سورة الصافات
[ من الآية (123) إلى الآية (132) ]
{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)}
قوله تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (123)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {وإن إلياس لمن المرسلين} [123].
قرأ ابن عامر وحده برواية ابن ذكوان {وإن الياس} بوصل الألف.
والباقون بالقطع، وهو الاختيار، لأن الألف في أول الأسماء الأعجمية لا تكون إلا مقطوعة نحو إسرائيل وإبراهيم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/249]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن عامر وحده: وإن الياس [الصافّات/ 123] بغير همزة.
وقرأ الباقون: بالهمز.
وقرأ نافع وابن عامر: سلام على آل ياسين [الصافات/ 130].
وقرأ الباقون: سلام على إلياسين مكسورة الألف ساكنة اللام.
[الحجة للقراء السبعة: 6/59]
قول ابن عامر يحتمل وجهين:
احدهما: أن يكون حذف الهمزة من الياس* حذفا كما حذفها ابن كثير من قوله: إنها لحدى الكبر [المدّثر/ 35]. ألا ترى أن ياء ليا* بمنزلة لإحدى والمنفصل قد ينزّل منزلة المتّصل في كثير من الأمر.
والآخر: أن تكون الهمزة التي تصحب اللّام للتعريف كقوله:
واليسع [الأنعام/ 86، ص/ 48].
وأمّا قول من أثبت الهمزة مكسورة فيقويه قول من قال: سلام على آل ياسين، فهذا يدلّ على أن الهمزة ثابتة في إلياس ثبوتها في قوله: وإن إدريس لمن المرسلين [الصافّات/ 123] وفي بعض الحروف: سلام على إدراسين [الصافّات/ 130] ويقوّي ثبات الهمزة في إلياس أنّ هذا ليس بموضع تحذف فيه الهمزة، إنّما هو موضع تجعل فيه بين بين في التخفيف، كما يخفّف: سئم، وبئس، وإذ قال إبراهيم [البقرة/ 260].
وأمّا قراءة نافع وابن عامر: سلام على آل ياسين فحجّتهما أنّهم زعموا أنّها في المصحف مفصولة من ياسين، ولو كانت الألف واللّام التي للتعريف لوصلت في الخط ولم تفصل، ففي فصل ذلك في الكتاب دلالة على آل* الذي تصغيره أهيل، وليس بلام التعريف التي تصحبها الهمزة الموصولة.
[الحجة للقراء السبعة: 6/60]
وأمّا من قرأ سلام على إلياسين فهو جمع، معنى واحدة الإضافة بالياء. مثل: تميمي وبكري، والقول فيه أنّه لا يخلو من أن يراد بهذا الجمع الذي على حدّ: مسلم ومسلمون، وزيد وزيدون، أو الذي واحدة يراد به النسب، فمن البيّن أنّه لا يجوز أن يكون على حدّ: مسلم ومسلمون لأنّه ليس كلّ واحد منهم اسمه إلياس، وإنّما إلياس اسم نبيّهم، وإذا لم يكن على هذا علم أنّه على معنى إرادة النسب بالياء، إلّا أنّ الياءين حذفتا في جمع الاسم على التصحيح، كما حذف ياءً النسب والتكسير، وذلك نحو: المسامعة، والمهالبة، والمناذرة، فإنّما هذا على أن كلّ واحد منهم مسمعيّ ومهلّبي فحذف في التكسير الياءات كما حذف في التصحيح. ومما يدلّ على ذلك قولهم: فارسي وفرس، وليس الفرس جمع فارس، إنّما هو جمع فارسيّ، حذفت منه ياء النّسب ثم جمع الاسم بعد على حدّ: باذل، ولذلك جمع على حدّ الصّفة، وليس اسم الآحاد المجموعة فارس، ولكنّه فارسي، قال:
طافت به الفرس حتى بذّ ناهضها ومما يدلّ على أنّ جمع التصحيح على تقدير إرادة النصب به في المعنى وإن حذف الحرف في اللفظ قولهم: الأعجمون. ألا ترى أنّه ليس يخلو من أن يكون المجموع: أعجم أو أعجمي؟ فلا يجوز أن يكون المجموع بالياء والنون الأعجم، لأنّ هذا الضرب من الآحاد التي هي صفات لا تجمع بالواو والنون، كما أنّ مؤنثه لا يجمع بالألف
[الحجة للقراء السبعة: 6/61]
والتاء، لا يقال في الأحمر الأحمرون، فإذا لم يجز ذلك علم أنّه إنّما جمع على الأعجمي، وإذا قامت الدلالة من هذا على أنّ المجموع لا يكون الأعجم علمت أنّه الأعجمي، وعلى هذا قالوا: النميرون والهبيرات، إنّما هو الهبريّات، ويدلّ أيضا على أنّ المراد بجمع التصحيح هو ما فيه ياء الإضافة، فحذفتا منه قولهم: مقتوون. ألا ترى أنّه لولا إرادة الياء التي للنسب لم يجمع هذا الجمع؟ ولاعتلّت الواو التي هي لام من: القتوة، وانقلبت كما انقلبت في نحو هذا ممّا جاء على مفعل فثبات الواو في هذا دلالة على أنّ إرادة الياء التي للإضافة كما كان الجمع في الأعجمين دلالة على إرادة النسب، فمن ثمّ جاز:
الأعجمون، وجاز: مقتوون، والتكسير في هذا النحو كالتصحيح، وكذلك قوله: سلام على إلياسين [الصافّات/ 130] تقديره إرادة ياءي النسب، كما أنّ الأعجمون كذلك، والتقدير: إلياسيّين، فحذف كما حذف من سائر هذه الكلم التي يراد بها الصّفة، ومما يثبت ذلك قوله:
وإن إدريس لمن المرسلين [الصافّات/ 123] سلام على إدراسين [الصافّات/ 130]، فكما جاء إدراسين، والمراد به إدراسين كذلك المراد بإلياسين، فإن قلت: فكيف قال: إدراسين، وإنّما الواحد إدريس، والمجموع إدريسين في المعنى ليس بإدراس ولا إدراسيّ؟
فإن ذلك يجوز أن يكون كإبراهيم، وإبراهام، اختلاف لغة في الاسم، ومثل ذلك قوله:
قدني من نصر الخبيبين قدي
وأراد عبد الله ومن كان على رأيه، وكذلك إدراسين من كان من
[الحجة للقراء السبعة: 6/62]
شيعته وأهل دينه، والمعنى يدلّك على إرادة ياء النسب، وقال بعضهم: يجوز أن يكون إلياس وإلياسين كقوله: ميكال وميكائيل، وليس كذلك لأنّ ميكال وميكائيل لغتان في اسم واحد، وليس أحدهما مفردا والآخر جمعا كإدريس، وإدراسين وإلياسين، وزعموا أن إلياسين قراءة أهل البصرة والكوفة). [الحجة للقراء السبعة: 6/63]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن وعكرمة -بخلاف- والحسن -بخلاف- وأبي رجاء: [وَإِنَّ الْيَاسَ]، بغير همز. [سَلامٌ عَلَى الْيَاسِينَ]، بغير همز.
قال أبو الفتح: أما [الياسَ] موصول الألف فإن الاسم منه "يَاسٌ"، بمنزلة باب ودار، ثم لحقه لام التعريف، فصار "الياس"، بمنزلة الباب والدار.
و"الْيَاسِين" على هذا كأنه على إرادة ياء النسب، كأنه الياسيِّين، كما حكى عنهم صاحب الكتاب: الأشْعَرُون والنُّمَيْرُون، يريد الأشعرِيِّين والنُّمَيْرِيِّين. ورُوينا عن قطرب عنهم: هؤلاء زيدون, منسوبون إلى زيد بغير ياء النسبة. وقال أبو عمرو: هلك اليَزِيدُون، يريد ثلاثةً يزيديِّين.
وقد يجوز أن يكون جعل كل واحد من أهل "الياس" ياسًا، فقال: "الياسِين"، كقوله:
قَدْنِيَ مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبِينَ قَدِي
يريد أبا خبيب وأصحابه، كأنه جعل كل واحد منهم خُبَيْبًا. ونحو منه قولهم: شابَتْ مَفَارِقُه، جعل كل جزء من مفرقِه مفرقًا، ثم جمعه على ذلك. وكذلك: امرأةٌ واضحةُ اللبّات، جعل كل جزء يجاور اللبة لبة. وقال:
يُطِفْنَ بِجَمَّاءِ المَرَافِقِ مِكسال
[المحتسب: 2/223]
جمع مرفقيها بما حولها، ومثله ما رويناه عن أبي علي من قوله:
مَرَّتْ بِنا أوَّلَ مِن أُمُوسِ ... تَمِيسُ لِينا مِشْيَةَ الْعَرُوسِ
فسَمَّى كل جزء من أمسِ أمسًا، ثم جمع عليه. ويشهد لوصل ألف الياس قوله:
أُمَّهَتِي خِنْدِفُ وَالْيَاسُ أَبِي
وتكون لام التعريف هنا -بمنزلتها في اليسع- زائدة؛ لأن الاسم علم وليس بصفة، فيجري مجرى العباس والحارث. قال أبو عثمان: سألت الأصمعي عن قول الشاعر:
وَلَقَدْ جَنيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعَساقِلا ... وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَن بَناتِ الأَوْبَرِ
فقال: الألف واللام هنا زيادة. ولذلك نظائر كثيرة، ولو قيل: إنها لحقت هنا لأنه مصدر، فَشُبِّهَ بالصفة، كالعلاء والفضل لكان وجها). [المحتسب: 2/224] (م)
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود ويحيى والأعمش، والمنهال بن عمرو والحكم بن عتيبة: [وإنَّ إِدْرِيس]، [سَلامٌ عَلَى إِدْرَاسِينَ].
[المحتسب: 2/224]
قال أبو الفتح: روينا عن قطرب عن ابن مسعود: [وإنَّ إدْرَاسَ]، و[سَلامٌ عَلَى إدْراسِينَ]: قال: وجاء عنه: [إِدْرَسِينَ]، وكذلك عن قتادة. وقال: وفي بعض القراءة: [إِدْرِيسِينَ].
قال أبو الفتح: أما ما رواه ابن مجاهد عن ابن مسعود من [إدْرِيسَ] و[إدْرَاسِينَ] فيجب أن يكون من تحريف العرب الكلمَ الأعجمي لأنه ليس من لغتها، فَتُقِلُّ الحَفْل به، وقد ذكرنا مثله.
وقياسه سلام على إدْرِيسِينَ، كما حكاه قطرب، إلا أنه حكاه: [وإن إدْرِيسِينَ]، كما ترى.
وأما ما رواه قطرب من [إدْرَاسَ] و[إدْرَاسِينَ] فجمع الصحة، كالياس والياسين. ولو كان جمع تكسير لقال: سلام على الأَدَارِيس، كقولك في قرطاس: قَرَاطِيس، لكنه جمع صحة للتذكير، كالزيدين والقاسمين.
فأما [إِدْرِسِين] فيشبه أن يكون أراد [إِدْرَاسِينَ]، إلا أنه استطال الاسم، وجَفَتْ عليه أيضا عجمته؛ فحذف الألف تخفيفا. وإذا كانوا قد حذفوها للتخفيف من نفس كلامهم وسِرّ لغتهم في قولهم في اصْفَارَّ، واحْمَارَّ، واسْوَادَّ، وابْياضَّ: اصْفَرَّ، واحمَرَّ، واسوَدَّ، وابيضَّ، فهم بحذف هذه الألف فيما ليس من لغتهم، ولا ينصرف إليه محاماتهم عنه أجدر بجواز ذلك فيه. نعم، وقد يمكن مع هذا أن تكون هذه الألف في نحو احْمَارَّ واسْوَادَّ إنما حذفت لالتقاء الساكنين، كما زيد في مدها في أكثر اللغة لالتقائهما، وكما همزت في نحو قولهم:
إذَا مَا العَوَالِي بالْعَبِيطِ احْمَأَرَّتِ
فتارة يُسْتَرْوَح من اجتماعها إلى إطالةِ المدّ، وأُخرى إلى الحذف، وأُخرى إلى الهمز، وكل هذا تَفَادٍ من التقاء الساكنين.
وحكى أبو حاتم عن أُبَيّ: [وإن إِيلِيسَ]، و[على إِيلِيسِينَ].
[المحتسب: 2/225]
قال: وقال خارجة: بلغنا أن اسمه كان إيليسَ، وإدريس). [المحتسب: 2/226] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن إلياس لمن المرسلين}
قرأ ابن عامر {وإن إلياس} بغير همز قال الفراء من قرأ
[حجة القراءات: 609]
{وإن إلياس} بوصل الألف جعل اسمه ياسا ثمّ أدخل عله الألف واللّام للتعريف
وقرأ الباقون {وإن إلياس} بالهمز جعلوا أول الاسم على هذه القراءة الألف كأنّه من نفس الكلمة تقول {إلياس} كما تقول إسحاق وإبراهيم وحجته قوله بعدها {سلام على إل ياسين} ). [حجة القراءات: 610]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {وَإِنَّ الْيَاسَ} [آية/ 123] بوصل الألف غير مهموزةٍ:
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أنه يجوز أن تكون الكلمة إلياس على مثال إكرامٍ، ثم حُذفت المزة حذفًا كما حذفها ابن كثير من قوله {وإِنَّهَا لَحْدَى الْكُبَرِ}.
[الموضح: 1092]
ويجوز أن تكون الكلمة ياسا فدخلته الألف واللام، على حد ما دخلت في اليسع، وقد سبق ذكره.
وقرأ الباقون {وَإِنَّ إِلْيَاسَ} بقطع الألف وكسرها.
والوجه أنه هو الأصل في هذه الكلمة، والهمزة ثابتة فيها ثبوتها في نحو إدريس وإدراس، فإذا صح أن الأصل في الكلمة ثبوت الهمزة كان حذفها ضعيفًا؛ لأن تخفيفها ههنا إنما يكون بجعلها بين بين، نحو: {وَإِذْ قَالَ} لا بحذفها، فحذفها إذًا غير منقاسٍ). [الموضح: 1093]
قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124)}
قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)}
قوله تعالى: {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (اللّه ربّكم وربّ آبائكم الأوّلين (126)
قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم (اللّه ربّكم وربّ آبائكم) رفعا كله.
وقرأ الباقون ((اللّه ربّكم وربّ آبائكم) بالنصب.
قال أبو منصور: من قرأ بالرفع فهو على الاستئناف، كأنه قال: هو اللّه ربّكم.
ومن نصب ردّه على قوله: (وتذرون أحسن الخالقين (125) اللّه ربّكم) على صفة (أحسن) ). [معاني القراءات وعللها: 2/321]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {الله ربكم ورب ءابائكم الأولين} [126].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: {الله} بالنصب بدلاً من قوله: {وتذرون أحسن الخالقين} [125] لأن {أحسن} مفعول {تذرون} واسم الله تعالى بدل منه إذ كان هو هو، لأن أحسن الخالقين هو {الله ربكم} عطف عليه، {ورب ءابآئكم}، وذلك أن الله عز وجل وبخهم وجهلهم حين عبدوا ما نحتوه بأيديهم، وهو البعل، فقال: {أتدعون بعلا} أي: صنمًا، {وتذرون أحسن الخالقين} أي: تذرون ربكم ورب آبائكم، لأنهم قالوا: {بل وجدنا ءابآءنا كذلك يفعلون} والبعل: أربعة أشياء؛ البعل: الزوج والبعل: السماء، تقول العرب: السماء بعل الأرض، والبعل من النخل، ما شرب بعروقه من غير سقى السماء. والبعل: الصنم.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/251]
وقرأ الباقون: {الله ربكم ورب ءابآؤكم} بالرفع عن الاستئناف، كما قال الشارع:
فإن لها جارين لن يغدرا بها = ربيب النبي وابن خير الخلائف
فاستأنف فرفع {ربيب} على معنى هما ربيب وابن، وكذلك: {أحسن الخالقين الله}، أي: هو الله تعالى، وخلائف: جمع خليفة، وخليف بغير هاء يجمع خلفاء مثل كريم وكرماء، ويقال للرجل: هذا خليفة على المعنى، ويجوز هذه خليفة على اللفظ والتأنيث، قال الشاعر:
أبوك خليفة ولدته أخرى = وأنت خليفة ذاك الكمال
وقال أوس بن حجر – وأتي باللغتين-:
إن من القوم موجودًا خليفته = وما خليف أبي وهب بموجود
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/252]
وقيل لأبي بكر الصديق رضوان الله عليه: يا خليفة رسول الله، فقال: لست خليفته، ولكن خالفته، والخالف: المستقي والخلف: الاستقا، والخوالف: النساء المغيبات، والخليفة من الإبل: الحامل، وربما قالوا: الخلف للحمل، قال الراجز:
مالك ترغين ولا ترغو الخلف
وتجزعين والمطي معترف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/253]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في النصب والرفع من قوله عزّ وجلّ: الله ربكم ورب آبائكم الأولين [الصافّات/ 126].
فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم الله ربكم ورب آبائكم نصبا.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: الله ربكم ورب آباؤكم رفعا.
حجّة من قرأ: الله بالنصب أن يكون الكلام فيه من وجه واحد وهو يدلّ على معنى الرفع، والمعنى: لم تعبدون ما لا ينفع ولا يضر، وتذرون عبادة أحسن الخالقين.
ومن رفع استأنف، وحسن الاستئناف لتمام الكلام الأوّل، والمعنى: الله ربكم وربّ آبائكم الأولين، أي: خالقكم ورازقكم فهو الذي تحقّ له العبادة دون من لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عن أحد شيئا). [الحجة للقراء السبعة: 6/63]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين * الله ربكم ورب آبائكم الأوّلين} 125 و126
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {الله ربكم ورب آبائكم} بفتح الهاء والباء على البدل المعنى وتذرون الله ربكم و{ربكم} صفة لله و{الله} نصب على البدل
وقرأ الباقون {الله ربكم ورب} بالرّفع على الابتداء والخبر وحسن الابتداء به لتمام الكلام الأول). [حجة القراءات: 610]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (18- قوله: {الله ربكم ورب آبائكم} قرأه حفص وحمزة والكسائي بنصب الثلاثة الأسماء، أبدل اسم الله جل ذكره من «أحسن»، ونُصب «ربكم» على النعت لـ «الله»، وعُطف عليه {ورب آبائكم}.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/228]
وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف، على الابتداء، والخبر «ربكم»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/229]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {الله رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ} [آية/ 126] بالنصب:
قرأها حمزة والكسائي وعاصم –ص- ويعقوب.
والوجه أن نصب قوله {الله} على البدل من قوله {أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}، و{أَحْسَنَ} منصوب بتذرون على أنه مفعول به، و{رَبَّكُمْ} منصوبٌ على أنه صفة {اللهَ}، و{وَرَبَّ آَبَائِكُمُ} معطوفٌ عليه، والكلام على هذا من وجهٍ واحدٍ؛ لأن هذه الكلم جميعًا محمولةٌ على {أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} كأنه قال تذرون أحسن الخالقين الله الموصوف بهذه الصفات.
وقرأ الباقون {الله رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ} بالرفع فيهما.
[الموضح: 1093]
والوجه أنه على الاستئناف، وقوله {الله} مبتدأ و{رَبُّكُمْ} خبره.
ويجوز أن يكون على حذف المبتدأ، والتقدير: هو الله ربكم، وإنما حسن الاستئناف؛ لأن الكلام الذي قبله قد تم). [الموضح: 1094]
قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127)}
قوله تعالى: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128)}
قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129)}
قوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (سلامٌ على آل ياسين (130)
قرأ نافع وابن عامر (سلامٌ على آل ياسين) بهمزة مفتوحة ممدودة، واللام مكسورة.
وقرأ الباقون (سلامٌ على إل ياسين) مكسورة الهمزة، ساكنة اللام.
قال أبو منصور: من قرأ (سلائم على آل ياسين) جعل (آل) اسمًا، و(ياسين) مضافا إليه.
وآل الرجل: أتباعه.
وقيل: آله: أهله.
ومن قرأ (سلامٌ على إل ياسين) فهو جمع إلياسٍ، ومعناه: إلياس وأمته المؤمنون.
وهذا كقولك: رأيت المحمدين، تريد: محمدًا وأمته.
وكان في الأصل: المحمديين. فخففت ياء النسبة، كما يقال: رأيت الأشعرين، تريد: الأشعريين.
قال أبو منصور: فيه وجه آخر، يجوز أن يكون اسم إلياس بلغتين: إلياس، وإلياسين. كما قالوا: ميكال، وميكائيل، وقد قيل: إلياس هو: إدريس.
وقد قرأ بعض القراء (سلام على إدراسين)، كأنها لغة في إدريس.
[معاني القراءات وعللها: 2/322]
وروى عن ابن مسعود أنه قرأ: (وإن إدريس لمن المرسلين) ). [معاني القراءات وعللها: 2/323]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- قوله [تعالى]: {سلام على إلياسين} [130].
بقطع الألف دلالة على قطعها هنا، واتفاق الجميع. وقوله تعالى: {سلام على إلياسين} قرأ نافع وابن عامر {سلام على آل ياسين}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/249]
كأنه آل محمد كما قيل في: ياسين، يا محمد يا رجل. وآل محمد: كل من آل إليه بقرابة أو بحسب.
وقال آخرون: آل محمد كل من كان على دينه. كما قال: {أدخلوا ءال فرعون} وأجمع النحويون على أن آل أصله أهل فقلبوا الهاء همزة، وجعلوها مدة، لئلا يجتمع ساكنان، كما قال، والدليل على ذلك: أنك إذا صغرت آل قلت: أهيل، ولا يجوز أويل، ردوا إلى الأصل، لا إلى اللفظ، وكذلك تفعل العرب بأكثر المصغرات أن يردوه إلى أصله، ولا يبقي على لفظه. وربما ترك كقولك في تصغير عيد: عييد، ولم يقولوا: عويد، وأصله الواو، كما قالوا في جمعه: أعياد، ولم يقولوا أعواد، لئلا يشته بتصغير عود وجمعه، فاعرفه فإنه حسن جدًا.
على أن الكسائي قد حكي تارة على الأصل، وتارة على اللفظ أويلا وأهيلا.
وقرأ الباقون: {سلام على إلياسين} بكسر الألف وإلياس وإن كان جمعًا في اللفظ فإنه واحد، وهو إدريس النبي صلى الله عليه وسلم.
واحتج من قرأ بهذه القراءة أن في حرف ابن مسعود: {سالم على إدراسين} {وإن إدريس لمن المرسلين} فقال الحذاق من النحويين: إن المعروف اسم النبي صلى الله عليه وسلم إدريس، وإلياسين وإنما جمع فقيل: إدراسين وإلياسين؛ لأنه أريد النبي ومن معه من أهل دينه، كما يقال المسامعة والمهالبة: يريدون
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/250]
مسمعا ومهلبا ومن معهما، قال الشاعر:
قدني من نصر الخبيين قدي
قال: أراد أبا خبيب، وهو ابن الزبير ومن تابعه فجمع على ذلك. هذا قول أحمد بن يحيي. وقال محمد بن يزيد: (من نصر الخبيبين) على لفظ الاثنين أراد: ابني الزبير كما قال: سنة العمرين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/251]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن وعكرمة -بخلاف- والحسن -بخلاف- وأبي رجاء: [وَإِنَّ الْيَاسَ]، بغير همز. [سَلامٌ عَلَى الْيَاسِينَ]، بغير همز.
قال أبو الفتح: أما [الياسَ] موصول الألف فإن الاسم منه "يَاسٌ"، بمنزلة باب ودار، ثم لحقه لام التعريف، فصار "الياس"، بمنزلة الباب والدار.
و"الْيَاسِين" على هذا كأنه على إرادة ياء النسب، كأنه الياسيِّين، كما حكى عنهم صاحب الكتاب: الأشْعَرُون والنُّمَيْرُون، يريد الأشعرِيِّين والنُّمَيْرِيِّين. ورُوينا عن قطرب عنهم: هؤلاء زيدون, منسوبون إلى زيد بغير ياء النسبة. وقال أبو عمرو: هلك اليَزِيدُون، يريد ثلاثةً يزيديِّين.
وقد يجوز أن يكون جعل كل واحد من أهل "الياس" ياسًا، فقال: "الياسِين"، كقوله:
قَدْنِيَ مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبِينَ قَدِي
يريد أبا خبيب وأصحابه، كأنه جعل كل واحد منهم خُبَيْبًا. ونحو منه قولهم: شابَتْ مَفَارِقُه، جعل كل جزء من مفرقِه مفرقًا، ثم جمعه على ذلك. وكذلك: امرأةٌ واضحةُ اللبّات، جعل كل جزء يجاور اللبة لبة. وقال:
يُطِفْنَ بِجَمَّاءِ المَرَافِقِ مِكسال
[المحتسب: 2/223]
جمع مرفقيها بما حولها، ومثله ما رويناه عن أبي علي من قوله:
مَرَّتْ بِنا أوَّلَ مِن أُمُوسِ ... تَمِيسُ لِينا مِشْيَةَ الْعَرُوسِ
فسَمَّى كل جزء من أمسِ أمسًا، ثم جمع عليه. ويشهد لوصل ألف الياس قوله:
أُمَّهَتِي خِنْدِفُ وَالْيَاسُ أَبِي
وتكون لام التعريف هنا -بمنزلتها في اليسع- زائدة؛ لأن الاسم علم وليس بصفة، فيجري مجرى العباس والحارث. قال أبو عثمان: سألت الأصمعي عن قول الشاعر:
وَلَقَدْ جَنيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعَساقِلا ... وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَن بَناتِ الأَوْبَرِ
فقال: الألف واللام هنا زيادة. ولذلك نظائر كثيرة، ولو قيل: إنها لحقت هنا لأنه مصدر، فَشُبِّهَ بالصفة، كالعلاء والفضل لكان وجها). [المحتسب: 2/224] (م)
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود ويحيى والأعمش، والمنهال بن عمرو والحكم بن عتيبة: [وإنَّ إِدْرِيس]، [سَلامٌ عَلَى إِدْرَاسِينَ].
[المحتسب: 2/224]
قال أبو الفتح: روينا عن قطرب عن ابن مسعود: [وإنَّ إدْرَاسَ]، و[سَلامٌ عَلَى إدْراسِينَ]: قال: وجاء عنه: [إِدْرَسِينَ]، وكذلك عن قتادة. وقال: وفي بعض القراءة: [إِدْرِيسِينَ].
قال أبو الفتح: أما ما رواه ابن مجاهد عن ابن مسعود من [إدْرِيسَ] و[إدْرَاسِينَ] فيجب أن يكون من تحريف العرب الكلمَ الأعجمي لأنه ليس من لغتها، فَتُقِلُّ الحَفْل به، وقد ذكرنا مثله.
وقياسه سلام على إدْرِيسِينَ، كما حكاه قطرب، إلا أنه حكاه: [وإن إدْرِيسِينَ]، كما ترى.
وأما ما رواه قطرب من [إدْرَاسَ] و[إدْرَاسِينَ] فجمع الصحة، كالياس والياسين. ولو كان جمع تكسير لقال: سلام على الأَدَارِيس، كقولك في قرطاس: قَرَاطِيس، لكنه جمع صحة للتذكير، كالزيدين والقاسمين.
فأما [إِدْرِسِين] فيشبه أن يكون أراد [إِدْرَاسِينَ]، إلا أنه استطال الاسم، وجَفَتْ عليه أيضا عجمته؛ فحذف الألف تخفيفا. وإذا كانوا قد حذفوها للتخفيف من نفس كلامهم وسِرّ لغتهم في قولهم في اصْفَارَّ، واحْمَارَّ، واسْوَادَّ، وابْياضَّ: اصْفَرَّ، واحمَرَّ، واسوَدَّ، وابيضَّ، فهم بحذف هذه الألف فيما ليس من لغتهم، ولا ينصرف إليه محاماتهم عنه أجدر بجواز ذلك فيه. نعم، وقد يمكن مع هذا أن تكون هذه الألف في نحو احْمَارَّ واسْوَادَّ إنما حذفت لالتقاء الساكنين، كما زيد في مدها في أكثر اللغة لالتقائهما، وكما همزت في نحو قولهم:
إذَا مَا العَوَالِي بالْعَبِيطِ احْمَأَرَّتِ
فتارة يُسْتَرْوَح من اجتماعها إلى إطالةِ المدّ، وأُخرى إلى الحذف، وأُخرى إلى الهمز، وكل هذا تَفَادٍ من التقاء الساكنين.
وحكى أبو حاتم عن أُبَيّ: [وإن إِيلِيسَ]، و[على إِيلِيسِينَ].
[المحتسب: 2/225]
قال: وقال خارجة: بلغنا أن اسمه كان إيليسَ، وإدريس). [المحتسب: 2/226] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({سلام على إل ياسين} 130
قرأ نافع وابن عامر {سلام على إل ياسين} بفتح الألف وكسر اللّام قال ابن عبّاس {سلام على إل ياسين} أي على آل محمّد صلى الله عليه وآله كما قيل في ياسين يا محمّد وآل محمّد صلى الله عليه كل من آل إليه بحسب أو بقرابة وقال قوم آل محمّد
[حجة القراءات: 610]
كل من كان على دينه ومثله كما قال {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} يريد من كان على دينه وقال صلى الله عليه
آل محمّد كل تقيّ وأجمع النحويون على أن الآل أصله أهل فقلبوا الهاء همزة وجعلوها مدّة لئلّا تجتمع همزتان
وقرأ الباقون (سلام على إلياسين) بكسر الألف ساكنة اللّام قال الفراء إن شئت ذهبت ب إلياسين إلى أن تجعله جمعا فتجعل أصحابه داخلين في اسمه كما تقول لقوم رئيسهم المهلب جاءتكم المهالبة والمهلبون تريد المهلب ومن معه كما تقول رأيت المحمدين تريد محمّدًا وأمته صلى الله عليه وسلم قال الشّاعر:
قدني من نصر الخبيبين قدي
هكذا رواه ثعلب أراد أبا خبيب وهو ابن الزبير ومن تابعه فجمع على ذلك وفيها وجه آخر يكون لغتين إلياس وإلياسين كما قالوا ميكال وميكائيل وجبريل وجبرئيل وحجّة هذه القراءة أنه ذكره في صدر لآية فقال في آخر الآية {سلام على إل ياسين} كما ذكر نوحًا في صدر الآية ثمّ قال في آخر القصّة {سلام على نوح} وكذلك إبراهيم وموسى وهارون إنّما قال في آخر قصصهم سلام على فلان). [حجة القراءات: 611]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {إل ياسين} قرأه نافع وابن عامر بالمد في {إل} وفتح الهمزة وكسر اللام، وقرأ الباقون بغير مد، وإسكان اللام، وكسر الهمزة.
وحجة من مده وفتح الهمزة أنه لما رآها في المصحف منفصلة من {ياسين} استدل على أن {إل} كلمة و{ياسين} كلمة، أضيف {إل} إلى {ياسين}، فـ {ياسين} اسم أضيف إليه {إل} فهو اسم نبي، فسلم على أهله لأجله، فهو داخل في السلام أي: من أجله سلم على أهله، وأهله أهل دينه، ومن اتبعه، ومن آمن به، وكذلك آل محمد صلى الله عليه وسلم.
17- وحجة من كسر الهمزة ولم يمد أنه جعله اسمًا واحدًا، جمعا منسوبًا إلى «إلياس» فيكون «السلام» واقعًا على من نسب إلى «إلياس» النبي عليه السلام، والسلام في القراءة الأولى واقع على النبي المرسل إليهم، الذي اسمه «ياسين» و«إلياس وإلياسين» بمعنى، تأتي الأسماء الأعجمية بلفظين وأكثر، ومنه قوله: {من طور سيناء} «المؤمنون 20»، وقال: {طور
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/227]
سينين} «التين 2» فهو كما قال: {ميكال} «البقرة 98» و{ميكائيل} فكان الأصل «سلام على إلياسين» فجمع المنسوب إلى «إلياس» بالياء والنون، فوقع السلام على من نُسب إليه من أمته المؤمنين، وهذه الياء تحذف كثيرًا من النسب في الجمع المسلم والمكسر، ولذلك قالوا: المهالبة والمسامعة، وأحدهم مِسمَعي ومُهَلَّبي، وقالوا: الأعجمون والنُميرون، والواحد أعجمي ونُميري، فحذفت ياء النسب في الجمعين استخفافًا، لثقل الياء وثقل الجمع، فكذلك «إلياسين» في قراءة من كسر الهمزة، إنما هو على النسب، وحذفت الياء من الجمع، على ما ذكرنا، ولو لم يكن ذلك على النسب لكان كل واحد من أمة النبي اسمه إلياس، وليس كذلك، إنما «إلياس» اسم نبيهم فنسبوا إليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/228]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {سَلَامٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ} [آية/ 130] بفتح الألف ومدّها، مجرورة اللام، منفصلةً من {يَاسِينَ}.
قرأها نافع وابن عامر ويعقوب.
والوجه أنه آلٌ الذ هو بمعنى أهلٍ أُضيف إلى ياسين، كما يقال آل إبراهيم وآل محمد صلى الله عليهما، ويدل على ذلك أن {آلَ} في المصحف مفصولٌ من ياسين، ولو كانت الألف واللام للتعريف لوُصِلَت في الخط، وكذلك لو كانت الهمزة من الكلمة وكانت الكلمة على وزن إكرام لكانت موصولةً أيضًا.
وقرأ الباقون {إِلْيَاسِينَ} بكسر الألف نحو علياسين كلمةً واحدةً.
والوجه أنه جمع سلامةٍ، في واحده ياء النسب، وواحده إلياسيُّ، فجاء جمعه على إلياسين بحذف ياء النسب، كما قيل الأشعرون والمقتوُون والأعجمون، والواحد: أشعريٌّ ومقتويٌّ وأعجمي، فحُذف ياء النسب في الجمع، ألا ترى أنه ليس كل واحدٍ منهم اسمه إلياس، وقد جاء مثل هذا أعني حذف ياء النسب أيضًا في جمع التكسير، نحو المسامعة والمهالبة
[الموضح: 1094]
والمناذرة، والواحد منهم مسمعيٌّ ومهلبيٌّ ومنذريٌّ، فأُزيلت الياءات في الجمع). [الموضح: 1095]
قوله تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131)}
قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)}