العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 11:21 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (180) إلى الآية (182) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (180) إلى الآية (182) ]


{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:09 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) }
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني الليث في قول الله: {إن ترك خيرا الوصية} فقال: «الخير: المال»). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 158-159]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (ثم قال: «{إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين}؛ فنسختها آية الميراث»). [الجامع في علوم القرآن: 3/ 66]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن هشام بن عروة عن أبيه في قوله تعالى: {خيرا الوصية} قال: «دخل علي بن أبي طالب على مولى لهم وهو في الموت فقال: ألا أوصي؟، فقال له: قال الله تبارك وتعالى: {إن ترك خيرا الوصية} وليس له كبير شيء»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 68]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري قال: «جعل الله الوصية حقا مما قل منه أو كثر»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 68]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {إن ترك خيرا الوصية للولدين والأقربين} قال: «نسخ الوالدين منها وترك الأقربين ممن لا يرث»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 68]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم قال: «ذكر عنده طلحة والزبير فقيل كانا يشددان في الوصية، فقال: وما عليهما ألا يفعلا؟ توفي النبي فما أوصى وأوصى أبو بكر فإن أوصى فحسن وإن لم يوص فلا بأس»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 68-69]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن أبان عن النخعي في قوله تعالى: {إن ترك خيرا} قال: «ألف درهم إلى خمس مائة درهم»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 69]

قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه: «أنّ عليًّا دخل على رجلٍ من بني هاشمٍ وهو يريد أن يوصي وكان قليل المال وكان له ولدٌ فقال عليٌّ: إنّما قال اللّه تبارك وتعالى: {إن ترك خيرا الوصية} وليس في مالك فضلٌ عن ولدك فنهاه عن الوصية»). [تفسير الثوري: 55-56]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقًّا على المتّقين}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا يونس، عن الحسن في قوله عزّ وجلّ: {إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: «كانت الوصيّة للوالدين والأقربين، فنسخ من ذلك: للوالدين، وأثبت لهما نصيبهما في سورة النّساء، ونسخ من الأقربين كلّ وارثٍ، وبقيت الوصيّة للأقربين الّذين لا يرثون».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، عن محمّد بن شريكٍ المكّيّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: «قال لها رجلٌ: إنّي أريد أن أوصي؟ قالت: كم مالك؟ قال: ثلاثة آلافٍ، قالت: كم عيالك؟ قال: أربعةٌ، قالت: قال اللّه عزّ وجل: {إن ترك خيرًا}، وإنّ هذا الشّيء يسيرٌ، فاتركه لعيالك، فهو أفضل».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عيسى بن يونس، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبي قال: «ما من مالٍ أعظم أجرًا من مالٍ يتركه الرّجل لولده؛ يغنيهم عن الناس».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا ابن المبارك، قال: نا ابن جريج، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عبّاسٍ، قال: «إذا ترك الميّت سبعمائة درهمٍ، فلا يوصي».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية قال: نا هشام بن عروة، عن أبيه، قال: «دخل عليٌّ على صديقٍ له يعوده، فقال له الرّجل: إنّي أريد أن أوصي، فقال له عليٌّ: إنّ اللّه تعالى يقول: {إن ترك خيرًا}، وإنّك إنّما تدع شيئًا يسيرًا، فدعه لعيالك، فهو أفضل».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا يونس، عن ابن سيرين، عن ابن عبّاسٍ: «أنّه قرأ هذه الآية على منبر البصرة ثمّ قال: قد نسخ هذا».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، أنّه كان يقول: إنّ الوصيّة كانت قبل الميراث، فلمّا نزل الميراث نسخ الميراث من يرث، وبقيت الوصية لمن لا يرث، فهي ثابتةٌ، فمن أوصى لغير ذي قرابةٍ، لم تجز وصيّته؛ لأنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تجوز لوارث وصيّة».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا يونس، وحميد، عن الحسن، أنّه كان يقول: «من أوصى لغير ذي قرابته، فللّذين أوصى لهم ثلث الثّلث، ولقرابته ثلثا الثلث»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 655-671]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقًّا على المتّقين}:
يعني بقوله تعالى ذكره: {كتب عليكم} فرض عليكم أيّها المؤمنون الوصيّة إذا حضر أحدكم الموت {إن ترك خيرًا} والخير: المال {للوالدين والأقربين} الّذين لا يرثونه، {بالمعروف} وهو ما أذن اللّه فيه وأجازه في الوصيّة ممّا لم يجاوز الثّلث، ولم يتعمّد الموصي ظلم ورثته {حقًّا على المتّقين} يعني بذلك: فرض عليكم هذا وأوجبه، وجعله حقًّا واجبًا على من اتّقى اللّه فأطاعه أن يعمل به.
فإن قال قائلٌ: أو فرض على الرّجل ذي المال أن يوصي لوالديه وأقربيه الّذين لا يرثونه؟ قيل: نعم.
فإن قال: فإن هو فرّط في ذلك فلم يوص لهم أيكون مضيّعًا فرضًا يحرج بتضييعه؟ قيل: نعم.
فإن قال: وما الدّلالة على ذلك؟
قيل: قول اللّه تعالى ذكره: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} فأعلم أنّه قد كتبه علينا وفرضه، كما قال: {كتب عليكم الصّيام} ولا خلاف بين الجميع أنّ تارك الصّيام وهو عليه قادرٌ مضيّعٍ بتركه فرضًا للّه عليه، فكذلك هو بترك الوصيّة لوالديه وأقربيه وله ما يوصي لهم فيه، مضيّعٌ فرض اللّه عزّ وجلّ.
فإن قال قائل: قد علمت أنّ جماعةً من أهل العلم قالوا: {الوصيّة للوالدين والأقربين} منسوخةٌ بآية الميراث؟
قيل له: وخالفهم جماعةٌ غيرهم فقالوا: هي محكمةٌ غير منسوخةٍ: وإذا كان في نسخ ذلك تنازعٌ بين أهل العلم لم يكن لنا القضاء عليه بأنّه منسوخٌ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها، إذ كان غير مستحيلٍ اجتماع حكم هذه الآية وحكم آية المواريث في حالٍ واحدةٍ على صحّةٍ بغير مدافعة حكم إحداهما حكم الأخرى وكان النّاسخ والمنسوخ هما المعنيان اللّذان لا يجوز اجتماع حكمهما على صحّةٍ في حالةٍ واحدةٍ لنفي أحدهما صاحبه.
وبما قلنا في ذلك قال جماعةٌ من المتقدّمين والمتأخّرين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، أنّه كان يقول: «من مات ولم يوص لذي قرابته فقد ختم عمله بمعصيةٍ».
- حدّثني سلم بن جنادة، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ: «أنّه حضر رجلاً يوصّى بأشياء لا تنبغي، فقال له مسروقٌ: إنّ اللّه قد قسم بينكم فأحسن القسم، وإنّه من يرغب برأيه عن رأي اللّه يضلّ، أوص لذي قرابتك ممّن لا يرثك، ثمّ دع المال على ما قسمه اللّه عليه».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو تميلة يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبيدٌ، عن الضّحّاك، قال: «لا تجوز وصيّةٌ لوارثٍ ولا يوصي إلاّ لذي قرابةٍ، فإن أوصى لغير ذي قرابةٍ فقد عمل بمعصيةٍ، إلاّ أن لا يكون قرابةٌ فيوصي لفقراء المسلمين».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، قال: «العجب لأبي العالية أعتقته امرأةٌ من بني رياحٍ وأوصى بماله لبني هاشمٍ».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن رجلٍ، عن الشّعبيّ، قال: «لم يكن له ذاك ولا كرامةٌ».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوبٌ، عن محمّدٍ، قال: «قال عبيد اللّه بن عبيد اللّه بن معمرٍ، في الوصيّة من سمّى جعلناها حيث سمّى، ومن قال حيث أمر اللّه جعلناها في قرابته».
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، قال: حدّثنا المعتمر، قال: حدّثنا عمران بن حديرٍ، قال: «قلت لأبي مجلزٍ: الوصيّة على كلّ مسلمٍ؟ قال: على من ترك خيرًا».
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه، قال: حدّثنا عبد الملك بن الصّبّاح، قال: حدّثنا عمران بن حديرٍ، قال: «قلت للاحق بن حميدٍ الوصيّة على كلّ مسلمٍ؟ قال: هي حقٌّ على من ترك خيرًا».
واختلف أهل العلم في حكم هذه الآية فقال بعضهم: لم ينسخ اللّه شيئًا من حكمها، وإنّما هي آيةٌ ظاهرها ظاهر عمومٍ في كلّ والدٍ ووالدة والقريب، والمراد بها في الحكم البعض منهم دون الجميع، وهو من لا يرث منهم الميّت دون من يرث. وذلك قول من ذكرت قوله، وقول جماعةٍ آخرين غيرهم معهم.
ذكر قول من لم يذكر قوله منهم في ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، عن جابر بن زيدٍ، في رجلٍ أوصى لغير ذي قرابةٍ، وله قرابةٌ محتاجون، قال: «يردّ ثلثا الثّلث عليهم، وثلث الثّلث لمن أوصى له به».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذٌ، قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، عن الحسن، وجابر بن زيدٍ، وعبد الملك بن يعلى، أنّهم قالوا في الرّجل يوصي لغير ذي قرابته وله قرابةٌ ممّن لا يرثه قال: «كانوا يجعلون ثلثي الثّلث لذوي القرابة، وثلث الثّلث لمن أوصى له به».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حميد، عن الحسن، أنّه كان يقول: «إذا أوصى الرّجل لغير ذي قرابته بثلثه فلهم ثلث الثّلث، وثلثا الثّلث لقرابته».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، قال: «من أوصى لقومٍ وسمّاهم وترك ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردّت إلى ذوي قرابته».
وقال آخرون: بل هي آيةٌ قد كان الحكم بها واجبًا وعمل به برهةً ثمّ نسخ اللّه منها بآية المواريث الوصيّة لوالدي الموصي وأقربائه الّذين يرثونه، وأقرّ فرض الوصيّة لمن كان منهم لا يرثه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: «{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} فجعلت الوصيّة للوالدين والأقربين ثمّ نسخ ذلك بعد ذلك فجعل لهما نصيبٌ مفروضٌ، فصارت الوصيّة لذوي القرابة الّذين لا يرثون، وجعل للوالدين نصيبٌ معلومٌ، ولا تجوز وصيّةٌ لوارثٍ».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: «نسخ الوالدان منها، وترك الأقربون ممّن لا يرث».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: «نسخ من يرث ولم ينسخ الأقربين الّذين لا يرثون».
- حدّثنا بحر بن نصرٍ، قال: حدّثنا يحيى بن حسّان، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، قال: «كانت الوصيّة قبل الميراث للوالدين، والأقربين، فلمّا نزل الميراث نسخ الميراث من يرث وبقي من لا يرث، فمن أوصى لذي قرابته لم تجز وصيّته».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن إسماعيل المكّيّ، عن الحسن، في قوله: {إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: «نسخ الوالدين، وأثبت الأقربين الّذين يحرمون ولا يرثون».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، في هذه الآية {الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: «للوالدين منسوخةٌ، والوصيّة للقرابة وإن كانوا أغنياء».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: «{إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} فكان لا يرث مع الوالدين غيرهم إلاّ وصيّةً إن كانت للأقربين فأنزل اللّه بعد هذا: {ولأبويه لكلّ واحدٍ منهما السّدس ممّا ترك إن كان له ولدٌ فإن لم يكن له ولدٌ وورثه أبواه فلأمّه الثّلث} فبيّن اللّه سبحانه ميراث الوالدين، وأقرّ وصيّة الأقربين في ثلث مال الميّت».
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: «{إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} فنسخ الوصيّة للوالدين وأثبت الوصيّة للأقربين الّذين لا يرثون».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف} قال: «كان هذا من قبل أن تنزّل سورة النّساء، فلمّا نزلت آية الميراث نسخ شأن الوالدين، فألحقهما بأهل الميراث وصارت الوصيّة لأهل القرابة الّذين لا يرثون».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، قال: أخبرنا عطاء بن أبي ميمونة، قال: «سألت مسلم بن يسارٍ، والعلاء بن زيادٍ، عن قول اللّه تبارك وتعالى: {إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} قالا: في القرابة».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن إياس بن معاوية، قال: «في القرابة».
وقال آخرون: بل نسخ اللّه ذلك كلّه، وفرض الفرائض والمواريث فلا وصيّة تجب لأحدٍ على أحدٍ قريبٍ ولا بعيدٍ.
ذكر من قال ذلك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} الآية، قال: «فنسخ اللّه ذلك كلّه وفرض الفرائض».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن عبّاسٍ: «أنّه قام فخطب النّاس هاهنا، فقرأ عليهم سورة البقرة ليبيّن لهم منها، فأتى على هذه الآية: {إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: نسخت هذه».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: «{إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} نسخت الفرائض الّتي للوالدين، والأقربين الوصيّة».
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن جهضمٍ، عن عبد اللّه بن بدرٍ، قال: «سمعت ابن عمر، يقول في قوله: {إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: نسختها آية الميراث». قال ابن بشّارٍ: قال عبد الرّحمن: «فسألت جهضمًا عنه فلم يحفظه».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، والحسن البصريّ، قالا: «{إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} فكانت الوصيّة كذلك حتّى نسختها آية الميراث».
- حدّثني أحمد بن المقدام، قال: حدّثنا المعتمر، قال: سمعت أبي قال: زعم قتادة، عن شريحٍ، في هذه الآية: {إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: «كان الرّجل يوصي بماله كلّه حتّى نزلت آية المواريث».
- حدّثنا أحمد بن المقدام، قال: حدّثنا المعتمر، قال: سمعت أبي قال: «زعم قتادة أنّه نسخت آيتا المواريث في سورة النّساء الآية في سورة البقرة في شأن الوصيّة».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: «كان الميراث للولد، والوصيّة للوالدين، والأقربين، وهي منسوخةٌ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «كان الميراث للولد، والوصيّة للوالدين والأقربين وهي منسوخةٌ نسختها آيةٌ في سورة النّساء: {يوصيكم اللّه في أولادكم}».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} أما الوالدان والأقربون فيوم نزلت هذه الآية كان النّاس ليس لهم ميراثٌ معلومٌ، إنّما يوصي الرّجل لوالده ولأهله فيقسم بينهم حتّى نسختها النّساء فقال: {يوصيكم اللّه في أولادكم}».
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوبٌ، عن نافعٍ: «أنّ ابن عمر، لم يوص وقال: أمّا مالي فاللّه أعلم ما كنت أصنع فيه في الحياة، وأمّا رباعي فما أحبّ أن يشرك ولدي فيها أحدٌ».
- حدّثني محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، قال: حدّثنا محمّد بن يوسف، قال: حدّثنا سفيان، عن نسير بن ذعلوقٍ، قال: «قال عزرة يعني ابن ثابتٍ، لربيع بن خثيمٍ: أوص لي بمصحفك، قال: فنظر إلى ابنه فقال: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه}».
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا زيد، عن سفيان، عن الحسن بن عبيد اللّه، عن إبراهيم، قال: «ذكرنا له أنّ زبيرا، وطلحة كانا يشدّدان في الوصيّة، فقال: ما كان عليهما أن لا يفعلا، مات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يوص، وأوصى أبو بكرٍ، أيّ ذلك فعلت فحسنٌ».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن الحسن بن عبيد اللّه، عن إبراهيم، قال: «ذكر عنده طلحة، وزبير، فذكر مثله».
وأمّا الخير الّذي إذا تركه تاركٌ وجب عليه الوصيّة فيه لوالديه وأقربيه الّذين لا يرثون فهو المال.
- كما حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، عن معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: «{إن ترك خيرًا} يعني مالاً».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: «{إن ترك خيرًا} مالاً».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إن ترك خيرًا} كان يقول الخير: «في القرآن كلّه المال {لحبّ الخير لشديدٌ} الخير: المال و{أحببت حبّ الخير عن ذكر ربّي} المال {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} المال {إن ترك خيرًا الوصيّة} مالاً».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{إن ترك خيرًا الوصيّة} أي مالاً».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{إن ترك خيرًا الوصيّة} أمّا خيرًا: فالمال».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، {إن ترك خيرًا} قال: «إن ترك مالاً».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {إن ترك خيرًا} قال: «الخير: المال».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرني ابن المبارك، عن الحسن بن يحيى، عن الضّحّاك، في قوله: {إن ترك خيرًا الوصيّة} قال: «المال، ألا ترى أنّه يقول: قال شعيبٌ لقومه: {إنّي أراكم بخيرٍ} يعني الغنيّ».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرنا محمّد بن عمرٍو اليافعيّ، عن ابن جريجٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، قال: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا} قال عطاءٌ: «الخير فيما يرى: المال».
ثمّ اختلفوا في مبلغ المال الّذي إذا تركه الرّجل كان ممّن لزمه حكم هذه الآية، فقال بعضهم: ذلك ألف درهمٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا همّام بن يحيى، عن قتادة، في هذه الآية: {إن ترك خيرًا الوصيّة} قال: «الخير: ألفٌ فما فوقه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: حدّثنا حمّادٌ، قال: أخبرنا هشام بن عروة، عن عروة: «أنّ عليّ بن أبي طالبٍ، دخل على ابن عمٍّ له يعوده، فقال: إنّي أريد أن أوصي، فقال عليٌّ لا توص فإنّك لم تترك خيرًا فتوصي، قال: وكان ترك من السّبعمائة إلى التسعمائةٍ».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: حدّثني عثمان بن الحكم الجذاميّ، وابن أبي الزّناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبٍ: «أنّه دخل على رجلٍ مريضٍ، فذكر له الوصيّة، فقال لا توص إنّما قال اللّه: {إن ترك خيرًا} وأنت لم تترك شيًا». قال ابن أبي الزّناد فيه: «فدع مالك لبنيك».
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصور بن صفيّة، عن عبد اللّه بن عتبة أو غنية، الشّكّ منّي: «أنّ رجلاً أراد أن يوصي وله ولدٌ كثيرٌ، وترك أربعمائة دينارٍ، فقالت عائشة، ما أرى فيه فضلاً».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: «دخل عليٌّ على مولًى لهم في الموت وله سبعمائة درهمٍ أو ستّمائة درهمٍ، فقال: ألا أوصي؟ فقال لا، إنّما قال اللّه: {إن ترك خيرًا} وليس لك كثير مالٍ».
وقال بعضهم: ذلك ما بين الخمسمائة درهمٍ إلى الألف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أبان عن إبراهيم النّخعيّ، في قوله: {إن ترك خيرًا} قال: «ألف درهمٍ إلى خمسمائةٍ درهمٍ».
وقال بعضهم: الوصيّة واجبةٌ من قليل المال وكثيره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، قال: «جعل اللّه الوصيّة حقّا ممّا قلّ منه ومما كثر».
وأولى هذه الأقوال بالصّواب في تأويل قوله: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة} ما قال الزّهريّ؛ لأنّ قليل المال، وكثيره يقع عليه اسم خيرٌ، ولم يحدّ اللّه ذلك بحدٍّ ولا خصّ منه شيئًا فيجوز أن يحال ظاهرٌ إلى باطنٍ، فكلّ من حضرته منيّته وعنده مالٌ قلّ ذلك أو كثر فواجبٌ عليه أن يوصي منه لمن لا يرثه من آبائه وأمّهاته وأقربائه الّذين لا يرثونه بمعروفٍ، كما قال اللّه جلّ ذكره وأمر به). [جامع البيان: 3/ 123-138]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقًّا على المتّقين (180)}:
قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت}:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قوله: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت} فقال: «نعم الوصيّة حقٌّ على كلّ مسلمٍ أن يوصي إذا حضر الموت، بالمعروف غير المنكر»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 298]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إن ترك خيرًا}:
- حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، ثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن
عروة عن أبيه: «أنّ عليًّا دخل على رجلٍ من قومه يعوده فقال له: أأوصي؟ فقال له عليّ: إنّما قال اللّه إن ترك خيرًا الوصيّة وإنّك إنّما تركت شيئًا يسيرًا فاتركه لولدك».
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: «{إن ترك خيرًا} يعني: مالا».
وروي عن مجاهدٍ وعبدة وعطاء بن أبي رباحٍ وأبي العالية، وسعيد بن جبيرٍ وعطيّة والضّحّاك والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان والرّبيع بن أنسٍ وقتادة، مثل قول ابن عبّاسٍ

ومن فسّره على تقدير المال الّذي يوصى فيه.
- حدّثني محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان، حدّثني عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {إن ترك خيرًا} قال ابن عبّاسٍ: «من لم يترك ستّين دينارًا لم يترك خيرًا. وقال الحكم: «لم يترك خيرًا من لم يترك ثمانين دينارًا».
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن هشامٍ، عن أبيه قال: «قيل لعليٍّ إنّ رجلا من قريشٍ قد توفّي وترك ثلاثمائة دينارٍ أو أربعمائة دينارٍ ولم يوص، قال: ليس بشيءٍ إنّما قال اللّه: {إن ترك خيرًا}».
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد اللّه الخزاعيّ، أنبأ همّامٌ قال: سمعت قتادة {إن ترك خيرًا} قال: «الخير: المال كان يقال ألفًا فما فوقه». قال أبو محمّدٍ: «يعني ألف درهمٍ»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 298-299]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف}:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاج بن محمّدٍ، أنبأ ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله: «{الوصيّة للوالدين والأقربين} فنسختها هذه الآية {للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيبٌ مّمّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثر نصيبًا مفروضًا}».

وروي عن ابن عمر وأبي موسى الأشعريّ، وسعيد بن المسيّب، والحسن، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وسعيد بن جبيرٍ، ومحمّد بن سيرين وزيد بن أسلم والرّبيع بن أنسٍ وقتادة والسّدّيّ ومقاتل بن حيان وإبراهيم النخعي وشيح والضّحّاك والزّهريّ: «أنّ هذه الآية منسوخةٌ نسختها آية الميراث».
- حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قوله: {الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: «نسخ الوالدين فألحقهما بأهل الميراث وصارت الوصيّة لأهل القرابة الّذين لا يرثون». وروي عن سعيد بن جبيرٍ والحسن والرّبيع بن أنسٍ والضّحّاك ومقاتل بن حيّان والزّهريّ وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 299-300]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {حقًّا على المتّقين}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {بالمعروف حقًّا على المتّقين} يقول: «تلك الوصيّة حقٌّ على المتّقين».
قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ أنبأ أبو وهبٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: «{حقًّا على المتّقين} يعني: المؤمنين»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 300]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: «{إن ترك خيرا} يعني مالا»). [تفسير مجاهد: 95]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب الحافظ، ثنا يحيى بن محمّد بن يحيى، ثنا مسدّدٌ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن يونس بن عبيدٍ، عن محمّد بن سيرين، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: «أنّه قام فخطب النّاس ها هنا - يعني بالبصرة - فقرأ عليهم سورة البقرة، وبيّن ما فيها، فأتى على هذه الآية: {إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين} قال: نسخت هذه ثمّ ذكر ما بعده». ، هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2/ 300]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ أبو خالدٍ الأحمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه: «أنّ عليًّا رضي اللّه عنه، دخل على رجلٍ من بني هاشمٍ وهو مريضٌ يعوده، فأراد أن يوصي فنهاه، وقال: إنّ اللّه يقول: {إن ترك خيرًا} مالًا، فدع مالك لورثتك». هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2/ 301]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين}:

أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إن ترك خيرا} قال: «مالا».
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {إن ترك خيرا} قال: «الخير المال».
أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: «الخير في القرآن كله المال {إن ترك خيرا}، {لحب الخير} [العاديات الآية 8]، {أحببت حب الخير} [ص الآية 32]، {إن علمتم فيهم خيرا} [النور الآية 33]».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: {إن ترك خيرا الوصية} قال: «من لم يترك ستين دينار لم يترك خيرا».
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم
والبيهقي في "سننه" عن عروة: «أن علي بن أبي طالب دخل على مولى لهم في الموت وله سبعمائة درهم أو ستمائة درهم
فقال: ألا أوصي؟، قال: لا، إنما قال الله: {إن ترك خيرا} وليس لك كثير مال فدع ملك لورثتك».
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر والبيهقي عن عائشة: «أن رجلا قال لها: إني أريد أن أوصي، قالت: كم مالك؟، قال: ثلاثة آلاف، قالت: كم عيالك؟ قال: أربعة، قالت: قال الله {إن ترك خيرا} وهذا شيء يسير فاتركه لعيالك فهو أفضل».
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال: «إن ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي».
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز قال: «الوصية على من ترك خيرا».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن الزهري قال: «جعل الله الوصية حقا مما قل منه أو كثر».
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما حق إمرى ء مسلم تمر عليه ثلاث ليال إلا وصيته عنده»، قال ابن عمر: «فما مرت علي ثلاث قط إلا ووصيتي عندي».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس ابتاعوا أنفسكم من ربكم إلا أنه ليس لإمرى ء شيء إلا عرف أمرا بخل بحق الله فيه حتى إذا حضر الموت يوزع ماله هاهنا وهاهنا». ثم يقول قتادة: «ويلك يا ابن آدم اتق الله ولا تجمع إساءتين مالك إساءة في الحياة وإساءة عند الموت أنظر إلى قرابتك الذين يحتاجون ولا يرثون فأوص لهم من مالك بالمعروف».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن عبيد الله بن عبد الله بن معمر قاضي البصرة قال: «من أوصى فسمى أعطينا من سمى وإن قال: ضعها حيث أمر الله، أعطيناها قرابته».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، عن طاووس قال: «من أوصى لقوم وسماهم وترك ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت على قرابته».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن الحسن قال: «إذا أوصى في غير أقاربه بالثلث جاز لهم ثلث الثلث ويرد على أقاربه ثلثي الثلث».
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد، وعبد بن حميد وأبو داود في الناسخ، وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن محمد بن سيرين قال: «خطب ابن عباس فقرأ سورة البقرة فبين ما فيها حتى مر على هذه الآية {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} فقال: نسخت هذه الآية».
وأخرج أبو داود والنحاس معا في الناسخ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الوصية {للوالدين والأقربين} قال: «كان ولد الرجل يرثونه وللوالدين الوصية فنسختها {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} [النساء الآية 7] الآية».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «كان لا يرث مع الوالدين غيرهما إلا وصية الأقربين فأنزل الله آية الميراث فبين ميراث الوالدين وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت».
وأخرج أبو داود في "سننه" وناسخه والبيهقي عن ابن عباس في قوله: {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} قال: «فكانت الوصية لذلك حين نسختها آية الميراث».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: «نسخ من يرث ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون».
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر: «أنه سئل عن هذه الآية {الوصية للوالدين والأقربين} قال: نسختها آية الميراث».
وأخرج ابن جرير عن قتادة عن شريح في الآية قال: «كان الرجل يوصي بماله كله حتى نزلت آية الميراث».
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في الآية قال: «كان الميراث للولد والوصية للوالدين والأقربين فهي منسوخة».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: «الخير المال كان يقال ألف فما فوق ذلك فأمر أن يوصي للوالدين والأقربين ثم نسخ الوالدين وألحق لكل ذي ميراث نصيبه منها وليست لهم منه وصية فصارت الوصية لمن لا يرث من قريب أو غير قريب».
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي، وابن ماجه عن عمرو بن خارجة: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم خطبهم على راحلته فقال: «إن الله قد قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث فلا تجوز لوارث وصية».
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والبيهقي في "سننه" عن أبي أمامة الباهلي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في خطبته يقول: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث أن تجيزه الورثة»). [الدر المنثور: 2/ 162-168]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) }
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {فمن بدله بعدما سمعه} قال: «من بدل الوصية بعدما سمعها فإن إثم ما بدل عليه»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 69]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن بدّله بعد ما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه، إنّ الله سميعٌ عليمٌ}:
يعني تعالى ذكره بذلك: فمن غيّر ما أوصى به الموصي من وصيّته بالمعروف لوالديه أو أقربيه الّذين لا يرثونه بعد ما سمع الوصيّة فإنّما إثم التّبديل على من بدّل وصيّته.
فإن قال لنا قائلٌ: وعلام عادت الهاء الّتي في قوله: {فمن بدّله}.
قيل: على محذوفٍ من الكلام يدلّ عليه الظّاهر، وذلك هو أمر الميّت وإيصاؤه إلى من أوصى إليه بما أوصى به لمن أوصى له.
ومعنى الكلام: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقًّا على المتّقين} فأوصوا لهم فمن بدّل ما أوصيتم به لهم بعد ما سمعكم توصون لهم، فإنّما إثم ما فعل من ذلك عليه دونكم.
وإنّما قلنا إنّ الهاء في قوله: {فمن بدّله} عائدةٌ على محذوفٍ من الكلام يدلّ عليه الظّاهر؛ لأنّ قوله: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة} من قول اللّه، وإنّ تبديل المبدل إنّما يكون لوصيّة الموصي، فأمّا أمر اللّه بالوصيّة فلا يقدر هو ولا غيره أن يبدّله فيجوز أن تكون الهاء في قوله: {فمن بدّله} عائدةٌ على الوصيّة.
وأمّا الهاء في قوله: {بعد ما سمعه} فعائدةٌ على الهاء الأولى في قوله: {فمن بدّله} وأمّا الهاء الّتي في قوله: {فإنّما إثمه} فإنّها مكنيّ التّبديل كأنّه قال: فإنّما إثم ما بدّل من ذلك على الّذين يبدّلونه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فمن بدّله بعد ما سمعه} قال: «الوصيّة».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: «{فمن بدّله بعد ما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه} وقد وقع أجر الميت على اللّه وبرئ من إثمه، وإن كان أوصى في ضرارٍ لم تجز وصيّته، كما قال اللّه: {غير مضارٍّ}».
- حدّثنا الحسين بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فمن بدّله بعد ما سمعه} قال: «من بدّل الوصيّة بعد ما سمعها فإثم ما بدّل عليه».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، «{فمن بدّله بعد ما سمعه فإنّما، إثمه على الّذين يبدّلونه} فمن بدّل الوصيّة الّتي أوصى بها وكانت بمعروفٍ، فإنّما إثمها على من بدّلها أنّه قد ظلم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن قتادة، أنّ عطاء بن أبي رباحٍ، قال في قوله: {فمن بدّله بعد ما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه} قال: «تمضي كما قال».
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، {فمن بدّله بعد ما سمعه} قال: «من بدّل وصيّةً بعد ما سمعها».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم، عن الحسن في هذه الآية: {فمن بدّله بعد ما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه} قال: «هذا في الوصيّة من بدّلها من بعد ما سمعها، فإنّما إثمه على من بدّل».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن المثنّى، قالا: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، عن عطاءٍ، وسالم بن عبد اللّه، وسليمان بن يسارٍ: «أنّهم قالوا تمضي الوصيّة لمن أوصى له به». إلى هاهنا انتهى حديث ابن المثنّى وزاد ابن بشّارٍ، في حديثه قال قتادة: وقال عبيد اللّه بن عبيد اللّه بن معمرٍ: «أعجب إليّ لو أوصى لذوي قرابته، وما يعجبني أن ننزعه ممّن أوصى له به». قال قتادة: «وأعجبه إليّ لمن أوصى له به، قال اللّه عزّ وجلّ: {فمن بدّله بعد ما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه}»). [جامع البيان: 3/ 138-141]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ}:
يعني تعالى ذكره بذلك: إنّ اللّه سميعٌ لوصيّتكم الّتي أمرتكم أن توصوا بها لآبائكم وأمّهاتكم وأقربائكم حين توصون بها، أتعدلون فيها على ما أذنت لكم من فعل ذلك بالمعروف، أم تحيفون فتميلون عن الحقّ وتجورون عن القصد؛ عليمٌ بما تخفيه صدوركم من الميل إلى الحقّ والعدل، أم الجور والحيف). [جامع البيان: 3/ 141]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {فمن بدّله بعدما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (181)}:
قوله: {فمن بدّله بعد ما سمعه}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {فمن بدّله} يقول: «من بدّل وصيّة الميّت»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 300]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {بعد ما سمعه}:
وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: «{بعد ما سمعه} يعني: بعد ما سمع من الميّت فلم يمض وصيّته إذا كان عدلا».
- حدّثنا الحسن بن الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة، في قوله: {فمن بدّله بعد ما سمعه} قال: «من بدل الوصيه بعد ما سمعها قال: إثم ما بدّل عليه». وروي عن الحسن مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 300]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فإنّما إثمه}:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدثني معاوية بن صالح، عن
عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: «{فمن بدّله بعد ما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه} وقد وقع أجر الميّت على الله برئ من إثمه».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: «{فإنّما إثمه} يعني: إثم ذلك»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 300-301]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {على الّذين يبدّلونه}:
وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: «{على الّذين يبدّلونه} يعني: الوصيّ، وبرئ منه الميّت»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 301]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ}:
وبه عن سعيد بن جبيرٍ: «{إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ} يعني: الوصيّة للميّت، عليمٌ بها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 301]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: «كان الميراث للولد والوصية للوالدين والأقربين فمن بدله يعني من بدل الوصية»). [تفسير مجاهد: 95]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم * فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم}:
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: «{فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه} وقد وقع أجر الموصي على الله وبرى ء من إثمه في وصيته أو حاف فيها فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب».
وأخرج ابن جرير عن قتاده في قوله: {فمن بدله} قال: «من بدل الوصيه بعد ما سمعها فإثم ما بدل عليه».
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {فمن بدله} يقول: «للأوصياء من بدل وصية الميت {فمن بدله بعد ما سمعه} يعني من بعد ما سمع من الميت فلم يمض وصيته إذا كان عدلا {فإنما إثمه} يعني إثم ذلك {على الذين يبدلونه} يعني الوصي وبرى ء منه الميت {إن الله سميع} يعني للوصية {عليم} بها {فمن خاف} يقول: فمن علم {من موص} يعني من الميت {جنفا} ميلا {أو إثما} يعني أو خطأ فلم يعدل {فأصلح بينهم} رد خطأه إلى الصواب {إن الله غفور} للوصي حيث أصلح بين الورثة {رحيم} به رخص له في خلاف جور وصية الميت».
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {جنفا} قال: «الجور والميل في الوصية، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟، قال: نعم، أما سمعت قول عدي بن زيد وهو يقول: وأمك يا نعمان في أخواتها * يأتين ما يأتينه جنفا».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {جنفا أو إثما} قال: «الجنف الخطأ والإثم العمد».
وأخرج سفيان بن عينية، وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {جنفا أو إثما} قال: «خطأ أو عمدا».
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله: {جنفا} قال: «حيفا».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {فمن خاف من موص} الآية، قال: «هذا حين يحضر الرجل وهو يموت فإذا أسرف أمره بالعدل وإذا قصر عن حق قالوا له: افعل كذا وكذا وأعط فلانا كذا وكذا».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {خاف من موص} الآية، قال: «من أوصى بحيف أو جار في وصية فيردها ولي الميت أو إمام من أئمة المسلمين إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه كان له ذلك».
وأخرج سفيان بن عينية وسعيد بن منصور والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: «الجنف في الوصية والأضرار فيها من الكبائر».
وأخرج أبو داود في مراسيله، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يرد من صدقة الجانف في حياته ما يرد من وصية المجنف عند موته».
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري في قوله: {فمن بدله بعد ما سمعه} قال: «بلغنا أن الرجل إذا أوصى لم تغير وصيته حتى نزلت {فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم} فرده إلى الحق»). [الدر المنثور: 2/ 168-170]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما} قال: «هو الرجل يوصي فيحيف في وصيته فيردها الولي إلى الحق والعدل»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 69]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه في قوله تعالى: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما} قال: «هو الرجل يوصي لولد ابنته»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 69]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري في قوله: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما} قال: «جنفا: خطأ أو إثما: عمدا» ). [تفسير الثوري: 56]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {فمن خاف من موصٍ جنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه إنّ الله غفورٌ رحيمٌ}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن حميدٍ، عن مجاهدٍ: «أنّه كان يقرأ: (فمن خاف من موصٍ جنفاً)».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا جويبر، عن الضّحّاك، في قوله عزّ وجلّ: {فمن خاف من موصٍ جنفًا} قال: «الحيف أو الجنف: الخطأ، والإثم: العمد».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه قال: «أن يوصي لولد ابنته، وهو يريد ابنته».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: «الجنف في الوصيّة والإضرار فيها من الكبائر».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالدٌ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «الجنف في الوصيّة والإضرار فيها من الكبائر».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «الجنف - أو الحيف - في الوصيّة، والإضرار فيها من الكبائر»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 672-674]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه إنّ الله غفورٌ رّحيمٌ}:
اختلف أهل التّأويل في تأويل هذه الآية، فقال بعضهم: تأويلها: فمن حضر مريضًا وهو يوصي عند إشرافه على الموت، فخاف أن يخطئ في وصيّته فيفعل ما ليس له أو أن يعمد جورًا فيها فيأمر بما ليس له الأمر به، فلا حرج على من حضره فسمع ذلك منه أن يصلح بينه وبين ورثته بأن يأمره بالعدل في وصيّته، وأن ينهاهم عن منعه ممّا أذن اللّه له فيه وأباحه له.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: «{فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا} فأصلح بينهم فلا إثم عليه، قال: هذا حين يحضر الرّجل وهو يموت، فإذا أسرف أمروه بالعدل، وإذا قصّر قالوا افعل كذا، أعط فلانًا كذا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا} قال: «هذا حين يحضر الرّجل وهو في الموت، فإذا أشرف على الموت أمروه بالعدل، وإذا قصّر عن حقٍّ قالوا: افعل كذا، أعط فلانًا كذا».
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن خاف من أوصياء ميّتٍ أو والي أمر المسلمين من موص جنفًا في وصيّته الّتي أوصى بها الميّت، فأصلح بين ورثته وبين الموصي لهم بما أوصى لهم به، فردّ الوصيّة إلى العدل والحقّ؛ فلا حرج عليه ولا إثم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، حدّثنا أبو صالحٍ، كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: «{فمن خاف من موص جنفًا} يعني إثمًا يقول إذا أخطأ الميّت في وصيّته، أو خاف فيها، فليس على الأولياء حرجٌ أن يردّوا خطأه إلى الصّواب».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا} قال: «هو الرّجل يوصي فيجنف في وصيّته فيردّها الوليّ إلى الحقّ والعدل».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا} وكان قتادة، يقول: «من أوصى بجورٍ، أو جنفٍ في وصيّته فردّها وليّ المتوفّى أو إمامٌ من أئمّة المسلمين».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، وابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا} فمن أوصى بوصيّةٍ بجورٍ فردّه الوصيّ إلى الحقّ بعد موته، {فلا إثم عليه}قال عبد الرّحمن في حديثه: {فأصلح بينهم} يقول: ردّه الوصيّ إلى الحقّ بعد موته فلا إثم عليه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم، {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم} قال: «ردّه إلى الحقّ».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سعيد بن مسروقٍ، عن إبراهيم، قال: «سألته عن رجلٍ أوصى بأكثر من الثّلث، قال: ارددها، ثمّ قرأ: {فمن خاف من موصٍ جنفًا أو إثمًا}».
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا خالد بن يزيد صاحب اللّؤلؤ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه} قال: «ردّه الوصيّ إلى الحقّ بعد موته فلا إثم على الوصيّ».
وقال بعضهم: بل معنى ذلك: {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا} في عطيّته عند حضور أجله بعض ورثته دون بعضٍ، فلا إثم على من أصلح بينهم، يعني بين الورثة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين،
قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ، قوله: {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا} قال: «الرّجل يجنف، أو يأثم عند موته فيعطي ورثته بعضهم دون بعضٍ، يقول اللّه: فلا إثم على المصلح بينهم فقلت لعطاءٍ: أله أن يعطي وارثه عند الموت، إنّما هي وصيّةٌ، ولا وصيّة لوارثٍ؟ قال: ذلك فيما يقسم بينهم».
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا في وصيّته لمن لا يرثه بما يرجع نفعه على من يرثه فأصلح بين ورثته فلا إثم عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، أخبرني ابن طاووسٍ، عن أبيه: «أنّه كان يقول جنفه، توليجه وتوليجه: أن يوصي الرّجل لبني ابنه ليكون المال لأبيهم، وتوصي المرأة لزوج ابنتها ليكون المال لابنتها، وذو الوارث الكثير والمال قليلٌ فيوصي بثلث ماله كلّه فيصلح بينهم الوصى إليه أو الأمير. قلت: أفي حياته، أم بعد موته؟ قال: ما سمعنا أحدًا يقول إلاّ بعد موته، وإنّه ليوعظ عند ذلك».
- حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، في قوله: {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم} قال: «هو الرّجل يوصي لولد ابنته».
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن خاف من موص لآبائه وأقربائه جنفًا على بعضهم لبعضٍ فأصلح بين الآباء والأقرباء فلا إثم عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه} أما جنفًا: فخطأٌ في وصيّته؛ وأمّا إثمًا: فعمدًا يعمد في وصيّته الظّلم، فإنّ هذا أعظم لأجره أن لا ينفذها، ولكن يصلح بينهم على ما يرى أنّه الحقّ ينقص بعضًا ويزيد بعضًا. قال: ونزلت هذه الآية في الوالدين والأقربين».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه} قال الجنف: «أن يجنف لبعضهم على بعضٍ في الوصيّة، والإثم أن يكون قد أثم في أثرته بعضهم على بعضٍ، فأصلح بينهم الموصى إليه بين الوالدين وبين الابن، والبنون هم الأقربون فلا إثم عليه، فهذا الواصى الّذي أوصي إليه بذلك وجعل إليه فرأى هذا قد جنف لهذا على هذا فأصلح بينهم فلا إثم عليه، فعجز الموصى أن يوصي كما أمره اللّه تعالى وعجز الموصى إليه أن يصلح فانتزع اللّه تعالى ذكره ذلك منه ففرض الفرائض».
وأولى الأقوال في تأويل الآية، أن يكون تأويلها: فمن خاف من موص حضرته الوفاة جنفًا، أو إثمًا وهو أن يميل إلى غير الحقّ خطأً منه أو يتعمّد إثمًا في وصيّته بأن يوصي لوالديه وأقربيه الّذين لا يرثونه بأكثر ممّا يجوز له أن يوصي لهم به من ماله، وغير ما أذن اللّه له به ممّا جاوز الثّلث، أو بالثّلث كلّه وفي المال قلّةٌ، أو في الورثة كثرةٌ، فلا بأس على من حضره أي يصلح بين الّذين يوصى لهم وبين ورثة الميّت وبين الميّت، بأن يأمر الميّت في ذلك بالمعروف، ويعرّفه ما أباح اللّه له في ذلك، وأذن له فيه من الوصيّة في ماله، وينهاه أن يجاوز في وصيّته المعروف الّذي قال اللّه تعالى ذكره في كتابه: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف} وذلك هو الإصلاح الّذي قال اللّه تعالى ذكره: {فأصلح بينهم فلا إثم عليه} وكذلك لمن كان في المال فضلٌ وكثرةٌ، وفي الورثة قلّةٌ، فأراد أن يقصر في وصيّته لوالديه وأقربيه عن ثلثه، فأصلح من حضره بينه وبين ورثته وبين والديه وأقربيه الّذين يريد أن يوصي لهم بأن يأمر المريض أن يزيد في وصيّته لهم، ويبلغ بها ما رخّص اللّه فيه من الثّلث، فذلك أيضًا هو من الإصلاح بينهم بالمعروف.
وإنّما اخترنا هذا القول لأنّ اللّه تعالى ذكره قال: {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا} يعني بذلك: فمن خاف من موص أن يجنف أو يأثم. فخوف الجنف، والإثم من الموصي إنّما هو كائنٌ قبل وقوع الجنف، والإثم، فأمّا بعد وجوده منه فلا وجه للخوف منه بأن يجنف، أو يأثم، بل تلك حال من قد جنف أو أثم، ولو كان ذلك معناه قيل: فمن تبيّن من موص جنفًا، أو إثمًا، أو أيقن أو علم ولم يقل فمن خاف منه جنفًا.
فإن أشكل ما قلنا من ذلك على بعض النّاس فقال: فما وجه الإصلاح حينئذٍ، والإصلاح إنّما يكون بين المختلفين في الشّيء؟
قيل: إنّ ذلك وإن كان من معاني الإصلاح، فمن الإصلاح بين فريقين فيما كان مخوفًا حدوث الاختلاف بينهم فيه بما يؤمن معه حدوث الاختلاف؛ لأنّ الإصلاح إنّما هو الفعل الّذي يكون معه إصلاح ذات البيّن، فسواءٌ كان ذلك الفعل الّذي يكون معه إصلاح ذات البيّن قبل وقوع الاختلاف أو بعد وقوعه.
فإن قال قائلٌ: فكيف قيل: فأصلح بينهم، ولم يجر للورثة ولا للمختلفين أو المخوف اختلافهم ذكرٌ؟
قيل: بل قد جرى ذكر اللّه الّذين أمر تعالى ذكره بالوصيّة لهم، وهم والدا الموصي وأقربوه والّذين أمروا بالوصيّة في قوله: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف} ثمّ قال تعالى ذكره: {فمن خاف من موص} لمن أمرته بالوصيّة له {جنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم} وبين من أمرته بالوصيّة له، {فلا إثم عليه} والإصلاح بينه وبينهم هو إصلاحٌ بينهم وبين ورثة الموصي.
وقد قرئ قوله: {فمن خاف من موص} بالتّخفيف في الصّاد والتّسكين في الواو وبتحريك الواو وتشديد الصّاد.
فمن قرأ ذلك بتخفيف الصّاد وتسكين الواو، فإنّما قرأه بلغة من قال: أوصيت فلانًا بكذا. ومن قرأ بتحريك الواو وتشديد الصّاد قرأه بلغة من يقول: وصيت فلانًا بكذا، وهما لغتان للعرب مشهورتان وصيّتك وأوصيتك.
وأمّا الجنف فهو الجور، والعدول عن الحقّ في كلام العرب، ومنه قول الشّاعر:



هم المولى وقد جنفوا علينا ....... وإنّا من لقائهم لزور

يقال منه: جنف الرّجل على صاحبه يجنف: إذا مال عليه وجار جنفًا.
فمعنى الكلام: من خاف من موص جنفًا له بموضع الوصيّة، وميلاً عن الصّواب فيها، وجورًا عن القصد وإثمًا بتعمّده ذلك على علمٍ منه بخطأ ما يأتي من ذلك فأصلح بينهم، فلا إثم عليه.
وبمثل الذى قلنا فى معنى الجنف والإثم قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: «{فمن خاف من موص جنفًا} يعني بالجنف: الخطأ».
- حدّثني أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، {فمن خاف من موص جنفًا} قال: «ميلاً».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاءٍ، مثله.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا خالد بن الحارث، ويزيد بن هارون، قالا: حدّثنا عبد الملك، عن عطاءٍ مثله.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، قال: «الجنف: الخطأ، والإثم: العمد».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا الزّبيريّ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاك، مثله.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا} أمّا جنفًا: فخطأٌ في وصيّته، وأمّا إثمًا: فعمدٌ، يعمد في وصيّته الظّلم».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فمن خاف من موص جنفًا} قال: «جنفًا إثمًا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، وابن أبي جعفرٍ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع: {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا} قال: «الجنف: الخطأ، والإثم: العمد».
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا خالد بن يزيد صاحب اللّؤلؤ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم: {فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا} قال: «الجنف: الخطأ، والإثم: العمد».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، {فمن خاف من موص جنفًا} قال: «خطأٌ، أو إثمًا متعمّدًا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن ابن عيينة، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، {فمن خاف من موص جنفًا} قال: «ميلاً».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {جنفًا} قال: «ميلا، والإثم: ميله لبعضٍ على بعضٍ، وكلّه يصير إلى واحدٍ كما يكون عفوًّا غفورًا، وغفورًا رحيمًا».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: «الجنف: الخطأ، والإثم: العمد».
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: حدّثنا الفضل بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، قال: «الجنف: الخطأ، والإثم العمد».
وأمّا قوله: {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} فإنّه يعني: واللّه غفورٌ رحيمٌ للموصي فيما كان حدّث به نفسه من الجنف، والإثم، إذا ترك أن يأثم، ويجنف في وصيّته، فتجاوز له عمّا كان حدّث به نفسه من الجور، إذ لم يمض ذلك فيغفل أن يؤاخذه به، رحيمٌ بالمصلح بين الموصي وبين من أراد أن يجنف عليه لغيره أو يأثم فيه له). [جامع البيان: 3/ 142-152]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {فمن خاف من موصٍ جنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (182)}:
قوله: {فمن خاف}:
وبه عن سعيد بن جبيرٍ: {فمن خاف} يقول: «فمن علم»). [تفسير القرآن العظيم: 1 301]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {من موصٍ}:
وبه عن سعيد بن جبيرٍ: «{فمن خاف من موصٍ} يعني: من الميّت».
وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 301]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {جنفا}:
الوجه الأول:

- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: «{فمن خاف من موصٍ جنفًا} يعني: إثمًا».
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن الأعمش، عن طلحة بن مصرّفٍ عن أبي عمّارٍ، عن عمرو بن شرحبيل قال: «الثّلث والرّبع، جنفٌ».
- حدثنا ابن المقري، ثنا سفيان، عن ابن طاوسٍ عن أبيه: {فمن خاف من موصٍ جنفًا} قال: «هو الرجل يوصي لولد ابنته».
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى، أنبأ عبد الملك، عن عطاءٍ في قوله: {فمن خاف من موصٍ جنفًا} قال: «جنفًا: ميلا». وروي عن سعيد بن جبيرٍ وقتادة وأبي مالكٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- أخبرني محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي، عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ، قوله: «{فمن خاف من موصٍ جنفًا} يعني بالجنف: الخطأ».
وروي عن أبي العالية ومجاهدٍ والضّحّاك والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: {فمن خاف من موصٍ جنفًا} يقول: «متعمّدًا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 301-302]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أو إثما}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: «{أو إثمًا} يعني أو خطأً فلم يعدل». وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال: «الإثم: العمد».
وروي عن مجاهدٍ والضّحّاك والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 302]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فأصلح بينهم}:
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً، أخبرني أبي عن الأوزاعي قال:
الزّهريّ، حدّثني عروة، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «يردّ من صدقة الحائف في حياته، ما يردّ من وصيّة المجنف عند موته».
قال أبي: «أخطأ الوليد بن مزيدٍ في هذا الحديث، وهذا الكلام عن عروة فقط». وقد روى هذا الحديث: الوليد بن مسلمٍ عن الأوزاعيّ، ولم يجاوز به عروة.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فأصلح بينهم} يقول:«إذا أخطأ الميّت في وصيّته أو خاف فيها، فليس على الأولياء حرجٌ أن يردّوا خطأه إلى الصّواب».
وروي عن أبي العالية وطاوسٍ والحسن وإبراهيم وسعيد بن جبيرٍ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 302-303]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فلا إثم عليه}:
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث، ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه الدّشتكيّ، أنبأ أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، في قوله: {فأصلح بينهم فلا إثم عليه} يقول: «ردّه الوصيّ إلى الحقّ بعد موته فلا إثم عليه».
وروي عن سعيد بن جبيرٍ وعطاء بن أبي رباحٍ ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 303]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: «{إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} يعني: الوصيّ حين أصلح بين الورثة رحيمٌ يعني: رحيمًا به خبيرًا به، حيث رخّص له في خلاف جور وصيّة الميّت»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 303]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: «{فمن خاف من موص جنفا أو إثما} يعني تحيفا وإثما فأسرف أمروه بالعدل وإن قصر عن حق قالوا له افعل كذا وأعط كذا وأعط فلانا كذا»). [تفسير مجاهد: 95-96]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم * فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم}:
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: «{فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه} وقد وقع أجر الموصي على الله وبرى ء من إثمه في وصيته أو حاف فيها فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب».
وأخرج ابن جرير عن قتاده في قوله: {فمن بدله} قال: «من بدل الوصيه بعد ما سمعها فإثم ما بدل عليه».
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {فمن بدله} يقول: «للأوصياء من بدل وصية الميت {فمن بدله بعد ما سمعه} يعني من بعد ما سمع من الميت فلم يمض وصيته إذا كان عدلا {فإنما إثمه} يعني إثم ذلك {على الذين يبدلونه} يعني الوصي وبرى ء منه الميت {إن الله سميع} يعني للوصية {عليم} بها {فمن خاف} يقول: فمن علم {من موص} يعني من الميت {جنفا} ميلا {أو إثما} يعني أو خطأ فلم يعدل {فأصلح بينهم} رد خطأه إلى الصواب {إن الله غفور} للوصي حيث أصلح بين الورثة {رحيم} به رخص له في خلاف جور وصية الميت».
وأخرج الطستي عن ابن عباس: «أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {جنفا} قال: الجور والميل في الوصية، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟، قال: نعم، أما سمعت قول عدي بن زيد وهو يقول: وأمك يا نعمان في أخواتها * يأتين ما يأتينه جنفا».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {جنفا أو إثما} قال: «الجنف الخطأ والإثم العمد».
وأخرج سفيان بن عينية، وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {جنفا أو إثما} قال: «خطأ أو عمدا».
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله: {جنفا} قال: «حيفا».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {فمن خاف من موص} الآية، قال: «هذا حين يحضر الرجل وهو يموت فإذا أسرف أمره بالعدل وإذا قصر عن حق قالوا له: افعل كذا وكذا وأعط فلانا كذا وكذا».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {خاف من موص} الآية، قال: «من أوصى بحيف أو جار في وصية فيردها ولي الميت أو إمام من أئمة المسلمين إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه كان له ذلك».
وأخرج سفيان بن عينية وسعيد بن منصور والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: «الجنف في الوصية والأضرار فيها من الكبائر».
وأخرج أبو داود في مراسيله، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يرد من صدقة الجانف في حياته ما يرد من وصية المجنف عند موته».
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري في قوله: {فمن بدله بعد ما سمعه} قال: «بلغنا أن الرجل إذا أوصى لم تغير وصيته حتى نزلت {فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم} فرده إلى الحق»). [الدر المنثور: 2/ 168-170] (م)


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 11:33 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كتب عليكم...}: معناه في كلّ القرآن: فرض عليكم). [معاني القرآن: 1/ 110]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {الوصيّة للوالدين والأقربين...}
كان الرجل يوصى بما أحبّ من ماله لمن شاء من وارثٍ أو غيره، فنسختها آية المواريث, فلا وصية لوارثٍ، والوصيّة في الثلث لا يجاوز، وكانوا قبل هذا يوصى بماله كلّه , وبما أحبّ منه.
و "الوصيّة" مرفوعة بـ "كتب"، وإن شئت جعلت "كتب" في مذهب , قيل: فترفع الوصية باللام في "الوالدين" كقوله تبارك وتعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين}). [معاني القرآن: 1/ 110]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين}
قال: {إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين} , فـ{الوصيّة} على الاستئناف، كأنه - والله أعلم - : {إن ترك خيراً} , فالوصية {للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً}). [معاني القرآن: 1/ 125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً}, أي: مالًا.
{الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف}, أي: يوصي لهم , ويقتصد في ذلك، لا يسرف , ولا يضر, وهذه منسوخة بالمواريث).
[تفسير غريب القرآن: 72]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقّا على المتّقين}
المعنى: وكتب عليكم إلا أن الكلام إذا طال استغنى عن العطف بالواو،
وعلم أن معناه معني الواو؛ ولأن القصة الأولى قد استتمّت, وانقضى معنى الفرض فيها،
فعلم أن المعنى : فرض عليكم القصاص , وفرض عليكم الوصية.
ومعنى{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين والأقربين}: هذا الفرض بإجماع نسخته آيات المواريث في سورة النساء وهذا مجمع عليه، ولكن لا بد من تفسيره ليعلم كيف كان وجه الحكمة فيه؛ لأن اللّه عزّ وجلّ لا يتعبد في وقت من الأوقات إلا بما فيه الحكمة البالغة,
فمعنى {كتب عليكم}: فرض عليكم - إن ترك أحدكم مالاً - الوصية {للوالدين والأقربين بالمعروف}, فرفع الوصية على ضربين:
أحدهما: على ما لم يسم فاعله، كأنه قال: كتب عليكم الوصية للوالدين، أي: فرض عليكم،
ويجوز أن تكون: رفع الوصية على الابتداء، ويجوز أن تكون للوالدين الخبر، ويكون على مذهب الحكاية؛ لأن معنى كتب عليكم : قيل لكم: الوصية للوالدين والأقربين, وإنما أمروا بالوصية في ذلك الوقت ؛ لأنهم كانوا ربما جاوزوا بدفع المال إلى البعداء طلباً للرياء والسمعة.
ومعنى{حضر أحدكم الموت}: ليس هو إنّه كتب عليه أن يوصي إذا حضره الموت؛ لأنه إذا عاين الموت يكون في شغل عن الوصية وغيرها.
ولكن المعنى: كتب عليكم أن توصّوا , وأنتم قادرون على الوصية، فيقول الرجل :إذا حضرني الموت، أي : إذا أنا مت , فلفلان كذا، على قدر - ما أمر به - , والذي أمر به أن يجتهد في العدل في وقت الإمهال، فيوصي بالمعروف كما قال اللّه عزّ وجلّ :لوالديه ولأقربيه, ومعنى بالمعروف : بالشيء الذي يعلم ذو التمييز : أنه لا جنف فيه , ولا جور، وقد قال قوم: إن المنسوخ من هذا ما نسخته المواريث, وأمر الوصية في الثلث باق، وهذا القول ليس بشيء؛ لأن إجماع المسلمين أن ثلث الرجل له , إن شاء أن يوصي بشي فله، وإن ترك فجائز , فالآية في قوله: {كتب عليكم}, الوصية منسوخة بإجماع, وكما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ: {حقّاً على المتّقين}
: نصب على حق ذلك عليكم حقاً, ولو كان في غير القرآن فرفع كان جائزاً, على معنى : ذلك حق على المتقين). [معاني القرآن: 1/ 249-251]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إن ترك خيرا}, أي: مالاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فمن بدّله بعد ما سمعه}, أي: بدل الوصية , فإثم ما بدّل عليه).
[تفسير غريب القرآن: 73]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فمن بدّله بعدما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه إنّ اللّه سميع عليم }
يعني: فمن بدل أمر الوصية بعد سماعه إيّاها، فإنما إثمه على مبدله، ليس على الموصى إذا احتاط , أو اجتهد فيمن يوصى إليه إثم، ولا على الموصى له إثم , وإنما الإثم على الموصي إن بدل.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه سميع علم}
أي: قد سمع ما قاله الموصي، وعلم ما يفعله الموصى إليه؛ لأنه عزّ وجلّ عالم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/ 251]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فمن خاف من مّوصٍ جنفاً...}
والعرب تقول: وصيّتك , وأوصيتك، وفي إحدى القراءتين: {وأوصى بها إبراهيم}, بالألف, والجنف: الجور, {فأصلح بينهم}, وإنما ذكر الموصي وحده , فإنه أنما قال "بينهم", يريد: أهل المواريث, وأهل الوصايا؛ فلذلك قال "بينهم", ولم يذكرهم؛ لأن المعنى يدلّ على أن الصلح إنما يكون في الورثة والموصى لهم). [معاني القرآن: 1/ 111]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({من موصٍ جنفاً}, أي: جوراً عن الحق، وعدولاً، قال عامر الخصفّي:

هم المولى وقد جنفوا علينا ....... وإنّا من لقائهم لزور

جنفوا: أي: جاروا، والمولى هاهنا في موضع الموالى، أي: بنى العم، كقوله: {يخرجكم طفلاً}). [مجاز القرآن: 1/ 66]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {فمن خاف من موص جنفا} من أوصيت.
[معاني القرآن لقطرب: 261]
الحسن {موص} من وصيت، جميعًا جاءتا عنه.
الأعمش {من موص} أيضًا، من وصيت). [معاني القرآن لقطرب: 262]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {فمن خاف من موص جنفا} يقال: جنف عليه يجنف جنفا؛ أي مال عليه.
وقال الأعشى:
وإذا العشيرة أعرضت سلافها = جنفين من ثغر بغير سداد
قال: ويروى حنقين.
وقال الأعشى:
ولا ترهبوا أن تجنفوا في حكومة = ولا أن يسوء في الصديق خطابها). [معاني القرآن لقطرب: 345]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( (الجنف): الجور والعدول عن الحق ومنه {غير متجانف لإثم}). [غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {الجنف}: الميل عن الحق, يقال: جنف يجنف جنفاً.
يقول: إن خاف , أي : علم من الرجل في وصيته ميلاً عن الحق، فأصلح بينه وبين الورثة، وكفّه عن الجنف؛ فلا إثم عليه، أي: على الموصي.
قال طاوس: «هو الرجل يوصي لولد ابنته , يريد: ابنته»). [تفسير غريب القرآن: 73]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه إنّ اللّه غفور رحيم}
أي: ميلاً, أو إثماً, أو قصداًلإثم,{فأصلح بينهم}, أي: عمل بالإصلاح بين الموصى لهم , فلا إثم عليه، أي: لأنه إنما يقصد إلى إصلاح بعد أن يكون الموصي قد جعل الوصية بغير المعروف مخالفاً لأمر اللّه , فإذا ردها الموصى إليه إلى المعروف، فقد ردها إلى ما أمر اللّه به).
[معاني القرآن: 1/ 251]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الجنف}: الميل عن الحق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الجَنَـــف}: الميـــل). [العمدة في غريب القرآن: 87]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 10:04 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله"للغدر": أي من أجل الغدر، وقال المفسرون والنحويون في قول الله عز وجل: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي لشديدٌ: من أجل حب الخير، والخير ههنا: المال، من قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ}.
وقوله" لشديدٌ": أي لبخيل، والتقدير والله أعلم: إنه لبخيل من أجل حبه للمال، تقول العرب: فلان شديد ومتشدد أي بخيل، قال طرفة:



أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ....... عـقـيـلـة مــــال الـفـاحــش الـمـتـشـدد

وقلما يجيء المصدر على فاعل، فمما جاء على وزن "فاعل": قولهم عوفي عافيةً، وفلج فالجًا، وقم قائمًا: أي قم قيامًا، وكما قال:


............ ولا خارجًا من في زور كلام

أي ولا يخرج خروجًا، وقد مضى تفسير هذا).[الكامل: 1/ 464] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) }


تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث عمر رحمه الله: «أنه أفطر في رمضان وهو يرى أن الشمس قد غربت ثم نظر فإذا الشمس طالعة، فقال عمر: لا نقضيه ما تجانفنا فيه لإثم».
قال: حدثناه أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عمر: قوله: «ما تجانفنا فيه لإثم، يقول: ما ملنا إليه ولا تعمدناه ونحن نعلمه، وكل مائل فهو متجانف وجنف».
ومنه قوله عز وجل: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما} قال: «ميلا» حدثناه هشيم عن عبد الملك عن عطاء.
وقال لبيد:

إنــــي امــــرؤ مـنـعــت أرومـــــة عــامـــر ....... ضيمي وقد جنفت علي خصومي

). [غريب الحديث: 4/ 210-211]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وقد جنفت عليه أجنف جنفا إذا ملت عليه قال الله جل وعز: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما} ). [إصلاح المنطق: 209]

قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

ألا درأت الخصم حين رأيتهم ....... جـنـفــا عــلــي بـألــســن وعــيـــون

(جنف) مثل (دنف).
و(جنف) للواحد والجمع.
ويروى: (جُنُفًا). و(الجَنَف) الميل، وهو المصدر والاسم، (رجل جانف) ). [شرح أشعار الهذليين: 1/ 412]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري




تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {كتب عليكم} الآية، كأن الآية متصلة بقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا} فلذلك سقطت واو العطف، وكتب معناه فرض وأثبت، وقال بعض أهل العلم: الوصية فرض، وقال قوم: كانت فرضا ونسخت، وقال فريق: هي مندوب إليها، وكتب عامل في رفع الوصيّة على المفعول الذي لم يسم فاعله في بعض التقديرات، وسقطت علامة التأنيث من كتب لطول الكلام فحسن سقوطها، وقد حكى سيبوية: «قام امرأة»، ولكن حسن ذلك إنما هو مع طول الحائل، ولا يصح عند جمهور النحاة أن تعمل الوصيّة في إذا لأنها في حكم الصلة للمصدر الذي هو الوصيّة، وقد تقدمت فلا يجوز أن يعمل فيها متقدمة، ويتجه في إعراب هذه الآية أن يكون كتب هو العامل في إذا والمعنى توجه إيجاب الله عليكم ومقتضى كتابه إذا حضر، فعبر عن توجه الإيجاب ب كتب لينتظم إلى هذا المعنى أنه مكتوب في الأزل، والوصيّة مفعول لم يسم فاعله ب كتب وجواب الشرطين إذا وإن مقدّر، يدل عليه ما تقدم من قوله كتب عليكم، كما تقول شكرت فعلك إن جئتني إذا كان كذا، ويتجه في إعرابها أن يكون التقدير: كتب عليكم الإيصاء، ويكون هذا الإيصاء المقدر الذي يدل عليه ذكر الوصية بعد هو العامل في إذا، وترتفع الوصيّة بالابتداء وفيه جواب الشرطين على نحو ما أنشد سيبويه:
من يفعل الصّالحات الله يحفظها ....... ... ... ... ...
أو يكون رفعها بالابتداء بتقدير: فعليه الوصية، أو بتقدير الفاء فقط، كأنه قيل: فالوصية للوالدين، ويتجه في إعرابها أن تكون الوصيّة مرتفعة ب كتب على المفعول الذي لم يسم فاعله، وتكون الوصيّة هي العامل في إذا، وهذا على مذهب أبي الحسن الأخفش فإنه يجيز أن يتقدم ما في الصلة الموصول بشرطين هما في هذه الآية، أحدهما أن يكون الموصول ليس بموصول محض بل يشبه الموصول، وذلك كالألف واللام حيث توصل، أو كالمصدر، وهذا في الآية مصدر وهو الوصيّة، والشرط الثاني أن يكون المتقدم ظرفا فإن في الظرف يسهل الاتساع، وإذا ظرف وهذا هو رأي أبي الحسن في قول الشاعر:
تقول وصكّت وجهها بيمينها ....... أبعلي هذا بالرّحا المتقاعس
فإنه يرى أن «بالرحا» متعلق بقوله المتقاعس، كأنه قال: أبعلي هذا المتقاعس بالرحا، وجواب الشرطين في هذا القول كما ذكرناه في القول الأول، وفي قوله تعالى إذا حضر مجاز لأن المعنى إذا تخوف وحضرت علاماته، والخير في هذه الآية المال.
واختلف موجبو الوصية في القدر الذي تجب منه، فقال الزهري وغيره: «تجب فيما قل وفيما كثر»، وقال النخعي:«تجب في خمسمائة درهم فصاعدا»، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتادة: «في ألف فصاعدا».
واختلف العلماء في هذه الآية، فقال فريق: محكمة ظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الوالدين اللذين لا يرثان كالكافرين والعبدين، وفي القرابة غير الوارثة، وقال ابن عباس والحسن وقتادة: «الآية عامة وتقرر الحكم بها برهة ونسخ منها كل من يرث بآية الفرائض»، وفي هذه العبارة يدخل قول ابن عباس والحسن وغيرهما إنه نسخ منها الوالدان وثبت الأقربون الذين لا يرثون، وبين أن آية الفرائض في سورة النساء ناسخة، لهذا الحديث المتواتر: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث».
وقال ابن عمر وابن عباس أيضا وابن زيد: «الآية كلها منسوخة وبقيت الوصية ندبا»، ونحو هذا قول مالك رحمه الله، وقال الربيع بن خثيم وغيره: «لا وصية لوارث»، وقال عروة بن ثابت للربيع بن خثيم: «أوص لي بمصحفك، فنظر الربيع إلى ولده وقرأ: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه}[الأحزاب: 6]»، ونحو هذا صنع ابن عمر رضي الله عنه.
وقال بعض أهل العلم: إن الناسخ لهذه الآية هي السنة المتواترة في الحديث المذكور قبل، وقد تقدم توجيه نسخ السنة للكتاب في تفسير قوله تعالى: {ما ننسخ من آيةٍ} [البقرة: 106].
وقال قوم من العلماء: الوصية للقرابة أولى فإن كانت لأجنبي فمعهم ولا تجوز لغيرهم مع تركهم.
وقال الناس حين مات أبو العالية: عجبا له أعتقته امرأة من رياح وأوصى بماله لبني هاشم.
وقال الشعبي: «لم يكن ذلك له ولا كرامة».
وقال طاوس: «إذا أوصى لغير قرابة ردت الوصية إلى قرابته ونقض فعله» وقاله جابر بن زيد.
وقال الحسن وجابر بن زيد أيضا وعبد الملك بن يعلى: «يبقى ثلث الوصية حيث جعلها ويرد ثلثاها إلى قرابته».
وقال مالك رحمه الله وجماعة من العلماء: «الوصية ماضية حيث جعلها الميت»، {والأقربون}: جمع أقرب، و{بالمعروف}: معناه بالقصد الذي تعرفه النفوس دون إضرار بالورثة ولا تبذير للوصية، و{حقًّا}:مصدر مؤكد، وخص المتقون بالذكر تشريفا للرتبة ليتبادر الناس إليها). [المحرر الوجيز: 1/ 428-432]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فمن بدّله بعد ما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (181) فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (182) يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون (183) أيّاماً معدوداتٍ فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدّةٌ من أيّامٍ أخر وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ فمن تطوّع خيراً فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (184)}
الضمير في بدّله عائد على الإيصاء وأمر الميت وكذلك في سمعه، ويحتمل أن يعود الذي في سمعه على أمر الله تعالى في هذه الآية، والقول الأول أسبق للناظر، لكن في ضمنه أن يكون المبدل عالما بالنهي عامدا لخلافه، والضمير في إثمه عائد على التبديل، وسميعٌ عليمٌ صفتان لا يخفى معهما شيء من جنف الموصين وتبديل المتعدين). [المحرر الوجيز: 1/ 432-433]


تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وسميعٌ عليمٌ صفتان لا يخفى معهما شيء من جنف الموصين وتبديل المتعدين، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «من موصّ» بفتح الواو وتشديد الصاد، وقرأ الباقون بسكون الواو، والجنف الميل، وقال الأعشى:
تجانف عن حجر اليمامة ناقتي ....... وما قصدت من أهلها لسوائكا
وقال عامر الرامي الحضرمي المحاربي:
هم المولى وقد جنفوا علينا ....... وإنّا من عدواتهم لزور
ومعنى الآية على ما قال مجاهد: «من خشي أن يحيف الموصي ويقطع ميراث طائفة ويتعمد الإذاية أو يأتيها دون تعمد وذلك هو الجنف دون إثم وإذا تعمد فهو الجنف في إثم»، فالمعنى: من وعظه في ذلك ورده عنه فصلح بذلك ما بينه وبين ورثته وما بين الورثة في ذاتهم فلا إثم عليه، إنّ اللّه غفورٌ عن الموصي إذا عملت فيه الموعظة ورجع عما أراد من الإذاية رحيمٌ به.
وقال ابن عباس رضي الله عنه وقتادة والربيع: «معنى الآية: من خاف أي علم ورأى وأتى علمه عليه بعد موت الموصي أن الموصي خلف وجنف وتعمد إذاية بعض ورثته فأصلح ما وقع بين الورثة من الاضطراب والشقاق فلا إثم عليه، أي لا يلحقه إثم المبدل المذكور قبل وإن كان في فعله تبديل ما ولا بد، لكنه تبديل لمصلحة، والتبديل الذي فيه الإثم إنما هو تبديل الهوى». وقرأ عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «فلا ثم عليه» بحذف الألف). [المحرر الوجيز: 1/ 433-434]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقًّا على المتّقين (180) فمن بدّله بعدما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (181) فمن خاف من موصٍ جنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (182)}
اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصيّة للوالدين والأقربين. وقد كان ذلك واجبًا -على أصحّ القولين -قبل نزول آية المواريث، فلمّا نزلت آية الفرائض نسخت هذه، وصارت المواريث المقدّرة فريضةً من اللّه، يأخذها أهلوها حتمًا من غير وصيّةٍ ولا تحمل منّة الموصي، ولهذا جاء الحديث في السّنن وغيرها عن عمرو بن خارجة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب وهو يقول: «إن اللّه قد أعطى كلّ ذي حقٍّ حقّه، فلا وصيّة لوارثٍ».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية، عن يونس بن عبيدٍ، عن محمّد بن سيرين، قال: «جلس ابن عبّاسٍ فقرأ سورة البقرة حتّى أتى على هذه الآية: {إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} فقال: نسخت هذه الآية».
وكذا رواه سعيد بن منصورٍ، عن هشيمٍ، عن يونس، به. ورواه الحاكم في مستدركه وقال: صحيحٌ على شرطهما.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: «كان لا يرث مع الوالدين غيرهما إلّا وصيّةً للأقربين، فأنزل اللّه آية الميراث فبيّن ميراث الوالدين، وأقرّ وصيّة الأقربين في ثلث مال الميّت».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، أخبرنا ابن جريجٍ، وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {الوصيّة للوالدين والأقربين} نسختها هذه الآية: {للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثر نصيبًا مفروضًا} [النّساء: 7].
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن ابن عمر وأبي موسى، وسعيد بن المسيّب، والحسن، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وسعيد بن جبير، ومحمّد بن سيرين، وعكرمة، وزيد بن أسلم، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، والسّدّيّ، ومقاتل بن حيّان، وطاوسٍ، وإبراهيم النّخعي، وشريح، والضّحّاك، والزّهريّ: «أنّ هذه الآية منسوخةٌ نسختها آية الميراث».
والعجب من أبي عبد اللّه محمّد بن عمر الرّازيّ -رحمه اللّه -كيف حكى في تفسيره الكبير عن أبي مسلمٍ الأصفهانيّ أنّ هذه الآية غير منسوخةٍ، وإنّما هي مفسرة بآية المواريث، ومعناه: كتب عليكم ما أوصى اللّه به من توريث الوالدين والأقربين. من قوله: {يوصيكم اللّه في أولادكم} [النّساء: 11] قال: وهو قول أكثر المفسّرين والمعتبرين من الفقهاء. قال: «ومنهم من قال: إنّها منسوخةٌ فيمن يرث، ثابتةٌ فيمن لا يرث»، وهو مذهب ابن عبّاسٍ، والحسن، ومسروقٍ، وطاوسٍ، والضّحّاك، ومسلم بن يسار، والعلاء بن زيادٍ.
قلت: وبه قال أيضًا سعيد بن جبير، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، ومقاتل بن حيّان. ولكن على قول هؤلاء لا يسمّى هذا نسخًا في اصطلاحنا المتأخّر؛ لأنّ آية الميراث إنّما رفعت حكم بعض أفراد ما دلّ عليه عموم آية الوصاية، لأنّ {الأقربين} أعمّ ممّن يرث ومن لا يرث، فرفع حكم من يرث بما عيّن له، وبقي الآخر على ما دلّت عليه الآية الأولى. وهذا إنّما يتأتّى على قول بعضهم: أنّ الوصاية في ابتداء الإسلام إنّما كانت ندبًا حتّى نسخت. فأمّا من يقول: إنّها كانت واجبة وهو الظاهر من سياق الآية -فيتعيّن أن تكون منسوخةً بآية الميراث، كما قاله أكثر المفسّرين والمعتبرين من الفقهاء؛ فإنّ وجوب الوصيّة للوالدين والأقربين الوارثين منسوخٌ بالإجماع. بل منهيٌّ عنه للحديث المتقدّم: «إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقٍّ حقّه فلا وصيّة لوارثٍ». فآية الميراث حكمٌ مستقلٌّ، ووجوبٌ من عند اللّه لأهل الفروض وللعصبات، رفع بها حكم هذه بالكلّيّة. بقي الأقارب الّذين لا ميراث لهم، يستحبّ له أن يوصى لهم من الثّلث، استئناسًا بآية الوصيّة وشمولها، ولما ثبت في الصّحيحين، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما حقّ امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ يوصي فيه، يبيت ليلتين إلّا ووصيّته مكتوبةٌ عنده». قال ابن عمر: «ما مرّت عليّ ليلةً منذ سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول ذلك إلّا وعندي وصيّتي».
والآيات والأحاديث بالأمر ببرّ الأقارب والإحسان إليهم، كثيرةٌ جدًّا.
وقال عبد بن حميدٍ في مسنده: أخبرنا عبيد اللّه، عن مبارك بن حسّان، عن نافعٍ قال: قال عبد اللّه: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: [يقول اللّه تعالى: يا ابن آدم، ثنتان لم يكن لك واحدةٌ منهما: جعلت لك نصيبًا في مالك حين أخذت بكظمك؛ لأطهّرك به وأزكّيك، وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك].
وقوله: {إن ترك خيرًا} أي: مالًا. قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعطاءٌ، وسعيد بن جبير، وأبو العالية، وعطية العوفي، والضّحّاك، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، ومقاتل بن حيّان، وقتادة، وغيرهم.
ثمّ منهم من قال: الوصيّة مشروعةٌ سواءٌ قلّ المال أو كثر كالوراثة ومنهم من قال: إنّما يوصي إذا ترك مالًا جزيلًا ثمّ اختلفوا في مقداره، فقال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقريّ، أخبرنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال:« قيل لعليٍّ، رضي اللّه عنه: إنّ رجلًا من قريشٍ قد مات، وترك ثلاثمائة دينارٍ أو أربعمائةٍ ولم يوص». قال: «ليس بشيءٍ، إنّما قال اللّه: {إن ترك خيرًا}».
قال: وحدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، حدّثنا عبدة -يعني ابن سليمان -عن هشام بن عروة، عن أبيه: «أنّ عليًّا دخل على رجلٍ من قومه يعوده، فقال له: «أوصي؟» فقال له عليٌّ: «إنّما قال اللّه تعالى: {إن ترك خيرًا الوصيّة} إنّما تركت شيئًا يسيرًا، فاتركه لولدك».
وقال الحكم بن أبان: حدّثني عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {إن ترك خيرًا} قال ابن عبّاسٍ: «من لم يترك ستّين دينارًا لم يترك خيرًا»، قال الحكم: قال طاوسٌ: لم يترك خيرًا من لم يترك ثمانين دينارًا. وقال قتادة: «كان يقال: ألفًا فما فوقها».
وقوله: {بالمعروف} أي: بالرّفق والإحسان، كما قال ابن أبي حاتم: حدّثنا الحسن بن أحمد، حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن يسارٍ،حدّثني سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، قوله: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت} فقال: «نعم، الوصيّة حقٌّ، على كلّ مسلمٍ أن يوصي إذا حضره الموت بالمعروف غير المنكر».
والمراد بالمعروف: أن يوصي لأقربيه وصيّةً لا تجحف بورثته، من غير إسرافٍ ولا تقتيرٍ، كما ثبت في الصّحيحين أنّ سعدًا قال: «يا رسول اللّه، إنّ لي مالًا ولا يرثني إلّا ابنةٌ لي، أفأوصي بثلثي مالي؟ قال: «لا» قال: فبالشّطر؟ قال: «لا» قال: فالثّلث ؟ قال: «الثّلث، والثّلث كثيرٌ؛ إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكفّفون النّاس».
وفي صحيح البخاريّ: أنّ ابن عبّاسٍ قال: «لو أنّ النّاس غضوا من الثّلث إلى الرّبع فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الثّلث، والثّلث كثيرٌ».
وروى الإمام أحمد، عن أبي سعيدٍ مولى بني هاشمٍ، عن ذيّال بن عبيد بن حنظلة، سمعت حنظلة بن حذيم بن حنيفة: أنّ جدّه حنيفة أوصى ليتيمٍ في حجره بمائةٍ من الإبل، فشقّ ذلك على بنيه، فارتفعوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال حنيفة: إنّي أوصيت ليتيمٍ لي بمائةٍ من الإبل، كنّا نسمّيها المطيّبة. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا لا لا. الصّدقة: خمسٌ، وإلّا فعشر، وإلّا فخمس عشرة، وإلّا فعشرون، وإلّا فخمسٌ وعشرون، وإلّا فثلاثون، وإلّا فخمسٌ وثلاثون، فإن أكثرت فأربعون».
وذكر الحديث بطوله). [تفسير ابن كثير: 1/ 492-495]


تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فمن بدّله بعدما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه} يقول تعالى: فمن بدّل الوصيّة وحرّفها، فغيّر حكمها وزاد فيها أو نقص -ويدخل في ذلك الكتمان لها بطريق الأولى - {فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه} قال ابن عبّاسٍ وغير واحدٍ: «وقد وقع أجر الميّت على اللّه، وتعلّق الإثم بالّذين بدّلوا ذلك»، {إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ} أي: قد اطّلع على ما أوصى به الميّت، وهو عليمٌ بذلك، وبما بدّله الموصى إليهم). [تفسير ابن كثير: 1/ 495]


تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فمن خاف من موصٍ جنفًا أو إثمًا} قال ابن عبّاسٍ، وأبو العالية، ومجاهدٌ، والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ: «الجنف: الخطأ». وهذا يشمل أنواع الخطأ كلّها، بأن زاد وارثًا بواسطةٍ أو وسيلةٍ، كما إذا أوصى ببيعه الشيء الفلانيّ محاباةً، أو أوصى لابن ابنته ليزيدها، أو نحو ذلك من الوسائل، إمّا مخطئًا غير عامدٍ، بل بطبعه وقوّة شفقته من غير تبصّرٍ، أو متعمّدًا آثمًا في ذلك، فللوصيّ -والحالة هذه -أن يصلح القضيّة ويعدل في الوصيّة على الوجه الشّرعيّ. ويعدل عن الذي أوصى به الميّت إلى ما هو أقرب الأشياء إليه وأشبه الأمور به جمعًا بين مقصود الموصي والطّريق الشّرعيّ. وهذا الإصلاح والتّوفيق ليس من التّبديل في شيءٍ. ولهذا عطف هذا -فبيّنه -على النّهي لذلك، ليعلم أنّ هذا ليس من ذلك بسبيلٍ، واللّه أعلم.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا العبّاس بن الوليد بن مزيد، قراءةً، أخبرني أبي، عن الأوزاعيّ، قال الزّهريّ: حدّثني عروة، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه قال: «يردّ من صدقة الحائف في حياته ما يردّ من وصيّة المجنف عند موته».
وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه، من حديث العبّاس بن الوليد، به.
قال ابن أبي حاتمٍ: «وقد أخطأ فيه الوليد بن مزيدٍ». وهذا الكلام إنّما هو عن عروة فقط. وقد رواه الوليد بن مسلمٍ، عن الأوزاعيّ، فلم يجاوز به عروة.
وقال ابن مردويه أيضًا: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن يوسف، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الحيف في الوصيّة من الكبائر».
وهذا في رفعه أيضًا نظرٌ. وأحسن ما ورد في هذا الباب ما قال عبد الرّزّاق:حدّثنا معمر، عن أشعث بن عبد اللّه، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشرّ عمله، فيدخل النّار، وإنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل في وصيّته، فيختم له بخير عمله، فيدخل الجنة». قال أبو هريرة: «اقرؤوا إن شئتم: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها} [البقرة: 229] ). [تفسير ابن كثير: 1/ 495-496]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة