العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:24 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (82) إلى الآية (86) ]

{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86)}


قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (82)}

قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)}

قوله تعالى: {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)}

قوله تعالى: {فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ (85)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:29 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (87) إلى الآية (89) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)}

قوله تعالى: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)}

قوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بما عقّدتم الأيمان... (89)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص ويعقوب (عقّدتم) مشددة، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (عقدتم) خفيفة، وقرأ ابن عامر (عاقدتم) بالألف.
[معاني القراءات وعللها: 1/337]
قال أبو منصور: من قرأ (عقّدتم) بالتشديد فمعناه: وكدتم، قاله أبو عبيد، وقيل لنافع: ما التوكيد؟ قال: أن يحلف على الشيء مرارًا.
والتشديد في الفعل يستعمل إذا تكرر، كقولك: قتّل القوم.
ومن قرأ (عاقدتم) فهو مؤاخٍ لـ (عقّدتم)، كقولك: صاعر خده وصعّره، وعلى الرجل على البعير وعالى عليه، وله نظائر كثيرة، ومن قرأ (عقدتم) فإن أبا عبيد قال: كان الكسائي يقرأ بالتخفيف (عقدتم)، وتفسيره: أوجبتم). [معاني القراءات وعللها: 1/338]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {بما عقدتم الأيمان} [89].
قرأ ابن عامر وحده برواية ابن ذكوان {عاقدتم} بألف أي: تحالفتم، فعل من اثنين.
وقرأ أهل الكوفة غير حفص {عقدتم} مخففًا فيكون مغرمًا عليه ومؤكدًا.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع: {عقدتم} أي: أكدتم، وقد مرَّ تفسير هذا في (سورة النساء) فأغنى عن الإعادة، وكذلك قوله: {قيامًا للناس} وقد مرت العلل في أول (النساء).
سنخبر عن القراءة هاهنا. فقرأ ابن عامر وحده {قيما}.
والباقون {قيامًا} والياء مبدلة من واو والأصل: قوامًا مثل ثوب وثياب وسوط وسياط). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/149]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد القاف وتخفيفها وإدخال الألف وإخراجها من قوله [عزّ وجل] عقدتم الأيمان [المائدة/ 89].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: بما عقدتم بغير ألف مشدّدة القاف.
وكذلك روى حفص عن عاصم.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: بما عقدتم بغير ألف خفيفة. وكذلك قرأ حمزة والكسائي. وقرأ ابن عامر عاقدتم بألف.
قالوا: أعقدت العسل، فهو معقد وعقيد. وأخبرنا أبو إسحاق أنّ بعضهم قال: عقدت العسل، قال: والكلام أعقدت.
من قال: عقدتم فشدد القاف احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون لتكثير الفعل لقوله: ولكن يؤاخذكم فخاطب الكثرة فهذا مثل: غلقت الأبواب [يوسف/ 23] والآخر: أن يكون عقّد مثل ضعّف، لا يراد به التكثير، كما أن ضاعف لا يراد به فعل من اثنين.
[الحجة للقراء السبعة: 3/251]
ومن قال: عقدتم فخفف جاز أن يراد به الكثير من الفعل والقليل، إلّا أن فعّل يختص بالكثير، كما أن الرّكبة تختصّ بالحال التي يكون عليها الركوب. وقالوا: عقدت الحبل والعهد، واليمين: عهد، ألا ترى أن عاهدت يتلقّى بما يتلقّى به القسم قال:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم وأما قراءة ابن عامر بما عاقدتم الأيمان فيحتمل ضربين:
أحدهما: أن يكون عاقدتم يراد به عقدتم، كما أن عافاه الله وعاقبت اللصّ، وطارقت النعل بمنزلة فعلت، فتكون قراءته في المعنى على هذا كقراءة من خفف. ويحتمل أن يراد بعاقدتم:
فاعلت. الذي يقتضي فاعلين فصاعدا، كأنه يؤاخذكم بما عاقدتم عليه اليمين. ولما كان عاقد في المعنى قريبا من عاهد عدّي بعلى كما يعدّى عاهد بها، قال: ومن أوفى بما عاهد عليه الله [الفتح/ 10] ونظير ذلك في تعديته بالجار لما كان
[الحجة للقراء السبعة: 3/252]
بمعنى ما يتعدّى به قولهم: ناديت، قالوا: ناديت زيدا، وناديناه من جانب الطور [مريم/ 52]، وقال: وإذا ناديتم إلى الصلاة [المائدة/ 58] فعدّي بالجار لما كان بمعنى ما يتعدّى بالجار، وهو دعوت تقول: دعوته إلى كذا، وقال: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله [فصلت/ 33] فكما عدّي نادى لمّا كان في معنى دعا بالجار، كذلك عدّي عاقد- لمّا كان بمعنى عاهد- به واتسع فيه، وحذف الجار فوصل الفعل إلى المفعول، ثمّ حذف من الصلة الضمير الذي كان يعود إلى الموصول، كما حذف من قوله: فاصدع بما تؤمر [الحجر/ 94] ومثل حذف الجار هنا حذفه من قول الشاعر:
كأنّه واضح الأقراب في لقح... أسمى بهنّ وعزّته الأناصيل
إنّما هو عزت عليه، فاتّسع فيه، فالتقدير: يؤاخذكم بالذي عاقدتم عليه، ثمّ عاقدتموه الأيمان فحذف الراجع. ويجوز أن يجعل ما التي مع الفعل بمنزلة المصدر فيمن قرأ عقدتم وعقدتم، ولا يقتضي راجعا، كما لا تقتضيه في نحو قوله تعالى: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [البقرة/ 10]
[الحجة للقراء السبعة: 3/253]
وقوله: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون [الأعراف/ 51] والكفارة في الأيمان إنّما أوجبت بالتنزيل فيما عقد عليه دون اليمين التي لم يعقد عليها. يدل على ذلك قوله: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته [المائدة/ 89] أي: كفارة ما عقدتم عليه، والمعقود عليه ما كان موقوفا على الحنث، والبرّ، دون ما لم يكن كذلك). [الحجة للقراء السبعة: 3/254]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة جعفر بن محمد: [مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهَالِيكُمْ].
قال أبو الفتح: يقال أَهل وأَهْلَة، قال:
وأَهْلةِ وُدٍّ قد تَبَرَّيْتُ ودَّهم ... وأبليتهم في الحمد جهدي ونائلي
[المحتسب: 1/217]
فأما أهالٍ فكقولهم: ليالٍ؛ كأن واحدها أهلاة وليلاة، وقد مر بنا تصديقًا لقول سيبويه: فإن واحده في التقدير ليلاة -ما أنشده ابن الأعرابي من قوله:
في كل يوم ما وكل ليلاهْ ... حتى يقول من رآه إذ رآهْ
يا ويحه من جمل ما أَشقاهْ
ومن ذهب إلى أن "أهالٍ" جمع أهلون فقد أساء المذهب؛ لأن هذا الجمع لم يأتِ فيه تكسير قط، قل الشنفرى:
ولي دونكم أهلون سِيد عملَّسٌ ... وأرقط زهلول وعرفاء جيئل
ونحو من ذلك أرض وأراضٍ، القول فيهما واحد، ويقال: أرض وأرَضُون وأَرْضون، بفتح الراء وتسكينها أيضًا. قال كعب بن معدان الأشقري:
لقد ضجت الأَرْضون إذ قام من بنى ... هَداد خطيبٌ فوق أعواد منبر
وحكى أبو زيد فيه: أَرَض، وقيل: آراض. وأسكن الياء من أهاليكم في موضع النصب تشبيهًا لها بالألف، وقد سبق مثل ذلك). [المحتسب: 1/218]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير ومحمد بن السميفغ: [أو كإِسْوتِهِم] من الإِسْوة.
قال أبو الفتح: كأنه -والله أعلم- قال: أو كما يكفي مثلهم، فهو على حذف المضاف، أو ككفاية إسوتهم، وإن شئت جعلت الإسوة هي الكفاية ولم تحتج إلى حذف المضاف). [المحتسب: 1/218]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر {بما عقدتم} بتخفيف القاف أي أوجبتم
وقرأ الباقون {عقدتم} بالتّشديد وحجتهم ذكرها أبو عمرو فقال عقدتم أي وكدتم وتصديقها قوله {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} والتوكيد هو ضد اللّغو في اليمين واللغو ما لم يكن باعتقاد وأخرى وهي جمع الأيمان فكأنهم أسندوا الفعل إلى كل حالف عقد على نفسه يمينا والتّشديد يراد به كثرة الفعل وتردده من فاعليه أجمعين فصار التكرير لا لواحد فحسن حينئذٍ التّشديد
وحجّة التّخفيف أن الكفّارة تلزم الحانث إذا عقد يمينا بحلف مرّة واحدة كما يلزم بحلف مرّات كثيرة إذا كان ذلك على الشّيء الواحد ولأن باب فعلت يراد به رددت الفعل مرّة بعد مرّة وإذا شددت القاف سبق إلى وهم السّامع أن الكفّارة لا تجب على الحانث العاقد على نفسه يمينا بحلف مرّة واحدة حتّى يكرر الحلف وهذا خلاف حميع الأمة فإذا خففت دفع الإشكال
[حجة القراءات: 234]
وقرأ ابن عامر (بما عاقدتم) بالألف أي تحالفتم فعل من اثنين). [حجة القراءات: 235]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (31- قوله: {عقدتم الأيمان} قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي بالتخفيف، وقرأ ابن ذكوان بألف بعد العين مخففا، وقرأ الباقن مشددا، من غير ألف.
وحجة من شدد أنه أراد تكثير الفعل على معنى: عقد بعد عقد، أو يكون أراد تكثير العاقدين للأيمان، بدلالة قوله: {ولكن يؤاخذكم} فخاطب جماعة، أو يكون شدد لوقوع لفظ الأيمان بالجمع بعده، فكأنه عقد يمين بعد عقد يمين، فالتشديد يدل على كثرة الأيمان، ولو كان بعده اليمين بالتوحيد لكان حجة للتخفيف.
32- وحجة من خففه أنه أراد به عقد مرة واحدة؛ لأن من حلف مرة واحدة لزمه البر أو الكفارة، وليست الكفارة لا تلزم إلا من كرر الأيمان، فيحتاج ضرورة إلى التشديد، والتشديد للتكثير، وتكرير الأيمان يوهمان الكفارة، لا تلزم إلا من كرر اليمين، وإذا لزمت الكفارة في اليمين الواحدة كانت في الأيمان المكررة على شيء بعينه ألزم وآكد، فالتخفيف فيه إلزام الكفارة، وإن لم يكرر، وفيه رفع للإشكال، فالتشديد فيه إلزام الحالفين الكفارة على عددهم، وفيه إيهام ترك الكفارة عمن لم يكرر اليمين، فالقراءتان حسنتان، وكان التشديد أحب إلي؛ لأن أكثر القراء عليه، وعليه أهل الحرمين.
33- وحجة من قرأ بألف أنه جعل «فاعل» يُراد به المرة الواحدة، فعل الواحد كعافاه الله، فيكون في المعنى بمنزلة قراءة من خفف بغير ألف، ويجوز أن يُراد به اثنان فأكثر، على باب فاعلين، فتكون اليمين من كل واحد من الحالفين المتعاهدين، المعنى على هذا القول أن تكون اليمين من كل واحد للآخر، على أمر عقدوه، وعلى القراءة الأولى أن تكون اليمين من واحد على فعل يفعله، أو على ترك فعل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/417]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {عَاقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [آية/ 89]:-
بالألف، قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أن {عَاقَّدْتُمُ} ههنا يجوز أن يكون بمعنى عقدتم كعاقبت الرجل وطارقت النعل وعافاه الله.
ويجوز أن يكون {عَاقَّدْتُمُ} من فاعل الذي يقتضي فاعلين، فيكون المعاقد هو اليمين، كأنه قال: يواخذكم بما عقدتم عليه اليمين.
[الموضح: 449]
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم -ش {عَقَّدْتُمُ} مخففة، بغير ألف ووجهه أن فعل بالتخفيف يجوز أن يراد به القليل من الفعل والكثير منه، وفعل بالتشديد يختص الكثير، فمن قرأ بالتخفيف يجوز أن تتضمن قراءه معني قراءة من قرأ بالتشديد.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو و ص- عن عاصم ويعقوب {عَقَّدْتُمُ} بالتشديد.
والوجه أن عقد بالتشديد يراد به تكثير الفعل، فيختص بالكثرة، فالأولى إذا أريد الكثرة أن يستعمل اللفظ المخصوص بها.
ويجوز أن يكون عقد بالتشديد مثل ضعف لا يراد به التكثير، كما أن ضاعف لا يراد به الفعل من اثنين، إلا أن الأصل هو ما قدمناه). [الموضح: 450]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:30 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (90) إلى الآية (93) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)}

قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91)}

قوله تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (92)}

قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:34 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (94) إلى الآية (96) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فجزاءٌ مثل ما قتل من النّعم... (95)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (فجزاء مثل ما) مضافا، وقرأ الباقون (فجزاءٌ مثل ما) منونًا.
قال أبو منصور: أما من قرأ (فجزاء مثل) فعلى الإضافة والمضاف إليه مكسور، ومن قرأ (فجزاءٌ مثل ما) جعل (مثل) نعتًا للجزاء، والمعنى: فعليه جزاءٌ مثل ما قتل من النّعم). [معاني القراءات وعللها: 1/338]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أو كفّارةٌ طعام مساكين... (95)
قرأ نافع وابن عامر (أو كفّارة طعام مساكين) بالإضافة.
وقرأ الباقون (أو كفّارةٌ طعام) بالتنوين ورفع الطعام.
قال أبو منصور: من لم ينون (كفارة) فلإضافتها إلى طعام، ومن نون (كفّارةٌ) وقرأ (طعام مساكين) فطعام ترجمة عن قوله (كفّارةٌ) وتأويله: أن المحرم إذا أصاب صيدا فإنه يسأل فقيهين عددين عن جراء ما أصاب، أي: قتل من الصيد، فإن كان كالإبل حكما عليه بها هديًا بالغ الكعبة، وإن كان كالشاء حكما عليه بمثل ذلك، وإن كانت القيمة لا تبلغ، نظرًا، فقدرا قيمة ذلك وأطعم بثمن ذلك المساكين لكل مسكين مدّان، أو صام بعدل ذلك على ما توجبه السّنة). [معاني القراءات وعللها: 1/339]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أو عدل ذلك صيامًا... (95).
قرأ ابن عامر فيما ذكر النقاش (أو عدل ذلك) بكسر العين، وقرأ الباقون (أو عدل ذلك).
قال الفراء: العدل بالفتح: ما عادل الشيء من غير جنسه، وأما العدل فهو المثل: يقال: عندي عدل غلامك، وعدل شاتك، إذا كانت شاة تعدل شاة، أو غلاما يعدل غلاما، فإذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت العدل، وكذلك اتفق أكثر القراء على فتح العين.
[معاني القراءات وعللها: 1/340]
قال الزجاج: العدل والعدل واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/341]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {فجزاء مثل ما قتل} [95].
قرأ أهل الكوفة {فجزاء} بالتنوين {مثل} بالرفع. وقرأ الباقون مضافًا. فمن نون جعله رفعًا بالابتداء، وجعل المثل خبره.
والكوفيون يقولون رفعًا بالصفة، والبصريون بالابتداء، ومن أضاف فمعناه: جزاء مثل المقتول). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/149]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله: {أو كفرة طعام مسكين} [95].
قرأ نافع وابن عامر {كفرة طعام مساكين} مضافًا.
وقرأ الباقون منونًا، ورفعوا الطعام؛ لأن الطعام هي الكفارة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/149]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الإضافة والتنوين في قوله تعالى: فجزاء مثل ما قتل [المائدة/ 95].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: فجزاء مثل ما مضافة بخفض مثل.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: فجزاء مثل جزاء منون، ومثل مرفوع.
حجّة من رفع المثل أنه صفة للجزاء، والمعنى: فعليه جزاء من النّعم مماثل المقتول، والتقدير: فعليه جزاء وفاء للّازم له، أو: فالواجب عليه جزاء من النعم مماثل ما قتل من الصيد، ف من النعم على هذه القراءة صفة للنّكرة، والتي هي جزاء وفيه
[الحجة للقراء السبعة: 3/254]
ذكره، ويكون مثل صفة للجزاء، لأنّ المعنى عليه جزاء مماثل للمقتول من الصيد من النعم. والمماثلة في القيمة أو الخلقة على حسب اختلاف الفقهاء في ذلك، ولا ينبغي إضافة جزاء إلى المثل، ألا ترى أنّه ليس عليه جزاء مثل ما قتل في الحقيقة. إنّما عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله، ولا جزاء عليه لمثل المقتول الذي لم يقتله، فإذا كان ذلك كذلك، علمت أنّ الجزاء لا ينبغي أن يضاف إلى المثل، لأنّه يوجب جزاء المثل، والموجب جزاء المقتول من الصيد، لا جزاء مثله الذي ليس بمقتول. ولا يجوز أن يكون قوله: من النعم على هذه القراءة متعلّقا بالمصدر كما جاز أن يكون الجار متعلقا به في قوله: جزاء سيئة بمثلها [يونس/ 27]، لأنك قد وصفت الموصول، فإذا وصفته لم يجز أن تعلّق به بعد الوصف شيئا، كما أنّك إذا عطفت عليه أو أكّدته لم يجز أن تعلّق به شيئا بعد العطف عليه، والتأكيد له.
وأما قراءة من أضاف الجزاء إلى المثل، فإنّ قوله: من النعم يكون صفة للجزاء، كما كان في قول من نوّن ولم يضف صفة له. ويجوز فيه وجه آخر لا يجوز في قول من نوّن ووصف، وهو أن يقدره متعلّقا بالمصدر، ولا يجوز على هذا القول أن يكون
[الحجة للقراء السبعة: 3/255]
فيه ذكر كما تضمّن الذكر لمّا كان صفة، وإنّما جاز تعلّقه بالمصدر على قول من أضاف لأنّك لم تصف الموصول كما وصفته في قول من نوّن، فيمتنع تعلّقه به، والدليل على أن المثل منفصل مما أضيف إليه، وأن المضاف إليه لا يقع عليه المثل في المعنى قول دريد بن الصمّة:
وقاك الله يا ابنة آل عمرو... من الأزواج أمثالي ونفسي
وقالت إنّه شيخ كبير... وهل نبّأتها أنّي ابن أمس
ألا ترى أنّ نفسه لو دخلت في جملة قوله: أمثالي، لم يحتج أن يقول: نفسي.
وأما من أضاف الجزاء إلى مثل، فقال: فجزاء مثل ما قتل من النعم [المائدة/ 95] فإنّه وإن كان عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله، فإنّهم قد يقولون: أنا أكرم مثلك، يريدون: أنا أكرمك، فكذلك إذا قال: فجزاء مثل ما قتل، فالمراد: جزاء ما قتل، كما أن المراد في: أنا أكرم مثلك: أنا أكرمك. فإذا كان كذلك كانت الإضافة في المعنى كغير الإضافة، لأنّ المعنى: فعليه جزاء ما قتل، ومما يؤكد أنّ المثل، وإن كان قد أضيف إليه الجزاء، فالمعنى: فعليه جزاء المقتول لا جزاء مثله الذي لم
[الحجة للقراء السبعة: 3/256]
يقتل: قوله تعالى: أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات [الأنعام/ 122] والتقدير:
أفمن جعلنا له نورا يمشي به كمن هو في الظلمات، والمثل والمثل، والشّبه والشّبه واحد، فإذا كان مثله في الظلمات فكأنّه هو أيضا فيها. وقوله: وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كقوله:
يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به [الحديد/ 28] وقال: انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا [الحديد/ 13] وقال: نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم [التحريم/ 8] ولو قدّرت الجزاء تقدير المصدر، فأضفته إلى المثل، كما تضيف المصدر إلى المفعول به، لكان في قول من جرّ مثلا على الاتساع الذي وصفنا، ألا ترى أن المعنى: فجزاء مثل ما قتل أي يجازى مثل ما قتل، والواجب عليه في الحقيقة جزاء المقتول لا جزاء مثل المقتول). [الحجة للقراء السبعة: 3/257]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله [جلّ وعز]: أو كفارة طعام مساكين [المائدة/ 95].
فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أو كفارة منونا طعام رفعا مساكين جماعة.
وقرأ نافع وابن عامر: أو كفارة رفعا غير منون، طعام
[الحجة للقراء السبعة: 3/257]
مساكين على الإضافة، ولم يختلفوا في مساكين أنه جمع.
وجه قول من رفع طعام مساكين أنّه جعله عطفا على الكفارة عطف بيان لأنّ الطعام هو الكفّارة، ولم يضف الكفّارة إلى الطعام لأنّ الكفّارة ليست للطعام، إنّما الكفّارة لقتل الصّيد، فلذلك لم يضيفوا الكفّارة إلى الطعام.
ومن أضاف الكفّارة إلى الطعام، فلأنّه لما خيّر المكفّر بين ثلاثة أشياء: الهدي، والطعام، والصيام، استجاز الإضافة لذلك، فكأنّه قال: كفّارة طعام لا كفّارة هدي، ولا كفّارة صيام، فاستقامت الإضافة عنده لكون الكفّارة من هذه الأشياء). [الحجة للقراء السبعة: 3/258]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن: [فجزاءٌ] رفع منون، [مثلَ] بالنصب.
قال أبو الفتح: [مثلَ] منصوبة بنفس الجزاء؛ أي: فعليه أن يجزِي مِثْلَ ما قَتَلَ، [فمثلَ] إذن
[المحتسب: 1/218]
في صلة الجزاء، والجزاء مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف؛ أي: فعليه جزاءٌ مثلَ ما قتل، أو فالواجب عليه جزاءٌ مثل ما قتل، فلما نوَّن المصدر أَعمله كقوله:
بضربٍ بالسيوف رءوسَ قوم ... أزَلْنَا هَامَهُنَّ عن الْمَقيل). [المحتسب: 1/219]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة محمد بن علي وجعفر بن محمد: [يَحْكُمُ بِهِ ذُو عَدْلٍ مِنْكُمْ].
قال أبو الفتح: لم يوحِّد ذو؛ لأن الواحد يكفي في الحكم؛ لكنه أراد معنى مَنْ؛ أي: يحكم به مَنْ يعدل، ومن تكون للاثنين كما تكون للواحد، نحو قوله:
نَكُنْ مثلَ من يا ذئبُ يصطحبانِ). [المحتسب: 1/219]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفّارة طعام مساكين}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {فجزاء} منون {مثل} رفع وقرأ الباقون {فجزاء مثل} مضافا فمن رفعهما جميعًا فرفعه على معنى فعليه جزاء مثل الّذي قتل فيكون مثل من نعت الجزاء قال الزّجاج ويجوز أن يرتفع جزاء على الابتداء يكون مثل {ما قتل} خبر الابتداء فيكون المعنى فجزاء ذلك الفعل مثل ما قتل ومن خفض أراد فعليه جزاء مثل ذلك المقتول من النعم
وقال الآخرون إذا نون فكأنّه قال فجزاؤه عليه ثمّ فسر فأبدل مثل من الجزاء وإذا أضيف فكأنّه قال فجزاء مثل المقتول واجب عليه أي فداؤه
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية فذهب الشّافعي أن الرجل
[حجة القراءات: 235]
إذا اصاب صيدا وهو محرم في الحرم يجب عليه مثل المقتول من الصّيد من النعم من طريق الخلقة لأن القيمة فيما له مثل ذلك أن الرجل إذا اصاب صيدا وهو محرم في الحرم يحكم عليه فقيهان مسلمان وهما اللّذان ذكرهما الله جلّ وعز {يحكم به ذوا عدل منكم} فيقولان له هل أصبت صيدا قبل هذا فإن قال نعم لم يحكما عليه وقالا الله ينتقم منه وإن قال لا حكما عليه بمثل ما أصاب إن أصاب حمار وحش فعليه بدنة وإن أصاب ظبيًا فعليه شاة والّذي يدل على مذهبه قوله {فجزاء مثل} المعنى فجزاء ذلك الفعل مثل ما قتل والمثل في ظاهره يقتضي المماثلة من طريق الصّورة لا من طريق القيمة
ودليل آخر قد قلنا إن قوله {فجزاء} رفع بالابتداء و{مثل} خبره أو بدل منه أو نعت وإذا كان بدلا منه أو مبتدأ يكونان شيئا واحدًا لأن خبر الابتداء هو الأول إذا قلت زيد منطلق فالخبر هو نفس الأول وكذلك البدل هو المبدل منه وكذلك النّعت هو المنعوت
ودليل آخر أنه قرنه بالنعم فقال {فجزاء مثل ما قتل من النعم} فدلّ على أن ذلك يعتبر فيه الخلقة لا القيمة
ومذهب أبي حنيفة أنه يقوم الصّيد المقتول قيمته من الدّراهم
[حجة القراءات: 236]
ثمّ يشتري القاتل بقيمته فداء من النعم ثمّ يهديه إلى الكعبة واستدلّ على هذا بقراءة من قرأ {فجزاء مثل} مضافا أي فعليه جزاء مثله او جزاء مثل المقتول واجب عليه ووجه الدّليل في هذا أنّك إذا أضفته يجب أن يكون المضاف غير المضاف إليه لأن الشّيء لا يضاف إلى نفسه قال فيجب أن يكون المثل غير الجزاء
قرأ نافع وابن عامر {أو كفّارة} غير منون {طعام} خفض
وقرأ الباقون {كفّارة} منون {طعام} رفع وحجتهم أن الطّعام هو الكفّارة فلا وجه لإضافتها إلى نفسها والشّيء لا يضاف إلى نفسه
وحجّة من أضاف قوله {إن هذا لهو حق اليقين} فأضاف الحق إلى اليقين وهما واحد والشّيء يضاف إلى نفسه وقال {ولدار الآخرة} ومذهب الفراء إنّما جاز أن تضاف الكفّارة إلى الطّعام لاختلاف اللّفظين). [حجة القراءات: 237]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (34- قوله: {فجزاءٌ مثل ما قتل} قرأه الكوفيون «فجزاءٌ» بالتنوين، ورفع «مثل» وقرأ الباقون بغير تنوين، وخفض مثل»
وحجة من نون أنه لما كان «مثل» في المعنى صفة لـ «جزاء» ترك إضافة المووف إلى صفته، وأجراه على بابه، فرفع «جزاء» بالابتداء والخبر محذوف تقديره: عليه جزاء، وجعل «مثلا» صفة لـ «جزاء» على تقدير: فجزاء مماثل للمقتول من الصيد في القيمة أو في الخلقة، وبعدت الإضافة في المعنى؛ لأنه في الحقيقة ليس على قاتل الصيد جزاء مثل ما قتل، إنما عليه جزاء المقتول بعينه، لا جزاء مثله؛ لأن مثل المقتول من الصيد لم يقتله، فيصير المعنى على الإضافة: عليه جزاء ما لم يقتل.
35- وحجة من أضاف أن العرب تستعمل في إرادة الشيء مثله يقولون: إني أكرم مثلك أي أكرمك، وقد قال الله جل ذكره: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} «البقرة 137» أي: بما آمنتم لا بمثله، لأنهم إذا آمنوا بمثله لم يؤمنوا، فالمراد بالمثل الشيء بعينه، وقال تعالى: {كمن مثله في الظلمات} «الأنعام 122» أي: كمن هو في الظلمات، والمثَل والمثْل واحد، ولو كان المعنى على مثل وبابه لكان الكافر ليس في الظلمات، إنما في الظلمات مثله لا هو فالتقدير على هذا في الإضافة: فجزاء المقتول من الصيد يحكم به ذوا عدل، فيصح معنى الإضافة، والقراءتان قويتان لكن التنوين أحب إليّ لأنه الأصل، ولأنه لا إشكال فيه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/418]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (36- قوله: {كفارة طعام مساكين}، قرأ نافع وابن عامر بالإضافة، وقرأ الباقون بالتنوين، ورفع الطعام، وكلهم قرأ مساكين بالجمع.
والحجة في هذا كالحجة فيما ذكرنا في سورة البقرة، غير أن «الطعام»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/418]
عطف بيان على «الكفارة» لأن الكفارة هي «الطعام»، وتبعد إضافة الكفارة إلى «الطعام» لأنها هي، ولأن الكفارة ليست للطعام، إنما الكفارة لقتل الصيد، لكن من أضاف حسن عنده ذلك، لأنه لما تقدم التخيير بين «الهدي» و«الطعام » و«الصيام» استجاز الإضافة إلى أحدهما، ليبين من أي جنس تكون «الكفارة» فكأنه في التقدير: فعليه كفارة طعام لا كفارة هدي ولا كفارة صيام، وإنما أجمعوا على القراءة في «مساكين» بالجمع؛ لأن قتل الصيد لا يجز فيه إطعام مسكين واحد كما كان في إفطار يوم إطعام مسكين واحد، وقرئ بالتوحيد في البقرة لهذا المعنى، ولا يجوز التوحيد في هذا الموضع، لأنه يصير حكمًا لمن قتل صيدًا أن يجزئه إطعام مسكين واحد، وذلك لا يجوز، والاختيار التنوين في «كفارة» لأن عليه المعنى، وهو الأصل، وعليه أكثر القراء، ولأن الكفارة هي الطعام بعينه والإضافة بعيدة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/419]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {فَجَزَاءٌ} منون {مِثْلُ} رفع، [آية/ 95]:-
قرأها الكوفيون ويعقوب.
وجه ذلك أن المعنى: فعليه جزاء من النعم، مماثل للمقتول من الصيد، فجزاء مبتدأ، وخبره محذوف، وهو عليه، و{مِثْلُ} صفة لجزاء، ومعناه مماثل، وتقديره: جزاء مماثل لما قتل على ما سبق.
[الموضح: 450]
وإنما لم يضيفوا {جَزَاءٌ} إلى {مِثْلُ} في هذه القراءة، كما في القراءة الأخرى؛ لأنه ليس عليه في الحقيقة جزاء مثل ما قتل، وإنما عليه جزاء ما قتل.
وقرأ الباقون {فَجَزَاءٌ مِثْلُ} بإضافة {جَزَاءٌ} وجر {مِثْلُ}.
والوجه أنه وإن كان الواجب جزاء المقتول لا جزاء مثله، فإنهم يقولون: أنا أكرم مثلك، ويريدون أنا أكرمك، فكذلك المراد في قوله تعالى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ} جزاء ما قتل، والمثل في تقدير الزيادة). [الموضح: 451]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {أَوْ كَفَّارَةٌ} بلا تنوين {طَعَامُ} جر بالإضافة، [آية/ 95]:-
قرأها نافع وابن عامر.
ووجه ذلك أنه لما كان المكفر مخيرًا بين الهدي والطعام والصيام، كان كل واحد من الثلاثة كفارة، فجازت الإضافة، كأنه قال: فكفارة طعام لا كفارة هذي ولا كفارة صيام.
وقرأ الباقون {كَفَّارَةٌ} بالتنوين {طَعَامُ} بالرفع.
والوجه أن {طَعَامُ مَسَاكِينَ} معطوف على {كَفَّارَةٌ} عطف البيان، وهو تابع لها؛ لأن الطعام هو الكفارة، ولم يضيفوا الكفارة إلى الطعام؛ لأن المكفر لا يكفر الطعام، إنما يكفر قتل الصيد). [الموضح: 451]

قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس: [وحَرَّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدَ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حَرَمًا].
قال أبو الفتح: معنى [حَرَمًا] راجع إلى معنى قراءة الجماعة [حُرُمًا]؛ وذلك أن الْحُرُم جمع حرام، والْحَرَم المحرَّم، فهو في المعنى مفعول، فجعلهم حَرَمًا؛ أي: هم في امتناعهم مما يمتنع منع الْمُحْرِم، وامتناع ذلك أيضًا منهم كالْحَرَم، فالمعنينان إذن واحد من حيث أَرينا). [المحتسب: 1/219]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:35 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (97) إلى الآية (100) ]

{جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (98) مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)}

قوله تعالى: {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس... (97)
قرأ ابن عامر وحده (قيمًا للنّاس) بغير ألف، وقرأ الباقون (للنّاس).
[معاني القراءات وعللها: 1/339]
قال أبو منصور: من قرأ (قيمًا) فهو مصدر على (فعل)، من قام يقوم، وجعلها بالياء لأن الواو لما فسدت في قام بالألف فسدت مع كسرة القاف، ومن قرأ (قيامًا) بناه على (فعال)، وكان في الأصل قوامًا، فجعلت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وهما لغتان: يقال فلان قوام قومه، وقيام قومه). [معاني القراءات وعللها: 1/340]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله تعالى: قياما للناس [المائدة/ 97].
فقرأ ابن عامر وحده: قيما* بغير ألف.
وقرأ الباقون قياما بألف.
قوله عز وجل: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس [المائدة/ 97] التقدير فيه: جعل الله حج الكعبة [البيت الحرام قياما] أو نصب الكعبة قياما لمعايش الناس ومكاسبهم، لأنه مصدر قاموا، كأنّ المعنى: قاموا بنصبه ذلك لهم فاستتبّت
[الحجة للقراء السبعة: 3/258]
معايشهم به واستقامت أحوالهم له. ويؤكّد إثبات الألف في القيام قوله: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما [النساء/ 5] فالقيام: كالعياذ، والصيام والقياد وعلى هذا ما لحقته تاء التأنيث من هذه المصادر فجاءت على فعالة كالزيارة والعياسة والسياسة والحياكة. فكما جاءت هذه المصادر على فعالة، كذلك حكم القيام أن يكون على فعال.
ووجه قول ابن عامر قيما* على أحد أمرين: إما أن يكون جعله مصدرا كالشّبع، أو حذف الألف وهو يريدها كما يقصر الممدود. وحكم هذا الوجه أنّه يجوز في الشعر دون الكلام وحال السعة. فإن قلت: فإذا جعله مصدرا كالشّبع فهلّا صحّحه كما صحح الحول والعوض مما ليس على بناء من أبنية الفعل؟
فالقول فيه أنه لما اعتلّ فعله اعتلّ المصدر على اعتلال فعله، ألا ترى أنّهم قالوا: ديمة وديم، وحيلة وحيل، فأعلّوا الجموع لاعتلال آحادها، فإذا أعلّوا الجموع لاعتلال الآحاد، فأن تعلّ المصادر لاعتلال أفعالها أولى، ألا ترى أنّهم قد أعلّوا بعض الآحاد، وصححوا الجموع نحو معيشة ومعايش، ومقام ومقاوم، ولم
[الحجة للقراء السبعة: 3/259]
يصحّحوا مصدرا أعلّوا فعله، لكي يجزي المصدر على فعله، إن صحّ حرف العلّة في الفعل صحّ في مصدره، نحو اللّواز والغوار، وإن اعتلّ في الفعل اعتلّ في مصدره. وتقدير الآية: جعل الله حج الكعبة [البيت الحرام] أو نصب الكعبة قياما لمعايش الناس ومصالحهم. وقوله تعالى: والشهر الحرام [المائدة/ 97] معطوف على المفعول الأول: لجعل. ونحو ذلك: ظننت زيدا منطلقا وعمرا، أي: فعل ذلك ليعلموا أنّ الله يعلم مصالح ما في السموات والأرض، وما يجري عليه شأنهم في معايشهم، وغير ذلك مما يصلحهم، وأن الله بكلّ شيء يقيمهم ويصلحهم عليم.
وقيل في قوله: قياما للناس: أمنا لهم. وقيل: قياما للناس أي: مما ينبغي أن يقوموا به، والقول الأوّل عندنا أبين). [الحجة للقراء السبعة: 3/260]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للنّاس}
قرأ ابن عامر (قيمًا للنّاس) وهو مصدر قام يقوم قياما وقيما وحجته قول حسان بن ثابت
فنشهد أنّك عبد الملي ... ك أرسلت نورا بدين قيم
وقرأ الباقون {قياما للنّاس} أي صلاحا لدينهم وأمنا وهما مصدران من قام والأصل فيه قواما تقول قاوم يقاوم مقاومة
[حجة القراءات: 237]
وتقول قام يقوم قياما فإذا اعتل الفعل اعتل المصدر وقاوم ليس بمعتل فلذلك لم يقل قواما وليس لك أن تقول قياما كان في الأصل قواما فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها لأنّه ينعكس عليك بقولك صوان وخوان). [حجة القراءات: 238]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (37- قوله: {قيامًا للناس} قرأه ابن عامر بغير ألف، وقرأ الباقون بالألف.
وحجة من قرأ بألف أنه مصر «قام القيام» كالصيام، فالتقدير جعل الله حج الكعبة أو قصد الكعبة قيامًا لمعاش الناس وأمثالهم في سكونهم بألا خوف عليهم ولا أذى من أحد، وكذلك جعل الأشهر الحرم لا يؤذهم فيها أحد بقتال ولا بغارة.
38- وحجة من حذف الألف أنه جعله أيضًا مصدرًا لـ «قام» كالسمع، وكان حقه أن لا يعتل كالحول والعور، ولكن أعل لاعتلال فعله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/419]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {قِيَمًا لِلنَّاسِ} [آية/ 97]:-
بغير ألف، قرأها ابن عامر وحده.
ووجه ذلك أنه جعله مصدرة على فعل كالشبع، وإنما جعل الواو فيه ياء وهو من قام يقوم لاعتلال فعله، فلما اعتل الفعل اعتل المصدر، ولم يصحح كما صحح نحوه مثل العوض والحول، ويجوز أن يكون أراد قيامًا فحذف الألف وهو يريدها، كما يقصر الممدود، وباب هذا وأمثاله الشعر.
وقرأ الباقون {قِيَامًا} بالألف.
وهو مصدر قام، اعتل باعتلال الفعل على ما سبق في القيم.
والمعنى في القراءتين: جعل الله حج الكعبة أو نصب الكعبة قيامًا لمعايش الناس ومكاسبهم). [الموضح: 452]

قوله تعالى: {اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (98)}

قوله تعالى: {مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)}

قوله تعالى: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:36 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (101) إلى الآية (103) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ (102) مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (103)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)}

قوله تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ (102)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم: [قد سِالَهَا] بكسر السين.
قال أبو الفتح: يعني ويريد الإمالة؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها أبدًا إلا مفتوحًا، ووجه الإمالة أنه على لغة من قال: سِلتَ تسال، فهي في هذه اللغة كخفتَ تخاف، فالإمالة إذن إنما
[المحتسب: 1/219]
جاءت لانكسار ما قبل اللام سِلت، كمجيئها في خاف لمجيء الكسرة في خاءِ خِفت، ويدلك على أن هذه اللغة من الواو لا من الهمزة ما حدثنا به أبو علي من قوله: هما يتساولان، وهذه دلالة على ما ذكرنا قاطعة). [المحتسب: 1/220]

قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (103)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:38 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (104) إلى الآية (105) ]

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ (104) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ (104)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [لا يضُرْكُم]، وقراءة إبرهيم: [لا يَضِرْكُم].
قال أبو الفتح: فيها أربع لغات: ضاره يَضيره، وضاره يَضُوره، وضرَّه يَضُرَّه، وضَرَّه يَضِرَّه -بكسر الضاد وتشديد الراء- وهي غريبة؛ أعني: يفعِل في المضاعف متعدية، وقد ذكرناها وقراءة من قرأ: [لَنْ يَضِرُّوا اللَّهَ شَيْئًا]، وجزم يَضُرْكم ويَضِرْكم لأنه جُعل جواب الأمر؛ أعني قوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، ويجوز أن تكون "لا" هنا نهيًا كقولك: لا تقم إذا قام غيرك، والأول أجود). [المحتسب: 1/220]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:39 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (106) إلى الآية (108) ]

{يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)}

قوله تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ (106)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج والشعبي والحسن والأشهب: [شهادةٌ بَيْنَكم] رفع، وعن الأعرج بخلاف: [شهادةً بينَكم] نصب.
قال أبو الفتح: أما الرفع بالتنوين فعلى سمت قراءة العامة {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} بالإضافة، فحذف التنوين فانجرَّ الاسم.
وأما [شهادةً بينَكم] بالنصب والتنوين، فنصبها على فعل مضمر؛ أي: ليُقِمْ شهادةً بينكم اثنان ذوا عدل منكم، كما أن من رفع فنَوَّن أو لم يُنوِّن فهو على نحو من هذا؛ أي: مقيمُ شهادةِ بينِكم أو شهادةٍ بينَكم اثنان ذوا عدل منكم، ثم حُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه.
وإن شئت كان المضاف محذوفًا من آخر الكلام؛ أي: شهادةٌ بينَكم شهادةُ اثنين ذوَي عدل منكم؛ أي: ينبغي أن تكون الشهادة المعتمدة هكذا). [المحتسب: 1/220]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي -كرم الله وجهه- والشعبي بخلاف ونعيم بن ميسرة: [شهادةً آلله].
ورُوي عن الشعبي: [شهادةً أًللهِ] مقصور وينون شهادة.
ورُوي عنه أيضًا: [شهادهْ آللهِ] مجزومة الهاء ممدودة الألف.
ورُوي عنه [شهادهْ أللهِ] بجزم شهادة وقصر الله.
فهذه أربعة أوجه رُويت عن الشعبي، وتابعه على [شهادةً أَللهِ] السلمي ويحيى وإبراهيم وسعيد بن جبير ويحيى بن يعمر والحسن والكلبي.
قال أبو الفتح: أما [شهادةً] فهي أعم من قراءة الجماعة: {شَهَادَةَ اللَّهِ} بالإضافة، غير أنها بالإضافة أفخم وأشرف وأحرى بترك كتمانها لإضافتها إلى الله سبحانه، وأما [ألله] مقصورة بالجر فحكاها سيبويه: أن منهم من يحذف حرف القسم ولا يعوض منه همزة الاستفهام، فيقول: أللهِ لقد كان كذا، قال: وذلك لكثرة الاستعمال.
وأما [آلله] بالمد، فعلى أن همزة الاستفهام صارت عوضًا من حرف القسم، ألا تراك لا تجمع بينهما فتقول: أولله لأفعلن؟
وأما سكون هاء [شهادة]، فللوقف عليها ثم استؤنف القسم، وهو وجه حسن؛ وذلك ليُستأنف القسم في أول الكلام فيكون أوقر له وأشد هيبة من أن يدرج في عرض القول؛ وذلك أن القسم ضرب من الخبر يُذْكَر ليؤكد به خبر آخر، فلما كان موضع توكيد مُكِّنَ من صدر الكلام، وأُعطي صورة الإعلاء والإعظام.
ويزيد في وضوح هذا المعنى وبيانه أنه لما نون شهادة فأَدرج وقَّر الهمزة عن حذفها كما يجب فيها من حيث كانت همزة وصل، فأقرها مقطوعة كما تُقطع مبتدأة، فقد جمع في هذه القراءة بين حالي الوصل والوقف.
أما الوصل فلتنوين شهادة، وأما الوقف فلإثباته همزة الوصل التي إنما تُقطع إذا وُقف على ما قبلها ثم استؤنفت، والعناية بقطعها واستئنافها ما قدمت ذكره لك من تمكن حال القسم بتوفية
[المحتسب: 1/221]
اللفظ جميع وجوهها، وقُطع ليكون في حال إدراجها في لفظ المبدوء بها لا الآتية مأتى النَّيِّف الذي لم يُوَفَّ من صدر الكلام ما يجب لها، فافهمه.
ويؤكد عندك شدة الاهتمام بهذا القسم لما فيه مجيئُه وحرفُ الاستفهام قبله، فكأنه- والله أعلم- قال: أنقسم بالله إنا إذن لمن الظالمين"، ففي هذا تهيب منهم للموضع، وتكعكع عن القسم عليه باستحقاق الظلم عنه؛ كأنه يريد القسم بالله عليه كما أقسم في الأخرى بلا استفهام، ثم إنه هاب ذلك فأخذ يشاور في ذلك كالقائل: أَؤُقدِم على هذه اليمين يا فلان أم أتوقف عنها؛ إعظامها لها ولا أرتكب ما أُقسِم عليه بها؟). [المحتسب: 1/222]

قوله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (107)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من الّذين استحقّ عليهم الأوليان... (107)
قرأ أبو بكر وحمزة ويعقوب:، (استحق) بضم التاء، (عليهم الأوّلين) على الجميع، وقرأ الأعشى عن أبي بكر وحفص عن عاصم: (استحقّ عليهم) بفتح التاء (الأوليان) على التثنية.
وقرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير (من الّذين استحقّ عليهم الأوليان).
قال أبو منصور: أما من قرأ (من الّذين استحقّ عليهم الأوليان)
بالرفع والتثنية فلمعنى الاسم الذي في (يقومان)، كأنه قال: فآخران يقومان من الذين استحق عليهم يقوم الأوليان، وهو التثنية الأولى، أي: الأحق، وهذا قول الزجاج.
[معاني القراءات وعللها: 1/341]
وأما من قرأ (الأوّلين) فإنه يرده على الأسماء المضمرة في الهاء والميم من قوله: (عليهم)، وإن شئت رددته على (الذين).
ومن قرأ (من الذين استحقّ عليهم الأوليان) فعليهم بمعنى منهم، واستحقّ فعل للأولين، وقد أشبعت هذه الآية في كتاب على حدة، وأقصرت على هذا المقدار في هذا الكتاب، اعتمادًا على الكتاب المؤلف فيه، والله الموفق). [معاني القراءات وعللها: 1/342]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {استحق عليهم الأوليان} [107] روى حفص عن عاصم ونصير بن علي عن أبيه عن ابن كثير {استحق} بفتح التاء والحاء.
وقرأ الباقون بضم التاء وكسر الحاء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/149]
وقرأ أهل الكوفة إلا حفصًا عن عاصم [و] أبو بكر وحمزة {الأولين}.
وقرأ الباقون {الأوليان} يعنون: اليهود والنصارى، كقوله تعالى: {أو آخران من غيركم} [106] أي من غير أهل دينكم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/150]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في التثنية والجمع في قوله: استحق عليهم الأوليان [المائدة/ 107].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: من الذين استحق عليهم مضمومة التاء، الأوليان على التثنية.
وروى نصر بن عليّ عن أبيه عن قرّة قال: سألت ابن كثير فقرأ: استحق بفتح التاء الأوليان على التثنية.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة استحق بضم التاء الأولين* جماع.
[الحجة للقراء السبعة: 3/260]
وروى حفص عن عاصم استحق بفتح التاء. الأوليان على التثنية.
قال الواقديّ: حدثنا أسامة بن زيد عن أبيه قال: كان تميم الداريّ وأخوه عديّ نصرانيّين، وكان متّجرهما إلى مكّة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدم ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص المدينة وهو يريد الشام تاجرا، فخرج هو وتميم الداري وأخوه عديّ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق مرض ابن أبي مارية، فكتب وصية بيده ودسّها في متاعه، وأوصى إليهما، فلما مات فتحوا متاعه، فوجدوا وصيّته وقد كتب ما خرج به، ففقدوا شيئا فسألوهما فقالا: لا ندري، هذا الذي قبضنا له، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم [المائدة/ 106] فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما بالله ما قبضا له غير هذا ولا كتماه. قال الواقدي: فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر، فمكثا ما شاء الله، ثمّ ظهر على إناء من فضة منقوش بذهب معهما، فقالوا: هذا من متاعه، فقالا: اشتريناه منه، وارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية: فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما [المائدة/ 107] قال: فأمر
[الحجة للقراء السبعة: 3/261]
رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيّبا. قال الواقدي: فحلف عبد الله بن عمرو والمطّلب بن أبي وداعة، فاستحقّا، ثمّ إنّ تميما أسلم، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: صدق الله وبلّغ رسوله، أنا أخذت الإناء.
قال: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان فشهادة مرتفع بالابتداء، واتّسع في بين، وأضيف إليه المصدر، وهذا يدل على قول من قال: إن الظروف التي تستعمل أسماء يجوز أن تستعمل أسماء في غير الشعر، ألا ترى أنّه قد جاء ذلك في التنزيل وكذلك:
لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94] في قول من رفع، فجاء في غير الشعر، كما جاء في الشعر نحو قوله:
فصادف بين عينيه الجبوبا
[الحجة للقراء السبعة: 3/262]
فأمّا قوله: إذا حضر أحدكم الموت [المائدة/ 106] فيجوز أن يتعلّق بالشهادة فيكون معمولها، ولا يجوز أن يتعلّق بالوصية لأمرين: أحدهما أنّ المضاف إليه لا يعمل في ما قبل المضاف، لأنّه لو عمل فيما قبله للزم أن يقدّر وقوعه في موضعه، فإذا قدر ذلك لزم تقديم المضاف إليه على المضاف، ومن ثمّ لم يجز:
القتال زيدا حين نأتي. والآخر: أنّ الوصية مصدر فلا يتعلّق به ما يتقدم عليه، فأما قوله: حين الوصية فلا يجوز أن تحمله على الشهادة، لأنّه إذا عمل في ظرف من الزمان لم يعمل في ظرف آخر منه، ولكن تحمله على ثلاثة أوجه، أحدها: أن تعلّقه بالموت، كأنه الموت من ذلك الحين، وهذا إنّما يكون على ما قرب منه. يدلّك على ذلك قوله عزّ وجل: حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن [النساء/ 18]، وكذلك قوله: حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا [الأنعام/ 61]، وقوله: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون [المؤمنون/ 99] فلو كان هذا على وقوعه، ولم يكن على مقاربته، لم يجز أن يسند إليه القول بعد الموت. والثاني: أن تحمله على حضر، أي: إذا حضر في هذا الحين. والثالث: أن تحمله على البدل من إذا، لأنّ ذلك الزمان في المعنى هو ذلك الزمان، فتبدله منه كما تبدل الشيء
[الحجة للقراء السبعة: 3/263]
من الشيء إذا كان إياه. وقوله تعالى: اثنان ذوا عدل منكم [المائدة/ 106]، هو خبر المبتدأ الذي هو شهادة بينكم، والتقدير شهادة بينكم شهادة اثنين، فأقام المضاف إليه مقام المضاف، ألا ترى أنّ الشهادة لا تكون إلّا باثنين. وقوله: منكم، صفة لقوله: اثنان، كما أنّ ذوا عدل صفة لهما وفي الظرف ضميرهما.
وقوله: أو آخران من غيركم تقديره: أو شهادة آخرين من غيركم، ومن غيركم صفة للآخرين كما كان منكم صفة الاثنين، وأما من غيركم فقيل في تفسيره: إنّه من غير أهل ملّتكم.
حدّثنا الكندي قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا إسماعيل عن هشام بن حسان عن محمد قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم قال: اثنان ذوا عدل من أهل الملّة، أو آخران من غيركم من غير أهل الملة، وهو فيما زعموا قول ابن عباس وسعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، وقيل فيهما: من غير أهل قبيلتكم.
وقوله: إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت [المائدة/ 106] اعتراض بين الصفة والموصوف، وعلم به أن شهادة الآخرين اللّذين هما من غير أهل ملّتنا إنّما تجوز في السفر. واستغني عن جواب إن* بما تقدم من قوله: أو آخران من غيركم
[الحجة للقراء السبعة: 3/264]
لأنّه وإن كان على لفظ الخبر فالمعنى على الأمر، كأن المعنى: ينبغي أن تشهدوا إذا ضربتم في الأرض آخرين من غير أهل ملتكم. ويجوز أيضا أن يستغنى عن جواب إذا في قوله: إذا حضر أحدكم الموت بما تقدمها من قوله: شهادة بينكم فإن جعلت إذا بمنزلة حين، ولم تجعل له جوابا، كان بمنزلة الحين، وينتصب الموضع بالمصدر الذي هو شهادة بينكم كما تقدم.
وإن قدّرت له جوابا فإن قوله: شهادة بينكم يدل عليه ويكون موضع إذا في قوله: إذا حضر أحدكم الموت نصبا بالجواب المقدّر المستغني عنه بقوله: شهادة بينكم لأنّ المعنى ينبغي أن تشهدوا إذا حضر أحدكم الموت، وقوله: تحبسونهما من بعد الصلاة صفة ثانية لقوله: أو آخران من غيركم. وقوله: من بعد الصلاة معلّق، وإن شئت لم تقدر الفاء في قوله: فيقسمان بالله لعطف جملة على جملة ولكن تجعله جزاء كقول ذي الرّمّة:
وإنسان عيني يحسر الماء مرّة... فيبدو وتارات يجمّ فيغرق
تقديره عندهم: إذا حسر بدا، فكذلك إذا حبستموهما أقسما. وقال: من بعد الصلاة، لأنّ الناس فيما ذكروا كانوا يحلّفون بالحجاز بعد صلاة العصر، لاجتماع الناس وتكاثرهم في ذلك الوقت.
[الحجة للقراء السبعة: 3/265]
وقوله: فيقسمان بالله إن ارتبتم أي: ارتبتم في قول الآخرين اللّذين ليسا من أهل ملّتنا، أو غير قبيلة الميت، فغلب في ظنكم خيانتهما.
وقوله: لا نشتري به ثمنا: لا نشتري جواب ما يقتضيه قوله: فيقسمان بالله لأنّ أقسم ونحوه، يتلقّى بما يتلقّى به الأيمان. وقوله: لا نشتري به ثمنا: لا نشتري بتحريف شهادتنا ثمنا، فحذف المضاف وذكّر الشهادة، لأنّ الشهادة قول، كما جاء:
وإذا حضر القسمة ثمّ قال: فارزقوهم منه [النساء/ 8] لما كان القسمة يراد به المقسوم، ألا ترى أنّ القسمة التي هي إفراز الأنصباء لا يرزق منه، إنما يرزق من التركة المقسومة؟ وتقدير لا نشتري به ثمنا: لا نشتري به ذا ثمن، ألا ترى أنّ الثمن لا يشتري، وإنّما الذي يشتري المبيع دون ثمنه؟ وكذلك قوله: اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا أي: ذا ثمن، والمعنى: أنّهم آثروا الشيء القليل على الحق، فأعرضوا عنه وتركوه له. ولا يكون اشتروا في الآية بمعنى باعوا، وإن كان ذلك يجوز في اللغة، لأنّ بيع الشيء إخراج وإبعاد له من البائع، وليس المعنى هنا على الإبعاد، إنّما هو على التمسك به والإيثار له على الحق. ولو كان ذا قربى التقدير: ولو كان المشهود له ذا قربى. وخصّ ذو القربى بالذكر لميل الناس إلى قراباتهم ومن يناسبونه. ولا نكتم شهادة الله إنّا إن كتمناها لمن الآثمين. وقال: شهادة الله، فأضيفت الشهادة إليه سبحانه لأمره بإقامتها والنهي عن كتمانها في قوله: ومن يكتمها فإنه آثم قلبه [البقرة/ 283]. وقوله وأقيموا الشهادة لله [الطلاق/ 2] فإن عثر على أنهما استحقا إثما
[الحجة للقراء السبعة: 3/266]
[المائدة/ 107] أي غير أهل الميت أو من يلي أمره، على أنّ الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا استحقّا إثما بقصدهما في شهادتهما إلى غير الاستقامة، ولم يتحرّيا الحق فيها، فآخران يقومان مقامهما، أي: مقام الشاهدين اللذين هما من غيرنا من الذين استحق عليهم الأوليان- فقوله: من الذين صفة للآخرين.
فأما الأوليان فلا يخلو ارتفاعه من أن يكون على الابتداء وقد أخر، كأنّه في التقدير: فالأوليان بأمر الميت آخران من أهله، أو من أهل دينه يقومان مقام الخائنين اللذين عثر على خيانتهما كقولهم: تميمي أنا. أو يكون خبر مبتدأ محذوف كأنه: فآخران يقومان: مقامهما، هما الأوليان. أو يكون بدلا من الضمير الذي في يقومان فيصير التقدير: فيقوم الأوليان. أو يكون مسندا إليه استحق.
وقد أجاز أبو الحسن شيئا آخر وهو أن يكون الأوليان صفة لقوله: فآخران لأنّه لما وصف اختصّ فوصف من أجل الاختصاص الذي صار له بما يوصف به المعارف.
ومعنى الأوليان: الأوليان بالشهادة على وصية الميت، وإنّما كانا أولى به ممن اتّهم بالخيانة من غيرنا، لأنّهما أعرف بأحوال الميت وأموره، ولأنّهما من المسلمين، ألا ترى أن وصفهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/267]
بأنّه استحقّ عليهم يدل على أنّهم مسلمون، لأنّ الخطاب من أوّل الآية مصروف إليهم. فأما ما يسند إليه استحقّ فلا يخلو من أن يكون الأنصباء أو الوصية أو الإثم أو الجارّ والمجرور، وإنّما جاز: استحقّ الإثم لأن آخذه بأخذه آثم، فسمّي إثما كما سمي ما يؤخذ منا بغير حق مظلمة. قال سيبويه: المظلمة اسم ما أخذ منك، فكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر.
وأمّا قوله عليهم فيحتمل ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يكون على فيه بمنزلة قولك: استحقّ على زيد مال بالشهادة، أي: لزمه ووجب عليه الخروج منه، لأنّ الشاهدين لما عثر على خيانتهما استحقّ عليهما ما ولياه من أمر الشهادة والقيام بها ووجب عليهما الخروج منها وترك الولاية لها، فصار إخراجهما منها مستحقّا عليهما كما يستحقّ على المحكوم عليه الخروج مما وجب عليه.
والآخر: أن يكون على* فيه بمنزلة «من»، كأنّه: من الذين استحق منهم الإثم، ومثل هذا قوله: إذا اكتالوا على الناس [المطففين/ 2] أي: من الناس.
والثالث: أن يكون «على» بمنزلة «في» كأنّه استحق فيهم، وقام «على» مقام «في» كما قام «في» مقام «على» في قوله تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/268]
لأصلبنكم في جذوع النخل [طه/ 71] والمعنى: من الذين استحق عليهم بشهادة الآخرين اللذين هما من غيرنا.
فإن قلت: فهل يجوز أن يسند استحق إلى الأوليان؟
فالقول: إن ذلك لا يجوز لأنّ المستحقّ إنّما يكون الوصية أو شيئا منها والأوليان بالميت لا يجوز أن يستحقّا فيسند استحقّ إليهما.
وأمّا من قرأ: من الذين استحق عليهم الأولين فتقديره: من الأوّلين الذين استحقّ عليهم الأنصباء أو الإثم، وإنّما قيل لهم الأوّلين من حيث كانوا الأولين في الذكر، ألا ترى أنّه قد تقدّم: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم وكذلك اثنان ذوا عدل منكم ذكرا في اللفظ، قبل قوله: أو آخران من غيركم.
واحتجّ من قرأ الأولين* على من قرأ: الأوليان بأن قال:
أرأيت إن كان الأوليان صغيرين؟ أراد أنّهما إذا كانا صغيرين لم يقوما مقام الكبيرين في الشهادة ولم يكونا لصغرهما أولى بالميت، وإن كانا لو كانا كبيرين كانا أولى به فيقسمان بالله، أي: يقسم
[الحجة للقراء السبعة: 3/269]
الآخران اللذان يقومان مقام الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا.
وقوله: لشهادتنا أحق من شهادتهما متلقّى به فيقسمان بالله وما اعتدينا فيما قلناه من أن شهادتنا أحق من شهادتهما.
وأمّا من قرأ: من الذين استحق عليهم الأوليان فتقديره: من الذين استحقّ عليهم الأوليان بالميّت وصيّته التي أوصى بها إلى غير أهل دينه، والمفعول محذوف، وحذف المفعول من هذا النحو كثير). [الحجة للقراء السبعة: 3/270]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فآخران يقومان مقامهما من الّذين استحق عليهم الأوليان}
قرأ حمزة وأبو بكر {من الّذين استحق} بضم التّاء (الولين) على الجميع قال الفراء كان ابن عبّاس أيضا يقرأ {الأوّلين} يجعله نعتا ل الّذين وحجته ما قاله ابن عبّاس قال أرأيت إن كان الأوليان صغيرين كيف يقومان مقامهما
قرأ حفص {من الّذين استحق} بفتح التّاء {الأوليان} على التّثنية و{الأوليان} رفع ب استحق المعنى استحق عليهم الأوليان رد الأيمان
وقرأ الباقون {من الّذين استحق} بضم التّاء {عليهم الأوليان} وتأويلها الأولى فالأولى والأقرب قال الفراء الأوليان أراد وليي
[حجة القراءات: 238]
الموروث يقومان مقام النصرانيين إذا أتهما أنّهما قد خانا فيحلفان بعد حلف النصرانيي وظهر على خيانتهما قال ومن قرأ {الأوّلين} فهو جمع الأول وهو على البدل من الّذين استحق
اختلف أهل العربيّة في السّبب الّذي من أجله رفع {الأوليان} فقال الزّجاج رفعهما على البدل من الألف في {يقومان} المعنى فليقم الأوليان بالميت مقام هذين الخائنين فيقسمان باللّه لشهادتنا أحق من شهادتهما وقال آخرون بدل من قوله {فآخران} فهذا بدل المعرفة من النكرة وقالوا يجوز أن يكون الأوليان خبر الابتداء الّذي هو {فآخران} ويجوز أن يكون {الأوليان} مبتدأ وآخران خبرا مقدما التّقدير فالأوليان آخران يقومان مقامهما). [حجة القراءات: 239]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (39- قوله: {من الذين استحق عليهم الأوليان} قرأ حفص
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/419]
«استحق» بفتح التاء والحاء، وقرأ الباقون بضم التاء وكسر الحاء، قرأ أبو بكر وحمزة «الأولين» جمع أول المسلم المخفوض، وقرأ الباقون «الأوليان» تثنية أولى المرفوع.
وحجة من فتح التاء أنه بنى الفعل للفاعل، فأضاف الفعل إلى «الأوليان» فرفعهما بـ «استحق»، التقدير: من الذين استحق عليهما أوليان بالميت وصيته التي أوصى بها إلى غير أهل دينه، أو إلى غير قبيلته.
40- وحجة من ضم التاء أنه بنى الفعل للمفعول، وهو الأوليان، فأقام الأوليان مقام الفاعل على تقدير حذف مضاف، والمعنى: من الذين استحق عليهم إثم الأوليين، لأن الأوليين لا تستحق نفساهما، إنما استحق الوصية أو الإثم، ويجوز ذلك، وقد بينا رفع الأوليان وما يجوز فيه، في كتاب تفسير مشكل الإعراب.
41- وحجة من قرأ «الأوليان» أنه جعله تثنية أولى، أي: أولى بالشهادة على وصية الميت، وقيل: معناه أولى بالميت من غيره.
42- وحجة من قرأ «الأولين» أنه جعله جمع أول، والتقدير: من الأولين الذين استحق عليهم الإيصاء أو الإثم، وإنما قيل لهم الأولين لتقدم ذكرهم في أول القصة، وهو قوله: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} وهذه الآية في قراءتها وإعرابها وتفسرها ومعانيها وأحكامها من أصعب آية في القرآن وأشكلها، ويُحتمل أن يبسط ما فيها من العلوم في ثلاثين ورقة أو أكثر، وقد ذكرنا من ذلك طرفًا صالحًا في «كتاب الهداية» وذكرنا من مشكل إعرابها طرفا في تفسير مشكل الإعراب، ثم ذكرناها مشروحة بجميع وجوهها في تفسير إعراب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/420]
في كتاب مفرد، والذي عليه الجماعة في قراءتها هو الاختيار، ضم التاء، والأوليان تثنية أولى أي: أولى بالوصية، أو بالميراث، أو بالميت، على الاختلاف في ذلك، وقد تقدم ذكر «طائرا» في آل عمران وحجته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/421]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ} [آية/ 107]:-
بفتح التاء والحاء، قرأها عاصم وحده -ص-.
والوجه أن أسند الفعل إلى الأوليين، والتقدير: من الذين استحق عليهم الأوليان بالميت وصية التي أوصى بها إلى غير أهل دينه، والمفعول محذوف،
[الموضح: 452]
وهو الوصية، وقيل: استحق الأوليان اليمين، وحذف المفعول مما لا يحصى كثرة.
وقرأ الباقون {اسْتَحَقَّ} بضم التاء وكسر الحاء على ما لم يسم فاعله.
والقائم مقام الفاعل فيه، إما أن يكون الإيصاء أو الإثم أو الجار (و) المجرور الذي هو «عليهم»، وكل واحد من هذه الأشياء يجوز أن يقام مقام الفاعل ههنا، ولا يجوز أن يقام {الْأَوْلَيَانِ} مقام الفاعل لفساد المعنى، ألا ترى أن المستحق إنما هو الوصية أو شيء منها، ولا يصح أن يستحق الأوليان، وإنما يرتفع الأوليان بالابتداء وتقديم الخبر، والتقدير: فالأوليان بأمر الميت آخران يقومان مقامهما، ويجوز أن يرتفع على أنه بدل من الضمير الذي في {يَقُومَانِ}، والتقدير: فيقوم الأوليان). [الموضح: 453]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {الْأَوْلَيَنِ} [آية/ 107]:-
على الجمع، قرأها عاصم -ياش- وحمزة ويعقوب.
وهو جمع الأول، كما أن {الْأَوْلَيَانِ} تثنيه، و{الْأَوْلَيَنِ} يجوز أن يكون صفة للذين أو بدلا منه، والتقدير: من الأولين الذين استحق عليهم الإيصاء أو الإثم.
وقرأ الباقون {الْأَوْلَيَانِ} بالتثنية، وقد مضى الكلام فيه). [الموضح: 453]

قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:40 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (109) إلى الآية (110) ]

{يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (110)}

قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (109)}

قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (110)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إلّا سحرٌ مبينٌ (110)
هنا وفي يونس وهود والصف.
قرأ ابن كثير وعاصم في يونس: (لساحرٌ مبينٌ) بألف، والباقي بغير ألف، وقرأهن نافع وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي أربعهن (سحرٌ) على (فعل)، وقرأهن حمزة والكسائي (ساحر).
قال أبو منصور: من قرأ (سحرٌ) فهو مصدر سحر يسحر سحرًا، ومثله خدع يخدع خدعًا، و(مبين) نعت له.
ومن قرأ (لساحرٌ) فهو نعت على (فاعل)، و(مبين)، أي: ظاهر السحر). [معاني القراءات وعللها: 1/342]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (17- وقوله تعالى: {فتكون طيرا} [110].
قرأ نافع وحده {فتكون طائرًا} بالألف على التوحيد. وقرأ الباقون {طيرًا} على الجمع، فطائر ويطير مثل صاحب وصحب وقد مرّت علة ذلك في سورة (آل عمران) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/150]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {إن هذا إلا سحر مبين} [110].
اختلفوا في أربعة مواضع هاهنا، وفي أول (يونس) و(هود) و(الصف) قرأهن حمزة والكسائي {ساحر} بألف، يعنون النبي الذي كان في زمانهم.
وقرأ ابن كثير وعاصم في أول يونس {ساحر} بألف والباقي {سحر}.
وقرأ الباقون كل ذلك {سحر} بغير ألف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/150]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله تعالى: إن هذا إلا سحر مبين [المائدة/ 110] في اسم الفاعل والمصدر.
فقرأ ابن كثير وعاصم هاهنا وفي هود [7] والصف إلا سحر مبين [الآية/ 6] بغير ألف.
وقرأ في يونس: لساحر مبين [2] بألف.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر في كلّ ذلك: سحر مبين بغير ألف.
وقرأ حمزة والكسائيّ في المواضع الأربعة: ساحر بألف.
[الحجة للقراء السبعة: 3/270]
قال [أبو علي: قال تعالى]: وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين فمن قرأ: إلا سحر مبين جعله إشارة إلى ما جاء به، كأنه قال: ما هذا الذي جئت به إلّا سحر، ومن قال: إلا ساحر، أشار إلى الشخص لا إلى الحدث الذي أتى به، وكلاهما حسن لاستواء كلّ واحد منهما في أنّ ذكره قد تقدم، وكذلك ما في سورة الصف في قصة عيسى أيضا وهو قوله: فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين [6] وكذلك ما في هود في قوله: ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين [7] فمن قال: سحر جعل الإشارة إلى الحدث ومن قال: ساحر فإلى الشخص.
فأما اختيار من اختار ساحر* في هذه المواضع لما ذهب إليه من أنّ الساحر يقع على العين والحدث، فإنّ وقوع اسم فاعل على الحدث، ليس بالكثير، إنّما جاء في حروف قليلة. ولكن لمن اختار سحرا أن يقول: إنّه يجوز أن يراد به الحدث والعين جميعا، ألا ترى أنّه يستقيم أن يقول: إن هذا إلا سحر وأنت تريد به:
[الحجة للقراء السبعة: 3/271]
ذو سحر، كما جاء ولكن البر من آمن بالله [البقرة/ 177] وأ جعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام [التوبة/ 19] أي: أهلها، ألا ترى قوله: كمن آمن بالله. وقالوا: إنّما أنت سير، وما أنت إلّا سير.
....... وإنّما هي إقبال وإدبار فيجوز أن يريد بسحر، ذا سحر.
وساحر لا يجوز أن يراد به سحر، وقد جاء فاعل يراد به المصدر في حروف ليست بالكثيرة نحو: عائذا بالله من شرها، أي: عياذا، ونحو: العاقبة. ولم تصر هذه الحروف من الكثرة بحيث يسوغ القياس عليها. وحكي أنّ أبا عمرو كان يقول: إذا كان بعده: مبين* فهو سحر*، وإذا كان بعده عليم* فهو ساحر*، ولا إشكال في الوصف بعليم أنّه لا ينصرف إلى الحدث، ولكن مبين* يقع على الحدث كما يقع على العين، فإذا كان كذلك لم يمتنع: ساحر مبين، كما لم يمتنع: سحر مبين). [الحجة للقراء السبعة: 3/272]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد بن موسى: قرأ نافع وحده: طائرا بألف مع الهمز.
وقرأ الباقون طيرا بغير ألف. [المائدة/ 110].
حكى أبو الحسن الأخفش: طائرة، وطوائر، ونظير ما حكاه من ذلك قولهم: ضائنة، وضوائن. فأما الطير فواحده طائر. مثل ضائن وضان، وراكب وركب، والطائر كالصفة الغالبة، وقد قالوا: أطيار، فهذا مثل صاحب وأصحاب، وشاهد وأشهاد، وشبّهوا فيعلا بفاعل، فقالوا: ميّت وأموات، ويمكن أن يكون أطيار جمع طير، جعله مثل بيت وأبيات، وجمعوه على العدد القليل كما قالوا: جمالان ولقاحان، وإذا جاز أن يثنّى، جاز العدد القليل أيضا فيه، وكما جمع على أفعال كذلك جمع على
[الحجة للقراء السبعة: 3/276]
العدد الكثير، فقالوا: طيور فيما حكاه أبو الحسن.
ولو قال قائل: إنّ الطائر قد يكون جمعا مثل الجامل، والباقر. والسامر، فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا، لكان قياسا. ويقوي ذلك ما حكاه أبو الحسن من قولهم: طائرة، فيكون [على هذا] من باب شعيرة وشعير.
فأما قوله: أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير [آل عمران/ 49] وفي هذه: فتنفخ فيها [المائدة/ 110] وفي آل عمران: فأنفخ فيه فالقول في ذلك أنّ الضمير الذي في قوله فيها لا يخلو من أن يعود إلى ما تقدم له ذكر في الكلام، أو إلى ما وقعت عليه دلالة من اللفظ، فمما تقدم ذكره: الطين، والهيئة، والطير، فلا يجوز أن يعود إلى الطين لتأنيث الضمير [الراجع إليه] وتذكير ما يعود الضمير إليه، ولو كان الذكر مذكرا لم يسهل أن يعود إليه، ألا ترى أنّ النفخ إنّما يكون في طين مخصوص، وهو ما كان منه مهيّأ للنفخ، والطين المتقدم ذكره عامّ، فلا يكون العائد على حسب ما يعود إليه. فإن قلت: يعود الذكر من فيها* إلى الهيئة. فإنّ النفخ لا يكون في الهيئة إنّما يكون في المهيّأ، ذي الهيئة، إلّا أن تجعل الهيئة التي هي
[الحجة للقراء السبعة: 3/277]
المصدر في موضع المهيّأ، كما يقع الخلق موضع المخلوق.
وإذا ذكّر فقال: أنفخ فيه جاز أن يكون الضمير عائدا على ذي الهيئة، كما قال: وإذا حضر القسمة أولوا القربى... فارزقوهم منه إذ جعلت القسمة المقسوم. ويجوز أن يعود إلى الطير لأنّها مؤنّثة، قال: أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات [الملك/ 19].
ويجوز أن يعود الذكر إذا ذكّر على ما وقعت عليه الدّلالة في اللفظ، وهو أنّ يخلق يدلّ على الخلق، كما أنّ يبخلون يدل على البخل، فيجوز في قوله: فأنفخ فيه أي: في الخلق، ويكون الخلق بمنزلة المخلوق. ويجوز أن يعود الذكر حيث ذكر إلى ما دلّ عليه الكاف من معنى المثل، أو إلى الكاف نفسه فيمن يجوّز أن يكون اسما في غير الشعر، وتكون الكاف في موضع نصب على أنّه صفة للمصدر المراد، تقديره: وإذ تخلق خلقا من طين كهيئة الطير، فتنفخ في الخلق الذي يراد به المخلوق.
ويجوز في قراءة نافع: فيكون طائرا، أن يكون الذكر المؤنث يرجع إلى الطائر على قوله: أعجاز نخل خاوية
[الحجة للقراء السبعة: 3/278]
[الحاقة/ 7] والموضع الذي ذكّر فيه يكون على قوله: أعجاز نخل منقعر [القمر/ 20] والشجر الأخضر [يس/ 80] ويكون أيضا على من جعله جمعا: كالسامر، والجامل، والباقر، فأما قول الشاعر:
هم أنشبوا زرق القنا في نحورهم... وبيضا تقيض البيض من حيث طائره
فإن الدماغ يسمى الفرخ، فيما روى لنا محمد بن السريّ، وتقيض: تكسر. وقد قال غيره: الدماغ يقال له الفرخ، فوضع الطائر موضع الفرخ، لأنّه في المعنى طائر وحرّف الاسم عمّا كان عليه لما احتاج إليه من إقامة القافية، كما حرّف لإقامة الوزن في نحو ما أنشدناه علي بن سليمان:
بني ربّ الجواد فلا تفيلوا... فما أنتم فنعذركم لفيل
أراد ربيعة الفرس، فوضع الجواد موضعه، وأنشدنا علي بن سليمان:
[الحجة للقراء السبعة: 3/279]
كأنّ نزو فراخ الهام بينهم... نزو القلات زهاها قال قالينا
فأراد بفراخ الهام الدماغ. فقوله: فراخ الهام ليس يضيف الشيء إلى نفسه، ولكن الهام جمع هامة، فتشمل الدماغ وغيره، فصار بمنزلة نصل السيف، لأنّ السيف يقع على النصل وغيره [وعلى نفسه] فأضاف الطائر إلى البيض في قوله: «من حيث طائره» لالتباسه به كما قال: وليلبسوا عليهم دينهم [الأنعام/ 137] يريد الدين الذي شرع لهم، فأضافه إليهم لالتباسهم به من حيث شرع لهم ودعوا إليه، وإن لم يتدينوا به.
وقوله:
هم أنشبوا زرق القنا على حذف المضاف التقدير: هم أنشبوا زرق أسنة القنا، لأنّ الذي يوصف بالزرقة السنان دون الرماح، ألا ترى أنّ الرماح
[الحجة للقراء السبعة: 3/280]
توصف بالسّمرة في نحو قوله:
وأسمر خطيّا كأنّ كعوبه ووصفت الأسنة بالزرقة في نحو قوله:
وزرق كستهنّ الأسنّة هبوة... أرقّ من الماء الزّلال كليلها
الأسنّة: واحدها سنان، وهي المسانّ، فإذا كان الكليل أرقّ من الماء الزّلال، فكيف الحادّ، وما لم يكلّ، وإن شئت جعلت الزرق الأسنّة على إقامة الصفة مقام الموصوف، كأنّه: هم أنشبوا أسنّة القنا. فأمّا قول الكميت:
وليس التفحّش من شأنهم... ولا طيرة الغضب المغضب
فقوله: طيرة الغضب، يحتمل ضربين: أحدهما مصدر طار الغضب يطير طيرة، وقد قالوا: طار طير فلان إذا غضب وخفّ، وأنشد بعض أصحاب الأصمعي:
فلمّا أتاني ما يقول تطايرت... عصافير رأسي وانتشيت من الخمر
[الحجة للقراء السبعة: 3/281]
ويجوز في قوله: طيرة الغضب أن يكون سمّى الطائر الذي استعمل في الغضب باسم المصدر). [الحجة للقراء السبعة: 3/282]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فقال الّذين كفروا منهم إن هذا إلّا سحر مبين}
قرأ حمزة والكسائيّ (إن هذا إلّا ساحر مبين) بالألف وكذلك
[حجة القراءات: 239]
في يونس وهود والصف دخل معهما عاصم وابن كثير في يونس وحجتهم إجماع الجميع على قوله {فقالوا ساحر كذّاب}
وقرأ الباقون {إن هذا إلّا سحر مبين} وحجتهم قوله {إن هذا إلّا سحر يؤثر} وقوله {سحر مستمر} وأخرى ذكرها اليزيدي عن أبي عمرو فقال ما كان في القرآن مبين فهو سحر بغير ألف وما كان عليم فهو ساحر بالألف فكأن أبا عمرو ذهب إلى أنه إذا وصفه بالبيان دلّ على أنه عنى السحر الّذي يبين عن نفسه أنه سحر لمن تأمله وإذا نعت ب عليم لم يجز أن يسند العلم إلى السحر فجعله لفاعل السحر والسحر عنده أوعب معنى لأنّه يدل على فاعله والساحر قد يوجد ولا يوجد معه السحر والسحر لا يوجد إلّا مع ساحر). [حجة القراءات: 240]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (43- قوله: {إلا سحر مبين} قرأ حمزة والكسائي «ساحر» هنا وفي أول هود والصف، وقرأ الكوفيون وابن كثير «ساحر» بألف في أول يونس، وقرأ الباقون في الأربعة بغير ألف.
وحجة من قرأ بغير ألف أنه جعل الإشارة إلى ما جاء به النبي، فأخبر عنهم أنهم جعلوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم سحرا، ويجوز أن تكون الإشارة إلى النبي، وفي الكلام تقدير حذف مضاف، أي: إن هذا إلا ذو سحر، فيكون مثل القراءة بألف، وهذا الحذف كثير في القرآن.
44- وحجة من قرأ بألف أنه جعل الإشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر عنهم أنهم قالوا: إن هذا إلا ساحر، فأخبر عن الاسم باسم الفاعل، وهو بابه، ويجوز أن يكون «ساحر» بمعنى سحر؛ لأن الاسم قد يقع موضع المصدر، كقولهم: عائذًا بالله من شرها، أي: عياذًا، فتكون القراءة بالألف كالقراءة بغير ألف، وكان أبو عمرو يقول: إذا كان بعده «مبين» فهو سحر، وإذا كان بعده «عليم» فهو ساحر، والمبين يصلح للسحر وللساحر، فلا حجة له في ذلك، فأما «عليم» فلا يكون إلا للساحر،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/421]
فهو صحيح، فالقراءتان متداخلتان حسنتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/422]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {فَتَكُونُ طَائْرًا} [آية/ 110]:-
بالألف، قرأها نافع ويعقوب.
يجوز أن يكون واحدًا وهو الأشهر، ويجوز أن يكون جمعًا كالباقر والجامل.
وقرأ الباقون {طَيْرًا} بغير ألف، وهو جنس، وقيل هو كراكب وركب، وضائن وضأن، وقد سبق في آل عمران). [الموضح: 454]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [آية/ 110]:-
بالألف، قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في يونس {لَسَاحِرٌ}، وفي أول هود والصف {سَاحِرٌ} بالألف في الأربعة.
وقرأ ابن كثير وعاصم حرفًا واحدًا بالألف وهو {لَسَاحِرٌ} في أول يونس، والباقي {سِحْر} بغير ألف.
عل قراءة من قرأ {سَاحِر} بالألف، أن الإشارة إلى الشخص الآتي لا إلى الحدث الذي أتى به، وكل واحد منهما قد تقدم ذكره، فجازت الإشارة إليه، والمعنى على هذه القراءة: ليس هذا الشخص إلا ساحرة مبينا.
[الموضح: 454]
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب {سِحْرٌ} بغير ألف في الأربعة الأحرف.
ووجه ذلك أن الإشارة إلى الحد الذي جاء به، لا إلى الشخص الذي جاء، فكأنه قال: ما هذا الذي جئت به إلا سحر مبين). [الموضح: 455]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة