسرائيل بالعمل بما في التّوراة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {ويضع عنهم إصرهم} قال: عهدهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: عهدهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن مباركٍ، عن الحسن: {ويضع عنهم إصرهم} قال: العهود الّتي أعطوها من أنفسهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن موسى بن قيسٍ، عن مجاهدٍ: {ويضع عنهم إصرهم} قال: عهدهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم} يقول: يضع عنهم عهودهم ومواثيقهم الّتي أخذت عليهم في التّوراة والإنجيل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم} ما كان اللّه أخذ عليهم من الميثاق فيما حرّم عليهم، يقول: يضع ذلك عنهم.
وقال بعضهم: عني بذلك أنّه يضع عمّن اتّبع نبيّ اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- التّشديد الّذي كان على بني إسرائيل في دينهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم} فجاء محمّدٌ -صلّى اللّه عليه وسلّم- بإقالةٍ منه وتجاوز عنه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ: {ويضع عنهم إصرهم} قال: البول ونحوه ممّا غلّظ على بني إسرائيل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، قال: شدّة العمل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ، قوله: {ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم} قال: من اتّبع محمّدًا ودينه من أهل الكتاب، وضع عنهم ما كان عليهم من التّشديد في دينهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أشعث، عن ابن سيرين، قال: قال أبو هريرة لابن عبّاسٍ: ما علينا في الدّين من حرجٍ أن نزني ونسرق؟ قال: بلى، ولكن الإصر الّذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ويضع عنهم إصرهم} قال: إصرهم الّذي جعله عليهم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ الإصر هو العهد، وقد بيّنّا ذلك بشواهده في موضعٍ غير هذا بما فيه الكفاية، وأنّ معنى الكلام: ويضع النّبيّ الأمّيّ العهد الّذي كان اللّه أخذ على بني إسرائيل من إقامة التّوراة، والعمل بما فيها من الأعمال الشّديدة كقطع الجلد من البول، وتحريم الغنائم، ونحو ذلك من الأعمال الّتي كانت عليهم مفروضةً، فنسخها حكم القرآن.
وأمّا الأغلال الّتي كانت عليهم، فكان ابن زيدٍ يقول بما:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عنه في قوله: {والأغلال الّتي كانت عليهم} قال: الأغلال. وقرأ: {غلّت أيديهم} قال: تلك الأغلال، قال: ودعاهم إلى أن يؤمنوا بالنّبيّ، فيضع ذلك عنهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}.
يقول تعالى ذكره: فالّذين صدّقوا بالنّبيّ الأمّيّ، وأقرّوا بنبوّته، {وعزّروه} يقول: وقّروه وعظّموه وحموه من النّاس.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {وعزّروه} يقول: حموه ووقّروه.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثني موسى بن قيسٍ، عن مجاهدٍ: {وعزّروه ونصروه} قال: عزّروه: سدّدوا أمره، وأعانوا رسوله ونصروه.
وقوله: {نصروه} يقول: وأعانوه على أعداء اللّه وأعدائه بجهادهم ونصب الحرب لهم. {واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه} يعني القرآن والإسلام. {أولئك هم المفلحون} يقول: الّذين يفعلون هذه الأفعال الّتي وصف بها جلّ ثناؤه أتباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم هم المنجحون، المدركون ما طلبوا ورجوا بفعلهم ذلك.
- حدّثني بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: فما نقموا، يعني اليهود إلاّ أن حسدوا نبيّ اللّه، فقال اللّه: {الّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه} فأمّا نصره وتعزيره فقد سبقتم به، ولكنّ خياركم من آمن باللّه واتّبع النّور الّذي أنزل معه.
يريد قتادة بقوله: فما نقموا إلاّ أن حسدوا نبيّ اللّه، أنّ اليهود كان محمّدٌ -صلّى اللّه عليه وسلّم- بما جاء به من عند اللّه رحمةً عليهم لو اتّبعوه؛ لأنّه جاء بوضع الإصر والأغلال عنهم، فحملهم الحسد على الكفر به وترك قبول التّخفيف لغلبة خذلان اللّه عليهم). [جامع البيان: 10/ 488-498]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (157)}
قوله تعالى: {الأمّيّ}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، عن سعيدٍ عن قتادة قوله: {الرّسول النّبيّ الأمّيّ}؛ هو نبيّكم -صلّى اللّه عليه وسلّم- كان أميا لا يكتب.
- حدثنا علي بن الحسين، ثنا بن أبي حمّادٍ ثنا مهران عن سفيان عن منصورٍ عن إبراهيم قوله: {النّبيّ الأمّيّ}؛ قال: كان يقرأ ولا يكتب.
قوله تعالى: {الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قال: {الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة}؛ قال: يجدون نعته وأمره ونبوّته مكتوبًا عندهم.
قوله تعالى: {في التوراة والإنجيل}
- حدثنا أبي، ثنا عبد الله بن رجاءه أنبأ عمران أبو العوّام القطّان، عن قتادة عن أبي المليح، عن واثلة أنّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال:
«أنزل التّوراة لستٍ مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان».
قوله تعالى: {يأمرهم بالمعروف}
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع عن أبي العالية قال: كلّ آيةٍ ذكرها اللّه في القرآن، فذكر الأمر بالمعروف، فالأمر بالمعروف أنّهم دعوا إلى اللّه وحده وعبادته لا شريك له.
- قرأت على محمّد بن الفضيل ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: {بالمعروف}؛ قال: يأمرون بطاعة ربّهم.
قوله تعالى: {وينهاهم عن المنكر}
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال: كلّ آيةٍ ذكرها اللّه في القرآن فذكر النّهي عن المنكر والنّهي عن عبادة الأوثان والشّيطان.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: {وينهون عن المنكر} قال: ينهون عن معصية ربّهم.
قوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {الطّيّبات} يعني الذّبائح الحلال طيبةً لهم.
والوجه الثّاني:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: {الطّيّبات} فالطّيّبات ما أحلّ اللّه لهم من كلّ شيءٍ أن يصيبوه فهو حلالٌ من الرّزق.
قوله تعالى: {ويحرّم عليهم الخبائث}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: {ويحرّم عليهم الخبائث} وهو لحم الخنزير، والرّبا وما كانوا يستحلّون من المحرّمات، من المآكل الّتي حرّم اللّه.
قوله تعالى: {ويضع عنهم إصرهم}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ويضع عنهم إصرهم} قال: عهدهم ومواثيقهم في تحريم ما أحلّ اللّه لهم
- وروي عن مجاهدٍ وعكرمة قالا: عهدٌ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة أنبأ جريرٌ عن يعقوب، عن جعفرٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {ويضع عنهم إصرهم} قال: تشديدٌ من العبادة: كان أحدهم يذنب الذّنب فيكتب على باب داره أنّ توبتك أن تخرج أنت، وأهلك، ومالك إلى العدوّ فلا ترجع حتّى يأتي الموت على آخركم.
- حدّثنا أبي، ثنا الحمّانيّ يحيى ثنا يعقوب، عن جعفرٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {ويضع عنهم إصرهم} قال: شدّة العمل.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا معاوية بن هشامٍ ثنا شريكٌ عن عطاءٍ عن سعيد بن جبيرٍ {ويضع عنهم إصرهم} قال: عليّ: ما غلّظوا على أنفسهم من قرض البول من جلودهم إذا أصابهم.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن هشامٍ الرّمليّ، ثنا حمزة عن ابن شوذبٍ: قوله: {ويضع عنهم إصرهم} قال: إصرهم: الآثام.
الوجه الرّابع:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قول اللّه: {ويضع عنهم إصرهم} قال: إصرهم: الدّين الّذي جعله عليهم.
قوله تعالى: {والأغلال التي كانت عليهم}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {والأغلال الّتي كانت عليهم } وهو ما كان اللّه أخذ عليهم من الميثاق فيما حرّم عليهم أن يضع ذلك عنهم.
الوجه الثّاني:
- ذكره محمّد بن حسّان الأزرق ثنا ريحان بن سعيدٍ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس: {والأغلال الّتي كانت عليهم} قال: هي ما تركوا من كتاب اللّه.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا ابن أبي حمّادٍ، ثنا مهران عن سفيان عن جابرٍ، عن عكرمة: {والأغلال} قال: التّوكيد.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن هاشمٍ الرّمليّ، ثنا ضمرة عن ابن شوذبٍ في قوله: {والأغلال الّتي كانت عليهم} قال: الأغلال الّتي كانت عليهم الشّدايد.
الوجه الخامس:
أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قول اللّه: {والأغلال الّتي كانت عليهم} وقرأ: غلّت أيديهم قال: تلك الأغلال. دعاهم إلى أن يؤمنوا بالنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فيضع ذلك عنهم.
قوله تعالى: {فالّذين آمنوا به وعزّروه}
الوجه الأول:
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ {فالّذين آمنوا به وعزّروه} يعني حموه، ووقّروه ونصروه، واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا الحسين بن عليٍّ الدّيناريّ، ثنا عثمان بن عمر، عن شعبة، عن أبي بشيرٍ، عن عكرمة في قوله: {عزّروه} قال: يقاتلون معه بالسّيف.
قوله تعالى: {ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه}
الوجه الأول:
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: {وعزّروه ونصروه} فأمّا نصره وتعزيره فقد سبقتم به ولكن خياركم من آمن به واتّبع النّور الّذي أنزل معه.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا رجلٌ قد سمّاه، عن السّدّيّ {عزّروه ونصروه} قال: بالسّيف.
قوله تعالى: {أولئك هم المفلحون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان محمد بن عمر وزنيج، ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {أولئك هم المفلحون} الّذين أدركوا ما طلبوا، ونجو من شرّ ما منه هربوا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1581-1585]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في قوله: {النبي الأمي} قال: كان لا يكتب ولا يقرأ.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {الرسول النّبيّ الأمي} قال: هو نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كان أميا لا يكتب.
- وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما كالمودع فقال:
«أنا محمد النّبيّ الأمي أنا محمد النّبيّ الأمي أنا محمد النّبيّ الأمي ولا نبي بعدي أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه وعلمت خزنة النار وحملة العرش فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم فإذا ذهب بي فعليكم كتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه».
- وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«أنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب وإن الشهر كذا وكذا وضرب بيده ست مرات وقبض واحدة»
- وأخرج أبو الشيخ من طريق مجالد، قال: حدثني عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال: ما مات النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- حتى قرأ وكتب فذكرت هذا الحديث للشعبي فقال: صدق سمعت أصحابنا يقولون ذلك، قوله تعالى: {الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل}.
- أخرج ابن سعد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} قال: يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوبا عندهم.
- وأخرج ابن سعد عن قتادة قال: بلغنا أن نعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض الكتب محمد رسول الله ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح أمته الحمادون على كل حال.
- وأخرج ابن سعد وأحمد عن رجل من الأعراب قال: جلبت حلوية إلى المدينة في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما فرغت من بيعتي قلت: لألقين هذا الرجل ولأسمعن منه، فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشيان فتبعتهما حتى أتيا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجدني في كتابك ذا صفتي ومخرجي» فقال برأسه هكذا أي لا، فقال ابنه: أي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فقال: «أقيموا اليهودي عن أخيكم ثم ولي كفنه والصلاة عليه».
- وأخرج ابن سعد والبخاري، وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاصي قلت: أخبرني عن صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: أجل - والله - إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يا أيها النّبيّ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} [الأحزاب: 45] وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا.
- وأخرج ابن سعد والدارمي في مسنده والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن عبد الله بن سلام قال: صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التوراة: {يا أيها النّبيّ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} [الأحزاب: 45] وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا
- وأخرج الدارمي عن كعب قال: في السطر الأول: محمد رسول الله عبدي المختار لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام، وفي السطر الثاني: محمد رسول الله أمته الحمادون يحمدون الله في السراء والضراء يحمدون الله في كل منزلة ويكبرونه على كل شرف رعاة الشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة ويأتزرون على أوساطهم ويوضئون أطرافهم وأصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل.
- وأخرج ابن سعد والدارمي، وابن عساكر عن أبي فروة عن ابن عباس، إنه سأل كعب الأحبار كيف قد نعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التوراة فقال كعب: نجده محمد بن عبد الله يولد بمكة ويهاجر إلى طابة ويكون ملكه بالشام وليس بفاحش ولا سخاب في الأسواق ولا يكافئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر أمته الحمادون يحمدون الله في كل سراء ويكبرون الله على كل نجد ويوضئون أطرافهم ويأتزرون في أوساطهم يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم دويهم في مساجدهم كدوي النحل يسمع مناديهم في جو السماء.
- وأخرج أبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن أم الدراداء قالت: قلت لكعب: كيف تجدون صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التوراة قال: «نجده موصوفا فيها محمد رسول الله اسمه المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق وأعطي المفاتيح ليبصر الله به أعينا عورا ويسمع به الله آذانا صما ويقيم به السنة المعوجة حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعين المظلوم ويمنعه من أن يستضعف
».
- وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة وأبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«صفتي أحمد المتوكل مولده بمكة ومهاجره إلى طيبة ليس بفظ ولا غليظ يجزي بالحسنة الحسنة ولا يكافئ بالسيئة أمته الحمادون يأتزرون على أنصافهم ويوضئون أطرافهم أناجيلهم في صدورهم يصفون للصلاة كما يصفون للقتال قربانهم الذي يتقربون به إلي دماؤهم رهبان بالليل ليوث بالنهار».
- وأخرج أبو نعيم عن كعب قال: إن أبي كان من أعلم الناس بما أنزل الله على موسى وكان لم يدخر عني شيئا مما كان يعلم فلما حضره الموت دعاني فقال لي: يا بني إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئا مما كنت أعلمه إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما: نبي يبعث قد أظل زمانه فكرهت أن أخبرك بذلك فلا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى وطينت عليهما فلا تعرضن لهما ولا تنظرن فيهما حينك هذا فإن الله إن يرد ذلك خيرا ويخرج ذلك النّبيّ تتبعه ثم أنه مات فدفناه فلم يكن شيء أحب إلي من أن أنظر في الورقتين ففتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين فإذا فيهما: محمد رسول الله خاتم النبيين لا نبي بعده مولده بمكة ومهاجره بطيبة لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ويجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال تذلل ألسنتهم بالتكبير وينصر نبيهم على كل من ناوأه يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم أناجيلهم في صدورهم وتراحمهم بينهم تراحم بني الأم وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم، فمكث ما شاء الله ثم بلغني أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم= قد خرج بمكة فأخرت حتى استثبت ثم بلغني أنه توفي وأن خليفته قد قام مقامه وجاءتنا جنوده فقلت: لا أدخل في هذا الدين حتى أنظر سيرتهم وأعمالهم فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدمت علينا عمال عمر بن الخطاب فلما رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع الله لهم على الأعداء علمت أنهم هم الذين كنت أنتظر فو الله إني لذات ليلة فوق سطحي فإذا رجل من المسلمين يتلو قول الله {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها} [النساء: 47] الآية، فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي فما كان شيء أحب إلي من الصباح فغدوت على مسلمين.
- وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن علي بن أبي طالب:
أن يهوديا كان له على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دنانير فتقاضى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال له: «ما عندي ما أعطيك»، قال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تعطيني، قال: إذن أجلس معك يا محمد، فجلس معه فصلى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر والمغرب والعشاء والغداة وكان أصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يتهددون اليهودي ويتوعدونه فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك قال: «منعني ربي أن أظلم معاهدا ولا غيره» فلما ترحل النهار أسلم اليهودي وقال: شطر مالي في سبيل الله أما والله ما فعلت الذي فعلت بك إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحشاء ولا قوال للخنا.
- وأخرج ابن سعد عن الزهري، إن يهوديا قال: ما كان بقي شيء من نعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التوراة إلا رأيته إلا الحلم وإني أسلفته ثلاثين دينارا في ثمر إلى أجل معلوم فتركته حتى إذا بقي من الأجل يوم أتيته فقلت: يا محمد اقضني حقي فإنكم معاشر بني عبد المطلب مطل، فقال عمر: يا يهودي الخبيث أما والله لولا مكانه لضربت الذي فيه عيناك فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«غفر الله لك يا أبا حفص نحن كنا إلى غير هذا منك أحوج إلى أن تكون أمرتني بقضاء ما علي وهو إلى أن تكون أعنته على قضاء حقه أحوج فلم يزده جهلي عليه إلا حلما»، قال:« يا يهودي إنما يحل حقك غدا»ثم قال: يا أبا حفص اذهب به إلى الحائط الذي كان سأل أول يوم فإن رضيه فأعطه كذا وكذا صاعا وزده لما قلت له كذا وكذا صاعا وزده فإن لم يرض فأعط ذلك من حائط كذا وكذا فأتى بي الحائط فرضي تمره فأعطاه ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما أمره من الزيادة فلما قبض اليهودي تمره قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله وإنه والله ما حملني على ما رأيتني صنعت يا عمر إلا أني قد كنت رأيت في رسول الله صفته في التوراة كلها إلا الحلم فاختبرت حلمه اليوم فوجدته على ما وصف في التوراة وإني أشهدك أن هذا التمر وشطر مالي في فقراء المسلمين، فقال عمر: فقلت: أو بعضهم فقال: أو بعضهم، قال: وأسلم أهل بيت اليهودي كلهم إلا شيخ كان ابن مائة سنة فعسا على الكفر.
- وأخرج ابن سعد عن كثير بن مرة قال: إن الله يقول: لقد جاءكم رسول ليس بوهن ولا كسل يفتح أعينا كانت عميا ويسمع آذانا صما ويختن قلوبا كانت غلفا ويقيم سنة كانت عوجاء حتى يقال: لا إله إلا الله.
- وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت المدارس فقال:
«أخرجوا إلى أعلمكم»فقالوا: عبد الله ابن صوريا، فخلا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فناشده بدينه وبما أنعم الله به عليهم وأطعمهم من المن والسلوى وظللهم به من الغمام أتعلم أني رسول الله قال: اللهم نعم وإن القوم ليعرفون ما أعرف وإن صفتك ونعتك المبين في التوراة ولكنهم حسدوك، قال: «فما يمنعك أنت» قال: أكره خلاف قومي وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم.
- وأخرج الطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن الفلتان بن عاصم قال: كنا مع النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فجاء رجل فقال له النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-: أتقرأ التوراة؟ قال: نعم، قال: والإنجيل؟ قال: نعم، فناشده: هل تجدني في التوراة والإنجيل؟ قال: نجد نعتا مثل نعتك ومثل هيئتك ومخرجك وكنا نرجو أن تكون منا فلما خرجت تخوفنا أن تكون هو أنت فنظرنا فإذا ليس أنت هو، قال: ولم ذاك؟ قال: إن معه من أمته سبعين ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب وإنما معك نفر يسير، قال: والذي نفسي بيده لأنا هو إنهم لأمتي وإنهم لأكثر من سبعين ألفا وسبعين ألفا.
- وأخرج ابن سعد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وغيرهما إلى يهود يثرب وقالوا لهم: سلوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فقدموا المدينة فقالوا: أتيناكم لأمر حدث فينا منا غلام يتيم يقول قولا عظيما يزعم أنه رسول الرحمن قالوا: صفوا لنا نعته، فوصفوا لهم قالوا: فمن تبعه منكم قالوا: سفلتنا، فضحك حبر منهم فقال: هذا النّبيّ الذي نجد نعته ونجد قومه أشد الناس له عداوة.
- وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب قال: كان في بني إسرائيل رجل عصى الله تعالى مائتي سنة ثم مات فأخذوه فألقوه على مزبلة فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: أن أخرج فصل عليه قال: يا رب بنو إسرائيل شهدوا أنه عصاك مائتي سنة فأوحى الله إليه: هكذا كان لأنه كان كلما نشر التوراة ونظر إلى اسم محمد صلى الله عليه وسلم قبله ووضعه على عينيه وصلى عليه فشكرت له ذلك وغفرت ذنوبه وزوجته سبعين حوراء.
- وأخرج ابن سعد والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مكتوب في الإنجيل لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح.
- وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قدم الجارود بن عبد الله على النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فأسلم وقال: والذي بعثك بالحق لقد وجدت وصفك في الإنجيل ولقد بشر بك ابن البتول
- وأخرج ابن سعد، وابن عساكر من طريق موسى بن يعقوب الربعي عن سهل مولى خيثمة قال: قرأت في الإنجيل نعت محمد صلى الله عليه وسلم: إنه لا قصير ولا طويل أبيض ذو طمرين بين كتفيه خاتم يكثر الاحتباء ولا يقبل الصدقة ويركب الحمار والبعير ويحتلب الشاة ويلبس قميصا مرقوعا ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر وهو يفعل ذلك وهو من ذرية إسماعيل عليه السلام.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: أوحى الله تعالى إلى شعيب أني باعث نبيا أميا أفتح به آذانا صما وقلوبا غلفا وأعينا عميا مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه الشام عبدي المتوكل المصطفى المرفوع الحبيب المتحبب المختار لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح رحيما بالمؤمنين يبكي للبهيمة المثقلة ويبكي لليتيم في حجر الأرملة ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للخنا يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته ولو يمشي على القصب الرعراع - يعني اليابس - لم يسمع من تحت قدميه أبعثه مبشرا ونذيرا أسدده لكل جميل وأهب له كل خلق كريم أجعل السكينة لباسه والبر شعاره والمغفرة والمعروف حليته والحق شريعته والهدى إمامه والإسلام ملته وأحمد اسمه أهدي به من بعد الضلالة وأعلم به بعد الجهالة وأرفع به بعد الخمالة وأسمي به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وأؤلف به بين قلوب وأهواء متشتتة وأمم مختلفة وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وتوحيدا لي وإيمانا بي وإخلاصا لي وتصديقا لما جاءت به رسلي وهم رعاة الشمس، طوبى لتلك القلوب والوجوه والأرواح التي أخلصت لي ألهمهم التسبيح والتكبير والتمجيد والتوحيد في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم ويصفون في مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي هم أوليائي وأنصاري أنتقم بهم من أعدائي عبدة الأوثان يصلون لي قياما وقعودا وسجودا ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألوفا ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا أختم بكتبهم الكتب وشريعتهم الشرائع وبدينهم الأديان من أدركهم فلم يؤمن بكتابهم ويدخل في دينهم وشريعتهم فليس مني وهو مني بريء وأجعلهم أفضل الأمم وأجعلهم أمة وسطاء شهداء على الناس إذا غضبوا هللوني وإذا قبضوا كبروني وإذا تنازعوا سبحوني يطهرون الوجوه والأطراف ويشدون الثياب إلى الأنصاف ويهللون على التلال والأشراف قربانهم دماؤهم وأناجيلهم صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار مناديهم في جو السماء لهم دوي كدوي النحل طوبى لمن كان معهم وعلى دينهم ومناهجهم وشريعتهم ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم.
- وأخرج البيهقي في الدلائل عن وهب بن منبه قال: إن الله أوحى في الزبور ياداود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد صادقا نبيا لا أغضب عليه أبدا ولا يعصيني أبدا وقد غفرت له أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأمته مرحومة أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة كما افترضت على الأنبياء قبلهم وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم، يا داود إني فضلت محمدا وأمته على الأمم أعطيتهم ست خصال لم أعطيها غيرهم من الأمم، لا أؤاخذهم بالخطأ والنسيان وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافا مضاعفة ولهم عندي أضعاف مضاعفة وأفضل من ذلك وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم فإن دعوني استجبت لهم فإما أن يروه عاجلا وإما أن أصرف عنهم سوءا وإما أن أؤخره لهم في الآخرة يا داود من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقا بها فهو معي في جنتي وكرامتي ومن لقيني وقد كذب محمدا وكذب بما جاء به واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبا وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار.
- وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد الله بن عمرو قال: أجد في الكتب أن هذه الأمة تحب ذكر الله كما تحب الحمامة وكرها ولهم أسرع إلى ذكر الله من الإبل إلى وردها يوم ظمئها.
قوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} الآية.
- أخرج الطبراني عن حبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- أتاه رجل من الأعراب يستفتيه عن الرجل ما الذي يحل له والذي يحرم عليه في ماله ونسكه وماشيته وعنزه وفرعه من نتاج إبله وغنمه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أحل لك الطيبات وحرم عليك الخبائث إلا أن تفتقر إلى طعام فتأكل منه حتى تستغني عنه، قال: ما فقري الذي آكل ذلك إذا بلغته أم ما غناي الذي يغنيني عنه قال: إذا كنت ترجو نتاجا فتبلغ بلحوم ماشيتك إلى نتاجك أو كنت ترجو عشاء تصيبه مدركا فتبلغ إليه بلحوم ماشيتك وإذا كنت لا ترجو من ذلك شيئا فأطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه، قال الأعرابي: وما عشائي الذي أدعه إذا وجدته، قال: إذا رويت أهلك غبوقا من اللبن فاجتنب ما حرم عليك من الطعام وأما مالك فإنه ميسور كله ليس منه حرام غير أن نتاجك من إبلك فرعا وفي نتاجك من غنمك فرعا تغذوه ماشيتك حتى تستغني ثم إن شئت فأطعمه أهلك وإن شئت تصدق بلحمه وامره أن يعقر من الغنم في كل مائة عشرا».
- وأخرج ابن المنذر والبيهقي في "سننه" عن ابن جريج في قوله: {ويحل لهم الطيبات} قال: الحلال {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} قال: الثقيل الذي كان في دينهم.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله: {ويحرم عليهم الخبائث} قال: كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلون من المحرمات من المآكل التي حرمها الله، وفي قوله: {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} قال: هو ما كان أخذ الله عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {ويضع عنهم إصرهم} قال: عهدهم ومواثيقهم في تحريم ما أحل الله لهم.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} يقول: يضع عنهم عهودهم ومواثيقهم التي أخذت عليهم في التوراة والإنجيل.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن صعيد بن جبير في قوله: {ويضع عنهم إصرهم} قال: التشديد في العبادة كان أحدهم يذنب الذنب فيكتب على باب داره: إن توبتك أن تخرج أنت وأهلك ومالك إلى العدو فلا ترجع حتى يأتي الموت على آخركم.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ويضع عنهم إصرهم} قال: ما غلظ على بني إسرائيل من قرض البول من جلودهم إذا أصابهم ونحوه
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شودب في قوله: {والأغلال التي كانت عليهم} قال: الشدائد التي كانت عليهم.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} قال: تشديد شدد على القوم فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بالتجاوز عنهم.
- وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير {ويضع عنهم إصرهم} قال: ما غلظوا على أنفسهم من قطع أثر البول وتتبع العروق في اللحم وشبهه.
- وأخرج ابن جرير عن مجاهد {ويضع عنهم إصرهم} قال: عهدهم.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وعزروه} يعني عظموه ووقروه.
- وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: {وعزروه ونصروه} قال: بالسيف.
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وعزروه} يقول: نصروه، قال: فأما نصره وتعزيره قد سبقتم به ولكن خيركم من آمن واتبع النور الذي أنزل معه.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد {وعزروه} قال: شدوا أمره وأعانوا رسوله ونصروه.
- وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ (وعزروه) مثقله). [الدر المنثور: 6/ 610-627]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 09:40 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}


تفسير قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً...}
وجاء التفسير: اختار منهم سبعين رجلا. وإنما استجيز وقوع الفعل عليهم إذ طرحت (من) لأنه مأخوذ من قولك: هؤلاء خير القوم، وخير من القوم. فلما جازت الإضافة مكان (من) ولم يتغير المعنى استجازوا أن يقولوا: اخترتكم رجلا، واخترت منكم رجلا.
وقد قال الشاعر:
فقلت له اخترها قلوصا سمينة ....... وناباً علينا مثل نابك في الحيا
فقام إليها حبتر بسلاحه ....... فللّه عينا حبترٍ أيّما فتى

وقال الراجز:
* تحت الذي اختار له الله الشجو *
وقوله: {أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا} وذلك أن الله تبارك وتعالى أرسل على الذين معه - وهم سبعون - الرجفة، فاحترقوا، فظنّ موسى أنهم أهلكوا باتخاذ أصحابهم العجل، فقال: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا، وإنما أهلكوا بمسألتهم موسى (أرنا الله جهرة).
وقوله: {ثم اتخذوا العجل} ليس بمردود على قوله: {فأخذتهم الصاعقة} ثم اتخذوا؛ هذا مردود على فعلهم الأوّل. وفيه وجه آخر: أن تجعل (ثم) خبرا مستأنفا. وقد تستأنف العرب بثم والفعل الذي بعدها قد مضى قبل الفعل الأوّل؛ من ذلك أن تقول للرجل: قد أعطيتك ألفا ثم أعطيتك قبل ذلك مالا؛ فتكون (ثم) عطفا على خبر المخبر؛ كأنه قال: أخبرك أني زرتك اليوم، ثم أخبرك أني زرتك أمس.
وأمّا قول الله عزّ وجلّ: {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ ثم جعل منها زوجها} فإن فيه هذا الوجه؛ لئلا يقول القائل: كيف قال: خلقكم ثم جعل منها زوجها والزوج مخلوق قبل الولد؟ فهذا الوجه المفسّر يدخل فيه هذا المعنى. وإن شئت جعلت (ثم) مردودة على الواحدة؛ أراد - والله أعلم - خلقكم من نفس وحدها ثم جعل منها زوجها، فيكون (ثم) بعد خلقه آدم وحده. فهذا ما في ثم. وخلقة ثمّ أن يكون آخر. وكذلك الفاء. فأمّا الواو فإنك إن شئت جعلت الآخر هو الأوّل والأوّل الآخر. فإذا قلت: زرت عبد الله وزيدا، فأيهما شئت كان هو المبتدأ بالزيارة، وإذا قلت: زرت عبد الله ثم زيدا، أو زرت عبد الله فزيدا كان الأوّل قبل الآخر، إلا أن تريد بالآخر أن يكون مردودا على خبر المخبر فتجعله أوّلا). [معاني القرآن: 1/ 395-396]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({واختار موسى قومه سبعين رجلاً} مجازه: اختار موسى من قومه.
ولكن بعض العرب يجتازون فيحذفون من، قال العجاج:
تحت التي اختار له الله الشّجر
أي تحت الشجرة التي اختار له الله من الشجر). [مجاز القرآن: 1/ 229]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({واختار موسى قومه سبعين رجلاً لّميقاتنا فلمّا أخذتهم الرّجفة قال ربّ لو شئت أهلكتهم مّن قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلاّ فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين}
وقال: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً} أي: اختار من قومه، فلما نزع "من" عمل الفعل. وقال الشاعر:
منا الذي اختير الرجال سماحةً ....... وجوداً إذا هبّ الرّياح الزعازع
وقال آخر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ....... فقد تركتك ذا مالٍ وذا نشب
وقال النابعة:
نبّئت زرعة والسفاهة كاسمها ....... يهدي إليّ أوابد الأشعار).
[معاني القرآن: 2/ 18-19]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {واختار موسى قومه سبعين رجلا} فالمعنى: اختار من قومه، فحذف "من" وهي تحذف في مواضع كثيرة.
ومثل ذلك، قول طرفة:
متعني يوم الرحيل بها = فرع تنقاه القداح بسر
يريدون: من القداح.
وقال الراعي أيضًا:
اخترتك الناس إذ غثت خلائقهم = واعتل من كان يرجى عنده السول
وقال العجاج:
تحت الذي اختار له الله الشجر = محمدا واختاره الله الخير
[وزاد محمد بن صالح]:
بالرفع، يريد: من الشجر). [معاني القرآن لقطرب: 611]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واختار موسى قومه} أي اختار من قومه. فحذف «من» والعرب تقول: اخترتك القوم. أي اخترتك من القوم). [تفسير غريب القرآن: 173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن ذلك حذف الصفات...
وقوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا}. أي اختار منهم.
وقال العجّاج:
تحت الذي اختار له الله الشّجر
أي اختار له من الشجر). [تأويل مشكل القرآن: 229]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلمّا أخذتهم الرّجفة قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلّا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين}
معناه {واختار موسى من قومه} وكان موسى اختار من اثني عشر سبطا من كل سبط ستة رجال، فبلغوا اثنين وسبعين رجلا فخفّف منهم رجلين.
ومعنى اختار قومه، اختار من قومه فحذفت " من " ووصل الفعل فنصب.
يقال اخترت من الرجال زيد واخترت الرجال زيدا.
وأنشدوا:
ومنا الذي اختار الرجال سماحة ....... وجودا إذا هب الرياح الزعازع
وقوله: {فلمّا أخذتهم الرّجفة} وهي الحركة الشديدة والزلزلة الشديدة.
يقال إنه رجف بهم الجبل فماتوا فقال:{قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي} أي: لو شئت أمتّهم من قبل أن تأتيهم بما أوجب عليهم الرجفة). [معاني القرآن: 2/ 379-380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا}
أي: ممن لم يعبدوا العجل والمعنى من قومه.
ثم قال جل وعز: {فلما أخذتهم الرجفة}
- قال مجاهد: أميتوا ثم أحيوا.
والرجفة في اللغة: الزلزلة الشديدة. ويروى أنهم زلزلوا حتى ماتوا.
- قال ابن عباس: إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا من عبد العجل ولم يرضوا عبادته.
{قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي} أي أمتهم كما قال تعالى: {إن امرؤ هلك}
قال ابن كيسان: أي لو شئت أهلكتهم من قبل لأنهم أذنبوا بأنهم لم ينهوا من عبد العجل، وإياي بذنبي حين قتلت القبطي فقد رحمتنا ولم تهلكنا بذنوبنا نحن أفتهلكنا بذنوب السفهاء الذين عبدوا العجل وأنت متفضل علينا بالعفو قبل هذا.
قال أبو جعفر: حقيقة المعنى لست تهلكنا وألف الاستفهام تدل على هذا المعنى في كثير من المواضع كما تقول ما أنا أفعل مثل هذا أي لست أفعله إن هي إلا فتنتك تضل بها أي بالفتنة من تشاء أن تبتليه فتجعله عاصيا).[معاني القرآن: 3/ 86-88]



تفسير قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّا هدنا إليك} مجازه: إنا تبنا إليك هو من التهويد في السير ترفق به وتعرج وتمكث). [مجاز القرآن: 1/ 229]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون}
وقال: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} أي: وسعت كل من يدخل فيها لا تعجز عن من دخل فيها، أو يكون يعني الرحمة التي قسمها بين الخلائق يعطف بها بضعهم على بعض حتى عطف البهيمة على ولدها). [معاني القرآن: 2/ 19]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أهل المدينة {عذابي أصيب به} ينصب الياء، و{عن آياتي الذين}، وأصحاب عبد الله يسكنون هذا كله). [معاني القرآن لقطرب: 576]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({هدنا إليك}: تبنا إليك). [غريب القرآن وتفسيره: 151]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّا هدنا إليك} أي تبنا إليك. ومنه: {ومن الّذين هادوا}[المائدة: 41] كأنهم رجعوا عن شيء إلى شيء). [تفسير غريب القرآن: 173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ويكون كتب بمعنى جعل، كقوله: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22].
وقوله: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53]. وقال: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}). [تأويل مشكل القرآن: 462-463] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنة وفي الآخرة إنّا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيء فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون (156)}
{إنّا هدنا إليك}؛ معناه تبنا إليك.
{ورحمتي وسعت كلّ شيء}؛ أي كل ما خلقته فبرحمتي وفضلي يعيش، فمعناه ورحمتي وسعت كل شيء في الدنيا.
وقوله عزّ وجلّ: {فسأكتبها للذين يتقون}؛ في الآخرة، أي أجازيهم بها في الآخرة). [معاني القرآن: 2/ 380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (140 - وقوله عز وجل: {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك}
قال مجاهد وأبو العالية وقتادة في قوله تعالى: {إنا هدنا إليك قالوا تبنا}
141 - ثم قال جل وعز: {قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء}
قال الحسن وقتادة وسعت البر والفاجر في الدنيا وهي للتقي خاصة يوم القيامة
142 - وقوله جل وعز: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة}
روى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كتبها الله جل وعز لهذه الأمة). [معاني القرآن: 3/ 88-89]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (156- {هُدْنَا إِلَيْكَ} أي تبنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (156- {هُدْنَـا}: تبنا). [العمدة في غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {ويضع عنهم إصرهم}.
عثمان بن عفان رحمه الله وأيوب السختياني ويعلى بن حكيم {ويضع عنهم آصارهم}، وقد فسرنا معناها في آخر سورة البقرة.
قراءة الحسن وسائر القراء {وتعزروه} مثقلة.
[معاني القرآن لقطرب: 576]
وقراءة الجحدري {وعزروه} و{تعزروه} مخففة وهي مفسرة في سورة المائدة). [معاني القرآن لقطرب: 577]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (157 - {الّذي يجدونه مكتوباً عندهم} أي يجدون اسمه مكتوبا، أو ذكره.
{ويحرّم عليهم الخبائث}؛ فكل خبيث عند العرب فهو محرّم.
{ويضع عنهم إصرهم}؛ أي الثّقل الذي كان بنو إسرائيل ألزموه.
وكذلك {الأغلال} هي الفرائض المانعة لهم من أشياء رخّص فيها لأمة محمد صلّى اللّه عليه وعلى آله.
{عزّروه}: عظّموه.
(الأسباط): القبائل. واحدها سبط).[تفسير غريب القرآن: 173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} . الإصر: الثُّقْلُ الذي ألزمه الله بني إسرائيل في فرائضهم وأحكامهم، ووضعه عن المسلمين، ولذلك قيل للعهد: إِصْر.
قال تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] أي عهدي، لأن العهد ثقل ومنع من الأمر الذي أخذ له.
والأغلال: تحريم الله عليهم كثيرا مما أطلقه لأمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، وجعله أغلالا لأن التحريم يمنع كما يقبض الغلّ اليد، فاستعير.
قال أبو ذؤيب:
فليس كعهد الدّار يا أمّ مالك ....... ولكن أحاطت بالرّقاب السّلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ....... سوى العدل شيئا فاستراح العواذل

يقول: ليس الأمر كعهدك إذ كنا في الدّار ونحن نتبَسَّط في كل شيء ولا نتوقَّى، ولكن أسلمنا فصرنا من موانع الإسلام في مثل الأغلال المحيطة بالرِّقاب القابضة للأيدي). [تأويل مشكل القرآن: 148-149] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (157)}
الأمّيّ: هو على خلقة الأمّة، لم يتعلم الكتاب فهو على جبلّته.
وقوله: {الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة والإنجيل}؛ وهذا أبلغ في الاحتجاج عليهم لأنه إخبار بما في كتبهم.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يكتب ولا قرأ التوراة والإنجيل، ولا عاشر أهلهما فإتيانه بما فيهما من آيات الله العظام.
ومحال أن يجيء مدّع إلى قوم فيقول لهم ذكري في كتابكم، وليس ذلك فيه. وذكره قد أنبأ من آمن من أهل الكتاب به.
وقوله: {يأمرهم بالمعروف}؛ يجوز أن يكون (يأمرهم) مستأنفا.
وقوله: {ويحلّ لهم الطّيّبات}؛ أي يحل لهم ما حرّم عليهم من طيبات الطّعام.
ويجوز (ويحلّ لهم الطّيّبات) أي ما أخذ من وجهه طيّبا.
{ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم}؛ والإصر ما عقدته من عقد ثقيل.
{والأغلال الّتي كانت عليهم}؛ والأغلال تمثيل، ألا ترى أنك تقول: جعلت هذا طوقا في عنقك.
وليس هناك طوق، وإنما تأويله أني قد ولّيتك هذا وألزمتك القيام به، فجعلت لزومه لك كالطوق في عنقك.
والأغلال التي كانت عليهم: - كان عليهم أنه من قتل قتل، لا يقبل في ذلك دية، وكان عليهم إذا أصاب جلودهم شيء من البول أن يقرضوه، وكان عليهم ألا يعملوا في السبت. فهذه الأغلال التي كانت عليهم.
وقوله: {فالّذين آمنوا به}؛ أي بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
{وعزّروه ونصروه}؛ اختلف أهل اللغة في معنى قوله: {وعزّروه} وقوله: عزرت فلانا أعزره وأعزره عزرا، قال بعضهم: معنى عزرته رددته، وقال بعضهم معنى عزرته أغثته، وقال بعضهم: يقال عزرت الرجل أعزره إذا لمته، ويقال عزّرت فلانا، قال بعضهم عزّرت فلانا نصرته، وقال بعضهم منعت منه.
فالمعنى: (فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه) معنى عزّروه منعوا أعداءه من الكفر به.
وقال بعضهم: عزّروه بمعنى نصروه، والمعنى قريب لأن منع الأعداء منه نصرته.
ومعنى عزّرت فلانا إذا ضربته ضربا دون الحدّ، يمنعه بضربه إياه عن معاودة مثل عمله.
وقوله: عزّرته رددته يجوز أن يكون منه التعزيز، أي فعلت به ما يردّه عن المعصية.
وقوله: (واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه).
أي واتبعوا الحقّ الذي بيانه في القلوب كبيان النور في العيون). [معاني القرآن: 2/ 381-382]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (143 - وقوله جل وعز: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي}؛ الأمي الذي لا يكتب.
وقيل نسب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أم القرى وهي مكة.
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فكان هذا من براهينه صلى الله عليه وسلم لأنه خبرهم بما في كتابهم فيجوز أن يكون يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر بما هو مكتوب عندهم.
ويجوز أن يكون مستأنفا
{ويحل لهم الطيبات}؛ يجوز أن يكون الحلال، ويجوز أن يكون ما حرم عليهم من الطعام.
{ويحرم عليهم الخبائث} العرب تقول لكل حرام خبيث.
{ويضع عنهم إصرهم}؛
قال سعيد بن جبير: الإصر شدة العبادة.
وروي عن مجاهد فيه قولان:
- روى عنه ابن أبي نجيح أنه قال: كانوا قد شدد عليهم في أشياء فمن أسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم خفف عنه.
- وروى موسى بن قيس عنه أنه قال هي عهود كانت عليهم.
والقولان متقاربان أي ما يثقل عليهم.
وكذلك {الأغلال التي كانت عليهم} إنما هو تمثيل أي أشياء قد كلفوها وضمنوها فهي بمنزلة الأغلال.
ويروى أن أحدهم كان إذا أصاب جلده بول وجب عليه أن يقطعه وإذا قتل رجل رجلا لم يكن بد من قتله ولا تؤخذ منه دية
144 - ثم قال جل وعز: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه} وقيل معنى وعزروه وعظموه
وقيل ومنعوا منه أعداء والمعاني متقاربة
واتبعوا النور الذي أنزل معه بمنزلة النور في البيان). [معاني القرآن: 3/ 89-91]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ويضع عنهم إصرهم} اْْلإصر: الثقل في كل شيء من الكلام والفعال والدين). [ياقوتة الصراط: 232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (157- {الْخَبَائِثَ} المحرمات.
{إِصْرَهُمْ} الثقل الذي ألزموه أنفسهم.
{عَزَّرُوهُ} عظموه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 05:22 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب الفاعل
الذي يتعّداه فعله إلى مفعولين فإن شئت اقتصرت على المفعول الأوّل إن شئت تعدّى إلى الثاني كما تعدى إلى الأول
وذلك قولك أعطى عبد الله زيداً درهماً وكسوت بشراً الثَّياب الجياد
ومن ذلك اخترت الرجال عبد الله ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ: {واختار موسى قومه سبعين رجلا} ). [الكتاب: 1/ 37]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه بعث مصدقا فانتهى إلى رجل من العرب له إبل فجعل يطلب في إبله فقال له: ما تنظر؟ فقال: بنت مخاض أو بنت لبون، فقال: إني لأكره أن أعطي الله من مالي ما لا ظهر فيركب ولا لبن فيحلب فاخترها ناقة.
قال: حدثناه هشيم قال: أخبرنا يونس عن الحسن يرفعه.
قوله: فاخترها ناقة، يريد: فاختر منها ناقة.
والعرب تقول: اخترت بني فلان رجلا، يريدون اخترت منهم رجلا، قال الله عز وجل: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا} يقال: التفسير: إنما هو اختار موسى من قومه سبعين رجلا.
وقال الراعي يمدح رجلا:

اخترتك الناس إذ رثت خلائقهم ....... واعتل من كان يرجى عنده السول
فيقال: اخترتك الناس، يريد: من الناس). [غريب الحديث: 2/ 628-631]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب القسم

اعلم أن للقسم أدواتٍ توصل الحلف إلى المقسم به؛ لأن الحلف مضمر مطرحٌ لعلم السامع به؛ كما كان قولك: يا عبد الله محذوفاً منه الفعل لما ذكرت لك.
وكذلك كل مستغنىً عنه فإن شئت أظهرت الفعل؛ كما أنك تقول: يا زيد عمراً، أي: عليك عمراً: وتقول: الطريق يا فتى، أي ظل الطريق، وترى الرامي قد رمى، فنسمع صوتاً فتقول: القرطاس والله، أي: أصبت.
وإن شئت قلت: خل الطريق، ويا زيد عليك عمراً، وأصبت القرطاس يا فتى.
وكذلك قوله عز وجل: {بل ملة إبراهيم} إنما هو: اتبعوا؛ وذلك لأنه جواب قوله: {كونوا هوداً أو نصارى}.
فهكذا القسم في إضمار الفعل وإظهاره. وذلك قوله: أحلف بالله لأفعلن. وإن شئت قلت: بالله لأفعلن. والباء موصلة؛ كما كانت موصلة في قولك: مررت بزيد. فهي والواو تدخلان على كل مقسم به؛ لأن الواو في معنى الباء؛ وإنما جعلت مكان الباء، والباء هي الأصل؛ كما كان في مررت بزيد، وضربت بالسيف يا فتى؛ لأن الواو من مخرج الباء، ومخرجهما جميعاً من الشفة، فلذلك أبدلت منها؛ كما أبدلت من رب في قوله:
وبلدٍ ليس به أنيس
لأنها لما أبدلت من الباء دخلت على رب لما أشرحه لك في بابها؛ كما تدخل الإضافة بعضها على بعض. فمن ذلك قوله عز وجل: {يحفظونه من أمر الله} أي: بأمر الله. وقال: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي: على. وقال: {أم لهم سلمٌ يستمعون فيه} أي: يستمعون عليه. وقال الشاعر:
هم صلبوا العبدي في جذع نخلةٍ ....... فلا عطست شيبان إلا بأجذعـا
وقال الآخر:
إذا رضيت على بنو قشيرٍ ....... لعمر الله أعجبني رضاها
أي عني. وقال الآخر:
غدت من عليه تنفض الطل بعد ما ....... رأت حاجب الشمس استوى فترفعا
وسنفرد باباً لما يصلح فيه الإبدال وما يمتنع عنه إن شاء الله.
تقول والله لأفعلن، وتالله لأفعلن وتبدل التاء من الواو، ولا تدخل من المقسم به إلا في الله وحده. وذلك قوله {وتالله لأكيدن أصنامكم}؛ وإنما امتنعت من الدخول في جميع ما دخلت فيه الباء، والواو؛ لأنها لم تدخل على الباء التي هي الأصل، وإنما دخلت على الواو الداخلة على الباء؛ فلذلك لم تتصرف.
فأما إبدالها من الواو فنحن نذكره مفسراً في التصريف. ألا ترى أنك تقول: هذا أتقى من هذا، والأصل أوقى، لأنه من وقيت. وكذلك تراث. إنما هو وراث، لأنه من ورثت. وتجاهٌ فعال من الوجه. وكذلك تخمة من الوخامة. وهذا أكثر من أن يحصى أو يؤتى بجميعه، ونحن نستقصي شرحه في باب التصريف إن شاء الله.
واعلم أنك إذا حذفت حروف الإضافة من المقسم به نصبته؛ لأن الفعل يصل فيعمل، فتقول: الله لأفعلن؛ لأنك أردت أحلف الله لأفعلن. وكذلك كل خافض في موضع نصب إذا حذفته وصل الفعل، فعمل فيما بعده؛ كما قال الله عز وجل: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً} أي من قومه. وقل الشاعر:
أستغفر الله ذنباً لست محصيه ....... رب العباد إليه الوجه والعمل
أي من ذنب. وقال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ....... فقد تركتك ذا مالٍ وذا نـشـب
فتقول: الله لأفعلن. وكذلك كل مقسم به.
واعلم أن للقسم تعويضاتٍ من أدواته تحل محلها، فيكون فيها ما يكون في أدوات القسم وتعتبر ذلك بأنك لا تجمع بينها وبين ما هي عوضٌ منه. فإن جاز الجمع بين شيئين فليس أحدهما عوضاً عن الآخر؛ ألا ترى أنك تقول: عليك زيداً، وإنما المعنى: خذ زيداً، وما أشبهه من الفعل. فإن قلت: عليك لم تجمع بينها وبين فعل آخر لأنها بدل من ذلك الفعل). [المقتضب: 2/ 317-321] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإذا حذفت حروف الجر وصل الفعل فعمل، وكان حذفها حسناً لطول الصلة؛ كما قال عز وجل: {واختار موسى قومه} أي: من قومه، فهو مع الصلة والموصول حسنٌ جداً.و إن شئت جئت به؛ كما تقول: الذي ضربت زيدٌ، فتحذف الهاء من الصلة. ويحسن إثباتها؛ لأنها الأصل.
واعلم أنه لا يحسن أن يلي إن أن؛ لأن المعنى واحد؛ كما لا تقول لئن زيداً منطلق؛ لأن اللام في معنى إن، فإن فصلت بينهما بشيءٍ حسن واستقام، فقلت: إن في الدار لزيداً.
ولا تقول: إن لزيداً في الدار بل تقول كما قال عز وجل: {إن في ذلك لآيةٌ}. وعلى هذا لا تقول: إن أن زيداً منطلق بلغني. ولكن لو قلت: إن في الدار أنك منطلق، وإن في الدار أن لك ثوباً حسن؛ كما قال الله عز وجل: {إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} ويجوز {وإنك لا تظمأ فيها} على القطع، والابتداء.
فالأولى على قولك: ضربت زيداً وعمراً قائماً. والقطع على قولك: ضربت زيداً وعمرو قائم). [المقتضب: 2/ 341-342]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن هذه الظروف المتمكنة يجوز أن تجعلها أسماء فتقول: يوم الجمعة قمته، في موضع قمت به، والفرسخ سرته، ومكانكم جلسته، وإنما هذا اتساع، والأصل ما بدأنا به لأنها مفعول فيها، وليست مفعولاً بها. وإنما هذا على حذف حرف الإضافة.
ألا ترى أن قولك: مررت بزيد لو حذفت الباء قلت: مررت زيداً، إلا أنه فعل لا يصل إلا بحرف إضافة. وعلى هذا قول الله عز وجل: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً} إنما هو والله أعلم من قومه. فلما حذف حرف الإضافة، وصل الفعل فعمل. وقال الشاعر:
منا الذي اختير الرجال سمـاحةً ....... وجوداً إذا هب الرياح الزعازع
يريد: من الرجال، وقال الآخر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ....... فقد تركتك ذا مال وذا نـشـب
يريد: بالخير. وقال:
أستغفر الله ذنباً لست محصيه ....... رب العباد إليه الوجه والعمل
يريد من ذنب. فهذا على هذا. فمما جاء مثل ما وصفت لك في الظروف قوله:
ويوم شهدناه سليمـاً وعـامـراً ....... قليلاً سوى الطعن النهال نوافله
يريد: شهدنا فيه.
فأما قول الله عز وجل: {بل مكر الليل والنهار} فإن تأويله والله أعلم بل مكركم في الليل والنهار، فأضيف المصدر إلى المفعول؛ كما تقول: رأيت بناء دارك جيداً، فأضفت البناء إلى الدار، وإنما البناء فعل الباني). [المقتضب: 4/ 330-331]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومما يستحسن لفظه ويستغرب معناه، ويحمد اختصاره قول أعرابي من بني كلاب:
فمن يك لم يغرض فإني ونلقتي ....... بحجرٍ إلى أهل الحمى غرضان
تحن فتبدي ما بها من صبابة ....... وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني

يريد: لقضى علي، فأخرجه لفصاحة وعلمه بجوهر الكلام أحسن مخرج، قال الله عز وجل: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} والمعنى إذا كالوا لهم أو وزنوا لهم، ألا ترى" أن" أول الآية {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} فهؤلاء أخذوا منهم ثم أعطوهم، وقال الله عز وجل: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} أي من قومه، وقال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ....... فقد تركت ذا مال وذا نشب
أي أمرتك بالخير، ومن ذلك قول الفرزدق:
ومنا الذي اختير الرجال سماحةً ....... وجودًا إذا هب الرياح الزعازع
أي من الرجال. فهذا الكلام الفصيح.
وتقول العرب: أقمت ثلاثًا ما أذوقهن طعامًا ولا شرابًا، أي ما أذوق فيهن، وقال الشاعر:
ويومًا شهدناه سليمًا وعامرًا ....... قليلاً سوى الطعن النهال نوافله
قال أبو الحسن: قوله: "لم يغرض"، أي لم يشتق، يقال: غرضت إلى لقائك، وحننت إلى لقائك، وعطشت إلى لقائك، وجعت إلى لقائك أي اشتقت، أخبرنا بذلك أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي، وأنشدنا عنه:
من ذا رسولٌ ناصحٌ فمبلغٌ ....... عني علية غير قول الكاذب
أني غرضت إلى تناصف وجهها ....... غرض المحب إلى الحبيب الغائب

التناصف: الحسن.
وأما قوله: "لقضاني" فإنما يريد: لقضى علي الموت، كما قال الله عز وجل: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ}، فالموت في النية، وهو معلوم بمنزلة ما نطقت به، فلهذا ناسب قوله عز وجل: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ}، وكذلك قوله: {كَالُوهُمْ} فالشيء المكيل معلوم، فهو بمنزلة ما ذكر في اللفظ، ولا يجوز: مررت زيدًا وأنت تريد: مررت بزيد، لأنه لا يتعدى إلا بحرف جر، وذلك أن فعل الفاعل في نفسه، وليس فيه د ليل على المفعول نفسه، وليس هذا بمنزلة ما يتعدى إلى مفعولين، فيتعدى إلى أحدهما بحرف جر، وإلى الآخر بنفسه، لأن قولك: اخترت الرجال زيدًا، قد علم بذكرك "زيدًا" أن حرف الجر محذوف من الأول. فأما قول الشاعر وهو جرير وإنشاد أهل الكوفة له، وهو قوله:
تمرون الديار ولم تعوجوا ....... كلامكم علي إذًا حرام
ورواية بعضهم له: "أتمضون الديار" فليس بشيء لما ذكرت لك، والسماع الصحيح والقياس المطرد لا تعترض عليه الرواية الشاذة. أخبرنا أبو العباس محمد بن يزيد قال: قرأت على عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير:
مررتم بالديار ولم تعوجوا
فهذا يدلك على أن الرواية مغيرةٌ.
فأما قولهم: أقمت ثلاثًا ما أذوقهن طعامًا ولا شرابًا، وقول الراجز:
قد صبحت صبحها السلام ....... بكبد خالطها سنام
في ساعة يحبها الطعام.
يريد في ساعة يحب فيها الطعام، وكذلك الأول، معناه: ما أذوق فيهن، فليس هذا عندي من.باب قوله جل وعلا: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} إلا في الحذف فقط، وذلك أن ضمير الظرف تجعله العرب مفعولاً على السعه، كقولهم: يوم الجمعة سرته، ومكانكم قمته، وشهر رمضان صمته، فهذا يشبه في السعة في السعة بقوله: زيد ضربته وما أشبه، فهذا بينٌ). [الكامل: 1/ 46-50] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وأما قوله: "فما أنت وعثمان" فالرفع فيه الوجه لأنه عطف اسمًا ظاهرًا على اسم مضمر منفصل وأجراه مجراه، وليس ههنا فعل، فيحمل على المفعول، فكأنه قال: فما أنت وما عثمان، هذا تقديره في العربية، ومعناه لست منه في شيء، قد ذكر سيبويه رحمه الله النصب وجوزه جوازًا حسنًا وجعله مفعولاً معه، وأضمر كان من أجل الاستفهام، فتقديره عنده: ما كنت وفلانًا. وهذا الشعر كما أصف لك ينشد:
وأنت امرؤ من أهل نجدٍ وأهلنا ....... تهامٍ وما النجدي والمتغور
كذلك قوله:
تكلفني سويق الكرم جرمٌ ....... وما جرمُ وما ذاك السويق
فإن كان الأول مضمرًا متصلاً كان النصب، لئلا يحمل ظاهر على مضمر، تقول: ما لك وزيدًا وذلك أنه أضمر الفعل، فكأنه قال في التقدير: وملابستك زيدًا، وفي النحو تقديره: مع زيد. وإنما صلح الإضمار لأن المعنى عليه إذا قلت: ما لك وزيدًا فإنما تنهاه عن ملابسته، إذا لم يجز" وزيدٍ" وأضمرت لأن حروف الاستفهام للأفعال، فلو كان الفعل ظاهرًا لكان على غير إضمار، نحو قولك: ما زلت وعبد الله حتى فعل، لأنه ليس يريد: ما زلت ومازال عبد الله، ولكنه أراد: وما زلت بعبد الله. فكان المفعول مخفوضًا بالياء، فلما زال ما خفضه وصل الفعل إليه فنصبه، كما قال تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً}، فالواو في معنى مع، وليست بخافضة، فكان ما بعدها على الموضع، فعلى هذا ينشد هذا الشعر:
فما لك والتلدد حول نجدٍ ....... وقد غصت تهامة بالرجال
ولو قلت: ما شأنك وزيدًا لاختير النصب، لأن زيدًا لا يلتبس بالشأن، لأن المعطوف على الشيء أبدًا في مثل حاله، ولو قلت: ما شانك وشأن زيد لرفعت، لأن الشأن يعطف على الشأن، وهذه الآية تفسر على وجهين من الإعراب: أحدهما هذا، وهو الأجود فيها وهو قوله عز وجل: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ}. فالمعنى والله أعلم: مع شركائكم، لأنك تقول: جمعت قومي، وأجمعت أمري، ويجوز أن يكون لما أدخل الشركاء مع الأمر حمله على مثل لفظه. لأن المعنى يرجع إلى شيء واحد، فيكون كقوله:
يا ليت زوجك قد غدا ....... متقلدًا سيفًا ورمحا).
[الكامل: 1/ 431-432]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله:" وأطلس عسال"، فالأطلس الأغبر. وحدثني مسعود بن بشرٍ قال: أنشدني طاهر بن علي الهاشمي قال: سمعت عبد الله بن طاهر بن الحسين ينشد في صفة الذئب:
بهم بني محاربٍ مزداره ....... أطلس يخفى شخصه غباره
في شدقه شفرته وناره.
قوله: " يخفي شخصه غباره"، يقول: هو في لون الغبار، فليس يتبين فيه. وقوله:" عسال"، فإنما نسبه إلى مشيته، يقال: مر الذئب يعسل، وهو مشيٌ خفيف كالهرولة، قال الشاعر يصف رمحًا:
لدنٌ بهز الكف يعسل متنه ....... فيه كما عسل الطريق الثعلب
وقال لبيدٌ:
عسلان الذئب أمسى قاربًا ....... برد الليل عليه فنسل
قال أبو عبيدة: نسل في معنى عسل، وقال الله عز وجل: {فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}. وخفض بهذه الواو لأنها في معنى "رُبَّ"، وإنما جاز أن يخفض بها لوقوعها في معنى"رب" لأنها حرف خفض، وهي أعني الواو تكون بدلاً من الباء في القسم لأن مخرجها في مخرج الباء من الشفة، فإذا قلت: والله لأفعلن، فمعناه: أقسم بالله لأفعلن، فإن حذفتها قلت: الله لأفعلن، لأن الفعل يقع على الاسم فينصبه، والمعنى معنى"الباء" كما قال عز وجل: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا}. وصل الفعل فعمل، والمعنى معنى"من" لأنها للتبعيض، فقد صارت"الواو" تعمل بلفظها عمل "الباء"، وتكون في معناها، وتعمل عمل "رب" لاجتماعها في المعنى للاشتراك في المخرج). [الكامل: 1/ 473-475] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} أي أختار من القوم. وهما منصوبان بوقوع الفعل، يعني {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ}، أخترتك الرجل. وأنشد:
محمد واختاره الله الخير). [مجالس ثعلب: 588]

تفسير قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وقوله: {هدنا إليك}؛ تبنا إليك). [الغريب المصنف: 3/ 830]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (أبو عمرو: ..... وقال: الإصر الذنب). [الغريب المصنف: 3/ 667]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 03:56 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 03:57 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 03:58 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 04:04 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {واختار موسى قومه ... الآية}، معنى هذه الآية أن موسى عليه السلام اختار من قومه هذه العدة ليذهب بهم إلى موضع عبادة وابتهال ودعاء ليكون منه ومنهم اعتذار إلى الله عز وجل من خطأ بني إسرائيل في عبادة العجل وطلب لكمال العفو عمن بقي منهم، وروي عن علي بن أبي طالب أن اختيارهم إنما كان بسبب قول بني إسرائيل أن موسى قتل هارون حين ذهب معه ولم يرجع، فاختار هؤلاء ليذهبوا فيكلمهم هارون بأنه مات بأجله، وقوله: {لميقاتنا} يؤيد القول الأول وينافر هذا القول لأنها تقتضي أن ذلك كان عن توقيت من الله عز وجل وعدة في الوقت الموضع، وتقدير الكلام: واختار موسى من قومه، فلما انحذف الخافض تعدى الفعل فنصب، وهذا كثير في كلام العرب.
واختلف العلماء في سبب الرّجفة التي حلت بهم، فقيل كانت عقوبة لهم على سكوتهم وإغضائهم على عبادة العجل، وقيل: كانت على عبادتهم العجل بأنفسهم وخفي ذلك عن موسى في وقت الاختيار حتى أعلمه الله، قاله السدي، وقيل: كانت عقوبة لهم لأنهم لما دنوا وعلموا أن موسى يسمع كلام الله قالوا له: أرنا ربك فأخذتهم الرجفة، وقيل كانت عقوبة لتشططهم في الدعاء بأن قالوا اللهم أعطنا ما لم تعطه أحدا قبلنا ولا تعطيه أحدا بعدنا، فأخذتهم الرجفة، وقيل: إنما أخذتهم لما سمعوا كلام هارون وهو ميت، وذلك أن موسى وهارون ذهبا إلى التعبد أو نحوه فمات هارون فدفنه موسى وجاء فقالت له بنو إسرائيل: أين هارون؟ فقال: مات، فقالوا بل أنت قتلته لأنك حسدتنا على حسن خلقه وعشرته، فاختار السبعين ليمضوا معه حتى يروا برهان ما قال لهم، فلما وصلوا قال له موسى يا هارون أقتلت أم مت؟ فناداه من القبر بل مت فأخذت القوم الرجفة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وروي أنهم ماتوا في رجفتهم هذه، ويحتمل أن كانت كالإغماء ونحوه، والرّجفة الاهتزاز والتقلقل للهول العظيم، فلما رأى موسى ذلك أسف عليهم وعلم أن أمر بني إسرائيل سيتشعب عليه إذا لم يأت بالقوم فجعل يستعطف ربه أي رب لو أهلكتهم قبل هذه الحال وإياي لكان أحق عليّ، وهذا وقت هلاكهم فيه مفسد على مؤذلي، ثم استفهم على جهة الرغبة والتضرع والتذلل، ويحتمل قوله: ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أن يريد وقت إغضائهم على عبادة العجل أي وقت عبادتهم على القول بذلك وفي نفسه هو وقت قتله القبطي، أي فأنت قد سترت وعفوت حينئذ فكيف الآن إذ رجوعي دونهم فساد لبني إسرائيل، فمنحى الكلام على هذا محض استعطاف، وعلى التأويل الأول منحاه الإدلاء بالحجة في صيغة استعطاف، وإذا قلنا إن سبب «الرجفة» كان عبادة العجل كان الضمير في قوله: أتهلكنا له وللسبعين، والسّفهاء إشارة إلى العبدة من بني إسرائيل، وكذلك إذا كان سببها قول بني إسرائيل له قتلت هارون، وإذا كان سبب الرجفة طلبهم الرؤية وتشططهم في الدعاء أو عبادتهم بأنفسهم العجل فالضمير في قوله: أتهلكنا يريد به نفسه وبني إسرائيل، أي بالتفرق والكفر والعصيان يكون هلاكهم، ويكون قوله: السّفهاء إشارة إلى السبعين، وروي أن السبعين لم يكن فيهم من زاد على الأربعين ولا من قصر عن العشرين، وروي عن علي بن أبي طالب أنهم أحيوا وجعلوا أنبياء كلهم، وقالت فرقة: إن موسى عليه السلام لما أعلمه الله عز وجل أن السبعين عبدوا العجل تعجب وقال: إن هي إلّا فتنتك تضلّ بها من تشاء أي الأمور بيدك تفعل ما تريد، وقيل: إن الله تعالى لما أعلم موسى بعبادة بني إسرائيل العجل وبصفته قال موسى: أي رب ومن أخاره؟ قال أنا، قال موسى: فأنت أضللتهم إن هي إلا فتنتك ويحتمل أن يشير بها إلى قولهم: أرنا الله إذ كانت فتنة من الله أوجبت الرجفة، وفي هذه الآية رد على المعتزلة، وفاغفر معناه استر).[المحرر الوجيز: 4/ 56-58]
تفسير قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون (156)}
اكتب معناه أثبت واقض، والكتب مستعمل في ما يخلد، وحسنةً لفظ عام في كل ما يحسن في الدنيا من عافية وغنى وطاعة لله تعالى وغير ذلك وحسنة الآخرة الجنة لا حسنة دونها ولا مرمى وراءها، وهدنا بضم الهاء معناه تبنا، وقرأ أبو وجزة «هدنا» بكسر الهاء ومعناه حركنا أنفسنا وجذبناها لطاعتك، وهو مأخوذ من هاد يهيد إذا حرك، وقوله تعالى: قال عذابي أصيب به من أشاء الآية، قال الله عز وجل: إن الرجفة التي أنزلت بالقوم هي عذابي أصيب به من شئت ثم أخبر عن رحمته، ويحتمل وهو الأظهر أن الكلام قصد الخبر عن عذابه وعن رحمته من أول ما ابتدأ، ويندرج أمر أصحاب الرجفة في عموم قوله عند عذابي أصيب به من أشاء وقرأ الحسن وطاوس وعمرو بن فائد «من أساء» من الإساءة أي من عمل غير صالح، وللمعتزلة بهذه القراءة تعلق من وجهين: أحدهما إنفاذ الوعيد، والآخر خلق المرء أفعاله وأن أساء لا فعل فيه لله، وهذان التعلقان فيهما احتمال ينفصل عنه كما ينفصل عن سائر الظواهر إلا أن القراءة أطنبوا في التحفظ من هذه القراءة، وقال أبو عمرو الداني: لا تصح هذه القراءة عن الحسن وطاوس، وعمرو بن فائد رجل سوء، وذكر أبو حاتم أن سفيان بن عيينة قرأها مرة واستحسنها فقام إليه عبد الرحمن المقبري وصاح به وأسمعه فقال سفيان: لم أدر ولم أفطن لما يقول أهل البدع وهذا إفراط من المقربين وحملهم على ذلك شحهم على الدين وظنهم أن الانفصال عن تعلق المعتزلة متعذر.
ثم وصف الله -تعالى- رحمته بأنها وسعت كلّ شيءٍ فقال بعض العلماء: هو عموم في الرحمة وخصوص في قوله كلّ شيءٍ والمراد من قد سبق في علم الله أن يرحمه دون من سواهم، وقال بعضهم: هو عموم في رحمة الدنيا لأن الكافر والمؤمن والحيوان كله متقلب في رحمة الله الدنياوية، وقالت فرقة: قوله: {ورحمتي} يراد به التوبة وهي خاصة على هذا في الرحمة وفي الأشياء لأن المراد من قد تقع منه التوبة، وقال نوف البكالي: إن إبليس لما سمع قول الله تعالى: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} طمع في رحمة الله فلما سمع فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة يئس إبليس وبقيت اليهود والنصارى، فلما تمادت الصفة تبين أن المراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويئس اليهود والنصارى من الآية، وقال نحوه قتادة،
وقوله: {فسأكتبها} أي أقدرها وأقضيها، وقال نوف البكالي: إن موسى عليه السلام قال يا رب جعلت وفادتي لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقال نوف البكالي: فاحمدوا الله الذي جعل وفادة بني إسرائيل لكم، وقوله: {يتّقون} في هذه الآية قالت فرقة: معناه يتقون الشرك، وقالت فرقة: يتقون المعاصي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومن قال: الشرك لا غير خرج إلى قول المرجئة، ويرد عليه من الآية شرط الأعمال بقوله: {ويؤتون الزّكاة}، ومن قال المعاصي ولا بد خرج إلى قول المعتزلة، والصواب بأن تكون اللفظة عامة ولكن ليس بأن نقول ولا بد من اتقاء المعاصي بل بأن نقول مع أن مواقع المعاصي في مشيئة الله تعالى، ومعنى: يتّقون يجعلون بينهم وبين المتقى وقاية وحجابا، فذكر الله تعالى الرتبة العالية ليتسابق السامعون إليها، وقوله: ويؤتون الزّكاة الظاهر من قوله يؤتون أنها الزكاة المختصة بالمال وخصها هنا بالذكر تشريفا لها وجعلها مثالا لجميع الطاعات، وقال ابن عباس فيما روي عنه: ويؤتون الأعمال التي يزكون بها أنفسهم). [المحرر الوجيز: 4/ 58-60]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوباً عندهم في التّوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (157)}
هذه الألفاظ أخرجت اليهود والنصارى من الاشتراك الذي يظهر في قوله: {فسأكتبها للّذين يتّقون} وخلصت هذه العدة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- قاله ابن عباس وابن جبير وغيرهما، ويتّبعون معناه في شرعه ودينه، والرّسول والنّبيّ اسمان لمعنيين فإن الرسول، أخص من النبي هذا في الآدميين لاشتراك الملك في لفظة الرسول،
والنّبيّ مأخوذ من النبأ، وقيل لما كان طريقا إلى رحمة الله تعالى وسببا شبه بالنبيء الذي هو الطريق، وأنشدوا:
لأصبح رتما دقاق الحصى ....... مكان النبيء من الكاثب
وأصله الهمز ولكنه خفف كذا قال سيبويه وذلك كتخفيفهم خابية وهي من خبأ، واستعمل تخفيفه حتى قد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تنبروا اسمي، وقدم الرسول اهتماما بمعنى الرسالة عند المخاطبين بالقرآن وإلا فمعنى النبوءة هو المتقدم وكذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على البراء بن عازب حين قال آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وبنبيك الذي أرسلت» ليترتب الكلام كما ترتب الأمر في نفسه، لأنه نبئ ثم أرسل، وأيضا في العبارة المردودة تكرار الرسالة وهو معنى واحد، و «الأمي» بضم الهمزة قيل نسب إلى أم القرى وهي مكة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: واللفظة على هذا مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وغير مضمنة معنى عدم الكتابة، وقيل هو منسوب لعدمه الكتابة والحساب إلى الأم، أي هو على حال الصدر عن الأم في عدم الكتابة، وقالت فرقة هو منسوب إلى الأمة، وهذا أيضا مضمن عدم الكتابة لأن الأمة بجملتها غير كاتبة حتى تحدث فيها الكتابة كسائر الصنائع، وقرأ بعض القراء فيما ذكر أبو حاتم «الأمي» بفتح الهمزة وهو منسوب إلى الأم وهو القصد، أي لأن هذا النبي مقصد للناس وموضع أم يؤمونه بأفعالهم وتشرعهم، قال ابن جني:
وتحتمل هذه القراءة أن يريد الأمي فغير تغيير النسب.
والضمير في قوله: {يجدونه} لبني إسرائيل والهاء منه لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمراد صفته ونعته.
وروي أن الله عز وجل قال لموسى قل لبني إسرائيل أجعل لكم الأرض مسجدا وطهورا وأجعل السكينة معكم في بيوتكم وأجعلكم تقرءون التوراة عن ظهر قلوبكم، فأخبر موسى بني إسرائيل فقالوا: إنما نريد أن نصلي في الكنائس وأن تكون السكينة كما كانت في التابوت وأن لا نقرأ التوراة إلا نظرا، فقيل لهم فنكتبها للذين يتقون يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي عن عبد الله بن عمر، وفي البخاري أو غيره أن في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم: «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فنقيم به قلوبا غلفا وآذانا صما وأعينا عميا». وفي البخاري «فنفتح به عيونا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا». ونص كعب الأحبار نحو هذه الألفاظ إلا أنه قال: «قلوبا غلفا وآذانا صموما»، قال الطبري: وهي لغة حميرية وقد رويت «غلوفيا وصموميا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأظن هذا وهما وعجمة.
وقوله تعالى: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} يحتمل أن يريد ابتداء وصف الله تعالى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويحتمل أن يجعله متعلقا ب يجدونه في موضع الحال على تجوز، أي يجدونه في التوراة أمرا بشرط وجوده فالمعنى الأول لا يقتضي أنهم علموا من التوراة أنه يأمرهم وينهاهم ويحل ويحرم، والمعنى الثاني يقتضي ذلك فالمعنى الثاني على هذا ذم لهم، ونحا إلى هذا أبو إسحاق الزجّاج، وقال أبو علي الفارسي في الأغفال يأمرهم عندي تفسير لما كتب من ذكره كما أن قوله تعالى: {خلقه من ترابٍ} [آل عمران: 59] تفسير للمثل، ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير في يجدونه لأن الضمير للذكر والاسم، والذكر والاسم لا يأمران.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وما قدمته من التجوز وشرط الوجود يقرب ما منع منه أبو علي، وانظر، وبالمعروف ما عرف الشرع، وكل معروف من جهة المروءة فهو معروف بالشرع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «بعثت لأتمم محاسن الأخلاق» والمنكر مقابله.
والطّيّبات قال فيها بعض المفسرين إنها إشارة إلى البحيرة ونحوها، ومذهب مالك رحمه الله أنها المحللات فكأنه وصفها بالطيب إذ هي لفظة تتضمن مدحا وتشريفا، وبحسب هذا يقول في الخبائث إنها المحرمات وكذلك قال ابن عباس «الخبائث» هي لحم الخنزير والربا وغيره، وعلى هذا حلل مالك المتقذرات كالحيات والخنافس والعقارب ونحوها، ومذهب الشافعي رحمه الله أن الطيبات هي من جهة الطعم إلا أن اللفظة عنده ليست على عمومها لأن عمومها بهذا الوجه من الطعم يقتضي تحليل الخمر والخنزير بل يراها مختصة فيما حلله الشرع، ويرى «الخبائث» لفظا عاما في المحرمات بالشرع وفي المتقذرات فيحرم العقارب والخنافس والوزغ وما جرى هذا المجرى، والناس على هذين القولين إلا أن في تعيين الخبائث اختلافا ليس هذا موضع تقصيه.
وقوله تعالى: {ويضع عنهم إصرهم ... الآية}، يضع كأن قياسه أن يكون «يضع» بكسر الضاد لكن رده حرف الحلق إلى فتح الضاد، قال أبو حاتم وأدغم أبو عمرو «ويضع عنهم» العين في العين وأشمها الرفع وأشبعها أبو جعفر وشيبة ونافع، وطلحة ويذهب عنهم إصرهم، و «الإصر» الثقل وبه فسر هنا قتادة وابن جبير ومجاهد، و «الإصر» أيضا العهد وبه فسر ابن عباس والضحاك والحسن وغيرهم، وقد جمعت هذه الآية المعنيين فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال فوضع عنهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك العهد وثقل تلك الأعمال، وحكى أبو حاتم عن ابن جبير، قال: «الإصر» شدة العبادة.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي والناس «إصرهم» وقرأ ابن عامر وحده وأيوب السختياني ويعلى بن حكيم وأبو سراج الهذلي وأبو جعفر «آصارهم» بالجمع لما كانت الأعمال كثيرة كانت أثقالها متغايرة، ومن وحد الإصر فإنما هو مفرد اسم جنس يراد به الجمع، قال أبو حاتم: في كتاب بعض العلماء «أصرهم» واحد مفتوح الهمزة عن نافع وعيسى والزيات وذلك غلط، وذكرها مكي عن أبي بكر عن عاصم وقال: هي لغة.
والأغلال الّتي كانت عليهم عبارة مستعارة أيضا لتلك الأثقال كقطع الجلد من أثر البول، وأن لا دية ولا بد من قتل للقاتل، وترك الأشغال يوم السبت، فإنه روي أن موسى عليه السلام رأى يوم السبت رجلا يحمل قصبا فضرب عنقه، هذا قول جمهور المفسرين، وهذا مثل قولك طوق فلان كذا إذا ألزمه، ومنه قول الشاعر: [مجزوء الكامل]
اذهب بها اذهب بها ....... طوقتها طوق الحمامه
أي لزمك عارها.
ومن هذا المعنى قول الهذلي:
فليس كعهد الدار يا أم مالك ....... ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل

وعاد الفتى كالكهل ليس بقابل ....... سوى الحق شيئا فاستراح العواذل
يريد أوامر الإسلام ولوازم الإيمان الذي قيد الفتك كما قال صلى الله عليه وسلم، وقال ابن زيد: إنما المراد هنا ب {الأغلال}؛ قول الله -عز وجل- في اليهود: {غلّت أيديهم} [المائدة: 64] فمن آمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم- زالت عنه الدعوة وتغليلها.
ثم أخبر تعالى عن حال المؤمنين فقال: فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه وقرأ الجحدري وسليمان التيمي وقتادة وعيسى «عزروه» بالتخفيف، وجمهور الناس على التشديد في الزاي، ومعناه في القراءتين وقروه، والتعزير والنصر مشاهدة خاصة للصحابة، واتباع النور يشترك فيه معهم المؤمنون إلى يوم القيامة، والنّور كناية عن جملة الشرع، وقوله: {معه} فيه حذف مضاف والتقدير مع بعثه أو نبوته أو نحو هذا، وشبه الشرع والهدى بالنور إذ القلوب تستضيء به كما يستضيء البصر بالنور، والمفلحون معناه الفائزون ببغيتهم، وهذا يعم معاني الفلاح فإن من بقي فقد فاز ببغيته). [المحرر الوجيز: 4/ 60-65]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 04:05 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 04:12 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلمّا أخذتهم الرّجفة قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين (155) واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة إنّا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون (156)}
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في تفسير هذه الآية: كان اللّه أمره أن يختار من قومه سبعين رجلًا فاختار سبعين رجلًا فبرز بهم ليدعوا ربّهم، فكان فيما دعوا اللّه قالوا: اللّهمّ أعطنا ما لم تعطه أحدًا قبلنا ولا تعطه أحدًا بعدنا فكره اللّه ذلك من دعائهم، فأخذتهم الرجفة، قال موسى: {ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي} الآية.
وقال السّدّي: إنّ اللّه أمر موسى أن يأتيه في ناسٍ من بني إسرائيل، يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موعدًا، فاختار موسى قومه سبعين رجلًا على عينه، ثمّ ذهب بهم ليعتذروا. فلمّا أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك يا موسى حتّى نرى اللّه جهرةً، فإنّك قد كلّمته، فأرناه. فأخذتهم الصّاعقة فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو اللّه ويقول: ربّ، ماذا أقول لبني إسرائيل إذا لقيتهم وقد أهلكت خيارهم؟ {ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي}
وقال محمّد بن إسحاق: اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلًا الخيّر فالخيّر، وقال: انطلقوا إلى اللّه فتوبوا إليه ممّا صنعتم، وسلوه التّوبة على من تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهّروا، وطهّروا ثيابكم. فخرج بهم إلى طور سيناء، لميقاتٍ وقّته له ربّه، وكان لا يأتيه إلّا بإذنٍ منه وعلمٍ -فقال له السّبعون -فيما ذكر لي -حين صنعوا ما أمرهم به، وخرجوا معه للقاء ربّه، [فقالوا] لموسى: اطلب لنا نسمع كلام ربّنا. فقال: أفعل. فلمّا دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمود الغمام، حتّى تغشّى الجبل كلّه. ودنا موسى فدخل فيه، وقال للقوم: ادنوا. وكان موسى إذا كلّمه اللّه وقع على جبهة موسى نورٌ ساطعٌ، لا يستطيع أحدٌ من بني آدم أن ينظر إليه. فضرب دونه بالحجاب. ودنا القوم، حتّى إذا دخلوا وقعوا سجودا فسمعوه وهو يكلّم موسى، يأمره وينهاه: افعل، ولا تفعل. فلمّا فرغ إليه من أمره، انكشف عن موسى الغمام، فأقبل إليهم، فقالوا لموسى: لن نؤمن لك حتّى نرى اللّه جهرةً. فأخذتهم الرّجفة -وهي الصّاعقة -فافتلتت أرواحهم، فماتوا جميعًا. فقام موسى يناشد ربّه ويدعوه ويرغب إليه، ويقول: {ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي} قد سفهوا، أفنهلك من ورائي من بني إسرائيل.
وقال سفيان الثّوريّ: حدّثني أبو إسحاق، عن عمارة بن عبدٍ السّلولي، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، قال: «
انطلق موسى وهارون وشبّر وشبير، فانطلقوا إلى سفح جبل، فنام هارون على سريرٍ، فتوفّاه اللّه، عزّ وجلّ. فلمّا رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا له: أين هارون؟ قال: توفّاه اللّه، عزّ وجلّ. قالوا له: أنت قتلته، حسدتنا على خلقه ولينه -أو كلمةٍ نحوها -قال: فاختاروا من شئتم. قال: فاختاروا سبعين رجلًا. قال: فذلك قوله تعالى: {واختار موسى قومه سبعين رجلا} فلمّا انتهوا إليه قالوا: يا هارون، من قتلك؟ قال: ما قتلني أحدٌ، ولكن توفّاني اللّه. قالوا: يا موسى، لن تعصى بعد اليوم. قال: فأخذتهم الرّجفة. قال: فجعل موسى، عليه السّلام، يرجع يمينًا وشمالًا وقال: يا {ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء} قال: فأحياهم اللّه وجعلهم أنبياء كلّهم».
هذا أثرٌ غريبٌ جدًّا، وعمارة بن عبدٍ هذا لا أعرفه. وقد رواه شعبة، عن أبي إسحاق عن رجلٍ من بني سلول عن عليٍّ، فذكره.
وقال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وقتادة وابن جريج: إنّما أخذتهم الرّجفة لأنّهم لم يزايلوا قومهم في عبادتهم العجل، ولا نهوهم، ويتوجّه هذا القول بقول موسى: {أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا}.
وقوله: {إن هي إلا فتنتك} أي: ابتلاؤك واختبارك وامتحانك. قاله ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وأبو العالية، وربيع بن أنسٍ، وغير واحدٍ من علماء السّلف والخلف. ولا معنى له غير ذلك؛ يقول: إن الأمر إلّا أمرك، وإن الحكم إلّا لك، فما شئت كان، تضلّ من تشاء، وتهدي من تشاء، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، فالملك كلّه لك، والحكم كلّه لك، لك الخلق والأمر.
وقوله: {أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين} الغفر هو: السّتر، وترك المؤاخذة بالذّنب، والرّحمة إذا قرنت مع الغفر، يراد بها ألّا يوقعه في مثله في المستقبل، {وأنت خير الغافرين} أي: لا يغفر الذّنوب إلّا أنت). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 479-481]

تفسير قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة} هناك الفصل الأوّل من الدّعاء دفع المحذور، وهذا لتحصيل المقصود {واكتب لنا في هذه الدّنيا حسنةً وفي الآخرة} أي: أوجب لنا وأثبت لنا فيهما حسنةً، وقد تقدّم تفسير ذلك في سورة البقرة. [الآية:201]
{إنّا هدنا إليك} أي: تبنا ورجعنا وأنبنا إليك. قاله ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبير، ومجاهدٌ، وأبو العالية، والضّحّاك، وإبراهيم التّيميّ، والسّدّي، وقتادة، وغير واحدٍ. وهو كذلك لغة.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا أبي، عن شريكٍ، عن جابرٍ، عن عبد اللّه بن نجيّ عن عليٍّ [رضي اللّه عنه] قال:
«إنّما سمّيت اليهود لأنّهم قالوا: {إنّا هدنا إليك}»
جابرٌ -هو ابن يزيد الجعفي -ضعيفٌ.
قال تعالى مجيبًا لموسى في قوله: {إن هي إلا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء} الآية: {عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون} أي: أفعل ما أشاء، وأحكم ما أريد، ولي الحكمة والعدل في كلّ ذلك، سبحانه لا إله إلّا هو.
وقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} آيةٌ عظيمة الشّمول والعموم، كقوله إخبارًا عن حملة العرش ومن حوله أنّهم يقولون: {ربّنا وسعت كلّ شيءٍ رحمةً وعلمًا} [غافرٍ: 7]
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا أبي، حدّثنا الجريري، عن أبي عبد اللّه الجشمي، حدّثنا جندب -هو ابن عبد اللّه البجلي، رضي اللّه عنه -قال: جاء أعرابيٌّ فأناخ راحلته ثمّ عقلها ثمّ صلّى خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فلمّا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتى راحلته فأطلق عقالها، ثمّ ركبها، ثمّ نادى: اللّهمّ، ارحمني ومحمّدًا، ولا تشرك في رحمتنا أحدًا. فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«أتقولون هذا أضلّ أم بعيره؟ ألم تسمعوا ما قال؟» قالوا: بلى. قال: «لقد حظرت رحمةً واسعةً؛ إن الله، عز وجلّ، خلق مائة رحمةٍ، فأنزل رحمةً واحدةً يتعاطف بها الخلق؛ جنّها وإنسها وبهائمها، وأخّر عنده تسعًا وتسعين رحمةً، أتقولون هو أضلّ أم بعيره؟».
رواه أبو داود عن عليّ بن نصرٍ، عن عبد الصّمد بن عبد الوارث، به.
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ عن سليمان، عن أبي عثمان، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«إن للّه عزّ وجلّ، مائة رحمةٍ، فمنها رحمةٌ يتراحم بها الخلق، وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخّر تسعًا وتسعين إلى يوم القيامة».
تفرّد بإخراجه مسلمٌ، فرواه من حديث سليمان -هو ابن طرخان -وداود بن أبي هندٍ كلاهما، عن أبي عثمان -واسمه عبد الرّحمن بن ملٍّ -عن سلمان، هو الفارسيّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، به
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة؛ أنّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال:
«للّه مائة رحمةٍ، عنده تسعةٌ وتسعون، وجعل عندكم واحدةً تتراحمون بها بين الجنّ والإنس وبين الخلق، فإذا كان يوم القيامة ضمّها إليه». تفرّد به أحمد من هذا الوجه
وقال أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا عبد الواحد، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ قال: قال: رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«للّه مائة رحمةٍ، فقسّم منها جزءًا واحدًا بين الخلق، فيه يتراحم النّاس والوحش والطّير».
ورواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، به.
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا أحمد بن يونس، حدّثنا سعدٌ أبو غيلان الشّيبانيّ، عن حمّاد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن صلة بن زفر، عن حذيفة بن اليمان، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«والّذي نفسي بيده، ليدخلنّ الجنّة الفاجر في دينه، الأحمق في معيشته. والّذي نفسي بيده، ليدخلنّ الجنّة الّذي قد محشته النّار بذنبه. والّذي نفسي بيده، ليغفرنّ اللّه يوم القيامة مغفرةً يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه».
هذا حديثٌ غريبٌ جدًّا، "وسعدٌ" هذا لا أعرفه.
وقوله: {فسأكتبها للّذين يتّقون} الآية، يعني: فسأوجب حصول رحمتي منّةً منّي وإحسانًا إليهم، كما قال تعالى: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة} [الأنعام: 54]
وقوله: {للّذين يتّقون} أي: سأجعلها للمتّصفين بهذه الصّفات، وهم أمّة محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- الّذين يتّقون، أي: الشّرك والعظائم من الذّنوب.
{ويؤتون الزّكاة} قيل: زكاة النّفوس. وقيل: [زكاة] الأموال. ويحتمل أن تكون عامّةً لهما؛ فإنّ الآية مكّيّةٌ {والّذين هم بآياتنا يؤمنون} أي: يصدّقون). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 481-483]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (157)}
{الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل} وهذه صفة محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- في كتب الأنبياء بشّروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودةً في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم كما قال الإمام أحمد:
حدّثنا إسماعيل، عن الجريري، عن أبي صخرٍ العقيليّ، حدّثني رجلٌ من الأعراب، قال: جلبت جلوبةً إلى المدينة في حياة رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فلمّا فرغت من بيعتي قلت: لألقينّ هذا الرّجل فلأسمعنّ منه، قال: فتلقّاني بين أبي بكرٍ وعمر يمشون، فتبعتهم في أقفائهم حتّى أتوا على رجلٍ من اليهود ناشرًا التّوراة يقرؤها، يعزّي بها نفسه عن ابنٍ له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«أنشدك بالّذي أنزل التّوراة، هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي؟» فقال برأسه هكذا، أي: لا. فقال ابنه، إي: والّذي أنزل التّوراة إنّا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وإنّي أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّك رسول اللّه فقال: «أقيموا اليهوديّ عن أخيكم». ثمّ ولي كفنه والصّلاة عليه
هذا حديثٌ جيّدٌ قويٌّ له شاهدٌ في الصّحيح، عن أنسٍ.
وقال الحاكم صاحب المستدرك: أخبرنا أبو محمّدٍ -عبد اللّه بن إسحاق البغويّ، حدّثنا إبراهيم بن الهيثم البلديّ حدّثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس، حدّثنا عبد اللّه بن إدريس، عن شرحبيل بن مسلمٍ، عن أبي أمامة الباهليّ، عن هشام بن العاص الأمويّ قال: بعثت أنا ورجلٌ آخر إلى هرقل صاحب الرّوم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتّى قدمنا الغوطة -يعني غوطة دمشق -فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغسّانيّ، فدخلنا عليه، فإذا هو على سريرٍ له، فأرسل إلينا برسوله نكلّمه، فقلنا: واللّه لا نكلّم رسولًا إنّما بعثنا إلى الملك، فإن أذن لنا كلّمناه وإلّا لم نكلم الرّسول فرجع إليه الرّسول فأخبره بذلك، قال: فأذن لنا فقال: تكلّموا فكلّمه هشام بن العاص، ودعاه إلى الإسلام، فإذا عليه ثياب سوادٍ فقال له هشامٌ: وما هذه الّتي عليك؟ فقال: لبستها وحلفت ألّا أنزعها حتّى أخرجكم من الشّام. قلنا: ومجلسك هذا، واللّه لنأخذنّه منك، ولنأخذنّ ملك الملك الأعظم، إن شاء اللّه، أخبرنا بذلك نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: لستم بهم، بل هم قومٌ يصومون بالنّهار، ويقومون باللّيل، فكيف صومكم؟ فأخبرناه، فملئ وجهه سوادًا فقال: قوموا. وبعث معنا رسولًا إلى الملك، فخرجنا، حتّى إذا كنّا قريبًا من المدينة، قال لنا الّذي معنا: إنّ دوابّكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم حملناكم على براذين وبغالٍ؟ قلنا: واللّه لا ندخل إلّا عليها، فأرسلوا إلى الملك أنّهم يأبون ذلك. فدخلنا على رواحلنا متقلّدين سيوفنا، حتّى انتهينا إلى غرفةٍ فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلّا اللّه، واللّه أكبر فاللّه يعلم لقد تنفّضت الغرفة حتّى صارت كأنّها عذق تصفّقه الرّياح، فأرسل إلينا: ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم. وأرسل إلينا: أن ادخلوا فدخلنا عليه وهو على فراشٍ له، وعنده بطارقته من الرّوم، وكلّ شيءٍ في مجلسه أحمر، وما حوله حمرةٌ، وعليه ثيابٌ من الحمرة، فدنونا منه فضحك، فقال: ما كان عليكم لو حيّيتموني بتحيّتكم فيما بينكم؟ وإذا عنده رجلٌ فصيحٌ بالعربيّة، كثير الكلام، فقلنا: إن تحيّتنا فيما بيننا لا تحلّ لك، وتحيّتك الّتي تحيى بها لا تحلّ لنا أن نحيّيك بها. قال: كيف تحيّتكم فيما بينكم؟ قلنا: السّلام عليك. قال: وكيف تحيّون ملككم؟ قلنا: بها. قال: وكيف يردّ عليكم؟ قلنا: بها. قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلّا اللّه، واللّه أكبر فلمّا تكلّمنا بها واللّه يعلم -لقد تنفّضت الغرفة حتّى رفع رأسه إليها، قال: فهذه الكلمة الّتي قلتموها حيث تنفّضت الغرفة، كلّما قلتموها في بيوتكم تنفّضت عليكم غرفكم؟ قلنا: لا ما رأيناها فعلت هذا قطّ إلّا عندك. قال: لوددت أنّكم كلّما قلتم تنفّض كلّ شيءٍ عليكم. وإنّي خرجت من نصف ملكي. قلنا: لم؟ قال: لأنّه كان أيسر لشأنها، وأجدر ألّا تكون من أمر النّبوّة، وأنّها تكون من حيل النّاس. ثمّ سألنا عمّا أراد فأخبرناه. ثمّ قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه، فقال: قوموا فقمنا. فأمر لنا بمنزلٍ حسنٍ ونزلٍ كثير، فأقمنا ثلاثًا.
فأرسل إلينا ليلًا فدخلنا عليه، فاستعاد قولنا، فأعدناه. ثمّ دعا بشيءٍ كهيئة الرّبعة العظيمة مذهبةٍ، فيها بيوتٌ صغارٌ عليها أبوابٌ، ففتح بيتًا وقفلًا فاستخرج حريرةً سوداء، فنشرها، فإذا فيها صورةٌ حمراء، وإذا فيها رجلٌ ضخم العينين. عظيم الأليتين، لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحيةٌ، وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق اللّه. قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا آدم، عليه السّلام، وإذا هو أكثر النّاس شعرًا.
ثمّ فتح بابًا آخر، فاستخرج منه حريرةً سوداء، وإذا فيها صورةٌ بيضاء، وإذا له شعرٌ كشعر القطط، أحمر العينين، ضخم الهامة، حسن اللّحية، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا نوحٌ، عليه السّلام.
ثمّ فتح بابًا آخر، فاستخرج حريرةً سوداء، وإذا فيها رجلٌ شديد البياض، حسن العينين، صلت الجبين، طويل الخدّ، أبيض اللّحية كأنّه يبتسم، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إبراهيم، عليه السّلام.
ثمّ فتح بابًا آخر فإذا فيه صورةٌ بيضاء، وإذا -واللّه -رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم، محمّدٍ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: وبكينا. قال: واللّه يعلم أنّه قام قائمًا ثمّ جلس، وقال: واللّه إنّه لهو؟ قلنا: نعم، إنّه لهو، كأنّك تنظر إليه، فأمسك ساعةً ينظر إليها، ثمّ قال: أما إنّه كان آخر البيوت، ولكنّي عجّلته لكم لأنظر ما عندكم.
ثمّ فتح بابًا آخر، فاستخرج منه حريرةً سوداء، فإذا فيها صورةٌ أدماء سحماء وإذا رجلٌ جعدٌ قططٌ، غائر العينين، حديد النّظر، عابسٌ متراكب الأسنان، مقلّص الشّفة كأنّه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا موسى عليه السّلام. وإلى جانبه صورةٌ تشبهه، إلّا أنّه مدهان الرّأس، عريض الجبين، في عينيه قبلٌ، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا هارون بن عمران، عليه السّلام.
ثمّ فتح بابًا آخر، فاستخرج منه حريرةً بيضاء، فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة، كأنّه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا لوطٌ، عليه السّلام.
ثمّ فتح بابًا آخر، فاستخرج منه حريرةً بيضاء، فإذا فيها صورة رجلٍ أبيض مشرب حمرة، أقنى، خفيف العارضين، حسن الوجه فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال هذا إسحاق، عليه السّلام.
ثمّ فتح بابًا آخر، فاستخرج حريرةً بيضاء، فإذا فيها صورةٌ تشبه إسحاق، إلّا أنّه على شفته خالٌ، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. [قال] هذا يعقوب، عليه السّلام.
ثمّ فتح بابًا آخر، فاستخرج منه حريرةً سوداء، فيها صورة رجلٍ أبيض، حسن الوجه، أقنى الأنف، حسن القامة، يعلو وجهه نورٌ، يعرف في وجهه الخشوع، يضرب إلى الحمرة، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إسماعيل جدّ نبيّكم، عليهما السّلام.
ثمّ فتح بابًا آخر، فاستخرج حريرةً بيضاء، فيها صورةٌ كأنّها آدم، عليه السّلام، كأنّ وجهه الشّمس، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا يوسف، عليه السّلام.
ثمّ فتح بابًا آخر فاستخرج حريرةً بيضاء، فإذا فيها صورة رجلٍ أحمر حمش السّاقين، أخفش العينين ضخم البطن، ربعة متقلّدٍ سيفًا، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا داود، عليه السلام.
ثمّ فتح بابًا آخر، فاستخرج حريرةً بيضاء، فيها صورة رجلٍ ضخم الأليتين، طويل الرّجلين، راكبٍ فرسًا، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا سليمان بن داود، عليه السّلام.
ثمّ فتح بابًا آخر، فاستخرج منه حريرةً سوداء، فيها صورةٌ بيضاء، وإذا شابٌّ شديدٌ سواد اللّحية، كثير الشّعر، حسن العينين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا عيسى ابن مريم، عليه السّلام.
قلنا: من أين لك هذه الصّور؟ لأنّا نعلم أنّها على ما صوّرت عليه الأنبياء، عليهم السّلام، لأنّا رأينا صورة نبيّنا عليه السّلام مثله. فقال: إنّ آدم، عليه السّلام، سأل ربّه أن يريه الأنبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم، فكان في خزانة آدم، عليه السّلام، عند مغرب الشّمس، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشّمس فدفعها إلى دانيال. ثمّ قال: أما واللّه إنّ نفسي طابت بالخروج من ملكي، وإني كنت عبدًا لأشرّكم ملكةً، حتّى أموت. ثمّ أجازنا فأحسن جائزتنا، وسرّحنا، فلمّا أتينا أبا بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنه، فحدّثناه بما أرانا، وبما قال لنا، وما أجازنا، قال: فبكى أبو بكرٍ وقال: مسكينٌ! لو أراد اللّه به خيرًا لفعل. ثمّ قال: أخبرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّهم واليهود يجدون نعت محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- عندهم.
هكذا أورده الحافظ الكبير أبو بكرٍ البيهقيّ، رحمه اللّه، في كتاب "دلائل النّبوّة"، عن الحاكم إجازةً، فذكره وإسناده لا بأس به.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا المثنّى، حدّثنا عثمان بن عمر، حدّثنا فليح، عن هلال بن عليٍّ، عن عطاء بن يسارٍ، قال: لقيت عبد اللّه بن عمرو فقلت: أخبرني عن صفة رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- في التّوراة. قال: أجل واللّه، إنّه لموصوفٌ في التّوراة كصفته في القرآن: "يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا وحرزًا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة السّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه اللّه حتّى يقيم به الملّة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلّا اللّه ويفتح به قلوبًا غلفا، وآذانًا صمًّا، وأعينًا عميًا" قال عطاءٌ: ثمّ لقيت كعبًا فسألته عن ذلك، فما اختلف حرفًا، إلّا أنّ كعبًا قال بلغته، قال: "قلوبًا غلوفيًا وآذانًا صموميًا وأعينًا عموميًا".
وقد رواه البخاريّ في صحيحه، عن محمّد بن سنان، عن فليح، عن هلال بن عليٍّ -فذكر بإسناده نحوه وزاد بعد قوله: "ليس بفظٍّ ولا غليظٍ": "ولا صخّابٍ في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة السّيّئة، ولكن يعفو ويصفح".
ويقع في كلام كثيرٍ من السّلف إطلاق "التّوراة" على كتب أهل الكتاب. وقد ورد في بعض الأحاديث ما يشبه هذا، واللّه أعلم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا موسى بن هارون، حدّثنا محمّد بن إدريس ورّاق الحميديّ حدّثنا محمّد بن عمر بن إبراهيم -من ولد جبير بن مطعمٍ -قال: حدّثتني أمّ عثمان بنت سعيدٍ -وهي جدّتي -عن أبيها سعيد بن محمّد بن جبيرٍ، عن أبيه محمّد بن جبيرٍ، عن أبيه جبير بن مطعمٍ، قال: خرجت تاجرًا إلى الشّام، فلمّا كنت بأدنى الشّام، لقيني رجلٌ من أهل الكتاب، فقال: هل عندكم رجلٌ نبيًّا؟ قلت: نعم. قال: هل تعرف صورته إذا رأيتها؟ قلت: نعم. فأدخلني بيتًا فيه صورٌ، فلم أر صورة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فبينما أنا كذلك إذ دخل رجلٌ منهم علينا، فقال: فيم أنتم؟ فأخبرناه، فذهب بنا إلى منزله، فساعة ما دخلت نظرت إلى صورة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وإذا رجلٌ آخذٌ بعقب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قلت: من هذا الرّجل القابض على عقبه؟ قال: إنّه لم يكن نبيٌّ إلّا كان بعده نبيٌّ إلّا هذا النّبيّ، فإنّه لا نبيّ بعده، وهذا الخليفة بعده، وإذا صفة أبي بكرٍ، رضي اللّه عنه
وقال أبو داود: حدّثنا حفص بن عمر أبو عمر الضّرير حدّثنا حمّاد بن سلمة أنّ سعيد بن إياسٍ الجريريّ أخبرهم، عن عبد اللّه بن شقيقٍ العقيليّ، عن الأقرع مؤذّن عمر بن الخطّاب قال: بعثني عمر إلى الأسقف، فدعوته، فقال له عمر: هل تجدني في الكتاب؟ قال: نعم. قال: كيف تجدني؟ قال: أجدك قرنا. قال: فرفع عمر الدّرّة وقال: قرن مه؟ قال: قرن حديدٍ، أميرٌ شديدٌ. قال: فكيف تجد الّذي بعدي؟ قال: أجد خليفةً صالحًا، غير أنّه يؤثر قرابته قال عمر: يرحم اللّه عثمان، ثلاثًا. قال: كيف تجد الّذي بعده؟ قال: أجد صدأ حديدٍ. قال: فوضع عمر يده على رأسه وقال: يا دفراه، يا دفراه! قال: يا أمير المؤمنين، إنّه خليفةٌ صالحٌ، ولكنّه يستخلف حين يستخلف والسّيف مسلولٌ، والدّم مهراقٌ.
وقوله تعالى: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} هذه صفة الرّسول -صلّى اللّه عليه وسلّم- في الكتب المتقدّمة، وهكذا كان حاله، عليه الصّلاة والسّلام، لا يأمر إلّا بخيرٍ، ولا ينهى إلّا عن شرٍّ، كما قال عبد اللّه بن مسعودٍ: إذا سمعت اللّه يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا} فأرعها سمعك، فإنّه خيرٌ يأمر به أو شرٌّ ينهى عنه. ومن أهمّ ذلك وأعظمه، ما بعثه اللّه [تعالى] به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له، والنّهي عن عبادة من سواه، كما أرسل به جميع الرّسل قبله، كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} [النّحل: 36] وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو عامرٍ -هو العقديّ عبد الملك بن عمرٍو -حدّثنا سليمان -هو ابن بلالٍ -عن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن، عن عبد الملك بن سعيدٍ، عن أبي حميد وأبي أسيد، رضي اللّه عنهما، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم الحديث عنّي تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنّه منكم قريبٌ، فأنا أولاكم به. وإذا سمعتم الحديث عنّي تنكره قلوبكم، وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم، وترون أنّه منكم بعيدٌ، فأنا أبعدكم منه»
هذا [حديثٌ] جيّد الإسناد، لم يخرجه أحدٌ من أصحاب الكتب [السّتّة]
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختريّ، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: «إذا حدّثتم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا، فظنّوا به الّذي هو أهدى، والّذي هو أهنا، والّذي هو أنجى والّذي هو أتقى».
ثم رواه عن يحيى عن بن سعيدٍ، عن مسعرٍ، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختريّ، عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: «إذا حدّثتم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حديثًا، فظنّوا به الّذي هو أهداه وأهناه وأتقاه».
وقوله: {ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث} أي: يحلّ لهم ما كانوا حرّموه على أنفسهم من البحائر، والسّوائب، والوصائل، والحام، ونحو ذلك، ممّا كانوا ضيّقوا به على أنفسهم، ويحرّم عليهم الخبائث.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: كلحم الخنزير والرّبا، وما كانوا يستحلّونه من المحرّمات من المآكل الّتي حرّمها اللّه تعالى.
وقال بعض العلماء: كلّ ما أحلّ اللّه تعالى، فهو طيّبٌ نافعٌ في البدن والدّين، وكلّ ما حرّمه، فهو خبيثٌ ضارٌّ في البدن والدّين.
وقد تمسّك بهذه الآية الكريمة من يرى التّحسين والتّقبيح العقليّين، وأجيب عن ذلك بما لا يتّسع هذا الموضع له.
وكذا احتجّ بها من ذهب من العلماء إلى أنّ المرجع في حلّ المآكل الّتي لم ينصّ على تحليلها ولا تحريمها، إلى ما استطابته العرب في حال رفاهيتها، وكذا في جانب التّحريم إلى ما استخبثته. وفيه كلامٌ طويلٌ أيضًا.
وقوله: {ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم} أي: إنّه جاء بالتّيسير والسّماحة، كما ورد الحديث من طرقٍ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال:«بعثت بالحنيفيّة السّمحة». وقال لأميريه معاذٍ وأبي موسى الأشعريّ، لمّا بعثهما إلى اليمن: "بشّرا ولا تنفّرا، ويسّرا ولا تعسّرا، وتطاوعا ولا تختلفا". وقال صاحبه أبو برزة الأسلميّ: إنّي صحبت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلم- وشهدت تيسيره.
وقد كانت الأمم الّذين كانوا قبلنا في شرائعهم ضيقٌ عليهم، فوسّع اللّه على هذه الأمّة أمورها، وسهّلها لهم؛ ولهذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«إنّ اللّه تجاوز لأمّتي ما حدّثت به أنفسها، ما لم تقل أو تعمل» وقال: «رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه» ؛ ولهذا قد أرشد اللّه هذه الأمّة أن يقولوا: {ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}[البقرة: 286] وثبت في صحيح مسلمٍ أنّ اللّه تعالى قال بعد كلّ سؤالٍ من هذه: قد فعلت، قد فعلت
وقوله: {فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه} أي: عظّموه ووقّروه، {واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه} أي: القرآن والوحي الّذي جاء به مبلّغًا إلى النّاس، {أولئك هم المفلحون} أي: في الدّنيا والآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 483-489]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:36 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة