قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((يخرجون الرسول وإياكم) [1] حسن غير تام لأن قوله: (أن تؤمنوا بالله ربكم) متعلق بالأول كأنه قال: يخرجون الرسول لأن لا تؤمنوا بالله ربكم. ويجوز أن يكون المعنى «يخرجون الرسول وإياكم لإيمانكم». والوقف على (أن تؤمنوا بالله ربكم) حسن غير تام لأن قوله: (إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي) متعلق بالأول كأنه قال: لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيل. (وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم) حسن.
(إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء) [2] حسن. (ودوا لو تكفرو) تام.
ومثله: (لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم) [3]، (يوم القيامة يفصل بينكم).
[إيضاح الوقف والابتداء: 2/932]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (قال نصير بن يوسف ومحمد بن عيسى: الوقف على قوله: {أولياء} كاف وقال القتبي: {بالمودة} تام. وقال نافع ويعقوب والقتبي: {وإياكم} تام. وقال أبو حاتم: هو وقف بيان. وقال ابن الأنباري: هو حسن. وكذلك هو عندي، وليس بتام ولا كاف لأن ما بعده متعلق به، والمعنى: يخرجون الرسول ويخرجونكم لأن لا تؤمنوا، أي كراهة أن تؤمنوا.
{وما أعلنتم} كاف. ومثله {وألسنتهم بالسوء}. {لو تكفرون} تام.
وقال ابن عبد الرزاق: {ولا أولادكم} تام يجعل العامل في الظرف (يفصل بينكم) وهو قول أحمد بن موسى وأبي حاتم. ومثله {يفصل بينكم} والآية أتم).[المكتفى: 563-564]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم
{من الحق- 1- ج} لأن {يخرجون} مستأنف أو حال.
{بالله ربكم- 1- ط}.
{بالمودة- 1- ز} الثانية قد قيل، [والوصل أولى] لأن قوله: {وأنا أعلم} بالحال أليق.
{أعلنتم- 1- ط} {تكفرون- 2- ط} {أولادكم- 3- ج} لأن قوله: {يوم} قد يتعلق بقوله: {لن تنفعكم}، وقد يتعلق بقوله: {يفصل}.
{يوم القيامة- 3- ج} لما ذكر أن قوله: {يفصل} متعلق بقوله: {يوم}، أو مستأنف. {بينكم- 3- ط}).[علل الوقوف: 3/1011-1012]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (أولياء (تام) عند يحيى بن نصير النحوي على استئناف ما بعده وليس بوقف إن جعل تلقون نعت أولياء أو مفعولاً ثانيًا لتتخذوا أو حالاً من فاعل تتخذوا أي لا تتخذوا ملقين المودة وكذا إن جعل تلقون تفسير لاتخاذهم أولياء لأنَّ تفسير الشيء لاحق به ومتمم له قال الزمخشري فإن قلت إذا جعلت تلقون صفة لأولياء فقد جرى على غير من هوله فأين الضمير البارز وهو قولك تلقون إليهم أنتم قلت ذاك إنَّما اشترطوه في الأسماء دون الأفعال وتلقون فعل أي واعترض أبو حيان كون تلقون صفة أو حالاً بأنَّهما قيدان وهم قد نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقًا قال تعالى لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء والقيد بالحال والوصف يوهم جواز اتخاذهم أولياء إذا انتفى القيدان قال تلميذه السمين ولا يلزم ما قال لأنَّه معلوم من القواعد الشرعية فلا مفهوم لهما البتة وعلى أن تلقون مستأنف لا وقف من تلقون إلى تسرون إليهم بالمودة لاتصال الكلام بعضه ببعض فلا يوقف على بالمودة الأولى لأنَّ وقد كفروا جملة حالية وذوا لحال الضمير في تلقون أي توادونهم وهذه حالتهم ولا على من الحق ولا على الرسول ولا على إياكم لأنَّه معطوف على الرسول أي يخرجون الرسول ويخرجونكم وأيضًا قوله أن تؤمنوا بالله مفعول يخرجون ومنهم من جعل إن كنتم خرجتم جهادًا شرطًا جوابه ما قبله كأنَّه قال يا أيها الذين آمنوا إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء
تسرون إليهم بالمودة (حسن)
وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم (تام) للابتداء بالشرط
سواء السبيل (كاف) ومثله وألسنتهم بالسوء على استئناف ما بعده
لو تكفرون (تام) ومثله ولا أولادكم إن جعل يوم القيامة ظرفًا للفصل وليس بوقف إن علق بتنفعكم وحينئذ لا يوقف على بينكم بل على يوم القيامة إذ يصير ظرفًا لما قبله فكأنَّه قال لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم في هذا اليوم
بصير (تام)).[منار الهدى: 389-390]
- أقوال المفسرين