تفسير قوله تعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {هذا وإنّ للطّاغين لشرّ مآب (55)}
المعنى: الأمر هذا, فهذا رفع خبر الابتداء المحذوف، وإن شئت كان هذا رفعا بالابتداء , والخبر محذوف، وجهنم بدل من {شرّ مآب}: أي: شر مرجع.). [معاني القرآن: 4/338]
تفسير قوله تعالى: {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)}
تفسير قوله تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله عزّ وجل: {فليذوقوه حميمٌ وغسّاقٌ}
رفعت الحميم والغسّاق بهذا مقدّماً ومؤخراً.
والمعنى : هذا حميم وغسّاق فليذوقوه, وإن شئت جعلته مستأنفا، وجعلت الكلام قبله مكتفياً؛ كأنك قلت: هذا فليذوقوه، ثم قلت: منه حميم ومنه غسّاق .
كقول الشاعر:
حتّى إذا ما أضاء الصّبح في غلسٍ = وغودر البقل ملوي ومحصود
ويكون (هذا) في موضع رفعٍ، وموضع نصبٍ, فمن نصب أضمر قبلها ناصباً , كقول الشاعر:
زيادتنا نعمان لا تحرمنّها = تق الله فينا والكتاب الذي تتلو
ومن رفع , رفع بالهاء التي في قوله: {فليذوقوه} , كما تقول في الكلام: الليل فبادروه , واللّيل.
والغساق تشدّد سينه , وتخفّف شدّدها يحيى بن وثّاب , وعامّة أصحاب عبد الله، وخفّفها الناس بعد.
وذكروا: أنّ الغسّاق بارد يحرق كإحراق الحميم.
ويقال: إنه ما يغسق , ويسيل من صديدهم , وجلودهم.). [معاني القرآن: 2/410]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({والغساق}: يثقل ويخفف، ويقال إنها مثل القرحة التي تنفطت وهو من لغة أهل الحجاز). [غريب القرآن وتفسيره: 324]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( (الغساق): ما يسيل من جلود أهل النار , وهو الصديد.
يقال: غسقت عينه، إذا سالت, ويقال: هو البارد المنتن.). [تفسير غريب القرآن: 381]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {هذا فليذوقوه حميم وغسّاق (57)}: بتشديد السين , وتخفيفها، وحميم رفع من جهتين:
إحداهما : على معنى هذا حميم وغسّاق ؛ فليذوقوه.
ويجوز أن يكون (هذا) على معنى تفسير هذا : {فليذوقوه}, ثم قال بعد :{حميم وغسّاق}.
ويجوز أن يكون (هذا) في موضع نصب على هذا التفسير, ويجوز أن يكون في موضع رفع.
فإذا كان في موضع نصب فعلى: " فليذوقوا هذا " , فليذوقوه.
كما قال: {وإيّاي فاتّقون}, ومثل ذلك زيدا , فاضربه.
ومن رفع , فبالابتداء , ويجعل الأمر في موضع خبر الابتداء، مثل:{والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما}.
وقيل إن معنى (غساق) : الشديد البرد الذي يحرق من برده، وقيل : إن الغساق: ما يغسق من جلود أهل النار.
ولو قطرت منه قطرة في المشرق , لأنتنت أهل المغرب, وكذلك لو سقطت في المغرب.). [معاني القرآن: 4/338-339]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {هذا فليذوقوه حميم وغساق}
يجوز أن يكون المعنى : هذا حميم وغساق , فليذوقوه .
ويجوز أن يكون المعنى : هذا فليذوقوه منه حميم , ومنه غساق , كما قال الشاعر:
لها متاع وأعوان غدون لها = قتب وغرب إذا ما أفرغ انسحقا
قال قتادة : (كنا نحدث: أن الغساق ما يسيل من بين الجلد , واللحم) .
قال الفراء : وهو مذهب الضحاك. قيل: الغساق، شيء بارد يحرق كما يحرق الحميم .
قال أبو جعفر : قول قتادة أولى ؛ لأنه يقال: غسقت عينه إذا سالت .
وقال ابن زيد : الحميم : دموع أعينهم يجمع في حياض النار يسقونه .
والغساق : الصديد الذي يخرج من جلودهم , والاختيار على ذلك : غساق حتى يكون مثل سيال.). [معاني القرآن: 6/129]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والغساق): ما يسيل من جلود أهل النار من الصديد.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 212]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الغَسَّاقٌ}: الأسود.). [العمدة في غريب القرآن: 260]
تفسير قوله تعالى: {وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وآخر من شكله أزواجٌ}
قرأ الناس :{وآخر من شكله} إلاّ مجاهداً فإنه قرأ : (وأخر) : كأنه ظنّ أن الأزواج لا تكون من نعتٍ واحدٍ.
وإذا كان الاسم فعلاً , جاز أن ينعت بالاثنين والكثير, كقولك في الكلام: عذاب فلان ضروب شتّى , وضربان مختلفان, فهذا بيّن.
وإن شئت جعلت الأزواج نعتاً للحميم وللغساق , ولآخر، فهنّ ثلاثة، وأن تجعله صفة لواحد أشبه، والذي قال مجاهد: (جائز، ولكني لا أستحبّه ؛ لاتّباع العوامّ , وبيانه في العربيّة).).[معاني القرآن: 2/411]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({من شكله}: من ضربه .
ما أنت من شكلى , ما أنت من ضربى , والشكل من المرأة : ما علقت مما تحسن به , وتشكل تغنج , قال رؤبة:
لمّا اكتست من ضرب كل شكل= صفراً وخضراً كاخضرار البقل). [مجاز القرآن: 2/185-186]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({من شكله}: من ضربه). [غريب القرآن وتفسيره: 324]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وآخر من شكله}: أي: من نحوه، {أزواجٌ} :أي: أصناف.
قال قتادة: (هو الزمهرير)). [تفسير غريب القرآن: 381]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وآخر من شكله أزواج (58)}
ويقرأ (وأخر) , (وآخر) عطف على قوله :{حميم وغسّاق}
أي: وعذاب آخر من شكله , يقول مثل ذلك الأول.
ومن قرأ : وأخر، فالمعنى : وأنواع أخر من شكله.
لأن قوله:{أزواج}, معناه : أنواع.). [معاني القرآن: 4/339]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وآخر من شكله أزواج}
وقرأ مجاهد , وأبو عمرو بن العلاء :{وأخر من شكله}
وأنكر أبو عمرو آخر , لقوله: {أزواج}: أي: لا يخبر عن واحد بجماعة .
وأنكر عاصم الجحدري :{وأخر },قال : ولو كانت :وأخر : لكان من شكلها .
قال أبو جعفر : كلا الردين لا يلزم ؛ لأنه إذا قرأ : وأخر من شكله , جاز أن يكون المعنى : وأخر من شكل ما ذكرنا : وأخر من شكل الحميم , وأخر من شكل الغساق وأن يكون المعنى , وأخر من شكل الجميع .
ومن قرأ : وآخر من شكله : فقراءته حسنة لأن المعنى للفعل , وإذا كان المعنى للفعل خبر عن الواحد باثنين , وجماعة كما تقول عذاب فلان ضربان , وعذابه ضروب شتى
ويجوز أن يكون أزواج لحميم وغساق , وآخر , قال قتادة : من شكله من نحوه .
قال يعقوب : الشكل المثل , والشكل الدل.
قال عبد الله بن مسعود : (وآخر من شكله أزواج : الزمهرير) .
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري , قال: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني , قال: حدثنا إسماعيل بن علية , عن أبي رجاء , عن الحسن في قوله: {أزواج} , قال: (ألوان من العذاب).). [معاني القرآن: 6/129-131]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {من شكله}: أي: من مثله.).[ياقوتة الصراط: 442]
تفسير قوله تعالى: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هذا فوجٌ مّقتحمٌ مّعكم...}
هي : الأمّة تدخل بعد الأمّة النار.
ثم قال: {لا مرحباً بهم} : الكلام متّصل، كأنه قول واحدٍ.
وإنما قوله: {لا مرحباً بهم} : من قول أهل النار، وهو كقوله: {كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها}: وهو في اتّصاله, كقوله: {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون} : فاتصل قول فرعون, بقول أصحابه.). [معاني القرآن: 2/411]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ هذا فوجٌ}: والفوج فرقة.
{لا مرحباً بهم}: تقول العرب للرجل: لا مرحباً بك , أي: لا رحبت عليك , أي: لا اتسعت , قال أبو الأسود:
إذا جئت بوّاباً له قال مرحباً= ألا مرحبٌ واديك غير مضيّق). [مجاز القرآن: 2/186]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({فوج} فرقة).[غريب القرآن وتفسيره: 324]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنّهم صالو النّار (59)}
الفوج: هم تبّاع الرؤساء , وأصحابهم في الضلالة, وقيل لهم: {لا مرحبا} منصوب , كقولك رحبت بلادك مرحبا، وصادفت مرحبا، فأدخلت (لا) على ذلك المعنى.). [معاني القرآن: 4/339]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار}
هذا فوج : أي : جماعة , وفرقة .
مقتحم معكم : أي شيء بعد شيء.
لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار : لا مرحبا بمعنى : لا أصبت رحبا , أي سعة , بمعنى : لا اتسعت منازلهم في النار
الفراء : يذهب إلى أن الكلام معترض , وأن المعنى : قالوا لا مرحبا بهم.). [معاني القرآن: 6/132]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {هذا فوج}: أي: جماعة، وجمعها: أفواج.).[ياقوتة الصراط: 442]
تفسير قوله تعالى: {قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدّمتموه لنا فبئس القرار (60)}
هذا قول الأتباع للرؤساء.).[معاني القرآن: 4/339]
تفسير قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قالوا ربّنا من قدّم لنا هذا...}
معناه: من شرع لنا وسنّه {فزده عذاباً ضعفاً في النّار}. ). [معاني القرآن: 2/411]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فزده عذاباً ضعفاً }: أي: مضعفاً إليه مثله.). [مجاز القرآن: 2/186]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({من قدّم لنا هذا}: أي :من سنة وشرعه.). [تفسير غريب القرآن: 381]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قالوا ربّنا من قدّم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النّار (61)}
أي : زده على عذابه عذابا آخر.
ودليل هذا قوله تعالى:{ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا (67) ربّنا آتهم ضعفين}
ومعنى: صعفين , معنى : فزده عذابا ضعفاً.). [معاني القرآن: 4/339]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار}
قال عبد الله بن مسعود : (يعني : الحيات والأفاعي).). [معاني القرآن: 6/132]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا}:أي :سنه, وشرعه.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 212]
تفسير قوله تعالى:{وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) }
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار (62) اتخذناهم سخريا}
ويقرأ:{ أتخذناهم } , على الاستفهام
وفي القراءة الأولى قولان:
أحدهما : وهو قول الفراء : أنها على التوبيخ والتعجب , قال : والعرب تأتي بالاستفهام في التوبيخ والتعجب , ولا تأتي به .
والقول الآخر , وهو قول أبي حاتم : أن المعنى , وقالوا : ما لنا لا نرى رجالا, اتخذناهم سخريا , يجعله نعتا للرجال
ومعنى سخري , وسخري عند أكثر أهل اللغة واحد إلا أبا عمرو فإنه زعم أن : سخريا يسخرون منهم , وسخريا يسخرونهم ويستذلونهم.) [معاني القرآن: 6/133-134]
تفسير قوله تعالى: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) }
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):(وقوله: {أتّخذناهم سخريّاً...}
قال زهير , عن أبان , عن مجاهد , قال الفراء : -ولم أسمعه من زهير - : {اتّخذناهم سخريّاً} : ولم يكونوا كذلك, فقرأ أصحاب عبد الله بغير استفهامٍ، واستفهم الحسن , وعاصم وأهل المدينة، وهو من الاستفهام الذي معناه التعجّب , والتوبيخ , فهو يجوز بالاستفهام , وبطرحه.). [معاني القرآن للفراء: 2/411]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({اتّخذناهم سخريّاً }: من فتح الأول جعلها استفهاماً, وجعل " أم " جواباً لها .
قال طرفة:
أشجاك الرّبع أم قدمه= أم رماد دراسٌ حممه
ومن لم يستفهم ففتحها على القطع ؛ فإنها خبر , ومجاز " أم " : مجاز بل , وفي القرآن:{ أم أنا خيرٌ من هذا الّذي هو مهينٌ}: مجازها : بل أنا خير من هذا .
لأن فرعون لم يشك , فيسأل أصحابه، إنما أوجب لنفسه، ومن كسر " سخرياً " جعله من الهزء , ويسخر به , ومن ضم أولها جعله من السخرة : يتسخرونهم , ويستذلونهم.). [مجاز القرآن: 2/186-187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أتّخذناهم سخريًّا}: أي : كنا نسخر منهم.
ومن ضم أوله: جعله من «السخرة»: أي : يتسخرونهم , ويستذلونهم, كذلك قال : أبو عبيدة.). [تفسير غريب القرآن: 381]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وتكون أم بمعنى ألف الاستفهام، كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ، أراد: أيحسدون الناس؟.
وقوله: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} ، أي زاغت عنهم الأبصار وألف اتخذناهم موصولة.
وكقوله: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} ، أراد: أله البنات {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} . أراد: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}، أراد: أعندهم الغيب.
وهذا في القرآن كثير، يدلّك عليه قوله: {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} ، ولم يتقدم في الكلام: أيقولون كذا وكذا فترد عليه: أم تقولون؟ وإنما أراد أيقولون: افتراه، ثم قال: {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}). [تأويل مشكل القرآن: 546-547] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {أتّخذناهم سخريّا أم زاغت عنهم الأبصار (63)}
{أتّخذناهم}: يقرأ بقطع الألف , وفتحها على معنى الاستفهام , ومن وصلها كان على معننى: إنا اتخذناهم سخريّا.
ويقرأ :{سخرياً} و {سخريا}: بالكسر , والضم, والمعنى واحد.
وقد قال قوم: إن ما كان من التسخير فهو مضموم الأول, وما كان من الهزؤ , فهو مكسور الأول.). [معاني القرآن: 4/340]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار (62) اتخذناهم سخريا}
ويقرأ : أتخذناهم : على الاستفهام
وفي القراءة الأولى قولان:
أحدهما : وهو قول الفراء : أنها على التوبيخ والتعجب , قال: والعرب تأتي بالاستفهام في التوبيخ والتعجب , ولا تأتي به .
والقول الآخر : وهو قول أبي حاتم: أن المعنى , وقالوا : ما لنا لا نرى رجالا اتخذناهم سخريا , يجعله نعتا للرجال .
ومعنى سخري وسخري عند أكثر أهل اللغة واحد إلا أبا عمرو فإنه زعم أن سخريا : يسخرون منهم , وسخريا : يسخرونهم ويستذلونهم). [معاني القرآن: 6/133-134] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أم زاغت عنهم الأبصار}
روى ليث , عن مجاهد , وقالوا: ما لنا لا نرى رجالا , قال: (قال أبو جهل , والوليد بن المغيرة) : ما لنا لا نرى رجالا , قال : (قالوا: أين سلمان ؟, أين خباب؟, أين بلال ؟, أين عمار ؟).
وروى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال: (أتخذناهم سخريا ؛ فأخطأنا أمرهم في النار , فزاغت أبصارنا عنهم) .
قال أبو جعفر : وهذا قول حسن ؛ لأن: أم للتسوية, فصار المعنى على قوله: أأخطأنا أم لم نخطئ , وقيل : هي بمعنى بل .
والقراءة بوصل الألف بينة حسنة). [معاني القرآن: 6/134-135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا}: أي: كنا نسخر منهم, أي : نهزأ بهم.
ومن ضم أوله : جعل من السخرة , أي : يسخرونهم , ويستذلونهم.).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 212]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{إنّ ذلك لحقّ تخاصم أهل النّار (64)}
أي: إن وصفنا الذي وصفناه عنهم لحق , ثم بين ما هو , فقال: هو تخاصم أهل النار، وهذا كله: على معنى : إذا كان يوم القيامة , قال أهل النار : كذا , وكذلك , كلّ شيء في القرآن مما يحكي عن أهل الجنة والنار.). [معاني القرآن: 4/340]