جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {سيقول لك المخلّفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من اللّه شيئًا إن أراد بكم ضرًّا أو أراد بكم نفعًا بل كان اللّه بما تعملون خبيرًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: سيقول لك يا محمّد الّذين خلّفهم اللّه في أهليهم عن صحبتك والخروج معك في سفرك الّذي سافرت، ومسيرك الّذي سرت إلى مكّة معتمرًا زائرًا بيت اللّه الحرام إذا انصرفت إليهم، فعاتبتهم على التّخلّف عنك، شغلتنا عن الخروج معك معالجة أموالنا، وإصلاح معايشنا وأهلونا، فاستغفر لنا ربّك لتخلّفنا عنك قال اللّه جلّ ثناؤه مكذّبهم في قيلهم ذلك: يقول هؤلاء الأعراب المخلّفون عنك بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وذلك مسألتهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الاستغفار لهم، يقول: يسألونه بغير توبةٍ منهم ولا ندمٍ على ما سلف منهم من معصية اللّه في تخلّفهم عن صحبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمسير معه.
{قل فمن يملك لكم من اللّه شيئًا} يقول تعالى ذكره لنبيّه: قل لهؤلاء الأعراب الّذين يسألونك أن تستغفر لهم لتخلّفهم عنك: إن أنا استغفرت لكم أيّها القوم، ثمّ أراد اللّه هلاككم أو هلاك أموالكم وأهليكم، أو أراد بكم نفعًا بتثميره أموالكم وإصلاحه لكم أهليكم، فمن ذا الّذي يقدر على دفع ما أراد اللّه بكم من خيرٍ أو شرٍّ، واللّه لا يعازّه أحدٌ، ولا يغالبه غالبٌ؟.
وقوله: {بل كان اللّه بما تعملون خبيرًا} يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يظنّ هؤلاء المنافقون من الأعراب أنّ اللّه لا يعلم ما هم عليه منطوون من النّفاق، بل لم يزل اللّه بما يعملون من خيرٍ وشرٍّ خبيرًا، لا يخفى عليه شيءٌ من أعمال خلقه، سرّها وعلانيتها، وهو محصيها عليهم حتّى يجازيهم بها، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما ذكر عنه حين أراد المسير إلى مكّة عام الحديبية معتمرًا استنفر العرب ومن حول مدينته من أهل البوادي والأعراب ليخرجوا معه حذرًا من قومه من قريشٍ أن يعرضوا له الحرب، أو يصدّوه عن البيت، وأحرم هو صلّى اللّه عليه وسلّم بالعمرة، وساق معه الهدي، ليعلم النّاس أنّه لا يريد حربًا، فتثاقل عنه كثيرٌ من الأعراب، وتخلّفوا خلافه فهم الّذين عنى اللّه تبارك وتعالى بقوله: {سيقول لك المخلّفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا} الآية.
وكالّذي قلنا في ذلك قال أهل العلم بسير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومغازيه، منهم ابن إسحاق.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق بذلك.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {سيقول لك المخلّفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا} قال: أعراب المدينة: جهينة ومزينة، استتبعهم لخروجه إلى مكّة، قالوا: نذهب معه إلى قومٍ قد جاءوه، فقتلوا أصحابه فنقاتلهم فاعتلّوا بالشّغل.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إن أراد بكم ضرًّا} فقرأته قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة {ضرًّا} بفتح الضّاد، بمعنى: الضّرّ الّذي هو خلاف النّفع وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين (ضرًّا) بضمّ الضّاد، بمعنى البؤس والسّقم.
وأعجب القراءتين إليّ الفتح في الضّاد في هذا الموضع لقوله: {أو أراد بكم نفعًا} فمعلومٌ أنّ خلاف النّفع الضّرّ، وإن كانت الأخرى صحيحًا معناها). [جامع البيان: 21/256-258]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا يعني أعراب المدينة جهينة ومزينة وذلك أنه استتبعهم لخرجوه إلى مكة فقالوا نذهب معه إلى قوم جاؤوه فقتلوا أصحابه فنقاتلهم في ديارهم فاعتلوا بالشغل فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم معتمرا فأخذ أصحابه ناسا من أهل الحرم غافلين فأرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم فذلك الأظفار ببطن مكة وهو قوله ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ورجع النبي صلى الله عليه وسلم وقد وعده الله عز وجل مغانم كثيرة وعجل له خيبر وقال له المخلفون ذرونا نتبعكم وهي المغانم التي قال الله عز وجل إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم وعرض عليهم قتال قوم أولي بأس شديد وهم فارس والروم وأما المغانم الكثيرة التي وعدوا فما يأخذون حتى اليوم). [تفسير مجاهد: 2/601-602]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 11.
أخرج عبد بن حميد عن جويبر رضي الله عنه في قوله {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا} قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين انصرف من الحديبية وسار إلى خيبر تخلف عنه أناس من الأعراب فلحقوا بأهاليهم فلما بلغهم أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد افتتح خيبر ساروا إليه وقد كان أمره أن لا يعطي أحدا تخلف عنه من مغنم خيبر ويقسم مغنمها من شهد الفتح وذلك قوله: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} يعني ما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يعطي أحدا تخلف عنه من مغنم خيبر شيئا). [الدر المنثور: 13/474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {سيقول لك المخلفون من الأعراب} قال: أعراب المدينة جهينة ومزينة استنفرهم لخروجه إلى مكة فقالوا: نذهب معه إلى قوم جاؤه فقتلوا أصحابه فنقاتلهم في ديارهم فاعتلوا له بالشغل فأقبل معتمرا فأخذ أصحابه أناسا من أهل الحرم غافلين فأرسلهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذلك الأظفار ببطن مكة ورجع محمد صلى الله عليه وسلم فوعد مغانم كثيرة فجعلت له خيبر فقال المخلفون: {ذرونا نتبعكم} وهي المغانم التي قال الله {إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها} وعرض عليهم قتال قوم أولي بأس شديد فهم فارس والمغانم الكثيرة التي وعدوا ما يأخذون حتى اليوم). [الدر المنثور: 13/474-475]
تفسير قوله تعالى: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {بورًا} [الفتح: 12] : «هالكين»). [صحيح البخاري: 6/134]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ بورًا هالكين وصله الطّبريّ من طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ بهذا وسقط لغير أبي ذرٍّ وقال أبو عبيدة ويقال بار الطّعام أي هلك ومنه قول عبد اللّه بن الزبعري يا رسول الله المليك إنّ لساني راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور أي هالكٌ). [فتح الباري: 8/581]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد {بورا} آية 12 الفتح هالكين
قال ابن جرير حدثني محمّد بن عمرو ثنا أبو عاصم ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به). [تغليق التعليق: 4/312-313]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال مجاهدٌ بورا هالكين
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا} وفسره بقوله: (هالكين) أي: فاسدين لا تصلحون لشيء، وهو من: بارك الهالك من هلك بناء ومعنى، ولذلك وصف به الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، ويجوز أن يكون جمع: بائر كعائذ وعوذ. قال النّسفيّ: والمعنى: وكنتم قوما فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم وهالكين عند الله مستحقين لسخطه وعقابه). [عمدة القاري: 19/174]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال مجاهد) فيما وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه ({بورًا}) في قوله تعالى: {وظننتم ظن السوء وكنتم قومًا بورًا} [الفتح: 12] أي (هالكين) والبور الهلاك وهو يحتمل أن يكون هنا مصدرًا أخبر به عن الجمع كقوله:
يا رسول الإله إن لساني = راتق ما فتقت إذا أنا بور
ولذلك يستوي فيه المفرد والمذكر وضدهما ويحتمل أن يكون جمع بائر كحائل وحول في المعتل وبازل وبزل في الصحيح وسقط هذا لغير أبي ذر). [إرشاد الساري: 7/344]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {بل ظننتم أن لن ينقلب الرّسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدًا وزيّن ذلك في قلوبكم وظننتم ظنّ السّوء وكنتم قومًا بورًا}.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الأعراب المعتذرين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند منصرفه من سفره إليهم بقولهم: {شغلتنا أموالنا وأهلونا} ما تخلّفتم خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين شخص عنكم، وقعدتم عن صحبته من أجل شغلكم بأموالكم وأهليكم، بل تخلّفتم بعده في منازلكم، ظنًّا منكم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومن معه من أصحابه سيهلكون، فلا يرجعون إليكم أبدًا باستئصال العدوّ إيّاهم وزيّن ذلك في قلوبكم، وحسّن الشّيطان ذلك في قلوبكم، وصحّحه عندكم حتّى حسن عندكم التّخلّف عنه، فقعدتم عن صحبته {وظننتم ظنّ السّوء} يقول: وظننتم أنّ اللّه لن ينصر محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه المؤمنين على أعدائهم، وأنّ العدوّ سيقهرونهم ويغلبونهم فيقتلونهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {سيقول لك المخلّفون من الأعراب} إلى قوله: {وكنتم قومًا بورًا} قال: ظنّوا بنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه أنّهم لن يرجعوا من وجههم ذلك، وأنّهم سيهلكون، فذلك الّذي خلّفهم عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقوله: {وكنتم قومًا بورًا} يقول: وكنتم قومًا هلكى لا يصلحون لشيءٍ من الخير.
وقيل: إنّ البور في لغة أزد عمان: الفاسد؛ فأمّا عند العرب فإنّه لا شيء ومنه قول أبي الدّرداء: فأصبح ما جمعوا بورًا أي ذاهبًا قد صار باطلاً لا شيء منه؛ ومنه قول حسّان بن ثابتٍ:
لا ينفع الطّول من نوك القلوب وقد يهدي الإله سبيل المعشر البور.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وكنتم قومًا بورًا} قال: فاسدين.
- وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وكنتم قومًا بورًا} قال: البور الّذي ليس فيه من الخير شيءٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وكنتم قومًا بورًا} قال: هالكين). [جامع البيان: 21/258-260]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وكنتم قوما بورا يقول كنتم قوما هالكين). [تفسير مجاهد: 2/602-603]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 12 - 15
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء} قال: ظنوا بنبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك وأنهم سيهلكون فذلك الذي خلفهم عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وهم كاذبون بما يقولون {سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها} قال: هم الذين تخلفوا عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية كذلكم قال الله من قبل قال: إنما جعلت الغنيمة لأجل الجهاد إنما كانت غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} قال: فدعوا يوم حنين إلى هوازن وثقيف فمنهم من أحسن الإجابة ورغب في الجهاد ثم عذر الله أهل العذر من الناس فقال: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) (النور 61) ). [الدر المنثور: 13/475]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول} قال: نافق القوم {وظننتم ظن السوء} أن لن ينقلب الرسول). [الدر المنثور: 13/475]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية إلى المدينة حتى إذا كان بين المدينة ومكة نزلت عليه سورة الفتح فقال: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} إلى قوله {عزيزا} ثم ذكر الله الأعراب ومخالفتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: {سيقول لك المخلفون من الأعراب} إلى قوله {خبيرا} ثم قال للأعراب {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون} إلى قوله {سعيرا} ثم ذكر البيعة فقال: {لقد رضي الله عن المؤمنين} إلى قوله {وأثابهم فتحا قريبا} لفتح الحديبية). [الدر المنثور: 13/483] (م)
تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن لم يؤمن باللّه ورسوله فإنّا أعتدنا للكافرين سعيرًا (13) وللّه ملك السّموات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء وكان اللّه غفورًا رّحيمًا}.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المنافقين من الأعراب ومن لم يؤمن أيّها الأعراب باللّه ورسوله منكم ومن غيركم، فيصدّقه على ما أخبر به، ويقرّ بما جاء به من الحقّ من عند ربّه، فإنّا أعددنا لهم جميعًا سعيرًا من النّار تتسعّر عليهم في جهنّم إذا وردوها يوم القيامة.
يقال من ذلك: سعّرت النّار: إذا أوقدتها، فأنا أسعّرها سعرًا؛ ويقال: سعّرتها أيضًا إذا حرّكتها وإنّما قيل للمسعّر مسعرٌ، لأنّه يحرّك به النّار، ومنه قولهم: إنّه لمسعّر حربٍ: يراد به موقدها ومهيّجها). [جامع البيان: 21/260]
تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وللّه ملك السّموات والأرض} يقول تعالى ذكره: وللّه سلطان السّماوات والأرض، فلا أحد يقدر أيّها المنافقون على دفعه عمّا أراد بكم من تعذيبٍ على نفاقكم إن أصررتم عليه أو منعه من عفوه عنكم إن عفا، إن أنتم تبتم من نفاقكم وكفركم.
وهذا من اللّه جلّ ثناؤه حثٌّ لهؤلاء الأعراب المتخلّفين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على التّوبة والمراجعة إلى أمر اللّه في طاعة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول لهم: بادروا بالتّوبة من تخلّفكم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّ اللّه يغفر للتّائبين {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} يقول: ولم يزل اللّه ذا عفو عن عقوبة التّائبين إليه من ذنوبهم ومعاصيهم من عباده، وذا رحمةٍ بهم أن يعاقبهم على ذنوبهم بعد توبتهم منها). [جامع البيان: 21/260-261]