هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ): (وقد جاءت آيات في مواضع اتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها كنزول آية الظهار في سلمة بن صخر وآية اللعان في شأن هلال بن أمية ونزول حد القذف في رماة عائشة رضي الله عنها ثم تعدى إلى غيرهم، وإن كان قد قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية [النور: 4] فجمعها مع غيرها إما تعظيما لها إذ أنها أم المؤمنين ومن رمى أم قوم فقد رماهم وإما للإشارة إلى التعميم ولكن الرماة لها كانوا معلومين، فتعدى الحكم إلى من سواهم، فمن يقول بمراعاة حكم اللفظ كان الاتفاق هاهنا هو مقتضى الأصل ومن قال بالقصر على الأصل خرج عن الأصل في هذه الآية بدليل.
ونظير هذا تخصيص الاستعاذة بالإناث في قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}[الفلق: 4] لخروجه على السبب؛ وهو أن بنات لبيد سحرن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كذا قال أبو عبيد وفيه نظر فإن الذي سحر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو لبيد ابن الأعصم كما جاء في الصحيح.
وقد تنزل الآيات على الأسباب خاصة وتوضع كل واحدة منها مع ما يناسبها من الآي رعاية لنظم القرآن وحسن السياق فذلك الذي وضعت معه الآية نازلة على سبب خاص للمناسبة إذ كان مسوقا لما نزل في معنى يدخل تحت ذلك اللفظ العام أو كان من جملة الأفراد الداخلة وضعا تحت اللفظ العام فدلالة اللفظ عليه هل هي كالسبب فلا يخرج ويكون مرادا من الآيات قطعا؟ أو لا ينتهي في القوة إلى ذلك؟ لأنه قد يراد غيره وتكون المناسبة مشبهة به؟ فيه احتمال.
واختار بعضهم أنه رتبة متوسطة دون السبب وفوق العموم المجرد ومثاله قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} الآية [النساء: 58] فإن مناسبتها للآية التي قبلها وهى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} الآية [النساء: 51]، أن ذلك إشارة إلى كعب بن الأشرف كان قدم إلى مكة وشاهد قتلى بدر وحرض الكفار على الأخذ بثأرهم وغزو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألوه: من أهدى سبيلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو هم؟ فقال: أنتم -كذبا منه وضلالة- لعنه الله، فتلك الآية في حقه وحق من شاركه في تلك المقالة، وهم أهل كتاب يجدون عندهم في كتابهم بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفته، وقد أخذت عليهم المواثيق ألا يكتموا ذلك وأن ينصروه، وكان ذلك أمانة لازمة لهم، فلم يؤدوها ، وخانوا فيها، وذلك مناسب لقوله:
{إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} الآية [النساء: 58]، قال ابن العربي: في تفسيره وجه النظم أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقولهم: إن المشركين أهدى سبيلا، فكان ذلك خيانة منهم، فانجر الكلام إلى ذكر جميع الأمانات. انتهى.
ولا يرد على هذا أن قصة كعب بن الأشرف كانت عقب بدر، ونزول {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} الآية [النساء: 58] في الفتح أو قريبا منها وبينهما ست سنين؛ لأن الزمان إنما يشترط في سبب النزول ولا يشترط في المناسبة؛ لأن المقصود منها: وضع آية في موضع يناسبها، والآيات كانت تنزل على أسبابها ويأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضعها في المواضع التي علم من الله تعالى أنها مواضعها.
ومن فوائد هذا العلم إزالة الإشكال ففي "الصحيح" عن مروان بن الحكم أنه بعث إلى ابن عباس يسأله: (لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون فقال ابن عباس: (هذه الآية نزلت في أهل الكتاب ثم تلا: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} إلى قوله: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} الآية).
قال ابن عباس: (سألهم النبي صلى الله وسلم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، فاستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه). انتهى.
قال بعضهم: وما أجاب به ابن عباس عن سؤال مروان لا يكفي؛ لأن اللفظ أعم من السبب ويشهد له قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)) وإنما الجواب: أن الوعيد مرتب على أثر الأمرين المذكورين وهما: الفرح وحب الحمد لا عليهما أنفسهما إذ هما من الأمور الطبيعية التي لا يتعلق بها التكليف أمرا ولا نهيا.
قلت: لا يخفى عن ابن عباس رضي الله عنه أن اللفظ أعم من السبب؛ لكنه بين أن المراد باللفظ خاص ونظيره تفسير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظلم بالشرك فيما سبق.
ومن ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة: 93]، فحكي عن عثمان بن مظعون وعمرو بن معد يكرب أنهما كانا يقولان: الخمر مباحة، ويحتجان بهذه الآية، وخفي عليهما سبب نزولها فإنه يمنع من ذلك وهو ما قاله الحسن وغيره لما نزل تحريم الخمر قالوا: كيف بإخواننا الذين ماتوا وهي في بطونهم وقد أخبر الله أنها رجس فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} الآية [الطلاق: 4]، قد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة وقد بينه سبب النزول، روي أن ناسا قالوا: (يا رسول الله قد عرفنا عدة ذوات الأقراء، فما عدة اللائي لم يحضن من الصغار والكبار؟) فنزلت فهذا يبين معنى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي: إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتددن فهذا حكمهن.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} الآية [البقرة: 115] فإنا لو تركنا مدلول اللفظ لاقتضى أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا، وهو خلاف الإجماع، فلا يفهم مراد الآية حتى يعلم سببها وذلك أنها نزلت لما صلى النبي صلى عليه وسلم على راحلته وهو مستقبل من مكة إلى المدينة حيث توجهت به فعلم أن هذا هو المراد.
ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً} الآية [التغابن: 14]، فإن سبب نزولها أن قوما أرادوا الخروج للجهاد فمنعهم أزواجهم وأولادهم فأنزل الله تعالى هذه الآية ثم أنزل في بقيتها ما يدل على الرحمة وترك المؤاخذة فقال: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الآية [التغابن: 14]). [البرهان في علوم القرآن:1/23-26]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ): (فصل: خصوص السبب وعموم الصيغة
وقد يكون السبب خاصا والصيغة عامة لينبه على أن العبرة بعموم اللفظ.
وقال الزمخشري في تفسير سورة الهمزة: يجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون جاريا مجرى التعريض بالوارد فيه، فإن ذلك أزجر له وأنكى فيه). [البرهان في علوم القرآن:1/30]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (المسألة الثانية: اختلف أهلُ الأصول: هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟
والأصح عندنا الأول، وقد نزلت آيات في أسباب واتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها كنزول آية الظهار في سلمة بن صخر وآية اللعان في شأن هلال بن أمية وحد القذف في رماة عائشة ثم تعدى إلى غيرهم.
ومن لم يعتبر عموم اللفظ قال: خرجت هذه الآيات ونحوها لدليل آخر كما قصرت آيات على أسبابها اتفاقا لدليل قام على ذلك.
قال الزمخشري في سورة الهمزة: يجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما، ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون ذلك جاريا مجرى التعريض.
قلت: ومن الأدلة على اعتبار عموم اللفظ احتجاج الصحابة وغيرهم في وقائع بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة شائعا ذائعا بينهم.
قال ابن جرير: حدثني محمد بن أبي معشر أخبرنا أبي أبو معشر نجيح سمعت سعيد المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي، فقال سعيد: إن في بعض كتب الله إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين يجترون الدنيا بالدين، فقال محمد بن كعب هذا في كتاب الله:
{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} الآية [البقرة: 204]، فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد.
فإن قلت: فهذا ابن عباس لم يعتبر عموم {لا تحسبن الذين يفرحون} الآية [آل عمران: 188]، بل قصرها على ما أنزلت فيه من قصة أهل الكتاب.
قلت: أجيب عن ذلك بأنه لا يخفى عليه أن اللفظ أعم من السبب لكنه بين أن المراد باللفظ خاص.
ونظيره تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظلم في قوله تعالى: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82] بالشرك، من قوله: {إن الشرك لظلم عظيم} الآية [لقمان: 13]، مع فهم الصحابة العموم في كل ظلم.
وقد ورد عن ابن عباس ما يدل على اعتبار العموم، فإنه قال به في آية السرقة مع أنها نزلت في امرأة سرقت، قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن أبي حماد حدثنا أبو تميلة بن عبد المؤمن عن نجدة الحنفي قال: سألت ابن عباس عن قوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} الآية [المائدة: 38]، أخاص أم عام؟ قال: (بل عام).
وقال ابن تيمية: قد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم هذه الآية: نزلت في كذا، لاسيما إن كان المذكور شخصا كقولهم إن آية الظهار نزلت في امرأة ثابت بن قيس، وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله وإن قوله: {وأن احكم بينهم} الآية [المائدة: 49] نزلت في بني قريظة والنضير، ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة أو في قوم من اليهود والنصارى أو في قوم من المؤمنين فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه؟ فلم يقل أحد: إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ والآية التي لها سبب معين: إن كانت أمرا ونهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته. انتهى). [الإتقان في علوم القرآن:؟؟]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (تنبيه:
قد علمت مما ذكر أن فرض المسألة في لفظ له عموم إما آية نزلت في معين ولا عموم للفظها فإنها تقصر عليه قطعا كقوله تعالى: {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى}[الليل: 17] فإنها نزلت في أبي بكر الصديق بالإجماع.
وقد استدل بها الإمام فخر الدين الرازي مع قوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الآية [الحجرات: 13]، على أنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهم من ظن أن الآية عامة في كل من عمل عمله، إجراء له على القاعدة، وهذا غلط فإن هذه الآية ليس فيها صيغة عموم إذ الألف واللام إنما تفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة في جمع زاد قوم: أو مفرد بشرط ألا يكون هناك عهد.
واللام في {الأتقى} الآية [الليل: 17]، ليست موصولة؛ لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعا، و{الأتقى} الآية [الليل: 17]، ليس جمعا بل هو مفرد، والعهد موجود، خصوصا مع ما يفيده صيغة أفعل من التمييز وقطع المشاركة، فبطل القول بالعموم وتعين القطع بالخصوص والقصر على من نزلت فيه رضي الله عنه). [الإتقان في علوم القرآن:؟؟]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (المسألة الثالثة: تقدم أن صورة السبب قطعية الدخول في العام وقد تنزل الآيات على الأسباب الخاصة، وتوضع ما يناسبها من الآي العامة، رعاية لنظم القرآن وحسن السياق، فيكون ذلك الخاص قريبا من صورة السبب في كونه قطعي الدخول في العام، كما اختار السبكي أنه رتبة متوسطة دون السبب وفوق المجرد.
مثاله: قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} الآية [النساء: 51] إلى آخره، فإنها إشارة إلى كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود، لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر حرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم فسألوهم: من أهدى سبيلا محمد وأصحابه أم نحن؟ فقالوا: أنتم، مع علمهم بما في كتابهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم المنطبق عليه وأخذ المواثيق عليهم ألا يكتموه فكان ذلك أمانة لازمة لهم ولم يؤدوها حيث قالوا للكفار: أنتم أهدى سبيلا حسدا للنبي صلى الله عليه وسلم.
فقد تضمنت هذه الآية مع هذا القول التوعد عليه المفيد للأمر بمقابله المشتمل على أداء الأمانة التي هي بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم بإفادة أنه الموصوف في كتابهم، وذلك مناسب لقوله: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} الآية [النساء: 58].
فهذا عام في كل أمانة، وذلك خاص بأمانة، هي صفة النبي صلى الله عليه وسلم بالطريق، السابق والعام تال للخاص في الرسم، متراخ عنه في النزول، والمناسبة تقتضي دخول ما دل عليه الخاص في العام، ولذا قال ابن العربي في تفسيره: وجه النظم أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وقولهم: إن المشركين أهدى سبيلا فكان ذلك خيانة منهم فانجر الكلام إلى ذكر جميع الأمانات. انتهى.
قال بعضهم: ولا يرد تأخر نزول آية الأمانات عن التي قبلها بنحو ست سنين؛ لأن الزمان إنما يشترط في سبب النزول لا في المناسبة؛ لأن المقصود منها وضع آية في موضع يناسبها والآيات كانت تنزل على أسبابها، ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في المواضع التي علم من الله أنها مواضعها). [الإتقان في علوم القرآن:؟؟]
قالَ مُقبلُ بنُ هادي الوادِعيُّ (ت:1423هـ): (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والدليل على ذلك أن الأنصاري الذي قبل الأجنبية ونزلت فيه {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} الآية، قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ألِيَ هذا وحدي يا رسول الله؟
ومعنى هذا هل حكم هذه الآية يختص بي لأني سبب نزولها؟
فأفتاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن العبرة بعموم اللفظ فقال: ((بل لأمتي كلهم)).
أما صورة السبب فجمهور أهل الأصول أنها قطعية الدخول في العام فلا يجوز إخراجها منه بمخصص وهو التحقيق وروي عن مالك أنها ظنية الدخول كغيرها من أفراد العام. ا.هـ. من مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله باختصار[ 209, 210]. ). [الصحيح المسند في أسباب النزول:15]