العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الإسراء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 05:20 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير سورة الإسراء [ من الآية (1) إلى الآية (3) ]

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) }


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 05:23 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر قال حدثني أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا قال حدثنا النبي عن ليلة أسرى به قال رسول الله أتيت بداية هي أشبه الدواب بالبغل له أذنان مضطربتان وهو البراق وهو الذي كانت تركبه الأنبياء قبلي فركبته فانطلق تقع يده عند منتهى بصره فسمعت نداء عن يميني يا محمد على رسلك أسألك فمضيت ولم أعرج عليه ثم سمعت نداء عن شمالي يا محمد على رسلك أسألك فمضيت ولم أعرج عليه ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يدها تقول على رسلك أسألك فمضيت ولم أعرج عليها ثم أتيت بيت المقدس أو قال المسجد الأقصى فنزلت عن الدابة فأوثقتها بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها ثم دخلت المسجد فصليت فيه فقال لي جبريل ما رأيت في وجهك فقلت سمعت نداء عن يميني أن يا محمد على رسلك أسألك فمضيت ولم أعرج عليه قال ذاك داعي اليهود أما إنك لو وقفت عليه تهودت أمتك قلت ثم سمعت نداء عن يساري أن يا محمد على رسلك فمضيت ولم أعرج عليه قال ذاك داعي النصارى أما إنك لو وقفت عليه لتنصرت أمتك ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يديها تقول على رسلك يا محمد أسألك فمضيت ولم أعرج عليها قال تلك الدنيا تزينت لك أما إنك لو وقفت عليها اختارت أمتك الدنيا على الآخرة ثم أتيت بإناءين أحدهما فيه لبن والآخر فيه خمر فقيل لي اشرب أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقال أصبت الفطرة أو أخذت الفطرة). [تفسير عبد الرزاق: 1/365-366]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وأخبرني الزهري عن ابن المسيب أنه قيل له أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك ثم قال أبو هارون عن أبي سعيد الخدري في حديثه قال النبي ثم جيء بالمعراج الذي كانت تعرج فيه أرواح بني آدم فإذا أحسن ما رأيت ألم تروا إلى الميت كيف يحدج ببصره إليه فعرج بنا فيه حتى انتهينا إلى باب السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معه قال محمد قيل أوقد أرسل إليه قال نعم ففتحوا لي وسلموا علي وإذا ملك موكل يحرس السماء يقال له إسماعيل معه سبعون ألف ملك مع كل منهم مائة ألف ثم قرأ وما يعلم جنود ربك إلا هو وإذا أنا برجل كهيئته يوم خلقه الله لم يتغير منه شيء وإذا تعرض عليه أرواح ذريته فإذا كان روح مؤمن قال روح طيب وريح طيبة اجعلوا كتابه في عليين فإذا كان روح كافر قال روح خبيث وريح خبيثة اجعلوا كتابه في سجين قلت يا جبريل من هذا قال أبوك آدم فسلم علي ورحب بي قال مرحبا بالابن الصالح ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار يخرج من أسافلهم قلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا قال ثم نظرت فإذا أنا بقوم يحذى من جلودهم ويدس في أفواههم ويقال كلوا كما أكلتم فإذا أكره ما خلق الله لهم ذلك قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الهمازون الذين يأكلون لحوم الناس قال ثم نظرت فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم وإذا حولهم جيف منتنة فجعلوا يميلون على الجيف يأكلون منها ويدعون ذلك اللحم فقلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الزناة عمدوا إلى ما حرم الله عليهم وتركوا ما أحل الله لهم ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم بطون كأنها البيوت وهم على سابلة آل فرعون فإذا مر بهم آل فرعون فيميل بأحدهم بطنه فيقع فيتوطؤهم آل فرعون بأرجلهم وهم يعرضون على النار غدوا وعشيا قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكلة الربا ربا في بطونهم فمثلهم كمثل الذي يتخبطه الشيطان من المس ثم نظرت فإذا أنا بنساء معلقات بثديهن ونساء منكسات بأرجلهن قلت من هؤلاء يا جبريل قال هن اللائي يزنين ويقتلن أولادهن ثم صعدنا إلى السماء الثانية فإذا بيوسف وحوله تبع كثير من أمته ووجهه مثل القمر ليلة البدر فسلم علي ورحب بي ثم مضينا إلى السماء الثالثة فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى شبيهان أحدهما بصاحبه ثيابهما وشعرهما فسلما علي ورحبا بي ثم مضينا إلى السماء الرابعة فإذا أنا بإدريس فسلم علي ورحب بي فقال النبي وقد قال الله تعالى ورفعنه مكانا عليا ثم مضيت إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون المحبب في قومه وحوله تبع كثير من أمته فوصفه النبي طويل اللحية تكاد لحيته تمس سرته فسلم علي ورحب بي ثم مضينا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى فسلم علي ورحب بي فوصفه النبي فقال رجل كثير الشعر لو كان عليه قميصان خرج شعره منهما فقال موسى يزعم الناس أني أكرم الخلق على الله وهذا أكرم على الله مني ولو كان وحده لم أبال ولكن كل نبي ومن تبعه من أمته ثم مضينا إلى السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم وهو جالس مسند ظهره إلى البيت المعمور فسلم علي وقال مرحبا بابني الصالح وقال إن هذا مكانك ومكان أمتك ثم تلا إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولى المؤمنين قال ثم دخلت البيت المعمور فصليت فيه فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة ثم نظرت فإذا أنا بشجرة إن كانت الورقة منها لمغطية هذه الأمة وإذا في أصلها عين تجري فانشعبت شعبتين قلت ما هذا يا جبريل قال أما هذا فهو نهر الرحمة وأما هذا فهو الكوثر الذي أعطاكه الله فقال فاغتسلت في نهر الرحمة فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ثم أخذت على الكوثر حتى دخلت الجنة فإذا فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وإذا فيها رمان كأنها جلود الإبل المقتبة وإذا فيها طير كأنها البخت فقال أبو بكر يا رسول الله إن تلك الطير لناعمة قال آكلها أنعم منها يا أبا بكر وإني لأرجو أن تأكل منها قال ورأيت جارية فسألتها لمن أنت فقالت لزيد بن الحارثة فبشر بها رسول الله زيدا قال ثم إن الله تبارك وتعالى أمرني بأمره وفرض علي خمسين صلاة فمررت على موسى فقال بم أمرك ربك قلت فرض علي خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يقومون لهذا فرجعت إلى ربي فسألته فوضع عني عشرا ثم رجعت إلى موسى فلم أزل أرجع إلى ربي إذا مررت بموسى حتى فرض علي خمس صلوات فقال لي موسى ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقلت لقد رجعت حتى استحييت أو قال قلت ما أنا براجع قال فقيل لي إن لك بهذه الخمس صلوات خمسين صلاة الخمسة بعشرة أمثالها ومن هم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة ومن عملها كتبت عشرا ومن هم بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه شيء فإن عملها كتبت واحدة). [تفسير عبد الرزاق: 1/366-370]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة عن سالم عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان قال: قال رسول الله أنا عند عقر حوضي أذود الناس عنه لأهل اليمين إني لأضربهم بعصاي حتى يرفضوا عنه وإنه ليغت فيه ميزابان من الجنة أحدهما من ورق والآخر من ذهب طوله ما بين بصرى وصنعاء أو ما بين أيلة ومكة أو مقامي هذا إلى عمان). [تفسير عبد الرزاق: 1/370]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن رجل عن أبي هريرة قال: قال النبي ليردن علي ناس من أصحابي حتى إذا رأيتهم ورأوني فليحلون عن الحوض يعني ينحون فلأقولن أي رب أصحابي أصحابي فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري). [تفسير عبد الرزاق: 1/370]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن قال: قال النبي ليرفعن لي ناس من أصحابي حتى إذا رأيتهم ورأوني اختلجوا دوني فلأقولن أي رب أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك). [تفسير عبد الرزاق: 1/371]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله قمت في الحجر حين كذبني قومي ليلة أسري بي فأثنيت على ربي وسألته أن يمثل لي بيت المقدس فرفع لي فجعلت أنعت لهم آياته). [تفسير عبد الرزاق: 1/371]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله وصف لأصحابه ليلة أسرى به إبراهيم وموسى وعيسى قال أما إبراهيم فلم أر رجلا أشبه بصاحبكم منه وأما موسى فرجل آدم طوال جعد أقنى كأنه من رجال شنؤة وأما عيسى فرجل أحمر بين القصير والطويل سبط الشعر كثير خيلان الوجه كأنه خرج من ديماس تخال رأسه يقطر ماء وما به ماء أشبه من رأيت به عروة بن مسعود). [تفسير عبد الرزاق: 1/371-372]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة عن أنس قال أتى النبي بالبراق ليلة أسرى به مسرجا ملجما ليركبه فاستصعب عليه فقال له جبريل ما يحملك على هذا فوالله ما ركبك أحد قط أكرم على الله منه فارفض عرقا). [تفسير عبد الرزاق: 1/372]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن عيينة عن مسعر عن عاصم بن أبي النجود عن زر ابن حبيش قال ذكر عند حذيفة المسجد الأقصى فقلت قد صلى فيه رسول الله قال أنت تقول ذلك يا صلع قلت نعم بيني وبينك القرآن فاقرأه قال فقرأ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا الآية قال هل تجده صلى فيه قلت لا قال حذيفة لو صلى فيه لكتبت عليكم صلاة فيه كما كتبت عند المسجد الحرام ثم قال حذيفة أتي بدابة طوال هكذا وأشار بيده خطوه مد البصر فما زايلا بدئهما ظهر البراق حتى رأيا الجنة والنار ووعده أجمع ثم رجع عودهما على بدئهما ويحدثون أنه ربطه لئلا يفر منه وإنما سخره له عالم الغيب والشهادة). [تفسير عبد الرزاق: 1/372]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن جعفر بن سليمان عن عمر بن نبهان عن قتادة عن أنس قال إن النبي حيث أسري به مر بقوم تقض شفاههم بمقاريض من نار فكلما قصت عادت قال قلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يعملون). [تفسير عبد الرزاق: 1/373]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام} [الإسراء: 1]
- حدّثنا عبدان، حدّثنا عبد اللّه، أخبرنا يونس، ح وحدّثنا أحمد بن صالحٍ، حدّثنا عنبسة، حدّثنا يونس، عن ابن شهابٍ، قال ابن المسيّب: قال أبو هريرة: " أتي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمرٍ، ولبنٍ فنظر إليهما فأخذ اللّبن، قال جبريل: الحمد للّه الّذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمّتك "
- حدّثنا أحمد بن صالحٍ، حدّثنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، قال أبو سلمة: سمعت جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لمّا كذّبتني قريشٌ قمت في الحجر فجلّى اللّه لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه» زاد يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن أخي ابن شهابٍ، عن عمّه، «لمّا كذّبتني قريشٌ حين أسري بي إلى بيت المقدس» نحوه). [صحيح البخاري: 6/83]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام)
لم يختلف القراءة في أسرى بخلاف قوله في قصّة لوطٍ فأسر فقرئت بالوجهين وفيه تعقّبٌ على من قال من أهل اللّغة إنّ أسرى وسرى بمعنًى واحدٍ قال السّهيليّ السّرى من سريت إذا سرت ليلًا يعني فهو لازمٌ والإسراء يتعدّى في المعنى لكن حذف مفعوله حتّى ظنّ من ظنّ أنّهما بمعنًى واحدٍ وإنّما معنى أسرى بعبده جعل البراق يسري به كما تقول أمضيت كذا بمعنى جعلته يمضي لكن حسن حذف المفعول لقوّة الدّلالة عليه أو الاستغناء عن ذكره لأنّ المقصود بالذّكر المصطفى لا الدّابّة الّتي سارت به وأمّا قصّة لوطٍ فالمعنى سر بهم على ما يتحمّلون عليه من دابّةٍ ونحوها هذا معنى القراءة بالقطع ومعنى الوصل سر بهم ليلًا ولم يأت مثل ذلك في الإسراء لأنّه لا يجوز أن يقال سرى بعبده بوجهٍ من الوجوه انتهى والنّفي الّذي جزم به إنّما هو من هذه الحيثيّة الّتي قصد فيها الإشارة إلى أنّه سار ليلًا على البراق وإلّا فلو قال قائلٌ سرت بزيدٍ بمعنى صاحبته لكان المعنى صحيحا ذكر فيه حديث أبي هريرة أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلةً أسري به بإيلياء بقدحين وقد تقدّم شرحه في السّيرة النّبويّة ويأتي في الأشربة وذكر فيه أيضًا حديث جابرٍ قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول لمّا كذّبتني قريشٌ كذا للأكثر وللكشميهنيّ كذّبني بغير مثنّاةٍ
- قوله فجلّى اللّه لي بيت المقدس تقدّم شرحه أيضًا في السّيرة النّبويّة والّذي اقترح على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يصف لهم بيت المقدس هو المطعم بن عديٍّ أخرجه أبو يعلى من حديث أمّ هانئٍ وأخرج النّسائيّ من طريق زرارة بن أبي أوفى عن بن عبّاسٍ هذه القصّة مطوّلةٌ وقد ذكرت طرفًا منها في أوّل شرح حديث الإسراء معزوًّا إلى أحمد والبزّار ولفظ النّسائيّ لما كان ليلة أسريّ بي ثمّ أصبحت بمكّة قطعت بأمري وعرفت أنّ النّاس مكذّبي فقعدت معتزلًا حزينًا فمر بن عدوّ اللّه أبو جهلٍ فجاء حتّى جلس إليه فقال له كالمستهزئ هل كان من شيءٍ قال نعم قال ما هو قال إنّي أسري بي اللّيلة قال إلى أين قال إلى بيت المقدس قال ثمّ أصبحت بين أظهرنا قال نعم قال فلم ير أن يكذّبه مخافة أن يجحد ما قال إنّ دعا قومه قال إن دعوت قومك لك تحدّثهم قال نعم قال أبو جهلٍ يا معشر بني كعّب بن لؤيٍّ هلمّ قال فانقضت إليه المجالس فجاؤوا حتّى جلسوا إليهما قال حدّث قومك بما حدّثتني فحدّثهم قال فمن مصفّقٍ ومن واضعٍ يده على رأسه متعجّبًا وفي القوم من سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد قال فهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فذهبت أنعت لهم قال فما زلت أنعت حتّى التبس عليّ بعض النّعت فجيء بالمسجد حتّى وضع فنعتّه وأنا أنظر إليه قال فقال القوم أمّا النّعت فقد أصاب قوله زاد يعقوب بن إبراهيم حدثنا بن أخي بن شهابٍ عن عمّه لمّا كذّبتني قريشٌ حين أسرى إلى بيت المقدس وصله الذّهليّ في الزّهريّات عن يعقوب بهذا الإسناد وأخرجه قاسم بن ثابتٍ في الدّلائل من طريقه ولفظه جاء ناسٌ من قريشٍ إلى أبي بكرٍ فقالوا هل لك في صاحبك يزعم أنّه أتى بيت المقدس ثمّ رجع إلى مكّة في ليلة واحدة قال أبو بكر أو قال ذلك قالوا نعم قال لقد صدق وروى الذّهليّ أيضًا وأحمد في مسنده جميعًا عن يعقوب بن إبراهيم المذكور عن أبيه عن صالح بن كيسان عن بن شهابٍ بسنده لمّا كذّبتني قريشٌ الحديث فلعلّه دخل إسنادٌ في إسنادٍ أو لمّا كان الحديثان في قصّة واحدة أدخل ذلك). [فتح الباري: 8/391-392]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أبو سلمة سمعت جابر بن عبد الله رضي اللّه عنهما سمعت النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلّى الله لي بيت المقدّس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه زاد يعقوب بي إبراهيم ثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه لما كذبتني قريش حين أسري بن إلى بيت المقدّس نحوه
قلت هكذا ذكر وقد قال الإمام أحمد في مسنده ثنا يعقوب بن إبراهيم
ثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال: قال أبو سلمة سمعت جابر بن عبد الله يقول إنّه سمع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدّس قمت في الحجر فجلّى الله لي بيت المقدّس فطفقت أخبرهم وأنا أنظر إليه فيحرر لاحتمال أن يكون ليعقوب بن إبراهيم فيه إسنادين ثمّ وجدته كذلك في الزهريات للذهلي قال ثنا يعقوب فذكره وزاد فيه حديثا آخر مرسلا
وأخرجه قاسم في غريب الحديث من طريقه قال قاسم بن ثابت في كتاب الدّلائل له ثنا عبد الله بن علّي ثنا محمّد بن يحيى ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال: قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن حمز ناس من قريش إلى أبي بكر فقالوا هل لك في صاحبك يزعم أنه أتى بيت المقدّس ثمّ رجع إلى مكّة من ليلة واحدة قال أبو بكر أو قال ذلك قالوا نعم قال فأشهد إن كان قال ذلك لقد صدق قال قاسم يقال حمز الإنسان يحمز حمزا وهو عدو دون الشّديد). [تغليق التعليق: 4/239-240]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام} (الإسراء: 1)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {سبحان الّذي أسرى بعبده} الآية، وسبحان علم للتسبيح، والمعنى: سبح الله تعالى وأسرى وسرى لغتان، وليلاً، نصب على الظّرف وإنّما ذكر: ليلًا، بالتنكير وإن كان الإسراء لا يكون إلاّ باللّيل إشارة إلى تقليل مدّة الإسراء.
- (حدثنا عبدان حدثنا عبد الله أخبرنا يونس ح وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال ابن المسيب قال أبو هريرة رضي الله عنه أتي رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما فأخذ اللّبن قال جبريل الحمد لله الّذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك) مطابقته للتّرجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين أحدهما عن عبدان هو عبد الله بن عثمان المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب محمّد بن مسلم الزّهريّ عن سعيد بن المسيب والآخر عن أحمد بن صالح أبي جعفر المصريّ عن عنبسة بفتح العين المهملة وسكون النّون وفتح الباء الموحدة وبالسين المهملة ابن خالد عن يونس إلى آخره والحديث أخرجه البخاريّ أيضا في الأشربة عن عبدان وأخرجه مسلم في الأشربة عن زهير بن حرب
وأخرجه النّسائيّ فيه عن سويد بن نصر قوله " بإيلياء " بكسر الهمزة واللّام وإسكان التّحتانيّة الأولى ممدودا هو بيت المقدّس على الأشهر قوله " للفطرة " أي للإسلام الّذي هو مقتضى الطبيعة السليمة الّتي فطر الله النّاس عليها فإن قلت قد مر في حديث المعراج أنه ثلاثة أقداح والثّالث فيه عسل قلت لا منافاة بينهما -
- حدّثنا أحمد بن صالحٍ حدّثنا ابن وهبٍ قال أخبرني يونس عن ابن شهابٍ قال أبو سلمة سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول لمّا كذّبني قريشٌ قمت في الحجر فجلّى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه زاد يعقوب بن إبراهيم حدّثنا ابن أخي ابن شهابٍ عن عمّه لمّا كذّبني قريشٌ حين أسري بي إلى بيت المقدس نحوه.
(انظر الحديث 3886) .
مطابقته للتّرجمة ظاهرة وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصريّ. والحديث أخرجه البخاريّ أيضا عن يحيى بن بكير عن اللّيث. وأخرجه مسلم في الإيمان عن قتيبة. وأخرجه التّرمذيّ والنّسائيّ جميعًا في التّفسير عن قتيبة به.
قوله: (لما كذبني قريش) ، هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية الأكثرين: (لما كذبتني) ، بالتأنيث. قوله: (في الحجر) ، بكسر الحاء المهملة وهو تحت ميزاب الكعبة. قوله: (فجلى الله) ، بالجيم، أي: كشف الله تعالى. قوله: (فطفقت) ، من أفعال المقاربة بمعنى: شرعت وأخذت (أخبرهم) من الإخبار. قوله: (عن آياته) ، أي: علاماته، والّذي سأل النّبي صلى الله عليه وسلم، أن يصف لهم بيت المقدّس هو المطعم بن عدي فوصف لهم، فمن مصفّق ومن واضع يده على رأسه متعجّبا، وكان في القوم من سافر إلى بيت المقدّس ورأى المسجد فقيل له: هل تستطيع أن تنعت لنا بيت المقدّس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: فذهبت أنعت لهم فما زلت أنعت حتّى التبس عليّ بعض النّعت، فجيء بالمسجد حتّى وضع، قال: فنعته وأنا أنظر إليه، فقال القوام: أما النّعت فقد أصاب. قوله: (زاد يعقوب بن إبراهيم) ، هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف القرشي الزّهريّ، قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب وهو محمّد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزّهريّ عن عمه محمّد بن مسلم الزّهريّ، وهذه الزّيادة رواها الذهلي في (الزهريات) عن يعقوب بهذا الإسناد). [عمدة القاري: 19/22-23]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام} [الإسراء: 1]
(باب قوله) جل وعلا: ({أسرى بعبده}) محمد -صلّى اللّه عليه وسلّم- بجسده وروحه يقظة ({ليلًا من المسجد الحرام}) [الإسراء: 1] مسجد مكة بعينه لحديث أنس المروي في الصحيحين، وسرى وأسرى بمعنى وقال (ليلًا) بلفظ التنكير.
قال الزمخشري: ليفيد تقليل مدّة الإسراء وأنه أسري به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة فدلّ على أن التنكير دل على البعضية، ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة من الليل أي بعضه كقوله: {ومن الليل فتهجد به} [الإسراء: 79] اهـ.
قال صاحب الدر: فيكون سرى وأسرى كسقى وأسقى والهمزة ليست للتعدية وإنما المعدي الباء في بعبده وقد تقرر أنها لا تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول عند الجمهور خلافًا للمبرد، وزعم ابن عطية أن مفعول أسرى محذوف وأن التعدية بالهمزة أي أسرى الملائكة بعبده لأنه يبعد أن يسند أسرى، وهو بمعنى سرى إلى الله تعالى إذ هو فعل يقتضي النقلة كمشى وانتقل فلا يحسن إسناد شيء من هذا مع وجود مندوحة عنه، فإذا وقع في الشريعة شيء من ذلك تأوّلناه نحو أتيته هرولة.
قال شهاب الدين: وهذا كله إنما بناه اعتقادًا على أن التعدية بالباء تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول في ذلك وهذا شيء ذهب إليه المبرد، فإذا قلت: قمت بزيد لزم منه قيامك وقيام زيد عنده، وهذا ليس كذلك التبست عنده باء التعدية بباء الحال فباء الحال تلزم فيها المشاركة إذ المعنى قمت ملتبسًا بزيد وباء التعدية مرادفة للهمزة فقمت بزيد والباء للتعدية كقولك: أقمت زيدًا ولا يلزم من إقامتك هو أن تقوم أنت وأيضًا فموارد القرآن في فأسر بقطع الهمزة ووصلها تقتضي أنهما بمعنى واحد ألا ترى أن قوله: فاسر باهلك وأن أسر بعبادي قرئ بالقطع والوصل ويبعد
مع القطع تقدير مفعول محذوف إذ لم يصرح به في موضع فيستدل بالمصرح على المحذوف قاله أبو حبان وقد تقدم الردّ على هذا المذهب.
وقال صاحب فتوح الغيب: ويمكن أن يراد بالتنكير في ليلًا التعظيم والتفخيم والمقام يقتضيه. ألا ترى كيف افتتح السورة بالكلمة المنبئة عنه ثم وصف المسرى به بالعبودية ثم أردف تعظيم المكانين بالحرام وبالبركة لما حوله تعظيمًا للزمان، ثم تعظيم الآيات بإضافتها إلى صيغة التعظيم وجمعها ليشمل جميع أنواع الآيات وكل ذلك شاهد صدق على ما نحن بصدده والمعنى ما أعظم شأن من أسرى بمن حقق له مقام العبودية وصحح استئهاله للعناية السرمدية أي ليل له شأن جليل ليل دنا فيه الحبيب من المحبوب وفاز في مقام الشهود بالمطلوب فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى، فحينئذ ينطبق عليه التعليل بقوله: إنه هو السميع البصير أي السميع بأحوال ذلك العبد والبصير لأفعاله العالم بكونها مهذبة خالصة عن شوائب الهوى مقرونة بالصدق والصفاء مستأهلة للقرب، وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
- حدّثنا عبدان، حدّثنا عبد اللّه، أخبرنا يونس ح وحدّثنا أحمد بن صالحٍ، حدّثنا عنبسة، حدّثنا يونس، عن ابن شهابٍ، قال ابن المسيّب: قال أبو هريرة أتي رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- ليلة أسرى به بإيلياء بقدحين من خمرٍ ولبنٍ فنظر إليهما فأخذ اللّبن قال جبريل: الحمد للّه الّذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمّتك.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (يونس) بن يزيد الأيلي (ح) مهملة لتحويل السند قال المؤلّف بالسند: (وحدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري قال: (حدّثنا عنبسة) بن خالد بن أبي النجاد الأيلي قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (قال ابن المسيب) سعيد (قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (أتي) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- ليلة أسري به) من المسجد الحرام وهو (بإيلياء) بكسر الهمزة واللام بينهما تحتية ساكنة ممدودًا بيت المقدس (بقدحين) أحدهما (من خمر و) الآخر من (لبن فنظر) عليه الصلاة والسلام (إليهما فأخذ اللبن}) وترك الخمر، وإسقاط إناء العسل المذكور في الروايات الأخرى اختصار من الراوي أو نسيان ولا تنافي في ذلك (قال): ولأبوي ذر والوقت فقال (جبريل الحمد لله الذي هداك للفطرة) الإسلامية (لو أخذت الخمر غوت أمتك) بحذف اللام من لغوت. قال ابن مالك فيما نقله عنه في المصابيح يظن بعض النحويين أن لام جواب لو في نحو لو فعلت لفعلت لازمة والصحيح جواز حذفها في أفصح الكلام نحو: {لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي} {أنطعم من لو يشاء الله أطعمه} [يس: 47].
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأشربة وكذا مسلم والنسائي فيه.
- حدّثنا أحمد بن صالحٍ، حدّثنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، قال أبو سلمة: سمعت جابر بن عبد اللّه -رضي الله عنهما- قال: سمعت النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «لمّا كذّبني قريشٌ قمت في الحجر، فجلّى اللّه لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه». زاد يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن أخي ابن شهابٍ عن عمّه «لمّا كذّبني قريشٌ حين أسري بي إلى بيت المقدس» نحوه قاصفًا: ريحٌ تقصف كلّ شيءٍ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) المصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول):
(لما كذبني قريش) في خبر الإسراء كما سيأتي إن شاء الله قريبًا وللحموي والكشميهني كذبتني بتاء التأنيث (قمت في الحجر) بكسر الحاء وسكون الجيم الذي أكثره من الكعبة وكانوا سألوه أن ينعت لهم المسجد الأقصى وفيهم من رآه وعرفه (فجلّى الله) بالجيم وتشديد اللام أي كشف (لي بيت المقدس فطفقت) أي شرعت وأخذت (أخبرهم عن آياته) أي علاماته (وأنا أنظر إليه) زاد في حديث ابن عباس عند النسائي فقال القوم: أما النعت فقد أصاب.
(زاد يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فقال: (حدّثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم (عن عمه) محمد بن مسلم الزهري (لما كذبني) ولأبي ذر: كذبتني (قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس نحوه) أي نحو الحديث السابق. وهذه الرواية وصلها الذهلي في الزهريات عن يعقوب). [إرشاد الساري: 7/200-202]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ قال: أخبرني سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: حين أسري بي لقيت موسى، قال فنعته، فإذا رجلٌ، حسبته قال، مضطربٌ رجل الرّأس، كأنّه من رجال شنوءة. قال: ولقيت عيسى، قال فنعته، قال: ربعةٌ أحمر كأنّما خرج من ديماسٍ، يعني الحمّام، ورأيت إبراهيم، قال: وأنا أشبه ولده به. قال: وأتيت بإناءين أحدهما لبنٌ والآخر فيه خمرٌ، فقيل لي: خذ أيّهما شئت، فأخذت اللّبن فشربته، فقيل لي: هديت للفطرة، أو أصبت الفطرة، أما إنّك لو أخذت الخمر غوت أمّتك.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/151]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، عن أنسٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أتي بالبراق ليلة أسري به ملجمًا مسرجًا، فاستصعب عليه، فقال له جبريل: أبمحمّدٍ تفعل هذا؟ فما ركبك أحدٌ أكرم على الله منه، قال: فارفضّ عرقًا.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، ولا نعرفه إلاّ من حديث عبد الرّزّاق). [سنن الترمذي: 5/152]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الدّورقيّ، قال: حدّثنا أبو تميلة، عن الزّبير بن جنادة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: لمّا انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل بإصبعه، فخرق به الحجر، وشدّ به البراق.
هذا حديثٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/152]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا اللّيث، عن عقيلٍ، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله، أنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لمّا كذّبتني قريشٌ قمت في الحجر فجلّى اللّه لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفي الباب عن مالك بن صعصعة، وأبي سعيدٍ، وابن عبّاسٍ، وأبي ذرٍّ، وابن مسعودٍ). [سنن الترمذي: 5/152]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن مسعرٍ، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: قلت لحذيفة بن اليمان: أصلّى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في بيت المقدس؟ قال: لا، قلت: بلى، قال: أنت تقول ذاك يا أصلع، بم تقول ذلك؟ قلت: بالقرآن. بيني وبينك القرآن، فقال حذيفة: من احتجّ بالقرآن فقد أفلح.، قال سفيان: يقول فقد احتجّ، وربّما قال: قد فلج، فقال: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} قال: أفتراه صلّى فيه؟ قلت: لا، قال: لو صلّى فيه لكتب عليكم فيه الصّلاة كما كتبت الصّلاة في المسجد الحرام قال حذيفة: قد أتي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بدابّةٍ طويلة الظّهر، ممدودةٍ. هكذا خطوه مدّ بصره، فما زايلا ظهر البراق حتّى رأيا الجنّة والنّار ووعد الآخرة أجمع، ثمّ رجعا عودهما على بدئهما. قال: ويتحدّثون أنّه ربطه، لم؟ ليفرّ منه وإنّما سخّره له عالم الغيب والشّهادة.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/158]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا يحيى، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثني عاصمٌ، عن زرٍّ، عن حذيفة، قال: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1]، قال: لم يصلّ فيه، ولو صلّى فيه لكتب عليكم، كما كتب عليكم الصّلاة في الكعبة "
- أخبرنا عليّ بن حجرٍ، حدّثنا عليّ بن مسهرٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كنت أقرأ على أبي القرآن في السّكّة، فإذا قرأت السّجدة سجد، قلت له: يا أبت، تسجد في الطّريق؟ قال: إنّي سمعت أبا ذرٍّ يقول: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أوّل مسجدٍ وضع في الأرض فقال: «المسجد الحرام» قلت: ثمّ أي؟ قال: «المسجد الأقصى» قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون عامًا، والأرض لك مسجدٌ، فحيثما أدركت صلاةً فصلّ»
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا اللّيث، عن عقيلٍ، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن جابرٍ: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لمّا كذّبتني قريشٌ قمت في الحجر، فجلّى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه»
- أخبرنا أبو داود سليمان بن سيفٍ، قال: حدّثنا أبو النّعمان، حدّثنا ثابتٌ، قال: حدّثنا هلالٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " أسري بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى بيت المقدس، ثمّ جاء من ليلته فحدّثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم، فقال ناسٌ: نحن لا نصدّق محمّدًا، فارتدّوا كفّارًا، فضرب الله أعناقهم مع أبي جهلٍ "
- أخبرنا محمّد بن رافعٍ، حدّثنا حجين بن المثنّى، حدّثنا عبد العزيز وهو الماجشون، عن ابن الفضل، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأيتني في الحجر، وقريشٌ تسألني عن مسراي، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم آتها، فكربت كربًا ما كربت مثله قطّ، فرفعه الله لي أنظر إليه، فما سألوني عن شيءٍ إلّا أتيتهم به»
- أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، في حديثه، عن معتمر بن سليمان، قال: سمعت عوفًا، عن زرارة، عن ابن عبّاسٍ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا كان ليلة أسري بي، ثمّ أصبحت بمكّة» قال: «قطعت بأمري وعرفت أنّ النّاس مكذّبيّ» قال: «فقعدت معتزلًا حزينًا، فمرّ بي عدوّ الله أبو جهلٍ» فجاء حتّى جلس إليه فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيءٍ؟ قال: «نعم» قال: ما هو؟ قال: «إنّي أسري بي اللّيلة» قال: إلى أين؟ قال: «إلى بيت المقدس» قال: ثمّ أصبحت بين أظهرنا؟ قال: «نعم» قال: فلم يره أنّه يكذّبه مخافة أن يجحد الحديث إن دعا له قومه، قال: إن دعوت إليك قومك أتحدّثهم؟ قال: «نعم» قال أبو جهلٍ: معشر بني كعب بن لؤيٍّ، هلمّ، فتنفّضت المجالس، فجاءوا حتّى جلسوا إليهما، قال: حدّث قومك ما حدّثتني، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أسري بي اللّيلة» قالوا: إلى أين؟ قال: «إلى بيت المقدس» قال: قالوا: ثمّ أصبحت بين أظهرنا؟ قال: «نعم» فمن بين مصدّقٍ، ومن بين واضعٍ يده على رأسه مستعجبًا للكذب، قال: وفي القوم من سافر إلى ذلك البلد، ورأى المسجد، قال: قالوا: هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فذهبت أنعت لهم، فما زلت أنعت حتّى التبس عليّ بعض النّعت» قال: «فجيء بالمسجد حتّى وضع» قال: «فنعتّ المسجد وأنا أنظر إليه» قال: وقد كان مع هذا حديثٌ فنسيته أيضًا، قال القوم: أمّا النّعت فقد أصاب). [السنن الكبرى للنسائي: 10/146-148]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القولٌ في تأويل قوله تعالى {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير}
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بقوله تعالى: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً} تنزيهًا للّذي أسرى بعبده وتبرئةً له ممّا يقول فيه المشركون من أنّ له من خلقه شريكًا وأنّ له صاحبةً وولدًا، وعلوًّا له وتعظيمًا عمّا أضافوه إليه، ونسبوه من جهالاتهمٍ وخطأ أقوالهم.
وقد بيّنت فيما مضى قبل أنّ قوله {سبحان} اسمٌ وضع موضع المصدر فنصب لوقوعه موقعه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقد كان بعضهم يقول: نصب لأنّه غير موصوفٍ
وللعرب في التّسبيح أماكن تستعمله فيها. فمنها الصّلاة، كان كثيرٌ من أهل التّأويل يتأوّلون قول اللّه: {فلولا أنّه كان من المسبّحين} فلولا أنّه كان من المصلّين.
ومنها الاستثناء، كان بعضهم يتأوّل قول اللّه تعالى: {ألم أقل لكم لولا تسبّحون} لولا تستثنون، وزعم أنّ ذلك لغةٌ لبعض أهل اليمن، ويستشهد لصحّة تأويله ذلك بقوله: {إذ أقسموا ليصرمنّها مصبحين ولا يستثنون} قال: {قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبّحون} فذكرهم تركهم الاستثناء.
ومنها النّور، وكان بعضهم يتأوّل في الخبر الّذي روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " لولا ذلك لأحرقت سبحات وجهه ما أدركت من شيءٍ " أنّه عنى بقوله: سبحات وجهه: نور وجهه.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله: {سبحان الّذي أسرى بعبده} قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن عثمان بن موهبٍ، عن موسى بن طلحة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه سئل عن التّسبيح أن يقول الإنسان: سبحان اللّه، قال: " إنزاه اللّه عن السّوء "
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الحسن بن صالحٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: سبحان اللّه: قال: إنكافٌ للّه وقد ذكرنا من الآثار في ذلك ما فيه الكفاية فيما مضى من كتابنا هذا قبل.
والإسراء والسّرى: سير اللّيل. فمن قال: أسرى، قال: يسري إسراءً، ومن قال: سرى، قال: يسري سرًى، كما قال الشّاعر:
وليلةٍ ذات دجًى سريت = ولم يلتني عن سراها ليت
ويروى: ذات ندًى سريت
ويعني بقوله: {ليلاً} من اللّيل. وكذلك كان حذيفة بن اليمان يقرؤها
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: سمعت أبا بكر بن عيّاشٍ، ورجلٌ، يحدّث عنده بحديثٍ حين أسري بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له: لا تجيء بمثل عاصمٍ ولا زرٍّ، قال: قرأ حذيفة: ( سبحان الّذي أسرى بعبده من اللّيل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) وكذا قرأ عبد اللّه
وأمّا قوله: {من المسجد الحرام} فإنّه اختلف فيه وفي معناه، فقال بعضهم: يعني من الحرم، وقال: الحرم كلّه مسجدٌ. وقد بيّنّا ذلك في غير موضعٍ من كتابنا هذا. وقال: وقد ذكر لنا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان نائمًا في بيت أمّ هانئٍ ابنة أبي طالبٍ.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن السّائب، عن أبي صالحٍ باذان، عن أمّ هانئ بنت أبي طالبٍ، في مسرى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّها كانت تقول: ما أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلاّ وهو في بيتي نائمٌ عندي تلك اللّيلة، فصلّى العشاء الآخرة، ثمّ نام ونمنا، فلمّا كان قبيل الفجر أهبّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا صلّى الصّبح وصلّينا معه قال: " يا أمّ هانئٍ لقد صلّيت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي، ثمّ جئت بيت المقدس فصلّيت فيه، ثمّ صلّيت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين "
وقال آخرون: بل أسري به من المسجد، وفيه كان حين أسري به.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر وا بن أبي عديٍّ، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، عن مالك بن صعصعة، وهو رجلٌ من قومه قال: قال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " بينا أنا عند البيت بين النّائم واليقظان، إذ سمعت قائلاً يقول: أحد الثّلاثة، فأتيت بطستٍ من ذهبٍ فيها من ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا " قال قتادة: قلت: ما يعني به؟ قال: إلى أسفل بطنه، قال: " فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم، ثمّ أعيد مكانه، ثمّ حشي إيمانًا وحكمةً، ثمّ أتيت بدابّةٍ أبيض " وفي رواية أخرى: " بدابّةٍ بيضاء يقال له البراق، فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه أقصى طرفه، فحملت عليه، ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الدّنيا ". فذكر الحديث.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا خالد بن الحارث، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، عن مالكٍ يعني ابن صعصعة رجلٍ من قومه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحوه.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، عن مالك بن صعصعة رجلٍ من قومه، قال: قال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ ذكر نحوه
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني عمرو بن عبيد، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " بينا أنا نائمٌ في الحجر جاءني جبريل فهمزني بقدمه، فجلست فلم أر شيئًا، فعدت لمضجعي، فجاءني الثّانية فهمزني بقدمه، فجلست فلم أر شيئًا، فعدت لمضجعي، فجاءني الثّالثة فهمزني بقدمه، فجلست فأخذ بعضدي فقمت معه، فخرج بي إلى باب المسجد، فإذا دابّةٌ أبيض بين الحمار والبغل، له في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه، يضع يده في منتهى طرفه، فحملني عليه ثمّ خرج معي، لا يفوتني ولا أفوته "
- حدّثنا الرّبيع بن سليمان، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن سليمان بن بلالٍ، عن شريك بن أبي نمرٍ، قال: سمعت أنسًا، يحدّثنا عن ليلة المسرى برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من مسجد الكعبة أنّه جاءه ثلاثة نفرٍ قبل أن يوحى إليه وهو نائمٌ في المسجد الحرام، فقال أوّلهم: أيّهم هو؟ قال أوسطهم: هو خيرهم، فقال أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك اللّيلة، فلم يرهم حتّى جاءوا ليلةً أخرى فيما يرى قلبه والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تنام عيناه، ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فلم يكلّموه حتّى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاّه منهم جبرئيل عليه السّلام، فشقّ ما بين نحره إلى لبّته، حتّى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم حتّى أنقى جوفه، ثمّ أتي بطستٍ من ذهبٍ فيه تورٌ محشوٌّا إيمانًا وحكمةً، فحشا به جوفه وصدره ولغاديده، ثمّ أطبقه ثمّ ركب البراق، فسار حتّى أتى به إلى بيت المقدس فصلّى فيه بالنّبيّين والمرسلين إمامًا، ثمّ عرج به إلى السّماء الدّنيا، فضرب بابًا من أبوابها، فناداه أهل السّماء: من هذا؟ قال: هذا جبرائيل، قيل: من معك؟ قال: محمّدٌ، قال: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبًا به وأهلاً، فيستبشر به أهل السّماء، لا يعلم أهل السّماء بما يريد اللّه في الأرض حتّى يعلمهم، فوجد في السّماء الدّنيا آدم، فقال له جبرائيل: هذا أبوك، فسلّم عليه، فردّ عليه، فقال: مرحبًا بك وأهلاً يا بني، فنعم الابن أنت، ثمّ مضى به إلى السّماء الثّانية، فإذا هو في السّماء الثّانية بنهرين يطردان، فقال: ما هذان النّهران يا جبرائيل؟ قال: هذا النّيل والفرات عنصرهما، ثمّ مضى به إلى السّماء الثّالثة، فإذا هو بنهرٍ آخرعليه قصر من لؤلؤٍ وزبرجدٍ فذهب يشمّ ترابه، فإذا هو مسكٌ، فقال: يا جبرائيل ما هذا النّهر؟ قال: هذا الكوثر الّذي خبأ لك ربّك ثمّ عرج به إلى السماء الثالثة فقالت له الملائكة مثل ما قالت لهفي الاولى من هذا معك، محمد؟ قال: نعم، قالوا: وقد بعث اليه؟ قال قد بعث اليه،قالو فم حبا به وأهلا، ثمّ عرج به إلى الرّابعة، فقالوا به مثل ذلك، ثمّ عرج به إلى الخامسة، فقالوا له مثل ذلك، ثمّ عرج به إلى السّادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثمّ عرج به إلى السّابعة، فقالوا له مثل ذلك وكلّ سماءٍ فيها أنبياء قد سمّاهم أنسٌ فوعيت منهم إدريس في الثّانية، وهارون في الرّابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السّادسة، وموسى في السّابعة بتفضيل كلامه اللّه، فقال موسى: ربّ لم أظنّ أن يرفع عليّ أحدٌ ثمّ علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلاّ اللّه، حتّى جاء سدرة المنتهى، ودنا باب الجبّار ربّ العزّة، فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما شاء، وأوحى اللّه اليه فيما أوحى خمسين صلاةً على أمّته كلّ يومٍ وليلةٍ، ثمّ هبط حتّى بلغ موسى فاحتبسه، فقال: يا محمّد ماذا عهد إليك ربّك؟ قال: " عهد إليّ خمسين صلاةً على أمّتي كلّ يومٍ وليلةٍ "، قال: إنّ أمّتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفّف عنك وعنهم، فالتفت إلى جبرائيل كأنّه يستشيره في ذلك، فأشار إليه أن نعم، فعاد به جبرائيل حتّى أتى الجبّار عزّ وجلّ وهو مكانه، فقال: " ربّ خفّف عنّا، فإنّ أمّتي لا تستطيع هذا " فوضع عنه عشر صلواتٍ، ثمّ رجع إلى موسى عليه السّلام فاحتبسه، فلم يزل يردّه موسى إلى ربّه حتّى صارت إلى خمس صلواتٍ، ثمّ احتبسه عند الخمس، فقال: يا محمّد قد واللّه راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه الخمس فضعفوا وتركوه، فأمّتك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبصارًا وأسماعًا، فارجع فليخفّف عنك ربّك، كلّ ذلك يلتفت إلى جبرئيل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبرئيل، فرفعه عند الخمس، فقال: " يا ربّ إنّ أمّتي ضعافٌ أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم، فخفّف عنّا "، قال الجبّار جلّ جلاله: يا محمّد، قال: " لبّيك وسعديك "، فقال: إنّي لا يبدّل القول لديّ كما كتبت عليك في أمّ الكتاب، ولك بكلّ حسنةٍ عشر أمثالها، وهي خمسون في أمّ الكتاب، وهي خمسٌ عليك، فرجع إلى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: " خفّف عنّي أعطانا بكلّ حسنةٍ عشر أمثالها "، قال: قد واللّه راودني بني إسرائيل على أدنى من هذا فتركوه فارجع فليخفّف عنك أيضًا، قال: " يا موسى قد واللّه استحييت من ربّي ممّا أختلف إليه "، قال: فاهبط باسم اللّه، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب، أن يقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ أخبر أنّه أسرى بعبده من المسجد الحرام، والمسجد الحرام هو الّذي يتعارفه النّاس بينهم إذا ذكروه
وقوله: {إلى المسجد الأقصى} يعني: مسجد بيت المقدس، وقيل له: الأقصى، لأنّه أبعد المساجد الّتي تزار، وينبغي في زيارته الفضل بعد المسجد الحرام.
فتأويل الكلام تنزيهًا للّه، وتبرئةً له ممّا نحله المشركون من الإشراك والأولاد والصّاحبة، وما يجلّ عنه جلّ جلاله، الّذي سار بعبده ليلاً من بيته الحرام إلى بيته الأقصى.
ثمّ اختلف أهل العلم في صفة إسراء اللّه تبارك وتعالى بنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فقال بعضهم: أسرى اللّه بجسده، فسار به ليلاً على البراق من بيته الحرام إلى بيته الأقصى حتّى أتاه، فأراه ما شاء أن يريه من عجائب أمره وعبره وعظيم سلطانه، فجمعت له به الأنبياء، فصلّى بهم هنالك، وعرج به إلى السّماء حتّى صعد به فوق السّماوات السّبع، وأوحى إليه هنالك ما شاء أن يوحي ثمّ رجع إلى المسجد الحرام من ليلته، فصلّى به صلاة الصّبح.
ذكر من قال ذلك وذكر بعض الرّوايات الّتي رويت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بتصحيحه:
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني ابن المسيّب، وأبو سلمة بن عبد الرّحمن أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أسري به على البراق، وهي دابّة إبراهيم الّتي كان يزور عليها البيت الحرام، يقع حافرها موضع طرفها، قال: فمرّت بعيرٍ من عيرات قريشٍ بوادٍ من تلك الأودية، فنفرت العير، وفيها بعيرٌ عليه غرارتان: سوداء، وزرقاء، حتّى أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إيلياء فأتي بقدحين: قدح خمرٍ، وقدح لبنٍ، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قدح اللّبن، فقال له جبرئيل: هديت إلى الفطرة، لو أخذت قدح الخمر غوت أمّتك. قال ابن شهابٍ: فأخبرني ابن المسيّب أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لقي هناك إبراهيم وعيسى، فنعتهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: " فأمّا موسى فضربٌ رجل الرّأس كأنّه من رجال شنوءة، وأمّا عيسى فرجلٌ أحمر كأنّما خرج من ديماسٍ، فأشبه من رأيت به عروة بن مسعودٍ الثّقفيّ، وأمّا إبراهيم فأنا أشبه ولده به "، فلمّا رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حدّث قريشًا أنّه أسري به قال عبد اللّه: فارتدّ ناسٌ كثيرٌ بعدما أسلموا.
- قال أبو سلمة: فأتى أبو بكرٍ الصّدّيق، فقيل له: هل لك في صاحبك يزعم أنّه أسري به إلى بيت المقدس ثمّ رجع في ليلةٍ واحدةٍ، قال أبو بكرٍ: أوقال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأشهد إن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أفتشهد أنّه جاء الشّام في ليلةٍ واحدةٍ؟ قال: إنّي أصدّقه بأبعد من ذلك، أصدّقه بخبر السّماء.
- قال أبو سلمة: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " لمّا كذّبتني قريشٌ قمت فمثّل اللّه لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني يعقوب بن عبد الرّحمن الزّهريّ، عن أبيه، عن عبد الرّحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقّاصٍ، عن أنس بن مالكٍ، قال: لمّا جاء جبرائيل عليه السّلام بالبراق إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكأنّها صرت أذنيها، فقال لها جبرئيل: مه يا براق، فواللّه إن ركبك مثله، فسار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا هو بعجوزٍتانئى عن الطّريق: أي على جنب الطّريق
قال أبو جعفرٍ: ينبغي أن يقال: تانئةٍ، ولكن أسقط منها التّأنيث فقال: " ما هذه يا جبرائيل؟ " قال: سر يا محمّد، قال: فسار ما شاء اللّه أن يسير، فإذا شيءٌ يدعوه متنحّيًا عن الطّريق يقول: هلمّ يا محمّد، قال جبرائيل: سر يا محمّد، فسار ما شاء اللّه أن يسير، قال: ثمّ لقيه خلقٌ من الخلائق، فقال أحدهم: السّلام عليك يا أوّل، والسّلام عليك يا آخر، والسّلام عليك يا حاشر، فقال له جبرائيل: اردد السّلام يا محمّد، قال: فردّ السّلام، ثمّ لقيه الثّاني، فقال له مثل لأول ثم لقيه الثالث فقال له مثل مقالة الأوّلين حتّى انتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الماء واللّبن والخمر، فتناول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اللّبن، فقال له جبرائيل: أصبت يا محمّد الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمّتك، ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمّتك. ثمّ بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء، فأمّهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلك اللّيلة، ثمّ قال له جبرائيل: أمّا العجوز الّتي رأيت على جانب الطّريق، فلم يبق من الدّنيا إلاّ ما بقي من تلك العجوز، وأمّا الّذي أراد أن تميل إليه، فذاك عدوّ اللّه إبليس، أراد أن تميل إليه، وأمّا الّذين سلّموا عليك، فذاك إبراهيم وموسى وعيسى
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: أخبرنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ، عن أبي هريرة، أو غيره شكّ أبو جعفرٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير} قال: جاء جبرائيل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه ميكائيل، فقال جبرائيل لميكائيل: ائتني بطستٍ من ماء زمزم كيما أطهّر قلبه وأشرح له صدره، قال: فشقّ عن بطنه، فغسله ثلاث مرّاتٍ، واختلف إليه ميكائيل بثلاث طساتٍ من ماء زمزم، فشرح صدره، ونزع ما كان فيه من غلٍّ، وملأه حلمًا وعلمًا وإيمانًا ويقينًا وإسلامًا، وختم بين كتفيه بخاتم النّبوّة، ثمّ أتاه بفرسٍ فحمل عليه كلّ خطوةٍ منه منتهى بصره وأقصى بصره قال: فسار وسار معه جبرائيل عليه السّلام، فأتى على قومٍ يزرعون في يومٍ ويحصدون في يومٍ، كلّما حصدوا عاد كما كان، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " يا جبرائيل ما هذا؟ " قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل اللّه، تضاعف لهم الحسنة بسبع مائة ضعفٍ، وما أنفقوا من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرّازقين.
ثمّ أتى على قومٍ ترضخ رءوسهم بالصّخر، كلّما رضخت عادت كما كانت، لا يفتّر عنهم من ذلك شيءٌ، فقال: " ما هؤلاء يا جبرائيل؟ " قال: هؤلاء الّذين تتثاقل رءوسهم عن الصّلاة المكتوبة.
ثمّ أتى على قومٍ على أقبالهم رقاعٌ، وعلى أدبارهم رقاعٌ، يسرحون كما تسرح الإبل والغنم، ويأكلون الضّريع والزّقّوم ورضف جهنّم وحجارتها، قال: " ما هؤلاء يا جبرائيل؟ " قال: هؤلاء الّذين لا يؤدّون صدقات أموالهم، وما ظلمهم اللّه شيئًا، وما اللّه بظلاّمٍ للعبيد.
ثمّ أتى على قومٍ بين أيديهم لحمٌ نضيجٌ في قدورٍ، ولحمٌ آخر نيءٌ قذرٌ خبيثٌ، فجعلوا يأكلون من النّيء الخبيثٌ، ويدعون النّضيج الطّيّب، فقال: " ما هؤلاء يا جبرئيل؟ " قال: هذا الرّجل من أمّتك، تكون عنده المرأة الحلال الطّيّب، فيأتي امرأةً خبيثةً فيبيت عندها حتّى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالاً طيّبًا، فتأتي رجلاً خبيثًا، فتبيت معه حتّى تصبح.
قال: ثمّ أتى على خشبةٍ في الطّريق لا يمرّ بها ثوبٌ إلاّ شقّته، ولا شيءٌ إلاّ خرقته، قال: " ما هذا يا جبرائيل؟ " قال: هذا مثل أقوامٍ من أمّتك يقعدون على الطّريق فيقطعونه. ثمّ تلا: {ولا تقعدوا بكلّ صراطٍ توعدون وتصدّون} الآية.
ثمّ أتى على رجلٍ قد جمع حزمة حطبٍ عظيمةً لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال: " ما هذا يا جبرائيل؟ " قال: هذا الرّجل من أمّتك تكون عليه أمانات النّاس لا يقدر على أدائها، وهوويريد أن يحملهاعليها.
ثمّ أتى على قومٍ تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديدٍ، كلّما قرضت عادت كما كانت لا يفتّر عنهم من ذلك شيءٌ، قال: " ما هؤلاء يا جبرائيل؟ " فقال: هؤلاء خطباء أمّتك خطباء الفتنة
ثمّ أتى على جحرٍ صغيرٍ يخرج منه ثورٌ عظيمٌ، فجعل الثّور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: " ما هذا يا جبرائيل؟ " قال: هذا الرّجل يتكلّم بالكلمة العظيمة، ثمّ يندم عليها، فلا يستطيع أن يردّها
ثمّ أتى على وادٍ، فوجد ريحًا طيّبةً باردةً، وفيه وريح المسك، وسمع صوتًا، فقال: " يا جبرائيل ما هذا الرّيح الطّيّبة الباردة وهذه الرّائحة الّتي ريح المسك، وما هذا الصّوت؟ " قال: هذا صوت الجنّة تقول: يا ربّ آتني ما وعدتني، فقد كثرت غرفي وإستبرقي وحريري وسندسي وعبقريّي ولؤلؤي ومرجاني وفضّتي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي وفواكهي ونخلي ورمّاني، ولبني وخمري، فآتني ما وعدتني، فقال: لك كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ، ومؤمنٍ ومؤمنةٍ، ومن آمن بي وبرسلي، وعمل صالحًا ولم يشرك بي، ولم يتّخذ من دوني أندادًا، ومن خشيني فهو آمنٌ، ومن سألني أعطيته، ومن أقرضني جزيته، ومن توكّل عليّ كفيته، إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا لا أخلف الميعاد، وقد أفلح المؤمنون، وتبارك اللّه أحسن الخالقين، قالت: قد رضيت.
ثمّ أتى على وادٍ فسمع صوتًا منكرًا، ووجد ريحًا منتنةً، فقال: وما هذه الرّيح يا جبرئيل وما هذا الصّوت؟ " قال: هذا صوت جهنّم، تقول: يا ربّ آتني ما وعدتني، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وجحيمي وضريعي وغسّاقي وعذابي وعقابي، وقد بعد قعري واشتدّ حرّي، فآتني ما وعدتني، قال: لك كلّ مشركٍ ومشركةٍ، وكافرٍ وكافرةٍ، وكلّ خبيثٍ وخبيثةٍ، وكلّ جبارٍ لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: قد رضيت.
قال: ثمّ سار حتّى أتى بيت المقدس، فنزل فربط فرسه إلى صخرةٍ، ثمّ دخل فصلّى مع الملائكة، فلمّا قضيت الصّلاة. قالوا: يا جبرئيل من هذا معك؟ قال: محمّدٌ، فقالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: ثمّ لقي أرواح الأنبياء فأثنوا على ربّهم، فقال إبراهيم: الحمد للّه الّذي اتّخذني خليلاً وأعطاني ملكًا عظيمًا، وجعلني أمّةً قانتًا للّه يؤتمّ بي، وأنقذني من النّار، وجعلها عليّ بردًا وسلامًا، ثمّ إنّ موسى أثنى على ربّه فقال: الحمد للّه الّذي كلّمني تكليمًا، وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي، وجعل من أمّتي قومًا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، ثمّ إنّ داود عليه السّلام أثنى على ربّه، فقال: الحمد للّه الّذي جعل لي ملكًا عظيمًا وعلّمني الزّبور، وألان لي الحديد، وسخّر لي الجبال يسبّحن والطّير، وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب، ثمّ إنّ سليمان أثنى على ربّه، فقال: الحمد للّه الّذي سخّر لي الرّياح، وسخّر لي الشّياطين، يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل وجفانٍ كالجواب، وقدورٍ راسياتٍ، وعلّمني منطق الطّير، وآتاني من كلّ شيءٍ فضلاً، وسخّر لي جنود الشّياطين والإنس والطّير، وفضّلني على كثيرٍ من عباده المؤمنين، وآتاني ملكًا عظيمًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدي، وجعل ملكي ملكًا طيّبًا ليس عليّ فيه حسابٌ. ثمّ إنّ عيسى عليه السّلام أثنى على ربّه، فقال: الحمد للّه الّذي جعلني كلّمته وجعل مثلي مثل آدم خلقه من ترابٍ، ثمّ قال له: كن فيكون، وعلّمني الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل، وجعلني أخلق من الطّين كهيئة الطّير، فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن اللّه، وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص، وأحيي الموتى بإذن اللّه، ورفعني وطهّرني، وأعاذني وأمّي من الشّيطان الرّجيم، فلم يكن للشّيطان علينا سبيلٌ، قال: ثمّ إنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أثنى على ربّه، فقال: " كلّكم أثنى على ربّه، وأنا مثنٍ على ربّي "، فقال: " الحمد للّه الّذي أرسلني رحمةً للعالمين، وكافّةً للنّاس بشيرًا ونذيرًا، وأنزل عليّ الفرقان فيه تبيان كلّ شيءٍ، وجعل أمّتي خير أمّةٍ أخرجت للنّاس، وجعل أمّتي أمة وسطًا، وجعل أمّتي هم الأوّلون وهم الآخرون، وشرح لي صدري، ووضع عنّي وزري ورفع لي ذكري، وجعلني فاتحًا خاتمًا " قال إبراهيم: بهذا فضلكم محمّدٌ قال أبو جعفرٍ وهو الرّازيّ: خاتم النّبوّة، وفاتحٌ بالشّفاعة يوم القيامة.
ثمّ أتي بآنيةٍ ثلاثةٍ مغطّاةٍ أفواهها، فأتي بإناءٍ منها فيه ماءٌ، فقيل: اشرب، فشرب منه يسيرًا، ثمّ دفع إليه إناءً آخر فيه لبنٌ، فقيل له: اشرب، فشرب منه حتّى روي، ثمّ دفع إليه إناءً آخر فيه خمرٌ، فقيل له: اشرب، فقال: " لا أريده قد رويت " فقال له جبرائيل صلّى اللّه عليه وسلّم: أما إنّها ستحرّم على أمّتك، ولو شربت منها لم يتّبعك من أمّتك إلاّ قليل.
ثمّ صعد به إلى سماء الدّنيا، فاستفتح، فقيل: من هذا يا جبرائيل، فقال: محمّدٌ، قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، فدخل فإذا هو برجلٍ تامّ الخلق لم ينقص من خلقه شيءٌ، كما ينقص من خلق النّاس، على يمينه بابٌ يخرج منه ريحٌ طيّبةٌ، وعن شماله بابٌ يخرج منه ريحٌ خبيثةٌ، إذا نظر إلى الباب الّذي عن يمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر إلى الباب الّذي عن شماله بكى وحزن، فقلت: " يا جبرائيل من هذا الشّيخ التّامّ الخلق الّذي لم ينقص من خلقه شيءٌ، وما هذان البابان؟ " قال: هذا أبوك آدم، وهذا الباب الّذي عن يمينه باب الجنّة، إذا نظر إلى من يدخله من ذرّيّته ضحك واستبشر، والباب الّذي عن شماله باب جهنّم، إذا نظر إلى من يدخله من ذرّيّته بكى وحزن.
ثمّ صعد به جبرئيل صلّى اللّه عليه وسلّم إلى السّماء الثّانية فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ رسول اللّه، فقالوا: وقد أرسل محمّدٌ؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فإذا هو بشابّين، فقال: " يا جبرائيل من هذان الشّابّان؟ " قال: هذا عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريّا ابنا الخالة.
قال: فصعد به إلى السّماء الثّالثة، فاستفتح، فقالوا: من هذا؟ قال: جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ قالوا: أو قد أرسل؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فدخل فإذا هو برجلٍ قد فضّل على النّاس كلّهم في الحسن كما فضّل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قال: " من هذا يا جبرائيل الّذي فضّل على النّاس في الحسن؟ " قال: هذا أخوك يوسف.
ثمّ صعد به إلى السّماء الرّابعة، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ قالوا: أو قد أرسل؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فدخل، فإذا هو برجلٍ، قال: " من هذا يا جبرائيل؟ " قال: هذا إدريس رفعه اللّه مكانًا عليًّا.
ثمّ صعد به إلى السّماء الخامسة، فاستفتح جبرائيل، فقالوا: من هذا؟ فقال: جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، ثمّ دخل فإذا هو برجلٍ جالسٍ وحوله قومٌ يقصّ عليهم، قال: " من هذا يا جبرائيل ومن هؤلاء الّذين حوله؟ " قال: هذا هارون المحبّب في قومه، وهؤلاء بنو إسرائيل.
ثمّ صعد به إلى السّماء السّادسة، فاستفتح جبرائيل، فقيل له: من هذا؟ قال: جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قالوا: أو قد أرسل؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، فإذا هو برجلٍ جالسٍ، فجاوزه، فبكى الرّجل، فقال: " يا جبرائيل من هذا؟ " قال: موسى، قال: " فما باله يبكي؟ " قال: تزعم بنو إسرائيل أنّي أكرم بني آدم على اللّه، وهذا رجلٌ من بني آدم قد خلفني في دنيا، وأنا في أخرى، فلو أنّه بنفسه لم أبال، ولكن مع كلّ نبيٍّ أمّته.
ثمّ صعد به إلى السّماء السّابعة، فاستفتح، فقيل له: من هذا؟ قال: جبرائيل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قالوا: أو قد أرسل؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فدخل فإذا هو برجلٍ أشمط جالسٍ عند باب الجنّة على كرسيٍّ، وعنده قومٌ جلوسٌ بيض الوجوه، أمثال القراطيس، وقومٌ في ألوانهم شيءٌ، فقام هؤلاء الّذين في ألوانهم شيءٌ، فدخلوا نهرًا فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيءٌ، ثمّ دخلوا نهرًا آخر، فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص، من ألوانهم شيءٌ، ثمّ دخلوا نهرًا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيءٌ، فصارت مثل ألوان أصحابهم، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم فقال: " يا جبرائيل من هذا الأشمط، ثمّ من هؤلاء البيض وجوههم، ومن هؤلاء الّذين في ألوانهم شيءٌ، وما هذه الأنهار الّتي دخلوا فجاءوا وقد صفت ألوانهم؟ " قال: هذا أبوك إبراهيم أوّل من شمط على الأرض، وأمّا هؤلاء البيض الوجوه: فقومٌ لم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ، وأمّا هؤلاء الّذين في ألوانهم شيءٌ، فقومٌ خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيّئًا، فتابوا، فتاب اللّه عليهم، وأمّا الأنهار: فأوّلها رحمة اللّه، وثانيها: نعمة اللّه، والثّالث: سقاهم ربّهم شرابًا طهورًا.
قال: ثمّ انتهى إلى السّدرة، فقيل له: هذه السّدرة ينتهي إليها كلّ أحدٍ خلا من أمّتك على سنّتك، فإذا هي شجرةٌ يخرج من أصلها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ، وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه، وأنهارٌ من خمرٍ لذّةٍ للشّاربين، وأنهارٌ من عسلٍ مصفًّى، وهي شجرةٌ يسير الرّاكب في ظلّها سبعين عامًا لا يقطعها، والورقة منها مغطّيةٌ للأمّة كلّها، قال: فغشيها نور الخلاّق عزّ وجلّ، وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشّجر، قال: فكلّمه عند ذلك، فقال له: سل، فقال: " اتّخذت إبراهيم خليلاً وأعطيته ملكًا عظيمًا، وكلّمت موسى تكليمًا، وأعطيت داود ملكًا عظيمًا وألنت له الحديد وسخّرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكًا عظيمًا، وسخّرت له الجنّ والإنس والشّياطين، وسخّرت له الرّياح، وأعطيته ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وعلّمت عيسى التّوراة والإنجيل، وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن اللّه، وأعذته وأمّه من الشّيطان الرّجيم، فلم يكن للشّيطان عليهما سبيلٌ ". فقال له ربّه: قد اتّخذتك وخليلاً، وهو مكتوبٌ في التّوراة: حبيب الرحمن، وأرسلتك إلى النّاس كافّةً بشيرًا ونذيرًا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلاّ ذكرت معي، وجعلت أمّتك أمّةً وسطًا، وجعلت أمّتك هم الأوّلون والآخرون، وجعلت أمّتك لا تجوز لهم خطبةٌ حتّى يشهدوا أنّك عبدي ورسولي، وجعلت من أمّتك أقوامًا قلوبهم أناجيلهم، وجعلتك أوّل النّبيّين خلقًا، وآخرهم بعثًا، وأوّلهم يقضى له، وأعطيتك سبعًا من المثاني، لم يعطها نبيّ قبلك، وأعطيتك الكوثر، وأعطيتك ثمانية أسهمٍ: الإسلام والهجرة، والجهاد، والصّدقة، والصّلاة، وصوم رمضان، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، وجعلتك فاتحًا وخاتمًا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " فضّلني ربّي بستٍّ: أعطاني فواتح الكلم وخواتيمه، وجوامع الحديث، وأرسلني إلى النّاس كافّةً بشيرًا ونذيرًا، وقذف في قلوب عدوّي الرّعب من مسيرة شهرٍ، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، وجعلت لي الأرض كلّها طهورًا ومسجدًا.
قال: وفرض عليّ خمسين صلاةً "، فلمّا رجع إلى موسى، قال: بم أمرت يا محمّد، قال: " بخمسين صلاةً "، قال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك أضعف الأمم، فقد لقيت من بني إسرائيل شدّةً، قال: فرجع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى ربّه فسأله التّخفيف، فوضع عنه عشرًا، ثمّ رجع إلى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قال: " بأربعين "، قال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدّةً، قال: فرجع إلى ربّه، فسأله التّخفيف، فوضع عنه عشرًا، فرجع إلى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قال: " أمرت بثلاثين "، فقال له موسى: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك أضعف الأمم، وقدٍ لقيت من بني إسرائيل شدّةً، قال: فرجع إلى ربّه فسأله التّخفيف، فوضع عنه عشرًا، فرجع إلى موسى فقال: بكم أمرت؟ قال: "أمرت بعشرين "، قال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدّةً، قال: فرجع إلى ربّه فسأله التّخفيف، فوضع عنه عشرًا، فرجع إلى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قال: " بعشرٍ "، قال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدّةً، قال: فرجع على حياءٍ إلى ربّه فسأله التّخفيف، فوضع عنه خمسًا، فرجع إلى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قال: " بخمسٍ "، قال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدّةً، قال: " قد رجعت إلى ربّي حتّى استحييت فما أنا راجعٌ إليه "، فقيل له: أما إنّك كما صبّرت نفسك على خمس صلواتٍ فإنّهنّ يجزين عنك خمسين صلاةً فإنّ كلّ حسنةٍ بعشر أمثالها، قال: فرضي محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم كلّ الرّضا، قال: فكان موسى أشدّهم عليه حين مرّ به، وخيرهم له حين رجع إليه
- حدّثني محمّد بن عبيد اللّه، قال: أخبرنا أبو النّضر هاشم بن القاسم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية أو غيره شكّ أبو جعفرٍ عن أبي هريرة في قوله: {سبحان الّذي أسرى بعبده}. إلى قوله: {إنّه هو السّميع البصير} قال: جاء جبرائيل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر نحو حديث عليّ بن سهلٍ، عن حجّاجٍ، إلاّ أنّه، قال: جاء جبرائيل ومعه ميكائيل، وقال فيه: وإذا بقومٍ يسرحون كما ترح الأنعام إلى الضّريع، وقال في كلّ موضعٍ قال عليٌّ: " ما هؤلاء " " من هؤلاء يا جبرئيل "، وقال في موضعٍ " تقرض ألسنتهم " " تقصّ ألسنتهم "، وقال أيضًا في موضعٍ قال عليٌّ فيه: ونعم الخليفة: " ونعم الخليفة ". قال في ذكر الخمر، فقال: " لا أريده قد رويت "، قال جبرئيل: قد أصبت الفطرة يا محمّد، إنّها ستحرّم على أمّتك، وقال في سدرة المنتهى أيضًا: هذه السّدرة المنتهى، إليها ينتهي كلّ أحدٍ خلا على سبيلك من أمّتك، وقال أيضًا في الورقة منها: " تظلّ الخلق كلّهم تغشاها الملائكة مثل الغربان حين يقعن على الشّجرة، من حبّ اللّه عزّ وجلّ " وسائر الحديث نحو حديث عليٍّ
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، وحدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: حدّثنا معمرٌ، قال: أخبرنا أبو هارون العبديّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، واللّفظ لحديث الحسن بن يحيى، في قوله: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} قال: حدّثنا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن ليلة أسري به فقال نبيّ اللّه: " أتيت بدابّةٍ هي أشبه الدّوابّ بالبغل له أذنان مضطربتان وهو البراق، وهو الّذي كان تركبه الأنبياء قبلي، فركبته، فانطلق بي يضع يده عند منتهى بصره، فسمعت نداءً عن يميني: يا محمّد على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرّج عليه، ثمّ سمعت نداءً عن شمالي: يا محمّد على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرّج عليه، ثمّ استقبلت عليها من كلّ زينةٍ من زينة الدّنيا رافعةً يدها، تقول: يا محمّد على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرّج عليها، ثمّ أتيت بيت المقدس، أو قال المسجد الأقصى، فنزلت عن الدّابّة فأوثقتها بالحلقة الّتي كانت الأنبياء توثق بها، ثمّ دخلت المسجد فصلّيت فيه، فقال له جبرائيل: ماذا رأيت في وجهك، فقلت: سمعت نداءً عن يميني أن يا محمّد على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرّج عليه، قال: ذاك داعي اليهود، أما لو أنّك وقفت عليه لتهوّدت أمّتك، قال: ثمّ سمعت نداءً عن يساري أن يا محمّد على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرّج عليه، قال: ذاك داعي النّصارى، أما إنّك لو وقفت عليه لتنصرّت أمّتك، قلت: ثمّ استقبلتني امرأةٌ عليها من كلّ زينةٍ الدّنيا رافعةً يدها تقول على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرّج عليها، قال: تلك الدّنيا تزينت لك، أما إنّك لو وقفت عليها لاختارت أمّتك الدّنيا على الآخرة، ثمّ أتيت بإناءين أحدهما فيه لبنٌ، والآخر فيه خمرٌ، فقيل لي: اشرب أيّهما شئت، فأخذت اللّبن فشربته، قال: أصبت الفطرة أو قال: أخذت الفطرة ".
- قال معمرٌ: وأخبرني الزّهريّ عن ابن المسيّب أنّه قيل له: أما إنّك لو أخذت الخمر غوت أمّتك.
- قال أبو هارون في حديث أبي سعيدٍ: " ثمّ جيء بالمعراج الّذي تعرج فيه أرواح بني آدم فإذا هو أحسن ما رأيت، ألم تر إلى الميّت كيف يحدّ بصره إليه فعرج بنا فيه حتّى انتهينا إلى باب السّماء الدّنيا، فاستفتح جبرائيل، فقيل من هذا؟ قال: جبرائيل؟ قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، ففتحوا وسلّموا عليّ، وإذا ملكٌ موكّلٌ يحرس السّماء يقال له إسماعيل، معه سبعون ألف ملكٍ مع كلّ ملكٍ منهم مائة ألفٍ، ثمّ قرأ: {وما يعلم جنود ربّك إلاّ هو} وإذا أنا برجلٍ، كهيئته يوم خلقه اللّه لم يتغيّر منه شيءٌ، فإذا هو تعرض عليه أرواح ذرّيّته، فإذا كانت روح مؤمنٍ، قال: روحٌ طيّبةٌ، وريحٌ طيّبةٌ، اجعلوا كتابه في علّيّين، وإذا كان روح كافرٍ قال: روحٌ خبيثةٌ وريحٌ خبيثةٌ، اجعلوا كتابه في سجّين، فقلت: يا جبرائيل من هذا؟ قال: أبوك آدم، فسلّم عليّ ورحّب بي ودعا لي بخيرٍ، وقال: مرحبًا بالنّبيّ الصّالح والولد الصّالح، ثمّ نظرت فإذا أنا بقومٍ لهم مشافر كمشافر الإبل، وقد وكّل بهم من يأخذ بمشافرهم، ثمّ يجعل في أفواههم صخرًا من نارٍ يخرج من أسافلهم، قلت: يا جبرائيل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا. ثمّ نظرت فإذا أنا بقومٍ يحذى من جلودهم ويردّ في أفواههم، ثمّ يقال: كلوا كما أكلتم، فإذا أكره ما خلق اللّه لهم ذلك، قلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هؤلاء الهمّازون اللّمّازون الّذين يأكلون لحوم النّاس، ويقعون في أعراضهم بالسّبّ، ثمّ نظرت فإذا أنا بقومٍ على مائدةٍ عليها لحمٌ مشويّ كأحسن ما رأيت من اللّحم، وإذا حولهم جيفٌ، فجعلوا يميلون على الجيف يأكلون منها ويدعون ذلك اللّحم، قلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هؤلاء الزّناة عمدوا إلى ما حرّم اللّه عليهم، وتركوا ما أحلّ اللّه لهم، ثمّ نظرت فإذا أنا بقومٍ لهم بطونٌ كأنّها البيوت وهي على سابلة آل فرعون، فإذا مرّ بهم آل فرعون ثاروا، فيميل بأحدهم بطنه فيقع، فيتوطّئوهم آل فرعون بأرجلهم، وهم يعرضون على النّار غدوًّا وعشيًّا، قلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هؤلاء أكلة الرّبا ربًا في بطونهم، فمثلهم كمثل الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ، ثمّ نظرت، فإذا أنا بنساءٍ معلّقاتٍ بثديّهنّ، ونساءٌ منكسّاتٌ بأرجلهنّ، قلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هنّ اللاّتي يزنين ويقتلن أولادهنّ، قال: ثمّ صعدنا إلى السّماء الثّانية، فإذا أنا بيوسف وحوله تبعٌ من أمّته، ووجهه كالقمر ليلة البدر، فسلّم عليّ ورحّب بي، ثمّ مضينا إلى السّماء الثّالثة، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى، يشبه أحدهما صاحبه، ثيابهما وشعرهما، فسلّما عليّ، ورحّبا بي، ثمّ مضينا إلى السّماء الرّابعة، فإذا أنا بإدريس، فسلّم عليّ ورحّب وقد قال اللّه: {ورفعناه مكانًا عليًّا} ثمّ مضينا إلى السّماء الخامسة، فإذا أنا بهارون المحبّب في قومه، وحوله تبعٌ كثيرٌ من أمّته " فوصفه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " طويل اللّحية تكاد لحيته تمسّ سرّته، فسلّم عليّ ورحّب، ثمّ مضينا إلى السّماء السّادسة فإذا أنا بموسى بن عمران فوصفه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: " كثير الشّعر لو كان عليه قميصان خرج شعره منهما، قال موسى: تزعم النّاس أنّي أكرم الخلق على اللّه، فهذا أكرم على اللّه منّي، ولو كان وحده لم أكن أبالي، ولكن كلّ نبيٍّ ومن تبعه من أمّته، ثمّ مضينا إلى السّماء السّابعة، فإذا أنا بإبراهيم وهو جالسٌ مسندٌ ظهره إلى البيت المعمور فسلّم عليّ وقال: مرحبًا بالنّبيّ الصّالح والولد الصّالح، فقيل: هذا مكانك ومكان أمّتك، ثمّ تلا: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} ثمّ دخلت البيت المعمور فصلّيت فيه، وإذا هو يدخله كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ لا يعودون إلى يوم القيامة، ثمّ نظرت فإذا أنا بشجرة إن كانت الورقة منها لمغطّيةٌ هذه الأمّة، فإذا في أصلها عينٌ تجري قد تشعّبت شعبتينٍ، فقلت: ما هذا يا جبرائيل؟ قال: أمّا هذا: فهو نهر الرّحمة، وأمّا هذا: فهو الكوثر الّذي أعطاكه اللّه، فاغتسلت في نهر الرّحمة فغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، ثمّ أخذت على الكوثر حتّى دخلت الجنّة، فإذا فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، وإذا فيها رمّانٌ كأنّه جلود الإبل المقتّبة، وإذا فيها طيرٌ كأنّها البخت " فقال أبو بكرٍ: إنّ تلك الطّير لناعمةٌ، قال: " أكلها أنعم منها يا أبا بكرٍ، وإنّي لأرجو أن تأكل منها، ورأيت فيها جاريةً، فسألتها: لمن أنت؟ فقالت: لزيد بن حارثة " فبشّر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زيدًا، قال: " ثمّ إنّ اللّه أمرني بأمره، وفرض عليّ خمسين صلاةً، فمررت على موسى فقال: بم أمرك ربّك؟ قلت: فرض عليّ خمسين صلاةً، قال: ارجع إلى ربّك فأسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك لن يقوموا بهذا، فرجعت إلى ربّي فسألته فوضع عنّي عشرًا، ثمّ رجعت إلى موسى، فلم أزل أرجع إلى ربّي إذا مررت بموسى حتّى فرض عليّ خمس صلواتٍ، فقال موسى: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فقلت: قد رجعت إلى ربّي حتّى استحييت " أو قال: " قلت: ما أنا براجعٍ، فقيل لي: إنّ لك بهذا الخمس صلواتٍ خمسين صلاةً، الحسنة بعشر أمثالها، ومن همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً، ومن عملها كتبت له عشرًا، ومن همّ بسيّئةٍ فلم يعملها لم تكتب شيئًا، فإن عملها كتبت واحدةً "
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني روح بن القاسم، عن أبي هارون عمارة بن جوينٍ العبديّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: وثنيّ أبو جعفرٍ، عن أبي هارون، عن أبي سعيدٍ، قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " لمّا فرغت ممّا كان في بيت المقدس، أتي بالمعراج، ولم أر شيئًا قطّ أحسن منه، وهو الّذي يمدّ إليه ميّتكم عينيه إذا حضر، فأصعدني صاحبي فيه حتّى انتهى إلى بابٍ من الأبواب يقال له باب الحفظة، عليه ملكٌ يقال له إسماعيل، تحت يديه اثنا عشر ألف ملكٍ، تحت يدي كلّ ملكٍ منهم اثنا عشر ألف ملكٍ " فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين حدّث هذا الحديث: {وما يعلم جنود ربّك إلاّ هو} ثمّ ذكر نحو حديث معمرٍ، عن أبي هارون إلاّ أنّه قال في حديثه: قال: " ثمّ دخل بي الجنّة فرأيت فيها جاريةً لعساء، فسألتها لمن أنت؟ وقد أعجبتني حين رأيتها، فقالت: لزيد بن حارثة " فبشّر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زيد بن حارثة، ثمّ انتهى حديث ابن حميدٍ عن سلمة إلى ههنا
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن ابن المسيّب، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصف لأصحابه ليلة أسري به إبراهيم وموسى وعيسى فقال: " أمّا إبراهيم فلم أر رجلاً أشبه بصاحبكم منه. وأمّا موسى فرجلٌ آدم طوالٌ جعدٌ أقنى، كأنّه من رجال شنوءة. وأمّا عيسى فرجلٌ أحمر بين القصير والطّويل سبط الشّعر كثير خيلان الوجه، كأنّه خرج من ديماسٍ كأنّ رأسه يقطر ماءً، وما به ماءٌ، أشبه من رأيت به عروة بن مسعودٍ ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّدٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه، ولم يقل عن أبي هريرة
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، عن أنسٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجًا ملجمًا ليركبه، فاستصعب عليه، فقال له جبرئيل: ما يحملك على هذا، فواللّه ما ركبك أحدٌ قطّ أكرم على اللّه منه قال: فارفضّ عرقًا
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله} أسري بنبيّ اللّه عشاءً من مكّة إلى بيت المقدس، فصلّى نبيّ اللّه فيه فأراه اللّه من آياته وأمره بما شاء ليلة أسري به، ثمّ أصبح بمكّة. ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " حملت على دابّةٍ يقال لها البراق، فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه " فحدّث نبيّ اللّه بذلك أهل مكّة، فكذّب به المشركون وأنكروه وقالوا: يا محمّد تخبرنا أنّك أتيت بيت المقدس وأقبلت من ليلتك، ثمّ أصبحت عندنا بمكّة، فما كنت تجئنا، وتأتي به قبل هذا اليوم مع هذا فصدّقه أبو بكرٍ، فسمّي أبو بكرٍ الصّدّيق من أجل ذلك
- حدّثنا ابن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدّثنا سليمان الشّيبانيّ، عن عبد اللّه بن شدّادٍ، قال: لمّا كان ليلة أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتي بدابّةٍ يقال لها البراق، دون البغل وفوق الحمار، تضع حافرها عند منتهى طرفها، فلمّا أتى بيت المقدس أتي بإناءين: إناءٍ من لبنٍ، وإناءٍ من خمرٍ،قال: فشرب اللّبن. قال: فقال له جبرائيل: هديت وهديت أمّتك.
وقال آخرون ممّن قال: أسري بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المسجد الأقصى بنفسه وجسمه أسري به عليه السّلام، غير أنّه لم يدخل بيت المقدس، ولم يصلّ فيه، ولم ينزل عن البراق حتّى رجع إلى مكّة
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثني عاصم ابن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، عن حذيفة بن اليمان، أنّه قال في هذه الآية: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} قال: لم يصلّ فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولو صلّى فيه لكتب عليكم الصّلاة فيه، كما كتب عليكم الصّلاة عند الكعبة
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: سمعت أبا بكر بن عيّاشٍ، ورجلٌ يحدّث عنده بحديث حين أسري بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له: لا تجيء بمثل عاصمٍ ولا زرٍّ، قال: قال حذيفة لزرّ بن حبيشٍ، قال: وكان زرٌّ رجلاً شريفًا من أشراف العرب، قال: قرأ حذيفة ( سبحان الّذي أسرى بعبده من اللّيل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير ) وكذا قرأ عبد اللّه، قال: وهذا كما يقولون: إنّه دخل المسجد فصلّى فيه، ثمّ دخل فربط دابّته، قال: قلت: واللّه قد دخله، قال: من أنت فإنّي أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك، قال: قلت: زرّ بن حبيشٍ، قال: ما علمك بهذا؟ قال: قلت: من قبل القرآن، قال: من أخذ بالقرآن أفلح، قال: فقلت: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله} قال: فنظر إليّ فقال: يا أصلع، هل ترى دخله؟ قال: قلت: لا واللّه، قال حذيفة: أجل واللّه الّذي لا إله إلاّ هو ما دخله، ولو دخله لوجبت عليكم صلاةٌ فيه، لا واللّه ما نزل عن البراق حتّى رأى الجنّة والنّار، وما أعدّ اللّه في الآخرة أجمع، وقال: تدري ما البراق؟ قال: دابّةٌ دون البغل وفوق الحمار، خطوه مدّ البصر.
وقال آخرون: بل أسري بروحه، ولم يسر بجسده
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنّ معاوية بن أبي سفيان، كان إذا سئل عن مسرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: كانت رؤيا من اللّه صادقةً
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّدٍ، قال: حدّثني بعض آل أبي بكرٍ، أنّ عائشة، كانت تقول: ما فقد جسد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكنّ اللّه أسرى بروحه
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال ابن إسحاق: فلم ينكر ذلك من قولها لقول الحسن أنّ هذه الآية نزلت في ذلك {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنةً للنّاس} ولقول اللّه في الخبر عن إبراهيم، إذ قال لابنه: {يا بنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك فانظر ماذا ترى} ثمّ مضى على ذلك، فعرفت أنّ الوحي يأتي بالأنبياء من اللّه أيقاظًا ونيامًا، وكان رسول صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " تنام عيني وقلبي يقظان " فاللّه أعلم أيّ ذلك كان قد جاءه وعاين فيه من أمر اللّه ما عاين على أيّ حالاته كان نائمًا أو يقظانًا كلّ ذلك حقٌّ وصدقٌ.
والصّواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّ اللّه أسرى بعبده محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كما أخبر اللّه عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّ اللّه حمله على البراق حين أتاه به، وصلّى هنالك بمن صلّى من الأنبياء والرّسل، فأراه ما أراه من الآيات، ولا معنى لقول من قال: أسرى بروحه دون جسده، لأنّ ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون كان دليلاً على نبوّته، ولا حجّة له على رسالته، ولا كان الّذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشّرك، وكانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكرًا عندهم، ولا عند أحدٍ من ذوي الفطرة الصّحيحة من بني آدم أن يرى الرّائي منهم في المنام ما على مسيرة سنةٍ، فكيف ما هو على مسيرة شهرٍ أو أقلّ؟.
وبعد فإنّ اللّه إنّما أخبر في كتابه أنّه أسرى بعبده، ولم يخبرنا أنّه أسرى بروح عبده، وليس جائزًا لأحدٍ أن يتعدّى ما قال اللّه إلى غيره.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ ذلك جائزٌ، إذ كانت العرب تفعل ذلك في كلامها، كما قال قائلهم:
حسبت بغام راحلتي عناقًا = وما هي ويب غيرك بالعناق
يعني: حسبت بغام راحلتي صوت عناقٍ، فحذف الصّوت واكتفى منه بالعناق، فإنّ العرب تفعل ذلك فيما كان مفهومًا مراد المتكلّم منهم به من الكلام. فأمّا فيما لا دلالة عليه إلاّ بظهوره، ولا يوصل إلى معرفة مراد المتكلّم إلاّ ببيانه، فإنّها لا تحذف ذلك، ولا دلالة تدلّ على أنّ مراد اللّه من قوله: {أسرى بعبده} أسرى بروح عبده، بل الأدلّة الواضحة، والأخبار المتتابعة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ اللّه أسرى به على دابّةٍ يقال لها البراق، ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الرّوح محمولةً على البراق، إذ كانت الدّوابّ لا تحمل إلاّ الأجسام. إلاّ أن يقول قائلٌ: إنّ معنى قولنا: أسرى بروحه: رأى في المنام أنّه أسري بجسده على البراق، فيكذّب حينئذٍ بمعنى الأخبار الّتي رويت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّ جبرئيل حمله على البراق، لأنّ ذلك إذا كان منامًا على قول قائل هذا القول، ولم تكن الرّوح عنده ممّا تركب الدّوابّ، ولم يحمل على البراق جسم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، لم يكن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على قوله حمل على البراق لا جسمه، ولا شيءٌ منه، وصار الأمر عنده كبعض أحلام النّائمين، وذلك دفعٌ لظاهر التّنزيل، وما تتابعت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وجاءت به الآثار عن الأئمّة من الصّحابة والتّابعين
وقوله: {الّذي باركنا حوله} يقول تعالى ذكره: الّذي جعلنا حوله البركة لسكّانه في معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم
وقوله: {لنريه من آياتنا} يقول تعالى ذكره: كي نري عبدنا محمّدًا من آياتنا، يقول: من عبرنا وأدلّتنا وحججنا، وذلك هو ما قد ذكرت في الأخبار الّتي رويتها آنفًا، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أريه في طريقه إلى بيت المقدس، وبعد مصيره إليه من عجائب العبر والمواعظ. كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لنريه من آياتنا} ما أراه اللّه من الآيات والعبر في طريق بيت المقدس
وقوله: {إنّه هو السّميع البصير} يقول تعالى ذكره: إنّ الّذي أسرى بعبده هو السّميع لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكّة في مسرى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من مكّة إلى بيت المقدس، ولغير ذلك من قولهم وقول غيرهم، البصير بما يعملون من الأعمال، لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك، ولا يعزب عنه علم شيءٍ منه، بل هو محيطٌ بجميعه علمًا، ومحصيه عددًا، وهو لهم بالمرصاد، ليجزي جميعهم بما هم أهله.
وكان بعض البصريّين يقول: كسرت " إنّ " من قوله: {إنّه هو السّميع البصير} لأنّ معنى الكلام: قل يا محمّد: سبحان الّذي أسرى بعبده، وقل: إنّه هو السّميع البصير). [جامع البيان: 14/411-448]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا الحاكم الفاضل أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الحافظ إملاءً في شهر ربيعٍ الأوّل سنة أربع مائةٍ قال: أخبرنا جعفر بن محمّد بن نصيرٍ الخوّاص، ثنا عليّ بن عبد العزيز البغويّ، ثنا عمرو بن عونٍ، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: كنت في مجلسٍ فيه حذيفة بن اليمان فقلت: إنّ " رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حيث أسري به دخل المسجد الأقصى قال: فقال حذيفة: وكيف علمت ذلك يا أصلع، فإنّي أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك فما اسمك؟ فقلت له: أنا زرّ بن حبيشٍ الأسديّ قال: ثمّ قال: كيف علمت أنّه دخل المسجد؟ قال: فقلت: بالقرآن. فقال حذيفة: فمن أخذ بالقرآن فلح. قال: فقرأت: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله} [الإسراء: 1] فقال حذيفة: هل تراه أنّه دخله؟ فقلت: أجل. فقال: واللّه ما دخله ولو دخله لكتب عليكم الصّلاة فيه. قال: ثمّ قال: ولم يفارق ظهر البراق حتّى رأى الجنّة والنّار، ووعده الآخرة أجمع. قال: قلت: يا أبا عبد اللّه فما البراق قال: دابّةٌ فوق الحمار ودون البغلة خطوته مدّ بصره «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/391]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن إبراهيم الدّورقيّ، ثنا أبو تميلة، عن الزّبير بن جنادة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا انتهينا إلى بيت المقدس، قال جبريل بأصبعه فخرق بها الحجر وشدّ به البراق» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه «وأبو تميلة والزّبير مروزيّان ثقتان»). [المستدرك: 2/392]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الزّاهد، أنبأ أحمد بن مهران، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان، عن سليمان التّيميّ، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان، قال: «كان نوحٌ إذا طعم طعامًا أو لبس ثوبًا حمد اللّه، فسمّي عبدًا شكورًا» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/392]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال أبو داود الطّيالسيّ: ثنا حمّاد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، عن حذيفة- رضي اللّه عنه- "أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أتي بالبراق وهو دابّةٌ أبيض فوق الحمار ودون البغل، فلم يزايلا ظهره هو وجبريل حتّى انتهيا به إلى بيت المقدس وصعد به جبريل - عليه السّلام- إلى السّماء، فاسفتح جبريل فأراه الجنّة والنّار. ثمّ قال لي: هل صلّى في بيت المقدس؟ قلت: نعم. قال: ما اسمك يا أصلع؟ إنّي لأعرف وجهك وما أدري ما اسمك. قال: أنا زرّ بن حبيشٍ. قال: فأين تجده صلّاها؟ فتلوت الآية (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً ... ) إلى آخر الآية، قال: فإنّه لو صلّى لصلّيتم كما تصلّون في المسجد الحرام. قال: قلت لحذيفة: أربط الدّابة بالحلقة الّتي كانت تربط بها الأنبياء؟ قال: كان يخاف أن يذهب منه وقد، أتاه اللّه بها؟! ".
هذا إسنادٌ رواته ثقاتٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/228]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 1 - 8
أخرج ابن جرير عن حذيفة أنه قرأ سبحان الذي أسرى بعبده من الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى). [الدر المنثور: 9/139]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} قال: {سبحان} تنزيه الله تعالى {الذي أسرى} بمحمد صلى الله عليه وسلم {من المسجد الحرام} إلى بيت المقدس ثم رده إلى المسجد الحرام، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الأعشى وهو يقول:
قلت له لما علا فخره * سبحان من علقمة الفاخر). [الدر المنثور: 9/139]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن مردويه من طريق ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد فصليت ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل: اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى سماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل: من أنت قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد قيل: وقد بعث إليه قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل: من أنت قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد قيل: وقد بعث إليه قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا فرحبا بي ودعوا إلي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد قيل: وقد بعث إليه قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد قيل: وقد بعث إليه قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد قيل: وقد بعث إليه قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد قيل: وقد بعث إليه قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بموسى فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح فقيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد قيل: وقد بعث إليه قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها فيها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها فأوحى إلي ما أوحى وفرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال: ما فرض ربك على أمتك قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم، فرجعت إلى ربي فقلت: يا رب خفف عن أمتي، فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت: حط عني خمسا فقال: إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربي وموسى حتى قال: يا محمد إنهن خمس صلوات لكل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحيت منه). [الدر المنثور: 9/139-142]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم، وابن جرير، وابن مردويه من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس قال: ليلة برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم: أيهم هو فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال أحدهم: خذوا، فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عيناه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فلم يكلموه حتى احتملوه فوصعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه ثم أتى بطست من ذهب محشوا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب بابا من أبوابها فقيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد قيل: وقد بعث إليه قال: نعم، قالوا: مرحبا به وأهلا، ووجد في السماء الدنيا آدم فقال له جبريل: هذا أبوك آدم فسلمه عليه فسلم عليه ورد عليه آدم وقال: مرحبا وأهلا بابني، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال: ما هذان النهرين يا جبريل قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر، قال: ما هذا يا جبريل قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك، ثم عرج به إلى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد قيل: وقد بعث إليه قال: نعم، قالوا: مرحبا به وأهلا.
ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى السماء الرابعة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى الخامسة فقالوا مثل ذلك ثم عرج به إلى السادسة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السابعة فقالوا له مثل ذلك كل سماء فيها أنبياء قد سماهم منهم إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة ولم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله فقال موسى: رب لم أظن أن ترفع علي أحدا ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله فيما يوحي إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال: يا محمد ماذا عهد إليك ربك قال: عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك ارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النّبيّ صلى الله عليه وسلم كأنه يستشيره فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى فقال وهو مكانه: يا رب خفف عنا، فإن أمتي لا تستطيع ذلك، فوضع عنه عشرات صلوات، ثم رجع إلى موسى واحتبسه قلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فضعفوا وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارنا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك، يلتفت النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل فرفعه عند الخامسة فقال: يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا، فقال الجبار: يا محمد قال: لبيك وسعديك، قال: إنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب وكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت فقال: خفف عنا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، فقال موسى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه ارجع إلى ربك فليخفف عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا موسى قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه، قال: فاهبط بسم الله، واستيقظ وهو في المسجد الحرام). [الدر المنثور: 9/142-145]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج النسائي، وابن مردويه من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت ليلة أسرى بي بدابة فوق الحمار ودون البغل خطوها عند منتهى طرفها، كانت تسخر للأنبياء قبلي فركبته معي جبريل فسرت فقال: انزل فصل، ففعلت، فقال: أتدري أين صليت صليت بطيبة وإليها المهاجر إن شاء الله، ثم قال: انزل فصل، ففعلت فقال: أتدري أين صليت صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى ثم قال: انزل فصل، فصليت فقال أتدري أين صليت صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى، ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمني جبريل فصليت بهم، ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فإذا فيها آدم فقال لي: سلم عليه فقال: مرحبا بابني والنبي الصالح، ثم صعد بي إلى السماء الثانية فإذا فيها ابنا الخالة عيسى ويحيى ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فإذا فيها يوسف، ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فإذا فيها هارون، ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فإذا فيها إدريس، ثم صعد بي إلى السماء السادسة فإذا فيها موسى ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا فيها إبراهيم ثم صعد بي إلى فوق السبع سموات وأتيت سدرة المنتهى فغشيتني ضبابة، فخررت ساجدا فقيل لي: إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة فقم بها أنت وأمتك فمررت على إبراهيم فلم يسألني شيئا ثم مررت على موسى فقال لي: كم فرض عليك وعلى أمتك قلت: خمسين صلاة، قال: إنك لن تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك فاسأل ربك التخفيف، فرجعت فأتيت سدرة المنتهى فخررت ساجدا، فقلت: يا رب فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة فلن أستطيع أن أقوم بها أنا ولا أمتي، فخفف عني عشرا، فمررت على موسى فسألني فقلت: خفف عني عشرا، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فخفف عني عشرا ثم عشرا حتى قال: هن خمس بخمسين فقم بها أنت وأمتك، فعلمت أنها من الله صرى، فمررت على موسى فقال لي: كم فرض عليك فقلت: خمس صلوات فقال: فرض على بني إسرائيل صلاتان فما قاموا بهما فقلت: إنها من الله فلم أرجع). [الدر المنثور: 9/146-147]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن يزيد بن أبي مالك عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل، حمله جبريل عليها ينتهي خفها حيث ينتهي طرفها.
فلما بلغ بيت المقدس أتى إلى الحجر الذي ثمة فغمزه جبريل عليه السلام بأصبعه فثقبه ثم ربطها ثم صعد، فلما استويا في صرحة المسجد قال جبريل: يا محمد هل سألت ربك أن يريك الحور العين قال: نعم، قال: فانطلق إلى أولئك النسوة فسلم عليهن وهن جلوس عن يسار الصخرة، فأتيتهن فسلمت عليهن فرددن علي السلام فقلت: من أنتن فقلن: خيرات حسان، نساء قوم أبرار نقوا فلم يدرنوا وأقاموا فلم يظعنوا وخلدوا فلم يموتوا، ثم انصرفت فلم ألبث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة فقمنا صفوفنا فانتظرنا من يؤمنا فأخذ جبريل بيدي فقدمني، فصليت بهم فلما انصرفت قال جبريل: يا محمد أتدري من صلى خلفك قلت: لا، قال: صلى خلفك كل نبي بعثه الله، ثم أخذ بيدي فصعد بي إلى السماء فلما انتهينا إلى الباب استفتح قالوا: من أنت قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد، قالوا: وقد بعث إليه قال: نعم، ففتحوا له وقالوا: مرحبا بك وبمن معك، فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم، فقال لي جبريل: ألا تسلم على أبيك آدم قلت: بلى، فأتيته فسلمت عليه فرد علي وقال لي: مرحبا بابني والنبي الصالح، ثم عرج بي إلى السماء الثانية فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فإذا فيها عيسى ويحيى، ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فإذا فيها يوسف، ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح قالوا له مثل ذلك فإذا فيها إدريس، ثم عرج بي إلى السماء الخامسة فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فإذا فيها هارون، ثم عرج بي إلى السماء السادسة فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فإذا فيها موسى، ثم عرج بي إلى السماء السابعة فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فإذا فيها إبراهيم، ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام الياقوت واللؤلؤ والزبرجد وعليه طير خضر أنعم طير رأيت، فقلت: يا جبريل إن هذا الطير لناعم، قال: يا محمد آكله أنعم منه، ثم قال: أتدري أي نهر هذا قلت: لا، قال: الكوثر الذي أعطاك الله إياه فإذا فيه آنية الذهب والفضة تجري على رضراض من الياقوت والزمرد ماؤه أشد بياضا من اللبن فأخذت من آنية فاغترفت من ذلك الماء فشربت فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك، ثم انطلق بي حتى انتهى إلى الشجرة فغشيتني سحابة فيها من كل لون فرفضني جبريل وخررت ساجدا لله.
فقال الله لي: يا محمد إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة فقم بها أنت وأمتك، ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل فانصرفت سريعا فأتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئا ثم أتيت على موسى فقال: ما صنعت يا محمد قلت: فرض علي وعلى أمتي خمسين صلاة، قال: فلن تستطيعها أنت ولا أمتك، فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك، فرجعت سريعا حتى انتهيت إلى الشجرة فغشيتني السحابة وخررت ساجدا وقلت: ربي خفف عنا، قال: قد وضعت عنكم عشرا، ثم انجلت عني السحابة فرجعت إلى موسى فقلت: وضع عني عشرا، قال: ارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم، فوضع عشرا إلى أن قال: هن خمس بخمسين ثم انحدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما لي لم آت على أهل سماء إلا رحبوا بي وضحكوا إلي غير رجل واحد سلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي ولم يضحك إلي قال: ذاك مالك خازن النار لم يضحك منذ خلق ولو ضحك لأحد لضحك إليك، قال: ثم ركبت منصرفا فبينما هو في بعض طريقه مر بعير من قريش تحمل طعاما منها جمل عليه غرارتان غرارة سوداء وغرارة بيضاء فلما حاذى العير نفرت منه واستدارت وصرع ذلك البعير وانكسر ثم إنه مضى فأصبح فأخبر عما كان فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر رضي الله عنه فقالوا: يا أبا بكر هل لك في صاحبك يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ثم رجع من ليلته، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن كان قاله فقد صدق وإنا لنصدقنه فيما هو أبعد من هذا نصدقه على خبر السماء، فقال المشركون لرسول الله ما علامة ما تقول قال: مررت بعير لقريش وهي في مكان كذا وكذا فنفرت العير منا واستدارت، وفيها بعير عليه غرارتان: غرارة بيضاء وغرارة سوداء، فصرع فانكسر فلما قدمت العير سألوهم فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك سمي أبو بكر (الصديق) وسألوه: هل كان فيمن حضر معك موسى وعيسى قال: نعم، قالوا: فصفهما، قال: أما موسى فرجل آدم كأنه من رجال أزدعمان.
وأمّا عيسى فرجل ربعة سبط تعلوه حمرة كأنه يتحادر من لحيته الجمان). [الدر المنثور: 9/147-151]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس رضي الله عنه قال: لما جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق فكأنها هزت أذنيها فقال جبريل: يا براق فوالله ما ركبك مثله، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو بعجوز على جانب الطريق فقال: ما هذه يا جبريل قال: سر يا محمد، فسار ما شاء الله أن يسير فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول: هلم يا محمد فقال له جبريل: سر يا محمد، فسار ما شاء الله أن يسير فلقيه خلق من خلق الله فقالوا: السلام عليك يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل عليه السلام: اردد السلام، فرد السلام ثم لقيه الثانية فقال له مثل ذلك ثم الثالثة كذلك حتى انتهى إلى بيت المقدس فعرض عليه الماء والخمر واللبن فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: أصبت الفطرة ولو شربت الماء لغرقت أمتك ولو شربت الخمر لغوت أمتك ثم بعث له آدم عليه السلام فمن دونه من الأنبياء فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ثم قال جبريل: أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز وأما الذي أراد أن تميل إليه فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه.
وأمّا الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى). [الدر المنثور: 9/151-152]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق كثير بن خنيس عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما أنا مضطجع في المسجد ليلة نائما إذ رأيت ثلاثة نفر أقبلوا نحوي فقال الأول: هو، هو، قال الأوسط: نعم، قال الآخر: خذوا سيد القوم فرجعوا عني ثم رأيتهم الليلة الثانية فقال الأول: هو، هو، قال الأوسط: نعم، قال الآخر: خذوا سيد القوم فرجعوا عني حتى إذا كانت الليلة الثالثة رأيتهم فقال الأول هو هو، وقال الأوسط: نعم، وقال الآخر: خذوا سيد القوم حتى جاؤوا بي زمزم فاستلقوني على ظهري ثم غسلوا حشوة بطني ثم قال بعضهم لبعض: أنقوا، ثم أتى بطست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا فأفرغ في جوفي، ثم عرج بي إلى السماء فاستفتح فقالوا: من هذا قال: جبريل، قالوا: ومن معك قال: محمد، قالوا: وقد أرسل إليه قال: نعم، ففتح، فإذا آدم إذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى، قلت: ياجبريل من هذا، قال: هذا أبوك آدم إذا نظر على يمينه رأى من في الجنة من ذريته ضحك وإذا نظر عن يساره رأى من في النار من ذريته بكى، ثم قال أنس بن مالك: يا ابن أخي إنه يطول علي الحديث، ثم عرج بي حتى جاء السماء السادسة فاستفتح، فقال: من هذا قال: جبريل، قال: ومن معك قال: محمد، قال: وقد أرسل إليه قال: نعم، ففتح فإذا موسى، ثم عرج بي إلى السماء السابعة فاستفتح، قيل من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد، قال: وقد أرسل إليه قال: نعم، ففتح فإذا إبراهيم قال مرحبا بالابن والرسول، ثم مضى حتى جاء الجنة فاستفتح فقيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد، قال: وقد أرسل إليه قال: نعم، ففتح الباب، قال: فدخلت الجنة فأعطيت الكوثر فإذا نهر في الجنة عضادتاه بيوت مجوفة من لؤلؤ ثم مضى حتى جاء سدرة المنتهى (فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى) (النجم آية 9)، ففرض علي وعلى أمتي خمسين صلاة فرجعت حتى أمر موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك قلت: خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت إليه فوضع عني عشرا فمررت على موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك قلت: أربعين صلاة، قال: فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت إليه فوضع عني عشرا فمررت على موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك قلت: ثلاثين صلاة، قال: فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت إليه فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك قلت: عشرين صلاة، قال: فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت فوضع عني عشرا ثم مررت على موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك قلت: عشر صلوات، قال: فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت فوضع عني خمسا، ثم قال: إنه لا يبدل قولي ولا ينسخ كتابي تخفيفها عنكم كتخفيف خمس صلوات وإنها لكم كأجر خمسين صلاة، فمررت على موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك قلت: خمس صلوات، قال: فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك، فإن بني إسرائيل قد أمروا بأيسر من هذا فلم يطيقوه، قال: لقد رجعت إلى ربي حتى إني لأستحي منه). [الدر المنثور: 9/153-155]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وصححه عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله كيف أسري بك فقال: صليت بأصحابي العتمة بمكة معتما فأتاني جبريل بدابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل وقال: اركب فاستصعبت علي فأدارها بأذنها ثم حملني عليها فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها حتى بلغنا أرضا ذات نخل فقال: انزل، فنزلت فقال: صل، فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت قلت: الله أعلم، قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم بلغنا أرضا فقال: انزل، فنزلت، فقال: صل فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت قلت: الله أعلم، قال: صليت بمدين صليت عند شجرة موسى ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصورها فقال: انزل فنزلت ثم قال: صل فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت فقلت: الله أعلم، فقال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني فأتى قبلة المسجد فربط فيه الدابة ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر فصليت من المسجد حيث شاء الله وأخذني من العطش أشد ما أخذني فأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر عسل أرسل إلي بهما جمعيا فعدلت بينهما فهداني الله فأخذت اللبن فشربت حتى فرغت منه وكان إلى جانبي شيخ يبكي متكئ على منبره فقال: أخذ صاحبك الفطرة وإنه لمهدي، ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي في المدينة فإذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابي فقلنا: يا رسول الله كيف وجدتها قال: مثل الحمة السخنة، ثم انصرف بي فمررنا بعير قريش بمكان كذا وكذا وقد أضلوا بعير لهم قد جمعه فلان فسلمت عليهم فقال بعضهم: هذا صوت محمد ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة فأتاني أبو بكر فقال: يا رسول الله أين كنت الليلة قد التمستك في مكانك، فقلت: أعلمت أني أتيت بيت المقدس الليلة فقال: يا رسول الله إنه مسيرة شهر فصفه لي، قال: ففتح لي صراط كأني أنظر إليه لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم عنه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أشهد أنك رسول الله، وقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة زعم أنه أتى بيت المقدس الليلة فقال: إن من آية ما أقول لكم: أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا وقد أضلوا بعير لهم فجمعه فلان وإن مسيرهم ينزلون بكذا وكذا ويأتونكم يوم كذا وكذا ويقدمهم جمل آدم عليه شيخ أسود وغراراتن سوداوان فلما كان ذلك اليوم أشرف القوم ينظرون حتى كان قريبا من نصف النهار قدمت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 9/155-157]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير، وابن مردويه من طريق قتادة رضي الله عنه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن مالك بن صعصعة حدثه أن رسول الله حدثهم عن ليلة أسري به قال: بينما أنا في الحطيم - وربما قال قتادة رضي الله عنه - في الحجر مضطجعا إذ أتاني آت فجعل يقول لصاحبه: الأوسط بين الثلاثة فأتاني فشق ما بين هذه إلى هذه - يعني من ثغر نحره إلى شعرته - فاستخرج قلبي فأوتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا وحكمة فغسل قلبي بماء زمزم ثم حشى ثم أعيد مكانه، ثم أوتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يقع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى بي السماء فاستفتح فقيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء ففتح لنا فلما خلصت فإذا فيها آدم فقلت: يا جبريل من هذا قال: هذا أبوك آدم عليه السلام فسلم عليه، فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى إلى السماء الثانية فاستفتحفقيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة فقلت: يا جبريل من هذان قال: هذان يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت عليهما فردا السلام ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى إلى السماء الثالثة فاستفتح فقيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا فلما خلصت إذا يوسف عليه السلام فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى إلى السماء الرابعة فاستفتح قيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا فلما خلصت إذا إدريس عليه السلام فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى إلى السماء الخامسة فاستفتح فقيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فلما خلصت إذا هارون فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى إلى السماء السادسة فاستفتح فقيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا فلما خلصت إذا أنا بموسى فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي، ثم صعد حتى أتى إلى السماء السابعة فاستفتح فقيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا فلما خلصت إذا إبراهيم قلت: من هذا يا جبريل قال: هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة وإذا أربعة أنهار يخرجن من أصلها: نهران باطنان: ونهران ظاهران فقلت: يا جبريل ما هذه الأنهار، فقال: أما الباطنان فنهران في الجنة.
وأمّا الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع إلي البيت المعمور قلت: يا جبريل ما هذا قال: هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم، ثم أتيت بإناءين أحدهما خمر والآخر لبن فعرضا علي فقيل: خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فقيل لي: أصبت الفطرة أنت عليها وأمتك، ثم فرضت علي الصلاة خمسون صلاة كل يوم فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال: ما فرض ربك على أمتك قلت: خمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت إلى ربي فحط عني خمسا فأقبلت حتى أتيت على موسى فأنبأته بما حط فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا يطيقون ذلك، قال: فما زلت بين موى وبين ربي يحط عني خمسا خمسا حتى أقبلت بخمس صلوات فأتيت على موسى فقال: بم أمرت قلت: بخمس صلوات كل يوم.
قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، إني بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فقلت: لقد رجعت إلى ربي حتى لقد استحيت ولكني أرضى وأسلم فنوديت أن يا محمد إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي الحسنة بعشرة أمثالها). [الدر المنثور: 9/157-161]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه، وابن مردويه من طريق يونس عن ابن شهاب عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث أن رسول الله قال: فرج سقف بيني وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج عن صدري ثم غسله بما زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل عليه السلام لخازن السماء: افتح، قال: من هذا قال: جبريل، قال: هل معك أحد قال: نعم معي محمد، قال: أرسل إليه قال: نعم، ففتح فلما علونا السماء الدنيا إذا رجل قاعد عن يمينه أسودة وعلى يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه تبسم وإذا نظر قبل شماله بكى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبريل: من هذا قال: هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى ثم عرج بي إلى السماء الثانية فقال لخازنها افتح، فقال له خازنها مثل ما قال الأول ففتح، قال أنس رضي الله عنه: فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وابراهيم ولم يثبت كيف منازلهم، قال ابن شهاب: وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام، قال ابن حزم وأنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففرض الله على أمتي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال: ما فرض الله على أمتك قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فرجعت فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت ربي فقال: هي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال: ارجع إلى ربك، قلت: قد استحيت من ربي، ثم انطلق بي حتى انتهى إلى سدرة المنتهى فغشيتها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها مسك.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله بالمدينة عن ليلة أسري به من مكة إلى المسجد الأقصى قال: بينا أنا نائم عشاء بالمسجد الحرام إذ أتاني آت فأيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا وإذا أنا بكهيئة خيال فأتبعه بصري حتى خرجت من المسجد فإذا أنا بدابة أدنى شبهة بدوابكم هذه بغالكم غير أن مضطرب الأذنين يقال له البراق وكانت الأنبياء تركبه قبلي، يقع حافره عند مد بصره فركبته فبينا أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يميني: يا محمد انظرني أسألك، فلم أجبه ثم دعاني داع عن شمالي يا محمد انظرني أسألك فلم أجبه فبينا أنا سائر إذا بامرأة حاسرة عن ذراعيها وعليها من كل زينة خلقها الله فقالت: يا محمد أنظرني أسألك، فلما ألتفت إليها حتى أتيت بيت المقدس فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء عليهم السلام توثقها بها ثم أتاني جبريل عليه السلام بإناءين أحدهما خمر والآخر لبن فشربت اللبن وتركت الخمر فقال جبريل: أصبت الفطرة أما أنك لو أخذت الخمر غوت أمتك، فقلت: الله أكبر، الله أكبر، فقال جبريل: ما رأيت في وجهك هذا قلت: بينا أنا اسير إذ دعاني داع عن يميني: يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبه، قال: ذاك داعي اليهود أما لو أنك لو أجبته لتهودت أمتك، قلت: وبينا أنا أسير إذ دعاني داع عن يساري: يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبه، قال: ذاك داعي النصارى أما أنك لو أجبته لتنصرت أمتك فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة تقول: يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبها، قال: تلك الدنيا أما أنك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة، ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم فلم تر الخلائق أحسن من المعراج، أما رأيت الميت حين رمى بصره طامحا إلى السماء عجبه المعراج، فصعدت أنا وجبريل فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل وهو صاحب سماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك مع كل ملك جنده مائة ألف، فاستفتح جبريل باب السماء قيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمد، قيل: قد بعث إليه قال: نعم فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله على صورته لم يتغير منه شيء وإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول: روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الكفار الفجار فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين، فقلت: يا جبريل من هذا قال: هذا أبوك آدم فسلم علي ورحب بي فقال: مرحبا بالابن الصالح، ثم مصيت هنيهة فإذا أنا بأخونة عليها لحم قد أروح وأنتن عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل من هؤلاء قال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام، وفي لفظ: فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم وإذا حوله جيف فجعلوا يقبلون على الجيف يأكلون منها ويدعون اللحم فقلت: من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء الزناة، عمدوا إلى ما حرم الله عليهم وتركوا ما أحل الله لهم ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بقوم بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر يقول: الله لا تقم الساعة وهم على سابلة آل فرعون فتجيء السابلة فتطؤهم فسمعتهم يضجون إلى الله قلت: من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء من أمتك الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل قد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار ثم يخرج من أسافلهم فسمعتهم يضجون إلى الله، قلت: يا جبريل من هؤلاء قال: هؤلاء من أمتك (الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن ونساء منكسات بأرجلهن فسمعتهن يضججن إلى الله قلت يا جبريل من هؤلاء النساء قال: هؤلاء اللاتي يزنين ويقتلن أولادهن ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم ثم يدس في أفواههم ويقول: كلوا مما أكلتم فإذا أكره ما خلق الله لهم ذلك، قلت: يا جبريل من هؤلاء قال: هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون الذين يأكلون لحوم الناس، ثم صعدنا إلى السماء الثانية فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب قلت: يا جبريل من هذا قال: هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي، ثم صعدنا إلى السماء الثالثة فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى ومعهما نفر من قومهما شبيه أحدهما بصاحبه ثيابهما وشعرهما فسلمت عليهما وسلما علي ورحبا بي، ثم صعدنا إلى السماء الرابعة فإذا أنا بإدريس قد رفعه الله مكانا عليا فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي، ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء تكاد لحيته تصيب سرته من طولها قلت: يا جبريل من هذا قال: هذا المحبب في قومه، هذا هرون بن عمران ومعه نفر كثير من قومه فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي، ثم صعدنا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى رجل آدم كثير الشعر لو كان عليه قميصان خرج شعره منهما وإذا هو يقول: يزعم الناس أني أكرم الخلق على الله وهذا أكرم على الله مني ولو كان وحده لم أبال ولكن كل نبي ومن تبعه من أمته، قلت: يا جبريل من هذا قال: هذا أخوك موسى بن عمران ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي، ثم صعدنا إلى السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم وإذا هو جالس مسند ظهره إلى البيت المعمور ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي وقال: مرحبا بالابن الصالح فقيل لي: هذا مكانك ومكان أمتك ثم تلا (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النّبيّ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) (آل عمران آية 68) وإذا بأمتي شطرين: شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس وشطر عليهم ثياب رمد، ثم دخلت البيت المعمور ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض وحجب الآخرون الذين عليهم ثياب رمد وهم على خير، فصليت أنا ومن معي في البيت المعمور ثم خرجت أنا ومن معي قال: والبيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة، ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا كل ورقة منها تكاد تغطي هذه الأمة وغذا في أصلها عين تجري يقال لها سلسبيل فيشق منها نهران فقلت: ما هذا يا جبريل فقال: أما هذه فهو نهر الرحمة وأما هذا فهو نهر الكوثر الذي أعطاكه الله، فاغتسلت في نهر الرحمة فغفر لي من ذنبي ما تقدم وما تأخر ثم أخذت على الكوثر حتى دخلت الجنة فإذا فيها ما لا عين رأت وما لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وإذا أنا بأنهار من ماء غير آسن وأنها من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى، وإذا فيها رمان كأنه جلود الإبل المقتبة وإذا فيها طير كأنها البخت، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله إن تلك الطير لناعمة قال: آكلها أنعم منها يا أبا بكر وإني لأرجو أن تأكل منها، قال: ورأيت فيها جارية لعساء فسألتها لمن أنت فقالت: لزيد بن حارثة، فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، ثم عرضت علي النار فإذا فيها غضب الله وزجره ونقمته ولو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها ثم غلقت دوني، ثم إني رفعت إلى سدرة المنتهى فتغشاها فكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة ثم إن الله أمرني بأمره وفرض علي خمسين صلاة وقال: لك بكل حسنة عشر وإذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة فإذا عملتها كتبت لك عشرا وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيء فإن عملتها كتبت عليك سيئة، ثم دفعت إلى موسى فقال: بم أمرك ربك قلت: بخمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فرجعت إلى ربي فقلت: يا رب خفف عن أمتي فإنها أضعف الأمم، فوضع عني عشرا، فما زلت أختلف بين موسى وبين ربي حتى جعلها خمسا فناداني ملك: عندها تمت فريضتي وخففت عن عبادي فأعطيتهم بكل حسنة عشر أمثالها، ثم رجعت إلى موسى فقال: بم أمرت قلت: بخمس صلوات: قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييته، ثم أصبح بمكة يخبرهم العجائب: إني رأيت البارحة بيت المقدس وعرج بي إلى السماء ثم رأيت كذا وكذا فقال أبو جهل: ألا تعجبون مما يقول محمد قال: فأخبرته بعير لقريش لما كانت في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا وإنها نفرت فلما رجعت رأيتها عند العقبة وأخبرتهم بكل رجل وبعيره كذا ومتاعه كذا، فقال رجل: أنا أعلم الناس ببيت المقدس، فكيف بناؤه وكيف هيئته وكيف قربه من الجبل فرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس فنظر إليه فقال: بناؤه كذا وهيئته كذا وقربه من الجبل كذا، فقال: صدقت). [الدر المنثور: 9/162-171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار وأبو يعلى، وابن جرير ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، وابن أبي حاتم، وابن عدي، وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} قال: جاء جبريل عليه السلام إلى النّبيّ ومعه ميكائيل فقال جبريل لميكائيل عليهما السلام: ائتني بطست من ماء زمزم كيما أطهر قلبه وأشرح صدره، فشق عن بطنه فغسله ثلاث مرات واختلف إليه ميكائيل عليه السلام بثلاث طساس من ماء زمزم فشرح صدره ونزع ما كان فيه من غل وملأه حلما وعلما وإيمانا ويقينا وإسلاما وختم بين كتفيه بخاتم النبوة ثم أتاه بفرس فحمل عليه، كل خطوة منه منتهى بصره، فسار وسار معه جبريل فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يا جبريل ما هذا،، قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله يضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه، ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء فقال: ما هؤلاء يا جبريل فقال: هؤلاء الذين تثتاقل رؤوسهم عن الصلاة، ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والغنم ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها قال: ما هؤلاء يا جبريل، قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله شيئا، ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر ولحم آخر نيء خبيث فجعلوا يأكلون من النيء الخبيث ويتركون النضيج الطيب، قلت: ما هؤلاء يا جبريل قال: هذا الرجل من أمتك، تكون عنده المرأة الحلال فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا فتأتي رجلا خبيثا تبيت معه حتى تصبح، ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شي إلا خرقته قال: ما هذا يا جبريل، قال: هذا مثل أوقام من أمتك، يقعدون على الطريق فيقطعونه، ثم أتى على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها فقال: ما هذا يا جبريل قال: هذا الرجل من أمتك يكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها، ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم بمقاريض من نار، كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء قال: ما هؤلاء يا جبريل، قال: هؤلاء خطباء الفتنة، ثم أتى على حجر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، قال: ما هذا يا جبريل قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها.
ثم أتى على واد فوجد ريحا طيبة باردة وريح مسك وسمع صوتا فقال: يا جبريل ما هذا قال: هذا صوت الجنة، تقول: يا رب ائتني بما وعدتني فقد كثرت غرفي واستبرقي وحريري وسندسي وعبقري ولؤلؤي ومرجاني وفضتي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي ومراكبي وعسلي ومائي ولبني وخمري فائتني ما وعدتني فقال: لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة، قالت: رضيت، ثم أتى على واد فسمع شكوى ووجد ريحا منتنة فقال: ما هذا يا جبريل قال: هذا صوت جهنم تقول: رب ائتني بما وعدتني فلقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وضريعي وغساقي وعذابي وقد بعد قعري واشتد حري فائتني ما وعدتني قال: لك كل مشرك ومشركة وكافر وكافرة وكل خبيث وخبيثة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: قد رضيت، ثم سار حتى أتى بيت المقدس فنزل فربط فرسه إلى صخرة ثم دخل فصلى مع الملائكة عليهم السلام، فلما قضيت الصلاة قالوا: يا جبريل من هذا معك قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: وقد بعث إليه قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء، ثم لقي أرواح الأنبياء عليهم السلام فأثنوا على ربهم فقال إبراهيم عليه السلام: الحمد لله الذي اتخذني خليلا وأعطاني ملكا عظيما وجعلني أمة قانتا يؤتم بي وأنقذني من النار وجعلها علي بردا وسلاما، ثم إن موسى عليه السلام أثنى على ربه عز وجل فقال: الحمد لله الذي كلمني تكليما وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي وجعل من أمتي (قوما يهدون بالحق وبه يعدلون) (الأعراف الآية 159، ونص الآية (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)، ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي جعل لي ملك عظيما وعلمني الزبور وألان لي الحديد وسخر لي الجبال يسبحن والطير وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب، ثم إن سليمان عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي سخر لي الرياح وسخر لي الشياطين يعملون ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وعلمني منطق الطير وآتاني من كل شيء فضلا وسخر لي جنود الشياطين والإنس والطير وفضلني على كثير من عباده المؤمنين وآتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي وجعل ملكي ملكا طيبا ليس فيه حساب ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب ثم قال له: كن فيكون وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وجعلني أخلق من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله ورفعني وطهرني وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم فلم يكن للشيطان علينا سبيل، ثم إن محمد صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه عز وجل فقال: كلكم أثنى على ربه وإني مثن على ربي فقال: الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا ونذيرا وأنزل علي الفرقان فيه تبيان لكل شيء وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس وجعل أمتي أمة وسطا وجعل أمتي هم الأولون والآخرون وشرح لي صدري ووضع عني وزري ورفع لي ذكري وجعلني فاتحا وخاتما، فقال إبراهيم عليه السلام: بهذا فضلكم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم: أتي بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها فأتي بإناء منها فيه ماء فقيل: اشرب فشرب منه يسيرا ثم رفع إليه إناء آخر فيه لبن فقيل: اشرب فشرب منه حتى روي ثم رفع إليه إناء آخر فيه خمر فقيل له: اشرب فقال: لا أريده قد رويت، فقال له جبريل: - عليه السلام - أما أنها ستحرم على أمتك ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليل، ثم صعدوا بي إلى السماء فاستفتح فقيل: من هذا يا جبريل قال: هذا محمد قالوا: وقد أرسل إليه قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء فدخل فإذا هو برجل تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء كما ينقص من خلق الناس على يمينه باب يخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه فرح وضحك وإذا نظر إلى الباب الذي عن يساره بكى وحزن فقلت يا جبريل من هذا قال: هذا أبوك آدم وهذا الباب الذي يمينه باب الجنة إذا نظر إلى من يدخله من ذريته ضحك واستبشر والباب الذي عن شماله باب جهنم إذا نظر من يدخله بكى وحزن، ثم صعد بي جبريل عليه السلام إلى السماء الثانية فاستفتح قيل: من هذا معك قال: محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: وقد أرسل إليه قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ وخليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء فإذا هو بشابين قال: يا جبريل من هذان قال: عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا، فصعد به إلى السماء الثالثة فاستفتح فقالوا: من هذا قال: جبريل قالوا: ومن معك قال: محمد قالوا: وقد أرسل إليه قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء فدخل فإذا هو برجل قد فضل على الناس كما فضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب قال: من هذا يا جبريل قال: هذا أخوك يوسف عليه السلام، ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فاستفتح فقيل: من هذا قال: جبريل قالوا: ومن معك قال: محمد قالوا: وقد أرسل إليه قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء فدخل فإذا هو برجل قال: من هذا يا جبريل قال: هذا إدريس رفعه الله مكان عليا، ثم صعد إلى السماء الخامسة فاستفتح فقيل: من هذا قال: جبريل قيل: ومن معك قال: محمد قالوا: وقد أرسل إليه قال: نعم، قالوا: مرحبا به حياه الله من أخ وخليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء ثم دخل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقص عليهم قال: من هذا يا جبريل ومن هؤلاء حوله قال: هذا هرون المحبب وهؤلاء بنو إسرائيل، ثم صعد به إلى السماء السادسة فاستفتح فقيل له: من هذا قال: جبريل قيل: ومن معك قال: محمد قالوا: وقد أرسل إليه قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ وخليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء فإذا هو برجل جالس فجاوزه فبكى الرجل قال: يا جبريل من هذا قال: موسى قال: فما له يبكي قال: زعم بنو إسرائيل أني أكرم بني آدم على الله وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنيا وأنا في أخرى فلو أنه بنفسه لم أبال ولكن مع كل نبي أمته، ثم صعد به إلى السماء السابعة فاستفتح فقيل من هذا قال: جبريل قيل: ومن معك قال: محمد قالوا: وقد أرسل إليه قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ وخليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب الجنة على كرسي وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس وقوم في ألوانهم شيء فقام هؤلاء الذين في ألوانها شيء فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص ولم يكن في أبدانهم شيء ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلصت ألوانهم فصارت مثل ألوان أصحابهم فجاؤوا فجلسوا إلى أصحابهم فقال: يا جبريل من هذا الأشمط ومن هؤلاء بيض الوجوه ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء وما هذه الأنهار التي دخلوا قال: هذا أبوك إبراهيم أول من شمط على الأرض.
وأمّا هؤلاء البيض الوجوه فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فتابوا فتاب الله عليهم وأما الأنهار فأولها رحمة الله والثاني نعمة الله والثالث سقاهم ربهم شرابا طهورا، ثم انتهى إلى السدرة قيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كل واحد خلا من أمتك على نسك فإذا هي شجرة يخرج من اصلها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمرة لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها الورقة منها مغطية للأمة كلها فغشيها نور الخلاق عز وجل وغشيتها الملائكة عليهم السلام أمثال الغربان حين تقع على الشجرة، فكلمه الله تعالى عند ذلك فقال له: سل فقال: اتخذت إبراهيم خليلا وأعطيته ملكا عظيما وكلمت موسى تكليما وأعطيت داود ملكا عظيما وألنت له الحديد وسخرت له الجبال وأعطيت سليمان ملكا عظيما وسخرت له الجن والإنس والشياطين وسخرت له الرياح وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وعلمت عيسى التوراة والإنجيل وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذنك وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم فلم يكن للشيطان عليهما سبيل، فقال له ربه عز وجل: وقد اتخذتك خليلا وهو مكتوب في التوراة حبيب الرحمن وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا وشرحت لك صدرك ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك فلا أذكر إلا وذكرت معي وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا وأولهم يقضى له وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيا قبلك وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبيا قبلك وأعطيتك الكوثر وأعطيتك ثمانية أسهم: الإسلام والهجرة والجهاد والصلاة والصدقة وصوم رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلتك فاتحا وخاتما، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: فضلني ربي وأرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا ونذيرا وألقى في قلب عدوي الرعب من مسيرة شهر وأحل لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا وأعطيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه وعرضت علي أمتي فلم يخف علي التابع والمتبوع ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشعر ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه صغار الأعين كأنما خرمت أعينهم بالمخيط فلم يخف علي ما هم لاقون من بعدي وأمرت بخمسين صلاة، فلما رجع إلى موسى عليه السلام قال: بم أمرت قال: بخمسين صلاة قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك أضعف الأمم فقد لقيت من بني إسرائيل شدة فرجع النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ربه فسأله التخفيف فوضع عنه عشرا ثم رجع إلى موسى فقال: بكم أمرت قال: بأربعين: قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فرجع فوضع عنه عشرا إلى أن جعلها خمسا ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال: قد رجعت إلى ربي حتى استحيت منه فما أنا براجع إليه، قيل له: أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات فإنهن يجزين عنك خمسين صلاة وإن كل حسنة بعشر أمثالها فرضي محمد صلى الله عليه وسلم كل الرضا، قال: وكان موسى عليه السلام من أشدهم عليه حين مر به وخيرهم له حين رجع إليه). [الدر المنثور: 9/171-182]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عبد الرحمن عن أبيه أبي ليلى: أن جبريل عليه السلام أتى النّبيّ بالبراق فحمله بين يديه ثم جعل يسير به فإذا بلغ مكانا مطأطئا طالت يداه وقصرت رجلاه حتى يستوي به ثم عرض له رجل عن يمين الطريق فجعل يناديه يا محمد إلى الطريق مرتين فقال له جبريل عليه السلام: امض ولا تكلم أحدا ثم عرض له رجل عن يسار الطريق فقال له إلى الطريق يا محمد فقال له جبريل عليه السلام: امض ولا تكلم أحدا ثم عرضت له امرأة حسناء جميلة ثم قال له جبريل السلام: تدري من الرجل الذي دعاك عن يمين الطريق قال: لا قال: تلك اليهود دعتك إلى دينهم، ثم قال: تدري من الرجل الذي دعاك عن يسار الطريق قال: لا قال: تلك النصارى دعتك إلى دينهم، ثم قال: تدري من المرأة الحسناء الجميلة قال: لا قال: تلك الدنيا تدعوك إلى نفسها ثم انطلقا حتى أتيا بيت المقدس فإذا هم بنفر جلوس فقالوا مرحبا بالنبي الأمي وإذا في النفر شيخ قال: ومن هذا يا جبريل قال: هذا أبوك إبراهيم وهذا موسى وهذا عيسى ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا، حتى قدموا محمدا صلى الله عليه وسلم ثم أتوا بأشربة فاختار النّبيّ صلى الله عليه وسلم اللبن فقال له جبريل عليه السلام أصبت الفطرة ثم قيل له: قم إلى ربك فقام فدخل ثم جاء فقيل له: ماذا صنعت قال: فرضت على أمتي خمسون صلاة فقال له موسى عليه السلام: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق هذا فرجع ثم جاء فقال له موسى عليه السلام: ماذا صنعت فقال: ردها إلى خمسين وعشرين فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فرجع ثم جاء فقال: ردها إلى اثنتي عشرة فقال موسى عليه السلام: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فرجع ثم جاء فقال: ردها إلى خمس فقال موسى عليه السلام: ارجع فاسأله التخفيف قال: قد استحيت من ربي فما أراجعه وقد قال لي ربي أن لك بكل ردة رددتها مسألة أعطيتكها). [الدر المنثور: 9/183-184]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عرفة في جزئه المشهور وأبو نعيم في الدلائل، وابن عساكر في تاريخه من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل عليه السلام بدابة دون البغل وفوق الحمار فحملني عليه ثم انطلق يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجلاه كذلك مع يديه وإذا هبط استوت يداه مع رجليه حتى مررنا برجل طوال سبط آدم كأنه من رجال شنوأة وهو يقول: ويرفع صوته أكرمته وفضلته فدفعنا إليه فسلمنا فرد السلام فقال: من هذا معك يا جبريل قال: هذا أحمد قال: مرحبا بالنبي الأمي العربي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته ثم اندفعنا فقلت: من هذا يا جبريل قال: هذا موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام قلت: ومن يعاتب قال: يعاتب ربه فيك قلت: ويرفع صوته على ربه قال: إن الله قد عرف له حديثه ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السراح تحتها شيخ وعياله فقال لي جبريل عليه السلام: اعمد إلى أبيك إبراهيم فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام فقال إبراهيم: من معك يا جبريل قال: هذا ابنك أحمد فقال: مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته يا بني إنك لاق ربك الليلة وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى فنزلت فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء عليهم السلام تربط بها ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن فأخذت اللبن فشربت فضرب جبريل عليه السلام منكبي وقال أصبت الفطرة ثم أقيمت الصلاة فأممتهم ثم انصرفنا فأقبلنا). [الدر المنثور: 9/185-186]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحارث بن ابي أسامة والبزار والطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل، وابن عساكر من طريق علقمة رضي الله عنه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيت بالبراق فركبته إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه وإذا هبط ارتفعت يداه فسار بنا في أرض غمة منتنة ثم أفضينا إلى أرض فيحاء طيبة فسألت جبريل عليه السلام قال: تلك أرض النار وهذه أرض الجنة فأتيت على رجل قائم يصلي فقلت: من هذا يا جبريل فقال: هذا أخوك عيسى عليه السلام فسرنا فسمعنا صوتا وتذمرا فأتينا على رجل فقال: من هذا معك قال: هذا أخوك محمد صلى الله عليه وسلم فسلم ودعا بالبركة وقال: سل لأمتك اليسر فقلت من هذا يا جبريل قال: هذا أخوك موسى عليه السلام قلت على من كان تذمره قال: على ربه عز وجل قلت: على ربه قال: نعم، قد عرف حدته ثم سرنا فرأيت مصابيح وضوءا فقلت: ما هذا يا جبريل قال: هذه شجرة أبيك إبراهيم عليه السلام ادن منها فدنوت منها فرحب بي ودعا لي بالبركة ثم مضينا حتى أتينا بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي تربط بها الأنبياء عليهم السلام ثم دخلت المسجد فنشرت لي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من سمى منهم ومن لم يسم فصليت بهم إلا هؤلاء الثلاث: إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام). [الدر المنثور: 9/186-187]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صليت ليلة أسري بي في مقدم المسجد ثم دخلت إلى الصخرة فإذا ملك قائم معه آنية ثلاث فتناولت العسل فشربت منه قليلا ثم تناولت الآخر فشربت منه حتى رويت فإذا هو لبن فقال اشرب من الآخر فإذا هو خمر قلت قد رويت، قال: أما أنك لو شربت من هذا لم تجتمع أمتك على الفطرة أبدا ثم انطلق بي إلى السماء ففرضت علي الصلاة ثم رجعت إلى خديجة رضي الله عنها وما تحولت عن جانبها الآخر). [الدر المنثور: 9/187]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به في بيتي ففقدته من الليل فامتنع عني النوم مخافة أن يكون عرض له بعض قريش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل عليه السلام أتاني فأخذ بيدي فأخرجني فإذا على الباب دابة دون البغل وفوق الحمار فحملني عليها ثم انطلق حتى أتى بي إلى بيت المقدس فأراني إبراهيم يشبه خلقه خلقي ويشبه خلقي خلقه وأرأني موسى آدم طوالا سبط الشعر أشبهه برجال أزد شنوأة وأراني عيسى ابن مريم ربعة أبيض يضرب إلى الحمرة شبهته بعروة بن مسعود الثقفي وأراني الدجال ممسوح العين اليمنى شبهته بقطن بن عبد العزى قال: وأنا أريد أن أخرج إلى قريش فأخبرهم ما رأيت فأخذت بثوبه فقلت إني أذكرك الله إنك تأتي قوما يكذبونك وينكرون مقالتك فأخاف أن يسطوا بك قالت: فضرب ثوبه من يدي ثم خرج إليهم فأتاهم وهم جلوس فأخبرهم فقام مطعم بن عدي فقال: يا محمد لو كنت شابا كما كنت ما تكلمت بما تكلمت به وأنت بين ظهرانينا، فقال رجل من القوم: يا محمد هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا قال: نعم والله وجدتهم قد أضلوا بعير لهم فهم في طلبه قال: هل مررت بإبل لبني فلان قال: نعم وجدتهم في مكان كذا وكذا قد انكسرت لهم ناقة حمراء فوجدتهم وعندهم قصعة من ماء فشربت ما فيها قالوا: فأخبرنا عن عدتها وما فيها من الرعاء، قال: قد كنت عن عدتها مشغولا فقام وأتى بالإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاء، ثم أتى قريشا فقال له: سألتموني عن إبل بني فلان فهي كذا وكذا وفيها من الرعاء فلان وفلان وسألتموني عن إبل بني فلان فهي كذا وكذا وفيها من الرعاء ابن أبي قحافة وفلان وفلان وهي مصبحتكم الغداة الثنية فقعدوا إلى الثنية ينظرون أصدقهم ما قال فاستقبلوا الإبل فسألوا هل ضل لكم بعير قالوا: نعم، فسألوا الآخر هل انكسر لكم ناقة حمراء قالوا: نعم، قال: فهل كان عندكم قصعة من ماء قال أبو بكر رضي الله عنه: والله أنا وضعتها فما شربها أحد منا ولا أهريقت في الأرض فصدقه أبو بكر رضي الله عنه وآمن به فسمي يومئذ الصديق). [الدر المنثور: 9/187-189]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى، وابن عساكر عن أم هانئ رضي الله عنها قال: دخل علي النّبيّ صلى الله عليه وسلم بغلس وأنا على فراشي فقال: شعرت أني نمت الليلة في المسجد الحرام فأتاني جبريل فذهب بي إلى باب المسجد فإذا دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل مضطرب الأذنين فركبته فكان يضع حافره في مد بصره إذا أخذ بي في هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه وإذا أخذ بي في صعود طالت رجلاه وقصرت يداه وجبريل لا يفوتني حتى انتهينا إلى بيت المقدس فأوثقته بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها فنشر لي رهط من الأنبياء عليهم السلام منهم إبراهيم وموسى وعيسى فصليت بهم وكلمتهم وأتيت بإناءين أحمر وأبيض فشربت الأبيض فقال لي جبريل عليه السلام: شربت اللبن وتركت الخمر لو شربت الخمر لارتدت أمتك ثم ركبته فأتيت المسجد الحرام فصليت به الغداة فتعلقت بردائه وقلت: أنشدك الله يا ابن عم أن تحدث بها قريشا فيكذبك من صدقك فضربت بيدي على ردائه فانتزعته من يدي فارتفع عن بطنه فنظرت إلى عكنه فوق إزاره كأنها طي القراطيس وإذا نور ساطع عند فؤاده كاد أن يختطف بصري فخررت ساجدة فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج فقلت لجاريتي: ويحك اتبعيه وانظري ماذا يقول وماذا يقال له فلما رجعت أخبرتني أنه انتهى إلى نفر من قريش فيهم المطعم بن عدي وعمرو بن هشام والوليد بن المغيرة، فقال: إني صليت الليلة العشاء في هذه المسجد وصليت به الغداة وأتيت فيما بين ذلك ببيت المقدس فنشر لي رهط من الأنبياء فيهم إبراهيم وموسى وعيسى فصليت بهم وكلمتهم فقال عمرو بن هشام - كالمستهزئ -: صفهم لي، فقال: أما عيسى ففوق الربعة ودون الطويل عريض الصدر جعد الشعر يعلوه صهبة كأنه عروة بن مسعود الثقفي وأما موسى فضخم آدم طوال كأنه من رجال شنوأة كثير الشعر غائر العينين متراكب الأسنان مقلص الشفة خارج اللثة عابس وأما إبراهيم فوالله لأنا أشبه الناس به خلقا فضجوا وأعظموا ذاك فقال المطعم: كل أمرك قبل اليوم كان أمما غير قولك اليوم أنا أشهد أنك كاذب نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا تزعم أنك أتيته في ليلة واللات والعزى لا أصدقك، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا مطعم بئس ما قلت لابن أخيك جبهته وكذبته أنا أشهد أنه صادق فقالوا: يا محمد صف لنا بيت المقدس قال: دخلته ليلا وخرجت منه ليلا فأتاه جبريل عليه السلام فصوره في جناحه فجعل يقول باب منه كذا في موضع كذا وباب منه كذا في موضع كذا وأبو بكر رضي الله عنه يقول: صدقت صدقت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: يا أبا بكر إن الله قد سماك الصديق قالوا يا محمد أخبرنا عن عيرنا قال: أتيت على عير بني فلان بالروحاء قد أضلوا ناقة لهم فانطلقوا في طلبها فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد وإذا قدح ماء فشربت منه ثم انتهيت إلى عير بني فلان فنفرت مني الإبل وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق مخطط ببياض لا أدري أكسر البعير أم لا ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم يقدمها جمل أورق وها هي ذه تطلع عليكم من الثنية فقال الوليد بن المغيرة: ساحر فانطلقوا فنظروا فوجدوا كما قال فرموه بالسحر وقالوا: صدق الوليد، فأنزل الله (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) (الإسراء آية 60) ). [الدر المنثور: 9/189-192]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: ما أسري برسول الله إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة فصلى العشاء الآخرة ثم نام ونمنا فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى الصبح وصلينا معه قال صلى الله عليه وسلم: يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين). [الدر المنثور: 9/192]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد، وابن عساكر عن عبد الله بن عمر وأم سلمة وعائشة وأم هانئ، وابن عباس رضي الله عنهما دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حملت على دابة بيضاء بين الحمار وبين البغل في فخذها جناحان تحفز بهما رجليها فلما دنوت لأركبها شمست فوضع جبريل عليه السلام يده على معرفتها ثم قال: ألا تستحتين يا براق مما تصنعين والله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم على الله منه فاستحيت حتى ارفضت عرقا ثم قرت حتى ركبتها فعلت بأذنيها وقبضت الأرض حتى كان منتهى وقع حافرها طرفها وكانت طويلة الظهر طويلة الأذنين، وخرج معي جبريل لا يفوتني ولا أفوته حتى أتى بيت المقدس فأتى البراق إلى موقفه الذي كان يقف فربطه فيه وكان مربط الأنبياء عليهم السلام رأيت الأنبياء جمعوا لي فرأيت إبراهيم وموسى وعيسى فظننت أنه لا بد أن يكون لهم إمام فقدمني جبريل عليه السلام حتى صليت بين أيديهم وسألتهم فقالوا: بعثنا بالتوحيد، وقال بعضهم: فقد النّبيّ صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فتفرقت بنو عبد المطلب يطلبونه يلتمسونه وخرج العباس رضي الله عنه حتى إذا بلغ ذا طوى فجعل يصرخ يا محمد يا محمد فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك لبيك فقال: ابن أخي أعييت قومك منذ الليلة فأين كنت قال: أتيت من بيت المقدس قال: في ليلتك قال: نعم، قال: هل أصابك إلا خير قال: ما أصابني إلا خير، وقالت أم هانئ رضي الله عنها: ما أسري به إلا من بيتنا بينا هو نائم عندنا تلك الليلة صلى العشاء ثم نام فلما كان قبل الفجر أنبهناه للصبح فقام فصلى الصبح، قال: يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء كما رأيت بهذا الوادي ثم قد جئت بيت المقدس فصليت به ثم صليت الغداة معكم ثم قام ليخرج فقت لا تحدث هذا الناس فيكذبوك ويؤذوك، فقال: والله لأحدثنهم فأخبرهم فتعجبوا وقالوا لم نسمع بمثل هذا قط، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: يا جبريل إن قومي لا يصدقوني قال: يصدقك أبو بكر وهو الصديق، وافتتن ناس كثير وضلوا كانوا قد أسلموا وقمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه فقال بعضهم: كم للمسجد من باب - ولم أكن عددت أبوابه - فجعلت أنظر إليها وأعدها بابا وأعلمهم وأخبرتهم عن عير لهم في الطريق وعلامات فيها فوجدوا ذلك كما أخبرتهم، وأنزل الله (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال: كانت رؤيا عين رآها بعينه). [الدر المنثور: 9/193-195]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والترمذي، وابن جرير، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن أنس - رضي الله عنه - أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما ليركبه فاستصعب عليه فقال له جبريل عليه السلام: أبمحمد صلى الله عليه وسلم تفعل هذا فوالله ما ركبك خلق أكرم على الله منه، قال: فأرفض عرقا). [الدر المنثور: 9/195]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة). [الدر المنثور: 9/195]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بستة عشر شهرا.
وأخرج البيهقي عن عروة مثله). [الدر المنثور: 9/196]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي عن السدي رضي الله عنه قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل مهاجره بستة عشر شهرا). [الدر المنثور: 9/196]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي، وابن مردويه والبيهقي في كتاب حياة الأنبياء عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام قائما يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر). [الدر المنثور: 9/196]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: حدثني بعض أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على موسى وهو يصلي في قبره، قال: وذكر لي أنه حمل على البراق، قال: فأوثقت الفرس، أو قال: الدابة بالحلقة، فقال أبو بكر رضي الله عنه صفها لي يا رسول الله قال: كذه وذه، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد رآها). [الدر المنثور: 9/196]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي إلى السماء رأيت موسى يصلي في قبره). [الدر المنثور: 9/196]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مر على موسى وهو قائم يصلي في قبره). [الدر المنثور: 9/196-197]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره). [الدر المنثور: 9/197]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أسري بالنبي جعل يمر بالنبي والنبيين معهم الرهط والنبيين معهم القوم والنبي والنبيين ليس معهم أحد حتى مر بسواد عظيم فقلت: من هؤلاء فقيل موسى وقومه ولكن ارفع رأسك وانظر فإذا سواد عظيم قد سد الأفق من ذا الجانب وذا الجانب فقيل لي: هؤلاء وسوى هؤلاء من أمتك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب قال: فدخل ولم يسألوه بأنفسهم ولم يفسر لهم، فقال قائلون: نحن هم، وقال قائلون هم أبناؤنا الذين ولدوا في الإسلام فخرج فقال: هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن فقال: أنا منهم يا رسول الله فقال: أنت منهم فقام رجل آخر فقال: أنا منهم قال: سبقك بها عكاشة). [الدر المنثور: 9/197]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والنسائي والبزار والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة فقلت: يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة قال: ماشطة بنت فرعون وأولادها كانت تمشطها فسقط المشط من يدها فقالت بسم الله فقالت ابنة فرعون أبي قالت: بل ربي وربك ورب أبيك، قالت: أولك رب غير أبي قالت: ألك رب غيري قال: نعم ربي وربك الله الذي في السماء، فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها لتلقى فيها وأولادها، قالت: إن لي إليك حاجة قال: وما هي قالت: تجمع عظامي وعظام ولدي فتدفنه جميعا، قال: ذلك لك لما لك علينا من الحق فألقوا واحدا واحدا حتى بلغ رضيعا فيهم قال: أسرعي يا أمه ولا تقاعسي فإنك على الحق فألقيت هي وولدها، قال ابن عباس رضي الله عنه وتكلم أربعة وهم صغار: هذا وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى ابن مريم). [الدر المنثور: 9/198]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن ماجه، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليلة أسري بي وجدت ريحا طيبة فقلت: يا جبريل ما هذه قال: هذه الماشطة وزوجها وابنها بينما هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المشط من يدها فقال: تعس فرعون فأخبرت أباها وكان للمرأة ابنان وزوج فأرسل إليهم فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما فأبيا فقال: إني قاتلكما: فقالا إحسان منك إلينا إن قتلتنا أن تجعلنا في بيت ففعل فلما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وجد ريحة طيبة فسال جبريل عليه السلام فأخبره). [الدر المنثور: 9/198-199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد وأبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون في وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم). [الدر المنثور: 9/199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ليلة أسري بي مررت بناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت عادت كما كانت فقلت: من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون). [الدر المنثور: 9/199-200]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري بي رأيت رجلا يسبح في نهر يلقم الحجارة فسألت من هذا فقيل لي: هذا آكل الربا). [الدر المنثور: 9/200]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي والبزار والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما كان ليلة أسري بي أتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس فوضع أصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق). [الدر المنثور: 9/200]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: لما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به الماء ثم الخمر ثم اللبن أخذ اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: أصبت الفطرة وبه غذيت كل دابة ولو أخذت الخمر غويت وغوت أمتك وكنت من أهل هذه وأشار إلى الوادي الذي يقال له وادي جهنم فنظر إليه فإذا هو نار تلتهب). [الدر المنثور: 9/200-201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني ليلة أسري بي وضعت قدمي حيث توضع أقدام الأنبياء عليهم السلام من بيت المقدس وعرض علي عيسى عليه السلام فإذا أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود وعرض علي موسى عليه السلام فإذا رجل جعد ضرب من الرجال وعرض علي إبراهيم عليه السلام فإذا أقرب الناس به شبها صاحبكم). [الدر المنثور: 9/201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم، وابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حين أسري بي لقيت موسى عليه السلام فنعته فإذا هو رجل مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوأة ولقيت عيسى عليه الصلاة والسلام فنعته ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس ورأيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنا أشبه ولده به وأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر قيل لي خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربت قيل لي هديت للفطرة أما لو أنك لو أخذت الخمر غوت أمتك). [الدر المنثور: 9/201-202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج مسلم والنسائي، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط فرفعه الله لي أنظر إليه ما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وإذا موسى عليه السلام قائم وإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوأة وإذا عيسى عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت قال قائل: يا محمد هذا مالك خازن النار فالتفت إليه فبدأني بالسلام). [الدر المنثور: 9/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عمر رضي الله عنه قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم رأى مالكا خازن النار فإذا رجل عابس يعرف الغضب في وجهه). [الدر المنثور: 9/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن عبيد بن آدم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية فذكر فتح بيت المقدس فقال لكعب رضي الله عنه: أين ترى أن أصلي قال: خلف الصخرة، قال: لا، ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم إلى القبلة فصلى). [الدر المنثور: 9/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والضياء في المختارة بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليلة أسري بالنبي دخل الجنة فسمع في جانبها وجسا فقال: يا جبريل ما هذا فقال: هذا بلال المؤذن، فقال النّبيّ حين جاء إلى الناس: قد أفلح بلال رأيت له كذا وكذا فلقيه موسى عليه الصلاة والسلام فرحب به وقال مرحبا بالنبي الأمي قال: وهو رجل آدم طويل سبط شعره مع أذنيه أو فوقهما فقال: من هذا يا جبريل قال: هذا موسى فمضى فلقيه رجل فرحب به قال: من هذا قال: هذا عيسى عليه السلام فمضى فلقيه شيخ جليل مهيب فرحب به وسلم عليه وكلهم يسلم عليه قال: من هذا يا جبريل قال: أبوك إبراهيم عليه السلام، قال: ونظر في النار فإذا قوم يأكلون الجيف قال: من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ورأى رجلا أحمر أزرق جدا قال: من هذا يا جبريل قال: هذا عاقر الناقة فلما أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى قام يصلي ثم التفت فإذا النبيون أجمعون يصلون معه فلما انصرف جيء بقدحين أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال في أحدهما لبن وفي الآخرة عسل فأخذ اللبن فشرب منه فقال الذي كان معه القدح: أصبت الفطرة). [الدر المنثور: 9/203]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم فقال ناس: نحن لا نصدق محمدا بما يقول: فارتدوا كفارا فضرب الله رقابهم مع أبي جهل، وقال أبو جهل: يخوفنا محمد بشجرة الزقوم هاتوا تمرا وزبدا فتزقموا به، ورأى الدجال في صورته رؤيا عين ليس برؤيا منام، وعيسى وموسى وإبراهيم عليهم السلام فسئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الدجال فقال: رأيته قيلمانيا أقمرهجان إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دري كأن شعره أغصان شجرة، ورأيت عيسى عليه السلام شابا أبيض جعد الرأس حديد البصر مبطن الخلق ورأيت موسى أسحم آدم كثير الشعر شديد الخلق ونظرت إلى إبراهيم عليه السلام فلا أنظر إلى أرب منه إلا نظرت إليه مني حتى كأنه صاحبكم قال جبريل عليه السلام سلم على أبيك فسلمت عليه). [الدر المنثور: 9/204]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والطبراني، وابن مردويه من طريق قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران عليه السلام رجلا طوالا جعدا كأنه من رجال شنوأة ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ورأيت مالكا خازن جهنم والدجال في آيات أراهن الله قال: (فلا تكن في مرية من لقائه) (السجدة آية 73) فكان قتادة رضي الله عنه يفسرها أن النّبيّ صلى الله عليه وسام قد لقي موسى عليه السلام). [الدر المنثور: 9/205]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور وأحمد، وابن أبي شيبة، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم فقال لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى موسى فقال: لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى عيسى فقال: أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله تعالى، وفيما عهد إلي ربي أن الدجال خارج ومعي قضيبان فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص فيهلكه الله إذا رآني حتى أن الحجر والشجر يقول: يا مسلم إن تحتي كافرا فتعال فاقتله فيهلكهم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيطأون بلادهم لا يأتون على شيء إلا أهلكوه لا يمرون على ماء إلا شربوه ثم يرجع إلي فيشكونهم فأدعو الله تعالى عليهم فيهلكهم ويميتهم حتى تجيف الأرض من نتن ريحهم فينزل الله المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر، ففيما عهد إلي ربي إن كان كذلك أن الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلا أو نهارا). [الدر المنثور: 9/205-206]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والنسائي، وابن جرير والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن حذيفة رضي الله عنه أنه حدث عن ليلة أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال: ما زايل البراق حتى فتحت له أبواب السماوات فرأى الجنة والنار ووعد الآخرة أجمع ثم عاد ولفظ ابن مردويه فأري ما في السماوات وأري ما في الأرض قيل له أي دابة البراق قال: دابة طويل أبيض خطوه مد البصر). [الدر المنثور: 9/206]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى والطبراني في الأوسط، وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة عرج بي إلى السماء ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوبا محمد رسول الله وأبو بكر الصديق خلفي). [الدر المنثور: 9/207]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار عن ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عرج إلى السماء ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوبا محمد رسول الله). [الدر المنثور: 9/207]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه بسند صحيح، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسري بي على الملأ الأعلى فإذا جبريل كالحلس البالي من خشية الله وفي لفظ لابن مردويه مررت على جبريل في السماء الرابعة فإذا هو كأنه حلس بال من خشية الله). [الدر المنثور: 9/207]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور والطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن عبد الرحمن بن قرط رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليلة أسري بي إلى المسجد الأقصى كان بين المقام وزمزم جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فطارا به حتى بلغ السماوات العلى فلما رجع قال: سمعت تسبيحا في السموات العلى مع تسبيح كثير سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات من ذي العلو بما علا سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى). [الدر المنثور: 9/208]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسرى بي جبريل سمعت تسبيحا في السماوات العلى فرجف فؤادي فقال لي جبريل عليه السلام: تقدم يا محمد ولا تخف فإن اسمك مكتوب على العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله). [الدر المنثور: 9/208]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة ووابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري بي لما نتهينا إلى السماء السابعة نظرت فوق فإذا رعد وبرق وصواعق وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات والعقارب ترى من خارج بطونهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء أكلة الربا فلما نزلت إلى السماء الدنيا نظرت إلى أسفل مني فإذا أنا برهج ودخان وأصوات فقلت: ما هذا يا جبريل قال: هذه الشياطين يحومون على أعين بني آدم لا يتفكرون في ملكوت السماوات والأرض ولولا ذلك لرأوا العجائب). [الدر المنثور: 9/208-209]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي مرت بالكوثر فقال جبريل عليه السلام: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فضربت بيدي على تربته فإذا مسك أذفر). [الدر المنثور: 9/209]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لما عرج بي إلى السماء رأيت نهرا يطرد عجاجا مثل السهم أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل حافتاه قباب من در مجوف فضربت بيدي إلى جانبه فإذا مسكة ذفراء فضربيت بيدي إلى رضراضها فإذا در، قلت: يا جبريل ما هذا النهر قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك). [الدر المنثور: 9/209-210]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت إبراهيم ليلة أسري بي وهو أشبه من رأيت بصاحبكم). [الدر المنثور: 9/210]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن رمدويه عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: عرج بي إلى السماء فرأيت إبراهيم خليل الرحمن فقال إبراهيم: يا جبريل من هذا الذي معك فقال جبريل: هذا محمد فرحب بي وقال: مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: وما غراس الجنة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله). [الدر المنثور: 9/210]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيت ليلة أسري بي على إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال: يا محمد أخبر أمتك أن الجنة قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر). [الدر المنثور: 9/210]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وحسنه والطبراني، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله). [الدر المنثور: 9/210-211]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي رأيت الجنة من درة بيضاء فقلت يا جبريل إنهم يسألوني عن الجنة قال: أخبرهم أن أرضها قيعان وترابها المسك). [الدر المنثور: 9/211]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج و[ ] الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي مكتوبا على باب الجنة الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة قال: لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة). [الدر المنثور: 9/211]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة فوقعت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقا ولا أطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمراتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة رضي الله عنها فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة). [الدر المنثور: 9/211-212]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وضعفه عن سعد بن أبي وقاص رضي اله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل عليه السلام بسفرجلة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة بفاطمة فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة). [الدر المنثور: 9/212]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار وأبو قاسم البغوي، وابن قانع كلاهما في معجم الصحابة، وابن عدي وابن عساكر عن عبد الله بن أسعد بن زرارة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري بي انتهيت إلى قصر من لؤلؤة ولفظ البغوي أسري بي في قفص من لؤلؤة فراشه ذهب يتلألأ نورا وأعطيت ثلاثا: إنك سيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المعجلين). [الدر المنثور: 9/212]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن قانع والطبراني، وابن مردويه عن أبي الحمراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي إلى السماء السابعة فإذا على ساق العرش الأيمن لا إله إلا الله محمد رسول الله). [الدر المنثور: 9/212-213]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عدي، وابن عساكر عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: لما عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي). [الدر المنثور: 9/213]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري بي رأيت على العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النورين). [الدر المنثور: 9/213]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الدارقطني في الأفراد والخطيب، وابن عساكر عن أبي الدرداء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ليلة أسري بي في العرش فريدة خضراء فيها مكتوب بنور أبيض لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الفاروق). [الدر المنثور: 9/213]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار عن علي رضي الله عنه قال: لما أراد الله تعالى أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل عليه السلام بدابة يقال لها البراق فذهب يركبها فاستصعبت فقال لها جبريل عليه السلام: اسكني فوالله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد صلى الله عليه وسلم فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الذي يلي الرحمن فبينما هو كذلك إذ خرج عليه ملك من الحجاب فقال الملك: الله أكبر الله أكبر فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر ثم قال الملك: أشهد أن لا إله إلا الله فقيل هل من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا الله لا إله إلا أنا، فقال الملك: أشهد أن محمدا رسول الله فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أرسلت محمدا فقال الملك: حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة، ثم قال: الله أكبر الله أكبر فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر ثم قال: لا إله إلا الله فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي لا إله إلا أنا ثم أخذ الملك بيد محمد صلى الله عليه وسلم فقدمه فأم أهل السموات فيهم آدم ونوح فيومئذ أكمل الله لمحمد الشرف على أهل السموات والأرض). [الدر المنثور: 9/213-214]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن محمد بن الحنفية رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء فانتهى إلى مكان من السماء وقف فيه وبعث الله ملكا فقام من السماء مقاما ما قامه قبل ذلك فقيل له: علمه الأذان فقال الملك: الله أكبر الله أكبر فقال الله: صدق عبدي أنا الله الأكبر فقال الملك: أشهد أن لا إله إلا الله فقال الله: صدق عبدي أنا الله لا إله إلا أنا فقال الملك: أشهد أن محمدا رسول الله فقال الله: صدق عبدي أنا أرسلته وأنا اخترته وأنا ائتمنته فقال: حي على الصلاة فقال الله: صدق عبدي ودعا إلى فريضتي وحقي فمن أتاها محتسبا كانت كفارة لكل ذنب فقال الملك: حي على الفلاح فقال الله: صدق عبدي أنا أقمت فرائضها وعدتها ومواقيتها ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تقدم فتقدم فائتم به أهل السموات فتم له شرفه على سائر الخلائق). [الدر المنثور: 9/214-215]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي إلى السماء أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت بالملائكة). [الدر المنثور: 9/215]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما أسري به إلى السماء أوحي إليه بالأذان فنزل به فعلمه جبريل). [الدر المنثور: 9/215]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه - أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم - علم الأذان ليلة أسري به وفرضت عليه الصلاة). [الدر المنثور: 9/215]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فرضت عليه الصلاة ليلة أسري به). [الدر المنثور: 9/215-216]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض الله على نبيه صلى الله عليه وسلم الصلاة خمسين صلاة فسأل ربه فجعلها خمس صلوات). [الدر المنثور: 9/216]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو داود والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرات وغسل البول من الثوب سبع مرات فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى الصلاة خمسا وغسل الجنابة مرة وغسل البول من الثوب مرة). [الدر المنثور: 9/216]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج مسلم والترمذي والنسائي، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سدرة المنتهى وإليها ينتهي ما يصعد به وفي لفظ: يعرج به من الأرواح حتى يقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها حتى يقبض (إذ يغشى السدرة ما يغشى) (النجم آية 16) قال: غشيها فراش من ذهب، وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس وخواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله شيئا من أمته المقحمات). [الدر المنثور: 9/216]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لما أسري بي انتهيت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها أمثال القلال). [الدر المنثور: 9/216]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه - وسلم لما انتهى إلى سدرة المنتهى رأى فراشا من ذهب يلوذ بها). [الدر المنثور: 9/217]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: يصف سدرة المنتهى فقال: فيها فراش من ذهب وثمرها كالقلال وأوراقها كآذان الفيلة قلت: يا رسول ما رأيت عندها قال: رأيته عندها يعني ربه عز وجل). [الدر المنثور: 9/217]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج و[ ] ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا قالوا لي يا محمد مر أمتك بالحجامة). [الدر المنثور: 9/217]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد ووالحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا عليك بالحجامة وفي لفظ مر أمتك بالحجامة). [الدر المنثور: 9/217]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مررت على ملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا أمروني بالحجامة). [الدر المنثور: 9/217]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعثني الله ليلة أسري بي إلى يأجوج ومأجوج أدعوهم إلى دين الله وعبادته فأمروا أن يجيبوني وهم في النار مع من يحصى من ولد آدم وولد إبليس). [الدر المنثور: 9/217-218]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن سعد والطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به فكان بذي طوى قال: جبريل إن قومي لا يصدقوني قال يصدقك أبو بكر وهو الصديق). [الدر المنثور: 9/218]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس، قال: أو قال ذلك قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: فتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح قال: نعم، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبا بكر الصديق). [الدر المنثور: 9/218]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي والبزار والطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والضياء في المختارة، وابن عساكر بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما كان ليلة أسري بي فأصبحت في مكة قطعت وعرفت أن الناس مكذبي فقعدت معتزلا حزينا فمر به عدو الله أبو جهل فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزئ كل كان من شيء قال: نعم، قال وما هو قال: قال أني أسري بي الليلة قال: إلى أين قال: إلى بيت المقدس قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا قال: نعم، فلم يرد أن يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إن دعا قومه إليه، قال: أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني قال: نعم، قال: هيا يا معشر بني كعب بن لؤي فانقضت إليه المجالس وجاؤوا حتى جلسوا إليها، قال: حدث قومك بما حدثتني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أسري بي الليلة قالوا: إلى أين قال: إلى بيت المقدس قالوا إيليا قال: نعم، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا قال: نعم، قال: فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه معجبا قالوا: وتستطيع أن تنعت المسجد وفي القوم من قد سافر إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذهبت أنعت فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل أو عقال فنعته وأنا أنظر إليه فقام القوم أما النعت فوالله لقد أصاب). [الدر المنثور: 9/219-220]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما كذبتني قريش لما أسري بي إلى بيت المقدس قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه). [الدر المنثور: 9/220]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عروة رضي الله عنه قال: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم بمسراه إلى بيت المقدس أخبرنا ماذا ضل عنا وائتنا بآية ما تقول: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضلت منكم ناقة ورقاء عليها بر لكم فلما قدمت عليهم قالوا انعت لنا ما كان عليها ونشر له جبريل عليه السلام ما عليها كله ينظر إليه فأخبرهم بما كان عليها وهم قيام ينظرون فزادهم ذلك شكا وتكذيبا). [الدر المنثور: 9/220-221]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الدلائل عن السدي رضي الله عنه قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلامة في العير قالوا: فمتى تجيء قال: يوم الأربعاء فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار ولم تجئ فدعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس فلم ترد الشمس على أحد إلا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعلى يوشع بن نون عليه السلام حين قاتل الجبارين، واخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال: لما أسري بالنبي أتى بدابة دون البغل وفوق الحمار يضع حافره عند منتهى طرفه يقال له البراق، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعير للمشركين فنفرت فقالوا: يا هؤلاء ما هذا فقالوا ما نرى شيئا ما هذه الرائحة الأريح حتى أتى بيت المقدس فأتى بإناءين: في أحدهما خمر وفي الآخر لبن فأخذ اللبن فقال جبريل عليه السلام: هديت وهديت أمتك). [الدر المنثور: 9/221-222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد، وابن عساكر عن الواقدي عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة وغيره من رجاله قالوا: كان رسول الله يسأل ربه أن يريه الجنة والنار فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم في بيته ظهرا أتاه جبريل وميكائيل فقالا: انطلق إلى ما سألت الله فانطلقا به إلى السموات ما بين المقام وزمزم فأتي بالمعراج فإذا هو أحسن شيء منظرا فعرج به إلى السموات سماء سماء فلقي فيها الأنبياء وانتهى إلى سدرة المنتهى ورأى الجنة والنار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولما انتهيت إلى السماء السابعة لم أسمع إلا صريف الأقلام وفرضت عليه الصلوات الخمس ونزل جبريل عليه السلام فصلى برسول الله الصلوات في مواقيتها). [الدر المنثور: 9/222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسري به ريحه ريح عروس وأطيب من ريح عروس). [الدر المنثور: 9/222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن جبير قال: سمعت سفيان الثوري رضي الله عنه سئل عن ليلة أسري به فقال: أسري ببدنه). [الدر المنثور: 9/222-223]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي رضي الله عنه إلى قيصر وكتب إلبه معه فلقيه بحمص ودعا الترجمان فإذا في الكتاب من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم فغضب أخ له وقال: تنظر في كتاب رجل بدأ بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم ولم يذكر أنك ملك قال له قيصر: إنك والله ما علمت أحمق صغيرا مجنونا كبيرا: تريد أن تحرق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه فلعمري لئن كان رسول الله كما يقول: فنفسه أحق أن يبدأ بها مني وإن كان سماني صاحب الروم فلقد صدق ما أنا إلا صاحبهم وما أملكهم ولكن الله سخرهم لي ولو شاء لسلطهم علي، ثم قرأ قيصر الكتاب فقال: يا معشر الروم إني لأظن هذا الذي بشر به عيسى ابن مريم ولو أعلم أنه هو مشيت إليه حتى أخدمه بنفسي لا يسقط وضوءه إلا على يدي، قالوا: ما كان الله ليجعل ذلك في الأعراب الأميين ويدعنا ونحن أهل الكتاب، قال: فاصل الهدى بيني وبينكم الإنجيل ندعو به فنفتحه فإن كان هو إياه اتبعناه وإلا أعدنا عليه خواتمه كما كانت إنما هي خواتيم مكان خواتم.
قال: وعلى الأنجيل يومئذ اثنا عشر خاتما من ذهب ختم عليه هرقل فكان كل ملك يليله بعده ظاهر عليه بخاتم آخلا حتى ألقى ملك قيصر وعليه اثنا عشر خاتما يخبر أولهم لآخرهم أنه لا يحل لهم أن يفتحوا الإنجيل في دينهم وإنهم يوم يفتحونه يغير دينهم ويهلك ملكهم فدعا بالإنجيل ففض عنه أحد عشر خاتما حتى بقي عليه خاتم واحد فقامت الشمامسة والأساقفة والبطارقة فشقوا ثيابهم وصكوا وجوههم ونتفوا رؤوسهم قال: ما لكم قالوا: اليوم يهلك ملك بيتك وتغير دين قومك، قال: فاصل الهدى عندي، قالوا: لا تعجل حتى نسأل عن هذا ونكاتبه وننظر في أمره قال: فمن نسأل عنه قالوا: قوما كثيرا بالشام فأرسل يبتغي قوما يسألهم، فجمع له أبو سفيان وأصحابه فقال: أخبرني يا أبا سفيان عن هذا الرجل الذي بعث فيكم، فلم يأل أن يصغر أمره ما استطاع قال: أيها الملك لا يكبر عليك شأنه إنا لنقول: هو ساحر ونقول: هو شاعر ونقول: هو كاهن، قال قيصر: كذلك والذي نفسي بيده كان يقال للأنبياء عليهم السلام قبله، قال: أخبرني عن موضعه فيكم، قال: هو أوسطنا، قال: كذلك بعث الله كل نبي من أوسط قومه، أخبرني عن أصحابه، قال: غلماننا وأحداث أسنانهم والسفهاء أما رؤساؤنا فلم يتبعه منهم أحد، قال: أولئك والله تباع الرسل أما الملأ والرؤوس فأخذتهم الحمية، قال: أخبرني عن أصحابه هل يفارقونه بعدما يدخلون في دينه قال: ما يفارقه منهم أحد، قال: فلا يزال داخل منكم في دينه قال: نعم، قال: ما تزيدونني عليه إلا بصيرة والذي نفسي بيده ليوشكن أن يغلب على ما تحت قدمي، يا معشر الروم هلموا إلى أن نجيب هذا الرجل إلى ما دعا إليه ونسأله الشام أن لا يطأ علينا أبدا، فإنه لم يكتب قط نبي من الأنبياء إلى ملك من الملوك يدعوه إلى الله فيجيبه إلى ما دعاه ثم يسأله مسألة إلا أعطاه مسألته ما كانت فأطيعوني، قالوا: لا نطاوعك في هذا أبدا.
قال أبو سفيان: والله ما يمنعني من اقول عليه قولا أسقطه من عينه إلا أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها علي ولا يصدقني حتى ذكرت قوله ليلة أسري به، قلت: أيها الملك أنا أخبرك عنه خبرا تعرف أنه قد كذب، قال: وما هو قلت: إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا مسجد إيليا ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح قال: وبطريق إيليا عند رأس قيصر، قال البطريق: قد علمت تلك الليلة، فنظر إليه قيصر فقال ما علمك بهذا قال: إني كنت لا أبيت ليلة حتى أغلق أبواب المسجد فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني فاستعنت عليه عمالي ومن يحضرني كلهم فعالجته فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول به جبلا فدعوت الناجرة فنظروا إليه فقالوا هذا باب سقط عليه التجاق والبنيان فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من اين أتى فرجعت وتركته مفتوحا فلما أصبحت غدوت فإذا الحجر الذي من زاوية الباب مثقوب وإذا فيه أثر مربط الدابة فقلت لأصحابي ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي فقد صلى الليلة في مسجدنا.
فقال قيصر: يا معشر الروم أليس تعلمون أن بين عيسى وبين الساعة نبي بشركم به عيسى عليه السلام وهذا هو النّبيّ الذي بشر به عيسى فأجيبوه إلى ما دعل إليه، فلما رأى نفورهم قال: يا معشر الروم دعاكم ملككم يختبركم كيف صلابتكم في دينكم فشتمتموه وسببتموه وهو بين أظهركم فخروا له سجدا). [الدر المنثور: 9/223-227]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي في فضائل بيت المقدس عن كعب رضي الله عنه: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وقف البراق في الموقف الذي كان يقف فيه الأنبياء ثم دخل من باب النّبيّ وجبريل عليه السلام أمامه فأضاء له ضوء كما تضيء الشمس ثم تقدم جبريل عليه السلام أمامه حتى كان من شامي الصخرة فأذن جبريل عليه السلام ونزلت الملائكة عليهم السلام من السماء وحشر الله لهم المرسلين عليهم السلام فأقام الصلاة ثم تقدم جبريل عليه السلام فصلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالملائكة والمرسلين ثم تقدم قدام ذلك إلى موضع فوضع له مرقاة من ذهب ومرقاة من فضة وهو المعراج حتى عرج جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء). [الدر المنثور: 9/227]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي من طريق أبي حذيفة مؤذن بيت المقدس عن جدته أنها رأت صفية زوج النّبيّ رضي الله عنها وكعبا رضي الله عنه يقول: لها يا أم المؤمنين صلي ههنا فإن النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلى بالنبيين عليهم السلام حين أسري به ههنا وأومأ أبو حذيفة بيده على القبلة القصوى في دبر الصخرة). [الدر المنثور: 9/227-228]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي عن الوليد بن مسلم رضي الله عنه قال: حدثني بعض أشياخنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على بيت المقدس ليلة أسري به فإذا عن يمين المسجد وعن يساره نوران ساطعان فقلت يا جبريل ما هذان النوران قال: أما هذا الذي عن يمينك فإنه محراب أخيك داود - عليه السلام - وأما هذا الذي عن يسارك فعلى قبر أختك مريم). [الدر المنثور: 9/228]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن بن الحسين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم في الحجر جاءني جبريل فهمزني برجله فجلست فلم أر شيئا فعدت لمضجعي فجاءني الثانية فهمزني بقدمه فجلست فلم أر شيئا فعدت لمضجعي فجاءني فهمزني بقدمه فجلست فأخذ بعضدي فقمت معه فخرج إلى باب المسجد فإذا دابة أبيض بين الحمار والبغل له في فخذيه جناحتن يحفز بهما رجليه يضع يده في منتهى طرفه فحملني ثم خرج لا يفوتني ولا أفوته). [الدر المنثور: 9/228]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {سبحان الذي أسرى بعبده} الآية، قال: أتى جبريل النّبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة فحمله على البراق فسار به إلى بيت المقدس فمر بأبي سفيان في بعض الطريق وهو يحتلب ناقة فنفرت من حس البراق فأهرقت اللبن فسب أبو سفيان من نفرها وند جمل لهم أورق فذهب إلى بعض المياه فطلبوه فأخذوه ومر بواد فنفخ عليه من ريح المسك فسأل جبريل عليه السلام ما هذا الريح فقال: هؤلاء أهل بيت من المسلمين حرقوا بالنار في الله عز وجل). [الدر المنثور: 9/228-229]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن ابي حاتم عن عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي عمودا أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة قلت: ما تحملون قالوا: عمود الإسلام أمرنا أن نضعه بالشام). [الدر المنثور: 9/229]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {سبحان الذي أسرى بعبده} قال: أسري به من شعب أبي طالب). [الدر المنثور: 9/229]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما فقدت جسد رسول الله ولكن الله أسرى بروحه). [الدر المنثور: 9/229]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن معاوية بن أبي سفيان: أنه كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانت رؤيا من الله صادقة). [الدر المنثور: 9/229-230]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن النجار في تاريخه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل بالبراق فقال له أبو بكر رضي الله عنه: قد رأيتها يا رسول الله قال: صفها لي قال: بدنة، قال: صدقت قد رأيتها يا أبا بكر). [الدر المنثور: 9/230]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخطيب عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي إلى السماء قربني الله تعالى حتى كان بيني وبينه كقاب قوسين أو أدنى لا بل أدنى وعلمني المسميات قال: يا محمد قلت: لبيك يا رب قال: هل غمك أن جعلتك آخر النبيين قلت: يا رب لا، قال: فهل غم أمتك أن جعلتهم آخر الأمم قلت: يا رب لا قال: أبلغ أمتك مني السلام - وأخبرهم أني جعلتهم آخر الأمم لأفضح الأمم عندهم ولا أفضحهم عند الأمم). [الدر المنثور: 9/230]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به: إني أريد أن أخرج إلى قريش فأخبرهم فكذبوه وصدقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه - فسمي يومئذ الصديق). [الدر المنثور: 9/230]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير من طريق ابن شهاب رضي الله عنه قال: أخبرني ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أسري به على البراق - وهي دابة إبراهيم التي كان يزور عليها البيت الحرام يقع حافرها موضع طرفها، قال: فمرت بعير من عيرات قريش - بواد من تلك الأودية فنفر بعير عليه غرارتان سوداء وزرقاء حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيليا فأتي بقدحين قدح خمر وقدح لبن فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن، قال له جبريل عليه السلام: هديت إلى الفطرة لو أخذت قدح الخمر غوت أمتك، قال ابن شهاب رضي الله عنه: فأخبرني ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي هناك إبراهيم وموسى وعيسى فنعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما موسى فضرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوأة وأما عيسى فرجل أحمر كأنما خرج من ديماس فأشبه من رأيت به عروة بن مسعود الثقفي وأما إبراهيم فأنا أشبه ولده به، فلما رجع رسول الله حدث قريشا أنه أسري به فارتد ناس كثير بعدما أسلموا، قال أبو سلمة: فأتى أبو بكر الصديق رضي الله عنه - فقيل له: هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس ثم رجع في ليلة واحدة، قال أبو بكر رضي الله عنه: أو قال ذلك قالوا: نعم، قال: فأشهد إن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أفتشهد أنه جاء الشام في ليلة واحدة قال: إني أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء). [الدر المنثور: 9/231]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريج قال نافع بن جبير رضي الله عنه وغيره: لما أصبح النّبيّ من الليلة التي أسري به فيها لم يرعه إلا جبريل عليه الشمس يتدلى حين زاغت الشمس ولذلك سميت الأولى فأمر بلالا يصيح في الناس الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم - وصلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم - للناس طول الركعتين الأوليين ثم قصروا في الباقيتين ثم سلم جبريل عليه السلام على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وسلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم على الناس ثم في العصر عمل مثل ذلك ففعلوا كما فعلوا في الظهر ثم نزل في أول الليل فصيح الصلاة جامعة فصلى جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم - وصلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم - للناس طول في الأولتين وقصر في الثالثة ثم سلم جبريل عليه السلام على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم سلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم على الناس ثم لما ذهب ثلث الليل نزل فصيح الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم للناس فقرأ في الأولتين فطول وجهر وقصر في الباقيتين ثم سلم جبريل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم على الناس ثم لما طلع الفجر صيح الصلاة جامعة فصلى جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم للناس فقرأ فيهما وجهر وطول ورفع صوته ثم سلم جبريل عليه السلام على النّبيّ صلى الله عليه وسلم - وسلم النّبيّ على الناس). [الدر المنثور: 9/232]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو بكر الواسطي في كتاب فضائل بيت المقدس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كانت الأرض ماء فبعث الله تعالى ريحا فمسحت الماء مسحا فظهرت الأرض زبدة فقسمها أربع قطع: خلق من قطعة مكة والثانية مكة والثالثة بيت المقدس والرابعة الكوفة، وقال الواسطي رضي الله عنه عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: أن داود عليه السلام أراد أن يعلم عدد بني إسرائيل كم هم فبعث نقباء وعرفاء وأمرهم أن يرفعوا إليه ما بلغ عددهم فعتب الله عليه لذلك وقال: قد علمت أني وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفي ذريته حتى أجعلهم كعدد الذر وأجعلهم لا يحصى عددهم وأردت أن تعلم عددهم إنه لا يحصى عددهم فاختاروا اثنين أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين أو أسلط عليكم العدو ثلاثة أشهر أو الموت ثلاثة أيام فأشار بذلك داود عليه السلام على بني إسرائيل فقالوا ما لنا بالجوع ثلاث سنين صبر ولا بالعدو ثلاثة أشهر صبر فليس لهم تقية فإن كان لا بد فالموت بيده لا بيده غيره، فمات منهم في ساعة ألوف كثيرة ما يدرى عددهم فلما رأى ذلك داود عليه السلام شق عليه ما بلغه من كثرة الموت فسأل الله ودعا فقال: يا رب أنا آكل الحامض وبنو إسرائيل تدرس أنا طلبت ذلك وأمرت به بني إسرائيل فما كان من شيء فبي وارفع عن بني إسرائيل، فاستجاب له ورفع عنهم الموت فرأى داود عليه السلام الملائكة عليهم السلام سالين سيوفهم يغمدونها يرفعون في سلم من ذهب من الصخرة فقال داود: هذا مكان ينبغي أن يبنى فيه لله مسجد أو تكرمة وأراد أن يأخذ في بنيانه فأوحى الله إليه: هذا بيت المقدس وإنك بسطت يدك في الدماء فلست ببانيه ولكن ابن لك اسمه سليمان أسلمه من الدماء، فلما ملك سليمان عليه الصلاة والسلام بناه وشرفه فلما أراد سليمان عليه السلام أن يبنيه قال للشياطين: إن الله عز وجل أمرني أن أبني بيتا له لا يقطع فيه حجر بحديدة، فقالت الشياطين: لا يقدر على هذا إلا شيطان في البحر له مشربة يردها فانطلقوا إلى مشربته فأخرجوا ماءها وجعلوا مكانه خمرا فجاء يشرب فوجد ريحا فقال شيئا ولم يشرب فلما اشتد ظمؤه جاء فشرب فأخذ فبينما هم في الطريق إذا هم برجل يبيع الثوم بالبصل فضحك ثم مر بامرأة تكهن لقوم فضحك فلما انتهى إلى سليمان أخبر بضحكه فسأله فقال: مررت برجل يبيع الدواء بالداء ومررت بامرأة تكهن وتحتها كنز لا تعلم به، فذكر له شأن البناء فأمر أن يؤتى بقدر من نحاس لا تقلها البقر، فجعلوها على فروخ النسر ففعلوا ذلك فأقبل إليه فلم يصل إلى فروخه فعلا في جو السماء ثم تدلى فأقبل بعود في منقاره فوضعه على القدر فانفلقت فعمدوا إلى ذلك العود فأخذوه فعلموا [ فعملوا ] به الحجارة). [الدر المنثور: 9/233-235]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن سالم أبي النضر رضي الله عنه قال: لما كثر المسلمون في عهد عمر رضي الله عنه ضاق بهم المسجد فاشترى عمر رضي الله عنه ما حول المسجد من الدور إلا دار العباس بن عبد المطلب وحجر أمهات المؤمنين، فقال عمر رضي الله عنه للعباس: يا أبا الفضل إن مسجد المسلمين في مسجدهم قد ضاق بهم وقد ابتعت ما حوله من المنازل نوسع به على المسلمين في مسجدهم إلا دارك وحجر أمهات المؤمنين، قال عمر: فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها وأما دارك فبعينها بما شئت من بيت مال المسلمين أوسع بها في مسجدهم، فقال العباس رضي الله عنه: ما كنت لأفعل، فقال عمر رضي الله عنه: اختر مني أحدى ثلاث: إما أن تبيعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين وإما أن أحطك حيث شئت من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المسلمين وإما أن تصدق بها على المسلمين فيوسع بها في مسجدهم، فقال: لا ولا واحدة منها، فقال عمر رضي الله عنه: اجعل بيني وبينك من شئت، فقال أبي بن كعب رضي الله عنه فانطلقا إلى أبي فقصا عليه القصة، فقال أبي رضي الله عنه: إن شئتما حدثتكما بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا: حدثنا، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله أوحى إلى داود ابن لي بيتا أذكر فيه فخط له هذه الخطة - خطة بيت المقدس - فإذا بربعها زاوية بيت من بني إسرائيل فسال داود أن يبيعه إياه فأبى فحدث داود نفسه أن يأخذه منه فأوحى الله إليه: أن يا داود أمرتك أن تبني لي بيتا أذكر فيه فأردت أن تدخل في بيتي الغصب وليس من شأني الغصب وإن عقوبتك أن لا تبنيه قال: يا رب فمن ولدي قال: من ولدك، قال: فأخذ عمر رضي الله عنه بمجامع ثياب أبي بن كعب رضي الله عنه وقال: جئتك بشيء فجئت بما هو أشد منه لتخرجن مما قلت فجاء يقوده حتى أدخله المسجد فأوقفه على حلقة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيهم أبو ذر رضي الله عنه، فقال أبي رضي الله عنه: إني نشدت الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر حديث بيت المقدس حيث أمر الله تعالى داود أن يبنيه إلا ذكره، فقال أبو ذر: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال آخر: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل أبيا، فأقبل أبي على عمر رضي الله عنه فقال: يا عمر أتتهمني على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا أبا المنذر لا والله ما اتهمتك عليه ولكني كرهت أن يكون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا، قال: وقال عمر رضي الله عنه للعباس رضي الله عنه: اذهب فلا أعرض لك في ذلك، فقال العباس رضي الله عنه: أما إذ فعلت هذا فإني تصدقت بها على المسلمين أوسع بها عليهم في مسجدهم فأما وأنت تخاصمني فلا، فخط له عمر رضي الله عنه داره التي هي له اليوم وبناها من بيت مال المسلمين). [الدر المنثور: 9/235-237]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت للعباس دار بالمدينة فقال عمر رضي الله عنه: هبها لي أو بعينها حتى أدخلها في المسجد فأبى، قال: اجعل بيني وبينك رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلا أبي بن كعب رضي الله عنه بينهما فقضى أبي على عمر، فقال عمر رضي الله عنه: ما من أصحاب رسول الله أحد أجرأ علي من أبي، قال: إذ أنصح لك يا أمير المؤمنين أما علمت قصة المرأة أن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس أدخل فيه بيت امرأة بغير إذنها فلما بلغ حجر لرجال منع بناءه فقال: أي رب إذ منعتني ففي عقبي من بعدي، فلما كان بعد قال له العباس رضي الله عنه: أليس قد قضيت لي قال: بلى، قال: فهي لك قد جعلتها لله). [الدر المنثور: 9/237]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يأخذ دار العباس بن عبد المطلب ليزيد بها في المسجد فأبى العباس رضي الله عنه أن يعطيها إياه، فقال عمر رضي الله عنه لآخذنها، قال: فاجعل بيني وبينك أبي بن كعب، قال: نعم فأتيا أبيا فذكرا له فقال أبي رضي الله عنه: أوحى الله إلى سليمان بن داود عليه السلام أن يبني بيت المقدس وكانت أرض لرجل فاشترى منه الأرض فلما أعطاه الثمن قال: الذي أعطيتني خير أم الذي أخذت مني قال: بل الذي أخذت منك، قال: فإني لا أجيز ثم اشتراها منه بشيء أكثر من ذلك فصنع الرجل مثل ذلك مرتين أو ثلاثا فاشترط عليه سليمان عليه السلام: أني أبتاعها منك على حكمك ولا تسألني أيهما خير، قال: نعم، فاشتراها منه بحكمة فاحتكم اثني عشر ألف قنطار ذهبا فتعاظم ذلك سليمان أن يعطيه فأوحى الله إليه إن كنت تعطيه من شيء هو لك فأنت أعلم وإن كنت تعطيه من رزقنا فأعطه حتى يرضى، قال: ففعل، قال: وإني أرى أن عباسا رضي الله عنه أحق بداره حتى يرضى، قال العباس رضي الله عنه: فإذ قضيت فإني أجعلها صدقة على المسلمين). [الدر المنثور: 9/238]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن زيد بن أسلم قال: كان للعباس بن عبد المطلب دار إلى جنب مسجد المدينة فقال له عمر رضي الله عنه بعينها، وأراد عمر أن يدخلها في المسجد فأبى العباس أن يبيعها إياه، فقال عمر رضي الله عنه: فهبها لي فأبى، فقال عمر: فوسعها أنت في المسجد، فأبى فقال عمر: لا بد لك من إحداهن فأبى عليه، قال: فخذ بيني وبينك رجلا، فأخذا أبي بن كعب فاختصما إليه فقال أبي لعمر: ما أرى أن تخرجه من داره حتى ترضيه: فقال له عمر: أرأيت قضاءك هذا في كتاب الله أم سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبي: بل سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: وما ذاك قال: إني سمعت رسول الله يقول: إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس جعل كلما بنى حائطا أصبح منهدما فأوحى الله إليه أن لا تبن في حق رجل حتى ترضيه فتركه عمر رضي الله عنه فوسعها العباس رضي الله عنه بعد ذلك في المسجد). [الدر المنثور: 9/238-239]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: لما أمر الله تعالى داود أن يبني بيت المقدس قال: يا رب وأين أبنيه قال: حيث ترى الملك شاهرا سيفه قال: فرآه في ذلك المكان، فأخذ داود عليه السلام فأسس قواعده ورفع حائطه فلما ارتفع انهدم، فقال داود عليه السلام: يا رب أمرتني أن أبني لك بيتا فلما ارتفع هدمته فقال: يا داود إنما جعلت خليفتني في خلقي لم أخذته من صاحبه بغير ثمن إنه يبنيه رجل من ولدك فلما كان سليمان عليه السلام ساوم صاحب الأرض بها، فقال له: هي بقنطار فقال له سليمان عليه السلام: قد استوجبتها فقال له صاحب الأرض: هي خير أم ذاك قال: لا بل هي خير قال: فإنه قد بدا لي، قال: أو ليس قد أوجبتها، قال: لا ولكن البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، قال ابن المبارك رضي الله عنه: هذا أصل الخيار، فلم يزل يزايده ويقول مثل قوله الأول حتى استوجبتها منه بتسعة قناطير فبناه سليمان عليه السلام حتى فرغ منه وتغلقت أبوابها فعالجها سليمان عليه السلام أن يفتحها فلم تنفتح حتى قال في دعائه: بصلوات أبي داود إلا تفتحت الأبواب فتفتحت الأبواب، قال: ففرغ له سليمان عليه السلام: عشرة آلاف من قراء بني إسرائيل خمسة آلاف بالليل وخمسة آلاف بالنهار ولا تأتي ساعة من ليل ولا نهار إلا الله عز وجل يعبد فيه). [الدر المنثور: 9/239-240]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي عن الشيباني قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام: إنك لم تتم بناء بيت المقدس، قال أي رب ولم قال: لأنك غمرت يدك في الدم، قال: أي رب ولم يكن ذلك في طاعتك قال: بلى وإن كان). [الدر المنثور: 9/240]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن حبان في الضعفاء والطبراني، وابن مردويه والواسطي عن رافع بن عمير رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله لداود عليه السلام: ابن لي بيتا في الأرض فبنى داود عليه السلام بيتا لنفسه قبل البيت الذي أمر به، فأوحى الله إليه: يا داود قضيت بيتك قبل بيتي قال: يا رب هكذا قلت: من ملك استأثر ثم أخذ في بناء المسجد فلما تم السور سقط ثلث فشكا ذلك إلى الله، فأوحى الله إليه: إنك لا تصلح أن تبني لي بيتا قال: ولم يا رب قال: لما جرى على يديك من الدماء قال: يا رب أو لم يكن ذلك في هواك ومحبتك قال: بلى ولكنهم عبادي وأنا أرحمهم فشق ذلك عليه فأوحى الله إليه لا تحزن فإني سأقضي بناءه على يدي ابنك سليمان فلما مات داود عليه السلام أخذ سليمان في بنائه فلما تم قرب القرابين وذبح الذبائح وجمع بني إسرائيل.
فأوحى الله تعالى إليه: قد أرى سرورك ببنيان بيتي فاسأني أعطك قال: أسألك ثلاث خصال: حكما يصادف حكمك وملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ومن أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - أما الاثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة). [الدر المنثور: 9/240-241]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي عن كعب قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام: ابن لي بيت المقدس: فعارضه ببناء له، فأوحى الله إليه يا داود أمرتك أن تبني بيتا لي فعارضته ببناء لك ليس لك أن تبنيه قال: يا رب ففي عقبي، قال: في عقبك، فلما ولي سليمان عليه السلام أوحى الله إليه أن ابن بيت المقدس فبناه فلما خر ساجدا شاكرا له تعالى، قال: يا رب من دخله من خائف فأمنه أو من داع فاستجب له أو مستغفر فاغفر له فأوحى الله إليه أني قد خصصت لآل داود الدعاء قال: فذبح أربعة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة وصنع طعاما ودعا بني إسرائيل). [الدر المنثور: 9/241-242]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والنسائي، وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن سليمان عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنتين وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة، سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد يعني بيت المقدس خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ونحن نرجو أن يكون الله أعطاه ذلك). [الدر المنثور: 9/242-243]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة والواسطي عن عبد الله بن عمر قال: إن الحرم لحرم في السموات السبع بمقداره من الأرض، وإن بيت المقدس لمقدس في السموات السبع بمقداره من الأرض). [الدر المنثور: 9/243]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم، وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى). [الدر المنثور: 9/243]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي، وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى). [الدر المنثور: 9/243]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي عن عطاء الخراساني رضي الله عنه قال: لما فرغ سليمان بن داود عليه السلام من بناء بيت المقدس أنبت الله له شجرتين عند باب الرحمة: إحداهما تنبت الذهب والأخرى تنبت الفضة، فكان في كل يوم ينتزع من كل واحدة مائتي رطل من ذهب وفضة ففرش المسجد بلاطة ذهبا وبلاطة فضة فلما جاء بختنصر خربه واحتمل منه ثمانين عجلة ذهبا وفضة فطرحة برومية). [الدر المنثور: 9/243-244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن يحيى بن عمرو الشيباني قال: لما بنى داود عليه السلام مسجد بيت المقدس نهي أن يدخل الرخام بيت المقدس لأنه الحجر الملعون فخر على الحجارة فلعن). [الدر المنثور: 9/244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى وليوشكن أن يكون للرجل مثل بسط فرشه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا أو قال خير من الدنيا وما فيها). [الدر المنثور: 9/244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي عن كعب رضي الله عنه قال: إن الله عز وجل ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين). [الدر المنثور: 9/244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال وهو ببيت المقدس: يا نافع أخرج بنا من هذا البيت فإن السيئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات). [الدر المنثور: 9/245]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي عن مكحول رضي الله عنه: أن ميمونة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيت المقدس قال: نعم المسكن بيت المقدس ومن صلى فيه صلاة بألف صلاة فيما سواه قالت: فمن لم يطق ذلك قال فليهد إليه زيتا). [الدر المنثور: 9/245]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي عن مكحول رضي الله عنه قال: من صلى في بيت المقدس ظهرا وعصرا ومغربا وعشاء وصبحا ثم صلى الغداة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). [الدر المنثور: 9/245]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي عن كعب رضي الله عنه قال: شكا بيت المقدس إلى الله عز وجل الخراب فقيل: هل يتكلم المسجد فقال: إنه ما من مسجد إلا وله عينان يبصر بهما ولسان يتكلم به وإنه ليلتوي من البزاق والنجاسة كما تلتوي الدابة من ضربة السوط). [الدر المنثور: 9/245]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي عن كعب في بيت المقدس: اليوم فيه كألف يوم والشهر فيه كألف شهر والسنة فيه كألف سنة ومن مات فيه فكأنما مات في السماء الدنيا). [الدر المنثور: 9/245-246]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواسطي عن الشيباني رضي الله عنه قال: ليس يعد من الخلفاء إلا من ملك المسجدين المسجد الحرام ومسجد بيت المقدس). [الدر المنثور: 9/246]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {الذي باركنا حوله} قال: أنبتنا حوله الشجر). [الدر المنثور: 9/243]

تفسير قوله تعالى: (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدًى لبني إسرائيل ألاّ تتّخذوا من دوني وكيلاً}.
يقول تعالى ذكره: سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً وآتى موسى الكتاب، وردّ الكلام إلى {وآتينا} وقد ابتدأ بقوله أسرى، لما قد ذكرنا قبل فيما مضى من فعل العرب في نظائر ذلك من ابتداء الخبر بالخبر عن الغائب، ثمّ الرّجوع إلى الخطّاب وأشباهه.
وعنى بالكتاب الّذي أوتي موسى: التّوراة {وجعلناه هدًى لبني إسرائيل} يقول: وجعلنا الكتاب الّذي هو التّوراة بيانًا للحقٍّ، ودليلاً لهم على محجّة الصّواب فيما افترض عليهم، وأمرهم به، ونهاهم عنه
وقوله: {ألاّ تتّخذوا من دوني وكيلاً} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والكوفة {ألاّ تتّخذوا} بالتّاء بمعنى: وآتينا موسى الكتاب بألا تتّخذوا يا بني إسرائيل من دوني وكيلاً.
وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة: ( ألاّ يتّخذوا ) بالياء على الخبر عن بني إسرائيل، بمعنى: وجعلناه هدًى لبني إسرائيل، ألاّ يتّخذ بنو إسرائيل من دوني وكيلاً.
وهما قراءتان صحيحتا المعنى، متّفقتان غير مختلفتين، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب الصّواب، غير أنّي أوثر القراءة بالتّاء، لأنّها أشهر في القراءة وأشدّ استفاضةً فيهم من القراءة بالياء. ومعنى الكلام: وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدًى لبني إسرائيل ألاّ تتّخذوا حفيظًا لكم سواي.
وقد بيّنّا معنى الوكيل فيما مضى.
وكان مجاهدٌ يقول: معناه في هذا الموضع: الشّريك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ألاّ تتّخذوا من دوني وكيلاً} قال: شريكًا.
وكأنّ مجاهدًا جعل إقامة من أقام شيئًا سوى اللّه مقامه شريكًا منه له، ووكيلاً للّذي أقامه مقام اللّه.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل هذه الآية، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدًى لبني إسرائيل} جعله اللّه لهم هدًى، يخرجهم من الظّلمات إلى النّور وجعله رحمةً لهم). [جامع البيان: 14/449-450]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح في قوله ألا تتخذا من دوني وكيلا يعني شريكا). [تفسير مجاهد: 357]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل} قال جعله الله لهم هدى يخرجهم من الظلمات إلى النور وجعله رحمة لهم). [الدر المنثور: 9/246]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ألا تتخذوا من دوني وكيلا} قال: شريكا). [الدر المنثور: 9/246]

تفسير قوله تعالى: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {إنه كان عبدًا شكورًا} [سورة الإسراء: 3]، قال: لم يأكل شيئًا قط إلا حمد الله عليه، ولم يشرب شرابًا قط إلا حمد الله عليه، ولم يمش ممشى قط إلا حمد الله عليه، ولم يبطش بشيء قط إلا حمد الله عليه، فأثنى الله عليه: {إنه كان عبدًا شكورًا} ). [الزهد لابن المبارك: 2/699]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني عبد الجبار بن عمر أن ابن أبي مريم حدثه قال: إنما سمى الله نوحا {عبدا شكورا}، أنه كان إذا خرج البراز منه قال: الحمد لله الذي سوغنيك طيبا وأخرج عني أذاك وأبقى في منفعتك). [الجامع في علوم القرآن: 1/57]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ذرية من حملنا مع نوح إنه يقال بنوه ثلاثة ونساؤهم وامرأته). [تفسير عبد الرزاق: 1/373]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وأخبرني يونس بن حيان عن مجاهد قال بنوه ثلاثة ونساؤهم ونوح ولم يكن معهم امرأته). [تفسير عبد الرزاق: 1/373]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى إنه كان عبدا شكورا قال كان إذا لبس ثوبا قال بسم الله وإذا أخلقه قال الحمد لله). [تفسير عبد الرزاق: 1/373-374]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال شكره أن يسمي الله إذا أكل ويحمده إذا فرغ). [تفسير عبد الرزاق: 1/374]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن عيسى عن مجاهدٍ في قوله: {ذرّيّة من حملنا مع نوح} قال: هم نداءٌ يا ذرّية من حملنا مع نوح [الآية: 3]). [تفسير الثوري: 168]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن التيمي عن أبي عثمان عن سلمان في قوله: {إنه كان عبدا شكورا} قال: كان إذا أكل طعامًا حمد اللّه وإذا لبس ثوبًا حمد الله [الآية: 3].
سفيان [الثوري] عن أبي حصينٍ عن عبد اللّه بن سنانٍ عن سعيد بن مسعودٍ الثّقفيّ مثله). [تفسير الثوري: 168-169]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ إنّه كان عبدًا شكورًا} [الإسراء: 3]
- حدّثنا محمّد بن مقاتلٍ، أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا أبو حيّان التّيميّ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جريرٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أتي بلحمٍ فرفع إليه الذّراع، وكانت تعجبه فنهش منها نهشةً، ثمّ قال: " أنا سيّد النّاس يوم القيامة، وهل تدرون ممّ ذلك؟ يجمع اللّه النّاس الأوّلين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ، يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر، وتدنو الشّمس، فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول النّاس: ألا ترون ما قد بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعضٍ: عليكم بآدم، فيأتون آدم عليه السّلام فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك اللّه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه قد نهاني عن الشّجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوحٍ، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، إنّك أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض، وقد سمّاك اللّه عبدًا شكورًا، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي عزّ وجلّ قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه قد كانت لي دعوةٌ دعوتها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبيّ اللّه وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه، فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّي قد كنت كذبت ثلاث كذباتٍ - فذكرهنّ أبو حيّان في الحديث - نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى فيأتون، موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول اللّه، فضّلك اللّه برسالته وبكلامه على النّاس، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّي قد قتلت نفسًا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى ابن مريم، فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى أنت رسول اللّه، وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وكلّمت النّاس في المهد صبيًّا، اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله قطّ، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبًا، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمّدٍ، فيأتون محمّدًا فيقولون: يا محمّد أنت رسول اللّه وخاتم الأنبياء، وقد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه، فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربّي عزّ وجلّ، ثمّ يفتح اللّه عليّ من محامده وحسن الثّناء عليه شيئًا، لم يفتحه على أحدٍ قبلي، ثمّ يقال: يا محمّد ارفع رأسك سل تعطه، واشفع تشفّع فأرفع رأسي، فأقول: أمّتي يا ربّ، أمّتي يا ربّ، أمّتي يا ربّ، فيقال: يا محمّد أدخل من أمّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنّة، وهم شركاء النّاس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة، كما بين مكّة وحمير - أو كما بين مكّة وبصرى - "). [صحيح البخاري: 6/84-85]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ إنّه كان عبدا شكورًا)
ذكر فيه حديث أبي هريرة في الشّفاعة من طريق أبي زرعة بن عمرٍو عنه وسيأتي في شرحه في الرّقاق وأورده هنا لقوله فيه يقولون يا نوح أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض وقد سمّاك اللّه عبدًا شكورًا وقد مضى البحث في كونه أوّل الرّسل في كتاب التّيمّم وقوله فيه في ذكر إبراهيم وإنّي قد كنت كذبت ثلاث كذباتٍ فذكرهنّ أبو حيّان في الحديث يشير إلى أنّ من دون أبي حيّان اختصر ذلك وأبو حيّان هو الرّاوي له عن أبي زرعة وقد مضى ذلك في أحاديث الأنبياء وفي الحديث ردٌّ على من زعم أنّ الضّمير في قوله إنّه كان عبدا شكورًا لموسى عليه السّلام وقد صحّح بن حبّان من حديث سلمان الفارسيّ كان نوحٌ إذا طعم أو لبس حمد اللّه فسمّي عبدا شكورًا وله شاهد عند بن مردويه من حديث معاذ بن أنسٍ وآخر من حديث أبي فاطمة وقوله ينفذهم البصر بفتح أوّله وضمّ الفاء من الثّلاثيّ أي يخرقهم وبضمّ أوّله وكسر الفاء من الرّباعيّ أي يحيط بهم والذّال معجمةٌ في الرّواية وقال أبو حاتمٍ السّجستانيّ أصحاب الحديث يقولونه بالمعجمة وإنّما هو بالمهملة ومعناه يبلغ أوّلهم وآخرهم وأجيب بأنّ المعنى يحيط بهم الرّائي لا يخفى عليه منهم شيءٌ لاستواء الأرض فلا يكون فيها ما يستتر به أحدٌ من الرّائي وهذا أولى من قول أبي عبيدة يأتي عليهم بصر الرّحمن إذ رؤية اللّه تعالى محيطةٌ بجميعهم في كلّ حالٍ سواءٌ الصّعيد المستوي وغيره ويقال نفذه البصر إذا بلغه وجاوزه والنّفاذ الجواز والخلوص من الشّيء ومنه نفذ السّهم إذا خرق الرّميّة وخرج منها). [فتح الباري: 8/396]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ إنّه كان عبداً شكوراً} (الإسراء: 3)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {ذرّيّة من حملنا مع نوح} إلى آخره ... قال المفسّرون: يعني يا ذرّيّة من حملنا، وقال الزّمخشريّ: وقرىء ذرّيّة بالرّفع بدلا من واو تتّخذوا، وقرأ زيد بن ثابت رضي الله عنه، ذرّيّة، بكسر الذّال، وروى عنه أنه فسرها بولد الولد. قوله: (إنّه كان عبدا شكورًا) ، قال المفسّرون: كان نوح عليه الصّلاة والسّلام، إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما أو شرب شرابًا قال: الحمد لله، فسمى عبدا شكورًا، وعن عمران بن سليم: إنّما سمي نوح عليه الصّلاة والسّلام، عبدا شكورًا لأنّه كان إذا أكل طعاما قال: الحمد لله الّذي أطعمني، ولو شاء أجاعني، وإذا شرب شرابًا، قال: الحمد لله الّذي سقاني ولو شاء أظمأني، وإذا اكتسى، قال: الحمدلله الّذي كساني ولو شاء أعراني، وإذا احتذى قال: الحمد لله الّذي حذاني ولو شاء أحفاني، وإذا قضى حاجته قال: الحمد لله الّذي أخرج عني أذاء في عافية ولو شاء حبسه.
- حدّثنا محمّد بن مقاتلٍ أخبرنا عبد الله أخبرنا أبو حيّان التّيميّ عن أبي زرعة ابن عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحمٍ فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسةً ثمّ قال أنا سيّد النّاس يوم القيامة وهل تدرون ممّ ذاك يجمع النّاس الأوّلين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول النّاس ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم فيقول بعض النّاس لبعضٍ عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السّلام فيقولون له أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا فيقول آدم إنّ ربّي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته. نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوحٍ فيأتون نوحاً فيقولون يا نوح إنّك أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض وقد سمّاك الله عبداً شكوراً اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول إنّ ربّي عزّ وجلّ قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنّه قد كانت لي دعوةٌ دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول لهم إنّ ربّي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنّي قد كنت كذبت ثلاث كذباتٍ فذكرهنّ أبو حيّان في الحديث نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضّلك الله برسالته وبكلامه على النّاس اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول إنّ ربّي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنّي قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وكلّمت النّاس في المهد صبيًّا اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول عيسى إنّ ربّي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنباً نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمّدٍ صلى الله عليه وسلم فيأتون محمّداً صلى الله عليه وسلم فيقولون يا محمّد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربّي عزّ وجلّ ثمّ يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثّناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحدٍ قبلي ثمّ يقال يا محمّد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفّع فأرفع رأسي فأقول أمّتي يا ربّ أمّتي يا ربّ فيقال يا محمّد أدخل من أمّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن أبواب الجنّة وهم شركاء النّاس فيما سوى ذالك من الأبواب ثمّ قال والّذي نفسي بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة كما بين مكّة وحمير أو كما بين مكّة وبصرى.
(انظر الحديث 3340 وطرفه) .
مطابقته للتّرجمة في قوله: (عبدا شكورًا) . ومحمّد بن مقاتل المروزي. وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وأبو حيّان. بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف: واسمه يحيى بن سعيد بن حيّان التّيميّ تيم الرباب الكوفي، وأبو زرعة هو هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجليّ الكوفي.
والحديث مضى مختصرا في أحاديث الأنبياء عليهم السّلام، عن إسحاق بن نصر عن محمّد بن عبيد عن أبي حيّان عن أبي زرعة عن أبي هريرة، ومضى الكلام فيه هناك، ولنتكلم فيما لم يذكر.
قوله: (فنهس) ، من النهس وهو أخذ اللّحم بأطراف الأسنان، والنهش بالمعجمة الأخذ بجميعها. قوله: (مم ذلك؟) ويروى: مم ذاك؟ قوله: (يسمعهم) من الإسماع. قوله: (وينفذهم) بضم الياء، أي: يحيط بهم بصر النّاظر لا يخفى عليه شيء لاستواء الأرض وعدم الحجاب. قوله: (ولن يغضب) ويروى: ولا يغضب. قوله: (وإنّه نهاني) ويروي: وإنّه قد نهاني. قوله: (نفسي نفسي نفسي) ثلاث مرّات. قوله: (فذكرهنّ أبو حيّان) أي: فذكر الثّلاث الكذبات أبو حيّان الرّاوي المذكور، وهي قوله: إنّي سقيم، وبل فعله كبيرهم، وإنّها أختي، في حق سارة. انتهى. قوله: (لم أومر) على صيغة المجهول. قوله: (يشفع) على صيغة المجهول من التشفع وهو قبول الشّفاعة. قوله: (ادخل) أمر من الإدخال. قوله: (وحمير) ، بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الياء آخر الحروف: هو باليمن، (وبصرى) بضم الباء مدينة بالشّام). [عمدة القاري: 19/26-28]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب: {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ إنّه كان عبدًا شكورًا} [الإسراء: 3]
(باب) قوله تعالى: ({ذرية من حملنا مع نوح}) بنصب ذرية على الاختصاص أو على البدل من وكيلًا أي لا تتخذوا من دوني وكيلًا ذرية من حملنا مع نوح ({إنه}) أي إن نوحًا ({كان عبدًا شكورًا}) [الإسراء: 3] قال الحافظ ابن كثير: وقد ورد في الحديث والأثر عن السلف أن نوحًا عليه السلام كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله فلهذا سمي عبدًا شكورًا، وصحح ابن حبان من حديث سلمان كان نوح إذا طعم أو لبس حمد الله فسمي عبدًا شكورًا، وله شاهد عند ابن مردويه من حديث معاذ بن أنس وفيه تهييج على الشكر على النعم لا سيما نعمة الإسلام ومحمد -صلّى اللّه عليه وسلّم- وسقط باب لغير أبي ذر.
- حدّثنا محمّد بن مقاتلٍ، أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا أبو حيّان التّيميّ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جريرٍ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتي رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بلحمٍ فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسةً، ثمّ قال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة وهل تدرون ممّ ذلك يجمع النّاس الأوّلين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول النّاس: ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعضٍ عليكم بآدم، فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له أنت أبو البشر خلقك اللّه بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا فيقول آدم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوحٍ فيأتون نوحًا فيقولون يا نوح إنّك أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض وقد سمّاك اللّه عبدًا شكورًا، اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي عزّ وجلّ قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله وإنّه قد كانت لي دعوةٌ دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبيّ اللّه وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنّي قد كنت كذبت ثلاث كذباتٍ" فذكرهنّ أبو حيّان في الحديث "نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول اللّه فضّلك اللّه برسالته وبكلامه على النّاس اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟
فيقول: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنّي قد قتلت نفسًا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وكلّمت النّاس في المهد صبيًّا اشفع لنا ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبًا نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فيأتون محمّدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- فيقولون: يا محمّد أنت رسول اللّه وخاتم الأنبياء وقد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربّي عزّ وجلّ ثمّ يفتح اللّه عليّ من محامده وحسن الثّناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحدٍ قبلي، ثمّ يقال: يا محمّد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: أمّتي يا ربّ أمّتي يا ربّ، فيقال: يا محمّد أدخل من أمّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنّة وهم شركاء النّاس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثمّ قال: والّذي نفسي بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة كما بين مكّة وحمير أو كما بين مكّة وبصرى».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي أيضًا قال: (أخبرنا أبو حيان) بفتح الحاء المهملة والتحتية المشدّدة يحيى بن سعيد بن حيان (التيمي) تيم الرباب الكوفي (عن أبي زرعة) هرم (بن عمرو بن جرير) البجلي الكوفي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتي) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) ولأبي ذر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- أتي (بلحم فرفع إليه الذراع) قال السفاقسي: الصواب فرفعت إليه الذراع (وكانت تعجبه) لزيادة لذتها (فنهس منها نهسة) بالسين المهملة فيهما أي أخذ منها بأطراف أسنانه ولأبي ذر: فنهش منها نهشة بالمعجمة أي بأضراسه أو بجميع أسنانه (ثم قال): إعلامًا لأمته بقدره عند الله ليؤمنوا به كغيره مما جاء به من الواجبات:
(أنا سيد الناس) آدم وجميع ولده (يوم القيامة) وتخصيصه بالقيامة يلزم منه ثبوت سيادته في الدنيا بطريق الأولوية، ونهيه عن التفضيل على طريق التواضع (وهل تدرون ممّ ذلك) ولأبي ذر: مم ذاك بالألف بدل اللام (يجمع الناس) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول وللكشميهني والمستملي يجمع الله الناس (الأولين والآخرين في صعيد واحد) أرض واسعة مستوية (يسمعهم الداعي) بضم الياء من الإسماع (وينفذهم البصر) بفتح الياء وسكون النون والذال المعجمة أي يحيط بهم لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض وعدم الحجاب (وتدنو الشمس).
وفي الزهد لابن المبارك ومصنف ابن أبي شيبة واللفظ له بسند جيد عن سلمان قال: تعطي الشمس يوم القيامة حرّ عشر سنين، ثم تدنو من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون
حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم يرتفع حتى يغرغر الرجل. زاد ابن المبارك في روايته ولا يضر حرها يومنذ مؤمنًا ولا مؤمنة.
(فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟) بفتح همزة ألا وتخفيف لامها في الموضعين وهي للعرض والتخصيص (فيقول بعض الناس لبعض عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام، فيقولون له: أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه) قال الكرماني: الإضافة إلى الله تعالى لتعظيم المضاف وتشريفه (وأمر الملائكة فسجدوا لك) وزاد في رواية همام في التوحيد وأسكنك جنته وعلمك أسماء كل شيء (اشفع لنا إلى ربك) حتى يريحنا مما نحن فيه (ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟) بتخفيف لام ألا ترى في الموضعين وتحريك غين بلغنا وسقط للحموي والمستملي لفظة إلى الأخيرة (فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا يغضب (بعده مثله) والمراد من الغضب كما قال الكرماني لازمه وهو إرادة إيصال العذاب وقال النووي: المراد بغضب الله ما يظهر من انتقامه فيمن عصاه وما يشاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم يكن ولا يكون مثلها (وأنه نهاني) ولأبي ذر وأنه قد نهاني (عن الشجرة) أي عن أكلها (فعصيته) وأكلتها (نفسي نفسي نفسي)، كررها ثلاثًا أي هي التي تستحق أن يشفع لها إذ المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد بعض لوازمه أو نفسي مبتدأ والخبر محذوف (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح) بيان لقوله اذهبوا إلى غيري (فيأتون نوحًا فيقولون يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض).
واستشكلت هذه الأولية بأن آدم نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وهم قبل نوح. وأجيب: بأن الأولية مقيدة بأهل الأرض لأن آدم ومن ذكر معه لم يرسلوا إلى أهل الأرض ويشكل عليه حديث جابر وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة. وأجيب: بأن بعثته إلى أهل الأرض باعتبار الواقع لصدق أنهم قومه بخلاف بعثة نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- لقومه وغيرهم أو الأولية مقيدة بكونه أهلك قومه أو أن الثلاثة كانوا أنبياء ولم يكونوا رسلًا لكن في صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر ما يقتضي أنه كان مرسلًا والتصريح بنزال الصحف على شيث.
(وقد سماك الله) أي في القرآن في سورة بني إسرائيل (عبدًا شكورًا) وهذا موضع الترجمة (اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول: إن ربي عز وجل) ولأبي ذر فيقول رب عز وجل (قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت) ولأبي ذر قد كان (لي دعوة دعوتها على قومي) هي التي أغرق بها الأرض يعني أن له دعوة واحدة محققة الإجابة، وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض فخشي أن يطلب فلا يجاب، وفي حديث أنس عند الشيخين: ويذكر خطيئته التي أصاب سؤاله ربه بغير علم، فيحتمل أن يكون اعتذر بأمرين: أحدهما أنه استوفى دعوته المستجابة، وثانيهما: سؤاله ربه بغير علم بحيث قال: رب إن ابني من أهلي فخشي أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا أي هي التي تستحق أن يشفع لها (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم) زاد في رواية أن خليل الرحمن (فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض) لا ينفي وصف نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- بمقام الخلة الثابت له على وجه أعلى من إبراهيم (اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات) بفتحات (فذكرهن أبو حيان) يحيى بن سعيد التيمي الراوي عن أبي زرعة (في الحديث) واختصرهن من دونه وهي قوله: إني سقيم، وبل فعله كبيرهم، وقوله لسارة هي أختي والحق أنها معاريض لكن لما كانت صورتها صورة كذب سماها به وأشفق منها استقصارًا لنفسه عن مقام الشفاعة مع وقوعها لأن من كان بالله أعرف وأقرب منزلة كان أعظم خطرًا وأشد خشية قاله البيضاوي. (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا (اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضّلك الله برسالته) بالإفراد (وبكلامه على الناس) عام مخصوص على ما لا يخفى فقد ثبت أنه تعالى كلّم نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- ليلة المعراج ولا يلزم من قيام وصف التكلم به أن يشتق له منه اسم الكليم كموسى إذ هو وصف غلب على موسى كالحبيب لنبينا محمد -صلّى اللّه عليه وسلّم- وإن كان شارك الخليل في الخلة على وجه أكمل منه (اشفع لنا إلى ربك ألا) بتخفيف اللام ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني أما بميم مخففة بدل اللام (ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسًا لم أومر بقتلها) بضم الهمزة وسكون الواو يريد قتله القبطي المذكور في آية القصص وإنما استعظمته واعتذر به لأنه لم يؤمر بقتل الكفار أو لأنه كان مؤمنًا فيهم فلم يكن له اغتياله ولا يقدح في عصمته لكونه خطأ وعدّه من عمل الشيطان في الآية، وسماه ظلمًا واستغفر منه على عادتهم في استعظام محقرات فرطت منهم (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى) وفي رواية أبي ذر زيادة ابن مريم (فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم) أي أوصلها إليها وحصلها فيها (وروح منه) أي وذو روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة له (وكلمت الناس في المهد) حال كونك (صبيًّا) أي طفلًا والمهد مصدر سمي به ما يمهد للصبي من مضجعه وسقط صبيًّا لأبي ذر (اشفع لنا) أي إلى ربك حتى يريحنا مما نحن فيه (ألا ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فيقول عيسى: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله) زاد أبو ذر قط (ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبًا) وفي رواية أحمد والنسائي من حديث ابن عباس إني اتخذت إلهًا من دون الله، وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد وإن يغفر لي اليوم حسبي (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد -صلّى اللّه عليه وسلّم-) زاد في حديث أنس الطويل في الرقاق فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (فيأتون محمدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم-) سقطت التصلية في الموضعين لأبي ذر (فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) يعني أنه غير مؤاخذ بذنب ولو وقع.
قال في فتح الباري: ويستفاد من قول عيسى في حق نبينا هذا ومن قول موسى إني قتلت نفسًا وأن يغفر لي اليوم حسبي مع أن الله غفر له بنص القرآن التفرقة بين من وقع منه شيء ومن لم يقع منه شيء أصلًا، فإن موسى مع وقوع المغفرة له لم يرتفع إشفاقه من المؤاخذة بذلك أو رأى في نفسه تقصيرًا عن مقام الشفاعة مع وجود ما صدر منه بخلاف نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- في ذلك كله، ومن ثم احتج عيسى بأنه صاحب الشفاعة لأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بمعنى أن الله أخبر أن لا يؤاخذه بذنب، ولو وقع منه، قال وهذا من النفائس التي فتح الله بها في فتح الباري فله الحمد، وقال القاضي عياض: ويحتمل أنهم علموا أن صاحبها محمد -صلّى اللّه عليه وسلّم- معينًا وتكون إحالة كل واحد منهم على الآخر على تدريج الشفاعة في ذلك إليه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إظهارًا لشرفه في ذلك المقام العظيم.
(اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي عز وجل) زاد في حديث أبي بكر الصديق عند أبي عوانة قدر جمعة (ثم يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي) وفي حديث أبيّ بن كعب عند أبي يعلى رفعه: يعرفني الله نفسه فأسجد له سجدة يرضى بها عني ثم أمتدحه بمدحة يرضى بها عني (ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه) بسكون الهاء (واشفع تشفع) مبني للمفعول من التشفيع أي تقبل شفاعتك (فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب أمتي يا رب) مرتين ولأبي ذر أمتي يا رب فزاد ثالثة (فيقال: يا محمد أدخل من أمتك) بكسر الخاء أمر من الإدخال أي الجنة (من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة) وهم سبعون ألفًا وهم أول من يدخلها (وهم) أيضًا (شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ثم قال: و) الله (الذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة) بكسر الميم من مصراعين وهما جانبا الباب (كما بين مكة وحمير) بكسر الحاء المهملة وفتح التحتية بينهما ميم ساكنة آخره راء أي صنعاء لأنها بلد حمير (أو كما بين مكة وبصرى) بضم الموحدة مدينة بالشام بينها وبين دمشق ثلاث مراحل والشك من الراوي.
وهذا الحديث قد مرّ باختصار في أحاديث الأنبياء). [إرشاد الساري: 7/204-207]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ إنّه كان عبدًا شكورًا}
- أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، أخبرنا أبو حيّان، قال: حدّثني أبو زرعة بن عمرو بن جريرٍ، عن أبي هريرة، قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومًا بلحمٍ، فرفع إليه الذّراع، وكانت تعجبه، فنهس منها ثمّ قال: " أنا سيّد النّاس يوم القيامة، هل تدرون لم ذاك؟ يجمع الله الأوّلين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ، يسمعهم الدّاعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحملون، فيقول بعض النّاس لبعضٍ: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعضٍ: أبوكم آدم، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم آدم عليه السّلام؟ إنّ ربّي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوحٍ، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض، وسمّاك الله عبدًا شكورًا، فاشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم نوحٌ: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه كان لي دعوةٌ على قومي، نفسي نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض، فاشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول إبراهيم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله، ولن يغضب بعده مثله، نفسي نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنت فضّلك الله برسالته وكلامه على النّاس، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إنّ ربّي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّي قتلت نفسًا لم أؤمر بقتلها، نفسي نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت روح الله، وكلمةٌ منه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وكلّمت النّاس في المهد، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول عيسى: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنبًا، نفسي نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم وعليهم أجمعين، فيأتون فيقولون: يا محمّد، أنت رسول الله خاتم الأنبياء، غفر الله لك ذنبك ما تقدّم منه وما تأخّر، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فأقوم فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربّي، ويفتح الله عليّ، ويلهمني من محامده وحسن الثّناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحدٍ قبلي، فيقال: يا محمّد، ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: ربّ أمّتي، أمّتي يا ربّ، أمّتي يا ربّ، فيقال: يا محمّد أدخل من أمّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن، وهم شركاء النّاس فيما سوى ذلك من الأبواب، والّذي نفسي بيده، ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة لكما بين مكّة وهجر أو كما بين مكّة وبصرى "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/148-150]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ إنّه كان عبدًا شكورًا}.
يقول تعالى ذكره: سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وآتى موسى الكتاب هدًى لبني إسرائيل يا ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ.
وعنى بالذّرّية: جميع من احتجّ عليه جلّ ثناؤه بهذا القرآن من أجناس الأمم، عربهم وعجمهم من بني إسرائيل وغيرهم، وذلك أنّ كلّ من على الأرض من بني آدم، فهم من ذرّيّة من حمله اللّه مع نوحٍ في السّفينة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ} والنّاس كلّهم ذرّيّة من أنجى اللّه في تلك السّفينة، وذكر لنا أنّه ما نجا فيها يومئذٍ غير نوحٍ وثلاثة بنين له، وامرأته وثلاث نسوةٍ، وبنو: سام، وحام، ويافث، فأمّا سام: فأبو العرب، وأمّا حام: فأبو الحبش، وأمّا يافث: فأبو الرّوم
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ} قال: بنوه ثلاثةٌ ونساؤهم، ونوح وامرأته
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال مجاهدٌ: بنوه ونساؤهم ونوحٌ، ولم تكن معهم امرأته.
وقد بيّنّا هذا في غير هذا الموضع فيما مضى بما أغنى عن إعادته
وقوله: {إنّه كان عبدًا شكورًا} يعني بقوله تعالى ذكره: " إنّه " إنّ نوحًا، والهاء من ذكر نوحٍ، كان عبدًا شكورًا للّه على نعمه.
وقد اختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي سمّاه اللّه من أجله شكورًا، فقال بعضهم: سمّاه اللّه بذلك لأنّه كان يحمد اللّه على طعامه إذا طعمه
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، وعبد الرّحمن بن مهديٍّ، قالا: حدّثنا سفيان، عن التّيميّ، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان نوحٌ إذا لبس، ثوبًا أو أكل طعامًا حمد اللّه، فسمّي عبدًا شكورًا
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، وعبد الرّحمن، قالا: حدّثنا سفيان، عن أبي حصينٍ، عن عبد اللّه بن سنانٍ، عن سعد بن مسعودٍ، بمثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن أبي حصينٍ، عن عبد اللّه بن سنانٍ، عن سعيد بن مسعودٍ، قال: ما لبس نوحٌ جديدًا قطّ، ولا أكل طعامًا قطّ إلاّ حمد اللّه فلذلك قال اللّه: {عبدًا شكورًا}
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: حدّثني سفيان الثّوريّ، قال: حدّثني أبوك، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان، قال: إنّما سميّ نوحٌ عبدًا شكورًا أنّه كان إذا لبس ثوبًا حمد اللّه، وإذا أكل طعامًا حمد اللّه
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ} من بني إسرائيل وغيرهم {إنّه كان عبدًا شكورًا} قال: إنّه لم يجدّد ثوبًا قطّ إلاّ حمد اللّه، ولم يبل ثوبًا قطّ إلاّ حمد اللّه، وإذا شرب شربةً حمد اللّه، قال: الحمد للّه الّذي سقانيها على شهوةٍ ولذّةٍ وصحّةٍ، وليس في تفسيرها، وإذا شرب شربةً قال هذا، ولكن بلغني ذا
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو فضالة، عن النّضر بن شفيٍّ، عن عمران بن سليمٍ، قال: إنّما سميّ نوحٌ عبدًا شكورًا أنّه كان إذا أكل الطّعام قال: الحمد للّه الّذي أطعمني، ولو شاء أجاعني، وإذا شرب قال: الحمد للّه الّذي سقاني، ولو شاء أظمأني، وإذا لبس ثوبًا قال: الحمد للّه الّذي كساني، ولو شاء أعراني، وإذا لبس نعلاً قال: الحمد للّه الّذي حذّاني، ولو شاء أحفاني، وإذا قضى حاجةً قال: الحمد للّه الّذي أخرج عنّي أذاه، ولو شاء حبسه.
وقال آخرون في ذلك بما؛
- حدّثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عبد الجبّار بن عمر أنّ ابن أبي مريم، حدّثه قال: إنّما سمّى اللّه نوحًا عبدًا شكورًا، أنّه كان إذا خرج البراز منه قال: الحمد للّه الّذي سوّغنيك طيّبًا، وأخرج عنّي أذاك، وأبقى منفعتك.
وقال آخرون في ذلك بما؛
- حدّثنا به بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال اللّه لنوحٍ {إنّه كان عبدًا شكورًا} ذكر لنا أنّه لم يستجدّ ثوبًا قطّ إلاّ حمد اللّه، وكان يأمر إذا استجدّ الرّجل ثوبًا أن يقول: الحمد للّه الّذي كساني ما أتجمّل به، وأواري به عورتي
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {إنّه كان عبدًا شكورًا} قال: كان إذا لبس ثوبًا قال: الحمد للّه، وإذا أخلقه قال: الحمد للّه). [جامع البيان: 14/451-454]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن جريج في قوله ذرية من حملنا مع نوح قال بني إسرائيل وغيرهم). [تفسير مجاهد: 357]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ذرية من حملنا مع نوح} قال: هو على النداء يا ذرية من حملنا مع نوح). [الدر المنثور: 9/246]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذرية من حملنا مع نوح ما كان مع نوح إلا أربعة أولاد: حام وسام ويافث وكوش فذاك أربعة أولاد انتسلوا هذا الخلق). [الدر المنثور: 9/247]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي فاطمة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: كان نوح عليه السلام لا يحمل شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا قال: بسم الله والحمد لله فسماه الله عبدا شكورا). [الدر المنثور: 9/247]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن سلمان رضي الله عنه قال: كان نوح عليه السلام إذا لبس ثوبا أو طعم طعاما قال: الحمد لله فسمي عبدا شكورا). [الدر المنثور: 9/247]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني عن سعيد بن مسعود الثقفي الصحابي رضي الله عنه قال: إنما سمي نوح عليه السلام عبدا شكورا لأنه كان إذا أكل أو شرب أو لبس ثوبا حمد الله). [الدر المنثور: 9/247]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن نوحا لم يقم عن خلاء قط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في منفعته وأخرج عني أذاه). [الدر المنثور: 9/248]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن العوام قال: حدثت أن نوحا عليه السلام كان يقول: الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في منفعته وأذهب عني أذاه، واخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن أصبغ بن زيد: أن نوحا عليه السلام كان إذا خرج من الكنيف قال ذلك فسمي {عبدا شكورا}). [الدر المنثور: 9/248]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه: أن نوحا عليه السلام كان إذا خرج من الغائط قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني). [الدر المنثور: 9/248]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن إبراهيم رضي الله عنه قال: شكره أن يسمي إذا أكل ويحمد الله إذا فرغ). [الدر المنثور: 9/248]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إنه كان عبدا شكورا} قال: لم يأكل شيئا قط إلا أحمد الله ولم يشرب شرابا قط إلا حمد الله عليه فأثنى عليه {إنه كان عبدا شكورا} ). [الدر المنثور: 9/248-249]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن محمد بن كعب القرظي رضي اله عنه قال: كان نوح عليه السلام إذا أكل قال: الحمد لله وإذا شرب قال: الحمد لله وإذا لبس قال: الحمد لله وإذا ركب قال: الحمد لله فسماه الله {عبدا شكورا} ). [الدر المنثور: 9/249]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنما سمى الله نوحا {عبدا شكورا} لأنه كان إذا أمسى وأصبح قال: سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون). [الدر المنثور: 9/249]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه أنه قال: حق الطعام أن يقول العبد: بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وشكره أن يقول: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا). [الدر المنثور: 9/249]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن تميم بن سلمة رضي الله عنه قال: حدثت أن الرجل إذا ذكر اسم الله على طعامه وحمد الله على آخره لم يسأل عن نعيم لذة الطعام). [الدر المنثور: 9/249-250]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي، وابن ماجة والطبراني في الدعاء عن حاتم عن عمر بن الخطاب أنه لبس ثوبا جديدا فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من لبس ثوبا جديدا فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي خلق فتصدق به كان في كنف الله وفي حفظ الله وفي ستر الله حيا وميتا قالها ثلاثا). [الدر المنثور: 9/250]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا لبس أحدكم ثوبا جديدا فليقل الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في الناس). [الدر المنثور: 9/250]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن عون بن عبد الله قال: لبس رجلا ثوبا جديدا فحمد الله فأدخل الجنة أو غفر له). [الدر المنثور: 9/250]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 05:27 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا} [الإسراء: 1]، يعني نفسه.
أسرى بعبده محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
{ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1]، يعني: بيت المقدس.
{الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا} [الإسراء: 1] ما أراه اللّه ليلة أسري به.
- نا يحيى، قال: نا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، عن مالك بن صعصعة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " بينما أنا عند البيت بين النّائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثّلاثة بين الرّجلين.
قال فأتيت فانطلق بي، فأتيت بطستٍ من ذهبٍ فيها من ماء زمزم، فشرح صدري إلى مكان كذا وكذا ".
قال قتادة: فقلت للّذي معي: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني،
[تفسير القرآن العظيم: 1/101]
فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم، ثمّ كنز أو قال حشي إيمانًا وحكمةً، ثمّ أتيت بدابّةٍ بيضاء يقال له: البراق، فوق الحمار ودون البغل، يضع خطوه عند أقصى طرفه.
فحملت عليه، ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الدّنيا، فاستفتح جبريل، فقيل له: من هذا؟ قال: جبريل، قال: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، ففتح له وقالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
قال: فأتيت على آدم صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أبوك آدم، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح.
[تفسير القرآن العظيم: 1/102]
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الثّانية، فاستفتح جبريل، فقيل له: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ.
قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: ففتح لنا، وقالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
فأتيت على يحيى وعيسى، فقلت: يا جبريل من هذان؟ قال: هذان يحيى وعيسى.
قال: وأحسبه أنّه قال: ابنا الخالة، فسلّمت عليهما، فقالا: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الثّالثة، فكان نحو هذا من كلام جبريل وكلامهم.
فأتيت على يوسف عليه السّلام، فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أخوك يوسف، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الرّابعة، فأتيت على إدريس، فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أخوك إدريس، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
وكان قتادة يقول عندها: قال اللّه: {ورفعناه مكانًا عليًّا} [مريم: 57] قال: فانطلقنا حتّى أتينا السّماء الخامسة، فأتيت أو أتينا على هارون، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك هارون، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء السّادسة، فأتيت على موسى، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
فلمّا جاوزته بكى، فقيل له: وما يبكيك؟ قال: ربّ، هذا غلامٌ بعثته بعدي يدخل الجنّة من أمّته أكثر ممّا يدخل من أمّتي.
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء السّابعة، فأتيت على إبراهيم، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ رفع لنا البيت المعمور بحيال الكعبة، فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور يدخله كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ، إذا خرجوا منه لم يعودوا، آخر ما عليهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/103]
ثمّ رفعت لنا سدرة المنتهى، فحدّث نبيّ اللّه أنّ ورقها مثل آذان الفيلة، وأنّ نبقها مثل قلال هجر.
وحدّث نبيّ اللّه أنّه رأى أربعة أنهارٍ يخرخر من تحتها، نهران باطنان، ونهران ظاهران.
فقلت: يا جبريل ما هذه الأنهار؟ فقال: أمّا النّهران الباطنان فنهران في الجنّة، وأمّا الظّاهران فالنّيل والفرات.
وأتيت بإناءين: أحدهما لبنٌ والآخر خمرٌ، فعرضا عليّ، فاخترت اللّبن.
فقيل لي: أصبت، أصاب اللّه بك أمّتك على الفطرة.
وفرضت عليّ خمسون صلاةً، أو قال: أمرت بخمسين صلاةً كلّ يومٍ، فجئت بهنّ حتّى أتيت على موسى، فقال لي: بما أمرت؟ فقلت أمرت بخمسين صلاةً كلّ يومٍ.
فقال: إنّ أمّتك لا يطيقون ذلك.
إنّي قد بلوت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف لأمّتك، قال: فما زلت أختلف فيما بين موسى وبين ربّي، كلّما أتيت عليه قال لي مثل مقالتي هذه، حتّى رجعت بخمس صلواتٍ كلّ يومٍ.
فلمّا أتيت عليه قال لي: بما أمرت؟ فقلت: أمرت بخمس صلواتٍ كلّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/104]
يومٍ، فقال: إنّ أمّتك لا يطيقون ذلك، إنّي قد بلوت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف لأمّتك.
فقال نبيّ اللّه: لقد رجعت إلى ربّي حتّى لقد استحييت، ولكنّي أرضى وأسلّم.
قال: فنوديت أو نادى منادٍ: إنّي قد أمضيت فريضتي، وخفّفت عن عبادي وجعلت الحسنة بعشر أمثالها ".
فانتهى حديث أنسٍ إلى هذا.
- حمّادٌ، عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " بينما أنا عند البيت إذ أتيت فشقّ النّحر، فاستخرج القلب، فغسل بماء زمزم، ثمّ أعيد مكانه، ثمّ أتيت بدابّةٍ أبيض يقال له: البراق، فوق الحمار ودون البغل، مضطرب الأذنين، يقع خطوه عند منتهى طرفه، فحملت عليه، فسار بي نحو بيت المقدس، فإذا بمنادٍ
ينادي عن يمين الطّريق: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك.
فمضيت ولم أعرج عليه، ثمّ إذا أنا بمنادٍ ينادي عن يسار الطّريق: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك.
فمضيت ولم أعرج عليه.
ثمّ إذا أنا بامرأةٍ على قارعة الطّريق، أحسبه قال: حسناء جملاء عليها من كلّ الحليّ والزّينة، ناشرةٌ شعرها، رافعةٌ يدها تقول: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرج عليها، حتّى أتينا إلى بيت المقدس فأوثقت الدّابّة بالحلقة الّتي يوثق بها الأنبياء صلّى اللّه عليهم، ثمّ دخلت المسجد فصلّيت فيه
ركعتين، ثمّ خرجت، فأتاني
[تفسير القرآن العظيم: 1/105]
جبريل بإناءين: إناءٍ من لبنٍ وإناءٍ من خمرٍ فتناولت اللّبن، فقال: أصبت الفطرة، ثمّ قال لي جبريل: يا محمّد ما رأيت في وجهك هذا؟ قلت: سمعت مناديًا ينادي عن يمين الطّريق: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك.
قال: فما صنعت؟ قلت: مضيت ولم أعرج عليه.
قال: ذاك داعية اليهود، أما إنّك لو عرجت عليه لتهوّدت أمّتك.
قلت: ثمّ إذا أنا بمنادٍ ينادي عن يسار الطّريق: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، قال: فما صنعت؟ قال: مضيت ولم أعرج عليه، قال: ذلك داعية النّصارى، أما إنّك لو عرجت عليه لتنصّرت أمّتك.
قلت: ثمّ إذا أنا بامرأةٍ قال: أحسبه قال: حسناء جملاء عليها من كلّ الحليّ والزّينة، ناشرةٍ شعرها، رافعةٍ يديها تقول: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، قال فما صنعت؟ قلت: مضيت ولم أعرج عليها.
قال: تلك الدّنيا، أما إنّك لو عرجت عليها لملت إلى الدّنيا.
ثمّ أتينا بالمعراج فإذا أحسن ما خلق اللّه.
ألم تر إلى الميّت حيث يشقّ بصره فإنّما يتبعه المعراج عجبًا به.
ثمّ تلا هذه الآية: {تعرج الملائكة والرّوح إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ} [المعارج: 4] فقعدنا فيه، فعرج بنا حتّى انتهينا إلى باب السّماء الدّنيا، وعليها ملكٌ يقال له إسماعيل، جنده سبعون ألف ملكٍ، جند
[تفسير القرآن العظيم: 1/106]
كلّ ملكٍ سبعون ألفٍ.
ثمّ تلا هذه الآية: {وما يعلم جنود ربّك إلا هو} [المدثر: 31].
فاستفتح جبريل، فقيل: ومن هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا، فأتيت على آدم، فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك آدم، فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ، قال: وإذا الأرواح تعرض عليه، فإذا مرّ به روح مؤمنٍ قال: روحٌ طيّبٌ وريحٌ طيّبةٌ، وإذا مرّ به روح كافرٍ قال: روحٌ خبيثٌ وريحٌ خبيثةٌ.
قال: ثمّ مضيت فإذا أنا بأخاوين عليها لحومٌ نتنةٌ، وأخاوين عليها لحومٌ طيّبةٌ، وإذا رجالٌ ينهشون اللّحوم المنتنة ويدعون اللّحوم الطّيّبة، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزّناة يدعون الحلال ويتّبعون الحرام.
قال: ثمّ مضيت فإذا أنا برجالٍ تفكّ ألحيتهم، وآخرون يجيئون بالصّخور من النّار فيقذفونها في أفواههم فتخرج من أدبارهم.
قال: فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا.
ثمّ تلا هذه الآية: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النساء: 10].
ثمّ مضيت فإذا أنا بقومٍ يقطّع من لحومهم بدمائهم فيضفزونها، ولهم جؤارٌ.
فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الهمّازون اللّمّازون.
[تفسير القرآن العظيم: 1/107]
ثمّ تلا هذه الآية: {أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه} [الحجرات: 12].
قال: وإذا أنا بنسوةٍ معلّقاتٍ بثديهنّ، وأحسبه قال: وإذا حيّاتٌ وعقارب ينهشنهنّ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الظّؤرة اللاتي يقتلن أولادهنّ.
قال: ثمّ أتيت على سابلة آل فرعون، حيث ينطلق بهم إلى النّار يعرضون عليها غدوًّا وعشيًّا، فإذا رأوها قالوا: ربّنا لا تقومنّ السّاعة، لما يرون من عذاب اللّه.
وإذا أنا برجالٍ بطونهم كالبيوت يقومون فيقعون لظهورهم ولبطونهم، فيأتي عليهم آل فرعون فيثردونهم بأرجلهم ثردًا.
فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الرّبا.
ثمّ تلا هذه الآية: {الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} [البقرة: 275].
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء الثّانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال:
[تفسير القرآن العظيم: 1/108]
نعم، قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
قال: ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى، فرحّبا بي ودعوا لي بخير.
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء الثّالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، قال: فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، قال: فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ.
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء الرّابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ.
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قال: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، وإذا لحيته شطران: شطرٌ أبيض، وشطرٌ أسود.
فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا المحبّب في قومه وأكثر من رأيت تبعًا، قال: فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ.
قال: ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء السّادسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، فإذا بموسى، وإذا هو رجلٌ أشعر لو لبس قميصين لنفدهما الشّعر، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى، قال: فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ.
قال: ثمّ مضيت، فسمعت موسى يقول: يزعم بنو إسرائيل أنّي أكرم الخلق على اللّه، وهذا أكرم على اللّه منّي، فلو كان إليه وحده لهان عليّ ولكنّ النّبيّ ومن تبعه من أمّته.
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء السّابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل.
قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قال: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، فأتيت على إبراهيم، وإذا هو مستندٌ إلى البيت المعمور يدخله كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ لا يعودون إليه إلى أن تقوم السّاعة، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك إبراهيم، فسلّمت عليه، فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ، وإذا أمّتي عنده شطران: شطرٌ عليهم ثيابٌ بيضٌ، وشطرٌ عليهم ثيابٌ رمدٌ، فدخل أصحاب الثّياب البيض، واحتبس الآخرون، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال:
هؤلاء الّذين خلطوا عملا صالحًا وآخر
[تفسير القرآن العظيم: 1/109]
سيّئًا وكلٌّ إلى خيرٍ.
ثمّ قيل لي: هذه منزلتك ومنزلة أمّتك.
ثمّ تلا هذه الآية: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} [آل عمران: 68].
قال: ثمّ انتهينا إلى سدرة المنتهى، فإذا هي أحسن ما خلق اللّه، وإذا الورقة من ورقها لو غطّيت بها هذه الأمّة لغطّتهم، ثمّ انفجر من تحتها السّلسبيل، ثمّ انفجر من السّلسبيل نهران: نهر الرّحمة، ونهر الكوثر، فاغتسلت من الرّحمة، فغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر.
ثمّ أعطيت الكوثر فسلكته حتّى انفجر بي في الجنّة، فإذا طيرها كالبخت، وإذا الرّمّانة من رمّانها كجلد البعير المقبّب.
قال: ونظرت إلى جاريةٍ فقلت: لمن أنت يا جارية؟ قالت: لزيد بن حارثة.
قال: فبشّرت بها زيدًا.
قال: ثمّ نظرت إلى النّار فإذا: إنّ عذاب ربّي لشديدٌ، لا تقوم له الحجارة ولا الحديد.
قال: ثمّ رجعت إلى سدرة المنتهى، (فغشاها) من أمر اللّه ما (غشي)، ووقع على كلّ ورقةٍ، ملكٌ وأيّدها اللّه بأيده، وأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليّ في كلّ يومٍ وليلةٍ خمسين صلاةً، فرجعت إلى موسى، فقال: ما فرض عليك ربّك؟ فقلت: فرض عليّ في كلّ يومٍ وليلةٍ خمسين صلاةً، فقال: ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف، فإنّ أمّتك لا يطيقون ذلك، فإنّي قد بلوت بني إسرائيل
وخبرتهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/110]
فرجعت إلى ربّي، فقلت: أي ربّ حطّ عن أمّتي، فإنّ أمّتي لا تطيق ذلك.
فحطّ عنّي خمسًا.
قال: فرجعت إلى موسى، فقال: ما فرض عليك ربّك؟ قال: قلت: حطّ عنّي خمسًا، فقال: ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك.
قال: فرجعت إلى ربّي فحطّ عنّي خمسًا.
قال: فلم أزل أختلف بين ربّي وبين موسى حتّى قال: يا محمّد لا تبديل، إنّه لا يبدّل القول لديّ، هي خمس صلواتٍ في كلّ يومٍ وليلةٍ، لكلّ صلاةٍ عشرٌ، فتلك خمسون صلاةً، فمن همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً، ومن عملها كتبت له عشرًا، ومن همّ بسيّئةٍ ولم يعملها لم تكتب عليه، ومن عملها كتبت عليه سيّئةً واحدةً.
قال: فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف، فقلت: فقد راجعته حتّى استحييت.
- سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لمّا أتي بالبراق ليركبه استصعب عليه، فقال له جبريل: اسكن، فوالّذي نفسي بيده ما ركبك مخلوقٌ أكرم على اللّه منه، قال: فارفضّ عرقًا وقرّ.
- حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن أنس بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " مررت ليلة أسري بي على رجالٍ تقرض شفاهم بمقاريض من نارٍ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء من أمّتك يأمرون النّاس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون ".
- عثمان، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه
[تفسير القرآن العظيم: 1/111]
وسلّم: " بينما أنا في الجنّة إذا بنهرٍ حافتاه قباب اللّؤلؤ المجوّف، فضربت بيدي في مجرى الماء فإذا مسكٌ أذفر، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذا الكوثر الّذي أعطاك اللّه ".
المعلّى بن هلالٍ، أنّ رسول اللّه عليه السّلام قال: " مررت ليلة أسري بي على ملكٍ قائمٍ على سريرٍ بيده حربةٌ فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: إنّ نبيًّا أسري به قبلك، فمرّ على هذا وهو قاعدٌ فظنّ أنّه ربّه، فأهوى ليسجد له، فأقامه اللّه من يومه ليعلم أنّه عبدٌ".
قوله: {لنريه من آياتنا} [الإسراء: 1] سعيدٌ، عن قتادة، قال: ما أراه اللّه من الآيات والعبر في طريق بيت المقدس.
قوله: {إنّه هو السّميع البصير} [الإسراء: 1]، يعني نفسه، لا أسمع منه ولا أبصر منه.
وقال الكلبيّ: لمّا أخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك المشركين، قال المشركون: تحدّثنا أنّك صلّيت اللّيلة في بيت المقدس ورجعت من ليلتك.
وهو مسيرة شهرٍ للذّاهب وشهرٍ للمقبل؟ وقال بعضهم: رويدك يا محمّد نسألك عن عيرنا هل رأيتها في الطّريق؟ قال: «نعم».
قال: أين؟ قال: «مررت على عير بني فلانٍ بالرّوحاء وقد أضلّوا ناقةً لهم، وهم في طلبها، فمررت على رحالهم وليس بها منهم أحدٌ.
فوجدت في إناءٍ من آنيتهم ماءً فشربته، فسلوهم إذا رجعوا، هل وجدوا الماء في الإناء؟».
قالوا: هذه واللّه آية.
[تفسير القرآن العظيم: 1/112]
قال: " ومررت على عير بني فلانٍ، فنفرت منّي الإبل ساعة كذا وكذا، ووصف جملا منها، قال: جملٌ أحمر، كان عليه أجير بني فلانٍ، عليه جولقٌ أسود مخطّطٌ ببياضٍ ".
قالوا: هذه واللّه آية وقد عرفنا الجولق.
قال: «ثمّ مررت على عير بني فلانٍ بالتّنعيم».
قالوا: فإن كنت صادقًا فإنّها تقدم الآن، قال: «أجل».
قالوا: فأخبرنا بعدّتها وأجمالها ومن فيها، قال: «كنت مشغولا عن ذلك»، فبينما هو يحدّثهم إذ مثّل له عدّتها وأجمالها في الخدور، يقدمها جملٌ أورق.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هي هذه منحدرةٌ من ثنيّة كذا مع طلوع الشّمس، يقدمها جملٌ أورق، وعدّتها كذا وكذا، وأحمالها كذا وكذا، وفيها فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ».
وسمّى الرّهط الّذين فيها بأسمائهم لم يغادر منهم أحدًا.
فخرج رهطٌ من قريشٍ يسعون قبل الثّنيّة، فإذا هم بها حين انحدرت من الثّنيّة، يقدمها جملٌ أورق كما قال، وفيها الرّهط الّذين سمّى مع طلوع الشّمس، فرموه بالسّحر، وقالوا: صدق الوليد بن المغيرة فيما قال إنّه ساحرٌ.
وجاء أبو بكرٍ فقال: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه، حدّثني ما رأيت عن يمينك حين دخلت بيت المقدس؟ وما رأيت عن يسارك؟ فحدّثه رسول اللّه، فصدّقه أبو بكرٍ، وقال: أشهد أنّك صادقٌ.
فيومئذٍ سمّي الصّدّيق، فقال رسول اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/113]
صلّى اللّه عليه وسلّم: وأنت الصّدّيق يا أبا بكرٍ.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: أسري بنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من مكّة إلى بيت المقدس، فصلّى فيه، وأراد اللّه أن يريه آياته، وأمره بما شاء ليلة أسري به، ثمّ أصبح بمكّة.
وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حدّث أنّه حمل على دابّةٍ يقال لها: البراق، فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحدّث نبيّ اللّه بذلك أهل مكّة، فكذّبه المشركون وأنكروه، فصدّقه أبو بكرٍ، فسمّي الصّدّيق من أجل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/114]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(قوله: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً مّن المسجد الحرام...}

الحرم كلّه مسجد، يعني مكّة وحرمها {إلى المسجد الأقصى}: بيت المقدس {الّذي باركنا حوله} بالثمار والأنهار.
وقوله: {لنريه من آياتنا} يعني النبي صلى الله عليه وسلم حين أسرى به ليريه تلك الليلة العجائب. وأري الأنبياء حتّى وصفهم لأهل مكّة، فقالوا: فإنّ لنا إبلا في طريق الشأم فأخبرنا
بأمرها، فأخبرهم بآيات وعلامات، فقالوا: متى تقدم. فقال: يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق. فقالوا: هذه علامات نعرف بها صدقه من كذبه. فغدوا من وراء العقبة يستقبلونها، فقال قائل: هذه والله الشمس قد شرقت ولم يأت.
وقال آخر: هذه والله العير يقدمها جمل أورق كما قال محمد صلى الله عليه وسلم. ثم لم يؤمنوا). [معاني القرآن: 2/116-115]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً مّن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير}
قال: {سبحان الّذي أسرى} لأنك تقول "أسريت" و"سريت".
وقال: {إنّه هو السّميع البصير} فهو فيما ذكروا - والله أعلم - قل يا محمّد سبحان الذي أسرى بعبده" وقل: إنّه هو السّميع البصير). [معاني القرآن: 2/69]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قوله {سبحان الذي أسرى بعبده}، و{أن أسر بعبادي}؛ فالفعل: أسريت وسريت، لغتان؛ {والليل إذا يسري}؛ أي يمضي؛ والمصدر: السرى؛ وهو سير الليل؛ و{أسرى بعبده} من ذلك). [معاني القرآن لقطرب: 834]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قوله {سبحان الذي أسرى بعبده} كأنه قال: أسبحه تسبيحًا، فأضمر فعلاً كقولك: معاذ الله؛ كأنك قلت: أعوذ بالله عياذًا؛ ومعاذًا، وعوذًا). [معاني القرآن لقطرب: 844]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {سبحان}: تنزيه لله عز وجل عن السوء). [غريب القرآن وتفسيره: 211]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله - عزّ وجلّ - {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير}
{سبحان} منصوب على المصدر، المعنى: أسبح الله تسبيحا.
ومعنى سبحان اللّه في اللغة تنزيه اللّه عن السوء، وكذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {أسرى بعبده ليلا}.
معناه سير عبده، يقال أسريت وسريت إذا سرت ليلا، وقد جاءت اللغتان في القرآن، قال اللّه جلّ وعزّ: {واللّيل إذا يسر} هذا من سريت ومعنى يسري يمضي.
أسرى اللّه سبحانه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام وهو مكة، والحرم كله مسجد، فأسرى الله به في ليلة واحدة من المسجد الحرام من مكة إلى بيت المقدس
وهو قوله - جلّ وعزّ: {إلى المسجد الأقصا الّذي باركنا حوله}
أجرى اللّه حول بيت المقدس الأنهار وأنبت الثمار، فذلك معنى باركنا حوله.
{لنريه من آياتنا} أي لنري محمدا.
فأراه الله في تلك الليلة من الأنبياء، وآياتهم ما أخبر به في غد تلك الليلة أهل مكة فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن لنا في طريق الشام إبلا فأخبرنا خبرها، فخبّرهم بخبرها، فقالوا فمتى تقدم الإبل علينا، فأخبرهم أنها تقدم في يوم سمّاه لهم مع شروق الشمس، وأنه تقدمها جمل أورق، فخرجوا في ذلك اليوم، فقال قائل: هذه الشمس قد أشرقت،
وقال آخر فهذه الإبل قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد - صلى الله عليه وسلم - فلم يؤمنوا بعد ذلك). [معاني القرآن: 3/226-225]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( من ذلك قوله تعالى جده: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن معنى سبحان فقال إنزاه الله من السوء وفي بعض الحديث براءة الله من السوء
قال سيبويه وغيره معناه براءة الله من السوء وأنشد:
أقول لما جاءني فخره = سبحان من علقمة الفاخر
وروى معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قمت في الحجر لما كذبني قومي ليلة أسري بي فأثنيت على ربي وسألته أن يمثل لي بيت المقدس،
فرفع لي فجعلت أنعت لهم آياته
وروى سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول فقال ((المسجد الحرام قلت ثم أي قال ثم المسجد الأقصى،
قلت كم بينهما قال أربعون سنة ثم قال أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد)) ). [معاني القرآن: 4/118-117]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} من المسجد الحرام يعني مكة إلى المسجد الأقصى يعني بيت المقدس الذي باركنا حوله قيل فجر حوله الأنهار وأنبت الثمار). [معاني القرآن: 4/119]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} لنريه من آياتنا ما رأى من الأنبياء وآثارهم). [معاني القرآن: 4/119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سُبْحانَ}: تنزيه لله من السوء). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وآتينا موسى الكتاب} [الإسراء: 2]، التّوراة في تفسير الحسن.
{وجعلناه} [الإسراء: 2] تفسير الحسن: موسى.
وقال السّدّيّ: التّوراة.
{هدًى لبني إسرائيل} [الإسراء: 2] لمن آمن به.
{ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} [الإسراء: 2] عاصم بن حكيمٍ، أنّ مجاهدًا قال: شريكًا.
وقال بعضهم: رياءً). [تفسير القرآن العظيم: 1/114]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ألاّ تتّخذوا من دوني وكيلاً...}
يقال: ربّا، ويقال: كافياً). [معاني القرآن: 2/116]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن والأعرج {ألا تتخذوا من دوني وكيلا} بالتاء.
مجاهد وأبو عمرو {ألا يتخذوا} بالياء). [معاني القرآن لقطرب: 822]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (ويجوز أن يكون منصوبًا بـ: {ألا تتخذوا} بدلاً من الوكيل؛ والنداء كأنه أسهل). [معاني القرآن لقطرب: 844]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} أي دللناهم به على الهدى.
{ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} أي لا تتوكلوا على غيري ولا تتخذوا من دوني ربّا). [معاني القرآن: 3/226]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل} أي دللناهم به على الهدى). [معاني القرآن: 4/119]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ألا تتخذوا من دوني وكيلا} ويقرأ (أن لا يتخذوا) على إضمار بمعنى وعهدنا إليهم وروى ورقاء،
عن ابن أبي نجيح ألا تتخذوا من دوني وكيلا قال شريكا قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة أن يقال لكل من قام مقام آخر في أي شيء كان هو شريكه،
وقال الفراء ألا تتخذوا من دوني وكيلا أي كافيا). [معاني القرآن: 4/120]

تفسير قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ} [الإسراء: 3] في السّفينة، أي: يا ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ، لذلك انتصبت.
سعيدٌ، عن قتادة قال: {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ} [الإسراء: 3] فالنّاس كلّهم ذرّيّة من أنجى في تلك السّفينة.
وذكر لنا أنّه نجا فيها نوحٌ، وثلاثة بنين له، وامرأته، ونساؤهم، وبنوه سامٌ، وحامٌ، ويافث.
فسامٌ أبو العرب، وحامٌ أبو
[تفسير القرآن العظيم: 1/114]
الحبش، ويافث أبو الرّوم، فجميعهم ثمانيةٌ.
قال: {إنّه كان عبدًا شكورًا} [الإسراء: 3] سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّه كان إذا استجدّ ثوبًا حمد اللّه.
قال يحيى: وعامّة ما في القرآن في تفسير العامّة أنّ الشّكور المؤمن). [تفسير القرآن العظيم: 1/115]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ذرّيّة من حملنا...}

منصوبة على النداء ناداهم: يا ذرّيّة من حملنا مع نوح، يعني في أصلاب الرجال وأرحام النساء مّمن لم يخلق). [معاني القرآن: 2/116]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو جعفر وشيبة ونافع {ذرية من حملنا} بضم الذال.
وحكي عن زيد "ذرية" بكسرها؛ وقد فسرناها في صدر الكتاب). [معاني القرآن لقطرب: 822]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {ألا تتخذوا من دوني وكيلا * ذرية من حملنا مع نوح} فيجوز أن يكون أراد النداء على: يا ذرية من حملنا). [معاني القرآن لقطرب: 844]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ذرّيّة من حملنا مع نوح إنّه كان عبدا شكورا}
القراءة بنصب (ذرّيّة). وقرأ بعضهم (ذرّيّة) - بكسر الذال - والضم أكثر.
وذرّية فعليّة من الذر، وهي منصوبة على النداء، كذا أكثر الأقوال المعنى: يا ذرّيّة من حملنا مع نوح.
وإنما ذكروا بنعم اللّه عندهم أنه أنجى أبناءهم من الغرق بأنهم حملوا مع نوح. ويجوز النصب على معنى ألا تتخذوا {ذرّيّة} من حملنا مع نوح من دوني وكيلا، فيكون الفعل،
تعدى إلى الذريّة وإلى الوكيل، تقول: اتخذت زيدا وكيلا، ويجوز {ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} على معنى:
{وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا * ذرّيّة من حملنا مع نوح}.
ويجوز الرفع في (ذرّيّة) على البدل من الواو، والمعنى {ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} أي لا تتخذوا من دوني وكيلا {ذرّيّة}، ولا تقرأنّ بها إلا أن تثبت بها
رواية صحيحة، فإن القراءة سنة لا يجوز أن تخالف بما يجوز في العربية). [معاني القرآن: 3/227-226]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ذرية من حملنا مع نوح} روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال على النداء أي ذرية من حملنا
قال أبو جعفر أي حرف نداء مثل يا، وروى سفيان عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ذرية بفتح الذال وتشديد الراء والياء
وروى عن زيد بن ثابت ذرية بكسر الذال وتشديد الراء والياء فأما عامر بن عبد الواحد فحكي أن زيدا قرأ ذرية بفتح الذال وتشديد الراء والياء). [معاني القرآن: 4/121-120]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {إنه كان عبدا شكورا} روى معمر عن قتادة قال كان إذا لبس ثوبا قال بسم الله وإذا نزعه قال الحمد لله
وروى معمر عن منصور عن إبراهيم قال شكره، أنه إذا أكل قال بسم الله فإذا فرغ من الأكل قال الحمد لله). [معاني القرآن: 4/121]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 06:31 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) }
قال أبو فَيدٍ مُؤَرِّجُ بنُ عمروٍ السَّدُوسِيُّ (ت: 195هـ) : (يُقالُ: سَرَى وأَسْرَى، إذا سارَ لَيلاً، ويُقالُ: هو السُّرَى وهِيَ السُّرَى). [شرح لامية العرب: --]
قال أبو فَيدٍ مُؤَرِّجُ بنُ عمروٍ السَّدُوسِيُّ (ت: 195هـ) : (وسَرَتْ وأَسْرَتْ: سارَتْ ليلاً). [شرح لامية العرب: --]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
لا ينبح الكلب فيها غير واحدة = من العشاء ولا تسري أفاعيها
...
و(لا تسري) لا تجيء ليلا. و(السرى)
سير الليل). [شرح أشعار الهذليين: 2/582-583]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
طالت سراهم فذاقوا مس منزلة = فيها وقوعهم، والنوم تحليل
السُرى: سير الليل، يقال: سَرَى وأسرَى). [رواية أبي سعيد السكري لديوان جران العود: 55]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
وتصبح عن غب السرى وكأنها = إذا ضرب الأقصى من الركب تضرب
السُّرى: سير الليل). [رواية أبي سعيد السكري لديوان أبي الأسود الدؤلي: 76]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والسرى: سير الليل يقال سرى وأسرى وقد جاء بهما القرآن العظيم). [شرح المفضليات: 679]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والسرى سير الليل يقال سرى وأسرى وقد جاء بهما القرآن الكريم وقال حسان بن ثابت:
حي النضيرة ربة الخدر = أسرت إليك ولم تكن تسري).
[شرح المفضليات: 775]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والساري: الّذي يسير بالليل، يقال سريت فأنا سارٍ، أي سرت ليلا، وأسريت أيضًا، ويروى بيت النابغة على وجهين:
سرت عليه من الجوزاء سارية = تزجي الشمال عليه جامد البرد
وأسرت
والسرى: سير الليل). [الأمالي: 1/12-13]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) }

تفسير قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 04:23 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 04:23 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 04:26 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}
لفظ الآية يقتضي أن الله عز وجل أسرى بعبده، وهو محمد صلي الله عليه وسلم، قال المفسرون:
[المحرر الوجيز: 5/433]
معناه: سرى بعبده، ويظهر أن "أسرى" معداة بالهمز إلى مفعول محذوف، تقديره: أسرى الملائكة بعبده، وذلك لأنه يقلق أن يسند "أسرى" -وهو بمعنى "سرى"- إلى الله عز وجل، إذ هو فعل يعطي النقلة كمشى وجرى وأحضر وانتقل، فلا يحسن إسناد شيء من هذا ونحن نجد مندوحة، فإذا صرحت الشريعة بشيء من هذا النحو كقوله تعالى في الحديث: "أتيته سعيا، وأتيته هرولة" حمل ذلك بالتأويل على الوجه المخلص من نفي الحوادث، و"أسرى" -في هذه الآية- تخرج فصيحة كما ذكرنا، ولا تحتاج إلى تجوز قلق في مثل هذا اللفظ، فإنه ألزم للنقلة من "أتيته" وفأتى الله بنيانهم. ويحتمل أن يكون "أسرى" بمعنى: "سرى" على حذف مضاف، كنحو قوله تعالى: {ذهب الله بنورهم}. ووقع الإسراء في جميع مصنفات الحديث، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام، فهو من المتواتر بهذا الوجه. وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابيا، فروى جمهور الصحابة، وتلقى جل العلماء منهم أن الإسراء كان بشخصه صلى الله عليه وسلم، وأنه ركب البراق من مكة ووصل إلى بيت المقدس وصلى فيه. وروى حذيفة وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل عن البراق في بيت المقدس ولا دخله، - قال حذيفة: ولو صلى فيه لكتبت عليكم الصلاة فيه- وأنه ركب البراق بمكة ولم ينزل عنه
[المحرر الوجيز: 5/434]
حتى انصرف إلى بيته إلا في صعوده إلى السماء. وقالت عائشة ومعاوية: إنما أسري بنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفارق شخصه مضجعه، وإنها كانت رؤيا رأى فيها الحقائق من ربه عز وجل. وجوزه الحسن وابن إسحاق.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والحديث مطول في البخاري ومسلم وغيرهما فلذلك اختصرنا نصه في هذا الكتاب، وركوب البراق على قول هؤلاء يكون من جملة ما رئي في النوم، قال ابن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن في كتاب الطبري: البراق هو دابة إبراهيم الذي كان يزور عليه البيت الحرام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
يريدان: يجيء من يومه ويرجع، وذلك من مسكنه بالشام. والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، ولو كانت منامة ما أمكن قريشا أن تشنع، ولا فضل أبو بكر رضي الله عنه بالتصديق، ولا قالت له أم هانيء: لا تحدث الناس بهذا فيكذبوك، إلى غير هذا من الدلائل.
واحتج لقول عائشة بقوله تبارك وتعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا يحتمل القول الآخر; لأنه يقال لرؤية العين: رؤيا. واحتج أيضا بأن في بعض الأحاديث: "فاستيقظت وأنا في المسجد الحرام"، وهذا يحتمل أن يرد من الإسراء إلى نوم. واعترض قول عائشة بأنها كانت صغيرة لم تشاهد ولا حدثت عن النبي صلي الله عليه وسلم، وأما معاوية فكان كافرا في ذلك الوقت، غير مشاهد للحال، صغيرا، ولم يحدث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وقوله تعالى: "سبحان" مصدر غير متمكن; لأنه لا يجري بوجوه الإعراب، ولا تدخل عليه الألف واللام، ولم يجيء منه فعل، وسبح معناه: قال سبحان الله، فلم تستعمل سبح إلا إشارة إلى سبحان، ولم يتصرف لأن في آخره زائدتين، وهو معرفة
[المحرر الوجيز: 5/435]
بالعلمية وإضافته لا تزيده تعريفا، هذا كله مذهب سيبويه فيه. وقالت فرقة: نصبه على النداء، كأنه قال: يا سبحان الذي أسرى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف، ومعناه: تنزيها لله. وروى طلحة بن عبيد الله الفياض أحد العشرة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما معنى "سبحان الله"؟ فقال: "تنزيه لله من كل سوء"، والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي هو من معناه لا من لفظه إذ يجر من لفظه فعل، وذلك مثل: "قعد القرفصاء واشتمل الصماء"، فالتقدير عنده: أنزه الله تنزيها، فوقع "سبحان" مكان قولك: تنزيها.
وقال قوم من المفسرين: "أسرى" فعل غير متعد، عداه هنا بحرف الجر، تقول: أسرى الرجل وسرى إذا سار بالليل بمعنى. وقد ذكرت ما يظهر في اللفظ من جهة العقيدة. وقرأ حذيفة وابن مسعود: "أسرى بعبده من الليل من المسجد الحرام".
وقوله تعالى: {من المسجد الحرام}. قال أنس بن مالك: أراد المسجد المحيط بالكعبة نفسها، ورجحه الطبري، وقال: هو الذي يعرف إذا ذكر هذا الاسم، وروى الحسن بن أبي الحسن عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان"، وذكر عبد بن حميد الكشي في تفسيره، عن سفيان الثوري أنه قال:
[المحرر الوجيز: 5/436]
أسري بالنبي صلي الله عليه وسلم من شعب أبي طالب. وقالت فرقة: "المسجد الحرام" مكة كلها، واستندوا إلى قوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام}، وعظم المقصد هنا إنما هو مكة. وروى بعض هذه الفرقة عن أم هانئ أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء في بيتي، وروي بعضها عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "خرج سقف بيتي"، وهذا يلتئم مع قول أم هانئ رضي الله عنها.
وكان الإسراء فيما قال مقاتل قبل الهجرة بعام، وقاله قتادة، وقيل: بعام ونصف، قاله عروة عن عائشة رضي الله عنها، وكان ذلك في رجب، وقيل: في ليلة سبع عشرة من ربيع الأول، والنبي صلى الله عليه وسلم ابن إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وعشرين يوما، والمتحقق أن ذلك كان بعد شق الصحيفة، وقيل: بيعة العقبة، ووقع في الصحيحين لشريك بن أبي نمر وهم في هذا المعنى، فإنه روى حديث الإسراء فقال فيه: "وذلك قبل الوحي إليه". ولا خلاف بين المحدثين أن هذا وهم من شريك.
و"المسجد الأقصى" مسجد بيت المقدس، وسماه "الأقصى" أي في ذلك الوقت، كان أقصى بيوت الله الفاضلة من الكعبة، ويحتمل أن يريد بـ "الأقصى": البعيد، دون مفاضلة بينه وبين سواه، ويكون المقصد إظهار العجب في الإسراء إلى هذا البعد في ليلة.
[المحرر الوجيز: 5/437]
والبركة حوله من جهتين: إحداهما النبوة والشرائع والرسل الذين كانوا في ذلك القطر وفي نواحيه ونواديه، والأخرى النعم من الأشجار والمياه والأرض المفيدة التي خص الله الشام بها، وروي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله بارك فيما بين العريش إلى الفرات، وخص فلسطين بالتقديس".
وقوله تعالى: {لنريه من آياتنا} يريد: لنري محمدا بعينه آياتنا في السماوات، والملائكة، والجنة، والسدرة، وغير ذلك مما رآه تلك الليلة من العجائب، ويحتمل أن يريد: لنري محمدا صلي الله عليه وسلم للناس آية، أي: يكون النبي صلى الله عليه وسلم آية في أن يصنع الله لبشر هذا الصنع، وتكون الرؤية -على هذا- رؤية قلب.
ولا خلاف أن في هذا الإسراء فرضت الصلوات الخمس على هذه الأمة. وقوله تعالى: {إنه هو السميع البصير} وعيد من الله تبارك وتعالى للكفار على تكذيبهم محمدا صلي الله عليه وسلم في أمر الإسراء، فهي إشارة لطيفة بليغة إلى ذلك، أي: هو السميع لما تقولون، البصير بأفعالكم). [المحرر الوجيز: 5/438]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا}
عطف قوله تعالى: "وآتينا" على ما في قوله: {أسرى بعبده} من تقدير الخبر، كأنه قال: أسرينا بعبدنا وأريناه آياتنا، و"الكتاب": التوراة، والضمير في "جعلناه" يحتمل أن يعود على "الكتاب"، ويحتمل أن يعود على " موسى " عليه السلام. وقوله تعالى: "ألا تتخذوا" يجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير: كراهية، وأن يكون في موضع خفض بتقدير: بألا تتخذوا، ويجوز أن تكون "أن" مفسرة بمعنى: أي، كما قال: أن امشوا واصبروا، فهي في هذا مع أمر، وهي في آياتنا هذه مع نهي، والمعنى في هذه التقديرات: جعلنا ذلك لئلا تتخذوا يا ذرية، ويحتمل أن تكون "ذرية" مفعولا، ويحتمل أن تكون "أن" زائدة، ويضمر في الكلام قول تقديره: قلنا لهم: لا تتخذوا،
[المحرر الوجيز: 5/438]
وأما أن يضمر القول ولا تجعل "أن" زائدة فلا يتجه; لأن ما بعد القول إما أن يكون جملة تحكى، وإما أن يكون ترجمة عن كلام لا هو بعينه، فيعمل القول في الترجمة كما تقول -لمن قال لا إله إلا الله-: قلت حقا، وقوله: "ألا تتخذوا" على المخاطبة، قاله أبو علي. وقرأ جمهور الناس: "ألا تتخذوا" على المخاطبة، وقرأ أبو عمرو وحده: "ألا يتخذوا" بالياء على لفظ الغائب، وهي قراءة ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وعيسى، وأبي رجاء. و"الوكيل" فعيل من التوكل، أي: متوكلا عليه في الأمور، فهو يؤلهه بهذا الوجه، قال مجاهد: "وكيلا": شريكا). [المحرر الوجيز: 5/439]

تفسير قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور الناس: "ذرية" بضم الذال، وقرأ عامر بفتحها، وقرأ زيد بن ثابت، وأبان بن عثمان، ومجاهد أيضا بكسرها، وكل هذا بشد الراء والياء، ورويت عن زيد بن ثابت بفتح الذال وتسهيل الراء وشد الياء، على وزن فعيلة، و"ذرية" وزنها فعولة، أصلها "ذرورة"، أبدلت الراء الثانية ياء وأدغمت ثم كسرت الراء لتناسب الياء، وكل هؤلاء قرءوا: "ذرية" بالنصب، وذلك متجه، إما على المفعول بـ "يتخذوا"، ويكون المعنى: أن لا يتخذ بشر إلها من دون الله، وإما على النداء، أي: يا ذرية، فهي مخاطبة للعالم، قال قوم: وهذا لا يتجه إلا على قراءة من قرأ: "ألا تتخذوا" بالتاء من فوق، ولا يجوز على قراءة من قرأ بالياء من تحت; لأن الفعل لغائب والنداء لمخاطب، والخروج من الغيبة إلى الخطاب إنما يستسهل مع دلالة الكلام على المراد، وفي النداء لا دلالة إلا على غاية التكلف، وإما على النصب بإضمار أعني، وإما على البدل من قوله: "وكيلا"، وهذا أيضا فيه تكلف. وقرأت فرقة: "ذرية" بالرفع على البدل من الضمير المرفوع في "يتخذوا"، وهذا أيضا يتوجه على القراءة بالياء، ولا يجوز على القراءة بالتاء; لأنه لا يبدل من ضمير مخاطب، لو قلت: "ضربتك زيدا" على البدل لم يجز. وقوله: {ذرية من حملنا مع نوح} إنما عبر بهذه العبارة عن الناس الذين عناهم في الآية بحسب الخلاف المذكور، ولأن في هذه العبارة تعديد النعمة على الناس في الإنجاء المؤدي إلى وجودهم، ويقبح الكفر والعصيان مع هذه النعمة، والذين حملوا مع نوح وأنسلوا هم بنوه لصلبه; لأنه آدم الأصغر، وكل من على الأرض اليوم من نسله، هذا قول الجمهور، وذكره الطبري عن قتادة ومجاهد، وإن كان معه غيره فلم ينسل. قال النقاش: اسم نوح عبد الجبار، وقال ابن الكلبي: اسمه فرج، ووصفه بالشكر لأنه كان يحمد الله في كل حال، وعلى كل نعمة، على
[المحرر الوجيز: 5/439]
المطعم والمشرب والملبس والبراز وغير ذلك، صلى الله عليه وسلم. قاله سلمان الفارسي، وسعيد بن مسعود، وابن أبي مريم، وقتادة). [المحرر الوجيز: 5/440]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 03:54 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 04:14 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({سبحان الّذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير (1)}
يمجّد تعالى نفسه، ويعظّم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحدٌ سواه، فلا إله غيره {الّذي أسرى بعبده} يعني محمّدًا، صلوات اللّه وسلامه عليه {ليلا} أي في جنح اللّيل {من المسجد الحرام} وهو مسجد مكّة {إلى المسجد الأقصى} وهو بيت المقدس الّذي هو إيلياء، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل؛ ولهذا جمعوا له هنالك كلّهم، فأمّهم في محلّتهم، ودارهم، فدلّ على أنّه هو الإمام الأعظم، والرّئيس المقدّم، صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
وقوله: {الّذي باركنا حوله} أي: في الزّروع والثّمار {لنريه} أي: محمّدًا {من آياتنا} أي: العظام كما قال تعالى: {لقد رأى من آيات ربّه الكبرى} [النّجم: 18].
وسنذكر من ذلك ما وردت به السّنّة من الأحاديث عنه، صلوات اللّه عليه وسلامه.
وقوله: {إنّه هو السّميع البصير} أي: السميع لأقوال عباده، مؤمنهم وكافرهم، مصدقهم ومكذّبهم، البصير بهم فيعطي كلًّا ما يستحقّه في الدّنيا والآخرة.
ذكر الأحاديث الواردة في الإسراء
رواية أنس بن مالكٍ:
قال الإمام أبو عبد اللّه البخاريّ: حدّثني عبد العزيز بن عبد اللّه، حدّثنا سليمان -هو ابن بلالٍ-عن شريك بن عبد اللّه قال: سمعت أنس بن مالكٍ يقول ليلة أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من مسجد الكعبة: إنّه جاءه ثلاثة نفرٍ قبل أن يوحى إليه وهو نائمٌ في المسجد الحرام فقال أوّلهم: أيهمّ هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم. فكانت تلك اللّيلة فلم يرهم حتّى أتوه ليلةً أخرى فيما يرى قلبه، وتنام عيناه ولا ينام قلبه -وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم-فلم يكلّموه حتّى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولّاه منهم جبريل، فشقّ جبريل ما بين نحره إلى لبّته حتّى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم، بيده حتّى أنقى جوفه، ثمّ أتي بطستٍ من ذهبٍ فيه تورٌ من ذهبٍ محشوًّا إيمانًا وحكمةً، فحشا به صدره ولغاديده -يعني عروق حلقه-ثمّ أطبقه. ثمّ عرج به إلى السّماء الدّنيا، فضرب بابًا من أبوابها، فناداه أهل السّماء: من هذا؟ فقال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمّدٌ. قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبًا به وأهلًا به، يستبشر به أهل السّماء لا يعلم أهل السّماء بما يريد اللّه به في الأرض حتّى يعلمهم.
ووجد في السّماء الدّنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك آدم فسلّم عليه، فسلّم عليه، وردّ عليه آدم فقال: مرحبًا وأهلًا بابني، نعم الابن أنت، فإذا هو في السّماء الدّنيا بنهرين يطّردان فقال: "ما هذان النّهران يا جبريل؟ " قال: هذا النّيل والفرات عنصرهما، ثمّ مضى به في السّماء، فإذا هو بنهرٍ آخر عليه قصرٌ من لؤلؤٍ وزبرجدٍ، فضرب يده فإذا هو مسكٌ أذفر فقال: "ما هذا يا جبريل؟ " قال: هذا الكوثر الّذي خبّأ لك ربّك.
ثمّ عرج إلى السّماء الثّانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبًا وأهلًا وسهلًا.
ثمّ عرج به إلى السّماء الثّالثة، فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثّانية. ثمّ عرج به إلى السّماء الرّابعة، فقالوا له مثل ذلك. ثمّ عرج به إلى السّماء الخامسة، فقالوا له مثل ذلك. ثمّ عرج به إلى السّماء السّادسة، فقالوا له مثل ذلك. ثمّ عرج به إلى السّماء السّابعة، فقالوا له مثل ذلك. كلّ سماءٍ فيها أنبياء قد سمّاهم، قد وعيت منهم إدريس في الثّانية وهارون في الرّابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السّادسة، وموسى في السّابعة بتفضيل كلام اللّه. فقال موسى: "ربّ لم أظنّ أن يرفع عليّ أحدٌ" ثمّ علا به فوق ذلك، بما لا يعلمه إلّا اللّه، عزّ وجلّ، حتّى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبّار ربّ العزّة فتدلّى، حتّى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله إليه فيما يوحي: خمسين صلاةً على أمّتك كلّ يومٍ وليلةٍ. ثمّ هبط به حتّى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال: "يا محمّد، ماذا عهد إليك ربّك؟ " قال: "عهد إليّ خمسين صلاةً كلّ يومٍ وليلةٍ" قال:" إنّ أمّتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفّف عنك ربّك وعنهم". فالتفت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى جبريل كأنّه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل: أن نعم، إن شئت. فعلا به إلى الجبّار تعالى، فقال وهو في مكانه: "يا ربّ، خفّف عنّا، فإنّ أمّتي لا تستطيع هذا" فوضع عنه عشر صلواتٍ، ثمّ رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردّده موسى إلى ربّه حتّى صارت إلى خمس صلواتٍ. ثمّ احتبسه موسى عند الخمس فقال: "يا محمّد، واللّه لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا، فضعفوا فتركوه، فأمّتك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبدانًا وأبصارًا وأسماعًا، فارجع فليخفّف عنك ربّك" كلّ ذلك يلتفت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: "يا ربّ، إنّ أمّتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفّف عنّا" فقال: الجبّار: "يا محمّد، قال: "لبّيك وسعديك" قال: إنّه لا يبدّل القول لديّ، كما فرضت عليك في أمّ الكتاب: "كلّ حسنةٍ بعشر أمثالها، فهي خمسون في أمّ الكتاب وهي خمسٌ عليك"، فرجع إلى موسى فقال: "كيف فعلت؟ " فقال: "خفّف عنّا، أعطانا بكلّ حسنةٍ عشر أمثالها" قال: موسى: "قد واللّه راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، فارجع إلى ربّك فليخفّف عنك أيضًا". قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا موسى قد -واللّه-استحييت من ربّي ممّا أختلف إليه" قال: "فاهبط باسم اللّه"، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام.
هكذا ساقه البخاريّ في "كتاب التّوحيد"، ورواه في "صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم"،عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكرٍ عبد الحميد، عن سليمان بن بلالٍ.
ورواه مسلمٌ، عن هارون بن سعيدٍ، عن ابن وهب، عن سليمان قال: "فزاد ونقص، وقدّم وأخّر".
وهو كما قاله مسلمٌ، رحمه اللّه، فإنّ شريك بن عبد اللّه بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث، وساء حفظه ولم يضبطه، كما سيأتي بيانه في الأحاديث الأخر.
ومنهم من يجعل هذا منامًا توطئةً لما وقع بعد ذلك، واللّه أعلم.
[وقال] البيهقيّ: في حديث "شريكٍ" زيادةٌ تفرّد بها، على مذهب من زعم أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى ربّه، يعني قوله: "ثمّ دنا الجبّار ربّ العزّة فتدلّى، فكان قاب قوسين أو أدنى" قال: وقول عائشة وابن مسعودٍ وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل -أصح.
وهذا الّذي قاله البيهقيّ هو الحقّ في هذه المسألة، فإنّ أبا ذرٍّ قال: يا رسول اللّه، هل رأيت ربّك؟ قال: "نورٌ أنّى أراه". وفي روايةٍ "رأيت نورًا". أخرجه مسلمٌ، رحمه اللّه.
وقوله: {ثمّ دنا فتدلّى} [النّجم: 8]، إنّما هو جبريل، عليه السّلام، كما ثبت ذلك في الصّحيحين، عن عائشة أمّ المؤمنين، وعن ابن مسعودٍ، وكذلك هو في صحيح مسلمٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنهم، ولا يعرف لهم مخالفٌ من الصّحابة في تفسير هذه الآية بهذا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا ثابتٌ البناني، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أتيت بالبراق وهو دابّةٌ أبيض فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته فسار بي حتّى أتيت بيت المقدس، فربطت الدّابّة بالحلقة الّتي يربط فيها الأنبياء، ثمّ دخلت فصلّيت فيه ركعتين، ثمّ خرجت. فأتاني جبريل بإناءٍ من خمرٍ وإناءٍ من لبنٍ، فاخترت اللّبن. قال جبريل: أصبت الفطرة" قال: "ثمّ عرج بي إلى السّماء الدّنيا، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. قيل: وقد أرسل إليه؟ [قال: قد أرسل إليه]. ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحّب ودعا لي بخيرٍ.
ثمّ عرج بنا إلى السّماء الثّانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى، فرحّبا بي ودعوا لي بخيرٍ.
ثمّ عرج بنا إلى السّماء الثّالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ فقال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ فقال: محمّدٌ. فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحّب ودعا لي بخيرٍ.
ثمّ عرج بنا إلى السّماء الرّابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ فقال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. فقيل: قد أرسل إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح الباب، فإذا أنا بإدريس، فرحّب ودعا لي بخيرٍ. ثمّ قال: يقول اللّه: {ورفعناه مكانًا عليًّا} [مريم: 57].
ثمّ عرج بنا إلى السّماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ فقال: جبريل. فقيل: [و] من معك؟ فقال: محمّدٌ. فقيل: قد أرسل إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، فرحّب ودعا لي بخيرٍ.
ثمّ عرج بنا إلى السّماء السّادسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ فقال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال: محمّدٌ. فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بموسى فرحّب ودعا لي بخيرٍ.
ثمّ عرج بنا إلى السّماء السّابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم، وإذا هو مستندٌ إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ ثمّ لا يعودون إليه.
ثمّ ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال. فلمّا غشيها من أمر اللّه ما غشيها تغيّرت، فما أحدٌ من خلق اللّه تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها. قال: "فأوحى اللّه إليّ ما أوحى، وفرض عليّ في كلّ يومٍ وليلةٍ خمسين صلاةً، فنزلت حتّى انتهيت إلى موسى". قال: "ما فرض ربّك على أمّتك؟ قال: "قلت: خمسين صلاةً في كلّ يومٍ وليلةٍ". قال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف؛ فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك، وإنّي قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم". قال:" فرجعت إلى ربّي، فقلت: أي ربّ، خفّف عن أمّتي، فحطّ عنّي خمسًا. فرجعت إلى موسى فقال: ما فعلت؟ قلت: قد حطّ عنّي خمسًا". قال: "إنّ أمّتك لا تطيق ذلك، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك" قال: "فلم أزل أرجع بين ربّي وبين موسى، ويحطّ عنّي خمسًا خمسًا حتّى قال: يا محمّد، هي خمس صلواتٍ في كلّ يومٍ وليلةٍ، بكلّ صلاةٍ عشرٌ، فتلك خمسون صلاةً، ومن هم بحسنةٍ فلم يعملها كتبت [له] حسنةً، فإن عملها كتبت عشرًا. ومن همّ بسيّئةٍ ولم يعملها لم تكتب، فإنّ عملها كتبت سيّئةً واحدةً. فنزلت حتّى انتهيت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك". فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لقد رجعت إلى ربّي حتّى استحييت".
ورواه مسلمٌ عن شيبان بن فرّوخ، عن حمّاد بن سلمة بهذا السّياق، وهو أصحّ من سياق شريك.
قال البيهقيّ: وفي هذا السّياق دليلٌ على أنّ المعراج كان ليلة أسري به، عليه الصّلاة والسّلام، من مكّة إلى بيت المقدس. وهذا الّذي قاله هو الحقّ الّذي لا شكّ فيه ولا مرية.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمرٌ، عن قتادة، عن أنسٍ، رضي اللّه عنه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجًا ملجمًا ليركبه، فاستصعب عليه، فقال له جبريل: ما يحملك على هذا؟ فواللّه ما ركبك قطّ أكرم على اللّه منه. قال: فارفضّ عرقًا.
ورواه التّرمذيّ عن إسحاق بن منصورٍ، عن عبد الرّزّاق، وقال: غريبٌ لا نعرفه إلّا من حديثه.
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا صفوان، حدّثني راشد بن سعدٍ وعبد الرّحمن بن جبيرٍ، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لمّا عرج بي ربّي، عزّ وجلّ، مررت بقومٍ لهم أظفارٌ من نحاسٍ، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم النّاس، ويقعون في أعراضهم".
وأخرجه أبو داود، من حديث صفوان بن عمرٍو، به. ومن وجهٍ آخر ليس فيه أنسٌ، فاللّه أعلم.
وقال أيضًا: حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا سفيان، عن سليمان التّيمي، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "مررت ليلة أسري بي على موسى، عليه السّلام، قائمًا يصلّي في قبره".
ورواه مسلمٌ من حديث حمّاد بن سلمة، عن سليمان بن طرخان التّيميّ وثابتٍ البنانيّ، كلاهما عن أنسٍ.
قال النّسائيّ: وهذا أصحّ من رواية من قال: سليمان عن ثابتٍ، عن أنسٍ.
وقال [الحافظ] أبو يعلى الموصليّ في مسنده: حدّثنا وهب بن بقيّة، حدّثنا خالدٌ، عن التّيميّ، عن أنسٍ قال: أخبرني بعض أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة أسري به مرّ على موسى وهو يصلّي في قبره.
وقال أبو يعلى: حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة، حدّثنا معتمرٌ، عن أبيه قال: سمعت أنسًا: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة أسري به مرّ بموسى وهو يصلّي في قبره -قال أنسٌ: ذكر أنّه حمل على البراق-فأوثق الدّابّة -أو قال: الفرس-قال أبو بكرٍ: صفها لي. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وذكر كلمةً فقال: أشهد أنّك رسول اللّه، وكان أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، قد رآها.
وقال الحافظ أبو بكرٍ أحمد بن عمرٍو البزّار في مسنده: حدّثنا سلمة بن شبيبٍ، حدّثنا سعيد بن منصورٍ، حدّثنا الحارث بن عبيدٍ، عن أبي عمران الجونيّ، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بينا أنا قاعدٌ إذ جاء جبريل عليه السّلام، فوكز بين كتفي، فقمت إلى شجرةٍ فيها كوكري الطّير، فقعد في أحدهما وقعدت في الآخر فسمت وارتفعت حتّى سدّت الخافقين وأنا أقلّب طرفي، ولو شئت أنّ أمسّ السّماء لمسست، فالتفتّ إلى جبريل، عليه السّلام، كأنّه حلس لاط فعرفت فضل علمه باللّه عليّ، وفتح لي بابٌ من أبواب السّماء فرأيت النّور الأعظم، وإذا دون الحجاب رفرف الدّرّ والياقوت، وأوحي إليّ ما شاء اللّه أن يوحي" ثمّ قال: هذا الحديث لا نعلم رواه إلّا أنسٌ، ولا نعلم رواه عن أبي عمران الجونيّ إلّا الحارث بن عبيدٍ، وكان رجلًا مشهورًا من أهل البصرة.
ورواه الحافظ البيهقيّ في "الدّلائل"، عن أبي بكرٍ القاضي، عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليّ بن دحيم، عن محمّد بن الحسين بن أبي الحنين، عن سعيد بن منصورٍ، فذكر بسنده مثله، ثمّ قال: وقال غيره في هذا الحديث في آخره: "ولطّ دوني -أو قال: دون الحجاب-رفرف الدّرّ والياقوت". ثمّ قال: هكذا رواه الحارث بن عبيدٍ. ورواه حمّاد بن سلمة، عن أبي عمران الجوني، عن محمّد بن عمير بن عطاردٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان في ملإٍ من أصحابه، فجاءه جبريل، فنكت في ظهره فذهب به إلى الشّجرة وفيها مثل وكري الطّير، فقعد في أحدهما وقعد جبريل في الآخر، فنشأت بنا حتّى بلغت الأفق، فلو بسطت يدي إلى السّماء لنلتها، فدلّي بسببٍ وهبط النّور، فوقع جبريل مغشيًّا عليه كأنّه حلس، فعرفت فضل خشيته على خشيتي. فأوحى إليّ: نبيًّا ملكًا أو نبيًّا عبدًا؟ وإلى الجنّة ما أنت؟ فأومأ إليّ جبريل وهو مضطجعٌ: أن تواضع. قال: قلت: لا. بل نبيًّا عبدًا.
قلت: وهذا إن صحّ يقتضي أنّها واقعةٌ غير ليلة الإسراء، فإنّه لم يذكر فيها بيت المقدس، ولا الصّعود إلى السّماء، فهي كائنةٌ غير ما نحن فيه، واللّه أعلم.
وقال البزّار أيضًا: حدّثنا عمرو بن عيسى، حدّثنا أبو بحرٍ، حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أنسٍ، رضي اللّه عنه، أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم رأى ربّه، عزّ وجلّ، هذا غريبٌ.
وقال أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا يونس، حدّثنا عبد اللّه بن وهبٍ، حدّثنا يعقوب بن عبد الرّحمن الزّهريّ، عن أبيه، عن عبد الرّحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاصٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: لمّا جاء جبريل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالبراق فكأنّها أمرّت ذنبها، فقال لها جبريل: مه يا براق، فواللّه إن ركبك مثله. وسار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا هو بعجوزٍ على جانب الطّريق، فقال: "ما هذه يا جبريل؟ " قال: سر يا محمّد. قال: فسار ما شاء اللّه أن يسير، فإذا شيءٌ يدعوه متنحّيًا عن الطّريق يقول: هلمّ يا محمّد فقال له جبريل: سر يا محمّد فسار ما شاء اللّه أن يسير، قال: فلقيه خلقٌ من الخلق فقالوا: السّلام عليك يا أوّل، السّلام عليك يا آخر، السّلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: اردد السّلام يا محمّد. فردّ السّلام، ثمّ لقيه الثّانية فقال له مثل مقالته الأولى، ثمّ الثّالثة كذلك، حتّى انتهى إلى بيت المقدس. فعرض عليه الماء والخمر واللّبن، فتناول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اللّبن، فقال له جبريل: أصبت الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمّتك، ولو شربت الخمر لغويت ولغوت أمّتك. ثمّ بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء، عليهم السّلام، فأمّهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلك اللّيلة. ثمّ قال له جبريل: أمّا العجوز الّتي رأيت على جانب الطّريق، فلم يبق من الدّنيا إلّا ما بقي من عمر تلك العجوز، وأمّا الّذي أراد أن تميل إليه، فذاك عدوّ اللّه إبليس أراد أن تميل إليه، وأمّا الّذين سلّموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى، عليهم الصّلاة والسّلام.
وهكذا رواه الحافظ البيهقيّ في "دلائل النّبوّة" من حديث ابن وهبٍ، وفي بعض ألفاظه نكارة وغرابةٌ.
طريقٌ أخرى عن أنس بن مالكٍ:
وفيها غرابةٌ ونكارةٌ جدًّا، وهي في سنن النّسائيّ المجتبى، ولم أرها في الكبير قال: أخبرنا عمرو بن هشامٍ، حدّثنا مخلد -هو ابن الحسين-عن سعيد بن عبد العزيز، حدّثنا يزيد بن أبي مالكٍ، حدّثنا أنس بن مالكٍ: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: "أتيت بدابّةٍ فوق الحمار ودون البغل، خطوها عند منتهى طرفها، فركبت ومعي جبريل عليه السّلام فسرت فقال: انزل فصلّ. فصلّيت، فقال: أتدري أين صلّيت؟ [صلّيت بطيبة وإليها المهاجر، ثمّ قال: انزل فصلّ. فصلّيت، فقال: أتدري أين صلّيت؟] صلّيت بطور سيناء، حيث كلّم اللّه موسى، ثمّ قال: انزل فصلّ. فصلّيت، فقال: أتدري أين صلّيت. صلّيت ببيت لحمٍ، حيث ولد عيسى، عليه السّلام، ثمّ دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السّلام، فقدّمني جبريل حتّى أممتهم [ثمّ صعد بي إلى السّماء الدّنيا، فإذا فيها آدم، عليه السّلام] ثمّ صعد بي إلى السّماء الثّانية، فإذا فيها ابنا الخالة: عيسى ويحيى، عليهما السّلام، ثمّ صعد بي إلى السّماء الثّالثة، فإذا فيها يوسف عليه السّلام. ثمّ صعد بي إلى السّماء الرّابعة، فإذا فيها هارون، عليه السّلام. ثمّ صعد بي إلى السّماء الخامسة، فإذا فيها إدريس عليه السّلام. ثمّ صعد بي إلى السّماء السّادسة، فإذا فيها موسى، عليه السّلام. ثمّ صعد بي إلى السّماء السّابعة، فإذا فيها إبراهيم عليه السّلام، ثمّ صعد بي فوق سبع سمواتٍ وأتيت سدرة المنتهى، فغشيتني ضبابةٌ فخررت ساجدًا فقيل لي: إنّي يوم خلقت السّموات والأرض، فرضت عليك وعلى أمّتك خمسين صلاةً، فقم بها أنت وأمّتك [فرجعت إلى إبراهيم فلم يسألني، عن شيءٍ. ثمّ أتيت موسى فقال: كم فرض اللّه عليك وعلى أمّتك؟] قلت: خمسين صلاةً. قال: فإنّك لا تستطيع أن تقوم بها، لا أنت ولا أمّتك، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف فرجعت إلى ربّي فخفّف عنّي عشرًا. ثمّ أتيت موسى فأمرني بالرّجوع، فرجعت فخفّف عنّي عشرًا، ثمّ ردّت إلى خمس صلواتٍ، قال: فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّه فرض على بني إسرائيل صلاتين، فما قاموا بهما. فرجعت إلى ربّي، عزّ وجلّ، فسألته التّخفيف، فقال: إنّي يوم خلقت السّموات والأرض فرضت عليك وعلى أمّتك خمسين صلاةً، فخمسٌ بخمسين، فقم بها أنت وأمّتك. فعرفت أنّها من اللّه عزّ وجلّ صرّى فرجعت إلى موسى، عليه السّلام فقال: ارجع، فعرفت أنّها من اللّه صرّى -يقول: أي حتمٌ-فلم أرجع".
طريقٌ أخرى:
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثني أبي، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا خالد بن يزيد بن أبي مالكٍ، عن أبيه، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، قال: لـمّا كان ليلة أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بيت المقدس، أتاه جبريل بدابّةٍ فوق الحمار ودون البغل، حمله جبريل عليها، ينتهي خفها حيث ينتهي طرفها. فلمّا بلغ بيت المقدس وبلغ المكان الّذي يقال له: "باب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم" أتى إلى الحجر الّذي ثمّة، فغمزه جبريل بأصبعه فثقبه، ثمّ ربطها. ثمّ صعد فلمّا استويا في صرحة المسجد، قال جبريل: يا محمّد، هل سألت ربّك أن يريك الحور العين؟ فقال: نعم. فقال: فانطلق إلى أولئك النّسوة، فسلّم عليهنّ وهنّ جلوسٌ عن يسار الصّخرة، قال: فأتيتهنّ فسلّمت عليهنّ، فرددن عليّ السّلام، فقلت: من أنتنّ؟ فقلن: نحن خيراتٌ حسانٌ، نساء قومٍ أبرارٍ، نقّوا فلم يدرنوا، وأقاموا فلم يظعنوا، وخلّدوا فلم يموتوا". قال: "ثمّ انصرفت، فلم ألبث إلّا يسيرًا حتّى اجتمع ناسٌ كثيرٌ، ثمّ أذّن مؤذّنٌ وأقيمت الصّلاة". قال: "فقمنا صفوفًا ننتظر من يؤمّنا، فأخذ بيدي جبريل عليه السّلام، فقدّمني فصلّيت بهم. فلمّا انصرفت قال جبريل: يا محمّد، أتدري من صلّى خلفك؟ " قال: "قلت: لا. قال: صلّى خلفك كلّ نبيٍّ بعثه اللّه عزّ وجلّ".
قال: "ثمّ أخذ بيدي جبريل فصعد بي إلى السّماء، فلمّا انتهينا إلى الباب استفتح فقالوا: من أنت؟ قال: أنا جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم". قال: "ففتحوا له وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك". قال: "فلمّا استوى على ظهرها إذا فيها آدم، فقال لي جبريل: يا محمّد، ألا تسلّم على أبيك آدم؟ " قال: "قلت: بلى. فأتيته فسلّمت عليه، فردّ عليّ وقال: مرحبًا بابني والنّبيّ الصّالح". قال: "ثمّ عرج بي إلى السّماء الثّانية فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم": "ففتحوا له وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك، فإذا فيها عيسى وابن خالته يحيى عليهما السّلام. قال: "ثمّ عرج بي إلى السّماء الثّالثة فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم". ففتحوا وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك، فإذا فيها يوسف، عليه السّلام، ثمّ عرج بي إلى السّماء الرّابعة فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال: جبريل؟ قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم. ففتحوا وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك. فإذا فيها إدريس عليه السّلام". قال: "فعرج بي إلى السّماء الخامسة، فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم. قال: ففتحوا وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك فإذا فيها هارون، عليه السّلام". قال: "ثمّ عرج بي إلى السّماء السّادسة فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم. ففتحوا وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك، فإذا فيها موسى، عليه السّلام. ثمّ عرج بي إلى السّماء السّابعة، فاستفتح جبريل، فقالوا من أنت؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. ففتحوا له وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك، فإذا فيها إبراهيم، عليه السّلام. فقال جبريل: يا محمّد، ألا تسلّم على أبيك إبراهيم؟ قال: قلت: بلى. فأتيته فسلّمت عليه، فردّ عليّ السّلام وقال: مرحبًا بك يا بني والنّبيّ الصّالح.
ثمّ انطلق بي على ظهر السّماء السّابعة، حتّى انتهى بي إلى نهرٍ عليه خيام الياقوت واللّؤلؤ والزّبرجد وعليه طيرٌ خضرٌ أنعم طيرٍ رأيت. فقلت: يا جبريل، إنّ هذا الطّير لناعمٌ قال: يا محمّد، آكله أنعم منه ثمّ قال: يا محمّد، أتدري أيّ نهرٍ هذا؟ قال: "قلت: لا. قال: هذا الكوثر الذي أعطاك اللّه إيّاه. فإذا فيه آنية الذّهب والفضّة، يجري على رصراض من الياقوت والزّمرّد، ماؤه، أشدّ بياضًا من اللّبن" قال: "فأخذت منه آنيةً من الذّهب، فاغترفت من ذلك الماء فشربت، فإذا هو أحلى من العسل، وأشدّ رائحةً من المسك. ثمّ انطلق بي حتّى انتهيت إلى الشّجرة، فغشيتني سحابةٌ فيها من كلّ لونٍ، فرفضني جبريل، وخررت ساجدًا للّه، عزّ وجلّ، فقال اللّه لي: يا محمّد، إنّي يوم خلقت السّموات والأرض فرضت عليك وعلى أمّتك خمسين صلاةً، فقم بها أنت وأمّتك". قال: "ثمّ انجلت عنّي السّحابة وأخذ بيدي جبريل، فانصرفت سريعًا فأتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئًا، ثمّ أتيت على موسى فقال: ما صنعت يا محمّد؟ فقلت: فرض ربّي عليّ وعلى أمّتي خمسين صلاةً. قال: فلن تستطيعها أنت ولا أمّتك، فارجع إلى ربّك فاسأله أن يخفّف عنك. فرجعت سريعًا حتّى انتهيت إلى الشّجرة، فغشيتني السّحابة، ورفضني جبريل وخررت ساجدًا وقلت: ربّ، إنّك فرضت عليّ وعلى أمّتي خمسين صلاةً، ولن أستطيعها أنا ولا أمّتي، فخفّف عنّا. قال: قد وضعت عنكم عشرًا. قال: ثمّ انجلت عنّي السّحابة، وأخذ بيدي جبريل وانصرفت سريعًا حتّى أتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئًا، ثمّ أتيت على موسى، فقال لي: ما صنعت يا محمّد؟ فقلت: وضع ربّي عنّي عشرًا فقال: أربعون صلاةً! لن تستطيعها أنت ولا أمّتك، فارجع إلى ربّك فاسأله أن يخفّف عنكم -فذكر الحديث كذلك إلى خمس صلواتٍ، وخمسٍ بخمسين ثمّ أمره موسى أن يرجع فيسأل التّخفيف، فقلت: "إنّي قد استحييت منه تعالى".
قال: ثمّ انحدر، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لجبريل: "ما لي لم آت على سماءٍ إلّا رحّبوا بي وضحكوا إليّ، غير رجلٍ واحدٍ، فسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام فرحّب بي ولم يضحك إليّ. قال: يا محمّد، ذاك مالكٌ خازن جهنّم لم يضحك منذ خلق ولو ضحك إلى أحدٍ لضحك إليك".
قال: ثمّ ركب منصرفًا، فبينا هو في بعض طريقه مرّ بعيرٍ لقريشٍ تحمل طعامًا، منها جملٌ عليه غرارتان: غرارةٌ سوداء، وغرارةٌ بيضاء، فلمّا حاذى بالعير نفرت منه واستدارت، وصرع ذلك البعير وانكسر.
ثمّ إنّه مضى فأصبح، فأخبر عمّا كان، فلمّا سمع المشركون قوله أتوا أبا بكرٍ فقالوا: يا أبا بكرٍ، هل لك في صاحبك؟ يخبر أنّه أتى في ليلته هذه مسيرة شهرٍ، ثمّ رجع في ليلته. فقال أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه: إن كان قاله فقد صدق، وإنّا لنصدّقه فيما هو أبعد من هذا، نصدّقه على خبر السّماء.
فقال المشركون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما علامة ما تقول؟ قال: "مررت بعيرٍ لقريشٍ، وهي في مكان كذا وكذا، فنفرت العير منّا واستدارت، [وفيها بعيرٌ عليه] غرارتان: غرارةٌ سوداء، وغرارةٌ بيضاء، فصرع فانكسر".
فلمّا قدمت العير سألوهم، فأخبروهم الخبر على مثل ما حدّثهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومن ذلك سمّي أبو بكر الصديق.
وسألوه وقالوا: هل كان معك فيمن حضر موسى وعيسى؟ قال: "نعم". قالوا: فصفهم. قال: "نعم"، أمّا موسى فرجلٌ آدم، كأنّه من رجال أزد عمّان، وأمّا عيسى فرجلٌ ربعةٌ، سبط، تعلوه حمرةٌ كأنّما يتحادر من شعره الجمان".
هذا سياقٌ فيه غرائب عجيبةٌ.
رواية أنسٍ، رضي اللّه عنه، عن مالك بن صعصعة:
قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا همّام، قال: سمعت قتادة يحدّث عن أنس بن مالكٍ: أنّ مالك بن صعصعة حدّثه: أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حدّثهم عن ليلة أسري به، قال: "بينما أنا في الحطيم -وربّما قال قتادة: في الحجر-مضطجعًا إذ أتاني آتٍ" فجعل يقول لصاحبه الأوسط بين الثّلاثة، قال: "فأتاني فقدّ -وسمعت قتادة يقول: فشقّ-ما بين هذه إلى هذه". وقال قتادة: فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وقد سمعته يقول: من قصّته إلى شعرته قال: "فاستخرج قلبي" قال: "فأتيت بطستٍ من ذهبٍ مملوءٍ إيمانًا وحكمةٍ فغسل قلبي ثمّ حشي، ثمّ أعيد. ثمّ أتيت بدابّةٍ دون البغل وفوق الحمار أبيض" قال: فقال الجارود: وهو البراق يا أبا حمزة؟ قال: نعم، يقع خطوه عند أقصى طرفه. قال: "فحملت عليه، فانطلق بي جبريل، عليه السّلام، حتّى أتى بي إلى السّماء الدّنيا، فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. فقيل: مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء" قال: "ففتح فلمّا خلصت، فإذا فيها آدم، عليه السّلام، فقال: هذا أبوك آدم، فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ السّلام، ثمّ قال: مرحبًا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ صعد حتّى أتى السّماء الثّانية، فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء"، قال: "ففتح، فلمّا خلصت، فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة. قال: هذا يحيى وعيسى، فسلّم عليهما. قال: فسلّمت فردّا السّلام ثمّ قالا مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ صعد حتّى أتى السّماء الثّالثة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء". قال: ففتح فلمّا خلصت، فإذا يوسف، عليه السّلام، قال: هذا يوسف قال: "فسلّمت عليه، فردّ السّلام ثمّ قال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ صعد حتّى أتى السّماء الرّابعة، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟
قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء" قال: "ففتح فلمّا خلصت فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلّم عليه". قال: "فسلّمت عليه. فردّ السّلام، ثمّ قال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح".
قال: "ثمّ صعد حتّى أتى السّماء الخامسة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء". قال: "ففتح، فلمّا خلصت، فإذا هارون، عليه السّلام، قال: هذا هارون فسلّم عليه. قال: فسلّمت عليه فردّ السّلام، ثمّ قال: مرحبًا بالأخ والنّبيّ الصّالح".
قال: "ثمّ صعد حتّى أتى السّماء السّادسة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء. ففتح، فلمّا خلصت، فإذا أنا بموسى، قال: هذا موسى، عليه السّلام، فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ السّلام ثمّ قال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح". قال: "فلمّا تجاوزته بكى. قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأنّ غلامًا بعث بعدي، يدخل الجنّة من أمّته أكثر ممّا يدخلها من أمّتي".
قال: "ثمّ صعد حتّى أتى السّماء السّابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء". قال: "ففتح، فلمّا خلصت، فإذا إبراهيم، عليه السّلام. فقال: هذا إبراهيم، فسلّم عليه". قال: "فسلّمت عليه، فردّ السّلام، ثمّ قال: مرحبًا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح".
قال: ثمّ رفعت إليّ سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، فقال: هذه سدرة المنتهى". قال: "وإذا أربعة أنهارٍ: نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أمّا الباطنان فنهران في الجنّة، وأمّا الظّاهران فالنّيل والفرات".
قال: ثمّ رفع إليّ البيت المعمور.
قال قتادة: وحدّثني الحسن، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه رأى البيت المعمور يدخله كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ، ثمّ لا يعودون فيه.
ثمّ رجع إلى حديث أنسٍ [قال: "ثمّ] أتيت بإناءٍ من خمرٍ وإناءٍ من لبنٍ وإناءٍ من عسلٍ". قال: "فأخذت اللّبن، قال: هذه الفطرة وأنت عليها وأمّتك".
قال: "ثمّ فرضت الصّلاة خمسين صلاةً كلّ يومٍ". قال: "فنزلت حتّى انتهيت إلى موسى، قال ما فرض ربّك على أمّتك؟ " قال: "قلت خمسين صلاةً كلّ يومٍ. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمسين صلاةً، وإنّي قد خبرت النّاس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، عن أمّتك ". قال: "فرجعت فوضع عنّي عشرًا، قال: فرجعت إلى موسى، فقال: بم أمرت؟ قلت: بأربعين صلاةً كلّ يومٍ. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع أربعين صلاةً كلّ يومٍ، وإنّي قد خبرت النّاس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك. قال: فرجعت فوضع عنّي عشرًا أخر. فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ فقلت: أمرت بثلاثين صلاةً. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع ثلاثين صلاةً كلّ يومٍ، وإنّي قد خبرت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك". قال: "فرجعت فوضع عنّي عشرًا أخر، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: بعشرين صلاةً كلّ يومٍ. فقال: إنّ أمّتك لا تستطيع لعشرين صلاةً كلّ يومٍ، وإنّي قد خبرت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك". قال: "فرجعت فوضع عنّي عشرًا أخر، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ فقلت: أمرت بعشر صلواتٍ في كل يوم. فقال: إن أمتك لا تستطيع لعشر صلواتٍ كلّ يومٍ، وإنّي قد خبرت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك". قال: "فرجعت فأمرت بخمس صلواتٍ كلّ يومٍ، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ فقلت: أمرت بخمس صلواتٍ كلّ يومٍ. فقال: إنّ أمّتك لا تستطيع لخمس صلواتٍ كلّ يومٍ وإنّي قد خبرت النّاس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك". قال: "قلت: لقد سألت ربّي [عزّ وجلّ] حتّى استحييت، ولكن أرضى وأسلّم. فنفذت، فناداني منادٍ: قد أمضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي".
وأخرجاه في الصّحيحين من حديث قتادة، بنحوه.
"رواية أنسٍ، عن أبي ذرٍّ:
قال البخاريّ: حدّثنا يحيى بن بكير، حدّثنا اللّيث، عن يونس، عن ابن شهابٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: كان أبو ذرٍّ، رضي اللّه عنه، يحدّث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج [صدري ثم غسله بماء زمزم، ثمّ جاء بطستٍ من ذهبٍ ممتلئٍ حكمةً وإيمانًا، فأفرغه] في صدري، ثمّ أطبقه. ثمّ أخذ بيدي فعرج بي إلى السّماء، فلمّا جئت إلى السّماء [الدّنيا] قال جبريل لخازن السّماء: افتح. قال: من هذا؟ قال: جبريل. قال: هل معك أحدٌ؟ قال: نعم، معي محمّدٌ. قال: أرسل إليه؟ قال: نعم. فلمّا فتح علونا السّماء الدّنيا وإذا رجلٌ قاعدٌ على يمينه أسودة وعلى يساره أسودةٌ، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى. فقال: مرحبًا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح. قلت: لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم. وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنّة والأسودة الّتي عن شماله أهل النّار. فإذا نظر، عن يمينه ضحك، وإذا نظر، عن شماله بكى.
"ثمّ عرج بي إلى السّماء الثّانية فقال لخازنها: افتح. فقال له خازنها مثل ما قال له الأول، ففتح". قال أنسٌ: فذكر أنّه وجد في السّموات آدم، وإدريس، وموسى، وعيسى، وإبراهيم، ولم يثبت كيف منازلهم، غير أنّه ذكر أنّه وجد آدم في السّماء الدّنيا، وإبراهيم في السّماء السّادسة. قال أنسٌ: فلمّا مرّ جبريل بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بإدريس قال: "مرحبًا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. فقلت: من هذا؟ فقال: هذا إدريس. ثمّ مررت بموسى فقال: مرحبًا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قلت: من هذا؟ قال: موسى ثمّ مررت بعيسى فقال: مرحبًا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قلت: من هذا؟ قال: عيسى ابن مريم. ثمّ مررت بإبراهيم فقال: مرحبًا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح. قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم". قال الزّهريّ: فأخبرني ابن حزمٍ: أنّ ابن عبّاسٍ وأبا حبّة الأنصاريّ كانا يقولان: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثمّ عرج بي حتّى ظهرت لمستوًى أسمع فيه صريف الأقلام". قال ابن حزمٍ وأنس بن مالكٍ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ففرض اللّه على أمّتي خمسين صلاةً، فرجعت بذلك حتّى مررت على موسى، فقال: ما فرض اللّه على أمّتك؟ قلت: فرض خمسين صلاةً. قال: فارجع إلى ربّك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك، فرجعت [فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها. فقال: ارجع إلى ربّك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. فرجعت فوضع شطرها. فرجعت إليه فقال: ارجع إلى ربّك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. فراجعته] فقال: هي خمسٌ وهي خمسون، لا يبدّل القول لديّ. فرجعت إلى موسى فقال: ارجع إلى ربّك. قلت: قد استحييت من ربّي. ثمّ انطلق بي حتّى انتهى إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوانٌ لا أدري ما هي، ثمّ أدخلت الجنّة فإذا فيها جنابذ اللّؤلؤ وإذا ترابها المسك".
هذا لفظ البخاريّ في "كتاب الصّلاة" ورواه في ذكر بني إسرائيل، وفي الحجّ وفي أحاديث الأنبياء من طرقٍ أخر، عن يونس، به ورواه مسلمٌ في صحيحه في "كتاب الإيمان" منه، عن حرملة، عن ابن وهبٍ، عن يونس به نحوه..
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا همامٌ، عن قتادة، عن عبد اللّه بن شقيق قال: قلت لأبي ذرٍّ: لو رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لسألته. قال: وما كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله: هل رأى ربّه؟ فقال: إنّي قد سألته فقال: "إنّي قد رأيته نورًا أنّى أراه".

هكذا قد وقع في رواية الإمام أحمد وأخرجه مسلمٌ في صحيحه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيعٍ، عن يزيد بن إبراهيم، عن قتادة، عن عبد اللّه بن شقيقٍ، [عن أبي ذرٍّ قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هل رأيت ربك؟ قال: "إني نورٌ أنّي أراه".
وعن محمّد بن بشّار، عن معاذ بن هشامٍ، حدّثنا أبي، عن قتادة، عن عبد اللّه بن شقيقٍ] قال: قلت لأبي ذرٍّ: لو رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لسألته. فقال عن أيّ شيء كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله: هل رأيت ربّك؟ قال أبو ذرٍّ: قد سألت فقال: "رأيت نورًا".
رواية أنسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ الأنصاريّ، رضي اللّه عنه:
قال عبد اللّه بن الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن إسحاق بن محمّد بن المسيّبيّ حدّثنا أنس بن عياضٍ، عن يونس بن يزيد قال: قال ابن شهابٍ: قال أنس بن مالكٍ: كان أبيّ بن كعبٍ يحدّث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري، ثم غسله من ماء زمزم، ثمّ جاء بطستٍ من ذهبٍ ممتلئٍ حكمةً وإيمانًا، فأفرغها في صدري ثمّ أطبقه، ثمّ أخذ بيدي فعرج بي إلى السّماء. فلمّا جاء السّماء [فافتتح فقال: من هذا؟ قال: جبريل. قال: هل معك أحدٌ؟ قال: نعم، معي محمّدٌ. قال: أرسل إليه؟ قال: نعم، فافتح. فلمّا علونا السّماء الدّنيا] إذا رجلٌ عن يمينه أسودةٌ وعن يساره أسودةٌ، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى قال: مرحبًا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح". قال: "قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين هم أهل الجنّة، والأسودة الّتي عن شماله هم أهل النّار. فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى" قال: "ثمّ عرج بي جبريل حتّى أتى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح. فقال له خازنها مثل ما قال خازن السّماء الدّنيا ففتح له". قال أنسٌ: فذكر أنّه وجد في السّموات: آدم، وإدريس، وموسى، وعيسى، وإبراهيم، ولم يثبت لي كيف منازلهم؟ غير أنّه ذكر أنّه وجد آدم، عليه السّلام، في السّماء الدّنيا، وإبراهيم في السّماء السّادسة. قال أنسٌ: فلمّا مرّ جبريل عليه السّلام، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإدريس قال: "مرحبًا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح". قال: "قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا إدريس"، قال: "ثمّ مررت بموسى، فقال: مرحبًا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. فقلت: من هذا؟ قال: هذا موسى، ثمّ مررت بعيسى فقال: مرحبًا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قلت: من هذا. قال: هذا عيسى ابن مريم" قال: "ثمّ مررت بإبراهيم فقال: مرحبًا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح. قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم". قال ابن شهابٍ: وأخبرني ابن حزمٍ: أنّ ابن عبّاسٍ وأبا حبّة الأنصاريّ كانا يقولان: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثم عرج بي حتّى ظهرت لمستوًى أسمع صريف الأقلام" قال ابن حزمٍ وأنس بن مالكٍ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "فرض اللّه على أمّتي خمسين صلاةً" قال: "فرجعت بذلك حتّى أمرّ على موسى، فقال موسى: ماذا فرض ربّك على أمّتك؟ قلت: فرض عليهم خمسين صلاةً. فقال لي موسى: راجع ربّك؛ فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك" قال: "فراجعت ربّي فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال: ارجع إلى ربّك فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك، فرجعت فقال: هي خمسٌ وهي خمسون، لا يبدّل القول لديّ". قال: "فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربّك. فقلت قد استحييت من ربّي" قال: "ثمّ انطلق بي حتّى أتى سدرة المنتهى. قال: "فغشيها ألوانٌ ما أدري ما هي؟ " قال: "ثمّ أدخلت الجنّة، فإذا فيها جنابذ اللّؤلؤ، وإذا ترابها المسك".
هكذا رواه عبد اللّه بن [الإمام] أحمد في مسند أبيه. وليس هو في شيء من الكتب السّتّة، وقد تقدّم في الصّحيحين من طريق يونس، عن الزّهريّ، عن أبي ذرٍّ، مثل هذا السّياق سواءٌ، فاللّه أعلم.
رواية بريدة بن الحصيب الأسلميّ:
قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا عبد الرّحمن بن المتوكّل ويعقوب بن إبراهيم -واللّفظ له-قالا حدّثنا أبو نميلة، أخبرنا الزّبير بن جنادة، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لما كان ليلة أسري به قال: فأتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس، فوضع إصبعه فيها فخرقها فشدّ بها البراق".
ثمّ قال البزّار: لا نعلم رواه عن الزّبير بن جنادة إلّا أبو نميلة، ولا نعلم هذا الحديث [يروى] إلّا عن بريدة. وقد رواه التّرمذيّ في التّفسير من جامعه، عن يعقوب بن إبراهيم الدّورقي به وقال: غريبٌ.
رواية جابر بن عبد اللّه، رضي اللّه عنه:
قال الإمام أحمد: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن صالحٍ، عن ابن شهابٍ قال: قال أبو سلمة: سمعت جابر بن عبد اللّه يحدّث: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " لمّا كذّبتني قريشٌ حين أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في الحجر فجلّى اللّه لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه".
أخرجاه في الصّحيحين من طرقٍ، عن الزّهريّ به،.
وقال البيهقيّ: أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، حدّثنا أبو العبّاس الأصمّ، حدّثنا العبّاس بن محمّدٍ الدّوريّ، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا أبي، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهابٍ قال: سمعت سعيد بن المسيّب يقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين انتهى إلى بيت المقدس، لقي فيه إبراهيم وموسى وعيسى، وإنّه أتي بقدحين: قدحٍ من لبنٍ وقدح خمرٍ، فنظر إليهما، ثمّ أخذ قدح اللّبن. فقال جبريل: أصبت، هديت للفطرة، لو اخترت الخمر لغوت أمّتك. ثمّ رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى مكّة، فأخبر أنّه أسري به، فافتتن ناسٌ كثيرٌ كانوا قد صلّوا معه.
قال ابن شهابٍ: قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن: فتجهّز -أو كلمةً نحوها-ناسٌ من قريشٍ إلى أبي بكرٍ فقالوا: هل لك في صاحبك؟ يزعم أنّه جاء إلى بيت المقدس ثمّ رجع إلى مكّة في ليلةٍ واحدةٍ! فقال أبو بكرٍ: أوقال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: فتصدّقه بأن يأتي الشّام في ليلةٍ واحدةٍ ثمّ يرجع إلى مكّة قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إنّي أصدّقه بأبعد من ذلك أصدّقه بخبر السّماء. قال أبو سلمة: فبها سمّي أبو بكر: الصديق.
قال أبو سلمة: فسمعت جابر بن عبد اللّه يحدّث أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لـمّا كذّبتني قريشٌ حين أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في الحجر، فجلّى اللّه لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه".
رواية حذيفة بن اليمان، رضي اللّه عنه:
قال الإمام أحمد: ثنا أبو النّضر، ثنا شيبان، عن عاصمٍ، عن زرّ بن حبيش، قال: أتيت على حذيفة بن اليمان وهو يحدث، عن ليلة أسري بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو يقول: "فانطلقنا حتّى أتينا بيت المقدس". فلم يدخلاه. قال: قلت: بل دخله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلتئذٍ وصلّى فيه. قال: ما اسمك يا أصلع؟ فإنّي أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك؟ قال: قلت: أنا زرّ بن حبيش. قال: فما علمك بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى فيه ليلتئذٍ؟ قال: قلت: القرآن يخبرني بذلك. قال: من تكلّم بالقرآن فلج، اقرأ. قال: فقلت: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} قال: يا أصلع، هل تجد "صلّى فيه"؟ قلت: لا. قال: واللّه ما صلّى فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلتئذٍ، ولو صلّى فيه لكتب عليكم صلاةٌ فيه، كما كتب عليكم صلاةٌ في البيت العتيق، واللّه ما زايلا البراق حتّى فتحت لهما أبواب السّماء، فرأيا الجنّة والنّار ووعد الآخرة أجمع، ثمّ عادا عودهما على بدئهما. قال: ثمّ ضحك حتّى رأيت نواجذه. قال: وتحدّثوا أنّه ربطه لا يفرّ منه، وإنّما سخّره له عالم الغيب والشّهادة. قلت: أبا عبد اللّه أيّ دابّةٍ البراق؟ قال: دابّةٌ أبيض طويلٌ هكذا، خطوه مدّ البصر.
ورواه أبو داود الطّيالسيّ، عن حمّاد بن سلمة، عن عاصمٍ، به. ورواه التّرمذيّ والنّسائيّ في التّفسير من حديث عاصمٍ -وهو ابن أبي النّجود-به، وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وهذا الّذي قاله حذيفة، رضي اللّه عنه، نفيٌ، وما أثبته غيره، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من ربط الدّابّة بالحلقة ومن الصلاة بالبيت المقدس، ممّا سبق وما سيأتي مقدّمٌ على قوله، واللّه أعلم بالصّواب.
رواية أبي سعيدٍ -سعد بن مالك بن سنانٍ الخدريّ:
قال الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ في كتاب "دلائل النّبوّة":
أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا أبو بكرٍ يحيى بن أبي طالبٍ، حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، أخبرنا أبو محمّدٍ راشدٌ الحمّانيّ، عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال له أصحابه: يا رسول اللّه، أخبرنا عن ليلةٍ أسري بك فيها، قال: قال اللّه عزّ وجلّ: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير}
قال: فأخبرهم فقال: "فبينا أنا نائمٌ عشاءً في المسجد الحرام، إذ أتاني آتٍ فأيقظني، فاستيقظت فلم أر شيئًا، وإذا أنا بكهيئة خيالٍ، فأتبعته بصري حتّى خرجت من المسجد فإذا أنا بدابّةٍ أدنى في شبهه بدوابّكم هذه، بغالكم هذه، مضطرب الأذنين يقال له: البراق. وكانت الأنبياء تركبه قبلي، يقع حافره عند مدّ بصره، فركبته، فبينما أنا أسير عليه، إذ دعاني داعٍ، عن يميني: يا محمّد، انظرني أسألك، يا محمّد، انظرني أسألك، فلم أجبه ولم أقم عليه، [فبينما أنا أسير عليه، إذ دعاني داعٍ، عن يساري: يا محمّد، انظرني أسألك، فلم أجبه ولم أقم عليه]، فبينما أنا أسير، إذ أنا بامرأةٍ حاسرةٍ عن ذراعيها، وعليها من كلّ زينةٍ خلقها اللّه، فقالت: يا محمّد، انظرني أسألك. فلم ألتفت إليها ولم أقم عليها. حتّى أتيت بيت المقدس، فأوثقت دابّتي بالحلقة الّتي كانت الأنبياء توثقها بها. فأتاني جبريل، عليه السّلام بإناءين: أحدهما خمرٌ، والآخر لبنٌ، فشربت اللّبن، وتركت الخمر، فقال جبريل: أصبت الفطرة فقلت: اللّه أكبر، اللّه أكبر. فقال: جبريل: ما رأيت في وجهك هذا؟ " قال: "فقلت: بينما أنا أسير، إذ دعاني داعٍ، عن يميني: يا محمّد، انظرني أسألك. فلم أجبه ولم أقم عليه. قال: ذاك داعي اليهود، أما إنّك لو أجبته -أو: وقفت عليه-لتهوّدت أمّتك". قال:: فبينما أنا أسير، إذ دعاني داعٍ عن يساري قال: يا محمّد، انظرني أسألك. فلم ألتفت إليه ولم أقم عليه. قال: ذاك داعي النّصارى، أما إنّك لو أجبته لتنصّرت أمّتك". قال: "فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأةٍ حاسرةٍ عن ذراعيها عليها من كلّ زينةٍ خلقها اللّه تقول: يا محمّد، انظرني أسألك. فلم أجبها ولم أقم عليها". قال: تلك الدّنيا، أما إنّك لو أجبتها أو أقمت عليها، لاختارت أمّتك الدّنيا على الآخرة".
قال: "ثمّ دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصلّى كلّ واحدٍ منّا ركعتين.
ثمّ أتيت بالمعراج الّذي تعرج عليه أرواح بني آدم، فلم ير الخلائق أحسن من المعراج، أما رأيت الميّت حين يشقّ بصره طامحًا إلى السّماء، فإنّما يشقّ بصره طامحًا إلى السّماء عجبه بالمعراج". قال: "فصعدت أنا وجبريل، فإذا أنا بملكٍ يقال: له: إسماعيل. وهو صاحب السّماء الدّنيا وبين يديه سبعون ألف ملكٍ، مع كلّ ملكٍ جنده مائة ألف ملكٍ". قال: "وقال: اللّه [عزّ وجلّ] {وما يعلم جنود ربّك إلا هو} [المدّثّر: 31] فاستفتح جبريل باب السّماء، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه اللّه، عزّ وجلّ على صورته، هو تعرض عليه أرواح ذرّيّته المؤمنين، فيقول: روحٌ طيّبةٌ، ونفسٌ طيّبةٌ، اجعلوها في علّيّين ثمّ تعرض عليه أرواح ذرّيّته الفجّار فيقول: روحٌ خبيثةٌ، ونفسٌ خبيثةٌ، اجعلوها في سجين.
ثمّ مضيت هنيّةً، فإذا أنا بأخونةٍ عليها لحمٌ مشرّحٌ ليس يقربها أحدٌ، وإذا أنا بأخونة أخرى عليها لحمٌ قد أروح وأنتن، عندها أناسٌ يأكلون منها، قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمّتك يتركون الحلال ويأتون الحرام."
قال: "ثمّ مضيت هنيّةً، فإذا أنا بأقوامٍ بطونهم أمثال البيوت، كلّما نهض أحدهم خرّ يقول: اللّهمّ، لا تقم السّاعة"، قال: "وهم على سابلة آل فرعون". قال: "فتجيء السّابلة فتطؤهم". قال: "فسمعتهم يضجّون إلى اللّه عزّ وجلّ". قال: "قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك {الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} [البقرة: 275].
قال: "ثمّ مضيت هنيّةً، فإذا أنا بأقوامٍ مشافرهم كمشافر الإبل". قال: "فتفتح على أفواههم ويلقمون من ذلك الجمر، ثمّ يخرج من أسافلهم. فسمعتهم يضجّون إلى اللّه،عزّ وجلّ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء من أمّتك {الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النّساء: 10].
قال: "ثمّ مضيت هنيّةً، فإذا أنا بنساءٍ يعلّقن بثديهنّ فسمعتهنّ يضججن إلى اللّه عزّ وجلّ قلت: يا جبريل من هؤلاء النّساء؟ قال: هؤلاء الزّناة من أمّتك".
قال: "ثمّ مضيت هنيّةً فإذا أنا بأقوامٍ يقطع من جنوبهم اللّحم، فيلقمونه، فيقال له: كل كما كنت تأكل من لحم أخيك. قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الهمّازون من أمّتك اللّمّازون".
قال: "ثمّ صعدنا إلى السّماء الثّانية، فإذا أنا برجلٍ أحسن ما خلق اللّه، عزّ وجلّ، قد فضل النّاس في الحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف ومعه نفرٌ من قومه، فسلّمت عليه وسلّم عليّ.
ثمّ صعدت إلى السماء الثالثة، فإذا أنا بيحيى وعيسى، عليهما السّلام، ومعهما نفرٌ من قومهما، فسلّمت عليهما وسلّما عليّ.
ثمّ صعدت إلى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس قد رفعه اللّه مكانًا عليًّا، فسلّمت عليه وسلّم عليّ".
قال: "ثمّ صعدت إلى السّماء الخامسة، فإذا [أنا] بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء، تكاد لحيته تصيب سرّته من طولها، قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا المحبّب في قومه، هذا هارون بن عمران، ومعه نفرٌ من قومه، فسلّمت عليه وسلّم عليّ.
ثمّ صعدت إلى السّماء السّادسة، فإذا أنا بموسى بن عمران، رجلٌ آدم كثير الشّعر، لو كان عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص، فإذا هو يقول: يزعم النّاس أنّي أكرم على اللّه من هذا، بل هذا أكرم على اللّه تعالى منّي". قال: "قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران، عليه السّلام، ومعه نفرٌ من قومه، فسلّمت عليه وسلّم عليّ.
ثمّ صعدت إلى السّماء السّابعة، فإذا أنا بأبينا إبراهيم خليل الرّحمن ساندٍ ظهره إلى البيت المعمور كأحسن الرّجال، قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا أبوك خليل الرّحمن ومعه نفرٌ من قومه، فسلّمت عليه فسلّم عليّ، وإذا [أنا] بأمّتي شطرين: شطرٌ عليهم ثيابٌ بيضٌ كأنّها القراطيس. وشطرٌ عليهم ثيابٌ رمد". قال: "فدخلت البيت المعمور ودخل معي الّذين عليهم الثّياب البيض، وحجب الآخرون الّذين عليهم ثيابٌ رمدٌ، وهم على خيرٍ. فصلّيت أنا ومن معي في البيت المعمور، ثمّ خرجت أنا ومن معي". قال: "والبيت المعمور يصلّى فيه كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة".
قال: "ثمّ دفعت لي سدرة المنتهى، فإذا كلّ ورقةٍ منها تكاد أن تغطّي هذه الأمّة، وإذا فيها عينٌ تجري يقال لها: سلسبيلٌ، فينشقّ منها نهران، أحدهما: الكوثر، والآخر: يقال له: نهر الرّحمة. فاغتسلت فيه، فغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر.
ثمّ إنّي دفعت إليّ الجنّة، فاستقبلتني جاريةٌ، فقلت: لمن أنت يا جارية؟ فقالت لزيد بن حارثة، وإذا [أنا] بأنهارٍ من [ماءٍ غير آسنٍ، وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه، وأنهارٌ من خمرٍ لذّةٍ للشاربين وأنهار من] عسلٍ مصفًّى، وإذا رمّانها كأنّه الدّلاء عظمًا، وإذا أنا بطيرها كأنّها بختيّكم هذه". فقال عندها صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه تعالى قد أعدّ لعباده الصّالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ".
قال: "ثمّ عرضت عليّ النّار، فإذا فيها غضب اللّه وزجره ونقمته، لو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها، ثمّ أغلقت دوني.
ثمّ إنّي دفعت إلى سدرة المنتهى، فتغشّاني فكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى". قال: "ونزل على كلّ ورقةٍ ملكٌ من الملائكة". قال: "وفرضت عليّ خمسون وقال: لك بكلّ حسنةٍ عشرٌ، إذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنةً، فإذا عملتها كتبت لك عشرًا، وإذا هممت بالسّيّئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيءٌ، فإن عملتها كتبت عليك سيّئةً واحدةً.
ثمّ دفعت إلى موسى فقال: بما أمرك ربّك؟ قلت: بخمسين صلاةً. قال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك، فإنّ أمّتك لا يطيقون ذلك، ومتى لا [تطيقه] تكفر فرجعت إلى ربّي [عزّ. وجلّ] فقلت: يا ربّ، خفّف عن أمّتي، فإنّها أضعف الأمم. فوضع عنّي عشرًا، وجعلها أربعين. فما زلت أختلف بين موسى وربّي كلّما أتيت عليه قال لي مثل مقالته، حتّى رجعت إليه فقال لي: بم أمرت؟ فقلت: أمرت بعشر صلواتٍ. قال: ارجع إلى ربّك [عزّ وجلّ] فاسأله التّخفيف لأمّتك. فرجعت إلى ربّي [سبحانه وتعالى] فقلت: أي ربّ، خفّف عن أمّتي، فإنّها أضعف الأمم. فوضع عنّي خمسًا، وجعلها خمسًا. فناداني ملكٌ عندها: تمّمت فريضتي، وخفّفت عن عبادي، وأعطيتهم بكلّ حسنةٍ عشر أمثالها.
ثمّ رجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ فقلت: بخمس صلواتٍ. قال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّه لا يؤوده شيءٌ، فاسأله التّخفيف لأمّتك". "فقلت: رجعت إلى ربّي حتّى استحييته" ثمّ أصبح بمكّة يخبرهم بالأعاجيب: "إنّي أتيت البارحة بيت المقدس، وعرج بي إلى السّماء، ورأيت كذا وكذا ". فقال أبو جهلٍ -يعني ابن هشامٍ-: ألا تعجبون ممّا يقول محمّدٌ؟ يزعم أنّه أتى البارحة بيت المقدس، ثمّ أصبح فينا. وأحدنا يضرب مطيّته مصعدةً شهرًا، ومقفلةً شهرًا، فهذا مسيرة شهرين في ليلةٍ واحدةٍ! قال: فأخبرهم بعيرٍ لقريشٍ: "لمّا كنت في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا، وأنّها نفرت، فلمّا رجعت رأيتها عند العقبة". وأخبرهم بكلّ رجلٍ وبعيره كذا وكذا، ومتاعه كذا وكذا. فقال أبو جهلٍ: يخبرنا بأشياء. فقال رجلٌ من المشركين: أنا أعلم النّاس ببيت المقدس، وكيف بناؤه؟ وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل؟ [فإن يك محمّدٌ صادقًا فسأخبركم، وإن يك كاذبًا فسأخبركم. فجاء ذلك المشرك فقال: يا محمّد، أنا أعلم الناس ببيت المقدس، فأخبرني كيف بناؤه؟ وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل]. قال: فرفع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيت المقدس من مقعده، فنظر إليه كنظر أحدنا إلى بيته: بناؤه كذا وكذا، وهيئته كذا وكذا، وقربه من الجبل كذا وكذا. فقال الآخر: صدقت. فرجع إلى أصحابه فقال: صدق محمّدٌ فيما قال أو نحو هذا الكلام.
وكذا رواه الإمام أبو جعفر بن جريرٍ بطوله، عن محمّد بن عبد الأعلى، عن محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أبي هارون العبديّ، وعن الحسن بن يحيى، عن عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن أبي هارون العبديّ، به. ورواه، أيضًا، من حديث محمّد بن إسحاق: حدّثني روح بن القاسم، عن أبي هارون، به نحو سياقه المتقدّم.
ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبيه، عن أحمد بن عبدة، عن أبي عبد الصّمد عبد العزيز بن عبد الصّمد، عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، فذكره بسياقٍ طويلٍ حسنٍ أنيقٍ، أجود ممّا ساقه غيره، على غرابته وما فيه من النكارة.
ثمّ ذكره البيهقيّ، أيضًا، من رواية نوح بن قيسٍ الحدّاني وهشيم ومعمرٍ، عن أبي هارون العبديّ -واسمه عمارة بن جوينٍ وهو مضعّفٌ عند الأئمّة.
وإنّما سقنا حديثه هاهنا لما في حديثه من الشّواهد لغيره، ولما رواه البيهقيّ:
أخبرنا [الإمام] أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرّحمن، أنبأنا أبو نعيمٍ أحمد بن محمّد بن إبراهيم البزّاز، حدّثنا أبو حامد بن بلالٍ، حدّثنا أبو الأزهر، حدّثنا يزيد بن أبي حكيمٍ قال: رأيت في النّوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قلت: يا رسول اللّه، رجلٌ من أمّتك يقال له: "سفيان الثّوريّ" لا بأس به؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا بأس به"، حدّثنا عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عنك ليلة أسري بك، قلت "رأيت في السّماء" فحدّثه بالحديث؟ فقال لي: "نعم". فقلت له: يا رسول اللّه، إنّ ناسًا من أمّتك يحدّثون عنك في السّرى بعجائب؟ فقال لي: "ذلك حديث القصّاص".
رواية شدّاد بن أوسٍ:
قال الإمام أبو إسماعيل محمّد بن إسماعيل التّرمذيّ: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن الضّحّاك الزّبيدي، حدّثنا عمرو بن الحارث، عن عبد اللّه بن سالمٍ الأشعريّ، عن محمّد بن الوليد بن عامرٍ الزّبيديّ، حدّثنا الوليد بن عبد الرّحمن، عن جبير بن نفيرٍ: حدّثنا شدّاد بن أوسٍ قال: قلنا: يا رسول اللّه، كيف أسري بك؟ قال: "صلّيت لأصحابي صلاة العتمة بمكّة معتمًا". قال: "فأتاني جبريل، عليه السّلام، بدابّةٍ أبيض -أو قال: بيضاء-فوق الحمار ودون البغل، فقال: اركب. فاستصعبت عليّ، فرازها بأذنها، ثمّ حملني عليها. فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، حتّى بلغنا أرضًا ذات نخلٍ فأنزلني فقال: صلّ. فصلّيت، ثمّ ركبنا فقال: أتدري أين صلّيت؟ قلت: اللّه أعلم. قال: صلّيت بيثرب صلّيت بطيبة. فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها. ثمّ بلغنا أرضًا فقال: انزل. [فنزلت] ثمّ قال: صلّ. فصلّيت ثمّ ركبنا، فقال: أتدري أين صلّيت؟ قلت: اللّه أعلم. قال: صلّيت بمدين، صلّيت عند شجرة موسى. ثمّ انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثمّ بلغنا أرضًا، بدت لنا قصورٌ، فقال: انزل. فنزلت، فقال صلّ فصلّيت ثمّ ركبنا فقال: أتدري أين صلّيت؟ قلت: اللّه أعلم. قال: صلّيت ببيت لحمٍ حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم. ثمّ انطلق بي حتّى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد، فربط فيه دابّته ودخلنا المسجد من بابٍ فيه تميل الشّمس والقمر، فصلّيت من المسجد حيث شاء اللّه، وأخذني من العطش أشدّ ما أخذني، فأتيت بإناءين، في أحدهما لبنٌ وفي الآخر عسلٌ، أرسل إليّ بهما جميعًا، فعدلت بينهما، ثمّ هداني اللّه عزّ وجلّ، فأخذت اللّبن فشربت حتّى قرعت به جبيني، وبين يديّ شيخٌ متّكئٌ على مثواةٍ له، فقال: أخذ صاحبك الفطرة، إنّه ليهدى. ثمّ انطلق بي حتّى أتينا الوادي الّذي فيه المدينة، فإذا جهنّم [تنكشف] عن مثل الزّرابيّ، قلت: يا رسول اللّه، كيف وجدتها؟ قال: مثل الحمة السّخنة. ثمّ انصرف بي فمررنا بعيرٍ لقريشٍ بمكان كذا وكذا، قد أضلّوا بعيرًا لهم، قد جمعه فلانٌ، فسلّمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمّدٍ. ثمّ أتيت أصحابي قبل الصّبح بمكّة"، فأتاني أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، فقال: يا رسول اللّه، أين كنت اللّيلة؟ فقد التمستك في مظانّك. فقال: "علمت أنّي أتيت بيت المقدس اللّيلة؟ ". فقال: يا رسول اللّه، إنّه مسيرة شهرٍ، فصفه لي. قال: "ففتح لي صراطٌ كأنّي أنظر إليه لا يسألني عن شيءٍ إلّا أنبأته عنه". قال أبو بكرٍ: أشهد أنّك رسول اللّه. فقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنّه أتى بيت المقدس اللّيلة!. قال: فقال: "إنّ من آية ما أقول لكم أنّي مررت بعيرٍ لكم بمكان كذا وكذا، قد أضلّوا بعيرًا لهم، فجمعه فلانٌ، وإنّ مسيرهم ينزلون بكذا ثمّ بكذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا، يقدمهم جملٌ آدم، عليه مسحٌ أسود وغرارتان سوداوان". فلمّا كان ذلك اليوم أشرف النّاس ينظرون حتّى كان قريب من نصف النّهار حتّى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الّذي وصفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
هكذا رواه البيهقيّ من طريقين عن أبي إسماعيل التّرمذيّ، به. ثمّ قال بعد تمامه: "هذا إسنادٌ صحيحٌ، وروى ذلك مفرّقًا في أحاديث غيره، ونحن نذكر من ذلك إن شاء اللّه ما حضرنا". ثمّ ساق أحاديث كثيرةً في الإسراء كالشّاهد لهذا الحديث. وقد روى هذا الحديث عن شدّاد بن أوسٍ بطوله الإمام أبو محمّدٍ عبد الرّحمن بن أبي حاتمٍ في تفسيره، عن أبيه، عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزّبيديّ، به. ولا شكّ أنّ هذا الحديث -أعني الحديث المرويّ عن شدّاد بن أوسٍ-مشتملٌ على أشياء منها ما هو صحيحٌ كما ذكره البيهقيّ، ومنها ما هو منكرٌ، كالصّلاة في بيت لحمٍ، وسؤال الصّدّيق عن نعت بيت المقدس، وغير ذلك. واللّه أعلم.
رواية عبد اللّه بن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما:
قال الإمام أحمد: حدّثنا عثمان بن محمّدٍ، حدّثنا جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه قال: حدّثنا ابن عبّاسٍ قال: ليلة أسري بنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دخل الجنّة، فسمع في جانبها وجسًا فقال: "يا جبريل، ما هذا؟ " قال: "هذا بلالٌ المؤذّن". فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين جاء إلى النّاس: "قد أفلح بلالٌ، قد رأيت له كذا وكذا". قال: فلقيه موسى، عليه السّلام، فرحّب به، وقال: "مرحبًا بالنّبيّ الأمّيّ"، قال: "وهو رجلٌ آدم طويلٌ، سبطٌ شعره مع أذنيه أو فوقهما"، فقال: "من هذا يا جبريل؟ " قال: "هذا موسى. [قال: فمضى، فلقيه عيسى فرحّب به، وقال: "من هذا يا جبريل؟ " قال: "هذا عيسى". قال] فمضى فلقيه شيخٌ جليلٌ متهيّبٌ فرحّب به وسلّم عليه وكلّهم يسلّم عليه، قال: "من هذا يا جبريل؟ " قال: "هذا أبوك إبراهيم"، قال: ونظر في النّار، فإذا قومٌ يأكلون الجيف، قال: "من هؤلاء يا جبريل؟ " قال: "هؤلاء الّذين يأكلون لحم النّاس"، ورأى رجلًا أحمر أزرق جدًّا، قال: "من هذا يا جبريل؟ "
قال: "هذا عاقر النّاقة"، قال: فلمّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسجد الأقصى قام يصلّي، [فالتفت ثمّ التفت] فإذا النّبيّون أجمعون يصلّون معه. فلمّا انصرف جيء بقدحين، أحدهما عن اليمين والآخر عن الشّمال، في أحدهما لبنٌ وفي الآخر عسلٌ، فأخذ اللّبن فشرب منه، فقال الّذي كان معه القدح: أصبت الفطرة. إسنادٌ صحيحٌ ولم يخرّجوه.
طريقٌ أخرى:
قال الإمام أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا ثابتٌ أبو زيدٍ، حدّثنا هلالٌ، حدّثني عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: أسري بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بيت المقدس، ثمّ جاء من ليلته فحدّثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم، فقال ناسٌ: نحن لا نصدّق محمّدًا بما يقول! فارتدّوا كفّارًا، فضرب اللّه رقابهم مع أبي جهلٍ وقال أبو جهلٍ يخوّفنا محمّدٌ بشجرة الزّقّوم، هاتوا تمرًا وزبدًا فتزقّموا، ورأى الدّجّال في صورته رؤيا عينٍ ليس برؤيا منامٍ، وعيسى وموسى وإبراهيم. فسئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الدّجّال فقال: "رأيته فيلمانيًّا أقمر هجانًا، إحدى عينيه قائمةٌ كأنّها كوكبٌ درّيٌّ، كأنّ شعر رأسه أغصان شجرةٍ. ورأيت عيسى أبيض، جعد الرّأس، حديد البصر، مبطّن الخلق. ورأيت موسى أسحم آدم، كثير الشّعر، شديد الخلق. ونظرت إلى إبراهيم فلم أنظر إلى إربٍ منه إلّا نظرت إليه منّي، حتّى كأنّه صاحبكم. قال جبريل: سلّم على مالكٍ فسلّمت عليه".
ورواه النّسائيّ من حديث أبي زيدٍ ثابت بن يزيد عن هلالٍ -وهو ابن خبّابٍ-به، وهو إسنادٌ صحيحٌ.
طريقٌ أخرى:
وقال البيهقيّ: أنبأنا أبو عبد اللّه الحافظ، أنبأنا أبو بكرٍ الشّافعيّ، أنبأنا إسحاق بن الحسن، حدّثنا الحسين بن محمّدٍ، حدّثنا شيبان، عن قتادة، عن أبي العالية قال: حدّثنا ابن عمّ نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران، رجلًا طوالًا جعدًا، كأنّه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق، إلى الحمرة والبياض، سبط الرّأس". وأرى مالكًا خازن جهنّم والدّجّال، في آياتٍ أراهنّ اللّه إيّاه، قال: {فلا تكن في مريةٍ من لقائه} [السّجدة: 23] فكان قتادة يفسّرها: أنّ نبيّ اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] قد لقي موسى [عليه السّلام] {وجعلناه هدًى لبني إسرائيل} قال: جعل اللّه موسى هدًى لبني إسرائيل.
رواه مسلمٌ في الصّحيح عن عبد بن حميدٍ، عن يونس بن محمّدٍ، عن شيبان. وأخرجاه من حديث شعبة عن قتادة مختصرًا.
طريقٌ أخرى:
قال [البيهقيّ: أخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيدٍ الصفّار، حدّثنا دبيس المعدّل، حدّثنا عفّان قال: حدّثنا] حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لمّا أسري بي، مرّت بي رائحةٌ طيّبةٌ، فقلت: ما هذه الرّائحة؟ قالوا: ماشطة بنت فرعون وأولادها، سقط مشطها من يدها فقالت: باسم اللّه: فقالت ابنة فرعون: أبي؟ قالت: ربّي وربّك وربّ أبيك. قالت: أولك ربٌّ غير أبي؟ قالت: نعم، ربّي وربّك وربّ أبيك اللّه". قال: "فدعاها فقال: ألك ربٌّ غيري؟ قالت: نعم، ربّي وربّك اللّه، عزّ وجلّ". قال: "فأمر بنقرةٍ من نحاسٍ فأحميت، ثمّ أمر بها لتلقى فيها، قالت: إنّ لي [إليك] حاجةً. قال: ما هي؟ قالت: تجمع عظامي وعظام ولدي في موضعٍ، قال ذاك لك، لما لك علينا من الحقّ"، قال: "فأمر بهم فألقوا واحدًا واحدًا، حتّى بلغ رضيعًا فيهم، فقال: يا أمّه، قعي ولا تقاعسي، فإنّك على الحقّ". قال: "وتكلّم أربعةٌ وهم صغارٌ: هذا، وشاهد يوسف، وصاحب جريجٍ، وعيسى ابن مريم، عليه السّلام".
إسنادٌ لا بأس به، ولم يخرّجوه.
طريقٌ أخرى:
وقال الإمام أحمد [أيضًا] حدّثنا محمّد بن جعفرٍ وروحٌ المعنيّ قالا حدّثنا عوفٌ، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لمّا كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكّة، فظعت [بأمري] وعرفت أنّ النّاس مكذّبي" فقعد معتزلًا حزينًا، فمرّ به عدوّ اللّه أبو جهلٍ فجاء حتّى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيءٍ؟ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "نعم" قال: وما هو؟ قال "إنّي أسري بي اللّيلة": قال إلى أين؟ قال: "إلى بيت المقدس" قال: ثمّ أصبحت بين ظهرانينا؟! قال: "نعم". قال: فلم يره أنّه يكذّبه مخافة أن يجحده الحديث إن دعا قومه إليه، فقال: أرأيت إن دعوت قومك أتحدّثهم بما حدّثتني؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "نعم". قال: هيّا معشر بني كعب بن لؤيٍّ، قال: فانتفضت إليه المجالس وجاءوا حتّى جلسوا إليهما. قال: حدّث قومك بما حدّثتني. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي أسري بي اللّيلة". فقالوا: إلى أين؟ قال: "إلى بيت المقدس" قالوا: ثمّ أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: "نعم". قال: فمن بين مصفّقٍ، ومن بين واضعٍ يده على رأسه متعجّبًا للكذب -زعم-قالوا: وتستطيع أن تنعت [لنا] المسجد -وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "فذهبت أنعت، فما زلت أنعت حتّى التبس عليّ بعض النّعت" قال: "فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه، حتّى وضع دون دار عقيل -أو عقال-فنعتّه وأنا أنظر إليه". قال: وكان مع هذا نعتٌ لم أحفظه -يقول عوفٌ-: قال: فقال القوم: أمّا النّعت فواللّه لقد أصاب.
وأخرجه النّسائيّ من حديث عوف بن أبي جميلة -وهو الأعرابيّ، به. ورواه البيهقيّ من حديث النّضر بن شميلٍ وهوذة، عن عوفٍ وهو ابن أبي جميلة الأعرابيّ، أحد الأئمّة الثّقات، به.
رواية عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه:
قال الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب، حدّثنا السّرّيّ بن خزيمة، حدّثنا يوسف بن بهلول، حدّثنا عبد اللّه بن نميرٍ، عن مالك بن مغول، عن الزّبير بن عديٍّ، عن طلحة بن مصرّف، عن مرّة الهمداني، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: لمّا أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فانتهى إلى سدرة المنتهى، وهي في السّماء السّادسة، وإليها ينتهي ما يصعد به حتّى يقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط [به] من فوقها حتّى يقبض [منها] {إذ يغشى السّدرة ما يغشى} [النّجم: 16] قال: غشيها فراشٌ من ذهبٍ، وأعطي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الصّلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك باللّه المقحمات، يعني الكبائر.
ورواه مسلمٌ في صحيحه، عن محمّد بن عبد اللّه بن نميرٍ وزهير بن حربٍ، كلاهما عن عبد اللّه بن نميرٍ، به. ثمّ قال البيهقيّ: "وهذا الّذي ذكره عبد اللّه بن مسعودٍ طرفٌ من حديث المعراج، وقد رواه أنس بن مالكٍ، عن مالك بن صعصعة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ عن أبي ذرٍّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ رواه مرّة مرسلًا دون ذكرهما" ثمّ إنّ البيهقيّ ساق الأحاديث الثّلاثة كما تقدّم.
قلت: وقد روي عن ابن مسعودٍ بأبسط من هذا، وفيه غرابةٌ، وذلك فيما رواه "الحسن بن عرفة" في جزئه المشهور. حدّثنا مروان بن معاوية، عن قنان بن عبد اللّه النّهميّ، حدّثنا أبو ظبيان الجنبيّ قال: كنّا جلوسًا عند أبي عبيدة بن عبد اللّه -يعني ابن مسعودٍ-ومحمد بن سعد بن أبي وقّاصٍ، وهما جالسان، فقال محمّد بن سعدٍ لأبي عبيدة: حدّثنا عن أبيك ليلة أسري بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال أبو عبيدة: لا بل حدّثنا أنت عن أبيك. فقال محمّدٌ: لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت! قال: فأنشأ أبو عبيدة يحدّث يعني عن أبيه كما سئل قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أتاني جبريل بدابّةٍ فوق الحمار ودون البغل، فحملني عليه، ثمّ انطلق يهوي بنا كلّما صعد عقبةً استوت رجلاه كذلك مع يديه، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه، حتّى مررنا برجلٍ طوالٍ سبطٍ آدم، كأنّه من رجال أزد شنوءة، وهو يقول -فيرفع صوته يقول-أكرمته وفضّلته". قال: "فدفعنا إليه فسلّمنا عليه فردّ السّلام، فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أحمد، قال: مرحبًا بالنّبيّ الأمّيّ العربيّ، الّذي بلّغ رسالة ربّه، ونصح لأمّته". قال: "ثمّ اندفعنا فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا موسى بن عمران". قال: قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربّه فيك! قلت: فيرفع صوته على ربّه؟! قال: إنّ اللّه [عزّ وجلّ] قد عرف له حدّته". قال: "ثمّ اندفعنا حتّى مررنا بشجرةٍ كأنّ ثمرها السّرج تحتها شيخٌ وعياله". قال: "فقال لي جبريل: اعمد إلى أبيك إبراهيم. فدفعنا إليه فسلّمنا عليه فردّ السّلام، فقال إبراهيم: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا ابنك أحمد". قال: "فقال: مرحبًا بالنّبيّ الأمّيّ الّذي بلّغ رسالة ربّه ونصح لأمّته، يا بنيّ، إنّك لاقٍ ربّك اللّيلة، وإنّ أمّتك آخر الأمم وأضعفها، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلّها في أمّتك فافعل". قال: "ثمّ اندفعنا حتّى انتهينا إلى المسجد الأقصى، فنزلت فربطت الدّابّة بالحلقة الّتي في باب المسجد الّتي كانت الأنبياء تربط بها. ثمّ دخلت المسجد فعرفت النّبيّين من بين راكعٍ وقائمٍ وساجدٍ". قال: "ثمّ أتيت بكأسين من عسلٍ ولبنٍ فأخذت اللّبن فشربت فضرب جبريل عليه السّلام منكبي وقال: أصبت الفطرة وربّ محمّدٍ". قال: "ثمّ أقيمت الصّلاة فأممتهم، ثمّ انصرفنا فأقبلنا".
إسنادٌ غريبٌ ولم يخرّجوه، فيه من الغرائب سؤال الأنبياء عنه عليه السّلام ابتداءً، ثمّ سؤاله عنهم بعد انصرافه. والمشهور في الصّحاح كما تقدّم: أنّ جبريل [عليه السّلام] كان يعلمه بهم أوّلًا ليسلّم عليهم سلام معرفةٍ. وفيه أنّه اجتمع بالأنبياء عليهم السّلام قبل دخوله المسجد، والصّحيح أنّه إنّما اجتمع بهم في السّموات، ثمّ نزل إلى بيت المقدس ثانيًا وهم معه، وصلّى بهم فيه، ثمّ إنّه ركب البراق وكرّ راجعًا إلى مكّة، واللّه أعلم.
طريقٌ أخرى:
قال الإمام أحمد: حدّثنا هشيم، أخبرنا العوّام، عن جبلة بن سحيم، عن موثر بن عفارة، عن ابن مسعودٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر السّاعة" قال: "فردّوا أمرهم إلى إبراهيم عليه السّلام فقال: لا علم لي بها. فردّوا أمرهم إلى موسى. فقال: لا علم لي بها فردّوا أمرهم إلى عيسى فقال: أمّا وجبتها فلا يعلم بها أحدٌ إلّا اللّه، عزّ وجلّ، وفيما عهد إليّ ربّي أنّ الدّجّال خارجٌ". قال: "ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرّصاص". قال: "فيهلكه اللّه إذا رآني، حتّى إنّ الحجر والشّجر يقول: يا مسلم إنّ تحتي كافرًا، فتعال فاقتله". قال: "فيهلكهم اللّه، ثمّ يرجع النّاس إلى بلادهم وأوطانهم ". قال: "فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيطؤون بلادهم، فلا يأتون على شيءٍ إلّا أهلكوه، ولا يمرّون على ماءٍ إلّا شربوه" قال: "ثمّ يرجع النّاس إليّ فيشكونهم. فأدعو اللّه عليهم، فيهلكهم ويميتهم حتّى تجوى الأرض من نتن ريحهم -أي: تنتن" قال: "فينزل اللّه المطر فيجترف أجسادهم حتّى يقذفهم في البحر. ففيما عهد إليّ ربّي: أنّ ذلك إذا كان كذلك أنّ السّاعة كالحامل المتمّ، لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها، ليلًا أو نهارًا".
وأخرجه ابن ماجه، عن بندار، عن يزيد بن هارون، عن العوّام بن حوشبٍ.
رواية عبد الرّحمن بن قرطٍ، أخي عبد اللّه بن قرطٍ الثّماليّ:
قال سعيد بن منصورٍ: حدّثنا مسكين بن ميمونٍ -مؤذّن مسجد الرّملة-حدّثني عروة بن رويم، عن عبد الرّحمن بن قرط، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان بين زمزم والمقام، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتّى بلغ السّموات العلى، فلمّا رجع قال: "سمعت تسبيحًا في السّموات العلى مع تسبيحٍ كثيرٍ، سبّحت السّموات العلى من ذي المهابة مشفقاتٍ من ذي العلوّ بما علا سبحان العليّ الأعلى، سبحانه وتعالى".
ويذكر هذا الحديث عند قوله تعالى من هذه السّورة: {تسبّح له السّماوات السّبع} الآية [الإسراء: 44].
رواية عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه:
قال الإمام أحمد: حدّثنا أسود بن عامرٍ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أبي سنانٍ، عن عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيبٍ؛ أنّ عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، كان بالجابية، فذكر فتح بيت المقدس قال: قال أبو سلمة: فحدّثني أبو سنانٍ، عن عبيد بن آدم قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول لكعبٍ: أين ترى أن أصلّي؟ قال إن أخذت عنّي صلّيت خلف الصّخرة، فكانت القدس كلّها بين يديك، فقال عمر رضي اللّه عنه: ضاهيت اليهوديّة، [لا] ولكن أصلي حيث صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتقدّم إلى القبلة، فصلّى ثمّ جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه، وكنس النّاس.
فلم يعظّم الصّخرة تعظيمًا يصلّي وراءها وهي بين يديه، كما أشار كعب الأحبار وهو من قومٍ يعظّمونها حتّى جعلوها قبلتهم. ولكن منّ اللّه عليه بالإسلام، فهدي إلى الحقّ؛ ولهذا لمّا أشار بذلك قال له أمير المؤمنين: ضاهيت اليهوديّة، ولا أهانها إهانة النّصارى الّذين كانوا قد جعلوها مزبلةً من أجل أنّها قبلة اليهود، ولكن أماط الأذى، وكنس عنها الكناس بردائه. وهذا شبيهٌ بما جاء في صحيح مسلمٍ عن أبي مرثدٍ الغنوي قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلّوا إليها".
رواية أبي هريرة، رضي اللّه عنه:
وهي مطوّلةٌ جدًّا وفيها غرابةٌ. قال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ في تفسير "سورة سبحان": حدّثنا عليّ بن سهلٍ، حدّثنا حجّاجٌ، حدّثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ، عن أبي هريرة أو غيره -شكّ أبو جعفرٍ-في قول اللّه عزّ وجلّ: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير} قال: جاء جبريل [إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه ميكائيل، فقال جبريل] لميكائيل: ائتني بطست من ماء زمزم، كيما أطهّر قلبه وأشرح له صدره. قال: فشقّ عنه بطنه، فغسله ثلاث مرات. واختلف إليه ميكائيل بثلاث طساسٍ من ماء زمزم، فشرح صدره ونزع ما كان فيه من غلٍّ، وملأه حلمًا وعلمًا، وإيمانًا ويقينًا وإسلامًا، وختم بين كتفيه بخاتم النّبوّة.
ثمّ أتاه بفرسٍ فحمل عليه، كلّ خطوةٍ منه منتهى بصره -أو: أقصى بصره-قال: فسار وسار معه جبريل عليهما السّلام قال: فأتى على قومٍ يزرعون في يومٍ ويحصدون في يومٍ، كلّما حصدوا عاد كما كان، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا جبريل، ما هذا؟ " قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل اللّه، تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعفٍ، وما أنفقوا من شيءٍ فهو يخلفه، وهو خير الرّازقين.
ثمّ أتى على قومٍ ترضخ رءوسهم بالصّخر، كلّما رضخت عادت كما كانت، ولا يفتّر عنهم من ذلك شيءٌ، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل؟ " قال: هؤلاء الّذين تتثاقل رءوسهم عن الصّلاة المكتوبة. ثمّ أتى على قومٍ على أقبالهم رقاعٌ، وعلى أدبارهم رقاعٌ يسرحون كما تسرح الإبل والنّعم، ويأكلون الضّريع والزّقّوم ورضف جهنّم وحجارتها، قال: " ما هؤلاء يا جبريل؟ " قال: هؤلاء الّذين لا يؤدّون صدقات أموالهم، وما ظلمهم اللّه شيئًا وما اللّه بظلّامٍ للعبيد.
ثمّ أتى على قومٍ بين أيديهم لحم نضيج في قدر ولحم نيئ في قدر خبيث، فجعلوا يأكلون من النيئ الخبيث ويدعون النّضيج الطّيّب، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل؟ " فقال: هذا الرّجل من أمّتك، تكون عنده المرأة الحلال الطّيّبة، فيأتي امرأةً خبيثةً فيبيت عندها حتّى يصبح، [والمرأة تقوم من عند زوجها حلالًا طيّبًا، فتأتي رجلًا خبيثًا فتبيت معه حتّى تصبح].
قال: ثمّ أتى على خشبةٍ على الطّريق، لا يمرّ بها ثوبٌ إلّا شقّته، ولا شيءٌ إلّا خرقته، قال: "ما هذا يا جبريل؟ " قال: هذا مثل أقوامٍ من أمّتك، يقعدون على الطّريق يقطعونه ثمّ تلا {ولا تقعدوا بكلّ صراطٍ توعدون [وتصدّون عن سبيل اللّه]} [الأعراف: 86].
قال: ثمّ أتى على رجلٍ قد جمع حزمة [حطبٍ] عظيمةً لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال: "ما هذا يا جبريل؟ " فقال هذا الرّجل من أمّتك يكون عليه أمانات النّاس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها.
ثمّ أتى على قومٍ تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديدٍ كلّما قرضت عادت كما كانت لا يفتّر عنهم من ذلك شيءٌ، قال: "ما هؤلاء يا جبريل؟ " قال: هؤلاء خطباء الفتنة.
ثمّ أتى على جحرٍ صغيرٍ يخرج منه ثورٌ عظيمٌ، فجعل الثّور يريد أن يرجع من [حيث] خرج، فلا يستطيع، فقال: "ما هذا يا جبريل؟ " فقال: هذا الرّجل يتكلّم بالكلمة العظيمة ثمّ يندم عليها فلا يستطيع أن يردّها.
ثمّ أتى على وادٍ فوجد ريحًا طيّبةً باردةً، وريح مسكٍ، وسمع صوتًا، فقال: "يا جبريل، ما هذه الرّيح الطّيّبة الباردة؟ وما هذا المسك؟ وما هذا الصّوت؟ " قال: هذا صوت الجنّة تقول: يا ربّ آتني ما وعدتني، فقد كثرت غرفي، وإستبرقي وحريري وسندسي، وعبقريي ولؤلؤي ومرجاني، وفضتي وذهبي وأكوابي وصحافي، وأباريقي ومراكبي، وعسلي ومائي، وخمري ولبني فآتني ما وعدتني. فقال: لك كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ، ومؤمنٍ ومؤمنةٍ، ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحًا ولم يشرك بي، ولم يتّخذ من دوني أندادًا، ومن خشيني فهو آمنٌ، ومن سألني أعطيته، ومن أقرضني جزيته، ومن توكّل عليّ كفيته، إنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا، لا أخلف الميعاد، وقد أفلح المؤمنون، وتبارك اللّه أحسن الخالقين، قالت: قد رضيت.
قال: "ثمّ أتى على وادٍ فسمع صوتًا منكرًا، ووجد ريحًا منتنةً، فقال: ما هذه الرّيح يا جبريل؟ وما هذا الصّوت؟ " فقال: هذا صوت جهنّم تقول: يا ربّ آتني ما وعدتني، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي، وسعيري وحميمي، وضريعي، وغسّاقي وعذابي، وقد بعد قعري، واشتدّ حرّي، فآتني كلّ ما وعدتني، فقال: لك كلّ مشركٍ ومشركةٍ، وكافرٍ وكافرةٍ، وكلّ خبيثٍ وخبيثةٍ، وكلّ جبّارٍ لا يؤمن بيوم الحساب. قالت: قد رضيت.
قال: ثمّ سار حتّى أتى بيت المقدس، فنزل فربط فرسه إلى صخرةٍ، ثمّ دخل فصلّى مع الملائكة، فلمّا قضيت الصّلاة قالوا: يا جبريل، من هذا معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قالوا: أوقد أرسل محمّدٌ؟ قال: نعم. قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء.
قال: ثمّ لقي أرواح الأنبياء، فأثنوا على ربّهم، فقال إبراهيم: الحمد للّه الّذي اتّخذني خليلًا وأعطاني ملكًا عظيمًا، وجعلني أمّةً قانتًا يؤتمّ بي، وأنقذني من النّار، وجعلها عليّ بردًا وسلامًا. ثمّ إنّ موسى، عليه السّلام، أثنى على ربّه، عزّ وجلّ، فقال: الحمد للّه الّذي كلّمني تكليمًا، وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يديّ، وجعل من أمّتي قومًا يهدون بالحقّ وبه يعدلون. ثمّ إنّ داود، عليه السّلام أثنى على ربّه [عزّ وجلّ]، فقال: الحمد للّه الّذي جعل لي ملكًا عظيمًا، وعلّمني الزّبور، وألان لي الحديد، وسخّر لي الجبال يسبّحن والطّير، وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب. ثمّ إنّ سليمان، عليه السّلام، أثنى على ربّه [عزّ وجلّ] فقال: الحمد للّه الّذي سخّر لي الرّياح، وسخّر لي الشّياطين يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل، وجفانٍ كالجواب وقدورٍ راسياتٍ، وعلّمني منطق الطّير، وآتاني من كلّ شيءٍ فضلًا وسخّر لي جنود الشّياطين والإنس والطّير، وفضّلني على كثيرٍ من عباده المؤمنين، وآتاني ملكًا عظيمًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدي، وجعل ملكي ملكًا طيّبًا ليس فيه حسابٌ. ثمّ إنّ عيسى، عليه السّلام، أثنى على ربّه، عزّ وجلّ، فقال: الحمد للّه الّذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم، خلقه من ترابٍ ثمّ قال له: "كن" فيكون، وعلّمني الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل، وجعلني أخلق من الطّين كهيئة الطّير، فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن اللّه، وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذنه، ورفعني وطهّرني، وأعاذني وأمّي من الشّيطان الرّجيم، فلم يكن للشّيطان علينا سبيلٌ. قال: ثمّ إنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أثنى على ربّه، عزّ وجلّ، فقال: "فكلّكم أثنى على ربّه، وإنّي مثنٍ على ربّي [عزّ وجلّ] فقال: الحمد للّه الّذي أرسلني رحمةً للعالمين، وكافّةً للنّاس بشيرًا ونذيرًا، وأنزل عليّ الفرقان فيه بيان لكل شيء، وجعل أمّتي خير أمّةٍ أخرجت للنّاس، وجعل أمّتي أمّةً وسطًا، وجعل أمّتي هم الأوّلين وهم الآخرين، وشرح لي صدري، ووضع عنّي وزري، ورفع لي ذكري، وجعلني فاتحًا وخاتمًا" فقال إبراهيم [عليه السّلام]: بهذا فضلكم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو جعفرٍ الرّازيّ: خاتم النّبوّة، فاتحٌ بالشّفاعة يوم القيامة.
ثمّ أتي بآنيةٍ ثلاثةٍ مغطّاةٍ أفواهها، فأتي بإناءٍ منها فيه ماءٌ فقيل: اشرب. فشرب منه يسيرًا، ثمّ دفع إليه إناءٌ آخر فيه لبنٌ، فقيل له: اشرب، فشرب منه حتّى روي. ثمّ دفع إليه إناءٌ آخر فيه خمرٌ فقيل له: اشرب فقال: "لا أريده قد رويت". فقال له جبريل [عليه السّلام]: أما إنّها ستحرّم على أمّتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمّتك إلّا قليلٌ.
قال: ثمّ صعد به إلى السّماء فاستفتح، فقيل: من هذا يا جبريل؟ فقال: محمّدٌ، فقالوا: أوقد أرسل؟ قال: نعم. قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. فدخل فإذا هو برجلٍ تامّ الخلق لم ينقص من خلقه شيءٌ كما ينقص من خلق النّاس، عن يمينه بابٌ يخرج منه ريحٌ طيّبةٌ، وعن شماله بابٌ يخرج منه ريحٌ خبيثةٌ، إذا نظر إلى الباب الّذي عن يمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر إلى الباب الّذي عن يساره بكى وحزن، فقلت: "يا جبريل من هذا الشّيخ التّامّ الخلق الّذي لم ينقص من خلقه شيءٌ؟ وما هذان البابان؟ " فقال: هذا أبوك آدم [عليه السّلام]، وهذا الباب الّذي عن يمينه باب الجنّة، إذا نظر إلى من يدخل من ذرّيّته ضحك واستبشر، والباب الّذي عن شماله باب جهنّم، إذا نظر إلى من يدخله من ذرّيّته بكى وحزن.
ثمّ صعد به جبريل إلى السّماء الثّانية فاستفتح، فقيل: من هذا معك؟ فقال: محمّدٌ رسول الله. قالوا: أوقد أرسل محمّدٌ؟ قال: نعم. قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فلنعم الأخ ولنعم الخليفة ونعم المجيء جاء. قال: فدخل فإذا هو بشابّين فقال: "يا جبريل، من هذان الشّابّان؟ " قال: هذا عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريّا، ابنا الخالة عليهما السّلام.
قال: فصعد به إلى السّماء الثّالثة فاستفتح، فقالوا: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أرسل؟ قال: نعم. قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. قال: فدخل فإذا هو برجلٍ قد فضّل على النّاس في الحسن كما فضّل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قال: "من هذا يا جبريل الّذي قد فضّل على النّاس في الحسن؟ " قال: هذا أخوك يوسف، عليه السّلام.
قال: ثمّ صعد به إلى السّماء الرّابعة فاستفتح، فقالوا من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أرسل؟ قال: نعم. قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. قال: فدخل، فإذا هو برجلٍ، قال: "من هذا يا جبريل؟ " قال: هذا إدريس رفعه اللّه [تعالى] مكانًا عليًّا.
ثمّ صعد به إلى السّماء الخامسة فاستفتح، فقالوا: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. ثمّ دخل فإذا هو برجلٍ جالسٍ وحوله قومٌ يقصّ عليهم، قال: "من هذا يا جبريل؟ ومن هؤلاء حوله؟ " قال: هذا هارون المحبّب [في قومه] وهؤلاء بنو إسرائيل.
ثمّ صعد به إلى السّماء السّادسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قالوا: أوقد أرسل؟ قال: نعم. قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء. فإذا هو برجلٍ جالسٍ فجاوزه فبكى الرّجل، فقال: "يا جبريل، من هذا؟ " قال: موسى، قال: "فما باله يبكي؟ " قال: زعم بنو إسرائيل أنّي أكرم بني آدم على اللّه عزّ وجلّ، وهذا رجلٌ من بني آدم قد خلفني في دنيا، وأنا في أخرى، فلو أنّه بنفسه لم أبال، ولكن مع كلّ نبيٍّ أمّته.
قال: ثمّ صعد به إلى السّماء السّابعة فاستفتح، فقيل له: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. قال: فدخل فإذا هو برجلٍ أشمط جالسٍ عند باب الجنّة على كرسيٍّ، وعنده قومٌ جلوسٌ بيض الوجوه أمثال القراطيس، وقومٌ في ألوانهم شيءٌ، فقام هؤلاء الّذين في ألوانهم شيءٌ فدخلوا نهرًا فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيءٌ ثمّ دخلوا نهرًا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص [من] ألوانهم [شيءٌ ثمّ دخلوا نهرًا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلصت ألوانهم] فصارت مثل ألوان أصحابهم، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم، فقال: "يا جبريل من هذا الأشمط؟ ثمّ من هؤلاء البيض الوجوه؟ ومن هؤلاء الّذين في ألوانهم شيءٌ؟ وما هذه الأنهار الّتي دخلوا فيها فجاءوا وقد صفت ألوانهم؟ " قال: هذا أبوك إبراهيم [عليه السّلام] أوّل من شمط على الأرض. وأمّا هؤلاء البيض الوجوه فقومٌ لم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ. وأمّا هؤلاء الّذين في ألوانهم شيءٌ، فقومٌ خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيّئًا، فتابوا فتاب اللّه عليهم. وأمّا الأنهار فأوّلها رحمة اللّه، والثّاني نعمة اللّه، والثّالث سقاهم ربّهم شرابًا طهورًا.
قال: ثمّ انتهى إلى السّدرة فقيل له: هذه السّدرة ينتهي إليها كلّ أحدٍ خلا من أمّتك على سنّتك. فإذا هي شجرةٌ يخرج من أصلها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ، وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه، وأنهارٌ من خمرٍ لذة للشاربين، وأنهارٌ من عسلٍ مصفًّى، وهي شجرةٌ يسير الرّاكب في ظلّها سبعين عامًا لا يقطعها. والورقة منها مغطّيةٌ للأمّة كلّها. قال: فغشيها نور الخلّاق، عزّ وجلّ، وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشّجرة قال: فكلّمه الله عند ذلك قال له: سل، قال: "إنّك اتّخذت إبراهيم خليلًا وأعطيته ملكًا عظيمًا، وكلّمت موسى تكليمًا، وأعطيت داود ملكًا عظيمًا، وألنت له الحديد، وسخّرت له [الجبال، وأعطيت سليمان ملكًا عظيمًا، وسخّرت له الجنّ والإنس والشّياطين، وسخّرت له] الرّياح، وأعطيت له ملكًا عظيمًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وعلّمت عيسى التّوراة والإنجيل، وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذنك، وأعذته وأمّه من الشّيطان الرّجيم، فلم يكن للشّيطان عليهما سبيلٌ". فقال له ربّه عزّ وجلّ: وقد اتّخذتك خليلًا -وهو مكتوبٌ في التّوراة: حبيب الرّحمن -وأرسلتك إلى النّاس كافّةً بشيرًا ونذيرًا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلّا ذكرت معي، وجعلت أمّتك خير أمّةٍ أخرجت للنّاس، وجعلت أمّتك أمّةً وسطًا، وجعلت أمّتك هم الأوّلين والآخرين، وجعلت أمّتك لا تجوز لهم خطبةٌ حتّى يشهدوا أنّك عبدي ورسولي، وجعلت من أمّتك أقوامًا قلوبهم أناجيلهم، وجعلتك أوّل النّبيّين خلقًا، وآخرهم بعثًا، وأوّلهم يقضى له، وأعطيتك سبعًا من المثاني لم يعطها نبيٌّ قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنزٍ تحت العرش لم أعطها نبيًّا قبلك، وأعطيتك الكوثر، وأعطيتك ثمانية أسهمٍ: الإسلام، والهجرة، والجهاد، والصّدقة، والصّلاة، وصوم رمضان، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وجعلتك فاتحًا وخاتمًا. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " فضّلني ربّي بستٍّ: أعطاني فواتح الكلام وخواتيمه وجوامع الحديث، وأرسلني إلى النّاس كافّةً بشيرًا ونذيرًا وقذف في قلوب عدوّي الرّعب من مسيرة شهرٍ، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، وجعلت لي الأرض كلّها طهورًا ومسجدًا".
قال: وفرض عليه خمسين صلاةً. فلمّا رجع إلى موسى قال: بم أمرت يا محمّد؟ قال: "بخمسين صلاةً" قال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك أضعف الأمم، فقد لقيت من بني إسرائيل شدّةً، قال: فرجع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى ربّه، عزّ وجلّ، فسأله التّخفيف، فوضع عنه عشرًا. ثمّ رجع إلى موسى فقال: بكم أمرت؟ قال: "بأربعين" قال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدّةً، قال: فرجع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى ربّه [عزّ وجلّ] فسأله التّخفيف، فوضع عنه عشرًا، فرجع إلى موسى فقال: بكم أمرت؟ قال: "أمرت بثلاثين"، فقال له موسى: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدّةً، قال: فرجع إلى ربّه [عزّ وجلّ] فسأله التّخفيف، فوضع عنه عشرًا، فرجع إلى موسى فقال بكم أمرت؟ قال: "أمرت بعشرين". قال: ارجع إلى ربّك [عزّ وجلّ] فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدّةً، قال: فرجع إلى ربّه [عزّ وجلّ] فسأله التّخفيف، فوضع عنه عشرًا. فرجع إلى موسى فقال: بكم أمرت؟ قال: "أمرت بعشرٍ"، قال: ارجع إلى ربّك [عزّ وجلّ] فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك أضعف الأمم وقد لقيت من بني إسرائيل شدّةً، قال: فرجع على حياءٍ إلى ربّه [عزّ وجلّ] فسأله التّخفيف فوضع عنه خمسًا. فرجع إلى موسى، عليه السّلام، فقال بكم أمرت؟ قال: "بخمسٍ" فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمّتك أضعف الأمم وقد لقيت من بني إسرائيل شدّةً، قال: "قد رجعت إلى ربّي حتّى استحييت، فما أنا براجعٍ إليه"، قيل: أما إنّك كما صبّرت نفسك على خمس صلواتٍ، فإنّهنّ يجزين عنك خمسين صلاةً، فإنّ كلّ حسنةٍ بعشر أمثالها. قال: فرضي محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم كلّ الرّضا، قال: وكان موسى، عليه السّلام، من أشدّهم عليه حين مرّ به وخيرهم له حين رجع إليه.
ثمّ رواه ابن جريرٍ، عن محمّد بن عبيد اللّه، عن أبي النّضر هاشم بن القاسم، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية أو غيره -شكّ أبو جعفرٍ-عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فذكره بمعناه.
وقد رواه الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ، عن أبي سعيدٍ المالينيّ، عن ابن عديٍّ، عن محمّد بن الحسن السّكوني البالسيّ بالرّملة، حدّثنا عليّ بن سهلٍ، فذكر مثل ما رواه ابن جريرٍ عنه، وذكر البيهقيّ أنّ الحاكم أبا عبد اللّه رواه عن إسماعيل بن محمّد بن الفضل بن محمّدٍ الشّعرانيّ، عن جدّه، عن إبراهيم بن حمزة الزّبيريّ، عن حاتم بن إسماعيل، حدّثني عيسى بن ماهان -يعني أبا جعفرٍ الرّازيّ-عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكره.
وقال: ابن أبي حاتمٍ: ذكر أبو زرعة، حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن نميرٍ، حدّثنا يونس بن بكيرٍ، حدّثنا عيسى بن عبد اللّه التّميميّ -يعني: أبا جعفرٍ الرّازيّ-عن الرّبيع بن أنسٍ البكريّ، عن أبي العالية أو غيره -شكّ عيسى-، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "قال اللّه: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام [إلى المسجد الأقصى]} فذكر الحديث بطوله كنحوٍ ممّا سقناه.
قلت: "أبو جعفرٍ الرّازيّ" قال فيه الحافظ أبو زرعة: "الرّازيّ يهم في الحديث كثيرًا" وقد ضعّفه غيره أيضًا، ووثّقه بعضهم، والأظهر أنّه سيّئ الحفظ ففيما تفرّد به نظرٌ. وهذا الحديث في بعض ألفاظه غرابةٌ ونكارةٌ شديدةٌ، وفيه شيءٌ من حديث المنام من رواية سمرة بن جندبٍ في المنام الطّويل عند البخاريّ، ويشبه أن يكون مجموعًا من أحاديث شتّى، أو منامٍ أو قصّةٍ أخرى غير الإسراء، واللّه أعلم.
وقد روى البخاريّ ومسلمٌ في الصّحيحين من حديث عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن الزّهريّ، أخبرني سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين أسري به: "لقيت موسى" قال: فنعته فإذا رجلٌ -حسبته قال:-مضطربٌ، رجل الرّأس، كأنّه من رجال شنوءة. قال: "ولقيت عيسى" -فنعته النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم-ربعةٌ أحمر كأنّما خرج من ديماسٍ -يعني حمّامٍ. قال: "ورأيت إبراهيم، وأنا أشبه ولده به". قال: "وأتيت بإناءين في أحدهما لبنٌ وفي الآخر خمرٌ، قيل لي: خذ أيّهما شئت، فأخذت اللّبن، فشربت، فقيل لي: هديت الفطرة -أو: أصبت الفطرة-أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمّتك" وأخرجاه من وجهٍ آخر. عن الزّهريّ -به نحوه.
وفي صحيح مسلمٍ، عن محمّد بن رافعٍ، عن حجين بن المثنّى، عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد اللّه بن الفضل الهاشميّ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لقد رأيتني في الحجر وقريشٌ تسألني عن مسراي فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربًا ما كربت مثله قطّ، فرفعه اللّه لي أنظر إليه ما سألوني عن شيءٍ إلّا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعةٍ من الأنبياء، وإذا موسى قائمٌ يصلّي، وإذا هو رجلٌ ضربٌ جعدٌ كأنّه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم قائمٌ يصلّي أقرب النّاس به شبهًا عروة بن مسعودٍ الثّقفيّ، وإذا إبراهيم قائمٌ يصلّي أشبه النّاس به صاحبكم -يعني نفسه-فحانت الصّلاة فأممتهم، فلمّا فرغت قال قائلٌ: يا محمّد، هذا مالكٌ صاحب النّار، [فسلّم عليه] فالتفت إليه فبدأني بالسّلام ".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا حجّاج بن منهالٍ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي الصّلت، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "رأيت ليلة أسري بي لمّا انتهينا إلى السّماء السّابعة، فنظرت فوق فإذا رعدٌ وبرقٍ وصواعق". قال: "وأتيت على قومٍ بطونهم كالبيوت فيها الحيّات ترى من خارج بطونهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الرّبا، فلمّا نزلت إلى السّماء الدّنيا نظرت أسفل منّي فإذا أنا برهج ودخانٍ وأصواتٍ، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه الشّياطين يحرّفون على أعين بني آدم ألا يتفكّرون في ملكوت السّموات والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب".
ورواه الإمام أحمد عن حسنٍ وعفّان، كلاهما عن حمّاد بن سلمة، به. ورواه ابن ماجه من حديث حمّادٍ، به.
رواية جماعةٍ من الصّحابة [رضي اللّه عنهم] ممّن تقدّم وغيرهم:
قال الحافظ البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللّه -يعني الحاكم-أخبرنا عبدان بن يزيد بن يعقوب الدّقّاق بهمذان، حدّثنا إبراهيم بن الحسين الهمدانيّ، حدّثنا أبو محمّدٍ هو إسماعيل بن موسى الفزاريّ، حدّثنا عمر بن سعدٍ النّصريّ من بني نصر بن قعين، حدّثني عبد العزيز، وليث بن أبي سليمٍ وسليمان الأعمش، وعطاء بن السّائب -بعضهم يزيد في الحديث على بعضٍ-عن عليّ بن أبي طالبٍ وعبد اللّه بن عباس -ومحمد بن إسحاق بن يسار، عمن حدثه عن ابن عباس-
وعن سليم بن مسلمٍ العقيليّ، عن عامرٍ الشعبي، عن عبد الله بن مسعود -وجويبر، عن الضحاك، ابن مزاحمٍ قالوا: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بيت أمّ هانئٍ راقدًا، وقد صلّى العشاء الآخرة. قال أبو عبد اللّه الحاكم: قال لنا هذا الشّيخ = وذكر الحديث، فكتب المتن من نسخةٍ مسموعةٍ منه، فذكر حديثًا طويلًا يذكر فيه عدد الدّرج والملائكة وغير ذلك ممّا لا ينكر شيءٌ منها في قدرة اللّه إن صحّت الرّواية.
قال البيهقيّ: فيما ذكرنا قبل في حديث أبي هارون العبديّ في إثبات الإسراء والمعراج كفايةٌ، وباللّه التّوفيق.
قلت: وقد أرسل هذا الحديث غير واحدٍ من التّابعين وأئمّة المفسّرين، رحمة اللّه عليهم أجمعين.
رواية عائشة أمّ المؤمنين، رضي اللّه عنها:
قال [الإمام] البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، أخبرني مكرم بن أحمد القاضي، حدّثنا إبراهيم بن الهيثم البلديّ، حدّثنا محمّد بن كثيرٍ الصّنعاني، حدّثنا معمر بن راشدٍ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: لمّا أسري بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المسجد الأقصى، أصبح يحدّث النّاس بذلك، فارتدّ ناسٌ ممّن كانوا آمنوا به وصدّقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكرٍ، فقالوا: هل لك في صاحبك؟ يزعم أنّه أسري به اللّيلة إلى بيت المقدس! فقال: أوقال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: تصدّقه أنّه ذهب اللّيلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إنّي لأصدّقه بما هو أبعد من ذلك، أصدّقه بخبر السّماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمّي أبو بكرٍ: الصّدّيق، رضي اللّه عنه.
رواية أمّ هانئٍ بنت أبي طالبٍ، رضي اللّه عنها:
قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن السّائب الكلبيّ، عن أبي صالحٍ باذان، عن أمّ هانئٍ بنت أبي طالبٍ [رضي اللّه عنها] في مسرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنّها كانت تقول: ما أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا وهو في بيتي، نائمٌ عندي تلك اللّيلة، فصلّى العشاء الآخرة ثمّ نام ونمنا، فلمّا كان قبيل الفجر أهبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلمّا صلّى الصّبح وصلينا معه قال: "يا أمّ هانئٍ، لقد صلّيت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي، ثمّ جئت بيت المقدس فصلّيت فيه، ثمّ صلّيت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين".
الكلبيّ: متروكٌ بمرّةٍ ساقطٌ، لكن رواه أبو يعلى في مسنده عن محمّد بن إسماعيل الأنصاريّ، عن ضمرة بن ربيعة، عن يحيى بن أبي عمرٍو السّيبانيّ، عن أبي صالحٍ، عن أم هانئ بأبسط من هذا السّياق، فليكتب هاهنا.
وروى الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ من حديث عبد الأعلى بن أبي المساور، عن عكرمة، عن أمّ هانئٍ قالت: بات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة أسري به في بيتي، ففقدته من اللّيل، فامتنع منّي النّوم مخافة أن يكون عرض له بعض قريشٍ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ جبريل، عليه السّلام، أتاني فأخذ بيدي فأخرجني، فإذا على الباب دابّةٌ دون البغل وفوق الحمار، فحملني عليها، ثمّ انطلق حتّى انتهى بي إلى بيت المقدس، فأراني إبراهيم يشبه خلقه خلقي، ويشبه خلقي خلقه، وأراني موسى آدم طويلًا سبط الشّعر، شبّهته برجال أزد شنوءة، وأراني عيسى ابن مريم ربعة أبيض يضرب إلى الحمرة، شبّهته بعروة بن مسعودٍ الثّقفيّ، وأراني الدّجّال ممسوح العين اليمنى، شبّهته بقطن بن عبد العزّى"
قال: "وأنا أريد أن أخرج إلى قريشٍ فأخبرهم بما رأيت". فأخذت بثوبه فقلت: إنّي أذكّرك اللّه، إنّك تأتي قومًا يكذّبونك وينكرون مقالتك، فأخاف أن يسطوا بك. قالت: فضرب ثوبه من يدي، ثمّ خرج إليهم فأتاهم وهم جلوسٌ، فأخبرهم ما أخبرني، فقام جبير بن مطعمٍ فقال: يا محمّد لو كنت شابًّا كما كنت، ما تكلّمت بما تكلّمت به وأنت بين ظهرانينا. فقال رجلٌ من القوم: يا محمّد، هل مررت بإبلٍ لنا في مكان كذا وكذا؟ قال: "نعم، واللّه قد وجدتهم أضلّوا بعيرًا لهم فهم في طلبه".
قال: فهل مررت بإبلٍ لبني فلانٍ؟ قال: "نعم، وجدتهم في مكان كذا وكذا، وقد انكسرت لهم ناقةٌ حمراء، وعندهم قصعةٌ من ماءٍ، فشربت ما فيها". قالوا: فأخبرنا عدّتها وما فيها من الرّعاة [قال: "قد كنت عن عدّتها مشغولًا". فنام فأوتي بالإبل فعدّها وعلم ما فيها من الرّعاة] ثمّ أتى قريشًا فقال لهم: "سألتموني عن إبل بني فلانٍ، فهي كذا وكذا، وفيها من الرّعاة فلانٌ وفلانٌ، وسألتموني عن إبل بني فلانٍ، فهي كذا وكذا، وفيها من الرّعاة ابن أبي قحافة وفلانٌ وفلانٌ، وهي مصبّحتكم من الغداة على الثّنيّة". قال: فقعدوا على الثّنيّة ينظرون أصدقهم ما قال؟ فاستقبلوا الإبل فسألوهم: هل ضلّ لكم بعيرٌ؟ قالوا: نعم. فسألوا الآخر: هل انكسرت لكم ناقةٌ حمراء؟ قالوا: نعم. قالوا: فهل كان عندكم قصعةٌ؟ قال: أبو بكرٍ: أنا واللّه وضعتها فما شربها أحدٌ، ولا أهراقوه في الأرض. فصدّقه أبو بكرٍ [رضي اللّه عنه] وآمن به، فسمّي يومئذٍ الصّدّيق.
فصلٌ
وإذا حصل الوقوف على مجموع هذه الأحاديث صحيحها وحسنها وضعيفها، يحصل مضمون ما اتّفقت عليه من مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى بيت المقدس، وأنّه مرّةٌ واحدةٌ، وإن اختلفت عبارات الرّواة في أدائه، أو زاد بعضهم فيه أو نقص منه، فإنّ الخطأ جائزٌ على من عدا الأنبياء، عليهم السّلام. ومن جعل من النّاس كلّ روايةٍ خالفت الأخرى مرّةً على حدةٍ، فأثبت إسراءاتٍ متعدّدةً فقد أبعد وأغرب، وهرب إلى غير مهربٍ ولم يحصل على مطلبٍ.
وقد صرّح بعضهم من المتأخّرين بأنّه، عليه السّلام أسري به مرّةً من مكّة إلى بيت المقدس فقط، ومرّةً من مكّة إلى السّماء فقط، ومرّةً إلى بيت المقدس ومنه إلى السّماء. وفرح بهذا المسلك، وأنّه قد ظفر بشيءٍ يخلص به من الإشكالات. وهذا بعيدٌ جدًّا، ولم ينقل هذا عن أحدٍ من السّلف، ولو تعدّد هذا التّعدّد لأخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم به أمّته، ولنقلته النّاس على التّعدّد والتّكرّر.
قال موسى بن عقبة، عن الزّهريّ: كان الإسراء قبل الهجرة بسنةٍ. وكذا قال عروة. وقال السّدّيّ: بستّة عشر شهرًا.
والحقّ أنّه، عليه السّلام أسري به يقظةً لا منامًا من مكّة إلى بيت المقدس، راكبًا البراق،
فلمّا انتهى إلى باب المسجد ربط الدّابّة عند الباب، ودخله فصلّى في قبلته تحيّة المسجد ركعتين. ثمّ أتى المعراج -وهو كالسّلّم ذو درجٍ يرقى فيها-فصعد فيه إلى السّماء الدّنيا، ثمّ إلى بقيّة السّماوات السّبع، فتلقّاه من كلّ سماءٍ مقرّبوها، وسلّم عليه الأنبياء [عليهم السّلام] الّذين في السّماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتّى مرّ بموسى الكليم في السّادسة، وإبراهيم الخليل في السّابعة، ثمّ جاوز منزلتهما صلّى اللّه عليه وسلّم وعليهما وعلى سائر الأنبياء، حتّى انتهى إلى مستوًى يسمع فيه صريف الأقلام، أي: أقلام القدر بما هو كائنٌ، ورأى سدرة المنتهى وغشيها من أمر اللّه، تعالى، عظمةٌ عظيمةٌ، من فراشٍ من ذهبٍ، وألوانٍ متعدّدةٍ، وغشيتها الملائكة، ورأى هنالك جبريل على صورته، وله ستّمائة جناحٍ، ورأى رفرفًا أخضر قد سدّ الأفق، ورأى البيت المعمور وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضيّة مسندًا ظهره إليه؛ لأنّه الكعبة السّماويّة يدخله كلّ يومٍ سبعون ألفًا من الملائكة يتعبّدون فيه، ثمّ لا يعودون إليه إلى يوم القيامة. ورأى الجنّة والنّار، وفرض اللّه [عزّ وجلّ] عليه هنالك الصّلوات خمسين، ثمّ خفّفها إلى خمسٍ؛ رحمةً منه ولطفًا بعباده. وفي هذا اعتناءٌ عظيمٌ بشرف الصّلاة وعظمتها. ثمّ هبط إلى بيت المقدس، وهبط معه الأنبياء فصلّى بهم فيه لمّا حانت الصّلاة، ويحتمل أنّها الصّبح من يومئذٍ. ومن النّاس من يزعم أنّه أمّهم في السّماء. والّذي تظاهرت به الرّوايات أنّه بيت المقدس، ولكن في بعضها أنّه كان أوّل دخوله إليه. والظّاهر أنّه بعد رجوعه إليه؛ لأنّه لمّا مرّ بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحدًا واحدًا وهو يخبره بهم، وهذا هو اللّائق؛ لأنّه كان أوّلًا مطلوبًا إلى الجناب العلويّ ليفرض عليه وعلى أمّته ما يشاء اللّه، تعالى. ثمّ لمّا فرغ من الّذي أريد به، اجتمع هو وإخوانه من النّبيّين [صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين] ثمّ أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل عليه السّلام له في ذلك. ثمّ خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكّة بغلسٍ، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
وأمّا عرض الآنية عليه من اللّبن والعسل، أو اللّبن والخمر، أو اللّبن والماء، أو الجميع -فقد ورد أنّه في بيت المقدس، وجاء أنّه في السّماء. ويحتمل أن يكون هاهنا وهاهنا؛ لأنّه كالضّيافة للقادم، واللّه أعلم.
ثمّ اختلف النّاس: هل كان الإسراء ببدنه عليه السّلام وروحه؟ أو بروحه فقط؟ على قولين، فالأكثرون من العلماء على أنّه أسري ببدنه وروحه يقظةً لا منامًا، ولا ينكر أن يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى قبل ذلك منامًا، ثمّ رآه بعده يقظةً؛ لأنّه عليه السّلام كان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح؛ والدّليل على هذا قوله [عزّ وجلّ] {سبحان الّذي أسرى بعبده} فالتّسبيح إنّما يكون عند الأمور العظام، ولو كان منامًا لم يكن فيه كبير شيءٍ ولم يكن مستعظمًا، ولما بادرت كفّار قريشٍ إلى تكذيبه، ولما ارتدّ جماعةٌ ممّن كان قد أسلم. وأيضًا فإنّ العبد عبارةٌ عن مجموع الروح والجسد،
وقد قال [عزّ شأنه] {أسرى بعبده ليلا} وقد قال تعالى: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلا فتنةً للنّاس} [الإسراء: 60] قال ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنهما] هي رؤيا عينٍ أريها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [ليلة أسري به، والشّجرة الملعونة: شجرة الزّقّوم] رواه البخاريّ. وقال تعالى: {ما زاغ البصر وما طغى} [النّجم: 17]، والبصر من آلات الذّات لا الرّوح. وأيضًا فإنّه حمل على البراق، وهو دابّةٌ بيضاء برّاقةٌ لها لمعانٌ، وإنّما يكون هذا للبدن لا للرّوح؛ لأنّها لا تحتاج في حركتها إلى مركبٍ تركب عليه، واللّه أعلم.
وقال آخرون: بل أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بروحه لا بجسده. قال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ في السّيرة: حدّثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس؛ أنّ معاوية بن أبي سفيان [رضي اللّه عنهما] كان إذا سئل عن مسرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: كانت رؤيا من اللّه صادقةً.
وحدّثني بعض آل أبي بكرٍ أنّ عائشة كانت تقول: ما فقد جسد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكن أسري بروحه.
قال ابن إسحاق: فلم ينكر ذلك من قولها، لقول الحسن: إنّ هذه الآية نزلت {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلا فتنةً للنّاس} ولقول اللّه في الخبر عن إبراهيم: {إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصّافّات: 102]، ثمّ مضى على ذلك. فعرفت أنّ الوحي يأتي للأنبياء من اللّه أيقاظًا ونيامًا.
فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "تنام عيناي، وقلبي يقظان" فاللّه أعلم أيّ ذلك كان قد جاءه، وعاين فيه من اللّه ما عاين، على أيّ حالاته كان، نائمًا أو يقظان، كلّ ذلك حقٌّ وصدقٌ. انتهى كلام ابن إسحاق.
وقد تعقّبه أبو جعفر بن جريرٍ في تفسيره بالرّدّ والإنكار والتّشنيع، بأنّ هذا خلاف ظاهر سياق القرآن، وذكر من الأدلّة على ردّه بعض ما تقدّم واللّه أعلم.
فائدةٌ حسنةٌ جليلةٌ:
روى الحافظ أبو نعيم الأصبهانيّ في كتاب "دلائل النّبوّة" من طريق محمّد بن عمر الواقديّ: حدّثني مالك بن أبي الرّجال، عن عمرو بن عبد اللّه، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دحية بن خليفة إلى قيصر -فذكر وروده عليه وقدومه إليه. وفي السّياق دلالةٌ عظيمةٌ على وفور عقل هرقل-ثمّ استدعى من بالشّام من التّجّار، فجيء بأبي سفيان صخر بن حربٍ وأصحابه، فسألهم عن تلك المسائل المشهورة الّتي رواها البخاريّ ومسلمٌ، كما سيأتي بيانه، وجعل أبو سفيان يجهد أن يحقّر أمره ويصغّره عنده. قال في هذا السّياق عن أبي سفيان: واللّه ما يمنعني أن أقول عليه قولًا أسقطه من عينه إلّا أنّي أكره أن أكذب عنده كذبةً يأخذها عليّ، ولا يصدّقني بشيءٍ. قال: حتّى ذكرت قوله ليلة أسري به قال: فقلت: أيّها الملك، ألا أخبرك خبرًا تعرف أنّه قد كذب؟ قال: وما هو؟ قال: قلت: إنّه يزعم لنا أنّه خرج من أرضنا -أرض الحرم-في ليلةٍ فجاء مسجدكم هذا-مسجد إيلياء، ورجع إلينا تلك اللّيلة قبل الصّباح. قال: وبطريق إيلياء عند رأس قيصر، فقال: بطريق إيلياء: قد علمت تلك اللّيلة، قال: فنظر قيصر، وقال: وما علمك بهذا؟ قال: إنّي كنت لا أنام ليلةً حتّى أغلق أبواب المسجد، فلمّا كان تلك اللّيلة أغلقت الأبواب كلّها غير بابٍ واحدٍ غلبني، فاستعنت عليه بعمّالي ومن يحضرني كلّهم فعالجته فغلبني، فلم نستطع أن نحرّكه، كأنّما نزاول به جبلًا فدعوت إليه النّجاجرة، فنظروا إليه فقالوا: إنّ هذا الباب سقط عليه النّجاف والبنيان ولا نستطيع أن نحرّكه حتّى نصبح فننظر من أين أتى. قال: فرجعت وتركت البابين مفتوحين. فلمّا أصبحت غدوت عليهما فإذا الحجر الّذي في زاوية الباب مثقوبٌ، وإذا فيه أثر مربط الدّابّة قال: فقلت لأصحابي: ما حبس هذا الباب اللّيلة إلّا على نبيٍّ، وقد صلّى اللّيلة في مسجدنا. وذكر تمام الحديث.
فائدةٌ:
قال الحافظ أبو الخطّاب عمر بن دحية في كتابه "التّنوير في مولد السّراج المنير" وقد ذكر حديث الإسراء من طريق أنسٍ، وتكلّم عليه فأجاد وأفاد-ثمّ قال: وقد تواترت الرّوايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطّاب، وعليّ [بن أبي طالبٍ] وابن مسعودٍ، وأبي ذرٍّ، ومالك بن صعصعة، وأبي هريرة، وأبي سعيدٍ، وابن عبّاسٍ، وشدّاد بن أوسٍ، وأبيّ بن كعبٍ، وعبد الرّحمن بن قرط، وأبي حبّة وأبي ليلى الأنصاريّين، وعبد اللّه بن عمرٍو، وجابرٍ، وحذيفة، وبريدة، وأبي أيّوب، وأبي أمامة، وسمرة بن جندب، وأبي الحمراء، وصهيبٍ الرّوميّ، وأمّ هانئٍ، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنهم أجمعين. منهم من ساقه بطوله، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصّحّة، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون، واعترض فيه الزّنادقة الملحدون {يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون} [الصّفّ: 8]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 5-45]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدًى لبني إسرائيل ألّا تتّخذوا من دوني وكيلًا (2) ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ إنّه كان عبدًا شكورًا (3)}
لـمّا ذكر تعالى أنّه أسرى بعبده محمّدٍ، صلوات اللّه وسلامه عليه، عطف بذكر موسى عبده وكليمه [عليه السّلام] أيضًا، فإنّه تعالى كثيرًا ما يقرن بين ذكر موسى ومحمّدٍ عليهما السّلام وبين ذكر التّوراة والقرآن؛ ولهذا قال بعد ذكر الإسراء: {وآتينا موسى الكتاب} يعني التّوراة {وجعلناه} أي الكتاب {هدًى} أي هاديًا {لبني إسرائيل ألا تتّخذوا} أي لئلّا تتّخذوا {من دوني وكيلا} أي وليًّا ولا نصيرًا ولا معبودًا دوني؛ لأنّ اللّه تعالى أنزل على كلّ نبيٍّ أرسله أن يعبده وحده لا شريك له). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 45-46]

تفسير قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ} تقديره: يا ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ. فيه تهييجٌ وتنبيهٌ على المنّة، أي: يا سلالة من نجّينا فحملنا مع نوحٍ في السّفينة، تشبّهوا بأبيكم، {إنّه كان عبدًا شكورًا} فاذكروا أنتم نعمتي عليكم بإرسالي إليكم محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم. وقد ورد في الحديث وفي الأثر عن السّلف: أنّ نوحًا، عليه السّلام، كان يحمد اللّه [تعالى] على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كلّه; فلهذا سمّي عبدًا شكورًا.
قال: الطّبرانيّ حدّثنا عليّ بن عبد العزيز، حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا سفيان، عن أبي حصين، عن عبد اللّه بن سنانٍ، عن سعد بن مسعودٍ الثّقفيّ قال: إنّما سمّي نوحٌ عبدًا شكورًا؛ لأنّه كان إذا أكل أو شرب حمد اللّه.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو أسامة، حدّثنا زكريّا بن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إن اللّه ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشّربة فيحمد اللّه عليها".
وهكذا رواه مسلمٌ والتّرمذيّ والنّسائيّ من طريق أبي أسامة، به.
وقال مالكٌ، عن زيد بن أسلم: كان يحمد اللّه على كلّ حالٍ.
وقد ذكر البخاريّ هنا حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة [رضي اللّه عنه]، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أنا سيّد النّاس يوم القيامة -بطوله، وفيه -: فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض، وقد سمّاك اللّه عبدًا شكورًا، اشفع لنا إلى ربّك" وذكر الحديث بكماله). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 46]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة