قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "علَّ"
اعلم أن "علَّ" معناها الترجي في المحبوبات، والتوقع في المحذورات فتقول: ادع الله "علَّ" يرحمك، فهذا ترجٍ، وتقولُ: لا تدن من الأسد "عله" يأكلك فهذا توقعٌ، ومن الأول قوله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}، وهذا لمعنى أكثر في الكلام من الثاني، ومن الثاني قوله:
لا تُهين الكريم علك أن تر ..... كع يومًا والدهرُ قد رفعه
وقد تقدم أن "اللام" في أولها زائدةٌ عليها، والاحتجاج لها في باب "اللام"، وعملها في الوجهين في المبتدأ والخبر نصبًا ورفعًا كـ "إن" المذكورة، وأحكامها فيها كأحكامها، وكذلك في غيرهما.
إلا أنها تخالفُها في عدم "نون" الوقاية معها إلا في الشعر كما ذكر في باب "النون"، وأنها لا يُعطف على موضعها مع اسمها كما كان ذلك في "إن" لأنها
قد غيرت معنى الابتداء إلى معنى الفعل من الترجي والتوقع، ولذلك لا تدخل "اللام" أيضًا في خبرها كما تدخل في خبر "إن" وهو من أوجه المخالفة.
وتخالفها أيضًا وسائر أخواتها في أن "أن" تدخل على خبرها لمعنى الترجي الذي فيها أو التوقع، كما قال الشاعر:
.... .... .... .... علك أن تر ..... كع يومًا والدهرُ قد رفعه
وتخالفها وأخواتها – إلا "ليت" – في دخول "الفاء" ونصبها في جوابها، نحو قولك: "لعل" الله يرحمني فأدخل الجنة، لأن في معنى الطلب من الترجي كما ذكر، ولذلك قرأ حفص من رواية عاصمٍ من الفراء: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} بنصبٍ في «فَأَطَّلِعَ» لأنه أشربها معنى "ليت" من التمني وهو طلبٌ، فاعلمه.
ويجوز في "لامها" الأخيرة الفتح وهو الكثيرُ، وقد كُسرت فقيل: "لعل" على أصل التقاء الساكنين، وقد خفض بعضُ العرب بها مبنية على أن تخفض لأنها اختصت بالأسماء، وما اختص بالأسماء ولم يكن كجزءٍ منها " كالألف" و"اللام" حقه أن يخفض، وإنما نصبت هذه وأخواتها للشبه بالفعل كما ذكر في باب "إن" وغيرها من أخواتها، قال الشاعر:
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت دعوةً ..... لعل أبي المغوار منك قريبُ
بخفض «أبي»، وقال آخر:
لعل الله فضلكم علينا ..... بشيءٍ أن أمكم شريم
بكسر "لام" "لعل" وخفض ما بعدها، ويجوز أن تكون "لعل" في البيت الأول مخففة بحذف "لامها" الأخيرة، كما تُخفف "إن" أختها، واسمها مضمر أمرٌ أو شأنٌ، و"اللام" المفتوحة جارة، و«أبي المغوار منك قريبُ» جملةٌ مفسرة للضمير في موضع خبرها، كذا ذكر بعضهم وهو بعيد من أوجهٍ:
أحدها: أن تخفيف "لعل" لم يُسمع في غير البيت فلا يُقاس عليه.
والثاني: أن اسم "لعل" ضمير لم يوجد في غير البيت فيقاس عليه.
والثالث: أن فتح "لام" الجر مع الظاهر شاذٌ فلا يُقاس عليه إلا في باب الاستغاثة والتعجب لمعنى قد ذكر في باب "اللام".
والرابع: أن حذف الموصوف الذي «قريبٌ» صفته لا يُعلم، ولا يُحذف من الموصوفات إلا ما يُعلم من صفته.
وزعم بعضهم أنه يجوز في البيت أن تكون "لعل" كلمة تقال للعاثر، و"اللام" للجر، والكلام جملة قائمة بنفسها والموصوف محذوف تقديره: فرجٌ أو شبهه، وهذا أيضًا بعيدٌ من جهاتٍ، منها أن "لعل" في البيت لا معنى له، وما بعد من الأوجه في "اللام" وحذفُ الموصوف مردودٌ بما رُد به الوجه الآخر قبله، فاعلمه). [رصف المباني:373 - 375]