العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 05:24 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة طه

[ من الآية (56) إلى الآية (59) ]
{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) }

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)}
قوله تعالى: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57)}
قوله تعالى: {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (مكانًا سوًى (58)
[معاني القراءات وعللها: 2/146]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي (سوًى) بكسر السين.
وقرأ الباقون بضم السين.
قال أبو منصور: المعنى في (سوًى) و(سوًى) واحد، أي: مكانًا منصفًا يكون بيننا وبينك، كأنه قال: مكانا منصفًا متوسطا بين الموضعين.
وقال الأخفش في (سوًى) و((سوًى) هو المكان النصف بين الفريقين.
وقال الفراء: الضم والكسر عربيان، ولا يكونان إلا مقصورين.
و (سواء) بالفتح والمد، بمعناهما، ومثله قوله تعالى: (تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم).
إلا أنه لم يقرأ ها هنا إلا بالقصر.
قال أبو منصور: واختار أبو حاتم (سوًى) بالضم منونًا، وغيره (سوى) بالكسر؛ لأنه أكثر في الكلام، وبه قال أبو عمرو والكسائي وابن كثير). [معاني القراءات وعللها: 2/147]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {مكانا سوى} بالضم.
وقرأ الباقون (سوى) بالكسر، مقصورين. وهما لغتان. قال الشاعر:
وأن أبانا كان حل ببلدةٍ = سوىً بين قيس قيس عيلان والفزر
قيس وفزر قبيلتان ها هنا، والفرز: القطيع من الشاء، والقيس: القرد، والقيس: مصدر قاس خطاه قيسًا. إذا سوى بينهما، يقال: رأيت جارية تميس ميسًا، وتقيس قيسًا. تميس معناه: تبختر.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/33]
وسأل أعرابي رجلاً فقال: ما اسمك؟ قال: محمد قال: والكنية؟ قال: أبو قيس. قال: قبحك الله أتجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم والقرد؟! قال: والقيس الذكر عن ابن دريد فسألت أبا عمر فقال: هو الفيش.
وأما قولهم: جاءني القوم سوى زيد. فبالكسر مقصور، ومنهم من يفتح، ويمد فيقول: جائني القوم سواء زيد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/34]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: (مكانا سوى) [طه/ 58] في ضم السين وكسرها. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: (مكانا سوى) كسرا.
[الحجة للقراء السبعة: 5/223]
وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: سوى بضم السين.
أبو عبيدة: مكانا سوى وسوى يضم أولها ويكسر مثل طوى وطوى. قال: وهو المكان النّصف فيما بين الفريقين، وأنشد لموسى بن جابر الحنفي:
فإن أبانا كان حلّ ببلدة... سوى بين قيس قيس عيلان والفزر
قال أبو علي: قوله: سوى، هو فعل من التسوية، فكأن المعنى مكانا تستوي فيه مسافته على الفريقين فتكون مسافة كل فريق إليه كمسافة الفريق الآخر، وهذا بناء يقل في الصفات، ومثله: قوم عدى، وأما فعل فهو في الصفات أكثر من فعل، نحو: رجل سلع، ودليل خنع، ومال لبد، ورجل حطم.
فأما انتصاب قوله: (مكانا سوى)، فلا يخلو من أن يكون مفعولا للموعد في قوله: فاجعل بيننا وبينك موعدا [طه/ 58] أو يكون ظرفا واقعا موقع المفعول الثاني، أو يكون منتصبا بأنه المفعول الثاني، فلا يجوز أن يكون متعلّقا بالموعد لا على أنه مفعول به، ولا على أنه ظرف له، وذلك أن الموعد قد وصف بالجملة التي هي: لا نخلفه نحن [طه/ 58] وإذا وصف لم يجز أن يعمل عمل الفعل لاختصاصه بالصفة، ولأنه إذا وصف لم يجز أن يتعلق به بعد الوصف شيء منه، كما أنه إذا عطف عليه لم يجز أن يتعلق به بعد العطف شيء منه،
[الحجة للقراء السبعة: 5/224]
وكذلك إذا أخبر عنه لم يجز أن يقع بعد الخبر عنه شيء يتعلق بالمخبر عنه، ولم يجز سيبويه: هذا ضارب ظريف زيدا، ولا: هذا ضويرب زيدا، إذا حقر اسم الفاعل، لأن التحقير في تخصيصه الاسم بمنزلة إجراء الوصف عليه، وقد جاء من ذلك في الشعر شيء، سمعت أبا إسحاق ينشد:
وراكضة ما تستجنّ بجنّة... بعير حلال غادرته مجعفل
وقرأت على محمد بن السري من خط السكري لبشر بن أبي خازم:
إذا فاقد خطباء فرخين رجّعت... ذكرت سليمى في الخليط المباين
وقال ذو الرّمة:
وقائلة تخشى عليّ أظنه... سيودي به ترحاله ومذاهبه
وهذا الذي جاء منه في الشعر يحمل النحويون مثله على إضمار فعل آخر: كما ذهبوا إليه في نحو قول الشاعر:
إن العرارة والنّبوح لدارم... والمستخفّ أخوهم الأثقالا
[الحجة للقراء السبعة: 5/225]
وكذلك قوله:
لسنا كمن حلت إياد دارها... تكريت ترقب حبّه أن يحصدا
فإن قلت: فقد جاء إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون [غافر/ 10] والظرف في المعنى يتعلق بالمقت الأول لأن المعنى: لمقت الله إياكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون، أكبر من مقتكم أنفسكم الآية. وقوله: إذ تدعون متعلّق بالمقت الأول، وقد وقع بعد خبره، قيل: إن الظروف يتجوّز فيها ما لا يتجوّز في غيرها، ألا ترى أنها تقع مواقع لا يقعها غيرها، وهو أيضا مع ذلك ينبغي أن يحمل على فعل آخر دلّ المقت عليه كأنه: مقتكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون. فعلى هذا الضرب من الأفعال يحمل هذا النحو إذا جاء، ولم نعلم في التنزيل مجيء شيء منه إلا في الظروف، فقد علمت أن مكانا في قوله: مكانا سوى ليس يتعلق بالموعد لما ذكرنا، وليس بالسهل أن تجعل انتصاب مكانا في قوله: (مكانا سوى) على أن يكون ظرفا، وقع موقع المفعول الثاني، كقولك: ظننت خروجك اليوم، وعلمت ركوبك غدا، لأنك إن حملته على ذلك جعلت المبتدأ الذي يلحقه، جعلت، وظننت ونحوه، موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا قصدا، فتنصب المكان كما تنصب اليوم، في قولك: القتال اليوم.
ولم يجروا قولهم: الموعد مجرى سائر هذه الأحداث، ألا ترى
[الحجة للقراء السبعة: 5/226]
أنه قد جاء في التنزيل: إن موعدهم الصبح [هود/ 81] برفع الصبح، وجاء: موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى [طه/ 59] فالقراءة بالرفع على أن الثاني هو الأول، وهذا حذف واتساع، ولا تقول على قياس موعدك الصبح: مرجعك الصبح، ولا مجيئك باب الأمير، ولا مقعدك السوق. وقد رأيت أنهم قد أخرجوا الموعد من أحكام نحوه، فلا يحسن فيه ما حسن في نحو ما يشبهه، ومما يدلّك على أنهم أخرجوا ما بعد الموعد من أن يكون ظرفا قوله: موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى [طه/ 59] ألا ترى أن قوله: وأن يحشر الناس ليس من الظروف في شيء فلولا أن اليوم في قوله: موعدكم يوم الزينة، قد خرج من أن يكون ظرفا لم يعطف عليه ما لا يكون ظرفا. ولو نصب ناصب (اليوم) من قوله: موعدكم يوم الزينة فجعل (اليوم) خبرا عن الحدث مثل: القتال اليوم، مع عطف قوله: وأن يحشر الناس ضحى عليه جاز على أن يتعلق يوم الزينة بالمحذوف، ويضمر لقوله: وأن يحشر الناس ضحى ما يكون مبنيا عليه، كأنه: موعدكم يوم الزينة، وموعدكم أن يحشر الناس ضحى، وهذا هو الأصل، وإذا صار الاستعمال فيه على ما وصفناه مما جاء التنزيل به كان غير ذلك كالأصول المرفوضة، ولو قال قائل: إن الموعد في الآي اسم الزمان، فيكون مجيء الموعد اسما للزمان كقولهم: كان هذا مبعث الجيوش، ومضرب الشّول، ومحبل فلانة، أي وقت بعضهم، ومضرب الشّول: أي وقت ضربها، ومحبل فلانة، أي: زمان حبلها. فإذا جاز أن يكون اسما للزمان ارتفع الصبح، ويوم
[الحجة للقراء السبعة: 5/227]
الزينة من حيث كان الثاني لأنه هو الأول، وأنشد أبو الحسن:
كلما قلت غد موعدنا... غضبت هند وقالت بعد غد
فهذا يتجه أيضا على الوجهين اللذين قدمنا: أن يكون جعل الموعد الحدث، وجعله غدا، قبل على الاتساع، أو يكون جعل الموعد اسم زمان مثل المحبل، وعلى هذا الاتساع فيه، ويجوز أن يكون الموعد اسم المكان فمما جاء فيه اسم مكان: وإن جهنم لموعدهم أجمعين [الحجر/ 43] فالموعد ينبغي هاهنا أن يكون مكانا، لأن جهنم مكان، والثاني فيه هو الأول، وهذا أبين من أن تحمله على أن جهنم مكان موعدهم لأن الكلام على الظاهر ولا حذف فيه، فإذا جعلت قوله: مكانا مفعولا ثانيا لجعلت كان بمنزلة قوله: جعلوا القرآن عضين [الحجر/ 91] وقوله: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف/ 19] في أنه انتصب على أنه مفعول ثان لجعلت). [الحجة للقراء السبعة: 5/228]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [مَكَانًا سُوَى]، غير منون.
قال أبو الفتح: ترك صرف "سوى" ههنا مشكل، وذلك أنه وصف على فُعَل، وذلك مصروف عندهم: كمالٍ لُبَد، ورجلٍ حُطَم، ودليلٍ خُثَع، وسُكَع، إلا أنه ينبغي أن يحمل عليه أنه محمول على الوقف عليه، فجاء بترك التنوين. فإن وصل على ذلك فعلى نحو من قولهم: سبسبا وكلكلا، فجرى في الوصل مجراه في الوقف). [المحتسب: 2/52]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى}
قرأ عاصم وحمزة وابن عامر {مكانا سوى} بضم السّين وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان أي مكانا عدلا وقيل وسطا بين قريتين). [حجة القراءات: 453]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {مكانًا سوى} قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بضم السين، وقرأ الباقون بالكسر، وهما لغتان مثل: «طِوى وطُوى» وهو نعت لـ «مكان» ومعناه: مكانًا نصفًا فيما بين الفريقين، وهو فعل من التسوية. فالمعنى: مكانًا لتستوي مسافته على الفريقين، و«فعل» قليل في الصفات نحو: عدى، و«فعل» كثير في الصفات، نحو قولك: لُبد وحطم. وقد ذكرنا أن أبا بكر وحمزة الكسائي يقفون عليه بالإمالة، وورش وأبو عمرو بين اللفين، وقد تقدمت علة الإمالة فيه وفي غيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/98]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {مَكَانًا سُوًى}[آية/ 58] بكسر السين:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي.
وقرأها ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب {سُوًى}مضمومة السين.
والوجه أن {سِوًى} و{سُوًى}بالكسر والضم لغتان، والمعنى: بين موضعين، وقلما يأتي فعل بكسر الفاء في الصفات، وقد جاء نحو: عدى وسوى وثني، وأما سوى بالضم على فعلٍ فهو في الصفات أكثر نحو رجل
[الموضح: 834]
سكع، ودليل ختع ورجل حطم ومال لبد). [الموضح: 835]

قوله تعالى: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن والأعمش والثقفي، ورويت عن أبي عمرو: [يَوْمَ الزِّينَةِ]، بالنصب.
قال أبو الفتح: أما نصب [يَوْمَ الزِّينَةِ] فعلى الظرف، كقولنا: قيامك يومَ الجمعة، فالموعد إذًا ههنا مصدر، والظرف بعده خبرٌ عنه. وهو عندي على حذف المضاف، أي: إنجاز موعدنا إياكم في ذلك اليوم.
ألا ترى أنه لا يراد في ذلك اليوم نعدكم؟ كيف ذا والوعد قد وقع الآن؟ إنما يتوقع إنجازه في ذلك اليوم، لكن في قوله: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} النظر، فظاهر حاله أن يكون مجرور الموضع حتى كأنه قال: موعدكم يوم الزينة وحشر الناس ضحى، أي: يوم هذا وهذا؛ فيكون "أن يحشر" معطوفا عل الزينة.
وقد يجوز أن يكون مرفوع الموضع عطفا على الموعد، فكأنه قال: إنجاز موعدكم وحشر الناس ضحى في يوم الزينة، أي: هذان الفعلان في يوم الزينة، فكأنه جعل الموعد عبارة عن جميع ما يتحدد ذلك اليوم: من الثواب، والعقاب، وغيرهما سوى الحشر. ألا تراه عطفه عليه. وأنت لا تقول: جاء القوم وزيد، وقد جاء زيد معهم؛ لأن الشيء لا يعطف على نفسه وكذلك قول الله تعالى : {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} لا يكون "جبريل" و"ميكائيل" داخلين في جملة الملائكة؛ لأنهما معطوفان عليهم، فلابد أن يكونا خارجين منهم، فأما قوله:
أكُرُّ عَلَيْهِمْ دَعْلَجًا وَلَبَانَهُ ... إذَا مَا اشتكَى وقعَ الرماحِ تَحَمْحَمَا
فيروى "لبانه" رفعا ونصبا، فمن رفعه فلا نظر فيه؛ لأنه مبتدأ وما بعده خبر عنه. وأما النصب فعلى أنه أخرج عن الجملة "لبانه"، ثم عطفه عليه، وساغ له ذلك لأنه مازه من جملته إكبارا له وتفخيما منه، كما ماز "جبريل" و"ميكائيل" من جملة الملائكة تشريفا
[المحتسب: 2/53]
لهما، وكذلك قوله: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} ليس في جملة ما دل عليه الموعد لما قدمناه، كأنه مميز من الزينة في اعتقادك إياه مجرورا؛ لأنه معطوف عليها.
وأما من رفع فقال: {يَوْمُ الزِّينَةِ} فإن الموعد عنده ينبغي أن يكون زمانا، فكأنه قال: وقت وعدي يوم الزينة، كقولنا: مبعث الجيوش شهر كذا، أي: وقت بعثها حينئذ. والعطف عليه بقوله: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} يؤكد الرفع؛ لأن "أن" لا تكون ظرفا. ألا ترى أن من قال: زيارتك إياي مقدم الحاج لا يقول: زيارتك إياي أن يقدم الحاج؟ وذلك أن لفظ المصدر الصريح أشبه بالظرف من "أن" وصلتها التي بمعنى المصدر، إذا كان اسما لحدث، والظرف اسم للوقت، والوقت يكاد يكون حدثا. وعلى كل حال فلست تحصل من ظرف الزمان على أكثر من الحدث الذي هو حركات الفلك، فلما تدانيا هذا التداني ساغ وقوع أحدهما موقع صاحبه.
وأما "أن" فحرف موصول، جعل بدل لفظه على أنه في معنى المصدر. وما أبعد هذا عن الظرفية! وقد استقصينا القول على ذلك في كتابنا الخصائص وغيره من مصنفاتنا وينبغي أيضا أن يكون على حذف المضاف، أي: وقت وعدكم يوم الزينة ووقت حشر الناس؛ لأن الحشر في الحقيقة ليس وقتا، كما أن: قولك: ورودك مقدم الحاج إنما هو على حذف المضاف، أي: وقت مقدم الحاج وكذلك، خفوق النجم وخلافة فلان. فاعرف ذلك). [المحتسب: 2/54]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود والجحدري وأبي عمران الجوني وأبي نهيك وأبي بكرة وعمرو بن فائد: [وَأَنْ يَحْشُرَ النَّاسَ ضُحًى].
قال أبو الفتح: الفاعل هنا مضمر، أي: وأن يحشر الله الناس، فهذا كقوله سبحانه: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا}، وجميع هذا يراد به العموم، أي: يحشرهم قاطبة وطُرًّا
[المحتسب: 2/54]
ولا يكون حالا كقوله سبحانه: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} ويدل عليه أيضا قوله: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} ). [المحتسب: 2/55]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 05:25 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة طه

[ من الآية (60) إلى الآية (64) ]
{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)}

قوله تعالى: {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)}

قوله تعالى: {قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فيسحتكم بعذابٍ (61)
[معاني القراءات وعللها: 2/147]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (فيسحتكم) بفتح الباء من (سحته).
وقرأ الباقون (فيسحتكم) من (أسحت).
قال أبو منصور: هما لغتان: سحته وأسحته، إذا استأصله.
وقال الفرزدق:
وعضّ زمانٍ يا بن مروان لم يدع... من المال إلا مسحتاً أو مجلّف.
هكذا.
وأنشد الفراء، وقال: رفع (مجلّف) بإضمار (كذلك)، كأنه قال: أو مجلّف كذلك.
وروى غيره (إلا مسحتٌ أو مجلّف)، وجعل معنى لم يدع: لم يتقار ولم يبق). [معاني القراءات وعللها: 2/148]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {فيسحتكم بعذاب} [61].
قرأ حمزة، ووالكسائي، وحفص عن عاصمٍ {فيسحتكم} بضم الياء.
والباقون بالفتح. وهما لغتان سحت وأسحت: إذا استأصل يقال أسحت الجازر قلعة المعدن؛ قال الفرزدق:-
وعض زمانٍ يا ابن مروان لم يدع = من المال إلا مسحتًا أو مجلف
وينشد «مسحت» بالرفع فمن رفع. قال «لم يدع» بمعنى لم يبق. ومن نصب. قال: «أو مجلف» كذلك، ويروى: «إلا مسحتًا أو يجلف».
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/34]
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء عن أبي جعفر الرؤاسى قال: اجتاز الفرزدق بعبد الله بن أبي إسحق النحوي، فقال له: يا أبا فراس علام رفعت «إلا مسحتًا أو مجلف»؟ قال على مايسوؤك وينوؤك.
وفي غير هذا إنه قال يهجوه:
فلو كان عبد الله مولى هجوته = ولكن عبد الله مولى مواليا
وقيل له: وجب أن يقول: مولى موال مثل جوارٍ وغواش. فقال:
سلوا عن علة ذلك الذي يجر خصييه، يعني: ابن أبي إسحق. وكان أبو حاضرٍ النحوي عنده، فقال له: لحنت يا أبا فراس. قال: والله لأهجونك ببيتٍ يستشهد به إلى يوم القيامة.
أبا حاضرٍ من يزن يعرف زناؤه = ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرًا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/35]
فمد الزنا، وهو مقصور. والنجويون جعلوه شاهدًا لما ذكرنا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/36]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضم الياء وفتحها من قوله عز وجل فيسحتكم [طه/ 61].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وابن عامر: (فيسحتكم) بفتح الياء من يسحت.
وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي: فيسحتكم بضم الياء من أسحت، وكسر الحاء.
[الحجة للقراء السبعة: 5/228]
أبو عبيدة: يسحتكم: يهلككم قال: وبنو تميم يقولون:
يسحتكم، وأنشد:
وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع... من المال إلا مسحتا أو مجلّف
وفسر لم يدع: لم يبق، وقال أبو الحسن نحو ذلك، أبو عثمان: سحت وأسحت نحو قول أبي عبيدة). [الحجة للقراء السبعة: 5/229]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {فيسحتكم} بضم الياء وكسر الحاء وقرأ الباقون بفتح الياء والحاء
قال الفراء هما لغتان يقال سحته وأسحته إذا استأصله وأهلكه). [حجة القراءات: 454]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {فيسحتكم} قرأه حفص وحمزة والكسائي بضم الياء، وكسر الحاء، وفتحها الباقون وهما لغتان، وحكى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/98]
أبو عبيدة والأخفش: سحته وأسحته، بمعنى، ومعنى {يستحكم} يسحقكم ويهلككم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/99]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {فَيُسْحِتَكُم}[آية/ 61] بضم الياء وكسر الحاء:
قرأها حمزة والكسائي وعاصم- ص- ويعقوب- يس-.
والوجه أنه من أسحته يسحته إسحاتًا: إذا استأصله، قال الفرزدق:
88- وعض زمان يا ابن مروان لم يدع =من المال إلا مسحتًا أو مجلف
فقوله: مسحت من أسحت.
وقرأ الباقون و- ياش- عن عاصم و- ح- عن يعقوب {فَيُسْحِتَكُم}بفتح الياء والحاء.
والوجه أنه من سحته يسحته سحتًا إذا استأصله، مثل أسحته، وسحت
[الموضح: 835]
أكثر اشتهاراً من أسحت). [الموضح: 836]

قوله تعالى: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)}

قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ هذان لساحران (63)
[معاني القراءات وعللها: 2/148]
قرأ ابن كثيرٍ (إن) خفيفة، (هذان) بالرفع وتشديد النون.
وقرأ حفص (إن هذان) بالرفع وتخفيف النون:
وقرأ أبو عمرو (إنّ) مشددة، (هذين) نصبًا باللغة العالية.
وقرأ الباقون (إنّ) بالتشديد، (هذان) بالرفع وتخفيف النون.
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (إنّ هذين) وهي اللغة العالية التي يتكلم بها جماهير العرب إلا أنها مخالفة للمصحف، وكان أبو عمرو يذهب في مخالفته المصحف إلى قول عائشة وعثمان: إنه من غلط الكاتب فيه، وفي حروف أخر.
وأما من قرأ (إن هذان لساحران) بتخفيف (إن)، و(هذان) بالرفع فإنه ذهب إلى أن (إنّ) إذا خففت رفع ما بعدها، ولم ينصب بها، وتشديد النون من (هذانّ) لغة معروفة، وقرئ (فذانّك برهانان) على هذه اللغة.
والمعنى في قراءة (إن هذان لساحران): ما هذان إلا ساحران، بمعنى النفي، واللام في (لساحران) بمعنى: إلا وهذا صحيح في المعنى، وفي كلام العرب.
[معاني القراءات وعللها: 2/149]
وأما قراءة العامّة (إنّ هذان لساحران) ففي صحته في العربية وجوه كلها حجة، منها: أن الأخفش الكبير وغيره من قدماء النحويين قالوا: هي لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والخفض على لفظ واحد، كقولك: أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وقد أنشد الفراء بيتًا للمتلمّس حجة لهذه اللغة:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى... مساغاً لناباه الشّجاع لصمّما
وقال أبو عبيد: ويروي للكسائي يقول: هي لغة لبلحارث بن كعب، وأنشد
تزوّد منّا بين أذناه ضربةً... دعته إلى هابي التراب عقيم
وقال بعض النحويين في قوله (إنّ هذان لساحران) ها هنا هاء مضمرة، المعنى: إنّه هذان لساحران.
[معاني القراءات وعللها: 2/150]
وقال آخرون: (إنّ) بمعنى: نعم هذان لساحران، وقال ابن قيس الرقيّات:
ويقلن شيبٌ قد علا... ك وقد كبرت فقلت إنّه.
وقال أبو إسحاق الزجاج: أجود ما سمعت في هذا: أن (إن) وقعت موقع (نعم)، وأن اللام وقعت موقعها، والمعنى: نعم هذان لهما ساحران.
قال: والذي سلى هذا في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحد.
قال: وأما قراءة أبي عمرو فإني لا أجيزها لمخالفتها المصحف، قال: ولما وجدت سبيلاً إلى موافقة المصحف لم أجز مخالفته؛ لأن اتباعه سنّة، سيما وأكثر القراء على اتباعه، ولكني أستحسن (إن هذان لساحران) وفيه إمامان: عاصم، والخليل. وموافقة أبيٍّ - رضي الله عنه). [معاني القراءات وعللها: 2/151]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {إن هذان لسحرن} [63].
فيه ست قراءاتٍ:
قرأ أبو عمرو وحدة {إن هذين} بالياء؛ لأن تثنية المنصوب، والمجرور بالياء في لغة فصحاء العرب، وأما من جعل تثنية المجرور والمنصوب بالألف فقالوا: جلست بين يداه، وأعطيت درهمان. فلغة شاذة، لا تدخل في القرآن، وهي لغة بلحرث بن كعب. قال الشاعر:
تزود منا بين أذناه ضربة = دعته إلى هابي التراب عقيم
وقال أخر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/36]
طاروا علاهن فطر علاها
واشدد بمتني حقب حقواها
إن أباها وأبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها
ناجية وناجيًا أباها
فلما كانت الكتابة في المصحف بالألف (إن هذان) حمله بعضهم على هذه اللغة.
وقال المبرد، وإسماعيل القاضي: أحسن ما قيل في هذا: أن يجعل «إن» بمعنى: «نعم»، والتقدير: نعم هذان لساحران. فيكون ابتداءً وخيرًا. قال الشاعر:
بكر العواذل بالضحي يلحينني والومهنة
ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه
وقرأ {إن هذان} عاصم في رواية أبي بكر، ونافع، وحمزة والكسائي وابن عامرٍ اتباعًا للمصحف. واحتجوا بما قدمت ذكره.
ولأبي عمرو حجة أخرى: وذلك أنه سمع حديث عثمان، وعائشة إنا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/37]
لنجد في مصاحفكم لحنًا، وستقيمه العرب بالسنتها.
فإن سأل سائل: كيف جاز لعثمان، وهو إمام أن يرى لحنًا في المصحف فلا يغيره؟
فالجواب: في ذلك:
أن اللحن على ثلاثة أودجه:-
فأحد ذلك أن تنصب الفاعل، وترفع المفعول، ونحو ذلك، فذلك لا يجوز في كلامٍ ولا قرآن، ولا غيره.
والوجه الثاني: أن يكون اللحن خروجًا من لغة إلى لغةٍ. فقول عثمان: نجد في مصاحفكم لحنًا، لم يرد اللحن الذي لا يجوز البتة، ولكنه أراد الخروج من لغةٍ إلى لغةٍ؛ لأن القرآن نزل بلغة قريش، لا بلغة بلحرث بن كعب. ألم تسمع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن ابن مسعودٍ يقرئ الناس بلغة هذيل {عتى حين} بالعين فكتب إليه: أما بعد، فإذا ورد عليك كتابي
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/38]
فأقرئ الناس بلغة هذا الحي من قريش. وكل قد ذهب مذهبًا، والحمد لله واجتهدوا.
والوجه الثالث: أن اللحن الفطنة، وقد فسر في غير هذا الموضع.
والقراءة الثالثة: {إن هذان لسحرن} بتخفيف «أن» قرأ بذلك حفص عن عاصمٍ. جعل «إن» جحدًا، ما هذان لساحران.
والقراءة الرابعة {إن هذان} بتخفيف «إن»، وتشديد نون التثنية، وهي قراءة ابن كثيرٍ وحفص وقد ذكرت علة تشديد النون في (النساء).
والقراءة الخامسة: أن أبيا قرأ: (إن ذان إلا ساحران) وهذا يقوى قراءة حفص وابن كثيرٍ.
والقراءة السادسة: أن ابن مسعودٍ قرأ: {إن هذان سحرن} بغير
فإن سأل سائل فقال: قد أجزت أن تجعل «إن» بمعنى «نعم».
ولا يدخل اللام بين المبتدأ وخبره. ولا يقال: زيد لقائم. فما وجه قوله:
{إن هذان}.
فالجواب في ذلك: أن من العرب من يدخل لام التأكيد في خبر المبتدأ.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/39]
فيقول زيد لأخوك. وهي لغة مستقيمة، قال الشاعر:-
خالي لأنت ومن جرير خاله = ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقال آخر:
أم الحليس لعجوز شهربه = ترضي من اللحم بعظم الرقبه
وفيه وجه أحسن من هذا كله، وذلك: أن جعفر بن محمد سئل عن {إن هذان}. فقال: إن فرعون كان لحنة قبطيا. فقال: إن هذان فحكي الله لفظه. ويخطئ هذا التوجيه أن فرعون لم يتكلم العربية... وكيف يغيب هذا عن شيخنا؟!). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/40]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: إن هذين [طه/ 63] في تشديد النون وتخفيفها.
فقرأ ابن عامر ونافع وحمزة والكسائي: (إنّ) مشدّدة النون.
هذان بألف خفيفة النون من هذان.
وقرأ ابن كثير (إن هذانّ) بتشديد نون (هذانّ) وتخفيف نون (إنّ).
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر (إنّ هذان) نون إنّ مشدّدة، وروى حفص عن عاصم إن ساكنة النون وهي مثل قراءة ابن كثير، وهذان خفيفة.
وقرأ أبو عمرو وحده (إنّ) مشدّدة النون (هذين) بالياء.
[الحجة للقراء السبعة: 5/229]
قال قائلون: (إنّ) في قوله: (إنّ هذان لساحران) بمعنى: أجل، وأن تكون (إنّ) للتأكيد والناصبة للاسم أشبه بما قبل الكلام وما بعده، فأما قبل فقوله: فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى [طه/ 62] فالتنازع إنما هو في أمر موسى وهارون، هل هما ساحران على ما ظنوه من أمرهما، وقد تقدم من قولهم ما نسبوهما فيه إلى السحر، وهو قولهم: أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فهذا وإن لم يتقدمه سؤال عن سحرهم كما تقدم السّؤال مثل قوله: قالوا نعم وهو قوله: فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم [الأعراف/ 44] فقد تقدم أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فيكون نعم منصرفا إلى تصديق أنفسهم فيما ادّعوه من السحر و (إن) بمنزلة نعم.
وقال: قد قال سيبويه: نعم عدة وتصديق، وأن تصرف إلى الناصبة للاسم أولى. قال الجرميّ: هو قراءة أبي عمرو وعيسى وعمرو بن عبيد وقوله: يريدان أن يخرجاكم إلى آخر الكلام، أن يكون تأكيدا لأنهما ساحران أشبه بالكلام فإن حمله على التصديق ضرب من التأكيد فإن حملت (إنّ) على أنّه بمعنى نعم بقي الكلام: هذان لساحران، فتحصل لام الابتداء داخلة على خبر المبتدأ، وهذا قد قال النحويون فيه: إنّه يجوز في الشعر على الضرورة، فإن قلت: أقدر الابتداء محذوفا، فإن هذا لا يتجه لأمرين: أحدهما: أن الذي حمله النحويون على الضرورة لا يمتنع من أن يستمر هذا التأويل فيه، ولم يحملوه مع ذلك عليه. والآخر: أن التأكيد باللام لا يليق به الحذف، ألا ترى أن الأوجه في الرتبة أن يتم الكلام ولا يحذف، ثم يؤكّد فأما أن
[الحجة للقراء السبعة: 5/230]
يحذف ثم يؤكّد، فليس باللائق في التقدير، ووجه قول من قال: إن ذان، وإن هذان مخفف (إن): أنّ إنّ إذا خفّفت لم يكن النصب بها كثيرا، وكان الأوجه أن يرفع الاسم بعدها، والدليل على ذلك كثرة وقوع الفعل بعدها في نحو: إن كاد ليضلنا [الفرقان/ 42] وإن كانوا ليقولون [الصافات/ 167] وإن كنا عن دراستهم لغافلين [الأنعام/ 156]، وإذا كان الأوجه الرفع بعدها رفع هذان بعدها، وأدى مع ذلك خطّ المصحف، ومن زعم أنّ هذان في الآية الألف التي فيه الألف التي كانت في هذا، ليس إلا ألف التي جلبته التثنية، فإن الأمر لو كان على ما زعم لم تنقلب هذه الألف في تثنيته، كما أن الألف التي في هذا لا تنقلب على حال، وفي كون هذه الألف مرّة ياء، ومرة ألفا دلالة على أنه كسائر التثنية، ولا فصل بين هذا وبين غيره من الأسماء المعربة، وذلك أن هذه الأسماء في الانفراد إنما بنيت لمشابهتها الحروف، فإذا ثنيت زال بالثنية مشابهتها للحروف، من حيث لم تثنّ الحروف فتصير كسائر الأسماء المعربة، ويدلّ على أن هذه الألف للتثنية أن التي كانت في الواحد قد حذفت، كما حذفت الياء من التي والذي إذا قلت: اللتان واللذان، فالياء التي كانت في الاسم قد حذفت وجيء بالتي للتثنية. ومثل حذف هذه الألف حذف الألف من أولات ومن ذوات ومن هيهات، هذه كلّها حذفت فيها الألف والياء لقلة تمكّنها، فكذلك تحذف من قولهم: هذا، ألفه، وتلحق التي تكون علما للتثنية، ومن ثم انقلبت مرّة ياء ومرة ألفا، والتي تثبت في الواحد لا يتعاورها القلب، ولا تزول عن أن تكون ألفا، وقال أبو الحسن: إن هذان لساحران بتخفيف إن لأن الكتاب: هذان فيحملها على لغة من يخفّف إنّ فيرفع بها، وإن ثقلت فهي لغة لبني الحارث بن كعب
[الحجة للقراء السبعة: 5/231]
يرفعون الاثنين في كل موضع قال: فأيّ التفسيرين فسرت فهو جيد). [الحجة للقراء السبعة: 5/232]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا إن هذان لساحران} 63
قرأ أبو عمرو (إن هذين) بالياء لأن تثنية المنصوب والمجرور بالياء في لغة فصحاء العرب وأبو عمرو مستغن عن إقامة دليل على صحّتها كما أن القارئ في قول الله جلّ وعز {قال رجلان من الّذين يخافون} مستغن عن الاحتجاج على منازعه إن نازعه في صحة قراءته
وقرأ الباقون {إن هذان لساحران} بالألف وحجتهم أنّها مكتوبة هكذا في الإمام مصحف عثمان وهذا الحرف في كتاب الله مشكل على أهل اللّغة وقد كثر اختلافهم في تفسيره ونحن نذكر جميع ما قال النحويون فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب وهو رأس رؤساء الرواة أنّها لغة كنانة يجعلون ألف الاثنين في الرّفع والنّصب والخفض على لفظ واحد يقولون أتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان قال الشّاعر
تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التّراب عقيم
[حجة القراءات: 454]
قال الزّجاج وقال النحويون القدماء ها هنا هاء مضمرة والمعنى إنّه هذان لساحران كما تقول إنّه زيد منطلق ثمّ تقول إن زيد منطلق وقال المبرد أحسن ما قيل في هذا أن يجعل إن بمعنى نعم المعنى نعم هذان لساحران فيكون ابتداء وخبرا قال الشّاعر:
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنّه
أي نعم فإن قيل اللّام لا تدخل بين المبتدأ وخبره لا يقال زيد لقائم فما وجه هذان لساحران
الجواب في ذلك أن من العرب من يدخل لام التوكيد في خبر المبتدأ فيقول زيد لأخوك قال الشّاعر:
خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقال الزّجاج المعنى نعم هذان لساحران وقال قطرب يجوز أن يكون المعنى أجل فيكون المعنى والله أعلم {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النّجوى} قالوا أجل تصديقًا من بعضهم لبعض ثمّ قالوا {هذان لساحران} ويجوز أن يكون اللّام داخلة في الخبر على التوكيد
[حجة القراءات: 455]
وقال الفراء في {هذان} إنّهم زادوا فيها النّون في التّثنية وتركوها على حالها في الرّفع والنّصب والجر كما فعلوا في الّذي فقالوا الّذين في الرّفع والنّصب والجر
وقرأ حفص {إن هذان} بتخفف {إن} جعل إن بمعنى ما واللّام بمعنى إلّا التّقدير ما هذان إلّا ساحران
وقرأ ابن كثير {إن} بالتّخفيف {هذان} بالتّشديد و{إن} تكون أيضا بمعنى ما والأصل في هذان: هذا ان فحذف الألف وجعل التّشديد عوضا من الألف المحذوفة الّتي كانت في هذا ومن العرب من إذا حذف عوض ومنهم من إذا حذف لم يعوض فمن عوض آثر تمام الكلمة ومن لم يعوض آثر التّخفيف ومثل ذلك في تصغير مغتسل منهم من يقول مغيسل فلم يعوض ومنهم من يقول مغيسيل فعوض من التّاء ياء). [حجة القراءات: 456]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {قالوا إن هذان} قرأ ابن كثير وحفص: {قالوا إن} بتخفيف {إن}، وشدد الباقون، وقرأ أبو عمرو «هذين» بالياء، وقرأ الباقون بالألف.
وحجة من خفف أنه لما رأى القراءة وخط المصحف في {هذان} بالألف أراد أن يحتاط بالإعراب، فخفف {إن} ليحسن الرفع بعدها على الابتداء؛ لأن {إن} إذا خففت حسن رفع ما بعدها على الابتداء لنقصها عن شبه الفعل، ولأنها لم تقو قوة الفعل، فتعمل ناقصة، كما يعمل الفعل ناقصًا، في نحو: لم يك زيد أخانا، ومنهم من يعملها، وهي مخففة، عملها وهي مشددة، فالذي خفف {إن} اجتمع له في قراءته موافقة الخط وصحة الإعراب في {هذان}.
13- وحجة من شدده أنه أتى بها على أصلها، فوافق الخط، وتأول في رفع {هذان} مما نذكره.
14- وحجة من قرأ {هذان} بألف مع تشديد {إن} أنه اتبع خط المصحف، وأجرى {هذان} في النصب بألف على لغة لبني الحارث بن كعب، يلفظون بالمثنى بألف على كل حال، وأنشد النحويون في ذلك قول الشاعر:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/99]
= تزود منا بين أذناه طعنة =
فأتى بالألف في موضع الخفض، وقد قيل: إنما أتى {هذان} بألف على لغة من جعل {إن} بمعنى «نعم» فيرتفع ما بعدها بالابتداء، واستبعد ذلك بعض النحويين لدخول اللام في {لساحران} واللام إنما حقها أن تدخل في الابتداء دون الخبر، وإنما تدخل في الخبر إذا علمت {إن} في الاسم لما لم يظهر فيه الإعراب في الواحد والجمع أجريت التثنية على ذلك، فأتى بالألف على كل وجه من الإعراب، كما كان في الواحد والجمع.
15- وحجة من قرأ بالياء أنه أعمل {إن} في {هذان} فنصبته، وهي اللغة المشهورة المستعملة، لكنه خالف الخلط فضعف لذلك، وقد ذكرنا أن ابن كثير يشدد النون من {هذان} وذكرنا علته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/100]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {إنْ}بتشديد النون {هَذَينِ}بالياء [آية/ 63]:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه فيها بين، وهو أن {إنْ}هي المؤكدة الناصبة للاسم، الرافعة للخبر، و{هَذَينِ}اسمها، و{لَسَاحِرَانِ}خبرها، واللام هي لام التأكيد التي تدخل على خبر إن، وهي التي تسمى لام الابتداء.
وقرأ الباقون إلا ابن كثير و- ص- عن عاصم {إنْ}بتشديد النون، {هَذَانِ}بالألف وبتخفيف النون.
والوجه في ألف {هَذَانِ}قد ذكر فيها أقوال:
أحدها: أن يكون على لغة بني الحارث بن كعب؛ وذلك أن التثنية عندهم في الأحوال الثلاثة بالألف، يقولون: هذان أخواك ورأيت أخواك ومررت بأخواك، قال الشاعر:
89- كأن صريف ناباه إذا ما= أمرهما ترنم أخطبان
[الموضح: 836]
أراد: نابيه واخطبين، وقال آخر:
90- تزود منا بين أذناه ضربة =دعته إلى هابي التراب عقيم
أراد أذنيه، وقال الآخر:
91- إن أباها وأبا أباها= قد بلغا في المجد غايتاها
أراد غايتيها، وأما: أباها فإنه أجراها مجرى عصاها.
فقوله {هَذَانِ}ههنا في موضع نصب؛ لأن اسم {إنْ} و{لَسَاحِرَانِ}خبره، وحسن دخول اللام؛ لأنه في خبر إن.
والثاني: أن يكون {إنْ}بمعنى نعم، كما قال الشاعر:
[الموضح: 837]
92- بكر العواذل في الصبو= ح يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا = ك وقد كبرت فقلت إنه
أراد: نعم، فيكون {هَذَانِ}على هذا مبتدأ و{لَسَاحِرَانِ}خبره. ويضعف هذا الوجه من جهة دخول اللام في خبر المبتدأ، وهو إنما جاء في الشعر، قال:
93- خالي لأنت ومن جرير خاله =ينل العلاء ويكرم الأخوالا
أي: خالي أنت، فزاد اللام.
والثالث: أن يكون على إضمار الأمر أو الشأن، والتقدير: إنه هذان لساحران، أي إن الأمر أو الشأن هذان ساحران، فأضمر الأمر، كما أضمره الشاعر في قوله:
94- إن من لام في بني بنت حسا= ن ألمه وأعصه في الخطوب
أي: إن الأمر.
[الموضح: 838]
وعلى هذا يكون الأمر اسم {إنْ} و{هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}مبتدأٌ وخبره، وهما خبر {إنْ}.
وقد دخلت اللام ههنا أيضًا على خبر المبتدأ، وفيه من البعد ما ذكرناه.
والرابع: ما ذكره الزجاج وهو أنه على إضمار الأمر كما سبق، إلا أن فيه إضماراً آخر، وهو أن التقدير: إن هذان لهما ساحران، فأضمر الشأن، كأنه قال: إنه هذان، فحذف الهاء، ثم أضمر مبتدأ، وهو: هما، فقال: لهما ساحران، فيكون اسم {إنْ}مضمراً وهو الأمر أو الشأن، و{هَذَانِ}مبتدأ، ولهما مبتدأ ثان، و{سَاحِرَانِ}خبر المبتدأ الثاني، والجملة أعني: لهما وساحران خبر المبتدأ الأول، وهو {هَذَانِ}، والكل خبر {إنْ}، واللام في هذا التقدير داخلة على المبتدأ، لا على الخبر، لكنه لما حذف المبتدأ الذي هو هما انتقل اللام إلى خبره وهو ساحران.
وهذا الوجه لم يرتضه أبو علي، وقال: اللام يدل على التأكيد، والمؤكد لا يليق به الحذف؛ لأن الحذف ضد التأكيد.
والخامس: أن يكون ألف {هَذَانِ}ألف الأصل، أعني ألف هذا، وحذفت ألف التثنية؛ لأنها اجتمعت مع ألف هذا، فحذفت لالتقاء الساكنين، وإنما حذفت ألف التثنية؛ لأن النون ههنا لازم لا يسقط، فصار دليل التثنية، ودخول اللام في {لَسَاحِرَانِ}على هذا حسنٌ؛ لأنها دخلت على خبر {إنْ}، وزيف أبو علي هذا الوجه، وقال: لما ثنيت هذا، صارت وإن كانت مبنية كالأسماء المعربة، فينبغي أن يكون تثنية هذا كتثنيتها، لا فرق؛ لأنها ثنيت زالت مشابهتها للحروف؛ لأن الحروف لا تثنى.
[الموضح: 839]
والسادس: أن تكون ها من قوله {إنْ هَذَانِ}ليست للتنبيه، بل هي ضمير القصة، وهي منفصلة من: ذان، ومتصلة بأن، والتقدير: إنها ذان لساحران، أي أن القصة ذان لساحران، فيكون الضمير ضمير القصة، وهو اسم إن، وذان مبتدأ، ولساحران خبره، وهما جميعًا خبر إن، والقول في اللام على ما سبق من الزيادة.
وهذا الوجه ضعيف؛ لأنه خلاف المصحف.
قرأ ابن كثير و- ص- عن عاصم {إنْ}بالتخفيف {هَذَانِ}بالألف والنون، وخفف- ص- النون من {هَذَانِ}، وشددها ابن كثير.
ووجه تخفيف النون من {إنْ}أن {إنْ}هي المخففة من الثقيلة، وهي إذا خففت أضمر الشأن أو الأمر بعدها في الأغلب، ولهذا يكون ما بعدها رفعًا، وقلما تعمل إن مخففة إلا في شعر.
والوجه في تشديد ابن كثير نون {هَذَانِ}هو أنه جعل التشديد عوضًا من ألف هذا التي حذفت لالتقائها مع ألف التثنية، فلما حذفت عوض منها نون فأدغمت في نون التثنية، وقد سبق ذلك في سورة النساء.
وأما وجه تخفيف نون {هَذَانِ}فظاهر؛ لأنه نون التثنية). [الموضح: 840]

قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأجمعوا كيدكم (64)
قرأ أبو عمرو وحده (فاجمعوا كيدكم) بالوصل وفتح الميم، من (جمعت).
وقرأ الباقون (فأجمعوا) بألف القطع، من (أجمعت).
[معاني القراءات وعللها: 2/151]
قال الفراء: من قرأ (فأجمعوا كيدكم) فإن الإجماع: الإحكام والعزيمة على الشيء، تقول: أجمعت الخروج، وأجمعت على الخروج - وأنشد:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع... هل أغدون يوماً وأمري مجمع
أي: أحكم وعزم عليه.
قال: ومن قرأ (فاجمعوا كيدكم) فمعناه: لا تدعوا من كيدكم شيئًا إلا جئتم به). [معاني القراءات وعللها: 2/152]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ثمّ ائتوا صفًّا (64)
روى خلف عن عبيد عن شبل (ثمّ) بكسر الميم (إيتو) بقطع الألف.
وروى عبيد عن شبل عن ابن كثير (ثمّ ايتوا) بفتح الميم، ثم يأتي بعدها يياء ساكنة.
قال ابن مجاهد: وهذا أشبه بالصواب؛ لأن ابن كثير أراد بلفظه هذا اتباع الكتاب؛ لأن الأصل في (ايتوا): إأتوا، بهمزتين: الأولى مكسورة، والثانية ساكنة، فصارت الهمزة الساكنة ياء لانكسار ألف الوصل التي قبلها: لأن ألف الوصل داخلة على ألف الأصل - ألا ترى أنك تقول: أتى زيد، يأتي فتجد الألف لا تبقى [...] وهي إحدى علامتي ألف الوصل، فإذا وصلت القراءة قلت:
[معاني القراءات وعللها: 2/152]
(ثمّ أتوا) أسقطت ألف الوصل الموجودة في الابتداء مكسورة، ورجعت همزة التي توجد ياء في [...]
وروي عن ابن كثير أيضًا أنه قرأ ((ثمّ ائتوا صفًّا) مثل سائر القراء.
قال أبو منصور: أما ما روى خلف عن عبيد، عن شبل (ثمّ إيتوا) بكسر الميم وقطع الألف فهو وهم؛ لأن معنى (آتوا): أعطوا، ولا معنى له ها هنا.
وأما ما روي لشبل عن ابن كثير (ثم ايتو) بياء ساكنة فقد احتج له ابن مجاهد بما احتج به، إلا أن ما احتج به مخالف اللفظ المروي عنه - والقراءة المختارة ما اتفق عليه القراء واختاره أهل اللغة (ثمّ ائتوا) ). [معاني القراءات وعللها: 2/153]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {فأجمعوا كيدكم} [64].
قرأ أبو عمرو وحده:- {فأجمعوا} بالوصل وفتح الميم موصولاً من جمعت على معنى عزمت، يقال: جمعت الأمر، وأجمعت عليه. وأزمعت الأمر، ولا يقال أزمعت عليه، وعزمت على الأمر بمعنى واحد.
وقرأ الباقون، {فأجمعوا} بقطع الألف على تقدير: أجمعوا السحر والكيد. وقد ذكرت هذا الحرف بأبين من هذا في سورة (يونس) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/40]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {ثم ائتوا صفا} [64].
فيه ثلاث قراءات: اختيار السبعة، {ثم ايتوا} بهمزة ساكنةٍ في الدرج والهمزة. فاء لفعل. فإذا وقعت ابتدأت: إيتوا بكسر الهمزة، والهمزة ساكنة. تتقلب ياء لانكسار ما قبلها. والأصل إئتوا. فإجاز الكسائي أن يبتدأ بهمزتين. والاختيار إيتوا بتليين الثانية.
والقراءة الثانية، أن خلفًا روى عن عبيد عن شبل، عن ابن كثيرٍ، {ثم ايتوا} بكسر الميم.
قال ابن مجاهدٍ: ولا وجه له.
وله عندى وجه، وذلك أن حركة الميم في ثم [تكسر] لالتقاء الساكنين. والعرب تجيز في مثل هذا نحو فظ وثم ومد وغض ورز عليك قميصك ثلاثة أوجه:
مد، ومد، ومد. قال الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير = فلا كعبًا بلغت ولا كلابا
روى: «غض»، و«غض»، و«غض»، فكذلك لو قرئ، «ثم» و«ثم» و«ثم»، لكان صوابًا كما قرئ «أف» و«أف» و«أف».
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/41]
وروى القطعي عن شبلٍ، عن ابن كثيرٍ، {ثم يتوا صفا} يفتح الميم ويأتي بعدها بياء ساكنةٍ. وكان وجه ذلك أن الهمزة قلبها ياء كقولهم: قرأت، وقريت، وأرجأت الأمر، وأرجيت.
قال الأخفش: العرب تقلب الهمزة إذا أرادوا تخفيفها، وتحويلها ياء.
إلا قولهم: «رفأت الثوب». فإنهم إذا حولوا، قالوا: رفوت الثوب بالواو. ولم يذكر العلة، والعلة في ذلك: أن العرب يهمزون ما ليس أصله الهمز تشبيهًا بغيره، كقولهم: «حلات السويق». يشبهونه: بحلات الإبل عن الماء: إذا منعتها، فكذلك إذا تركوا الهمز في قرأت شبهوه بقريت الضيف، ولم يكن رفيت في كلام العرب فردوه إلى الواو؛ لأن العرب تقول، رفوت الرجل؛ إذا سكته. قال الشاعر:
رفوني وقالوا يا خويلد لا تدع = فقلت أنكرت الوجوه هم هم
وهذا حسن جدًا، فاعرفه.
وروى أبو زيد، رفوت، ورفيت، وهو ثقة.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/42]
فإن سأل سائل: هلا قلت في قرأت قروت، لأن العرب تقول، قروت الأرض إذا تتبعتها؟
فقل: لما اجتذبه أصلان، ياء، وواو، ردوه إلى الأخف، ألا ترى أن العرب تفر من الواو إلى الياء، ولا تفر من الياء إلى الواو. فيقولون: كف خضيب، ورجل جريح، وشيطان رجيم، والأصل: مخضوبه ومجروح ومرجوم، ولا يقولون في ظريف وكريم: ظروف وكروم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/43]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في همز الألف من قوله تعالى: فأجمعوا كيدكم [طه/ 64] في كسر الميم وإسقاط الألف وفتح الميم.
فقرأ أبو عمرو وحده (فاجمعوا) مفتوحة الميم من جمعت.
القطعيّ عن عبيد وهارون عن أبي عمرو: فأجمعوا ألف مقطوعة مثل حمزة.
وقرأ الباقون: فأجمعوا بقطع الألف وكسر الميم من أجمعت.
احتج أبو عمرو، زعموا، للقراءة بالوصل بقوله: فجمع كيده [طه/ 60] والفعل في الموضعين جميعا معدّى إلى الكيد. قال أبو الحسن، وإنما يقولون بالقطع إذا قالوا: أجمعنا على كذا وكذا، فأما إذا قالوا: أجمعوا أمركم، وأجمعوا كيدكم، فلا يقولون إلا بالوصل، قال: والقطع أكثر القراءة، قال: فأما أن يكون لغة في ذا المعنى لأن باب فعلت وأفعلت كثير، أو يكون أجمعوا أي: أجمعوا على كذا وكذا، ثم قال: كيدكم على أمر مستأنف، فإن قيل: فقد تقدّم ذكر قوله: فجمع كيده فإذا قالوا: فأجمعوا كيدكم، كان تكريرا، قيل: لا يكون كذلك، لأن ذاك في قصة وذا في أخرى، ذاك إخبار عن فرعون في جمعه كيده وسحره، وهذا فيما يتواصى به السحرة في جمع كيدهم، وما يستظهرون في المبالغة في سحرهم، ويشبه أن يكون ذلك على لغتين كما ظنه أبو الحسن كقول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 5/232]
وأنتم معشر زيد على مائة... فأجمعوا أمركم طرّا فكيدوني
فقوله: فأجمعوا أمركم بمنزلة: فأجمعوا كيدكم لأن كيدكم من أمركم.
قال: وروى القطعي عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: ثم ائتوا صفا [طه/ 64] بفتح الميم، ثم يأتي بياء بعدها ساكنة. وروى خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: (ثمّ ايتوا) بكسر الميم بغير همز، ثم يأتي بالياء التي بعدها تاء، وهذا غلط، لا تكسر الميم من ثمّ، وحظها الفتح، ولا وجه لكسرها، وإنما أراد ابن كثير أن يتّبع الكتاب فلفظ بالياء التي خلفت الهمزة بعد فتحة الميم. وروى الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد عن شبل عن ابن كثير:
ثم ايتوا صفا مفتوحة الميم وبعدها ياء. وكذلك روى محبوب عن إسماعيل المكي عن ابن كثير وهذا هو الصواب.
وروى النّبال وغيره عن ابن كثير: ثم ائتوا صفا مثل حمزة، وكذلك قرأ الباقون قول ابن كثير: (ثمّ ايتوا صفّا) بفتح الميم ثم يأتي بياء بعدها ساكنة، وجهه فيه أنه مثل قوله: (أيذا) كأنّه قلب الهمزة ياء بعد ما خفّفها بأن جعلها بين بين إلا أنه في هذا قلبها ياء، وإن لم يكن خففها، وهذا مثل ما حكاه سيبويه في المتصل بيس، وقد كان أبين من هذا أن يقلبها ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها، مثل: راس وفاس في
[الحجة للقراء السبعة: 5/233]
المتصل، فأمّا قوله: (ثمّ ايتوا صفا) فخطأ بيّن وأصل هذا أنك تقول:
أتى يأتي، فإذا أمرت منه قلت: ايت، تجتلب همزة الوصل لسكون الهمزة التي هي فاء فلزم أن تقلب الفاء ياء لاجتماع الهمزتين، فقلت: ايت، وإن وصلته بشيء سقطت همزة الوصل، فلا يخلو ما يتصل به من أن يكون ساكنا أو متحركا، فإن كان متحركا لم يخل من أن يكون ضمّة أو فتحة أو كسرة، فإن كانت ضمّة وخففت الهمزة قلبتها واوا، فقلت: يا زيد وت، وعلى هذا: (يا صالح وتنا) [الأعراف/ 77] وعلى هذا (ومنهم من يقول اوذن لي ولا) [التوبة/ 49] وإن كانت كسرة فخفّفت الهمزة قلت: يا غلام يت بكذا، فقلبتها ياء، وإن شئت حقّقت الهمزة فقلت: يا غلام ئت بكذا، كما حققت بعد الضمة من قولك يا زيد ؤت، وإن كانت فتحة قلبتها ألفا إذا خففت الهمزة فقلت: يا غلام ات، وإن شئت حقّقت الهمزة. وعلى قياس قراءة ابن كثير: يا غلام يت، فتقلبها ياء ولا تقلبها ألفا، والوجه ما عليه الجمهور والكثرة، وقد قال قوم فيما روى بعض البغداذيين في أتى يأتي: ت بكذا وكذا، وأنشد:
ت لي آل زيد وهذا على قياس من حذف الهمزة حذفا من حيث كان حرف علّة، كما حذف من: خذ، ومر، وكل، وليس ذلك بالكثير ولا المعروف، والوجه في الآية قراءة النّبال وغيره عن ابن كثير). [الحجة للقراء السبعة: 5/234]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأجمعوا كيدكم ثمّ ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى}
قرأ أبو عمرو {فأجمعوا كيدكم} بوصل الألف وفتح الميم أي جيئوا بكل كيد تقدرون عليه أي لا تدعوا منه شيئا إلّا جئتم به وهو من جمعت الشّيء أجمعه وحجته قوله تعالى قبلها {فجمع كيده}
وقرأ الباقون {فأجمعوا} بقطع الألف وكسر الميم أي أحكموا أمركم واعزموا عليه قال الشّاعر
[حجة القراءات: 456]
يا ليت شعري والمنى لا تنفع ... هل أغدون يومًا وأمري مجمع
يريد قد أحكم وعزم عليه). [حجة القراءات: 457]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {فأجمعوا كيدكم} قرأه أبو عمرو بوصل الألف وفتح الميم، وقرأ الباقون بقطع الألف، وكسر الميم.
وحجة من وصل الألف أنه جعله من «جمع» ودليله قوله: {فجمع كيده} «طه 60» فالفعل في الموضعين معدى إلى «الكيد» قال الأخفش: إنما يقال: أجمعنا، إذا قالوا على كذا وكذا، فأما إذا قالوا: وأجمعوا كيدكم، وأجمعوا أمركم، فبالوصل يقولونه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/100]
17- وحجة من قطع الألف أنه جعل من «أجمع» وأضمر «على كذا»، فالتقدير: فأجمعوا كيدكم على موسى، وهو الاختيار، لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/101]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {فَأَجْمِعُوا}[آية/ 64] بوصل الألف وفتح الميم:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه أنه من جمعت خلاف فرقت، و{كَيْدَكُمْ}مفعول به، ودليله قوله تعالى {فَجَمَعَ كَيْدَهُ}، والمعنى لا تدعوا من كيدكم شيئًا إلا جئتم به.
وقرأ الباقون {فَأَجْمِعُوا}بفتح الألف وكسر الميم.
والوجه أنه يقال أجمعت الأمر: إذا عزمت عليه، وأجمعت إنما يتناول ما كان أمراً، والكيد أمر). [الموضح: 841]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 05:27 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة طه

[ من الآية (65) إلى الآية (70) ]
{ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)}

قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)}

قوله تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى (66)
قرأ عبد اللّه بن عامر (تخيّل إليه) بالتاء وفتح الخاء، وقرأ الباقون (يخيّل إليه) بالياء مضمومة وفتح الخاء.
قال أبو منصور: من قرأ (تخيّل) بالتاء فالمعنى تخيل الحبال والعصيّ إلى موسى أنها تسعي، ومن قرأ (يخيّل إليه) فلا إضمار فيه؛ لأن اسم ما لم يسم فاعله (أنّ) من قوله (أنّها تسعى)، وهي بمنزلة المصدر، وموضعها رفع، ولا علامة للرفع فيها؛ لأنها إذا حولت إلى الأسماء فمعنى (يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى) يخيّل إليه من سحرهم سعيها.
[معاني القراءات وعللها: 2/153]
قال أبو منصور: ومعناه أنه يراها تسعى، ولا تسعى، ولكنه تخييل من السحرة وكيدهم). [معاني القراءات وعللها: 2/154]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- قوله تعالى: {يخيل إليه} [66].
قرأ ابن عامرٍ -برواية ابن ذكوان وحده بالتاء. رده على الحبال والعصى، لأنها جمع، وجمع كل ما لا يعقل بالتأنيث.
وقرأ الباقون بالياء ردوه على السحر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/43]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن والثقفي: [تُخَيَّلُ]، بالتاء.
قال أبو الفتح: هذا يدل على أن قوله تعالى : {أَنَّهَا تَسْعَى} بدل من الضمير في [تُخَيَّلُ] وهو عائد على الحبال والعصي، كقولك: إخوتك يعجبونني أحوالهم. فأحوالهم بدل من الضمير العائد عليهم بدل الاشتمال.
ومنه قوله تعالى : {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} فيمن جعل "الأبواب" بدلا من الضمير في "مفتحة"، وهذا أمثل من أن يعتقد خلو [تُخَيَّلُ] من ضمير يكون ما بعده بدلا منه، لكن يؤنث الفعل لتضمن ما بعد أن لفظ التأنيث، كقراءة من قرأ: [لا تَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا] لأنه أسهل وأسرح من إتعاب الإعراب والتعسف به من باب إلى باب). [المحتسب: 2/55]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنّها تسعى}
قرأ ابن عامر (تخيل إليه) بالتّاء رده على الحبال والعصي وقرأ الباقون {يخيل إليه} بالياء المعنى يخيل إليه سعيها ويجوز أن ترده على السحر). [حجة القراءات: 457]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (18- قوله: {يخيل إليه} قرأه ابن ذكوان بالتاء، لتأنيث الحبال والعصي، والتأنيث قوي؛ لأنه أتى بعد المؤنث، وقرأ الباقون بالياء؛ لأنه فرّق بين المؤنث وفعله، ولأن التأنيث فيه غير حقيقي، و«إن» في قوله: {إنها} في قراءة من قرأ بالتاء في موضع رفع على البدل من المضمر المرفوع في {يخيل} وهو بدل الاشتمال، وهو في موضع رفع في قراءة من قرأ بالياء على المفعول الذ لم يسم فاعله، وقد ذكرنا ذلك في تفسير مشكل الإعراب بأشبع من هذا، وقد تقدم ذكر «أن أسر، ووعدنا، وابن أم» وشبهه فأغنى عن الإعادة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/101]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {تُخَيَّلُ إلَيْهِ}[آية/ 66] بالتاء:
قرأها ابن عامر ويعقوب- ح-.
والوجه أن في {تُخَيَّلُ}ضمير الحبال والعصي، والتقدير: فإذا حبالهم وعصيهم تخيل هي إليه، ثم أبدل قوله {أَنَّهَا تَسْعَى}من ضمير الحبال، فموضعه رفع.
[الموضح: 841]
وقرأ الباقون ويعقوب- يس- {يُخَيَّلُ}بالياء.
والوجه أن قوله {يُخَيَّلُ}مسند إلى المفعول به، {أَنَّهَا تَسْعَى}في موضع رفعٍ بإسناد الفعل إليه، والتقدير: يخيل سعيها إليه). [الموضح: 842]

قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)}

قوله تعالى: {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)}

قوله تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تلقّف ما صنعوا (69)
قرأ ابن عامر (تلقّف ما) برفع الفاء، وقرأ الباقون (تلقّف) بسكون الفاء.
وخفف القاف حفص وحده، وسكن اللام (تلقف)
قال أبو منصور: من قرأ (تلقّف) بضم الفاء جعلها حالاً، المعنى جعلها متلقفة على حال متوقعة، ومثله قوله: (ولا تمنن تستكثر) أي: لا تمنن مستكثرًا.
ومن قرأ (تلقّف) جزما، أو (تلقف) فعلى جواب الأمر.
واللقف والتلقف: الأخذ في الهواء.
يقال: لقفته وتلقّفته وتزقّفته، إذا أخذته في الهواء بحذق وخفة يدٍ). [معاني القراءات وعللها: 2/154]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّما صنعوا كيد سحرٍ (69)
قرأ حمزة والكسائي بغير ألف، وقرأ الباقون (ساحرٍ)) على (فاعل).
قال أبو منصور: أكثر القراء على رفع (كيد سحرٍ)، وله وجهان:
أحدهما: أن يجعل (إنّما) حرفين، المعنى: إنّ الذي صنعوا كيد سحرٍ، والسحر: مصدر أضيف إليه (كيد).
والثاني: أن يكون (ما) بتأويل المصدر،
[معاني القراءات وعللها: 2/154]
المعنى: إن صنيعهم كيد سحرٍ.
ومن قرأ (كيد ساحرٍ) فهو على (فاعل)، وكل ذلك جائز، أراد: كيد ساحرٍ من السحرة). [معاني القراءات وعللها: 2/155]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا} [69].
فيه أربع قراءات، قرأ ابن كثيرٍ في رواية البزي {تلقف ما صنعوا} بتشديد التاء، أراد تتلقف. فأدغم وجزم الفاء؛ لأنه جواب الأمر، والأمر مع جوابه كالشرط، والجزاء.
وروى حفص عن عاصم {تلقف} خفيفًا، جعله من لقف يلقف، والأول من تلقف يتلقف.
وقرأ ابن عامر، {تلقف} برفع الفاء، جعله فعلاً مستقبلاً فأضمر فاءً جوابًا للأمر. كأن التقدير: ألق عصاك فإنها تتلقف. ويجوز أن يكون جعل {تلقف} حالاً أي: ألق عصاك متلقفة. كما قال تعالى {ولا تمنن تستكثر} أي مستكثرًا.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/43]
وقرأ الباقون بإسكان الفاء، وتشديد القاف، وتخفيف التاء، أرادوا: تتلقف كقراءة ابن كثيرٍ، غير أنهم أسقطوا تاء. وابن كثيرٍ أدغم. ومعنى {ما يأفكون} أي: ما يختلقونه كذبًا؛ لأن سحرهم كان تمويهًا، واختلاقًا. فلما ألقي موسى عصاه، صارت ثعبانًا عظيمًا كالجان في تثنيها، وخفتها، فلقفت ما افتعلوه حتى زكنوا أنهم على ضلال. وأن الذي أتي به موسى حق، فقالوا {آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/44]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {إنما صنعوا كيد سحرٍ} [69].
قرأ أهل الكوفة {سحرٍ} بغير ألف.
وقأ الباقون، وعاصم {سحر}. فالساحر، الرجل، اسم الفاعل، مثل: قاتلٍ. والسحر، اسم الفعل. وإنما يكون حرفًا، وحرفين فإذا جعلت «ما» نصبًا بأن جعلت الكيد خبر «إن». {وصنعوا} صلة «ما» والتقدير: إن الذي صنعوه كيد سحر وهو كيد ساحر. وإن جعلت «ما» صلة، ونصبت «كيد» بـ «صنعوا»، كان صوابًا كما قال الله تعالى {إنما تعبدون من دون الله أوثنا} فلو رفعت الأوثان هناك، ونصبت الكيد ها هنا لكان صوابًا إلا أن القراءة سنة، ولا تحمل على ما تحمل عليه العربية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/44]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} [69].
قال المفسرون، يقتل حيث وجد.
قال أبو عبد الله: السحر على ثلاثة أضربٍ:
إذا كان الساحر يمرض المسحور، ولا يقتل عزر. وإن كان يقتل بسحره
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/44]
قتل. وإن كان سحره بكلامٍ فيه كفر استتيب منه، فإن تاب منه وإلا ضربت عنقه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما سحره بنات لبيد بن الأعصم حتى مرض مرضًا شديدًا. فلما برأ صلى الله عليه وسلم عفا عنه. وكان يلقاه فلا يتغير له كرمًا منه عليه السلام.
وأما السحر الحلال، هو، أن يكون الرجل ظريف اللسان، حسن البيان. فسحر الإنسان كلامه. فذلك سحر حلال. من ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرًا وإن من الشعر لحكمًا».
ويقال: فلان ساحر العينين. وإن هروت ليطلع من جفنه إذا خلب الناس لحسن عينيه. فالسحر هناك حلال، والسرقة بالعين حلال.
أنشدني ابن مجاه:
يا حسن ما سرقت عيني وما انتهبت = والعين تسرق أحيانًا وتنتهب
إذا يد سرقت فالقطع يلزمها = والقطع في سرق بالعين لا يجب
وأما قوله: {إنما أنت من المسحرين}، قيل من المخدوعين. وقيل: قوله: {سحر} أي: رئة يأكل ويشرب. قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/45]
فإن تسألينا فيم نحن فإننا = عصافير من هذا النام المسحر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/46]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد القاف وتخفيفها من قوله: (تلقف) [طه/ 69].
فقرأ ابن عامر وحده: (ما في يمينك تلقّف ما) برفع الفاء وتشديد القاف.
وروى حفص عن عاصم: تلقف خفيفة.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (تلقّف ما) مجزومة الفاء.
وروى النّبال عن ابن كثير: ما في يمينك تلقف خفيفة التاء كذلك قرأت على قنبل. وكان [ابن كثير] يشدّد التاء [والقاف] في رواية البزي وابن فليح: (ما في يمينك تلقّف).
وجه قول ابن عامر: (تلقّف) يرتفع على أنه في موضع حال، والحال يجوز أن يكون من الفاعل الملقي ومن المفعول الملقى، فإن جعلته من الفاعل الملقي جعلته المتلقف، وإن كان التّلقّف فى الحقيقة للعصا، ووجه جعل المتلقف للفاعل على أن التلقف بإلقائه كان، فجاز أن ينسب إليه، كما قال: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال/ 17] فأضاف الرمي إلى الله سبحانه، وإن كان للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لما كان بقوّة الله وإقداره، ويجوز أن تكون الحال من المفعول، وقال فيه: (تلقّف) على حدّ قولك: هند تذهب، لأنه حمل الكلام على المعنى، والذي في يمينه عصا فأنثه، كما قال: (ومن تقنت منكن لله ورسوله) [الأحزاب/ 31] وكما قال: (فله عشر أمثالها) [الأنعام/ 160] فأنث الأمثال لما كانت في المعنى حسنات، ومثل هذا
[الحجة للقراء السبعة: 5/235]
في أنّ لفظ يفعل يكون فيه مرّة للمخاطب ومرّة للمؤنث الغائب قوله: يومئذ تحدث أخبارها [الزلزلة/ 4] فهذا على أن تكون: تحدث أنت أيها الإنسان، وعلى أن الأرض تحدث، فأما قوله:
... فإن تكن...... هواك الذي تهوى يصبك اجتنابها
فإن تهوى للغائبة لا غير، وجعلت (تلقف) حالا، وإن لم تتلقف بعد، كما جاء في التنزيل: هديا بالغ الكعبة [المائدة/ 95] وكما أجاز النحويون: مررت برجل معه صقر صائدا به غدا، وهذا النحو من الحال كثير في التنزيل وغيره.
وأما (تلقف) فعلى أن يكون جوابا كأنه: إن تلقه تلقف، وكذلك تلقف، ويجوز في (تلقّف) وتلقف أن يكون لك أيها المخاطب، ويجوز أن يكون للغيبة وعلى الحمل على المعنى، ومن خفّف التاء من تلقف ومن شدّد فقال: ما في يمينك تلقف، فإنما أراد: تتلقّف وهذا يكون على تتلقف أنت أيها المخاطب، وعلى تتلقّف في الآية أنه أدغم التاء في التاء، والإدغام في هذا ينبغي أن لا يجوز، لأن المدغم يسكن وإذا سكن لزم أن تجلب له همزة الوصل كما جلبت في أمثلة الماضي، نحو: ادّرأ وازّينت واطّيّروا، وهمزة الوصل لا تدخل على المضارع، ألا ترى أن من قال في تتّرس: اتّرس، لا يقول في المضارع: اتّرسون، ولا: اتّفكّرون، يريد: تتفكرون. وهذا يلزم أن يقوله من قال:
[الحجة للقراء السبعة: 5/236]
ما في يمينك تلقف وإنما لم تدخل همزة الوصل على المضارع، كما لم تدخل على اسم الفاعل، لأن كلّ واحد منهما مثل الآخر، وليس حكم الوصل أن يدخل على الأسماء المعربة إلا أن تكون المصادر الجارية على أفعالها، وإنما دخلت على هذه الأسماء القليلة التي دخلت عليها لما كانت محذوفة الأواخر، لأنه بذلك أشبه الأفعال المحذوفة منها، فأشبهت الأفعال التي للأمر عند النحويين.
وسألت أحمد بن موسى: كيف يبتدئ من أدغم؟ فقال كلاما معناه أنه يصير بالابتداء إلى قول من خفف ويدع الإدغام). [الحجة للقراء السبعة: 5/237]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح السين وكسرها، وإخراج الألف وإدخالها، وتسكين الحاء وكسرها من: كيد ساحر [طه/ 69]. فقرأ حمزة والكسائي: (كيد سحر) بغير ألف.
وقرأ الباقون: كيد ساحر بألف.
حجة: كيد ساحر أن الكيد للساحر في الحقيقة، وليس للسحر إلا أن تريد: كيد ذي سحر، فيكون في المعنى حينئذ مثل: كيد ساحر، ويقوّي ذلك: (تلقّف ما صنعوا إنّما صنعوا كيد ساحر)، والسحر لا يمتنع أن يضاف إليه الكيد على التوسع، وزعموا أنه قراءة الأعمش). [الحجة للقراء السبعة: 5/237]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنّما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح السّاحر حيث أتى} 69
قرأ ابن عامر {تلقف} برفع الفاء جعله فعلا مستقبلا فأضمر فاء يكون جواب الأمر كأنّه التّقدير ألق عصاك فإنّها تلقف قال الزّجاج ويجوز الرّفع على معنى الحال كأنّه قال ألقها ملقفة على حال متوقعة كما قال {ولا تمنن تستكثر} أي مستكثرا
وقرأ حفص {تلقف} ساكنة اللّام جعله من لقف يلقف وجزم الفاء لأنّه جواب الأمر والأمر مع جوابه كالشرط والجزاء
وقرأ الباقون {تلقف} بالتّشديد من تلقف يتلقف والأصل
[حجة القراءات: 457]
تتلقف فحذفوا إحدى التّاءين وابن كثير أدغم التّاء في التّاء في رواية البزي
قرأ حمزة والكسائيّ (كيد سحر) بغير ألف وقرأ الباقون {كيد ساحر} وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال السحر ليس له كيد إنّما الكيد للساحر يقوي هذا قوله {ولا يفلح السّاحر حيث أتى}
وحجّة من قرأ بغير ألف هي أن الكيد إذا كان بالسحر جاز أن يضاف إليه لأنّه به ومنه ومن سببه قال الله جلّ وعز و{والنّهار مبصرا} لأنّه يبصر فيه ومثله كثير). [حجة القراءات: 458]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (19- قوله: {تلقف} قرأه ابن ذكوان بالرفع، وجزمه الباقون، وخففه حفص، وشدده الباقون.
وحجة من رفعه أنه جعله حالًا من الملقي، كأنه المتلقف وإن كانت «العصا» هي المتلقفة فجعل التلقف له، لما كان بإلقائه، كما قال: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} «الأنفال 17» فأضاف الرمي إلى نفسه، لا إله إلا هو، وإن كان الرمي في الظاهر من النبي صلى الله عليه وسلم، وحسن ذلك،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/101]
لأنه بقدرة الله عز وجل وقوته ومشيئته كان الرمي، ويجوز رفع {تلقف} على أن تكون حالًا من المفعول، وهو {ما} وهو {العصي} وهو أبين.
20- وحجة من جزم أنه جعله جوابًا للأمر في قوله: {وألق}، وجواب الأمر كجواب الشرط، وقد ذكرنا علة التخفيف فيما تقدم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/102]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (21- قوله: {كيد ساحر} قرأه حمزة والكسائي «سحر» بغير ألف، وقرأ الباقون {ساحر} بألف.
وحجة من قرأ بألف أنه لما أضيف إليه «الكيد» أتى بـ {ساحر} دون «سحر» أن «الكيد» إنما يضاف إلى «الساحر» ولا يضاف إلى «السحر».
22- وحجة من قرأ «سحر» بغير ألف أنه على إضمار تقديره: كيد ذي سحر، فهي كالقراءة الأولى، أضيف «الكيد» إلى فاعل السحر فيهما، وقد ذكرنا الاختلاف في {يأته مؤمنًا} «75» وعلته، وقد روي عن قالون أنه يصل الهاء بياء كورش، وروي عنه أنه يكسرها من غير ياء، وهو الأشهر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/102]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {تَلْقَفْ}[آية/ 69] بتشديد القاف ورفع الفاء:
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أن أصله: تتلقف، فحذف إحدى التائين، وقد مضى مثله، والتلقف: أخذ الشيء بسرعة، والمعنى تبتلع.
ووجه الرفع فيه: أنه حال، والمعنى: ألق ما في يمينك متلقفة ما صنعوا، أي: مبتلعة، والتاء في تلقف تاء التأنيث، وإنما أنث ما في يمينه حملاً على المعنى؛ لأنه كان عصًا، والعصا مؤنثة، كأنه قال: وألق عصاك تلقف، ولفظ ما يأتي للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع.
ويجوز أن يكون التاء للمخاطبة على أن يكون الفعل للملقي، كأنه هو المتلقف، كأنه قال تلقف أنت ما صنعوا، أي تأخذه فتفنيه؛ لأن الفعل قد ينسب إلى فاعل السبب، فكذلك يجوز أن ينسب التلقف ههنا إلى ملقي العصا، وإن كان المتلقف هو العصا، كذا ذكره أبو علي.
وروى- ص- عن عاصم {تَلْقَفْ}بسكون اللام وتخفيف القاف وجزم الفاء.
[الموضح: 842]
والوجه أن الفعل من لقفت الشيء على فعلت بكسر العين، بمعنى تلقفته، والجزم في {تَلْقَفْ}من أجل أنه جواب للأمر، وهو قوله تعالى {وأَلْقِ}، وما كان جوابًا للأمر كان مجزومًا؛ لأنه على تقدير جواب الشرط، كأنه قال: وألق ما في يمينك فإنك إن تلقه تلقف.
ووجه التاء قد تقدم.
وقرأ الباقون {تَلْقَفْ}مشددة القاف مجزومة الفاء.
وقد سبق وجه صيغة الكلمة، وأنها من التفعل على حذف إحدى التائين، ووجه التأنيث فيها، ووجه الجزم.
وشدد التاء ابن كثير، وخففها الباقون.
والوجه أن الأصل تتلقف فأدغم التاء في التاء، وهذا ضعيفٌ؛ لأن الإدغام لا يجوز في مثل ذلك، فإن المدغم من الحرفين يسكن، فيلزم اجتلاب ألف الوصل له، وألف الوصل لا تدخل على المضارع، وهذا الإدغام إنما يكون في حال الوصل والإدراج، فأما إذا ابتدأ بالكلمة فإنه يصير إلى مذهب من يخفف). [الموضح: 843]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {كَيْدُ سِحِرٍ}[آية/ 69] بغير ألف:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن إضافة الكيد إلى السحر إضافة بمعنى من، كأنه قال: كيد من
[الموضح: 843]
سحر.
ويجوز أن تكون إضافته إليه على سبيل التوسع وجعل السحر كائداً مجازاً.
ويجوز أن يكون على حذف المضاف، والمراد: كيد ذي سحرٍ، أي: كيد ساحرٍ، والإضافة على هذا بمعنى اللام.
وقرأ الباقون {كَيْدُ سَاحِرٍ}.
والوجه أنه على إضافة المصدر إلى فاعله، وهذا هو الظاهر؛ لأن الكيد في الحقيقة للساحر لا للسحر، إلا أن يحمل على ما ذكرناه). [الموضح: 844]

قوله تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 05:29 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة طه

[ من الآية (71) إلى الآية (76) ]
{قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}

قوله تعالى: {قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (21- وقوله تعالى: {ءامنتم} [71].
قرأ ابن كثيرٍ، ونافع في رواية ورش، وحفص عن عاصم {ءامنتم}على لفظ الخبر من غير استفهام. وقرأ الباقون بالاستفهام. وقد ذكرت علته في (الاعراف) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/48]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم، وورش عن نافع: آمنتم [طه/ 71] على لفظ الخبر.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: آمنتم بهمزة ممدودة.
[الحجة للقراء السبعة: 5/237]
وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: (أآمنتم) بهمزتين، الثانية ممدودة.
يعني أحمد: أن الهمزة الأولى للاستفهام، والثانية همزة القطع، وبعدها الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء الفعل، وقوله عن أبي عمرو وابن عامر بهمزة ممدودة يعني: أنهما يستفهمان فيأتيان بهمزة الاستفهام، وبعدها مدّة، وتكون الأولى همزة القطع، والثانية الأصل.
قال أبو علي: الخبر هاهنا وجهه حسن، كأن يقرّعهم على تقدمهم بين يديه، وعلى استبدادهم على ما كان منهم من الإيمان عن غير أمره وإذنه، والاستفهام إلى هذا المعنى يؤول، لأنه تقريع وتوبيخ منه لهم بأيمانهم، وأمّا اللفظ، وقوله: قرأ نافع وابن عامر: آمنتم بهمزة ممدودة، يعني به: أنهم يستفهمون، فيأتون بهمزة الاستفهام بعد مدّة: الأولى: همزة الاستفهام، والثانية: همزة أفعل في أامن، وأبو عمرو إذا اجتمع هذا النحو من الهمزتين أدخل بينهما ألفا، وكأنه ترك هنا هذا الأصل لما كان يلزم من اجتماع همزتين وألفين، الهمزة الأولى همزة الاستفهام والألف الأولى التي بعد الهمزة الأولى هي التي يفصل بها بين الهمزتين في نحو: آأنت أم أمّ سالم.
والهمزة الثانية وهي الثالثة من أول الكلمة همزة أفعل في:
[الحجة للقراء السبعة: 5/238]
أامن، والألف التي بعدها هي الألف المنقلبة عن فاء الفعل من الأمن والأمان، وأبدلت ألفا لاجتماعهما مع همزة أفعل، فكان يلزم اجتماع همزتين وألفين متواليات: أاأامنتم، فترك ذلك في هذا الموضع لكراهة اجتماع الأمثال. وقرأ حمزة والكسائي على أصلهما في هذا النحو وقد مرّ ذلك في مواضع). [الحجة للقراء السبعة: 5/239]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال آمنتم له} 71
وقرأ القواس عن ابن كثير وورش وحفص {قال آمنتم} على الخبر قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر (أآمنتم له) بهمزتين
وقرأ الباقون بهمزة واحدة مطوّلة وقد بيّنت في الأعراف). [حجة القراءات: 458]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ}[آية/ 71] على الخبر دون الاستفهام:
قرأها ابن كثير- ل-، وعاصم- ص-.
والوجه أنه إخبار على سبيل التقريع لهم على استبدادهم بالإيمان من غير إذنه، وهو أفعلتم من الأمن، والأصل: أأمنتم بهمزتين، فقلبت الثانية ألفًا لاجتماعهما.
وقرأ ابن كثير في رواية البزي، ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب- يس- {آمَنتُمْ}مستفهمة بهمزة واحدة ممدودة.
والوجه أن الأصل {أآمَنتُمْ}بهمزة استفهام، بعدها همزة أفعل التي بعدها الألف المنقلبة عن فاء الفعل، فلينوا همزة أفعل فجعلوها بين بين، وبعدها ألف، فوجب لذلك أن يمدوا مداً مشبعًا بقدر ألفين.
وأبو عمرو إذا اجتمع همزتان أدخل بينهما ألفًان إلا أنه ترك ذلك ههنا، لما كان يلزم من اجتماع همزتين وألفين.
[الموضح: 844]
وقرأ عاصم- ياش- وحمزة والكسائي ويعقوب- ح- {ءآمَنتُمْ}بهمزتين بعدهما ألف.
والوجه أن الهمزة الأولى للاستفهام، والثانية همزة أفعل، والألف التي بعدها هي المنقلبة عن فاء الفعل، وهذا على الأصل). [الموضح: 845]

قوله تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)}

قوله تعالى: {إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (17- وقوله: {وما أكرهتنا عليه من السحر} [73].
فقيل: إن فرعون أخذهم بتعلم السحر، وتعليم أولادهم. وقيل: إنه حشرهم من البلدان فذلك الكراهية، بمعنى الجلاء عن الوطن. والساحر العلم. ومنه قوله تعالى حكاية عن بنبي إسرائيل إنهم قالوا لموسى عليه السلام: {أيها السحر ادع لنا ربك} أيها العالم الفهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/46]

قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (74)}

قوله تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {ومَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا}[آية/ 75] بكسر الهاء غير مشبعة:
قرأها نافع- ن-.
وقرأ الباقون ونافع- ش- و- يل- {يَأْتِهِي}مشبعة.
وقد ذكرنا وجه الإشباع والاختلاس، وأن الأصل هو الإشباع، وأن الاختلاس هو اكتفاء بالكسرة عن الياء، أو بالضمة عن الواو، إذا كانت الهاء موصولة بواو، نحو قول الشاعر:
95- له زجل كأنه صوت حادٍ= إذا طلب الوسيقة أو زمير
وهذا النحو إنما يرد في الشعر). [الموضح: 845]

قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 05:31 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة طه

[ من الآية (77) إلى الآية (79) ]
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا تخاف دركًا (77)
قرأ حمزة وحده (لا تخف) جزمًا.
وقرأ الباقون (لا تخاف دركًا) بألف، على الخبر.
قال أبو منصور: من قرأ (لا تخف دركًا) فهو نهي من الله لموسى عن الخوف، كأنه قال: لا تخف أن يدركك فرعون وجنوده ولا تخشى الغرق.
ومن قرأ (لا تخاف) فإن المعنى: لست تخاف دركًا؛ لأن فرعون يغرق قبل خروجه من البحر.
والدّرك: اسم يوضع موضع الإدراك). [معاني القراءات وعللها: 2/155]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {لا تخف دركًا} [77].
قرأ حكزة وحده {لا تخف} على النهي، وسقطت الألف لسكونها وسكون الفاء.
فإن قيل: فعلام نسق {ولا تخشي}؟
فالجواب في ذلك أنه جعل {ولا تخشى} مستأنفًا، «ولا» بمعنى ليس. كما قال {سنقرئك فلا تنسي}.
وفيه جواب آخر: أن يكون أراد النهي؛ لا تخف دركًا ولا تخش، ثم زاد الألف لرءوس الآي، وجعله مجزومًا من أصلٍ واجبٍ كما قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/46]
ألم يأتيك والأنباء تنمى = بما لاقت لبون بني زياد
وقرأ الباقون {لا تخف دركًا ولا تخشى} بالرفع عن الخبر. واتفق القراء ها هنا على فتح الراء من {دركًا}. وهو شاهد لمن اختار في {الدرك الأسفل} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/47]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: لا تخاف دركا [طه/ 77].
وقرأ حمزة وحده: (لا تخف دركا) جزما بغير ألف.
وقرأ الباقون: لا تخاف رفعا بألف.
ولم يختلفوا في فتح الراء من دركا.
وجه قول من رفع أنه حال من الفاعل: اضرب لهم طريقا غير خائف ولا خاش، ويجوز أن تقطعه من الأول: أنت لا تخاف، ومن قال: (لا تخف) جعله جواب الشرط، إن تضرب لا تخف دركا ممن خلفك، ولا تخشى غرقا بين يديك، فأما من قال: (لا تخف دركا)، ثم قال: لا تخشى، فيجوز أن يقطعه من الأول، أي: إن تضرب لا تخف، وأنت لا تخشى، ولا تحمله على قول الشاعر:
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا ولا على نحو:
لا ترضّاها ولا تملّق
[الحجة للقراء السبعة: 5/239]
لأن ذلك إنما يجيء في ضرورة الشعر كما أن نحو قوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمى ونحو قوله:
لم تهجو ولم تدع كذلك، ولكنّك تقدّر أنّك حذفت الألف المنقلبة عن اللام ثم أشبعت الفتحة لأنها فاصلة، فأثبتّ الألف الثانية عن إشباع الفتحة، ومثل هذا مما ثبت في الفاصلة قوله: فأضلونا السبيلا [الأحزاب/ 67] وقد جاء إشباع هذه الفتحة في كلامهم قال:
فأنت من الغوائل حين تلقى... ومن ذمّ الرّجال بمنتزاح). [الحجة للقراء السبعة: 5/240]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى} 77
قرأ حمزة (لا تخف دركا) بجزم الفاء على النّهي وسقطت الألف لسكونها وسكون الفاء المعنى لا تخف أن يدركك فرعون ولا تخشى الغرق قال محمّد بن يزيد المبرد من قرأ {لا تخف}
[حجة القراءات: 458]
فهو على المجازاة الّتي هي جواب الأمر كأنّه قال اضرب فإنّك إن تضرب لا تخف كقوله {ادعوني أستجب لكم} وقوله {ولا تخشى} رفع على الاستئناف كما قال سبحانه {يولوكم الأدبار ثمّ لا ينصرون} فاستأنف
وقرأ الباقون {لا تخاف دركا} بالرّفع على الخبر المعنى لست تخاف دركا قال المبرد ومن قرأ {لا تخاف دركا ولا تخشى} فعلى ضربين كما قال سيبويهٍ أي اضرب لهم طريقا غير خائف ولا خاش فيكونان في موضع الحال كقولك انطلق تتكلّم يا فتى أي متكلما فامض لا تخاف يا فتى أي غير خائف والضّرب الثّاني أن يكون على القطع ممّا قبله فيكون تقديره واضرب لهم
[حجة القراءات: 459]
طريقا ثمّ أخبر فقال أنت غير خائف ولا خاش أي لست تخاف). [حجة القراءات: 460]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {لا تخاف دركًا} قرأه حمزة بالجزم على أنه جواب {فاضرب} ورفع {تخشى} على أنه نفي، أي: ولست تخشى، وقرأ الباقون بالرفع على أنه حال من موسى عليه السلام على تقدير: اضرب لهم طريقًا غير خائف ولا خاشيًا، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، وبرفع {لا تخشى}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/102]
بإجماع، فهو مثل ما قبله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/103]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {أَنْ آسْرِ بِعِبَادِي}[آية/ 77] بوصل الألف من {أَسْرِ}، وكسر النون من {أَنِ}:
قرأها ابن كثير ونافع.
وقرأ الباقون {أَنْ أَسْرِ}بقطع الألف
والوجه أن سرى وأسرى لغتان، وقد تقدم القول فيهما). [الموضح: 846]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {لاَّ تَخَفُ دَرَكًا}[آية/ 77] بالجزم من {تَخَفُ}:
قرأها حمزة وحده.
والوجه أن {لاَّ تَخَفُ}جزم على جواب الأمر، وهو قوله {فَاضْرِب}والتقدير: فاضرب لهم طريقًا فإنك إن تضرب لا تخف.
وقوله {لا تَخْشَى}يجوز أن يكن مقطوعًا من الأول، كأنه قال: إن تضرب لا تخف دركًا وأنت لا تخشى.
ويجوز أن يكون {تَخْشَى}مجزومًا أيضًا، إلا أنه أشبعت الفتحة منه فحصل منها ألف، فصار {لا تَخْشَى}؛ لأنه في فاصلة، كما قال {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ}وحمله على نحو قوله:
96- ألم يأتيك والأنباء تنمي
مما ذكرناه،
قيل: يضعف؛ لأن ذلك بابه الشعر.
[الموضح: 846]
وقرأ الباقون {لا تَخَافْ}بالألف مرفوعة.
والوجه أنه فعل مضارع وقع موقع الحال من الفاعل، والتقدير: اضرب لهم طريقًا غير خائفٍ ولا خاشٍ.
ويجوز أن يكون على القطع مما قبله، والتقدير أنت لا تخاف دركًا ممن خلفك ولا تخشى غرقًا من بين يديك). [الموضح: 847]

قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (19- وقوله [تعالى]: {فأتبعهم} [78] بقطع الألف عليه سائر القراء.
وروى بالوصل، والتشديد عن نافع.
فمن قطع أراد: ألحقهم ولحقهم. ومن وصل أراد:؛ تبعهم، وسار في أثرهم، لقول العرب: تبعت زيدًا: سرت في أثره. واتبعته: لحقه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/47]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: روى عبيد (فاتبعهم) [طه/ 78] وحدها موصول في هذا، وكلّ شيء في القرآن فأتبعهم. وقرأ: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] مقطوع الألف.
وعبيد عن هارون عن أبي عمرو (فاتّبعهم فرعون) موصولة، وكلّ شيء في القرآن فأتبعوهم مقطوع.
قال أبو علي: الباء الجارة على هذا معدية الفعل إلى المفعول لأنك تقول: تبعته واتبعته كما تقول: شويته واشتويته، وحفرته
[الحجة للقراء السبعة: 5/240]
واحتفرته، وفديته وافتديته، فإذا استوفيت المفعول الذي يتعدّى إليه الفعل. فعدّيته إلى آخر عدّيته بالجار. ومن قطع الهمزة هنا، فقال: فأتبعهم فرعون بجنوده فالباء زائدة في قوله، لأنّ أتبعهم منقول من تبعهم، وتبع يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى آخر كقوله: وأتبعوا في هذه لعنة [هود/ 99] فإذا كان كذلك جعلت الباء زائدة كما تزاد في كثير من المفعولات، نحو: لا يقرأن بالسور وقد يجوز أن تكون هذه الباء في موضع حال من الفاعل، كأنه اقتصر بالفاعل على فعله ولم يعدّه إلى مفعوليه اللذين يتعدى فعله إليهما فصار مثل: تبعه زيد بسلاحه، وقد تقدم ذكر هذه الكلمة). [الحجة للقراء السبعة: 5/241]

قوله تعالى: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 05:44 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة طه

[ من الآية (80) إلى الآية (82) ]
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قد أنجيناكم من عدوّكم وواعدناكم (80)
و (رزقناكم (81)
[معاني القراءات وعللها: 2/155]
قرأ حمزة والكسائي (أنجيتكم) (ووعدتكم) و: (رزقتكم) ثلاثتهن بالتاء، وقرأ الباقون بالنون والألف.
قال أبو منصور: هذه الأفعال كلها للّه، يجوز فيها التوحيد والجمع، فما كان منه (فعلنا) فهو بأعوانه، وما كان منه (فعلت) فهو ما تفرد به). [معاني القراءات وعللها: 2/156] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (20- وقوله تعالى: {قد أنجيناكم من عدوكم ووعدناكم} [80]، قرأ حمزة والكسائي {قد أنجيناكم من عدوكم وواعدتكم} بالتاء، الله تعالى يخبر عن نفسه.
وقرأ الباقون {أنجيناكم} بالألف، والنون {وواعدناكم} بلفظ الجماعة. وإن كان الله تعالى هو المخبر عن نفسه. إلا أن الملك والرأس، والرئيس، والعالم يخبرون عن أنفسهم بلفظ الجماعة، والله تعالى ملك الأملاك. ألا ترى أن العبد لما سأل ربه فقال: {رب ارجعون * لعلي أعمل صالحًا} ولم يقل رب ارجعني، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/47]
يا رب لا تجعل له سبيلاً
على الذي جعلته مأهولا
قد كان بانيه لكم خليلا
ولم يقل: لك، إلا أبا عمرو فإنه قرأ {ووعدتكم} بغير ألفٍ. والباقون {وواعدنكم} بألفٍ وقد ذكر علته في (البقرة) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/48]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: قد أنجيناكم... وواعدناكم... ما رزقناكم... [طه/ 80، 81].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم الثلاثة الأحرف بالنون.
وقرأ أبو عمرو وحده: (ووعدناكم) بغير ألف في كلّ القرآن.
وقرأهنّ حمزة والكسائى بالتاء.
حجة: (وعدناكم) أنّ ذلك يكون من الله سبحانه. وقال أبو
[الحجة للقراء السبعة: 5/241]
الحسن: زعموا أن واعدناكم لغة في معنى وعدناكم، وإذا كان كذلك فاللفظ لا يدلّ على أن الفعل من الاثنين، كما أن استسحر واستقرّ، ونحو ذلك من بناء استفعل، لا يدلّ على استدعاء، والقراءة بوعد أحسن، لأن واعد بمعنى وعد، ويعلم من وعد أنه فعل واحد لا محالة، وليس واعد كذلك، والأخذ بالأبين أولى.
وحجة من قرأ: (أنجيناكم... ووعدناكم) قوله: ونزلنا عليكم المن [طه/ 80] واتفاقهم في ذلك على إسناد الفعل إلى اللفظ الدالّ على الكثرة، وفي أخرى: وإذ أنجيناكم من آل فرعون [الأعراف/ 141] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/242] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطّور الأيمن ونزلنا عليكم المنّ والسلوى * كلوا من طيّبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} 80 و81
قرأ حمزة والكسائيّ (قد أنجيتكم من عدوكم وواعدتكم) بالتّاء على التّوحيد وحجتهما أن الخبر أخرج فيما ختم به الكلام على التّوحيد في قوله تعالى {فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي} فكان إلحاقه ما تقدمه بلفظه أولى من صرفه عنه ليكون الكلام خارجا عن نظام واحد
وقرأ الباقون بألف ونون وحجتهم إجماع الجميع على قوله {فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون} وقوله {ونزلنا عليكم المنّ والسلوى} وهن في سياقه وهن أقرب إليه من قوله {غضبي} فإلحاقه بما قرب منه أولى
قرأ الكسائي {فيحل عليكم غضبي ومن يحلل} بضم الحاء الحرف الأول وبضم اللّام في الحرف الثّاني المعنى فينزل عليكم غضبي يقال حل يحل إذا نزل
وقرأ الباقون {فيحل} و(من يحلل) بكسر الحاء واللّام
[حجة القراءات: 460]
أي يجب عليكم غضبي وحجتهم إجماع الجميع على قوله بعدها {أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم} ). [حجة القراءات: 461] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (24- قوله: {قد أنجيناكم} {وواعدناكم}، {ما رزقناكم} قرأه حمزة والكسائي بالتاء في الثلاثة، على لفظ الواحد المخبر عن نفسه، وقرأ الباقون بنون وألف، على لفظ الجماعة المخبرين عن أنفسهم.
وحجة من قرأ بالتاء أنه حمله على ما بعده من قوله:{فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي} «81»، وقوله: {وإني لغفار} «82»، فلما أتى ذلك على الإخبار عن الواحد، جرى ما قبله على ذلك في لفظ التوحيد، ليتسق الكلام على نظام واحد.
25- وحجة من قرأه على لفظ الجمع إجماعهم على لفظ الجمع في قوله: {فأنجيناكم وأغرقنا} «البقرة 50»، {وإذ نجيناكم} «البقرة 49»، {ونزلنا عليكم} «طه 80» وهو كثير في القرآن، وهو أفخم، وفيه معنى التعظيم للمخبر عن نفسه، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، وقد مضى له نظائر، وقد تقدم ذكر {وواعدناكم} وعلته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/103] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {قَدْ أَنجَيْتُكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ ووَاعَدْتُكُمْ}[آية/ 80]، {مَا رَزَقْتُكُمْ}[آية/ 81] بالتاء فيهن:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه على إخبار الله تعالى عن نفسه بأنه فعل بهم هذه الأشياء، والإخبار عن فعل النفس يكون بالتاء.
وقرأ الباقون {أَنجَيْنَاكُم}، {ووَاعَدْنَاكُمْ}، {مَا رَزَقْنَاكُمْ}بالنون والألف فيهن على الفظ الجمع.
والوجه أنه إخبار عن النفس أيضًا على سبيل التعظيم، وقد سبق كثيرٌ من أمثاله. ويقوي لفظ الجمع اتفاقهم في قوله تعالى {ونَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المَنَّ والسَّلْوَى}على الجمع). [الموضح: 847] (م)

قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قد أنجيناكم من عدوّكم وواعدناكم (80)
و (رزقناكم (81)
[معاني القراءات وعللها: 2/155]
قرأ حمزة والكسائي (أنجيتكم) (ووعدتكم) و: (رزقتكم) ثلاثتهن بالتاء، وقرأ الباقون بالنون والألف.
قال أبو منصور: هذه الأفعال كلها للّه، يجوز فيها التوحيد والجمع، فما كان منه (فعلنا) فهو بأعوانه، وما كان منه (فعلت) فهو ما تفرد به). [معاني القراءات وعللها: 2/156] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فيحلّ عليكم غضبي ومن يحلل عليه. (81)
قرأ الكسائي وحده (فيحلّ... ومن يحلل) بضم الحاء واللام الأول من (يحلل) وقرأ الباقون بكسر الحاء واللام.
قال أبو منصور: من قرأ (فيحل) و(يحلل) فهو من الحلول، وهو: النزول، ومن قرأ (فيحل و(يحلل) فهو بمعنى: يجب.
وقال الفراء: جاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع، قال: وكلٌّ صواب). [معاني القراءات وعللها: 2/156]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (22- وقوله تعالى: {فيحل عليكم غضبي} [81].
قرأ الكسائي وحده: {فيحل عليكم} بالضم، {ومن يحلل} بالضم أيضًا.
وقرأ الباقون بالكسر فيهما {فيحل} ومن {يحلل}، وهو الاختيار؛ لإجماع الجميع على قوله: {أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم} بكسر الحاء، فذاك مثله. والعرب تفرق بين الضم والكسر. حل يحل: نزل ووقع، وحل يحل: وجب عليه العذاب، والأمر بينهما قريب.
فإن سأل سائل، لم أدغمت القراء اللام في {أن يحل}، وأظهروه في {يحلل}؟
فالجواب في ذلك أن {ومن يحلل} جزم بالشرط. وعلامة الجزم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/48]
سكون اللام الثانية، وإذا اجتمع حرفان والثاني ساكن لم يجز الإدغام نحو: امدد أحلل، مددت، حللت. وإذا اجتمع متحركان أسكنت وأدغمت. والأصل أن يحلل عليكم فنقلت ضمة اللام إلى الحاء، وأدغمت. فاعرف ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/49]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: قد أنجيناكم... وواعدناكم... ما رزقناكم... [طه/ 80، 81].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم الثلاثة الأحرف بالنون.
وقرأ أبو عمرو وحده: (ووعدناكم) بغير ألف في كلّ القرآن.
وقرأهنّ حمزة والكسائى بالتاء.
حجة: (وعدناكم) أنّ ذلك يكون من الله سبحانه. وقال أبو
[الحجة للقراء السبعة: 5/241]
الحسن: زعموا أن واعدناكم لغة في معنى وعدناكم، وإذا كان كذلك فاللفظ لا يدلّ على أن الفعل من الاثنين، كما أن استسحر واستقرّ، ونحو ذلك من بناء استفعل، لا يدلّ على استدعاء، والقراءة بوعد أحسن، لأن واعد بمعنى وعد، ويعلم من وعد أنه فعل واحد لا محالة، وليس واعد كذلك، والأخذ بالأبين أولى.
وحجة من قرأ: (أنجيناكم... ووعدناكم) قوله: ونزلنا عليكم المن [طه/ 80] واتفاقهم في ذلك على إسناد الفعل إلى اللفظ الدالّ على الكثرة، وفي أخرى: وإذ أنجيناكم من آل فرعون [الأعراف/ 141] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/242] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي [طه/ 81].
فقرأ الكسائي وحده: (فيحلّ عليكم) بضم الحاء، (ومن يحلل) بضم اللام.
وقرأ الباقون: فيحل، ومن يحلل عليه). [الحجة للقراء السبعة: 5/242]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطّور الأيمن ونزلنا عليكم المنّ والسلوى * كلوا من طيّبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} 80 و81
قرأ حمزة والكسائيّ (قد أنجيتكم من عدوكم وواعدتكم) بالتّاء على التّوحيد وحجتهما أن الخبر أخرج فيما ختم به الكلام على التّوحيد في قوله تعالى {فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي} فكان إلحاقه ما تقدمه بلفظه أولى من صرفه عنه ليكون الكلام خارجا عن نظام واحد
وقرأ الباقون بألف ونون وحجتهم إجماع الجميع على قوله {فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون} وقوله {ونزلنا عليكم المنّ والسلوى} وهن في سياقه وهن أقرب إليه من قوله {غضبي} فإلحاقه بما قرب منه أولى
قرأ الكسائي {فيحل عليكم غضبي ومن يحلل} بضم الحاء الحرف الأول وبضم اللّام في الحرف الثّاني المعنى فينزل عليكم غضبي يقال حل يحل إذا نزل
وقرأ الباقون {فيحل} و(من يحلل) بكسر الحاء واللّام
[حجة القراءات: 460]
أي يجب عليكم غضبي وحجتهم إجماع الجميع على قوله بعدها {أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم} ). [حجة القراءات: 461] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (24- قوله: {قد أنجيناكم} {وواعدناكم}، {ما رزقناكم} قرأه حمزة والكسائي بالتاء في الثلاثة، على لفظ الواحد المخبر عن نفسه، وقرأ الباقون بنون وألف، على لفظ الجماعة المخبرين عن أنفسهم.
وحجة من قرأ بالتاء أنه حمله على ما بعده من قوله:{فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي} «81»، وقوله: {وإني لغفار} «82»، فلما أتى ذلك على الإخبار عن الواحد، جرى ما قبله على ذلك في لفظ التوحيد، ليتسق الكلام على نظام واحد.
25- وحجة من قرأه على لفظ الجمع إجماعهم على لفظ الجمع في قوله: {فأنجيناكم وأغرقنا} «البقرة 50»، {وإذ نجيناكم} «البقرة 49»، {ونزلنا عليكم} «طه 80» وهو كثير في القرآن، وهو أفخم، وفيه معنى التعظيم للمخبر عن نفسه، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، وقد مضى له نظائر، وقد تقدم ذكر {وواعدناكم} وعلته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/103] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (26- قوله: {فيحل عليكم غضبي ومن يحلل} قرأهما الكسائي بضم الحاء، من «يحل» وضم اللام الأولى من {يحلل} وقرأ الباقون بكسر الحاء، من «يحل»، وكسر اللام الاولى، وكلهم كسر الحاء في قوله: {أن يحل عليكم غضب} «طه 86».
وحجة من كسر الحاء واللام أنه بناه على «فعل يفعل» لغة مسموعة حكى أبو زيد: حل عليه أمر الله يحل، وقد أجمعوا على الكسر في قوله: {ويحل عليه عذابٌ مقيم} «هود 39»، ومثله {أن يحل عيكم غضب} «27» وحجة من ضم أنه بناه على «فعل يفعل» جعله بمنزلة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/103]
ما يحل في مكان، حكى أبو زيد وغيره: حل في المكان يحل حلًا، إذا نزل به، وحل عليه أمر الله يحل حلولًا، وحل العقدة يحلها حلًا، وحل الصوم له يحل حلًا، وحل حقي على فلان، يحل محلًا، وأحل الله كذا إحلالا واحل من إحرامه إحلالا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/104]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {قَدْ أَنجَيْتُكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ ووَاعَدْتُكُمْ}[آية/ 80]، {مَا رَزَقْتُكُمْ}[آية/ 81] بالتاء فيهن:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه على إخبار الله تعالى عن نفسه بأنه فعل بهم هذه الأشياء، والإخبار عن فعل النفس يكون بالتاء.
وقرأ الباقون {أَنجَيْنَاكُم}، {ووَاعَدْنَاكُمْ}، {مَا رَزَقْنَاكُمْ}بالنون والألف فيهن على الفظ الجمع.
والوجه أنه إخبار عن النفس أيضًا على سبيل التعظيم، وقد سبق كثيرٌ من أمثاله. ويقوي لفظ الجمع اتفاقهم في قوله تعالى {ونَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المَنَّ والسَّلْوَى}على الجمع). [الموضح: 847] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {فَيَحُلَّ}بضم الحاء، {ومَن يَحْلِلْ}بضم اللام الأولى [آية/ 81]:
قرأها الكسائي وحده.
والوجه أنه من قولهم: حل بالمكان إذا نزل يحل بضم الحاء، ويستعمل في العذاب، فيقال: حل به العذاب، كما يستعمل فيه لفظ نزل، قال الله تعالى {تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ}، وأجرى الغضب مجرى العذاب لما كان يتبعه من العذاب، فاستعمل فيه لفظ الحلول.
وقرأ الباقون {فَيَحُلَّ}بكسر الحاء، {ومَن يَحْلِلْ}بكسر اللام الأولى. وكلهم قرأ {ومَن يَحْلِلْ}بكسر الحاء.
والوجه أنه من قولهم حل الشيء إذا وجب، يحل بالكسر، وقال أبو زيد: حل أمر الله يحل بالكسر حلولا وحل الدار يحلها بالضم حلولاً أيضًا إذا نزل.
ويقوي وجه الكسر اتفاقهم في قوله تعالى {ويَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}على الكسر.
وقيل هو من قولهم حل الشيء خلاف حرم يحل بالكسر حلالاً). [الموضح: 848]

قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 05:53 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة طه

[ من الآية (83) إلى الآية (89) ]
{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)}

قوله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83)}

قوله تعالى: {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)}

قوله تعالى: {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)}

قوله تعالى: {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ولم يختلفوا في قوله: أن يحل عليكم غضب من ربكم [طه/ 86] أنها بكسر الحاء.
أبو زيد تقول: قد حلّ عليه أمر الله يحلّ حلولا، وحلّ الدار يحلّها حلولا: إذا نزلها، وحلّ العقدة يحلّها حلا. وحلّ له الصوم يحلّ له حلّا، وأحلّه له إحلالا، وحل حقي عليه يحل محلا وأحل من إحرامه إحلالا، وحل يحل حلا.
وجه قراءة من قرأ: (يحلّ) بكسر الحاء أنه
روى في زمزم:
[الحجة للقراء السبعة: 5/242]
«أنه لشارب حلّ وبلّ»
أي: مباح له غير محظور عليه، ولا ممنوع منه، والحلّ والحلال في المعنى مثل المباح، فهو خلاف الحظر والحجر والحرام، والحرم، فهذه الألفاظ معناها المنع، وهي خلاف الحلّ والحلال الذي هو الإباحة والتوسعة، والإباحة: من باح بالسر والأمر يبوح به، إذا لم يجعل دونه حظرا، والمحلّ خلاف المحرم، فمعنى يحلّ عليكم: ينزل بكم وينالكم بعد ما كان ذا حظر وحجر ومنع عنكم. ويبين ذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم: حلّ عليه أمر الله يحلّ، والأمر قد جاء في التنزيل يراد به العذاب، قال: أتى أمر الله فلا تستعجلوه [النمل/ 1] فهذا يعنى به العذاب لقوله: يستعجلونك بالعذاب [العنكبوت/ 54] وقال: أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا [يونس/ 24] ويقوّي ذلك قوله: ويحل عليه عذاب مقيم [هود/ 39] أي: ينزل به بعد أن لم يكن كذلك، ولم يختلفوا في هذا الحرف فيما زعموا، وهذا بمنزلة قوله: أن يحل عليكم غضب من ربكم [طه/ 86] في أنه يحلّ بالكسر.
ووجه من قال: (يحلّ عليكم غضبي) أنّ الغضب لما كان يتبعه العقوبة والعذاب جعله بمنزلة العذاب فقال: يحلّ أي: ينزل، فجعله بمنزلة قولهم: حلّ بالمكان يحلّ، وعلى هذا جاء: تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم [الرعد/ 31] فكما أن هذا عذاب، فأخبر عنه بأنّه يحلّ، كذلك أخبر عن الغضب بمثله، فجعله بمنزلته لأنه يتبعه ويتصل به). [الحجة للقراء السبعة: 5/243]

قوله تعالى: {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ما أخلفنا موعدك بملكنا (87)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (بملكنا) بكسر الميم، وقرأ نافع وعاصم (بملكنا) بفتح الميم.
وقرأ حمزة والكسائي (بملكنا) بضم الميم.
[معاني القراءات وعللها: 2/156]
قال أبو منصور: من قرأ (بملكنا) فإن الفراء قال: هو في التفسير: أنّا لم نملك الصواب، إنّما أخطأنا.
قال: ومن قرأ (بملكنا) فهو ملك الرجل، تقول لكل شيء ملكته: هذا ملك يميني.
وقال: الملك: ما ملكته ملكا وملكةً، مثل: غلبته غلبا وغلبة، على المصدر.
قال أبو معاذ النحوي: من قرأ (بملكنا) فمعناه: بقدرتنا.
ومن قرأ (بملكنا) فمعناه: بسلطاننا.
وقال الزجاج نحوًا منه.
وقال: يجوز الضم والكسر والفتح في الميم، فأصل الملك: السلطان والقدرة.
والملك: ما حوته اليد، والملك: مصدر قولك: ملكت الشيء أملكه ملكا). [معاني القراءات وعللها: 2/157]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حملنا أوزارًا (87)
قرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي مفتوحة الحاء والميم خفيفة.
وقرأ الباقون (حمّلنا) بضم الحاء وتشديد الميم.
وروى أبو حاتم الرازي عن أبي زيد عن أبي عمرو (حملنا) و(حمّلنا) بالوجهين، وقال: هما سواء.
قال أبو منصور: هما كما قال أبو عمرو سواء في مرجع المعنى إليه، غير أن (حملنا) فعلنا، و(حمّلنا) على لفظ فعّلنا، و(حمّلنا) بتشديد الميم على ما لم يسم فاعله، وفي التفسير: إنهم كانوا أخذوا من قوم فرعون من قذفهم البحر من الذهب
[معاني القراءات وعللها: 2/157]
والفضة فألقوه في النّار، فلما خلصت الفضة والذهب صوّره السامريّ عجلاً - وكان أخذ قبضة من أثر فرس كان تحت جبريل - عليه السلام -
قال السامري: قذف في نفسي أني إن ألقيت تلك القبضة في أنف الثور حيي وخار، كذلك قوله (وكذلك سوّلت لي نفسي (96) ). [معاني القراءات وعللها: 2/158]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (23- وقوله تعالى: {ما أخلفنا موعدك بملكنا} [87].
قرأ نافع، وعاصم بفتح الميم، وقرأ حمزة، والكسائي {بملكنا} بضم الميم.
وقرأ الباقون {بملكنا} بكسر الميم. فمن فتح جعله مصدرًا لملكت، أملك، ملكًا مثل ضربت، أضرب، ضربًا. ومن ضم أراد به السلطان؛ لأن الملك السلطان، والملك: اسم لكل مملوك يقال: هذه الدار ملكي، والدار مملوكة، وهذا الغلام مملوك، وأنا ملكها. وبعض العرب تقول: هذا الغلام بملكي، يريد: ملكي. ويقال لوسط الطريق: ملك، مشيت في ملك الطريق. وسننه، وسننه، وسجحه، ومعظمه، وسراته. وفي بحبوحته، وثكمه، وكثمه. ومن ذلك الحديث: «لا تمشين امرأة في سراة الطريق» أي في معظمه، ووسطه. ولكنها تمشي عجره، أي ناحيته، فأما قولهم: ملكت العجين ملكًا، وأملكته إملاكًا، فمعناه: جودت عجنه. تقول
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/49]
العرب: «أملاك العجين أحد الريعين» أي الزيادتين، «واللبن أحد اللحمين»، «وخفة العيال أحد اليسارين». فأما قولهم: كنا في إملاك فلان، فإنه يقال: أملكت الجارية، وملكتها، بمعنى، قال: وسمعت أعرابيًا يقول: ارحموا من لا ملك له يريد لا ملك له). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/50]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (24- وقوله تعالى: {ولكنا حملنا} [87].
قرأ ابن كثيرٍ وابن عامرٍ ونافع وحفص عن عاصمٍ: {حملنا} بالضم وقرأ الباقون بالفتح، وهو الاختيار لقوله: {فقذفنها} فكذلك حملنا، فقذفناه. والأول على ما لم يسم فاعله. ووجهه أي: أمر بحملها وحملت إلى السامري، فما لم يسم السامري رفعت المفعول وضممت أول الفعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/50]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: موعدك بملكنا [طه/ 87] في ضم الميم وكسرها وفتحها.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (بملكنا) بكسر الميم.
وقرأ نافع وعاصم بملكنا بفتح الميم.
وقرأ حمزة والكسائي: (بملكنا) بضم الميم. القطعي عن عبيد عن هارون عن أبي عمرو بملكنا.
قال أبو علي: هذه لغات، وزعموا أن الكسر أكثر في القراءة، والفتح لغة فيه، المعنى: ما أخلفنا موعدك بملكنا الصواب، ولكن لخطئنا، فأضاف المصدر إلى الفاعل وحذف المفعول، كما أنه قد يضاف إلى المفعول ويحذف الفاعل في نحو: من دعاء الخير [فصلت/ 49] و (سؤال نعجتك) [ص/ 24].
وأما من قال: ما أخلفنا موعدك بملكنا فإنه لا يخلو من أن يريد به مصدر الملك: أو يكون لغة في مصدر المالك، فإن أريد بالملك مصدر الملك فالمعنى لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك لمكان ملكنا، وهذا على هذا التقدير كقوله: لا يسألون الناس إلحافا [البقرة/ 273] أي: ليس منهم مسألة فيكون منهم إلحاف فيها، ليس على أنه أثبت ملكا، كما أنه لم يثبت في قوله: لا يسألون الناس إلحافا مسألة منهم، ومثله قول ابن أحمر:
لا يفزع الأرنب أهوالها... ولا ترى الضّبّ بها ينجحر
[الحجة للقراء السبعة: 5/244]
أي: ليس لها أرنب فيفزع لهولها، ومثله:
وبلدة لا يستطيع سيدها... حسرى الأراكيب ولا يهيدها
ومثله قول ذي الرمة:
لا تشتكى سقطة منها وقد رقصت... بها المفاوز حتّى ظهرها حدب
أي: ليس منها سقطة فتشتكى، ولا يجوز أن يراد به تثبيت الملك الذي هو مصدر الملك، لأنهم لم يكن لهم ملك بل كانوا مستضعفين قال: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض [القصص/ 5] قال: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها [الأعراف/ 137]. وأظنّ أنّ أبا الحسن حكى أنّ الملك مصدر في المالك، وحكى غير أبي الحسن: أن بعضهم قال:
ما لي ملك، يريد: شيئا أملكه، وقد يكون الملك: الشيء المملوك، والملك: المصدر، مثل الطّحن والطحن، والسّقي والسّقي. وقد يجوز في قراءة من قرأ (بملكنا) أن تقدّر حذف المفعول وتعمله إعمال المصدر، كما قال:
وبعد عطائك المائة الرّتاعا). [الحجة للقراء السبعة: 5/245]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: ولكنا حملنا [طه/ 87] في ضم الحاء وتشديد الميم، وفتحها وتخفيف الميم.
[الحجة للقراء السبعة: 5/245]
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم: حملنا بضم الحاء مشدّدة الميم.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وحمزة والكسائي: (حملنا) خفيف. وقال أبو زيد عن أبي عمرو: (حملنا) وحملنا.
قال أبو علي: حمل الإنسان الشيء وحمّلته إياه، يتعدّى الفعل إلى مفعول واحد، فإذا ضاعفت العين عدّيته إلى المفعولين، قال: مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها [الجمعة/ 5] والحمل: المصدر، والحمل: المحمول، وفي التنزيل فأبين أن يحملنها...
وحملها الإنسان [الأحزاب/ 72] كأنّه: أبين أن لا يؤدّين الأمانة فيما استؤمنّ فيه، وحملها الإنسان أي: لم يؤدّها، لأن حمل الحامل الشيء إمساك وخلاف لأدائه، فكأنه لم يؤدّ الأمانة، وكأن المعنى: على أهل السموات وأهل الأرض وأهل الجبال وأشفقن منها أي: من حمل الأمانة، فحذف المضاف. وما روى في الحديث: (أنه إذا كان الماء قلّتين أو خمس قلال لم يحمل خبثا). معناه أنه لقلّته يضعف عن أن يحتمل النجس، فينجس لأنّه لا يحتمله كما يحتمله الكثير الذي بخلافه، وقالوا: احتمل الشيء وحمله: إذا اضطلع به وقوى عليه، أنشد الأصمعي:
واحتمل اليتم فريخ التمره... ونشر اليسروع بردي حبره
[الحجة للقراء السبعة: 5/246]
المعنى: أنه استقلّ بنفسه، واحتمل طلب قوته وفارق ما كان عليه من التيم في حاجته إلى الكاسب له، فمن قرأ حملنا كان المعنى عنده: جعلونا نحمل أوزار القوم و (حملنا) على ذلك وأردنا له. ومن قال: (حملنا) أراد أنّهم فعلوا ذلك، وقد يجوز إذا قرأ (حملنا) أن يكونوا حملوا على ذلك وكلّفوه لأنهم إذا حمّلوه حملوه). [الحجة للقراء السبعة: 5/247]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنّا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها} 87
قرأ نافع وعاصم {بملكنا} بفتح الميم على المصدر تقول ملكت أملك ملكا وملكا أيضا كما تقول ضربت أضرب ضربا قال حمد بن يزيد المبرد المصدر الصحيح هو الفتح والكسر كأنّه اسم المصدر وكلاهما حسن وكأن المعنى والله أعلم ما أخلفناه بأن ملكنا ذلك ملكا وملكا
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {بملكنا} بكسر الميم أي ما أخلفنا بقوتنا أي بما ملكناه والملك اسم لكل مملوك يملكه الرجل تقول هذه الدّار ملكي وهذا الغلام ملكي قال الزّجاج الملك ما حوته اليد وقد يجوز أن يكون مصدر ملكت الشّيء ملكا
وقرأ حمزة والكسائيّ {بملكنا} بضم الميم أي سلطاننا أي لم يكن لنا سلطان وقدرة على أخلافك الوعد
[حجة القراءات: 461]
قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر والكسائيّ {ولكنّا حملنا} بالتّخفيف وذلك أن القوم حملوا ما كان معهم من حلي آل فرعون وحجتهم قوله {فقذفناها} وكذلك {حملنا} فيكون الفعل مسندًا إليهم كما أن قذفنا مسند إليهم
قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص {حملنا} على ما لم يسم فاعله أي أمرنا بحملها وحملنا السامري تقول حملني فلان كذا أي كلفك حمله فلمّا لم يسم السامري رفعت المفعول وضممت أولا الفعل). [حجة القراءات: 462]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (28- قوله: {بملكنا} قرأه نافع وعاصم بفتح الميم، وقرأ حمزة والكسائي بضم الميم، وقرأ الباقون بكسرها، وهي كلها لغات، وهو مصدر، إلا أن الملك بالضم مصدر من قلهم: هو ملك بين الملك، و«الملك» بالكسر مصدر من قولهم: هو مالك بين المالك، و«الملك» بالفتح لغة في مصدر «مالك» وهذا المصدر مضاف إلى الفاعل في جميع الوجوه، وهو النون والألف، والمفعول محذوف، وتقديره: ما أخلفنا موعدك بملكنا، والصواب: لكن أخلفنا بخطيئتنا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/104]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (29- قوله: {ولكنا حملنا} قرأ الحرميان وحفص وابن عامر بضم الحاء وكسر الميم مشددًا، وقرأ الباقون بفتح الحاء، والميم مخففًا.
وحجة من شدد وضم الحاء أنه بناه للمفعول الذي لم يسم فاعله، فأضافه إليهم؛ لأنهم ادعوا أن غيرهم حملهم على ما صاغوا منه العجل، فقاموا عند حذف الفاعل مقام الفاعل، وشدد الفعل ليصير رباعيًا، فيتعدى بالتشديد إلى مفعولين: أحدهما «الذين» أي قام مقام الفاعل، وهم المخبرون عن أنفسهم أنهم حملوا على ذلك، والثاني «الأوزار»، ويقوي ذلك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/104]
إجماعهم على الضم والتشديد في قوله: {حملوا التوراة} «الجمعة 5»، والاختيار الضم؛ لأن الحرمين عليه وغيرهما.
30 – وحجة من فتح الحاء وخفف أنه أضاف الحمل إلى المخبرين عن أنفسهم، وأخبر عنهم أنهم هم حملوا أنفسهم على ما صاغوا منه العجل وقوى ذلك أن الفعل بعده مضاف إليهم في قوله: {فقذفناهم}، ولم يشدد لأنه جعله ثلاثيًا، لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، وهو «الأوزار» ويقويه أيضًا إجماعهم على قوله: {ليحملوا أوزارهم} «النحل 35» قوله: {وحملها الإنسان} «الأحزاب 72» وقد تقدم ذكر {يبنؤم} «94»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/105]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {بِمَلْكِنَا}[آية/ 87] بفتح الميم:
قرأها نافع وعاصم.
وقرأ حمزة والكسائي {بِمَلْكِنَا}بضم الميم.
[الموضح: 848]
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب {بِمَلْكِنَا}بكسر الميم.
والوجه في القراءات الثلاث أنها كلها لغات، يقال ملكت الشيء ملكًا وملكًا وملكًا بالحركات الثلاث في الميم.
وقال بعضهم: الكسر في مصدر المالك أكثر، والفتح لغة فيه قليلة، وأمًا الملك بالضم فإنه مصدر الملك بكسر اللام، والمعنى في الكسر والفتح: ما أخلفنا موعدك بملكنا الصواب، لكن بالخطأ، والمعنى في الضم أنه لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك لمكان ملكنا، بل كنا مستضعفين). [الموضح: 849]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {حُمِّلْنَا}[آية/ 87] بضم الحاء وتشديد الميم وكسرها:
قرأها ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم- ص- ويعقوب- يس-.
والوجه أنه منقول بالتضعيف من حملت الشيء، فصار بالنقل يتعدى إلى مفعولين، ثم جعل الفعل لما لم يسم فاعله، فصار الفعل مسنداً من المفعول الأول، فارتفع واتصل بالفعل، وهو ضمير جماعة المخبرين، ثم انتصب المفعول الثاني على أصله وهو قوله {أَوْزَارًا}والمعنى جعلنا نحمل أوزار القوم.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم- ياش- ويعقوب- ح- و- ان- {حُمِّلْنَا}بفتح الحاء والميم، مخففة.
والوجه أن المراد أنهم فعلوا ذلك، فالفعل مسند إلى الفاعلين وهو متعدٍ إلى مفعول واحد، وضمير جماعة المخبرين مرفوع بأنه فاعل، وقوله
[الموضح: 849]
{أَوْزَارًا}منصوب بأنه مفعول به). [الموضح: 850]

قوله تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)}

قوله تعالى: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 05:54 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة طه

[ من الآية (90) إلى الآية (94) ]
{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90)}

قوله تعالى: {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91)}

قوله تعالى: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)}

قوله تعالى: {أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ألّا تتّبعني (93)
[معاني القراءات وعللها: 2/161]
وصلها الحضرمي وابن كثيرٍ ووقفا عليها بالياء، ووصلها نافع وأبو عمرو، بياء، ووقفا بغير ياء.
وروى إسماعيل بن جعفر وابن جمّاز عن نافع (ألّا تتّبعني أفعصيت) بحركة الياء.
قال أبو منصور: وهي لغات جائزة). [معاني القراءات وعللها: 2/162]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (25- وقوله تعالى: {ألا تتبعن أفعصيت أمرى} [93].
في هذه الياء أربع قراءاتٍ.
كان ابن كثيرٍ يصل ويقف بالياء.
وكان أبو عمر، ونافع في كل الروايات يقفان بغير ياء، ويصلان بياء فتبعا المصحف في الوقف، وتبعا الأصل في الدرج، إلا إسماعيل بن جعفر. فإنه روى عن نافع {ألا تتبعني أفعصيت} بفتح الياء، فيجب على من فتح الياء أن يقف بالياء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/50]
وقرأ الباقون بغير ياء في الوصل، والوقف، اجتزاء بالكسرة، واتباعًا للمصحف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/51]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إثبات الياء من قوله تعالى: (أن لا تتبعني) [طه/ 93] وحذفها.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (ألّا تتّبعني) بياء في الوصل ساكنة.
ويقف ابن كثير بالياء، وأبو عمرو يقف بغير ياء.
واختلف عن نافع، فروى ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر: (ألا تتّبعني أفعصيت) بياء منصوبة، وليس في الكتاب، وفي رواية قالون والمسيبي وورش وأحمد بن صالح عن أبي بكر وإسماعيل بن أبي أويس: (تتّبعني) بياء في الوصل ساكنة، ويقف بغير ياء.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بغير ياء في وصل ولا وقف.
قد ذكر هذا النحو في غير موضع). [الحجة للقراء السبعة: 5/247]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {أَلاَّ تَتَّبِعَنِي}[آية/ 93] بياء في الوصل والوقف:
قرأها ابن كثير ويعقوب.
وقرأ نافع وأبو عمرو بياء في الوصل دون الوقف.
وفتح- يل- عن نافع الياء منها، وأسكنها الباقون.
وقرأ ابن عامر والكوفيون {تَتَّبِعَنِ}بغير ياء في الحالين.
وقد تقدم من نحو هذه الياء ما أشبعنا القول في وجوهه). [الموضح: 850]

قوله تعالى: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (26- وقوله تعالى: {يا بنؤم لا تأخذ} [94].
قرأ أهل الكوفة إلا حفصًا عن عاصم، وابن عامرٍ {يبنوم} بكسر الميم.
وقرأ الباقون {يا بنؤم أم}.
فمن كسر أراد: يا بن أمي فحذف الياء.
ومن فتح فله ثلاث حجج:
إحداهن: أن يكون أراد: يابن أماه فرخم.
والثانية: أن يكون جعل الاسمين اسمًا واحدًا نحوه. بعل بك، ومعديكرب، وجاري بيت بيت.
والثالثة: أن يكون أراد يابن أما؛ لأن العرب تقول: ياأما بمعنى يا أمي، وياربا بمعنى ياربي. قال الشاعر:
فيا أبي ويا أبه
حسنت إلا الرقبه
فحسننها يا أبه
كيما تجئ الخطبه
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/51]
بإبل محنجبه
للفحل فيها قبقبه
فإن سأل سائل فقال: إن العرب إنما تحذف الياء من المنادى، لا من المضاف إلى المنادى، فيقولون: يأم، ويابن أمي فيخزلون الياء من الأولى، ويثبتونها في الثانية، كما قال الشاعر:
يابن أمي، ويا شقيق روحي = أنت خليتني لدهر كنود؟
فقل: هذه اللغة الفصحي، ومن العرب من يحذف الياء من هذا أيضا، فيقولون: يابن أم، ويابن عم. وقال الشاعر:
رجال ونسوان يودون أنني = وإياك نخزي يابن عم ونفضح). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/52]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الميم وكسرها من قوله عز وجل: يابن أم [طه/ 94].
فقرأ يابن أم بنصب الميم ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم.
[الحجة للقراء السبعة: 5/247]
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وابن عامر (يا ابن أمّ) بكسر الميم.
قال أبو علي: من قال: يا ابن أم احتمل قوله أمرين:
أحدهما: أن يكون أراد: يا ابن أمّا، فحذف الألف كما يحذف من غلامي في النداء إذا قال: يا غلام، وحذف الياء من المضاف إليه، وإن كانت لا تحذف في المضاف إليه إذا قال: يا غلام غلامي، كما تحذف من المضاف إذا قال: يا غلام، لأن هذا الاسم قد كثر استعماله، فتغيّر عن أحوال النظائر، والفتحة في ابن على هذا نصبة، كما أنها في قولك يا غلام أمي كذلك، ويجوز أن يكون جعل ابن وأمّ جميعا بمنزلة اسم واحد فبنى الآخر على الفتح وكذلك الاسم الذي هو المصدر، فالفتحة في الأول ليس بنصبة كما كانت في الوجه الأول، ولكنها بمنزلة الفتحة في خمسة من خمسة عشر، والاسم في موضع ضمّ من حيث كانا بمنزلة خمسة عشر، كما أن خمسة عشر كذلك.
ومن قال: (يا ابن أمّ) احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون أضاف ابنا إلى أمّ، وحذف الياء من الثاني، وكان الوجه إثباتها مثل يا غلام غلامي، والآخر: أن يكون جعل الاسم الأوّل مع الثاني اسما واحدا.
وأضافه إلى نفسه، كما تقول: يا خمسة عشر أقبلوا، فحذف الياء كما تحذف من أواخر المفردة نحو: يا غلام). [الحجة للقراء السبعة: 5/248]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال يا ابن أم} {قال بصرت بما لم يبصروا به} 94 و96
قرأ حمزة والكسائيّ (بما لم تبصروا به) بالتّاء أي بصرت بما لم تبصر به أنت يا موسى ولا قومك فأخرجا الكلام على ما جرى به الخطاب قبل ذلك وهو قوله {قال فما خطبك يا سامري}
وقرأ الباقون {بما لم يبصروا به} بالياء أي علمت ما لم يعلم بنو إسرائيل وحجتهم في ذلك أن الخبر إنّما جرى من السامري لموسى ما كان في غيبته من الحدث عمّا فعله ببني إسرائيل فخاطب موسى بخبر عن غيب فعله قال {يا ابن أم} وقد ذكرت في سورة الأعراف). [حجة القراءات: 462] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {قَالَ يا ابْنَ أُمَّ}[آية/ 94] بفتح الميم:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم- ص- ويعقوب.
والوجه أن الاسمين جعلا بمنزلة اسم واحد، فبنيا على الفتح كخمسة عشر، والاسمان إذا ركب أحدهما مع الآخر في هذا النحو كانت الحركة في الاسم الأول وفي الاسم الثاني جميعًا حركة بناء، كما ذكرنا في خمسة عشر.
ويجوز أن يكون أراد يا ابن أما بالألف، فحذف الألف، وإن كان في حذفها بعدٌ؛ لأن هذه الألف عوض عن ياء الإضافة، وهي لا تحذف في هذا الموضع، أعني في نحو يا غلام غلام، لكن لما كثر استعمال هذا، أعني يا بن أم خفف بحذف الألف من المضاف إليه، والفتحة في {يا ابْنَ}على هذا نصب، وهو نصب المنادى المضاف، فهو حركة إعراب، وكان أصله يا ابن أمي، فأبدل من ياء الإضافة ألف، لما في الألف من مد الصوت، ثم
[الموضح: 850]
حذفت الألف فبقي: يا بن أم.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم- ياش- {يا ابْنَ أُمَّ}بكسر الميم.
والوجه أن ابنًا يجوز أن يكون مع أم كالشيء الواحد على ما سبق، ثم بعد أن جعل معه كالشيء الواحد، أضيف إلى ياء المتكلم، فقيل يا ابن أمي، كما قيل يا خمسة عشري أقبلوا، ثم حذفت الياء، كما تحذف من يا غلام، فبقي يا ابن أم.
ويجوز أن يكون ابن قد أضيف إلى أم، وحذفت الياء من الثاني على أنه لا تحذف الياء من نحو يا غلام غلامي على ما سبق، إلا أنها حذفت ههنا لكثرة الاستعمال). [الموضح: 851]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 07:26 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة طه

[ من الآية (95) إلى الآية (98) ]
{ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) }

قوله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95)}

قوله تعالى: {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال بصرت بما لم تبصروا به (96)
قرأ حمزة والكسائي (بما لم تبصروا به) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء أراد بصرت بالذي لم تبصروا به أنتم، خاطب أصحابه.
ومن قرأ بالياء أراد: بصرت بالذي لم يبصروا به. ويقال: بصر الرجل يبصر إذا صار عليما بالشيء، وأبصر يبصر، إذا نظر, والتأويل: علمت بما لم تعلموا به). [معاني القراءات وعللها: 2/158]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (27- وقوله تعالى: {بما لم تبصروا به} [96].
قرأ حمزة والكسائي بالتاء جعلاه خطابًا.
وقرأ الباقون بالياء إخبارًا عن غيب.
وكان السامري بصر بأثر حافر فرس جبريل عليه السلام، فتناول منه
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/52]
قبصة، وهي الأخذ بأطراف الأصابع، كذلك قرأها الحسن.
وقرأ الناس، {فقبضت قبضته}، وهي بالكف، فوقع في نفسه أن ألقاه على جماد حي فعهد إلى حلى، وفضة، وذهب، وحديد، مما كان بقى من أصحاب فرعون الذين أغرقهم الله. فأذابه حتى خلص الذهب، فأتخذ عجلاً جسدًا له خوار، وألقى القبضة فيه فخار العجل، ونطق). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/53]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: بما لم يبصروا به [طه/ 96] في الياء والتاء.
[الحجة للقراء السبعة: 5/248]
فقرأ حمزة والكسائي: (تبصروا) بالتاء.
وقرأ الباقون: يبصروا بالياء.
من قال: يبصروا وهو قراءة الأكثر فيما زعم بعضهم، أي: لم يبصر به بنو إسرائيل. ومن قال: (تبصروا به) صرف الخطاب إلى الجمع). [الحجة للقراء السبعة: 5/249]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود وأُبي بن كعب وعبد الله بن الزبير ونصر بن عاصم والحسن وقتادة وابن سيرين -بخلاف، وأبي رجاء: [فَقَبَصْتُ قَبْصْةً]، بالصاد فيهما.
وقرأ: [قُبْصْةً]، بالصاد وضم القاف الحسن، بخلاف.
قال أبو الفتح: القبض بالضاد معجمة باليد كلها، وبالصاد غير معجمة بأطراف الأصابع. وهذا مما قدمت إليك في نحوه تقارب الألفاظ لتقارب المعاني، وذلك أن الضاد لتفشيها واستطالة مخرجها ما جعلت عبارة عن الأكثر، والصاد لصفائها وانحصار مخرجها وضيق محلها ما جعلت عبارة عن الأقل. ولعلنا لو جمعنا من هذا الضرب ما مر بنا منه لكان أكثر من ألف موضع
[المحتسب: 2/55]
هذا مع أننا لا نتطلبه ولا نتقرى مواضعه، فكيف لو قصدنا وانتحينا وجهه وحراه؟ نسأل الله أن يجعل ما علمنا منه لوجهه مدنيا من رضاه، ومبعدا من غضبه بقدرته وماضي مشيئته.
وأما "القبصة" بالضم فالقدر المقبوص، كالحسوة للمحسوّ، والحسوة فعلك أنت، والقبضة والقبصة جميعا على ذلك إنما هما حدثان موضوعان موضع الجثة، كالخلق في معنى المخلوق، وضرب الأمير، ونسج اليمن، في معنى مضروبه ومنسوجه). [المحتسب: 2/56]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال يا ابن أم} {قال بصرت بما لم يبصروا به} 94 و96
قرأ حمزة والكسائيّ (بما لم تبصروا به) بالتّاء أي بصرت بما لم تبصر به أنت يا موسى ولا قومك فأخرجا الكلام على ما جرى به الخطاب قبل ذلك وهو قوله {قال فما خطبك يا سامري}
وقرأ الباقون {بما لم يبصروا به} بالياء أي علمت ما لم يعلم بنو إسرائيل وحجتهم في ذلك أن الخبر إنّما جرى من السامري لموسى ما كان في غيبته من الحدث عمّا فعله ببني إسرائيل فخاطب موسى بخبر عن غيب فعله قال {يا ابن أم} وقد ذكرت في سورة الأعراف). [حجة القراءات: 462] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (31- قوله: {بما لم يبصروا به} قرأه حمزة والكسائي بالتاء، رداه على الخطاب في قوله: {فما خطبك} «95» وقرأ الباقون بالياء على الغيبة أي: بما لم يبصر به بنو إسرائيل، والياء أولى، لأن المخاطب وهو موسى عليه السلام لم يكن حاضرًا، إذ قبض السامري القبضة، ولأن الأكثر على ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/105]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ تَبْصُرُوا}[آية/ 96] بالتاء:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه على المخاطبة، إدخالاً للجميع في الخبر.
وقرأ الباقون {يَبْصُرُوا}بالياء على الغيبة، والمعنى لم يبصر به بنو إسرائيل). [الموضح: 851]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {فَنَبَذْتُهَا}[آية/ 96] بالإدغام:
قرأها أبو عمرو وحمزة والكسائي.
والوجه أن مخرج الذال ومخرج التاء متقاربان، فلذلك أدغموا الذال في التاء.
[الموضح: 852]
وقرأ الباقون {فَنَبَذْتُهَا}بالإظهار.
والوجه أن مخرجيها متغايران وإن تقاربًا؛ لن كل واحدٍ منهما من حيزٍ غير حيز الآخر، وقد ذكرنا مثله). [الموضح: 853]

قوله تعالى: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (موعدًا لن تخلفه (97)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (لن تخلفه) بكسر اللام، وقرأ الباقون بفتح اللام.
قال أبو منصور: من قرأ (لن تخلفه) بفتح اللام فالمعنى: يكافئك الله على ما فعلت يوم القيامة، واللّه لا يخلف الميعاد.
ومن قرأ (لن تخلفه) فالمعنى: أنك تبعث وتوافي يوم القيامة لا تقدر على غير ذلك ولا تخلفه.
وكل ذلك جائز). [معاني القراءات وعللها: 2/158]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (28- وقوله تعالى: {لن تخلفه} [97].
قرأ ابن كثيرٍ، وأبو عمرو {لن تخلفه} بكسر اللام.
وقرأ الباقون {لن تخلفه} على ما لم يسم فاعله؛ فيكون المخلف غير المخاطب. والهارء كنابة عن الموعد، وهو المفعول والفاعل لم يذكر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/53]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله: لن تخلفه [طه/ 97] في فتح اللام وكسرها.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (لن تخلفه) بكسر اللام.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: لن تخلفه بفتح اللام.
اختلفت يتعدّى إلى مفعولين، ولن تخلفه مثل لن تعطاه، لما أسندت الفعل إلى أحد المفعولين، فأقمته مقام الفاعل بقي الفعل متعدّيا إلى مفعول واحد، وفاعل الفعل الذي هو تخلف: الله سبحانه، أو موسى، ومعناه: سنأتيك به ولن يتأخر عنك. و (لن تخلفه) أي: ستأتيه ولا مذهب لك عنه، وهو وعيد، وهذا المعنى في القراءة الأولى أبين). [الحجة للقراء السبعة: 5/249]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي حيوة: [لا مَسَاسِ].
قال أبو الفتح: أما قراءة الجماعة: {لا مِسَاسَ} فواضحة؛ لأنه المماسَّة: مَاسَسْتُهُ مِسَاسًا كضَاربْتُه ضَرابًا، لكن في قراءة من قرأ: [لا مَسَاسِ] نظرا؛ وذلك أن "مساسِ" هذه كنَزَالِ ودَرَاكِ وحَذَارِ، وليس هذا الضرب من الكلام -أعني ما سمي به الفعل- مما تدخل "لا" النافية للنكرة عليه، نحو لا رجل عندك ولا غلام لك فـ"لا" إذًا في قوله: [لا مَسَاسِ] نفي للفعل، كقولك: لا أمسّك ولا أقرب منك، فكأنه حكاية قول القائل: مَساسِ كدَراكِ ونَزالِ، فقال: لا مَساسِ، أي: لا أقول: مساس، وكان أبو علي ينعم التأمل لهذا الموضع لما ذكرته لك، وقال الكميت:
لا هَمَامِ لِي لا هَمَامِ
أي: لا أقولُ: هَمَامِ، فكأنه من بَعدُ لا أهمّ بذلك، ولا بد من الحكاية أن تكون مقدرة. ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: لا أضربُ، فتنفي "بلا" لفظ الأمر؛ لتنافي اجتماع الأمر والنهي. فالحكاية إذا مُقدَّرة مُعتقَدة.
[المحتسب: 2/56]
فإن قال قائل: فأنت لا تقول: مساسِ في معنى امسس. فياليت شعري ما الذي بنيت؟ قيل: ليس هذا أول معتقد معتزم تقديرا. وإن لم يخرج إلى اللفظ استعمالا. ألا ترى إلى ملامحَ وليالٍ في قول سيبويه ومذاكير ومشابِه: لا آحاد لها مستعملة. وإنما هي مرادة متصورة معتقدة، فكأن الواحد ملمحة ومشبَهْ وليلاة ومِذكار أو مِذكير أو نحو ذلك، فكذلك "لا مساسِ"، جاء على أنه قد استعمل منه في الأمر مساسِ فنفى على تصور الحكايةِ والقولِ وإن لم يأت به مسموع، ونظائرُه كثيرةٌ، وكذلك القول في "همامِ" من بيت الكميت). [المحتسب: 2/57]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن بخلاف: [لَنْ نُخْلَفَهُ] بالنون.
وقرأ: [لَنْ يَخْلُفَهُ] أبو نهيك.
قال أبو الفتح: أما قراءة الجماعة: {لَنْ تُخْلَفَهُ} فمعناه: لن تصادفه مُخلَفًا، كقول الأعشى:
فَمَضَى وأخلفَ من قُتَيْلَةَ مَوْعِدًا
وقد مضى هذا مستقصى.
وأما [نُخْلِفَهُ] بالنون فتقديره: لن نُخْلِفَكَ إياه، أي: لن ننقض منه ما عقدناه لك. وأما [يَخْلُفَهُ] أي لا يخلُف الموعد الذي لك عندنا ما أنت عليه من محنتك في الدنيا بأن يكون نقيضه ومزيلا لحكمه، بل تكون في الآخرة كحالك في الدنيا. كما قال سبحانه: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا}، وكقوله تعالى : {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا}، ومنه قوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً}، أي: يحضر أحدهما فيخلُف الآخر، بأن ينقض حاله ويستأثر بالأمر دونه. والهاء في "يخلفه" عائدة على [أن تقول لا مَسَاسِ]، أو {لا مِسَاسَ} ). [المحتسب: 2/57]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي وابن عباس عليهما السلام وعمرو بن فائد: [لَنَحَرُقَنَّهُ]، بفتح النون. وضم الراء.
قال أبو الفتح: حرقْتُ الحديدَ: إذا بردتَه، فتحاتَّ وتساقَطَ. ومنه قولهم: أنه لَيَحْرُق عليَّ الأرَّم، أي: يحك أسنانه بعضها ببعض غيظًا عليَّ. قال:
نُيُوبَهم علينا يحرُقُونا
وقال زهير:
أبَى الضيمَ والنعمانُ يحْرُق نابَه ... عليه فأفضَى والسيوفُ معاقِلُهْ
وأنشد أبو زيد، ورويناه عنه:
نُبِّئتُ أحماءَ سُلَيْمَى أنما ... باتُوا غِضَابًا يحرُقون الأرَّما
إن قلتُ أسقَى عاقِلا فأظْلَما ... جَوْنًا وأسقَى الحرتيْنِ الدِّيَما
فكأن [لنَحْرُقَنَّه] على هذا: لنَبْرُدَنَّه ولنَحُتَّنَّه حتًّا، ثُمَّ، لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا.
ومن ذلك عندي تسميتهم هذا الزورق حراقة، وهو كقولهم لها: سفينة؛ لأنها تَسْفِنُ وجه الماء، فكذلك تَحْرُقُه أيضًا). [المحتسب: 2/58]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن لك موعدا لن تخلفه}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (إن لك موعدا لن تخلفه) بكسر اللّام أي أنت يا سامري قال اليزيدي قوله {لن تخلفه}
[حجة القراءات: 462]
أي لن تغيب عنه على وجه التهدد أي ستصير إليه مريدا أو كارهًا فلا يكون لك سبيل إلى أن تخلفه فو خبر في معنى وعيد
وقرأ الباقون {لن تخلفه} بفتح اللّام وحجتهم في ذلك أن المعنى في ذلك أن لك من الله موعدا بعذابك على إضلالك بني إسرائيل حين عبدوا العجل لن يخلفكه الله ولكن ينزله فلمّا كان الموعد مسندًا إلى الله جلّ وعز لم يحسن إسناد الخلف إلى السامري إذ كان الخلف إنّما يجري في الكلام ممّن وعد لا من الموعود كما قال الله جلّ وع {وعد الله لا يخلف} الله وعده وكذلك معنى ذلك لن يخلفكه الله ثمّ رد إلى ما لم يسم فاعله). [حجة القراءات: 463]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (32- قوله: {لن تخلفه} قرأه أبو عمرو وابن كثير بكسر اللام على معنى: لم يتأخر عنه، فبنى الفعل للفاعل، وهو المخاطب، وفي الكلام مفعول ثان محذوف، تقديره: لن يخلفه الله، أي: لن يخلف الله الموعد، أي:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/105]
لن يتخلف عن الإتيان إلى الموعد، وهو الحشر يوم القيامة، وقرأ الباقون بفتح اللام، بنوا الفعل على ما لم يسم فاعله، أي: لن يخلفك الله الموعد، بل يبعثك إليه من قبرك، والفاعل هو الله جل ذكره أو موسى، وهو الاختيار، لأن الأكثر عليه، والفعل في القراءتين يتعد إلى مفعولين، لأنه من أخلفت زيدًا الموعد، فالمعنى: سيأتيك الله بالموعد ولن يتأخر الموعد عنك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/106]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {لَّن تُخْلَفَهُ}[آية/ 97] بكسر اللام:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
والوجه أن أخلفت يتعدى إلى مفعولين يجوز لك الاقتصار على أحدهما،
[الموضح: 851]
فإذا كسر اللام جعل الفعل للمخاطب، واقتصر بالفعل على أحد المفعولين، والمعنى لن تخلف الواعد إياه، أي ستأتيه ولا مذهب لك عنه؛ لأنك تقول: أخلفت الرجل الوعد.
ويجوز أن يكون من أخلفت الموعد: إذا صادفته خلفا،
قال الأعشى:
97- أثوى وقصر ليله ليزودا= ومضى فأخلف من قتيلة موعدا
والمعنى في الآية: لن تجده خلفًا.
وقرأ الباقون {لَّن تُخْلَفَهُ}بفتح اللام.
والوجه أن الفعل بني للمفعول به، وأقيم أحد المفعولين مقام الفاعل، فبقي متعديًا إلى واحدٍ، فقولك {تُخْلَفَهُ}مثل تعطاه في التعدي، والمعنى لن يخلفك الله إياه). [الموضح: 852]

قوله تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مجاهد وقتادة: [وَسَّعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا].
[المحتسب: 2/58]
قال أبو الفتح: معناه -والله أعلم: خَرَّقَ كلًّ مصمتٍ بعلمِه؛ لأنه بَطَن كل مُخْفًى ومستبهم، فصار لعلمه فضاء متسعًا، بعد ما كان متلاقيا مجتمعا. ومنه قوله تعالى : {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}. فهذا العمل. وذلك في العلم). [المحتسب: 2/59]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة