تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى عن الكافرين الذين يصدون الناس عن سبيل الله أنهم قد بعدوا عن الحق وضلّوا ضلالًا بعيداً لا يقرب رجوعهم عنه ولا تخلصهم معه، وقرأ عكرمة وابن هرمز «وصدوا» بضم الصاد). [المحرر الوجيز: 3/70-71]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى عن الكافرين الظالمين في أن وضعوا الشيء في غير موضعه، وهو الكفر بالله، والله تعالى يستوجب منهم غير ذلك لنعمه الظاهرة والباطنة أنهم بحيث لم يكن ليغفر لهم، وهذه العبارة أقوى من الإخبار المجرد أنه لا يغفر، ومثال ذلك أنك إذا قلت: أنا لا أبيع هذا الشيء فهم منك الاغتباط به، فإذا قلت: أنا ما كنت لأبيع هذا الشيء، فالاغتباط منك أكثر، هذا هو المفهوم من هذه العبارة). [المحرر الوجيز: 3/71]
تفسير قوله تعالى: {إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ولا ليهديهم طريقاً إلّا طريق جهنّم هذه هداية الطرق وليست بالإرشاد على الإطلاق. وباقي الآية بيّن يتضمن تحقير أمر الكفار، وأنهم لا يباليهم الله بالة كما ورد في الحديث، يذهب الصالحون الأول فالأول، حتى تبقى حثالة كحثالة التمر لا يباليهم الله بالة، المعنى: إذ هم كفار في آخر الزمان وعليهم تقوم الساعة). [المحرر الوجيز: 3/71]
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: يا أيّها النّاس قد جاءكم الرّسول بالحقّ من ربّكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات والأرض وكان اللّه عليماً حكيماً (170) يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على اللّه إلاّ الحقّ إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه فآمنوا باللّه ورسله ولا تقولوا ثلاثةٌ انتهوا خيراً لكم
المخاطبة بقوله يا أيّها النّاس مخاطبة لجميع الناس، والسورة مدنية، فهذا مما خوطب به جميع
الناس بعد الهجرة، لأن الآية دعاء إلى الشرع، ولو كانت في أمر من أوامر الأحكام ونحوها لكانت «يا أيها الذين آمنوا» والرّسول في هذه الآية محمد صلى الله عليه وسلم، وبالحقّ في شرعه، وقوله تعالى:
خيراً لكم منصوب بفعل مضمر تقديره، إيتوا خيرا لكم، أو حوزوا خيرا لكم، وقوله فآمنوا وقوله انتهوا بعد ذلك، أمر بترك الشيء والدخول في غيره، فلذلك حسنت صفة التفضيل التي هي خير، هذا مذهب سيبويه في نصب خير، ونظيره من الشعر قول عمر بن أبي ربيعة:
فواعديه سرحتي مالك = أو الربى بينهما أسهلا
أي يأت أسهل، وقال أبو عبيدة التقدير يكن الإيمان خيرا والانتهاء خيرا، فنصبه على خبر كان، وقال الفراء: التقدير فآمنوا إيمانا خيرا لكم، فنصبه على النعت لمصدر محذوف ثم قال تعالى وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات والأرض وهذا خبر بالاستغناء، وأن ضرر الكفر إنما هو نازل بهم، ولله تعالى العلم والحكمة.
ثم خاطب تعالى أهل الكتاب من النصارى بأن يدعوا «الغلو»، وهو تجاوز الحد، ومنه غلاء السعر، ومنه غلوة السهم، وقوله تعالى: في دينكم إنما معناه، في الدين الذي أنتم مطلوبون به، فكأنه اسم جنس، وأضافه إليهم بيانا أنهم مأخوذون به، وليست الإشارة إلى دينهم المضلل، ولا أمروا بالثبوت عليه دون غلو، وإنما أمروا بترك الغلو في دين الله على الإطلاق، وأن يوحدوا ولا «يقولوا على الله إلا الحق»، وإذا سلكوا ما أمروا به، فذلك سائقهم إلى الإسلام، ثم بين تعالى أمر المسيح وأنه رسول اللّه وكلمته، أي مكون عن كلمته التي هي «كن» وقوله ألقاها عبارة عن إيجاد هذا الحادث في مريم، وقال الطبري وكلمته ألقاها يريد جملة مخلوقاته، ف «من» لابتداء الغاية إذا حقق النظر فيها، وقال البشارة التي بعث الملك بها إليها، وقوله تعالى: وروحٌ منه أي من الله وقال الطبري وروحٌ منه أي نفخة منه، إذ هي من جبريل بأمره، وأنشد قول ذي الرمة:
فقلت له اضممها إليك وأحيها = بروحك واقتته لها قيتة قدرا
يصف سقط النار، وقال أبيّ بن كعب: روح عيسى من أرواح الله التي خلقها واستنطقها بقوله ألست بربّكم قالوا بلى [الأعراف: 172] فبعثه الله إلى مريم فدخل فيها، ثم أمرهم بالإيمان بالله ورسله، أي الذين من جملتهم عيسى ومحمد عليهما السلام، وقوله تعالى: ولا تقولوا ثلاثةٌ المعنى:
الله ثالث ثلاثة، فحذف الابتداء والمضاف، كذا قدر أبو علي، ويحتمل أن يكون المقدر: المعبود ثلاثة، أو الإله ثلاثة، أو الآلهة ثلاثة، أو الأقانيم ثلاثة، وكيف ما تشعب اختلاف عبارات النصارى فإنه يختلف بحسب ذلك التقدير، وقد تقدم القول في معنى انتهوا خيراً لكم). [المحرر الوجيز: 3/72-73]