(فصل) "لو" و"لولا" و"لوما"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (وأما "لولا" فتأتي مفردة ومركبة.
فأما المفردة فلها مواضع:
أحدها: تكون خبرًا بمعنى امتناع الشيء أو وقوعه لوجود غيره، كقولك: "لولا" زيد لأكرمتك، و"لولا" زيد ما أكرمتك.
وهذه لا يليها إلا الاسم أو ما في تأويله، وأكثر ما يكون ظاهرًا كقوله صلى الله عليه وسلم: «والله لولا الله ما اهتدينا» أو مضمرًا مرفوعًا كقوله تعالى: {لولا أنتم لكنا مؤمنين}، وقد يليها المضمر المجرور قليلًا: "لولاك" ما صمنا ولا صلينا، وقال يزيد بن الحكم الثقفي:
وكم موطنٍ لولاي طحت كما هوى ..... بأجرامه من قلة النيق منهوي
ثانيها: تكون للتحضيض، كقول الله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقهوا في الدين}.
ثالثها: تكون للعرض، كقوله تعالى: {لولا أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ}، وهذان لا يليهما إلا الفعل المضارع.
والفرق بين العرض والتحضيض أن التحضيض طلب بحث وإزعاج، والعرض طلب بلين وتأدب، فالتفقه واجب والسؤال مقرون بالأدب.
رابعها: تكون للتوبيخ والتنديم، كقوله تعالى: {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانًا آلهة}، ويختص هذا بالفعل الماضي، وإذا وليه اسم قدرت الفعل قبله، كقول الفرزدق:
تعدون عقر النيب أكبر مجدكم ..... بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا
خامسها: ذكره أبو الحسن الهروي، أن تكون نفيًا بمعنى "لم"، وجعل منه قوله تعالى: {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس}، وقوله تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم}، أي: "فلم" يكن.
قال ابن هشام: والظاهر أن المعنى على التوبيخ، أي: "فهلا" كانت قرية واحدة من القرى المهلكة تابت عن الكفر قبل مجيء العذاب فنفعها.
قال: وهو تفسير الأخفش والكسائي والفراء وعلي بن عيسى والنحاس ويؤيده قراءة أُبَيّ وعبد الله "فهلا"، قال: ويلزم من هذا المعنى النفي؛ لأن التوبيخ يقتضي عدم الوقوع.
قلت: وقد ذكر الوجهين: التوبيخ والنفي في الآيتين ابن فارس والله أعلم.
سادسها: الاستفهام، ذكره أبو الحسن الهروي وجعل منه قوله تعالى: {لولا أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ}، قال ابن هشام: وأكثرهم لا يذكره والظاهر أنه للعرض.
قلت: لم يرد الهروي إلا العرض، وهذا اصطلاحه في العرض، فقد ذكر مثل هذه العبارة في "ألا" وسماه استفهامًا، فابن هشام لم يعرف اصطلاحه في عبارته، فأبو الحسن لم يرد إلا ما ذكره غيره.
ويظهر لي معنى آخر لم أر أحدًا ذكره وهو ظاهر وهو التعجيز.
كقول الله سبحانه: {فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذٍ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون، فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها}، وقوله تعالى: {لولا أنزل عليه ملك} والجماعة جعلوا هذا وأمثاله تحضيضًا ولا معنى للتحضيض والحث عند التعجيز بالأمر المطلوب، فهو سبحانه لم يرد إلا تعجيزهم لا حثهم عليه، والله أعلم.
وأما المركبة، فإنها تركبت من "لو" و"لا" كما تركبت "لو" و"لم"، ومثاله قول الشاعر:
ألا زعمت أسماء أن لا أحبها ..... فقلت بلى لولا ينازعني شُغلي
أي"لو" "لم" ينازعني شغلي لزرتك، وقيل: بل هي امتناعية والفعل بعدها في تأويل المصدر على إضمار "أن" على حد قولهم، تسمع بالمعيدي خير من "أن" تراه، أي: "لأن" تسمع).[مصابيح المغاني: 418 - 422]