العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 03:17 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (40) إلى الآية (43) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (40) إلى الآية (43) ]

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 08:44 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)}
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان في قول اللّه جلّ وعزّ: {أوفوا بعهدي} قال:
«بأمري»، {أوف بعهدكم} قال: «بما أمرتكم به»). [تفسير الثوري: 44]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا بني إسرائيل}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {يا بني إسرائيل} ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرّحمن؛ وكان يعقوب يدعى إسرائيل، بمعنى عبد اللّه وصفوته من خلقه؛ وإيل هو اللّه؛ وإسرا: هو العبد، كما قيل جبريل بمعنى عبد اللّه.
- وكما حدّثنا به ابن حميدٍ، حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاءٍ، عن عميرٍ، مولى ابن عبّاسٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«إنّ إسرائيل كقولك: عبد اللّه».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبد اللّه بن الحارث، قال:
«إيل: اللّه بالعبرانيّة».
وإنّما خاطب اللّه جلّ ثناؤه بقوله: {يا بني إسرائيل} أحبار اليهود من بني إسرائيل الّذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنسبهم جلّ ذكره إلى يعقوب، كما نسب ذرّيّة آدم إلى آدم، فقال: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ} وما أشبه ذلك.
وإنّما خصّهم بالخطاب في هذه الآية والّتي بعدها من الآي الّتي ذكّرهم فيها نعمه، وإن كان قد تقدّم ما أنزل فيهم وفي غيرهم في أوّل هذه السّورة ما قد تقدّم أنّ الّذي احتجّ به من الحجج فى الآيات الّتي فيها أنباء أسلافهم وأخبار أوائلهم، وقصص الأمور الّتي هم بعلمها مخصوصون دون غيرهم من سائر الأمم ليس عند غيرهم من العلم بصحّته وحقيقته مثل الّذي لهم من العلم به إلاّ لمن اقتبس علم ذلك منهم. فعرّفهم بإطلاع محمّدٍ على علمها مع بعد قومه وعشيرته من معرفتها، وقلّة مزاولة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم دراسة الكتب الّتي فيها أنباء ذلك، أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم لم يصل إلى علم ذلك إلاّ بوحيٍ من اللّه وتنزيلٍ منه ذلك إليه؛ لأنّهم من علم صحّة ذلك بمحلٍّ ليس به من الأمم غيرهم. فلذلك جلّ ثناؤه خصّ بقوله: {يا بني إسرائيل} خطابهم.
- كما حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«قوله: {يا بني إسرائيل} قال: يا أهل الكتاب، للأحبار من يهود»). [جامع البيان: 1/ 593-594]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم}.
ونعمته الّتي أنعم بها على بني إسرائيل جلّ ذكره اصطفاؤه منهم الرّسل، وإنزاله عليهم الكتب، واستنقاذه إيّاهم ممّا كانوا فيه من البلاء والضّرّاء من فرعون وقومه، إلى التّمكين لهم في الأرض، وتفجير عيون الماء من الحجر، وإطعام المنّ والسّلوى. فأمر جلّ ثناؤه أعقابهم أن يكون ما سلف منه إلى آبائهم على ذكرٍ منهم، وألا لا ينسوا صنيعه إلى أسلافهم وآبائهم، فيحلّ بهم من النّقم ما أحلّ بمن نسي نعمه عنده منهم وكفرها وجحد صنائعه عنده.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم} أي: بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجّاهم به من فرعون وقومه».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {اذكروا نعمتي} قال:
«نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرّسل، وأنزل عليهم الكتب».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:
«{اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم} يعني نعمته الّتي أنعم على بني إسرائيل فيما سمّى وفيما سوى ذلك، فجّر لهم الحجر، وأنزل عليهم المنّ والسّلوى، وأنجاهم عن عبوديّة آل فرعون».
- وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {نعمتي الّتي أنعمت عليكم} قال:
«نعمه عامّةً، ولا نعمة أفضل من الإسلام، والنّعم بعد تبعٌ لها». وقرأ قول اللّه {يمنّون عليك أن أسلموا قل لا تمنّوا عليّ إسلامكم} الآية.
وتذكير اللّه الّذين ذكرهم جلّ ثناؤه بهذه الآية من نعمه على لسان رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، نظير تذكير موسى صلوات اللّه عليه أسلافهم على عهده الّذي أخبر اللّه عنه أنّه قال لهم، وذلك قوله: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكًا وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين}). [جامع البيان: 1/ 594-596]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم}
قال أبو جعفرٍ: قد تقدّم بياننا معنى العهد فيما مضى من كتابنا هذا واختلاف المختلفين في تأويله والصّواب عندنا من القول فيه. وهو في هذا الموضع عهد اللّه ووصيّته الّتي أخذ على بني إسرائيل في التّوراة أن يبيّنوا للنّاس أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه رسولٌ، وأنّهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة أنّه نبيّ اللّه، وأن يؤمنوا به وبما جاء به من عند اللّه.
{أوف بعهدكم}
وعهده إليّهم: أنّهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنّة، كما قال جلّ ثناؤه: {ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا} الآية، وكما قال: {فسأكتبها للّذين يتّقون ويؤتون الزّكاة والّذين هم بآياتنا يؤمنون الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ} الآية.
- وكما حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{وأوفوا بعهدي} الّذي أخذت في أعناقكم للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا جاءكم {أوف بعهدكم} أي: أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتّباعه، بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال الّتي كانت في أعناقكم بذنوبكم الّتي كانت من إحداثكم».
- وحدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {أوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال:
«عهده إلى عباده: دينه الإسلام أن يتّبعوه. و{أوف بعهدكم} يعني الجنّة».
- وحدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم}:
«أمّا {أوفوا بعهدي}: فما عهدت إليكم في الكتاب، وأمّا {أوف بعهدكم}: فالجنّة، عهدت إليكم أنّكم إن عملتم بطاعتي أدخلتكم الجنّة».
- وحدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: في قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال:
«ذلك الميثاق الّذي أخذ عليهم في المائدة {ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا} إلى آخر الآية. فهذا عهد اللّه الّذي عهد إليهم، وهو عهد اللّه فينا، فمن أوفى بعهد اللّه وفّى اللّه له بعهده».
- وحدّثت عن المنجاب، قال: حدّثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم}:
«يقول: أوفوا بما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عنه من معصيتي في النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وفي غيره {أوف بعهدكم} يقول: أرض عنكم وأدخلكم الجنّة».
- وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال:
«أوفوا بأمري، أوف بالّذي وعدتكم»، وقرأ: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} حتّى بلغ: {ومن أوفى بعهده من اللّه}، قال: «هذا عهده إليكم الّذي عهده لهم»). [جامع البيان: 1/ 596-598]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإيّاي فارهبون}.
قال أبو جعفرٍ: وتأويل قوله: {وإيّاي فارهبون} وإيّاي فاخشوا، واتّقوا أيّها المضيّعون عهدي من بني إسرائيل والمكذّبون رسولي الّذي أخذت ميثاقكم فيما أنزلت من الكتب على أنبيائي أن تؤمنوا به وتتّبعوه، أن أحلّ بكم من عقوبتي، إن لم تنيبوا وتتوبوا إليّ باتّباعه والإقرار بما أنزلت إليه ما أحللت بمن خالف أمري وكذّب رسلي من أسلافكم.
- كما حدّثني به محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{وإيّاي فارهبون} أى: أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النّقمات الّتي قد عرفتم من المسخ وغيره».
- وحدّثنا المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثني آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {وإيّاي فارهبون}:
«يقول: فاخشون».
- وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإيّاي فارهبون}:
«يقول: وإيّاي فاخشون»). [جامع البيان: 1/ 598-599]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {يا بني إسرائيل}
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا عبد الحميد بن بهرام، عن شهرٍ، حدّثني عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: حضرت عصابةٌ من اليهود نبيّ اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال لهم:
«هل تعلمون أنّ إسرائيل يعقوب؟»، فقالوا: اللّهمّ نعم، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أشهد عليهم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 94]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«قال: يا أهل الكتاب، للأحبار من يهود، {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم} أي: بلائي عندكم وعند آبائكم، لما كان نجّاهم به من فرعون وقومه».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال:
«نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرّسل وأنزل عليهم الكتب».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:
«قوله: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم} فنعمة اللّه الّتي أنعم بها على بني إسرائيل فيما سمّى وفيما سوى ذلك، فجّر لهم الحجر، وأنزل عليهم المنّ والسّلوى، وأنجاهم من عبوديّة آل فرعون»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 95]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأوفوا بعهدي}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ، عن أبى ورق، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وأوفوا بعهدي}:
«يقول: ما أمرتكم به من طاعةٍ ونهيتكم عنه من معصيةٍ في النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وغيره».
- وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك من رواية حاتم ابن إسماعيل عن أبي جعفرٍ.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«أوفوا بعهدي الّذي أخذت في أعناقكم للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- إذ جاءكم».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: {وأوفوا بعهدي} قال:
«عهده إلى عباده: دينه الإسلام أن يتّبعوه».
- وروي عن الضّحّاك، وقتادة والسّدّيّ، والرّبيع نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 95]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أوف بعهدكم}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {أوف بعهدكم}:
«يقول: أرضى عنكم وأدخلكم الجنّة».
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{أوف بعهدكم} أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتّباعه، فوضع عنكم ما كان عليكم من الإصر والأغلال الّتي كانت في أعناقكم بذنوبكم الّتي كانت من إحداثكم».
- وروي عن أبي العالية والضّحّاك والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ نحو ما ذكرنا عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 96]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإيّاي فارهبون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{وإيّاي فارهبون} أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النّقمات الّتي قد عرفتم من المسخ وغيره».
- حدّثنا عصام بن الرّوّاد العسقلاني، ثنا آدم ؟؟ أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {وإيّاي فارهبون}:
«فاخشون».
قال أبو محمّدٍ: وكذا روي عن السدى والربيع بن أنسٍ وقتادة). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 96]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون * وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون * ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون * وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين}.
- أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس قال:
«إسرائيل: يعقوب».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال:
«إسرائيل هو يعقوب».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن أبي مجلز قال:
«كان يعقوب رجلا بطيشا، فلقي ملكا فعالجه فصرعه الملك، فضربه على فخذيه، فلما رأى يعقوب ما صنع به بطش به، فقال: ما أنا بتاركك حتى تسميني اسما، فسماه إسرائيل»، قال أبو مجلز: ألا ترى أنه من أسماء الملائكة إسرائيل وجبريل وميكائيل وإسرافيل».
- وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال:
«كانت الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومحمد عليه السلام، ولم ؟ من الأنبياء من له اسمان إلا إسرائيل وعيسى، فإسرائيل: يعقوب، وعيسى: المسيح.
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: إن إسرائيل وميكائيل وجبريل وإسرافيل كقولك: عبد الله
».
- وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن الحرث البصري قال:
«ايل: الله بالعبرانية».
- وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يا بني إسرائيل} قال:
«للأحبار من اليهود {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} أي: آلائي عندكم وعند آبائكم، لما كان نجاهم به من فرعون وقومه، {وأوفوا بعهدي} الذي أخذت بأعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءكم {أوف بعهدكم} أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقكم معه وأتباعه بوضع ما كان عليهم من الإصر والأغلال {وإياي فارهبون} أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات {وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به} وعندكم به من العلم ما ليس عند غيركم {وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} أي: لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وأوفوا بعهدي}:
«يقول: ما أمرتكم به من طاعتي، ونهيتكم عنه من معصيتي، في النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره {أوف بعهدكم} يقول: أرض عنكم وأدخلكم الجنة».
- وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود، مثله.
- وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال:
«هو الميثاق الذي أخذ عليهم في سورة ؟ {لقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل} [المائدة: 12] الآية».
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال:
«العهد الذي أخذ الله عليهم وأعطاهم الآية التي في سورة المائدة {لقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل} [المائدة: 12] إلى قوله: {ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار}».
- وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال:
«أوفوا بما افترضت عليكم، أوف لكم بما رايت الوعد لكم به على نفسي».
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن الضحاك في قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال:
«أوفوا بطاعتي، أوف لكم بالجنة»). [الدر المنثور: 1/ 337-340]

تفسير قوله تعالى: {وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وآمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم}.
يعني بقوله: {آمنوا} صدّقوا، كما قد قدّمنا البيان عنه قبل، ويعني بقوله: {بما أنزلت} ما أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من القرآن، ويعني بقوله: {مصدّقًا لما معكم} أنّ القرآن مصدّقٌ لما مع اليهود من بني إسرائيل من التّوراة. فأمرهم بالتّصديق بالقرآن، وأخبرهم جلّ ثناؤه أنّ في تصديقهم بالقرآن تصديقًا منهم للتّوراة؛ لأنّ الّذي في القرآن من الأمر بالإقرار بنبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وتصديقه واتّباعه نظير الّذي من ذلك في الإنجيل والتّوراة. ففي تصديقهم بما أنزل على محمّدٍ تصديقٌ منهم لما معهم من التّوراة، وفي تكذيبهم به تكذيبٌ منهم لما معهم من التّوراة.
وقوله: {مصدّقًا} قطعٌ من الهاء المتروكة في {أنزلت} من ذكر ما. ومعنى الكلام: وآمنوا بالّذي أنزلته مصدّقًا لما معكم أيّها اليهود. والّذي معهم هو التّوراة والإنجيل.
- كما حدّثنا به محمّد بن عمرٍو الباهليّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى بن ميمونٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {وآمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم}:
«يقول: إنّما أنزلت القرآن مصدّقًا لما معكم: التّوراة والإنجيل».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: أخبرنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية:
«{وآمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم} يقول: يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت على محمّدٍ مصدّقًا لما معكم. يقول: لأنّهم يجدون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل»). [جامع البيان: 1/ 599-600]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به}.
قال أبو جعفرٍ: فإن قال لنا قائلٌ: كيف قيل: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به} والخطاب خبر لجميعٍ وقوله: {كافرٍ} واحدٍ؟ وهل نجيز إن كان ذلك جائزًا أن يقول قائلٌ: لا تكونوا أوّل رجلٍ قام؟
قيل له: إنّما يجوز توحيد ما أضيف له أفعل، وهو خبرٌ لجمعٍ، إذا كان مشتقًّا من فعل ويفعل لأنّه يؤدّي عن المراد معه المحذوف من الكلام، وهو من، ويقوم مقامه في الأداء عن معنى ما كان يؤدّي عنه من من الجمع والتّأنيث وهو في لفظٍ واحدٍ. ألا ترى أنّك تقول: ولا تكونوا أوّل من يكفر به فمن بمعنى جمعٍ وهو غير متصرّفٍ تصرّف الأسماء للتّثنية والجمع والتّأنيث. فإذا أقيم الاسم المشتقّ من فعل ويفعل مقامه، جرى وهو موحّدٌ مجراه في الأداء عمّا كان يؤدّي عنه من معنى الجمع والتّأنيث، كقولك: الجيش منهزم، والجند مقبل؛ فتوحّد الفعل لتوحيد لفظ الجيش والجند، وغير جائزٍ أن يقال: الجيش رجلٌ، والجند غلامٌ، حتّى تقول: الجند غلمانٌ، والجيش رجالٌ؛ لأنّ الواحد من عدد الأسماء الّتي هي غير مشتقّةٍ من فعل ويفعل لا يؤدّي عن معنى الجماعة منهم، ومن ذلك قول الشّاعر:

وإذا هم طعموا فألأم طاعمٍ ....... وإذا هم جاعوا فشرٌّ جياع
فوحّد مرّةً على ما وصفت من نيّة من، وإقامة الظّاهر من الاسم الّذي هو مشتقٌّ من فعل ويفعل مقامه. وجمع أخرى على الإخراج على عدد أسماء المخبر عنهم. ولو وحّد حيث جمع أو جمع حيث وحّد كان صوابًا جائزًا.
وأمّا تأويل ذلك فإنّه يعني به: يا معشر أحبار أهل الكتاب صدّقوا بما أنزلت على رسولي محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من القرآن المصدّق كتابكم، والّذي عندكم من التّوراة والإنجيل المعهود إليكم فيهما أنّه رسولي ونبيّي المبعوث بالحقّ، ولا تكونوا أوّل أمتكم كذّب به وجحد أنّه من عندي وعندكم من العلم به ما ليس عند غيركم.
وكفرهم به: جحودهم أنّه من عند اللّه.
والهاء الّتي في به من ذكر ما الّتي مع قوله: {وآمنوا بما أنزلت}.
- كما حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: في قوله: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به}:
«بالقرآن».
- وروي عن أبي العالية في ذلك ما حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به} يقول: لا تكونوا أوّل من كفر بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم
».
وقال بعضهم: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به} يعني بكتابكم، ويتأوّل أنّ في تكذيبهم بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم تكذيبًا منهم بكتابهم؛ لأنّ في كتابهم الأمر باتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وهذان القولان من ظاهر ما تدلّ عليه التّلاوة بعيدان. وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أمر المخاطبين بهذه الآية في أوّلها بالإيمان بما أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال جلّ ذكره: {وآمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم}
ومعقولٌ أنّ الّذي أنزله اللّه في عصر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم هو القرآن لا محمّدٌ، لأنّ محمّدًا صلوات اللّه عليه رسولٌ مرسلٌ لا تنزيلٌ منزّلٌ، والمنزّل هو الكتاب. ثمّ نهاهم أن يكونوا أوّل من يكفر بالّذي أمرهم بالإيمان به في أوّل الآية من أهل الكتاب. فذلك هو الظّاهر المفهوم، ولم يجر لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الآية ذكرٌ ظاهرٌ فيعاد عليه بذكره مكنّيًا في قوله: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به} وإن كان غير محالٍ في الكلام أن يذكر مكنيّ اسمٍ لم يجر له ذكرٌ ظاهرٌ في الكلام.
وكذلك لا معنى لقول من زعم أنّ العائد من الذّكر في به على ما الّتي في قوله: {لما معكم} لأنّ ذلك وإن كان محتملاً ظاهر الكلام فإنّه بعيدٌ ممّا يدلّ عليه ظاهر التّلاوة والتّنزيل، لما وصفنا قبل من أنّ الأمر بالإيمان به في أوّل الآية هو القرآن، فكذلك الواجب أن يكون المنهيّ عن الكفر به في آخرها هو القرآن. وإمّا أن يكون المأمور بالإيمان به غير المنهيّ عن الكفر به في كلامٍ واحدٍ وآيةٍ واحدةٍ، فذلك غير الأشهر الأظهر في الكلام، هذا مع بعد معناه في التّأويل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{وآمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم ولا تكونوا أوّل كافرٍ به} وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم»). [جامع البيان: 1/ 600-603]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلاً}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك.
- فحدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية:
«{ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلاً} يقول: لا تأخذوا عليه أجرًا». قال: «هو مكتوبٌ عندهم في الكتاب الأوّل: يا ابن آدم علّم مجّانًا كما علّمت مجّانًا».
- وقال آخرون بما حدّثني به، موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:
«{ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلاً} يقول: لا تأخذوا طعمًا قليلاً وتكتموا اسم اللّه. فذلك الطّعم هو الثّمن».
فتأويل الآية إذًا: لا تبيعوا ما أتيتكم من العلم بكتابي وآياته بثمنٍ خسيسٍ وعرضٍ من الدّنيا قليلٍ. وبيعهم إيّاه تركهم إبانة ما في كتابهم من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم للنّاس، وأنّه مكتوبٌ فيه أنّه النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل بثمنٍ قليلٍ، وهو رضاهم بالرّياسة على أتباعهم من أهل ملّتهم ودينهم، وأخذهم الأجر ممّن بيّنوا له ذلك على ما بيّنوا له منه.
وإنّما قلنا معنى ذلك: لا تبيعوا؛ لأنّ مشتري الثّمن القليل بآيات اللّه بائعٌ الآيات بالثّمن، فكلّ واحدٍ من الثّمن والمثمّن مبيعٌ لصاحبه وصاحبه به مشتري.
وأما معناه على ما تأوّله أبو العالية: بيّنوا للنّاس أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا تبتغوا عليه منهم أجرًا. فيكون حينئذٍ نهيه عن أخذ الأجر على تبيينه هو النّهي عن شراء الثّمن القليل بآياته). [جامع البيان: 1/ 603-604]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإيّاي فاتّقون}.
قال أبو جعفرٍ: يقول: فاتّقون في بيعكم آياتي بالخسيس من الثّمن، وشرائكم بها القليل من العوض، وكفركم بما أنزلت على رسولي، وجحودكم نبوّة نبييّ؛ أن أحلّ بكم ما أحللت بأسلافكم الّذين سلكوا سبيلكم من المثلات والنّقمات). [جامع البيان:1/ 604-605]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وآمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم}
[الوجه الأول]
- به، عن أبي العالية، في قوله: {وآمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم}:
«يقول: يا معشر أهل الكتاب، آمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم. يقول: لأنّهم يجدون محمّدًا مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:
«قوله: {وآمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم} يقول: {بما أنزلت}: القرآن، {لما معكم}: الإنجيل».
- قال: وروي عن الرّبيع بن أنسٍ وقتادة نحو قول أبي العالية). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 96-97]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق فيما حدّثنا محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{ولا تكونوا أوّل كافرٍ به} وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به}:
«يقول: لا تكونوا أوّل من كفر بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم».
- حدّثنا أبي، أخبرني عبيد اللّه بن حمزة، قال: سمعت أبي، ثنا أبو سنانٍ، في قوله: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به} قال:
«أنزلت في يهود يثرب».
قال أبو محمّدٍ: وروي عن الحسن والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ نحو قول أبي العالية). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 97]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا وإيّاي فاتّقون}
- حدّثنا عصام بن روّاد بن الجرّاح، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: {ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا}:
«يقول: لا تأخذوا عليه أجرًا، قال: «وهو مكتوبٌ عندهم في الكتاب الأوّل: يا ابن آدم، علّم مجّانًا كما علّمت مجّانا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 97]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {بآياتي}
- ذكر عن الحسن بن عليٍّ الحلوانيّ، عن سعيد بن أبي مريم، أخبرني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا}:
«وإنّ آياته كتابه الّذي أنزل إليهم، وإنّ الثّمن القليل هو الدّنيا وشهواتها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 97]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ثمنًا قليلا}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:
«{ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا} يقول: لا تأخذوا طمعًا قليلا، وتكتموا اسم اللّه، فذلك الطّمع وهو الثّمن».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة المروزيّ، ثنا عليّ بن الحسن، أنبأ عبد اللّه بن المبارك، أنبأ عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، عن هارون بن يزيد، قال: سئل الحسن عن قوله: {ثمنًا قليلا} قال:
«الثّمن القليل: الدّنيا بحذافيرها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 97-98]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإيّاي فاتّقون}
- حدّثنا أبو عمر الدّوريّ، ثنا أبو إسماعيل المؤدّب، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي العالية، عن طلق بن حبيبٍ قال:
«التّقوى أن يعمل بطاعة اللّه رجاء رحمة اللّه على نورٍ من اللّه، والتّقوى أن يترك معصية اللّه مخافة عذاب اللّه على نورٍ من الله»). [تفسير القرآن العظيم: 1 /98]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم، قال: نا آدم، قال: نا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: «{آمنوا بما أنزلت} يعني: القرآن، {مصدقا لما معكم} يعني: الإنجيل»). [تفسير مجاهد: 74]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون * وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون * ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون * وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين}.
- أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس قال:
«إسرائيل: يعقوب».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال:
«إسرائيل هو يعقوب».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن أبي مجلز قال:
«كان يعقوب رجلا بطيشا، فلقي ملكا فعالجه فصرعه الملك، فضربه على فخذيه، فلما رأى يعقوب ما صنع به بطش به، فقال: ما أنا بتاركك حتى تسميني اسما، فسماه إسرائيل»، قال أبو مجلز: «ألا ترى أنه من أسماء الملائكة إسرائيل وجبريل وميكائيل وإسرافيل».
- وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال:
«كانت الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومحمد عليه السلام، ولم ؟ من الأنبياء من له اسمان إلا إسرائيل وعيسى، فإسرائيل: يعقوب، وعيسى: المسيح».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: إن إسرائيل وميكائيل وجبريل وإسرافيل كقولك: عبد الله
».
- وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن الحرث البصري قال:
«ايل: الله بالعبرانية».
- وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يا بني إسرائيل} قال:
«للأحبار من اليهود {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} أي: آلائي عندكم وعند آبائكم، لما كان نجاهم به من فرعون وقومه، {وأوفوا بعهدي} الذي أخذت بأعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءكم {أوف بعهدكم} أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقكم معه وأتباعه بوضع ما كان عليهم من الإصر والأغلال {وإياي فارهبون} أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات {وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به} وعندكم به من العلم ما ليس عند غيركم {وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} أي: لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وأوفوا بعهدي}:
«يقول: ما أمرتكم به من طاعتي، ونهيتكم عنه من معصيتي، في النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره {أوف بعهدكم} يقول: أرض عنكم وأدخلكم الجنة».- وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود، مثله.
- وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال:
«هو الميثاق الذي أخذ عليهم في سورة ؟ {لقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل}[المائدة: 12] الآية».
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال:
«العهد الذي أخذ الله عليهم وأعطاهم الآية التي في سورة المائدة {لقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل}[المائدة: 12] إلى قوله:{ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار}».
- وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال:
«أوفوا بما افترضت عليكم، أوف لكم بما رايت الوعد لكم به على نفسي».
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن الضحاك في قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال:
«أوفوا بطاعتي، أوف لكم بالجنة»). [الدر المنثور: 1/ 337-340] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {وآمنوا بما أنزلت} قال:
«القرآن»، {مصدقا لما معكم} قال: «التوراة والإنجيل».
- وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله: {ولا تكونوا أول كافر به} قال:
«بالقرآن».
- وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية قال:
«يقول: يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت على محمد مصدقا لما معكم، لأنكم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل {ولا تكونوا أول كافر به} يقول: لا تكونوا أول من كفر بمحمد {ولا تشتروا بآياتي ثمنا} يقول: لا تأخذوا عليه أجرا»، قال: «وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابن آدم علم مجانا كما علمت مجانا».
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي العالية في قوله: {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} قال:
«لا تأخذ على ما علمت أجرا، فإنما أجر العلماء والحكماء على الله، وهم يجدونه عندهم: يا ابن آدم علم مجانا كما علمت مجانا».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ولا تلبسوا الحق بالباطل} قال:
«لا تخلطوا الصدق بالكذب»، {وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}، قال: «لا تكتموا الحق وأنتم قد علمتم أن محمدا رسول الله»). [الدر المنثور: 1/ 340-341]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل}.
قال أبو جعفرٍ: يعني بقوله: {ولا تلبسوا} لا تخلطوا، واللّبس: هو الخلط، يقال منه: لبّست عليهم الأمر ألبّسه لبسًا: إذا خلطته عليه.
- كما حدّثت عن المنجاب، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وللبسنا عليهم ما يلبسون}:
«يقول: لخلطنا عليهم ما يخلطون».
ومنه قول العجّاج:

لمّا لبسن الحقّ بالتّجنّي ....... غنين واستبدلن زيدًا منّ
يعني بقوله: (لبسن): خلطن.
وأمّا اللّبس فإنّه يقال منه: لبسته ألبسه لبسًا وملبسًا، وذلك في الكسوة يكتسيها فيلبسها.
ومن اللّبس قول الأخطل:

لقد لبست لهذا الدّهر أعصره ....... حتّى تجلّل رأسي الشّيب واشتعلا
ومن اللّبس قول اللّه جلّ ثناؤه: {وللبسنا عليهم ما يلبسون}.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف كانوا يلبسون الحقّ بالباطل وهم كفّارٌ، وأيّ حقٍّ كانوا عليه مع كفرهم باللّه؟
قيل: إنّه كان فيهم منافقون منهم يظهرون التّصديق بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ويستبطنون الكفر به وكان عظمهم يقولون: محمّدٌ نبيٌّ مبعوثٌ إلاّ أنّه مبعوثٌ إلى غيرنا. فكان لبس المنافق منهم الحقّ بالباطل إظهاره الحقّ بلسانه وإقراره لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وبما جاء به جهارًا، وخلطة ذلك الظّاهر من الحقّ بالباطل الّذي يستبطنه. وكان لبس المقرّ منهم بأنّه مبعوثٌ إلى غيرهم الجاحد أنّه مبعوثٌ إليهم إقراره بأنّه مبعوثٌ إلى غيرهم وهو الحقّ، وجحوده أنّه مبعوثٌ إليهم وهو الباطل، وقد بعثه اللّه إلى الخلق كافّةً. فذلك خلطهم الحقّ بالباطل ولبسهم إيّاه به.
- كما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل} قال:
«لا تخلطوا الصّدق بالكذب».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل}:
«يقول: لا تخلطوا الحقّ بالباطل، وأدّوا النّصيحة لعباد اللّه في أمر محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ:
«{ولا تلبسوا الحقّ بالباطل} اليهوديّة والنّصرانيّة بالإسلام».
- وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل} قال:
«الحقّ: التّوراة الّذي أنزل اللّه على موسى، والباطل: الّذي كتبوه بأيديهم»). [جامع البيان: 1/ 605-607]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون}.
قال أبو جعفرٍ: وفي قوله: {وتكتموا الحقّ} وجهان من التّأويل:

أحدهما: أن يكون اللّه جلّ ثناؤه نهاهم عن أن يكتموا الحقّ كما نهاهم أن يلبسوا الحقّ بالباطل. فيكون تأويل ذلك حينئذٍ: ولا تلبسوا الحقّ بالباطل، ولا تكتموا الحقّ. ويكون قوله: {وتكتموا} عند ذلك مجزومًا بما جزم به: {تلبسوا} عطفًا عليه.
والوجه الآخر منهما: أن يكون النّهي من اللّه جلّ ثناؤه لهم عن أن يلبسوا الحقّ بالباطل، ويكون قوله: {وتكتموا الحقّ} خبرًا منه عنهم بكتمانهم الحقّ الّذي يعلمونه، فيكون قوله: وتكتموا، حينئذٍ منصوبًا، لانصرافه عن معنى قوله: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل} إذ كان قوله: {ولا تلبسوا} نهيًا، وقوله: {وتكتموا الحقّ} خبرًا معطوفًا عليه غير جائزٍ أن يعاد عليه ما عمل في قوله: {تلبسوا} من الحرف الجازم، وذلك هو المعنى الّذي يسمّيه النّحويّون صرفًا.
ونظير ذلك في المعنى والإعراب قول الشّاعر:

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله ....... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
فنصب تأتي على التّأويل الّذي قلنا في قوله: {وتكتموا} الآية، لأنّه لم يرد: لا تنه عن خلقٍ ولا تأت مثله، وإنّما معناه: لا تنه عن خلقٍ وأنت تأتي مثله. فكان الأوّل نهيًا والثّاني خبرًا، فنصب الخبر إذ عطفه على غير شكله.
- فأمّا الوجه الأوّل من هذين الوجهين اللّذين ذكرنا أنّ الآية تحتملهما، فهو على مذهب ابن عبّاسٍ الّذي حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ:
«قوله: {وتكتموا الحقّ} يقول: ولا تكتموا الحقّ وأنتم تعلمون».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{وتكتموا الحقّ} أي: ولا تكتموا الحقّ».
- وأمّا الوجه الثّاني منهما فهو على مذهب أبي العالية ومجاهدٍ.
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون} قال:
«كتموا نعت محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم».
- وحدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى بن ميمونٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
وأمّا تأويل الحقّ الّذي كتموه وهم يعلمونه فهو ما حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{وتكتموا الحقّ} يقول: لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وما جاء به، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب الّتي بأيديكم».
- وحدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ:
«{وتكتموا الحقّ} يقول: إنّكم قد علمتم أنّ محمّدًا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فنهاهم عن ذلك».
- وحدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون} قال:
«يكتم أهل الكتاب محمّدًا، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل».
- وحدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون} قال:
«الحقّ هو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون} قال:
«كتموا بعث محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:
«تكتمون محمّدًا وأنتم تعلمون، وأنتم تجدونه عندكم في التّوراة والإنجيل».
فتأويل الآية إذًا: ولا تخلطوا على النّاس أيّها الأحبار من أهل الكتاب في أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وما جاء به من عند ربّه، وتزعموا أنّه مبعوثٌ إلى بعض أجناس الأمم دون بعضٍ أو تنافقوا في أمره، وقد علمتم أنّه مبعوثٌ إلى جميعكم، وجميع الأمم غيركم، فتخلطوا بذلك الصّدق بالكذب، وتكتموا به ما تجدونه في كتابكم من نعته وصفته، وأنّه رسولي إلى النّاس كافّةً، وأنتم تعلمون أنّه رسولي، وأنّ ما جاء به إليكم فمن عندي، وتعرفون أنّ من عهدي الّذي أخذت عليكم في كتابكم الإيمان به وبما جاء به والتّصديق به). [جامع البيان: 1/ 607-610]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون (42)}
قوله: {ولا تلبسوا الحق بالباطل}
[الوجه الأوّل]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل}:
«يقول: ولا تخلطوا الحقّ بالباطل، وأدّوا النّصيحة لعباد اللّه في أمر محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة في قول اللّه: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل} قال:
«لا تلبسوا اليهوديّة والنّصرانيّة بالإسلام، إنّ دين اللّه الإسلام، واليهوديّة والنّصرانيّة بدعةٌ ليست من اللّه».
قال أبو محمّدٍ: وروي عن سعيد بن جبيرٍ والرّبيع بن أنسٍ نحو ما ذكرنا عن أبي العالية، وروي عن الحسن نحو قول قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 1 /98]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وتكتموا الحقّ}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قول اللّه: {وتكتموا الحقّ} قال:
«كتموا نعت محمّدٍ، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم».
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون} أي: تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب الّتي بأيديكم».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وتكتموا الحقّ} قال:
«الحقّ هو محمّدٌ -صلّى اللّه عليه وسلّم-». وروي عن مجاهدٍ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 98-99]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأنتم تعلمون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{وأنتم تعلمون} أي: أنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب الّتي بأيديكم».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {وأنتم تعلمون} قال:
«وهم يعلمون أنّه رسول اللّه، وكتموا الإسلام وهم يعلمون أنّه دين اللّه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ولا تلبسوا الحق بالباطل} قال:
«لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام، وأنتم تعلمون أن دين الله الإسلام، وأن اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله»، {وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}، قال: كتموا محمدا وهم يعلمون أنه رسول الله، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث».
- وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في قوله: {ولا تلبسوا الحق بالباطل} قال:
«الحق: التوراة التي أنزل الله، والباطل: الذي كتبوه بأيديهم».
- وأخرج ابن جرير عن السدي عن مجاهد في قوله: {وتكتموا الحق} قال:
«هو محمد صلى الله عليه وسلم».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {واركعوا} قال:
«صلوا».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله: {واركعوا مع الراكعين} قال:
«أمرهم أن يركعوا مع أمة محمد، يقول: كونوا منهم ومعهم»). [الدر المنثور: 1/ 341-342]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واركعوا مع الرّاكعين}.
قال أبو جعفرٍ: ذكر أنّ أحبار اليهود والمنافقين كانوا يأمرون النّاس بإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة ولا يفعلونه؛ فأمرهم اللّه بإقام الصّلاة مع المسلمين المصدّقين بمحمّدٍ وبما جاء به وإيتاء زكاة أموالهم معهم وأن يخضعوا للّه ولرسوله كما خضعوا.
- كما حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة: في قوله: {وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} قال:
«فريضتان واجبتان، فأدّوهما إلى اللّه».
وقد بيّنّا معنى إقامة الصّلاة فيما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادته فى هذا الموضوع.
وأمّا إيتاء الزّكاة: فهو أداء الصّدقة المفروضة؛ وأصل الزّكاة: نماء المال وتثميره وزيادته، ومن ذلك قيل: زكا الزّرع: إذا كثر ما أخرج اللّه منه؛ وزكت النّفقة: إذا كثرت. وقيل: زكا الفرد، إذا صار زوجًا بزيادة الزّائد عليه حتّى صار به شفعًا، كما قال الشّاعر:

كانوا خسًا أو زكًا من دون أربعةٍ ....... لم يخلقوا وجدود النّاس تعتلج
قال أبو جعفرٍ: خسا: الوتر وزكا: الشفع.
وقال الراجز:

فلا خسا عديده ولا زكا ....... كما شرار البقل أطراف السّفا
قال أبو جعفرٍ: السّفا: شوك البهمى، والبهمى: الّذي يكون مدوّرًا في السّلاّء. يعني بقوله: (ولا زكا) لم يصيّرهم شفعًا من وترٍ بحدوثه فيهم.
وإنّما قيل للزّكاة زكاةٌ وهي مالٌ يخرج من مالٍ لتثمير اللّه بإخراجها ممّا أخرجت منه ما بقي عند ربّ المال من ماله.

وقد يحتمل أن تكون سمّيت زكاةً لأنّها تطهيرٌ لما بقي من مال الرّجل، وتخليصٌ له من أن تكون فيه مظلمةٌ لأهل السّهمان، كما قال جلّ ثناؤه مخبرًا عن نبيّه موسى صلوات اللّه عليه: {أقتلت نفسًا زكيّةً} يعني بريئةً من الذّنوب طاهرةً، وكما يقال للرّجل: هو عدلٌ زكيٌّ لذلك المعنى.
قال أبو جعفرٍ: وهذا الوجه أعجب إليّ في تأويل زكاة المال من الوجه الأوّل، وإن كان الأوّل مقولاً في تأويلها.

وإيتاؤها: إعطاؤها أهلها.
وأمّا الرّكوع: فهو الخضوع للّه بالطّاعة، يقال منه: ركع فلانٌ لكذا وكذا: إذا خضع له، ومنه قول الشّاعر:

بيعت بكسر لئيمٍ واستغاث بها ....... من الهزال أبوها بعد ما ركعا
يعني: بعدما خضع من شدّة الجهد والحاجة.
وهذا أمرٌ من اللّه جلّ ثناؤه لمن ذكر من أحبار بني إسرائيل ومنافقيها بالإنابة والتّوبة إليه، وبإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والدّخول مع المسلمين في الإسلام، والخضوع له بالطّاعة.

ونهيٌ منه لهم عن كتمان ما قد علموه من نبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد تظاهر حججه عليهم بما قد وصفنا قبل فيما مضى من كتابنا هذا، وبعد الإعذار إليهم والإنذار، وبعد تذكيرهم نعمه إليهم وإلى أسلافهم تعطّفًا منه بذلك عليهم وإبلاغًا إليهم في المعذرة). [جامع البيان: 1/ 611-613]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واركعوا مع الرّاكعين (43)}
قوله: {وأقيموا الصّلاة}

- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: {وأقيموا الصّلاة} قال:
«فريضةٌ واجبةٌ لا تنفع الأعمال إلا بها وبالزّكاة».
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيمٌ، ثنا الوليد، ثنا عبد الرّحمن بن نمير، قال: سألت الزّهريّ عن قول اللّه {وأقيموا الصّلاة} قال الزّهريّ:
«إقامتها أن تصلّي الصّلوات الخمس لوقتها»، قال أبو سعيد: وكذا روي عن عطاء بن أبي رباحٍ وقتادة نحو قول الحسن.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ أبو هب، ثنا بكير ابن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قال:
«قوله لأهل الكتاب: {أقيموا الصّلاة} أمرهم أن يصلّوا مع النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 99]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وآتوا الزكاة}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن طلحة، عن ابن عبّاسٍ:
«قوله: {وآتوا الزّكاة} يعني الزكاة طاعة لله والإخلاص».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكرٍ وعثمان ابنا أبي شيبة، قالا: ثنا وكيعٌ، عن أبي جنابٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وآتوا الزّكاة} قال: ما يوجب الزّكاة؟ قال:
«مائتين فصاعدًا».
- حدّثنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، ثنا حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة: {وآتوا الزّكاة} قال:
«زكاة المال من كلّ مائتي درهمٍ قفلة خمسة دراهم».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن: {وآتوا الزّكاة} قال:
«فريضةٌ واجبةٌ لا تنفع الأعمال إلا بها مع الصّلاة».
قال أبو محمّدٍ: وكذا روي عن قتادة.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن أبي حيّان التّيميّ، عن الحارث العكليّ، في قوله: {وآتوا الزّكاة} قال:
«صدقة الفطر».
الوجه الرّابع:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان:
«قوله لأهل الكتاب: {وآتوا الزّكاة} أمرهم أن يؤتوا الزّكاة، يدفعونها إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 99-100]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {واركعوا مع الرّاكعين}
- حدّثنا أبو سعيدٍ، حدّثنا رجلٌ سمّاه، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {واركعوا} قال:
«صلّوا».
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ الشّقيقيّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان:
«قوله لأهل الكتاب: {واركعوا مع الرّاكعين} أمرهم أن يركعوا مع الرّاكعين، مع أمّة محمّدٍ يقول: كونوا منهم ومعهم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 100]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 03:17 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: ({يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم...}
المعنى: لا تنسوا نعمتي، لتكن منكم على ذكر، وكذلك كل ما جاء من ذكر النعمة فإن معناه -والله أعلم- على هذا: فاحفظوا ولا تنسوا. وفي حرف عبد الله: "ادّكروا". وفي موضع آخر: "وتذكّروا ما فيه"، ومثله في الكلام أن تقول: "اذكر مكاني من أبيك".
وأمّا نصب الياء من "نعمتي"؛ فإن كل ياء كانت من المتكلم ففيها لغتان: الإرسال والسّكون، والفتح، فإذا لقيتها ألفٌ ولام، اختارت العرب اللغة التي حرّكت فيها الياء وكرهوا الأخرى؛ لان اللاّم ساكنة فتسقط الياء عندها لسكونها، فاستقبحوا أن يقولوا: (نعمتي التي)، فتكون كأنها مخفوضة على غير إضافة، فأخذوا بأوثق الوجهين وأبينهما.
وقد يجوز إسكانها عند الألف واللام؛ وقد قال الله: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} فقرئت بإرسال الياء ونصبها، وكذلك ما كان في القرآن مما فيه ياء ثابتة ففيه الوجهان، وما لم تكن فيه الياء لم تنصب.
وأمّا قوله: {فبشّر عباد * الّذين يستمعون القول} فإن هذه بغير ياء، فلا تنصب ياؤها وهي محذوفة؛ وعلى هذا يقاس كل ما في القرآن منه، وقوله: {فما آتاني اللّه خيرٌ ممّا آتاكم} زعم الكسائيّ أن العرب تستحبّ نصب الياء عند كل ألف مهموزة سوى الألف واللام، مثل قوله: {إن أجري إلاّ على اللّه} و{إنّي أخاف اللّه} ولم أر ذلك عند العرب؛ رأيتهم يرسلون الياء فيقولون: "عندي أبوك"، ولا يقولون: "عنديَ أبوك" بتحريك الياء إلا أن يتركوا الهمز فيجعلوا الفتحة في الياء في هذا ومثله. وأما قولهم: "لي ألفان"، و"بي أخواك كفيلان"، فإنهم ينصبون في هذين لقلتهما، فيقولون: "ليَ أخواك"، و"لي ألفان"، لقلتهما، والقياس فيهما وفيما قبلهما واحد). [معاني القرآن: 1/ 29-30]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيّاي فارهبون}
أما قوله: {يا بني إسرائيل} فمن العرب من يهمز ومنهم من لا يهمز، ومنهم من يقول: (إسرائل)، يحذف الياء التي بعد الهمزة ويفتح الهمزة ويكسرها.
باب المجازاة:
فأما قوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} فإنما جزم الآخر؛ لأنه جواب الأمر، وجواب الأمر مجزوم مثل جواب ما بعد حروف المجازاة، كأنه تفسير "إن تفعلوا أوف بعهدكم"، وقال في موضع آخر: {ذرونا نتّبعكم} وقال: {فذرهم في خوضهم يلعبون} فلم يجعله جواباً، ولكنه كأنهم كانوا يلعبون فقال: "ذرهم في حال لعبهم"، وقال: {ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا ويلههم الأمل} وليس من أجل الترك يكون ذلك، ولكن قد علم الله أنه يكون وجرى على الإعراب، كأنه قال: "إن تركتهم ألهاهم الأمل"، وهم كذلك تركهم أو لم يتركهم، كما أن بعض الكلام يعرف لفظه، والمعنى على خلاف ذلك، وكما أن بعضهم يقول: "كذب عليكم الحجّ". فـ"الحجّ" مرفوع وإنما يريدون أن يأمروا بالحج، قال الشاعر:

كذب العتيق وماء شنٍّ باردٍ ........ إن كنت سائلتي غبوقاً فاذهبي
وقال:
وذبيانيةٌٍ توصي بنيها ........ ألا كذب القراطف والقروف
قال أبو عبد الله: "القراطف"، واحدها "قرطفٌ" وهو: كل ما له خملٌ من الثياب، و"القروف" واحدها "قرفٌ" وهو: وعاءٌ من جلود الإبل كانوا يغلون اللحم ويحملونه فيه في أسفارهم.
ويقولون: "هذا جحر ضبٍّ خربٍ" والخرب هو: الجحر، ويقولون: "هذا حبّ رمّاني"، فيضيف الرمّان إليه وإنما له الحبّ، وهذا في الكلام كثير.
وقوله: {قل لّلّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه} و{وقل لّعبادي يقولوا الّتي هي أحسن} فأجراه على اللفظ حتى صار جواباً للأمر، وقد زعم قوم: إن هذا إنما هو على "فليغفروا" و"قل لعبادي فليقولوا"، وهذا لا يضمر كله -يعني: الفاء واللام- ولو جاز هذا لجاز قول الرجل: "يقم زيدٌ"، وهو يريد "ليقم زيدٌ"، وهذه الكلمة أيضاً أمثل؛ لأنك لم تضمر فيها الفاء مع اللام.
وقد زعموا أن اللام قد جاءت مضمرة، قال الشاعر:

محمّد تفد نفسك كلّ نفسٍ ........ إذا ما خفت من شيءٍ تبالا
يريد: "لتفد"، وهذا قبيح.
وقال: "تق اللّه امرؤٌ فعل كذا وكذا" ومعناه: "ليتّق اللّه". فاللفظ يجيء كثيرا مخالفاً للمعنى. وهذا يدل عليه. قال الشاعر في ضمير اللام:

على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي ........ لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى
يريد "ليبك من بكى" فحذف، وسمعت من العرب من ينشد هذا البيت بغير لام:
فيبك على المنجاب أضياف قفرةٍ ........ سروا وأسارى لم تفكّ قيودها
يريد: "فليبك"، فحذف اللام.
باب تفسير أنا وأنت وهو:
وأما قوله: {وإيّاي فارهبون} و{وإيّاي فاتّقون} فقال: {وإيّاي} وقد شغلت الفعل بالاسم المضمر الذي بعده الفعل؛ لأن كل ما كان من الأمر والنهي في هذا النحو فهو منصوب نحو قولك: "زيداً فاضرب أخاه"؛ لأن الأمر والنهي مما يضمران كثيراً، ويحسن فيهما الإضمار، والرفع أيضاً جائز على أن لا يضمر. قال الشاعر:


وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم ........ وأكرومة الحيّين خلّو كما هيا
وأما قوله: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ مّنهما} و{والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما} فزعموا -والله أعلم- أن هذا على الوحي، كأنه يقول "وممّا أقصّ عليكم الزانية والزاني، والسارقة والسارق" ثم جاء بالفعل من بعد ما أوجب الرفع على الأول على الابتداء وهذا على المجاز؛ كأنه قال "أمر السارق والسارقة وشأنهما مما نقصّ عليكم"، ومثله قوله: {مّثل الجنّة الّتي وعد المتّقون} ثم قال: {فيها أنهارٌ مّن مّاءٍ}، كأنه قال: "وممّا أقصّ عليكم مثل الجنة" ثم أقبل يذكر ما فيها بعد أن أوجب الرفع في الأول على الابتداء. وقد قرأها قوم نصباً إذ كان الفعل يقع على ما هو من سبب الأول، وهو في الأمر والنهي، وكذلك ما وقع عليه حرف الاستفهام نحو قوله: {أبشراً منّا واحداً نتّبعه}، وإنما فعل هذا في حروف الاستفهام؛ أنه إذا كان بعده اسم وفعل كان أحسن أن يبتدئ بالفعل قبل الاسم، فإن بدأت بالاسم أضمرت له فعلا حتى تحسن الكلام به، وإظهار ذلك الفعل قبيح.
وما كان من هذا في غير الأمر والنهي والاستفهام والنفي؛ فوجه الكلام فيه الرفع، وقد نصبه ناس من العرب كثير، وهذا الحرف قد قرئ نصباً ورفعا ً {وأمّا ثمود فهديناهم}.
وأما قوله: {إنّا كلّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ} فهو يجوز فيه الرفع، وهي اللغة الكثيرة غير أن الجماعة اجتمعوا على النصب، وربما اجتمعوا على الشيء كذلك مما يجوز والأصل غيره؛ لأن قولك: "إنّا عبد اللّه ضربناه" مثل قولك: "عبد اللّه ضربناه"؛ لأن معناهما في الابتداء سواء، قال الشاعر:


فأمّا تميمٌ تميمُ بن مرٍّ ........ فألفاهم القوم روبى نياما
وقال:
إذا ابن أبي موسى بلالٌ بلغته ........ فقام بفأسٍ بين وصليك جازر
ويكون فيهما النصب؛ فمن نصب {وأما ثمود} نصب على هذا.
وأما قوله: {يدخل من يشاء في رحمته والظّالمين أعدّ لهم}، وقوله: {أأنتم أشدّ خلقاً أم السّماء بناها} ثم قال: {والأرض بعد ذلك دحاها}، وقال: {الرحمن (1) علّم القرآن (2) خلق الإنسان (3) علّمه البيان} ثم قال: {والسّماء رفعها ووضع الميزان}، وقال: {وكلاًّ ضربنا له الأمثال وكلاًّ تبّرنا تتبيراً} فهذا إنما ينصب، وقد سقط الفعل على الاسم بعده؛ لأن الاسم الذي قبله قد عمل فيه، فأضمرت فعلاً فأعملته فيه حتى يكون العمل من وجه واحد، وكان ذلك أحسن، قال الشاعر:

نغالي اللحم للأضياف نيئاً ........ ونرخصه إذا نضج القدور
يريد "نغالي باللحم"، فإن قلت: {يدخل من يشاء} ليس بنصب في اللفظ، فهو في موضع نصب قد عمل فيه فعل، كما قلت: "مررت بزيدٍ وعمراً ضربته"، كأنك قلت: "مررت زيداً"، وقد يقول هذا بعض الناس، قال الشاعر:

أصبحت لا أحمل السلاح ولا ........ أَمْلِك رأس البعير إن نفرا
والذيب أخشاه إن مررت به
........ وحدي وأخشى الرياح والمطرا
وكلّ هذا يجوز فيه الرفع على الابتداء، والنصب أجود وأكثر.
وأما قوله: {يغشى طائفةً مّنكم وطائفةٌ قد أهمّتهم أنفسهم} فإنما هو على قوله "يغشى طائفةً منكم وطائفةٌ في هذه الحال"، و هذه واو ابتداء لا واو عطف، كما تقول: "ضربت عبد اللّه وزيدٌ قائم". وقد قرئت نصبا لأنها مثل ما ذكرنا، وذلك لأنه قد يسقط الفعل على شيء من سببها وقبلها منصوب بفعل، فعطفتها عليه وأضمرت لها فعلها فنصبتها به، وما ذكرنا في هذا الباب من قوله: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما} وقوله: {الزّانية والزّاني فاجلدوا} ليس في قوله: {فاقطعوا} و{فاجلدوا} خبر مبتدأ؛ لأن خبر المبتدأ هكذا لا يكون بالفاء، فلو قلت "عبد اللّه فينطلق" لم يحسن، وإنما الخبر هو المضمر الذي فسرت لك من قوله: (ومما نقص عليكم)، وهو مثل قوله:


وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم ........ وأكرومة الحيّين خلوٌ كما هيا
كأنه قال: "هؤلاء خولان"، كما تقول: "الهلال فانظر إليه"، كأنك قلت: "هذا الهلال فانظر إليه" فأضمر الاسم.
فأما قوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} فقد يجوز أن يكون هذا خبر المبتدأ، لأن "الذي" إذا كان صلته فعل جاز أن يكون خبره بالفاء نحو قول الله عز وجل: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} ثم قال: {فأولئك مأواهم جهنّم}). [معاني القرآن: 1/ 57-62]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن والأعرج وأبو عمرو {أوف بعهدكم}، من أوفيت.
الزهري "أوف بعهدكم"، من وفيت.
الأعرج "وإياي فارهبون"، و{محياي ومماتي} يسكن الياء؛ وذلك شاذ لا يؤخذ به؛ لأنه يجمع بين ساكنين بغير تثقيل.
وقراءة العامة بالنصب لتحرك الياء لئلا يلتقي ساكنان؛ وهي الجيدة). [معاني القرآن لقطرب: 246]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {يا بني إسرائيل} فاسم أعجمي، ولغة: إسرال، وأخرى: إسراين بالنون.
وقال أمية:
لا أرى من يعيشني في حياتي = غير نفسي إلا بني إسرالا
وكذلك إسماعيل، وإسماعين لغة، وإبراهيم وإبراهم.
قال أمية:
مع إبراهم التقي وموسى = وابن يعقوب عصمة في الهزال). [معاني القرآن لقطرب: 302]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} فالحال في ياء الإضافة هذه، أنه قد قرأ قوم {لا ينال عهدي الظالمين} و{لكم دينكم ولي دين} والسكون حسن، وكأنه الذي نختار ويكثر؛ كقول الله عز ولج {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} و{هؤلاء ضيفي} بإسكان الياء؛ وهذا غلامي وداري.
وقد قال بعض أهل الحجاز: هذا غلام قد جاء؛ فحذف الياء وحرك بغير ياء؛ وقد ذكرنا ما فيه.
قال الشاعر:
ها إن أحدث ذاك مصرع مالك = سربت دموع بهن فهي سجوم
كسر العين بغير ياء، يريد: دموعي.
فإذا صرت إلى النداء حذف الياء؛ وذلك أكثر وأغلب؛ وذلك قول الله عز وجل {يا رب إن هؤلاء قوم} {يا عباد فاتقون} {يا بني إنها}، ويا غلام أقبل، و{يا أبت لم تعبد}.
[وقال محمد بن صالح في روايته]:
قال أبو علي: وأما قول أبي ذؤيب:
ألكني إليها وخير الرسول أعلمهم بنواحي الخبر
فإنه يريد: خير الرسل، وهو المعنى، والرسالة هاهنا فيها ضعف.
[معاني القرآن لقطرب: 408]
وأما قوله عز وجل {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} في ياء الإضافة أنه قد قرأ قوم {لا ينال عهدي الظالمين} ففتحوها و{لكم دينكم ولي دين} هي لغة بني أسد وعليا قيس.
والسكون كأنه أحسن في مثل {هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} {ولا تخزون في ضيفي أليس منكم} {ولي دين}، وهذا غلامي وداري؛ والسكون لا بأس به.
وقال بعضهم: هذا غلام قد جاء.
فمن قال: غلامي العاقل، و{نعمتي التي} و{من بعدي اسمه}؛ كأنه لما لقيها من الساكن ما يذهبها كرهوا إذهابها فحركوها؛ لأنها علامة للمضاف واسم له؛ فلما كان "هذا غلامي قد جاء" لغة معروفة، كان الساكن إذا لقيها زادها حسنا في التحريك لها، لئلا تذهب؛ وقد قال بعض أهل الحجاز: هذا غلام قد جاء، فحذف الياء وأبقى الكسرى، فدلت على الإضافة.
قال الشاعر:
ها إن أحدث ذاك مصرع مالك = سربت دموع بهن فهي سجوم
يريد: دموعي؛ فحذف الياء.
وقال الآخر:
ومن قبل نادى كل مولى قرابة = فما عطفت مولى عليه العواطف
فكسر بغير ياء، أراد: قبلي.
[معاني القرآن لقطرب: 409]
وقال الآخر:
وقل في سؤال الحي أخبرك عنهم = بعلم ولم يخبرك مثل خبير
يريد: مثلي.
فإذا صرت إلى النداء حذفت الياء وكان الأكثر، وذلك مثل: {يا رب إن قومي} و{يا عباد فاتقون} و{يا بني إنها إن تك} و{يا أبت لم تعبد}، ويا غلام لا تفعل؛ وإنما كان الحذف في النداء أحسن؛ لأن النداء يحذف منه التنوين؛ والتنوين يعاقب المضاف، فحذفت الياء كما حذف التنوين وتركت الكسرة تدل على الإضافة.
ومع ذا، أن النداء قد حذف فيه بعض الاسم في الترخيم، إذا قال: يا حار، يا مال؛ وحذف الاسم كله في: يا افعل، ويا قل خيرًا؛ كأنه قال: يا هذا افعل؛ فكان ذلك مما يحسن حذف الإضافة؛ لأن قائلاً لو قال: إن الاسم غير المنصوب مثل: أحمد وعمر لا تنوين فيه، وأنت إذا أضفت أدخلت الياء، فقلت: أحمدي وعمري؛ فلأن هذا ليس موضع حذف إلا التنوين وحده، وليس كالمنادي؛ لما ذكرنا.
فإن قال قائل: فلم لا حذفوا هاء الإضافة في: يا غلامة ويا صاحبه، فقال: يا غلام ويا صاحب؛ فدلوا بالفتحة على الهاء؟
قيل: لأن الفتحة لا تدل على الهاء وحدها؛ لأنها قد تكون للمظهر أيضًا، في: يا غلام زيد ويا صاحب عمرو، والكسرة في "غلام" لا تكون إلا للياء وحدها؛ فلم يخافوا فيها التباسًا.
وإن أدخلت الياء فلا بأس؛ وهي في النداء مسكنة في لغة بعض قيس وتميم.
[معاني القرآن لقطرب: 410]
قال زهير:
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن = تحملن بالعلياء من فوق جرثم
[قال أبو الحسن: إلى هاهنا قول محمد بن صالح؛ وقال: العبدي]:
وإنما كان الحذف في النداء أحسن لأن النداء يحذف منه التنوين، والتنوين معاقب للمضاف، فحذفت الياء كما حذف التنوين، وتركت الكسرة تدل على الإضافة.
وقال رؤية:
يا رب إن أخطأت أو نسيت = .............
وهو يريد: يا ربي.
وبعض العرب يقول على ذلك: يا نفس اصبري؛ يريد: يا نفسي، بالإضافة.
وقالت امرأة جاهلية.
يا عين بكي لمسعود بن شداد = ..............
قال أبو علي: فإن أدخلت الياء في الإضافة، فلا بأس بها.
قال زهير:
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن = تحملن بالعلياء من فوق جرثم
[وقالا جميعًا]:
[معاني القرآن لقطرب: 411]
وهي قراءة أهل المدينة وأبي عمرو {يا عبادي}؛ وفي قراءة ابن أبي النجود يحرك الياء {يا عبادي لا خوف عليكم}، وأما {يا أبت لم تعبد} فإنهم يقولون أيضًا: يا أب لا تفعل، ويا أب لا تفعل.
وقال يونس في الأم: يا أم لا تفعلي، وبعض العرب يقول: يا أمه لا تفعلي، وقالوا أيضًا: يا أباه، ويا أماه؛ فقلبوها أيضًا.
وإذا أدخلت ياء الإضافة على ألف ساكنة، وعلى ياء أو واو ساكنتين، حركتها بالفتح؛ لئلا يلتقي ساكنان؛ والفتح أخف فصاروا إليه فأدخلوها على الألف، كقول الله عز وجل {ومحياي ومماتي} و{فمن تبع هداي فلا خوف} وكقوله عز وجل {يا بشراى هذا غلام}.
وقد أبدل بعض العرب من أهل العالية، وبعض فزارة - فيما زعم يونس - من الألف ياء ثم أدغم، وقد فسرنا ذلك.
ومنه قول أبي ذؤيب:
سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم = فتخرموا ولكل جنب مصرع
وقول طلحة: بايعت واللج على قفي.
وقال آخر:
يطوف بي عكب في معد = ويطعن بالصملة في قفيا
فإن لم تثأروا لي من عكب = فلا أرويتما أبدا صديا
[معاني القرآن لقطرب: 412]
وهي قراءة ابن أبي إسحاق "فمن تبع هدي" وكذلك عصي وقفي، يريد: عصاي وقفاي.
قال: ولا يقال ذلك في ألف الإعراب، إذا قلت: رجلاي وغلاماي؛ لأن الرفع ينقلب إلى لفظ النصب والخفض فيلتبس.
وحكي عن الأعرج {ومحياي ومماتي} بإسكان ياء الإضافة؛ و"إياي فارهبون} وهذا غير مستحسن، شاذ للجمع بين ساكين ليس أحدهما مثقلاً، كدابة وشابة، إلا أن الأولى ألف وفيها مد، وهو أحسن منه لو كان مع غيرها من حروف المعجم؛ لأن المد واللين الذي فيها كأنه حركة.
وأما الياء فقوله {يا بني لا تدخلوا من باب واحد} {وما أنتم بمصرخي} وكقولك: يا معطي، ويا رامي؛ وكذلك المرفوع بالواو إذا قلت: هؤلاء بني ومسلمي؛ والأصل: بنوي ومسلموي؛ فتنقلب الواو إلى الياء، ثم تدغم فيها.
وأما قراءة الأعمش {وما أنتم بمصرخي} فيكسر، وهي لغة لبني يربوع إدخال ياء أخرى مع ياء الإضافة؛ وذلك رديء مرغوب عنه.
وحكى بعضهم بيت النابغة:
لعمرو علي نعمة بعد نعمة = ووالده ليست بذات عقارب
[معاني القرآن لقطرب: 413]
فأدخل ياء أخرى مع ياء الإضافة.
وقال آخر:
لعمري لأعرابية في عباءة أحب إليي من ذوات المجاسد
أدخل ياء أخرى مع ياء الإضافة.
وقال الأغلب:
ماض إذا ما هم بالمضي = قال لها هل لك يا تافي
بالكسر، والقوافي مكسورة.
وقال بعضهم:
إن بنيي صبية صيفيون = أفلح من كان له ربعيون
كسر، وأدخل ياء عليهم). [معاني القرآن لقطرب: 414]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وأوفوا بعهدي} أي: أوفوا لي بما قبلتموه من أمري ونهيي.
{أوف بعهدكم} أي: أوف لكم بما وعدتكم على ذلك من الجزاء). [تفسير غريب القرآن: 47]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيّاي فارهبون (40)}
نصب {بني إسرائيل} لأنه نداء مضاف، وأصل النداء النصب لأن معناه معنى "ناديت" و "دعوت". و"إسرائيل" في موضع خفض إلا إنّه فتح آخره لأنه لا ينصرف، وفيه شيئان يوجبان منع الصرف، وهما أنّه أعجمي وهو معرفة، وإذا كان الاسم كذلك لم ينصرف، إذا جاوز ثلاثة أحرف عند النحويين، وفي قوله: {نعمتي الّتي أنعمت عليكم} وجهان، أجودهما فتح الياء؛ لأنّ الذي بعدها ساكن -وهو لام المعرفة- فاستعمالها كثير في الكلام فاختير فتح الياء معها لالتقاء السّاكنين، ولأن الياء لو لم يكن بعدها ساكن كان فتحها أقوى في اللغة، ويجوز أن تحذف الياء في اللفظ لالتقاء السّاكنين فتقرأ: (نعمت التي) أنعمت بحذف الياء، والاختيار: إثبات الياء وفتحها؛ لأنه أقوى في العربية وأجزل في اللفظ وأتم للثواب؛ لأن القارئ يجازى على كل ما يقرؤه من كتاب اللّه بكل حرف حسنة، فإن إثباته أوجه في اللغة، فينبغي إثباته لما وصفنا.
فأما قوله عزّ وجلّ: {هارون أخي (30) اشدد به أزري (31)}؛ فلم يكثر القراء فتح هذه الياء، وقال أكثرهم بفتحها مع الألف واللام.
ولعمري إن اللام المعرفة أكثر في الاستعمال، ولكني أقول: الاختيار "أخيَ اشدد" بفتح الياء لالتقاء السّاكنين، كما فتحوا مع اللام، لأن اجتماع ساكنين مع اللام وغيرها معنى واحد، وإن حذفت فالحذف جائز حسن، إلا أن الأحسن ما وصفنا.
وأمّا معنى الآية في التذكير بالنعمة، فإنهم ذكروا بما أنعم به على آبائهم من قبلهم، وأنعم به عليهم، والدليل على ذلك قوله: {إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً} فالذين صادفهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا أنبياء، وإنّما ذكّروا بما أنعم به على آبائهم وعليهم في أنفسهم وفي آبائهم، وهذا المعنى موجود في كلام العرب معلوم عندها، يفاخر الرجل الرجل فيقول: "هزمناكم يوم ذي قار"، ويقول: "قتلناكم يوم كذا"، معناه: قتل آباؤنا آباءكم.
وقوله عزّ وجلّ: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} معناه -واللّه أعلم- قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه} فتمام تبيينه أن يخبروا بما فيه من ذكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد بيّنّا ما يدل على ذكر العهد قبل هذا، وفيه كفاية.
وقوله عزّ وجلّ: {وإيّاي فارهبون} نصب بالأمر كأنه في المعنى "أرهبوني" ويكون الثاني تفسير هذا الفعل المضمر، ولو كان في غير القرآن لجاز: "وأنا فارهبون"، ولكن الاختيار في الكلام والقرآن والشعر (وإيّاي فارهبون) حذفت الياء وأصله "فارهبوني"؛ لأنها فاصلة، ومعنى فاصلة رأس آية؛ ليكون النظم على لفظ متسق، ويسمّي أهل اللغة رؤوس الآي: الفواصل، وأواخر الأبيات: القوافي.
ويقال: "وفيت له بالعهد فأنا واف به"، و"أوفيت له بالعهد فأنا موف به". والاختيار: أوفيت، وعليه نزل القرآن كله قال الله عزّ وجلّ: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} وقال: {وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم} وقال: {فأوفوا الكيل والميزان}، وكل ما في القرآن بالألف، وقال الشاعر في "أوفيت" و"وفيت"، فجمع بين اللغتين في بيت واحد:

أما ابن عوف فقد أوفى بذمته ........ كما وفى بقلاص النجم حاديها
). [معاني القرآن: 1/ 119-122]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَوْفُواْ بِعَهْدِي}: بأمري. {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}: بوعدكم). [العمدة في غريب القرآن: 74]

تفسير قوله تعالى: {وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً...} وكل ما كان في القرآن من هذا قد نصب فيه الثّمن، وأدخلت الباء في المبيع أو المشترى، فإن ذلك أكثر ما يأتي في الشيئين، لا يكونان ثمناً معلوماً مثل "الدنانير" و"الدراهم"؛ فمن ذلك: اشتريت ثوباً بكساء؛ أيّهما شئت تجعله ثمناً لصاحبه؛ لأنه ليس من الأثمان، وما كان ليس من الأثمان مثل: الرقيق والدّور وجميع العروض فهو على هذا، فإن جئت إلى "الدراهم" و"الدنانير" وضعت الباء في الثّمن، كما قال في سورة يوسف: {وشروه بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودةٍ}؛ لأن "الدراهم" ثمنٌ أبداً، والباء إنما تدخل في الأثمان، فذلك قوله: {اشتروا بآيات اللّه ثمناً قليلاً}، {اشتروا الحياة الدّنيا بالآخرة}، {اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة}، فأدخل الباء في أي هذين شئت حتى تصير إلى "الدنانير" و"الدراهم"، فإنك تدخل الباء فيهن مع العروض، فإذا اشتريت أحدهما -يعني: "الدنانير" و"الدراهم"- بصاحبه أدخلت الباء على أيّهما شئت؛ لأن كل واحد منهما في هذا الموضع بيعٌ وثمنٌ، فإن أحببت أن تعرف فرق ما بين العروض وبين "الدراهم"، فإنك تعلم أن من اشترى عبداً بألف درهم معلومة، ثم وجد به عيبا فردّه لم يكن له على البائع أن يأخذ ألفه بعينه، ولكن ألفا. ولو اشترى عبدا بجارية ثم وجد به عيبا لم يرجع بجارية أخرى مثلها، فذلك دليل على أن العروض ليست بأثمان). [معاني القرآن: 1 /30]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به...}
فوحّد "الكافر" وقبله جمعٌ، وذلك من كلام العرب فصيحٌ جيدٌ في الاسم إذا كان مشتقّاً من فعل، مثل الفاعل والمفعول؛ يراد به: "ولا تكونوا أوّل من يكفر" فتحذف "من" ويقوم الفعل مقامها، فيؤدّي الفعل عن مثل ما أدّت "من" عنه من التأنيث والجمع وهو في لفظ توحيد، ولا يجوز في مثله من الكلام أن تقول: أنتم أفضل رجلٍ؛ ولا أنتما خير رجل؛ لأن الرجل يثنّى ويجمع ويفرد، فيعرف واحده من جمعه، والقائم قد يكون لشيء ولـ(من) فيؤدّى عنهما وهو موحّد؛ ألا ترى أنك قد تقول: الجيش مقبلٌ والجند منهزمٌ، فتوحّد الفعل لتوحيده، فإذا صرت إلى الأسماء قلت: الجيش رجالٌ والجند رجالٌ؛ ففي هذا تبيان؛ وقد قال الشاعر:

وإذا هم طعموا فألأم طاعم ........ وإذا هم جاعوا فشرّ جياع
فجمعه وتوحيده جائز حسنٌ). [معاني القرآن: 1/ 32-33]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وآمنوا بما أنزلت مصدّقا لما معكم ولا تكونوا أوّل كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإيّاي فاتّقون (41)}
يعني: القرآن، ويكون أيضاً {ولا تكونوا أوّل كافر}: بكتابكم وبالقرآن، إن شئت عادت الهاء على قوله: {لما معكم}، وإنما قيل لهم: {ولا تكونوا أوّل كافر}، لأن الخطاب وقع على حكمائهم فإذا كفروا كفر معهم الأتباع، فلذلك قيل لهم: {ولا تكونوا أوّل كافر}.
فإن قال قائل: كيف تكون الهاء لكتابهم؟
قيل له: إنهم إذا كتموا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في كتابهم، فقد كفروا به، كما إنّه من كتم آية من القرآن فقد كفر به.
ومعنى {ولا تكونوا أوّل كافر به} -إذا كان بالقرآن-: لا مؤنة فيه؛ لأنهم يظهرون أنهم كافرون بالقرآن، ومعنى {أوّل كافر}: أول الكافرين.
قال بعض البصريين في هذا قولين:
قال الأخفش: معناه: أول من كفر به، وقال البصريون أيضا: معناه: ولا تكونوا أول فريق كافر به، أي: بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكلا القولين صواب حسن.
وقال بعض النحويين: إن هذا إنما يجوز في فاعل ومفعول، تقول: الجيش منهزم، والجيش مهزوم، ولا يجوز فيما ذكر: الجيش رجل، والجيش فرس، وهذا في فاعل ومفعول أبين، لأنك إذا قلت: الجيش منهزم، فقد علم أنك تريد هذا الجيش، فنقطت في لفظه بفاعل؛ لأن المعنى الذي وضع عليه الجيش معنى يدل على جمع، فهو "فعال" و"مفعول" يدل على ما يدل عليه الجيش، وإذا قلت: الجيش رجل، فإنما يكره في هذا أن يتوهم أنك تقلله، فأمّا إذا عرف معناه، فهو سائغ جيد.
تقول: جيشهم إنّما هو فرس ورجل، أي: ليس بكثير الأتباع، فيدل المعنى على أنك تريد: الجيش خيل ورجال، وهذا في "فاعل" و"مفعول" أبين كما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ {أوّل كافر به} اللغة العليا والقدمى: الفتح في الكاف، وهي لغة أهل الحجاز، والإمالة في الكاف أيضاً جيّد بالغ في اللغة؛ لأن فاعلا ً إذا سلم من حروف الإطباق وحروف المستعلية: كانت الإمالة فيه سائغة إلا في لغة أهل الحجاز، والإمالة لغة بني تميم، وغيرهم من العرب، ولسان الناس الذين هم بالعراق جار على لفظ الإمالة، فالعرب تقول: هذا عابد وهو عابد، فيكسرون ما بعدها إلا أن تدخل حروف الإطباق، وهي: الطاء والظاء والصاد والضاد، لا يجوز في قولك: فلان ظالم، "ظالم" ممال، ولا في: طالب، "طالب" ممال، ولا في: صابر، "صابر" ممال، ولا في: ضابط، "ضابط" ممال، وكذلك حروف الاستعلاء وهي: الخاء والغين والقاف، لا يجوز في: غافل، "غافل" ممال، ولا في: خادم، "خادم" ممال، ولا في: قاهر، "قاهر" ممال، وباب الإمالة يطول شرحه إلا أن هذا -في هذا الموضع- هو المقصود وقدر الحاجة). [معاني القرآن: 1/ 122-124]

تفسير قوله تعالى:{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون...}
إن شئت جعلت {وتكتموا} في موضع جزم؛ تريد به: ولا تلبسوا الحقّ بالباطل ولا تكتموا الحقّ، فتلقى "لا" لمجيئها في أوّل الكلام، وفي قراءة أبيّ: (ولا تكونوا أوّل كافرٍ به وتشتروا بآياتي ثمناً قليلاً)، فهذا دليلٌ على أنّ الجزم في قوله: {وتكتموا الحقّ} مستقيمٌ صوابٌ، ومثله: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام}، وكذلك قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}، وإن شئت جعلت هذه الأحرف المعطوفة بالواو نصباً على ما يقول النحويّون من الصّرف؛ فإن قلت: وما الصّرف؟
قلت: أن تأتى بالواو معطوفةً على كلامٍ في أوّله حادثةٌ لا تستقيم إعادتها على ما عطف عليها، فإذا كان كذلك فهو الصّرف؛ كقول الشاعر:


لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله ........ عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ألا ترى أنه لا يجوز إعادة "لا" في "تأتى مثله"؛ فلذلك سمّى صرفاً إذ كان معطوفاً ولم يستقم أن يعاد فيه الحادث الذي قبله، ومثله من الأسماء التي نصبتها العرب، وهي معطوفة على مرفوع قولهم: لو تركت والأسد لأكلك، ولو خلّيت ورأيك لضللت، لمّا لم يحسن في الثاني أن تقول: لو تركت وترك رأيك لضللت؛ تهّيبوا أن يعطفوا حرفاً لا يستقيم فيه ما حدث في الذي قبله.
قال: فإنّ العرب تجيز الرّفع؛ لو ترك عبد الله والأسد لأكله، فهل يجوز في الأفاعيل التي نصبت بالواو على الصّرف أن تكون مردودة على ما قبلها وفيها معنى الصّرف؟
قلت: نعم؛ العرب تقول: لست لأبي إن لم أقتلك أو تذهب نفسي، ويقولون: والله لأضربنّك أو تسبقنّي في الأرض، فهذا مردودٌ على أوّل الكلام، ومعناه : الصّرف؛ لأنهّ لا يجوز على الثاني إعادة الجزم بـ(لم)، ولا إعادة اليمين على: والله لتسبقنّي، فتجد ذلك إذا امتحنت الكلام، والصّرف في غير "لا" كثير إلا أنا أخّرنا ذكره حتى تأتى مواضعه). [معاني القرآن: 1/ 32-33]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {ولا تلبسوا الحق بالباطل} يقال: لبس يلبس لبسا: خلط وبدل؛ و{في لبس من خلق جديد} من ذلك). [معاني القرآن لقطرب: 302]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون (42)}
يقال: لبست عليهم الأمر أَلبِسُه، إذا أعمّيته عليهم، ولبست الثوب ألبسه، ومعنى الآية: {لا تلبسوا الحق} و"الحق" ههنا: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وما أتى به من كتاب الله -عزّ وجلّ-، وقوله {بالباطل} أي: بما يحرفون.
وقوله عزّ وجلّ: {وأنتم تعلمون} أي: تأتون لبسكم الحق وكتمانه على علم منكم وبصيرة.
وإعراب {ولا تلبسوا} الجزم بالنهي، وعلامة الجزم سقوط النون، أصله: "تلبسون" و"تكتمون"، يصلح أن يكون جزماً على معنى {ولا تكتموا الحق}، ويصلح أن يكون نصباً، وعلامة النصب أيضاً سقوط النون، أما إذا نصبت فعلى معنى الجواب بالواو.
ومذهب الخليل وسيبويه والأخفش وجماعة من البصريين: أن جميع ما انتصب في هذا الباب فبإضمار "أن"، كأنك قلت: لا يكن منكم إلباس الحق وكتمانه، كأنّه قال: وإن تكتموه، ودلّ "تلبسوا" على لبس، كما تقول: من كذب كان شرّا، ودل ما في صدر كلامك على الكذب فحذفته). [معاني القرآن: 1/ 124-125]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} فبعض أهل اليمن - وحكيت عن الخليل أيضًا - يقول: الصلوه والزكوه والحيوه واو قبلها فتحة؛ وكأنها أيضًا كتبت بالواو على هذه اللغة.
[معاني القرآن لقطرب: 302]
والمعنى في الصلاة: من صليت؛ أي دعوت؛ وقال الله عز وجل {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} كأن المعنى: ادع لهم؛ وقال الأعشى في ذلك:
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي = نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
أي مثل الذي دعوت.
وقد قال:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا = يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
فدعت له.
وقال:
وقابلها الريح في دنها = وصلى على دنها وارتسم
أي دعا.
وصلوت وأتوت: لغة لبعض هذيل.
وقال الشاعر:
يا قوم مالي وأبا ذؤيب
كنت إذا أتوته من غيب
يشم عطفي ويشم ثوبي
وأما الزكاة: فصفوة الشيء، يقولون: أخذ زكاته؛ أي صفوته؛ وكان الكلبي يقول: {الذين لا يؤتون الزكاة} قال: الطاعة). [معاني القرآن لقطرب: 303]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 جمادى الأولى 1434هـ/22-03-2013م, 02:13 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)}
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ({وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} قال: العهد الذي أخذت عليكم في ظهر آدم عليه السلام). [مجالس ثعلب: 86]


تفسير قوله تعالى: {وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)}
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وتقول لا يسعني شيءٌ ويعجز عنك فانتصاب الفعل هاهنا من الوجه الذي انتصب به في الفاء إلا أن الواو لا يكون موضعها في الكلام موضع الفاء

وتقول ائتني وآتيك إذا أردت ليكن إتيان منك وأن آتيك تعني إتيانٌ منك وإتيانٌ مني وإن أردت الأمر أدخلت اللام كما فعلت ذلك في الفاء حيث قلت ائتني فلأحدثك فتقول ائتني ولآتك.
ومن النصب في هذا الباب قوله عز وجل: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} وقد قرأها بعضهم: {ويعلم الصابرين}.
وقال تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} إن شئت جعلت وتكتموا على النهي وإن شئت جعلته على الواو.
وقال تعالى: {يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} فالرفع على وجهين فأحدهما أن يشرك الآخر الأول والآخر على قولك دعني ولا أعود أي فإني ممن لا يعود فإنما يسأل الترك وقد أوجب على نفسه أن لا عودة له البتة ترك أو لم يترك ولم يرد أن يسأل أن يجتمع له الترك وأن لا يعود وأما عبد الله بن أبي إسحاق فكان ينصب هذه الآية). [الكتاب: 3/ 43-44] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
[لا يوجد]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيّاي فارهبون (40) وآمنوا بما أنزلت مصدّقاً لما معكم ولا تكونوا أوّل كافرٍ به ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وإيّاي فاتّقون (41)}


- (يا) حرف نداء مضمن معنى التنبيه.


قال الخليل: «والعامل في المنادى فعل مضمر كأنه يقول: أريد أو أدعو».


وقال أبو علي الفارسي: العامل حرف النداء عصب به معنى الفعل المضمر فقوي فعمل، ويدل على ذلك أنه ليس في حروف المعاني ما يلتئم بانفراده مع الأسماء غير حرف النداء،


- و(بني) منادى مضاف و(إسرائيل) هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وهو اسم أعجمي يقال فيه إسراءل وإسرائيل وإسرائيل، وتميم تقول إسرائين،


وإسرا هو بالعبرانية عبد، وإيل اسم الله تعالى، فمعناه عبد الله.


وحكى المهدوي أن (إسرا) مأخوذ من الشدة في الأسر كأنه الذي شد الله أسره وقوى خلقته.


وروي عن نافع والحسن والزهري وابن أبي إسحاق ترك همز إسراييل،


- والذكر في كلام العرب على أنحاء، وهذا منها ذكر القلب الذي هو ضد النسيان،


- والنعمة هنا اسم الجنس فهي مفردة بمعنى الجمع، وتحركت الياء من (نعمتي) لأنها لقيت الألف واللام، ويجوز تسكينها، وإذا سكنت حذفت للالتقاء وفتحها أحسن لزيادة حرف في كتاب الله تعالى،


وخصص بعض العلماء النعمة في هذه الآية.


فقال الطبري: «بعثة الرسل منهم وإنزال المن والسلوى، وإنقاذهم من تعذيب آل فرعون، وتفجير الحجر».


وقال غيره: «النعمة هنا أن دركهم مدة محمد صلى الله عليه وسلم».


وقال آخرون: «هي أن منحهم علم التوراة وجعلهم أهله وحملته».


قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه أقوال على جهة المثال، والعموم في اللفظة هو الحسن.


وحكى مكي: أن المخاطب من بني إسرائيل بهذا الخطاب هم المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، لأن الكافر لا نعمة لله عليه.


وقال ابن عباس وجمهور العلماء: بل الخطاب لجميع بني إسرائيل في مدة النبي عليه السلام، مؤمنهم وكافرهم،


- والضمير في (عليكم) يراد به على آبائكم كما تقول العرب ألم نهزمكم يوم كذا لوقعة كانت بين الآباء والأجداد، ومن قال إنما خوطب المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم استقام الضمير في (عليكم) ويجيء كل ما توالى من الأوامر على جهة الاستدامة.


- وقوله تعالى: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} أمر وجوابه.


فقال الخليل: «جزم الجواب في الأمر من معنى الشرط، والوفاء بالعهد هو التزام ما تضمن من فعل».


وقرأ الزهري: «أوفّ» بفتح الواو وشد الفاء للتكثير.


واختلف المتأولون في هذا العهد إليهم؛ فقال الجمهور ذلك عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه فيدخل في ذلك ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة، وقيل العهد قوله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} [البقرة: 63، 93]، وقال ابن جريج: العهد قوله تعالى: {ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل} [المائدة: 12]، وعهدهم هو أن يدخلهم الجنة، ووفاؤهم بعهد الله أمارة لوفاء الله تعالى لهم بعهدهم، لا علة له، لأن العلة لا تتقدم المعلول.


- وقوله تعالى: {وإيّاي فارهبون} الاسم ايا والياء ضمير ككاف المخاطب، وقيل: إيّاي بجملته هو الاسم، وهو منصوب بإضمار فعل مؤخر، تقديره: وإياي ارهبوا فارهبون، وامتنع أن يتقدر مقدما لأن الفعل إذا تقدم لم يحسن أن يتصل به إلا ضمير خفيف، فكان يجيء وارهبون، والرهبة يتضمن الأمر بها معنى التهديد وسقطت الياء بعد النون لأنها رأس آية.


وقرأ ابن أبي إسحاق بالياء). [المحرر الوجيز: 1/ 193-195]




تفسير قوله تعالى: {وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)}


قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({وآمنوا} معناه: صدقوا، و{مصدّقاً} نصب على الحال من الضمير في {أنزلت}، وقيل من «ما»، والعامل فيه {آمنوا}.


و{ما أنزلت} كناية عن القرآن، و{لما معكم} يعني من التوراة.


وقوله تعالى: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به} هذا من مفهوم الخطاب الذي المذكور فيه والمسكوت عنه حكمهما واحد، فالأول والثاني وغيرهما داخل في النهي، ولكن حذروا البدار إلى الكفر به إذ على الأول كفل من فعل المقتدى به، ونصب (أول) على خبر كان.


قال سيبويه: «أوّل أفعل لا فعل له لاعتلال فائه وعينه»، قال غير سيبويه: «هو أوأل من وأل إذا نجا، خففت الهمزة وأبدلت واوا وأدغمت».


وقيل: إنه من آل فهو أأول قلب فجاء وزنه أعفل، وسهل وأبدل وأدغم،


ووحد كافر وهو بنية الجمع لأن أفعل إذا أضيف إلى اسم متصرف من فعل جاز إفراد ذلك الاسم، والمراد به الجماعة.


قال الشاعر:




وإذا هم طعموا فألأم طاعم ....... وإذا هم جاعوا فشرّ جياع




وسيبويه يرى أنها نكرة مختصرة من معرفة، كأنه قال: ولا تكونوا أول كافرين به، وقيل معناه: ولا تكونوا أول فريق كافر به.


قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد كان كفر قبلهم كفار قريش، فإنما معناه من أهل الكتاب، إذ هم منظور إليهم في مثل هذا، لأنهم حجة مظنون بهم علم،


واختلف في الضمير في (به) على من يعود، فقيل: على محمد عليه السلام، وقيل: على التوراة إذ تضمنها قوله: {لما معكم}.


قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا القول يجيء (أوّل كافرٍ به) مستقيما على ظاهره في الأولية،


وقيل: الضمير في (به) عائد على القرآن، إذ تضمنه قوله: {بما أنزلت}.


واختلف المتأولون في الثمن الذي نهوا أن يشتروه بالآيات، فقالت طائفة: إن الأحبار كانوا يعلمون دينهم بالأجرة، فنهوا عن ذلك وفي كتبهم: علم مجانا كما علمت مجانا، أي: باطلا بغير أجرة.


وقال قوم: كانت للأحبار مأكلة يأكلونها على العلم كالراتب فنهوا عن ذلك.


وقال قوم: إن الأحبار أخذوا رشى على تغيير قصة محمد عليه السلام في التوراة، ففي ذلك قال تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلًا} [البقرة: 41، المائدة: 44].


وقال قوم: معنى الآية: ولا تشتروا بأوامري ونواهيّ وآياتي ثمنا قليلا، يعني الدنيا ومدتها والعيش الذي هو نزر لا خطر له،


وقد تقدم نظير قوله: {وإيّاي فاتّقون}، وبين «اتقون» و«ارهبون» فرق، أن الرهبة مقرون بها وعيد بالغ). [المحرر الوجيز: 1/ 195-197]



تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)}


قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون (42) وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واركعوا مع الرّاكعين (43) أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (44) واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ إلاّ على الخاشعين (45) الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربّهم وأنّهم إليه راجعون (46)}


المعنى ولا تخلطوا، يقال: «لبست الأمر» بفتح الباء ألبسه، إذا خلطته ومزجت بينه بمشكله وحقه بباطله.


وأما قول الشاعر:



وكتيبة لبّستها بكتيبة ....... ... ... ... ...




فالظاهر أنه من هذا المعنى، ويحتمل أن يكون من اللباس،


واختلف أهل التأويل في المراد بقوله: {الحقّ بالباطل}.


فقال أبو العالية: «قالت اليهود: محمد نبي مبعوث، لكن إلى غيرنا، فإقرارهم ببعثه حق، وجحدهم أنه بعث إليهم باطل».


وقال الطبري: «كان من اليهود منافقون، فما أظهروا من الإيمان حق، وما أبطنوا من الكفر باطل».


وقال مجاهد: «معناه: لا تخلطوا اليهودية والنصرانية بالإسلام».


وقال ابن زيد: «المراد بـ«الحقّ» التوراة، و«الباطل» ما بدلوا فيها من ذكر محمد عليه السلام»،


و(تلبسوا) جزم بالنهي، و(تكتموا) عطف عليه في موضع جزم، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار «أن»، وإذا قدرت «أن» كانت مع (تكتموا) بتأويل المصدر، وكانت الواو عاطفة على مصدر مقدر من (تلبسوا)، كأن الكلام: ولا يكن لبسكم الحق بالباطل وكتمانكم الحق.


وقال الكوفيون: (تكتموا) نصب بواو الصرف، والحقّ يعني به أمر محمد صلى الله عليه وسلم».


وقوله تعالى: {وأنتم تعلمون} جملة في موضع الحال، ولم يشهد لهم تعالى بعلم وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا، ويحتمل أن تكون شهادة عليهم بعلم حق مخصوص في أمر محمد عليه السلام، ولم يشهد لهم بالعلم على الإطلاق ولا تكون الجملة على هذا في موضع الحال، وفي هذه الألفاظ دليل على تغليظ الذنب على من واقعه على علم، وأنه أعصى من الجاهل). [المحرر الوجيز: 1/ 197-198]




تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}


قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({وأقيموا الصّلاة} معناه: أظهروا هيئتها وأديموها بشروطها، وذلك تشبيه بإقامة القاعد إلى حال ظهور، ومنه قول الشاعر:



وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا ....... حتى تقيم الخيل سوق طعان




وقد تقدم القول في الصلاة، والزّكاة في هذه الآية هي المفروضة بقرينة إجماع الأمة على وجوب الأمر بها، والزّكاة مأخوذة من زكا الشيء إذا نما وزاد، وسمي الإخراج من المال زكاة وهو نقص منه من حيث ينمو بالبركة أو بالأجر الذي يثيب الله به المزكي، وقيل: الزّكاة مأخوذة من التطهير، كما يقال: زكا فلان أي: طهر من دنس الجرحة أو الاغفال، فكأن الخارج من المال يطهره من تبعة الحق الذي جعل الله فيه للمساكين، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى في الموطأ ما يخرج في الزكاة «أوساخ الناس».


وقوله تعالى: {واركعوا مع الرّاكعين}


- قال قوم: جعل الركوع لما كان من أركان الصلاة عبارة عن الصلاة كلها.


- وقال قوم: إنما خص الركوع بالذكر لأن بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع.


- وقالت فرقة: إنما قال: (مع) لأن الأمر بالصلاة أولا لم يقتض شهود الجماعة، فأمرهم بقوله: (مع) بشهود الجماعة،


والركوع في اللغة: الانحناء بالشخص. قال لبيد:



أخبر أخبار القرون التي مضت ....... أدبّ كأني كلما قمت راكع




ويستعار أيضا في الانحطاط في المنزلة، قال الأضبط بن قريع:



لا تعاد الضعيف علك أن ....... تركع يوما والدهر قد رفعه




). [المحرر الوجيز: 1/ 198-199]



رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:22 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيّاي فارهبون (40) وآمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم ولا تكونوا أوّل كافرٍ به ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلًا وإيّاي فاتّقون (41) }
يقول تعالى آمرًا بني إسرائيل بالدّخول في الإسلام، ومتابعة محمّدٍ عليه من اللّه أفضل الصّلاة والسّلام، ومهيجًا لهم بذكر أبيهم إسرائيل، وهو نبيّ اللّه يعقوب، عليه السّلام، وتقديره: يا بني العبد الصّالح المطيع للّه كونوا مثل أبيكم في متابعة الحقّ، كما تقول: يا ابن الكريم، افعل كذا. يا ابن الشّجاع، بارز الأبطال، يا ابن العالم، اطلب العلم ونحو ذلك.
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ إنّه كان عبدًا شكورًا} [الإسراء: 3] فإسرائيل هو يعقوب عليه السّلام، بدليل ما رواه أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا عبد الحميد بن بهرامٍ، عن شهر بن حوشب، قال: حدّثني عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: حضرت عصابةٌ من اليهود نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال لهم:
«هل تعلمون أنّ إسرائيل يعقوب؟». قالوا: اللّهمّ نعم. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللّهمّ اشهد».
وقال الأعمش، عن إسماعيل بن رجاءٍ، عن عميرٍ مولى ابن عبّاسٍ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ؛
«أنّ إسرائيل كقولك: عبد اللّه».
وقوله تعالى: {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم} قال مجاهدٌ:
«نعمة اللّه الّتي أنعم بها عليهم فيما سمّى وفيما سوى ذلك، فجّر لهم الحجر، وأنزل عليهم المنّ والسّلوى، وأنجاهم من عبودية آل فرعون».
وقال أبو العالية:
«نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرّسل، وأنزل عليهم الكتب».
قلت: وهذا كقول موسى عليه السّلام لهم: {يا قوم اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكًا وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين} [المائدة: 20] يعني في زمانهم.
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم}:
«أي: بلائي عندكم وعند آبائكم، لما كان نجّاهم به من فرعون وقومه»، {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال:«بعهدي الّذي أخذت في أعناقكم للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا جاءكم. {أوف بعهدكم} أي: أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتّباعه، بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال الّتي كانت في أعناقكم بذنوبكم الّتي كانت من إحداثكم».
[وقال الحسن البصريّ:
«هو قوله: {ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا وقال اللّه إنّي معكم لئن أقمتم الصّلاة وآتيتم الزّكاة وآمنتم برسلي وعزّرتموهم وأقرضتم اللّه قرضًا حسنًا لأكفّرنّ عنكم سيّئاتكم ولأدخلنّكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} الآية [المائدة: 12]».
وقال آخرون: هو الّذي أخذه اللّه عليهم في التّوراة أنّه سيبعث من بني إسماعيل نبيًّا عظيمًا يطيعه جميع الشّعوب، والمراد به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، فمن اتّبعه غفر له ذنبه وأدخل الجنّة وجعل له أجران.
وقد أورد فخر الدّين الرّازيّ هاهنا بشاراتٍ كثيرةٍ عن الأنبياء عليهم السّلام بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم].

وقال أبو العالية: {وأوفوا بعهدي} قال:
«عهده إلى عباده: دينه الإسلام أن يتّبعوه».
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {أوف بعهدكم} قال:
«أرض عنكم وأدخلكم الجنّة».
وكذا قال السّدّيّ، والضّحّاك، وأبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ.
وقوله: {وإيّاي فارهبون} أي: فاخشون؛ قاله أبو العالية، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة.
وقال ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {وإيّاي فارهبون}:
«أي: أنزل بكم ما أنزل بمن كان قبلكم من آبائكم من النّقمات الّتي قد عرفتم من المسخ وغيره».
وهذا انتقالٌ من التّرغيب إلى التّرهيب، فدعاهم إليه بالرّغبة والرّهبة، لعلّهم يرجعون إلى الحقّ واتّباع الرّسول والاتّعاظ بالقرآن وزواجره، وامتثال أوامره، وتصديق أخباره، واللّه الهادي لمن يشاء إلى صراطه المستقيم؛ ولهذا قال: {وآمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم}). [تفسير ابن كثير: 1/ 241-242]

تفسير قوله تعالى: {وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ([{مصدّقًا} ماضيًا منصوبًا على الحال من {بما} أي: بالّذي أنزلت مصدّقًا أو من الضّمير المحذوف من قولهم: بما أنزلته مصدّقًا، ويجوز أن يكون مصدرًا من غير الفعل وهو قوله: {بما أنزلت مصدقًا}] يعني به: القرآن الّذي أنزله على محمّدٍ النّبيّ الأمّيّ العربيّ بشيرًا ونذيرًا وسراجًا منيرًا مشتملًا على الحقّ من الله تعالى، مصدّقًا لما بين يديه من التّوراة والإنجيل.
قال أبو العالية، رحمه اللّه، في قوله: {وآمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم}:
«يقول: يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت مصدّقًا لما معكم، يقول: لأنّهم يجدون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل».
وروي عن مجاهدٍ والرّبيع بن أنسٍ وقتادة نحو ذلك.
وقوله: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به} [قال بعض المفسّرين: أوّل فريقٍ كافرٍ به ونحو ذلك].
قال ابن عبّاسٍ:
«{ولا تكونوا أوّل كافرٍ به} وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم».
وقال أبو العالية:
«يقول: {ولا تكونوا أوّل [كافرٍ به} أوّل] من كفر بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم [يعني من جنسكم أهل الكتاب بعد سماعهم بمحمّدٍ وبمبعثه»].
وكذا قال الحسن، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ.
واختار ابن جريرٍ أنّ الضّمير في قوله: {به} عائدٌ على القرآن، الّذي تقدّم ذكره في قوله: {بما أنزلت}.
وكلا القولين صحيحٌ؛ لأنّهما متلازمان، لأنّ من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومن كفر بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فقد كفر بالقرآن.
وأمّا قوله: {أوّل كافرٍ به} فيعني به أوّل من كفر به من بني إسرائيل؛ لأنّه قد تقدّمهم من كفّار قريشٍ وغيرهم من العرب بشر كثيرٌ، وإنّما المراد أول من كفر به من بني إسرائيل مباشرةً، فإنّ يهود المدينة أوّل بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن، فكفرهم به يستلزم أنّهم أوّل من كفر به من جنسهم.
وقوله: {ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا} يقول: لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدّنيا وشهواتها، فإنّها قليلةٌ فانيةٌ، كما قال عبد اللّه بن المبارك: أنبأنا عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، عن هارون بن زيدٍ قال: سئل الحسن، يعني البصريّ، عن قوله تعالى: {ثمنًا قليلا} قال:
«الثّمن القليل: الدّنيا بحذافيرها».
وقال ابن لهيعة: حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا}:
«وإنّ آياته: كتابه الّذي أنزله إليهم، وإنّ الثّمن القليل: الدّنيا وشهواتها».
وقال السّدّيّ:
«{ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا} يقول: لا تأخذوا طمعًا قليلًا، ولا تكتموا اسم اللّه لذلك الطّمع وهو الثّمن».
وقال أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا}:
«يقول: لا تأخذوا عليه أجرًا». قال: «وهو مكتوبٌ عندهم في الكتاب الأوّل: يا ابن آدم علّم مجّانا كما علّمت مجّانا».
وقيل: معناه لا تعتاضوا عن البيان والإيضاح ونشر العلم النّافع في النّاس بالكتمان واللّبس لتستمرّوا على رياستكم في الدّنيا القليلة الحقيرة الزّائلة عن قريبٍ، وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«من تعلّم علمًا ممّا يبتغى به وجه اللّه لا يتعلّمه إلّا ليصيب به عرضًا من الدّنيا لم يرح رائحة الجنّة يوم القيامة».
وأمّا تعليم العلم بأجرةٍ، فإن كان قد تعيّن عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرةً، ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله، فإن لم يحصل له منه شيءٌ وقطعه التّعليم عن التّكسّب، فهو كما لم يتعيّن عليه،
وإذا لم يتعيّن عليه، فإنّه يجوز أن يأخذ عليه أجرةً عند مالكٍ والشّافعيّ وأحمد وجمهور العلماء، كما في صحيح البخاريّ عن أبي سعيدٍ في قصّة اللّديغ:
«إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب اللّه»، وقوله في قصّة المخطوبة: «زوّجتكها بما معك من القرآن»،
فأمّا حديث عبادة بن الصّامت، أنّه علّم رجلًا من أهل الصّفّة شيئًا من القرآن فأهدى له قوسًا، فسأل عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال:
«إن أحببت أن تطوّق بقوسٍ من نارٍ فاقبله» فتركه، رواه أبو داود وروي مثله عن أبيّ بن كعبٍ مرفوعًا فإن صحّ إسناده فهو محمولٌ عند كثيرٍ من العلماء -منهم أبو عمر بن عبد البرّ- على أنّه لمّا علّمه اللّه لم يجز بعد هذا أن يعتاض عن ثواب اللّه بذلك القوس، فأمّا إذا كان من أوّل الأمر على التّعليم بالأجرة فإنّه يصحّ كما في حديث اللّديغ وحديث سهلٍ في المخطوبة، واللّه أعلم.
{وإيّاي فاتّقون} قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو عمر الدّوريّ، حدّثنا أبو إسماعيل المؤدّب، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي العالية، عن طلق بن حبيبٍ، قال:
«التّقوى أن تعمل بطاعة اللّه رجاء رحمة اللّه على نورٍ من اللّه، والتّقوى أن تترك معصية اللّه مخافة عذاب اللّه على نورٍ من اللّه».
ومعنى قوله: {وإيّاي فاتّقون} أنّه تعالى يتوعّدهم فيما يتعمّدونه من كتمان الحقّ وإظهار خلافه ومخالفتهم الرّسول، صلوات الله وسلامه عليه). [تفسير ابن كثير: 1/ 242-244]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)}

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون (42) وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واركعوا مع الرّاكعين (43)}
يقول تعالى ناهيًا لليهود عمّا كانوا يتعمّدونه، من تلبيس الحقّ بالباطل، وتمويهه به وكتمانهم الحقّ وإظهارهم الباطل: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون} فنهاهم عن الشّيئين معًا، وأمرهم بإظهار الحقّ والتّصريح به؛ ولهذا قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ:
«{ولا تلبسوا الحقّ بالباطل} لا تخلطوا الحقّ بالباطل والصّدق بالكذب».
وقال أبو العالية:
«{ولا تلبسوا الحقّ بالباطل} يقول: ولا تخلطوا الحقّ بالباطل، وأدّوا النّصيحة لعباد اللّه من أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم».
ويروى عن سعيد بن جبيرٍ والرّبيع بن أنسٍ، نحوه.
وقال قتادة: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل} [قال:]
«ولا تلبسوا اليهوديّة والنّصرانيّة بالإسلام؛ إنّ دين اللّه الإسلام، واليهوديّة والنّصرانيّة بدعةٌ ليست من اللّه».
وروي عن الحسن البصريّ نحو ذلك.
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون} أي: لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به، وأنتم تجدونه مكتوبًا عندكم فيما تعلمون من الكتب الّتي بأيديكم». وروي عن أبي العالية نحو ذلك.
وقال مجاهدٌ، والسّدّيّ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ:
«{وتكتموا الحقّ} يعني: محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم».
[قلت: {وتكتموا} يحتمل أن يكون مجزومًا، ويجوز أن يكون منصوبًا، أي: لا تجمعوا بين هذا وهذا، كما يقال: لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن. قال الزّمخشريّ: وفي مصحف ابن مسعودٍ: "وتكتمون الحقّ" أي: في حال كتمانكم الحقّ، "وأنتم تعلمون" حالٌ أيضًا، ومعناه: وأنتم تعلمون الحقّ،
ويجوز أن يكون المعنى: وأنتم تعلمون ما في ذلك من الضّرر العظيم على النّاس من إضلالهم عن الهدى المفضي بهم إلى النّار إلى أن سلكوا ما تبدونه لهم من الباطل المشوب بنوعٍ من الحقّ لتروّجوه عليهم، والبيان الإيضاح وعكسه الكتمان وخلط الحقّ بالباطل]). [تفسير ابن كثير: 1/ 245]


تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واركعوا مع الرّاكعين}.
قال مقاتلٌ:
«قوله تعالى لأهل الكتاب: {وأقيموا الصّلاة} أمرهم أن يصلّوا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {وآتوا الزّكاة} أمرهم أن يؤتوا الزّكاة، أي: يدفعونها إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {واركعوا مع الرّاكعين} أمرهم أن يركعوا مع الرّاكعين من أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. يقول: كونوا منهم ومعهم».
وقال عليّ بن طلحة، عن ابن عبّاسٍ: [{وآتوا الزّكاة}]:
«يعني بالزّكاة: طاعة اللّه والإخلاص».
وقال وكيع، عن أبي جناب، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وآتوا الزّكاة} قال: ما يوجب الزّكاة؟ قال:
«مائتان فصاعدًا».
وقال مبارك بن فضالة، عن الحسن، في قوله تعالى: {وآتوا الزّكاة} قال:
«فريضةٌ واجبةٌ، لا تنفع الأعمال إلّا بها وبالصّلاة».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا جريرٌ عن أبي حيّان [العجميّ] التّيميّ، عن الحارث العكلي في قوله: {وآتوا الزّكاة} قال:
«صدقة الفطر».
وقوله تعالى: {واركعوا مع الرّاكعين} أي: وكونوا مع المؤمنين في أحسن أعمالهم، ومن أخصّ ذلك وأكمله الصّلاة.
[وقد استدلّ كثيرٌ من العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة، وبسط ذلك في كتاب الأحكام الكبير إن شاء اللّه، وقد تكلّم القرطبيّ على مسائل الجماعة والإمامة فأجاد]). [تفسير ابن كثير: 1/ 245-246]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:12 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة