التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}.
نزلت خاصة في أبي بكر الصديق (رحمه الله)، وذلك: أن رجلا من الأنصار وقع به عند رسول الله فسبّه، فلم يردد عليه أبو بكر؛ ولم ينه رسول الله صلى الله عليه الأنصاري؛ فأقبل عليه أبو بكر فرد عليه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كالمغضب, واتبعه أبو بكر فقال: يا رسول الله، ما صنعت بي أشدّ عليّ مما صنع بي, سبّني فلم تنهه, ورددت عليه , فقمت كالمغضب.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الملك يرد عليه إذا سكتّ، فلما رددت عليه , رجع الملك، فوثبت معه)), فنزلت هذه الآية, وفسرها شريك, عن الأعمش, عن إبراهيم في قوله: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}، قالوا: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم للفساق, فيجترئوا عليهم.). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}
جاء في التفسير: أنهم كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم, فيجترئ عليهم الفساق.
وروي: أنها نزلت في أبي بكر الصديق.
فإن قال قائل: أهم محمودون على انتصارهم أم لا؟.
قيل: هم محمودون؛ لأن من انتصر فأخذ بحقه ولم يجاوز في ذلك ما أمر اللّه به, فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم, ولا في قصاص؛ فهو مطيع للّه عزّ وجلّ، وكل مطيع محمود، وكذلك من اجتنب المعاصي؛ فهو محمود، ودليل ذلك قوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}). [معاني القرآن: 4/401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}
روى منصور, عن إبراهيم: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم, فيجترئ عليهم الفساق.). [معاني القرآن: 6/321]
تفسير قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان:
نحو قول الله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}، أي يجازيهم جزاء الاستهزاء.
وكذلك: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ}، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، هي من المبتدئ سيئة، ومن الله جل وعز جزاء). [تأويل مشكل القرآن: 277](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وجزاء سيّئة سيّئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه إنّه لا يحبّ الظّالمين}
فالأولى: {سيئة}: في اللفظ , والمعنى، والثانية {سيئة} في اللفظ، عاملها ليس بمسيء، ولكنها سميت سيئة لأنها مجازاة لسوء, فإنما يجازي السوء بمثله.
والمجازاة به غير سيّئة توجب ذنبا، وإنّما قيل لها: سيئة ليعلم أن الجارح, والجاني, يقتص منه بمقدار جنايته.
وهذا مثل قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}: تأويله كافئوه بمثله، وعلى هذا كلام العرب). [معاني القرآن: 4/401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}
قال ابن أبي نجيح: إذا قال: أخزاه الله, قال له: أخزاه الله .
قال أبو جعفر: الأولى سيئة في اللفظ والمعنى , والثانية سيئة في اللفظ وليست في المعنى سيئة, ولا الذي عملها مسيء, وسميت سيئة لازدواج الكلام, ليعلم إنها جزاء على الأولى). [معاني القرآن: 6/321-322]
تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم مّن سبيلٍ}: نزلت أيضاً في أبي بكر). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}
قال قتادة: هذا في القصاص, فأما من ظلمك فلا يحل لك أن تظلمه.
قال الحسن: ولمن انتصر بعد ظلمه, هذا إذا لم يكن ظلمه لا يصلح, أي: هذا فيما أباح الله الانتصار منه.
وقد روى يونس, عن الحسن في قوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه} قال: إذا لعن لعن, وإذا سب سب ما لم يكن حدا, أو كلمة لا تصلح). [معاني القرآن: 6/323]
تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ إنَّ ذلك لمن عزم الأمور }: ما عزمت عليه , قال الخثعمي:
عزمت على إقامة ذي صباحٍ لشيءٍ ما يسوّد من يسود).
[مجاز القرآن: 2/201]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور}
وقال: {ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور}, أما اللام التي في {ولمن صبر} فلام الابتداء, وأما ذلك فمعناه -والله أعلم- أن ذلك منه لمن عزم الأمور.
وقد تقول:"مررت بدارٍ الذراع بدرهمٍ"؛ أي: الذراع منها بدرهمٍ, و: "مررت ببرٍّ قفيزٌ بدرهم"؛ أي: قفيزٌ منه.
وأما ابتداء "إن" في هذا الموضوع فكمثل {قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم} يجوز ابتداء مثل هذا إذا طال الكلام في مثل هذا الموضع). [معاني القرآن: 4/11-12]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور}
أي: الصابر يؤتى بصبره ثوابا, فكل من زادت رغبته في الثواب فهو أتمّ عزم، وقد قال بعض أهل اللغة: إن معنى قوله تعالى: {واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم}: أن منه القصاص, والعفو, فالعفو أحسنه). [معاني القرآن: 4/402]