العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #51  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 06:23 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (178) إلى الآية (179)]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}


قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)}

قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #52  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:09 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (180) إلى الآية (182) ]

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)}


قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)}

قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)}

قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فمن خاف من موصٍ جنفًا... (182).
قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي ويعقوب: (من موصٍّ) بتشديد الصاد.
وقرأ الباقون: (من موصٍ).
قال أبو منصور: هما لغتان: وصّى وأوصى، فاقرأ كيف شئت). [معاني القراءات وعللها: 1/192]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الواو وتشديد الصاد وتخفيفها من قوله عزّ وجلّ: فمن خاف من موصٍ جنفاً [البقرة/ 182].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر موصٍ ساكنة الواو، وحفص عن عاصم مثله.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي موصٍ مفتوحة الواو مشددة الصاد.
قال أبو علي: حجة من قال: موصٍ: قوله تعالى: فلا يستطيعون توصيةً [يس/ 50] وحجة من قال: موصٍ: يوصيكم اللّه في أولادكم [النساء/ 11] ومن بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ [النساء/ 12]. وفي المثل:
إنّ الموصّين بنو سهوان
[الحجة للقراء السبعة: 2/271]
وقال النّمر بن تولب:
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت... أوصّ بدعد من يهيم بها بعدي
وقال آخر:
أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح... طبّ بصرف الدّهر غير مغفّل
فأمّا قوله تعالى: ووصّى بها إبراهيم بنيه [البقرة/ 132] فلا أرى من شدّد ذهب فيه إلى التكثير وإنما وصّى مثل: أوصى، ألا ترى أنه قد جاء: من بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ [النساء/ 12] ولم يشدّد، فإن كان للكثرة فليس هو من باب وغلّقت الأبواب [يوسف/ 23]). [الحجة للقراء السبعة: 2/272]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فمن خاف من موص جنفا}
[حجة القراءات: 123]
وقرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر {فمن خاف من موص} وحجتهم قوله {ما وصّى به نوحًا} و{فلا يستطيعون توصية} مصدر من وصّى
وقرأ الباقون {موص} بالتّخفيف وحجتهم قوله {يوصيكم الله} و{من بعد وصيّة توصون} قال الكسائي هما لغتان مثل أوفيت ووفيت وأكرمت وكرمت وقد روي عن أبي عمرو أنه فرق بين الوجهين فقال ما كان عند الموت فهو موص لأنّه يقال أوصى فلان بكذا وكذا فإذا بعث في حاجة قيل وصّى فلان بكذا). [حجة القراءات: 124]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (110- قوله: «موصٍ» قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي بفتح الواو مشددًا، حملوه على «وصى به» وعلى توصية فـ «موص» اسم فاعل من «وصى» ومن «توصية»، وقد تقدم ذكر هذا في {ووصى بها إبراهيم} وقرأ الباقون: {موص} بإسكان الواو مخففًا، حملوه على «أوصى» وعلى «يوصي» و«يوصون» فهو اسم فاعل من «أوصى يوصي» لكن في التشديد معنى التكرير والتكثير، والقراءتان متكافئتان حسنتان، لكل واحدة منهما شاهد، قد أجمع عليه، وكان التخفيف أحب إلي؛ لأن أكثر القراء عليه؛ ولأنه أخف على القارئ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/282]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (62- {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ} [آية/ 182]:-
مفتوحة الواو، مشددة الصاد، قرأها حمزة والكسائي وعاصم ويعقوب.
وذلك أنه قد جاء {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} وهي من وصى، وقد مضى مثله.
وقرأ الباقون {مُوْصٍ} ساكنة الواو، مخففة الصاد، من أوصى، وقد جاء نحوه في قوله {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ} و{تُوصُونَ}، وقد ذكرنا أن وصى وأوصى لغتان). [الموضح: 315]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #53  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:10 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (183) إلى الآية (185) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)}

قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فديةٌ طعام مسكينٍ... (184).
قرأ نافع وابن عامر: (فدية طعام مساكين) بالإضافة، وخفض الطعام، وجمع مساكين.
وقرأ الباقون: (فديةٌ طعام مسكينٍ) بالتنوين والرفع والتوحيد.
قال أبو منصورة من قرأ (فدية طعام مساكين) أضاف فدية إلى طعام
مساكين، والعرب تضيف الشيء إلى نعته، كقول الله جلّ وعزّ: (وحبّ
[معاني القراءات وعللها: 1/192]
الحصيد)، و(ذلك دين القيّمة).
ومن قرأ: (فديةٌ طعام مسكينٍ) رفع قوله (طعام مسكينٍ) لأنه ترجمة عن فدية، ويكون بدلاً، كأنه قال: وعلى الذين يطيقونه طعام مسكين). [معاني القراءات وعللها: 1/193]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء ونصب العين، والياء والجزم، من قوله عزّ وجلّ: فمن تطوّع خيراً [البقرة/ 184].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو: فمن تطوّع خيراً بالتاء ونصب العين في الحرفين جميعاً.
[الحجة للقراء السبعة: 2/244]
وقرأ حمزة والكسائيّ: يطوع خيرا بالياء، وجزم العين. وكذلك التي بعدها.
قال أبو علي: من قرأ: فمن تطوّع خيراً احتمل قوله:
تطوّع أمرين:
أحدهما: أن يكون موضعه جزماً، والآخر: أن لا يكون له موضع. فأما الوجه الذي يجعل تطوّع فيه في موضع جزم، فأن تجعل من للجزاء كالتي في قوله: ومن يفعل ذلك يلق أثاماً [الفرقان/ 68] فإذا جعلته كذلك كان في موضع جزم، وكانت الفاء مع ما بعدها أيضاً في موضع جزم لوقوعها موقع الفعل المجزوم الذي هو جزاء، والفعل الذي هو «تطوّع» على لفظ المثال الماضي والتقدير به المستقبل، كما أن قولك: إن أتيتني أتيتك. كذلك.
والآخر: أن لا تجعله جزاء، ولكن يكون بمنزلة «الذي» ولا موضع حينئذ للفعل الذي هو تطوّع، ولو كان له موضع لم تكسر إنّ في قوله تعالى: وآتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه [القصص/ 76] والفاء على هذا في قوله: فهو خيرٌ له مع ما بعدها في موضع رفع من حيث كان خبر المبتدأ الموصول- والمعنى معنى الجزاء، وإن لم يكن به جزم، لأن هذه الفاء، إذا دخلت في خبر الموصول، آذنت أن الثاني وجب لوجوب الأول، والنكرة الموصوفة في ذلك، كالأسماء
[الحجة للقراء السبعة: 2/245]
الموصولة، وعلى هذا قوله عزّ وجلّ: وما بكم من نعمةٍ فمن اللّه [النحل/ 53] تقديره: ما ثبت بكم من نعمة، أو: ما دام بكم من نعمة، فمن ابتداء الله إياكم بها. فسبب ثبات النعمة ابتداؤه بذلك. كما أن استحقاق الأجر إنما هو من أجل الإنفاق في قوله: الّذين ينفقون أموالهم... فلهم أجرهم [البقرة/ 274].
فأما ما كان من النّعمة كالصّحة وتسوية البنية، والامتحان بالمرض والعلّة، فمن الله سبحانه.
وأما ما كان من جائزة ملك وعطاء أب وهبة صديق أو ذي رحم، فإنه يجوز أن ينسب إلى الله تعالى. من حيث كان بتمكينه وإقداره كما قال: وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى [الأنفال/ 17]، وإنما الرّامي للتراب، والحصباء بالبطحاء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ولو أدخلت إنّ على هذه الأسماء الموصولة، جاز دخول الفاء معها كما جاز دخولها على غير هذا النحو من الابتداء. وعلى هذا قوله تعالى: إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم [البروج/ 10].
[الحجة للقراء السبعة: 2/246]
وقوله عزّ وجلّ: إلّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فلهم أجرٌ غير ممنونٍ [التين/ 6] على قوله: «إلا حل ذاك أن أفعله» ولو ألحقت المبتدأ ليت أو لعلّ لم يجز دخول الفاء على الخبر، لأن الجزاء الجازم وغير الجازم خبر فإذا دخلت ليت ولعلّ، خرج بدخولهما الكلام عن أن يكون خبراً، وإذا خرج عن ذلك، لم يجز لحاق الفاء التي تدخل مع الخبر. ومثل ذلك قوله تعالى: ومن عاد فينتقم اللّه منه [المائدة/ 95] ومن كفر فأمتّعه قليلًا [البقرة/ 26] ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلّا مثلها [الأنعام/ 160] وفمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [الكهف/ 29] إلا أنّ قوله: فمن شاء فليؤمن إذا جعلته موصولًا ولم تجعل شاء في موضع جزم، احتمل من شاء ضربين من الإعراب: أحدهما: أن يكون مرفوعاً بالابتداء وفليؤمن في موضع خبر. والآخر: أن يكون مرتفعا بالابتداء يفسّره: (فليؤمن) مثل: زيد ليضرب. والفاء الداخلة في الخبر تحتمل أمرين: أحدهما: أن تكون زيادة مثل قولهم: أخوك فوجد، والآخر: أن يكون دخولها من أجل الصلة. ومثله:
ومن تاب وعمل صالحاً فإنّه يتوب إلى اللّه متاباً [الفرقان/ 71].
فإن قلت: وما معنى ومن تاب فإنّه يتوب؟.
فالقول في ذلك، أن اللفظ على شيء والمعنى على غيره، وذلك غير ضيّق في كلامهم، ألا ترى أنّهم قد قالوا: ما
[الحجة للقراء السبعة: 2/247]
أنت وزيد؟. والمعنى: لم تؤذيه؟ واللفظ إنّما هو على المسألة من المخاطب، وزيد معطوف عليه. وكذلك قالوا: أمكنك الصّيد، والمعنى: ارمه، وكذلك: هذا الهلال. أي: انظر إليه؛ فكذلك قوله: ومن تاب كأنه من عزم على التوبة، فينبغي أن يبادر إليها، ويتوجه بها إلى الله سبحانه. وقال تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه [النحل/ 98]. أي: إذا عزمت على ذلك فاستعذ، ومثل قوله: فإنّه يتوب [الفرقان/ 71] والمعنى على: ينبغي أن يتوب. قوله عزّ وجلّ: والمطلّقات يتربّصن [البقرة/ 228] أي: ينبغي أن يتربّصن. ومن هذا الباب قوله:
فمن شهد منكم الشّهر فليصمه [البقرة/ 185] قياسه على ما تقدم.
وأمّا من قرأ: ومن يطوع [البقرة/ 158] فتقديره:
يتطوّع، إلا أنه أدغم التاء في الطاء لتقاربهما، وجزم العين التي هي لام بمعنى «إن» التي للجزاء. وهذا حسن لأن المعنى على الاستقبال، وإن كان يجوز: من أتاني أعطيته، فتوقع الماضي موضع المستقبل في الجزاء، إلّا أن اللفظ إذا كان وفق المعنى كان أحسن). [الحجة للقراء السبعة: 2/248]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الإضافة والتنوين، والجمع والتوحيد، من قوله تعالى: فديةٌ طعام مسكينٍ [البقرة/ 184].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ:
[الحجة للقراء السبعة: 2/272]
فديةٌ منون طعام مسكينٍ موحّد.
وقرأ نافع وابن عامر فدية طعام مساكين [فديةٌ] مضاف ومساكين جمع.
قال أبو علي: طعام مسكينٍ على قول ابن كثير، ومن قرأ كما قرأ: عطف، بيّن الفدية. فإن قلت: كيف أفردوا المسكين والمعنى على الكثرة؟ ألا ترى أن الّذين يطيقونه جمع، وكلّ واحد منهم يلزمه طعام مسكين، فإذا كان كذلك وجب أن يكون مجموعاً كما جمعه الآخرون.
فالقول: إن الإفراد جاز وحسن لأن المعنى: على كل واحد طعام مسكين، فلهذا أفرد، ومثل هذا في المعنى قوله تعالى: والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً [النور/ 4] وليس جميع القاذفين يفرّق فيهم جلد ثمانين، إنّما على كلّ واحد منهم جلد ثمانين، وكذلك على كلّ واحد منهم طعام مسكين. فأفرد هذا كما جمع قوله: فاجلدوهم ثمانين جلدةً.
وقال أبو زيد: أتينا الأمير، فكسانا كلّنا حلّة، وأعطانا كلّنا مائة. قال أبو زيد: معناه: كسا كلّ واحد منا حلّة، وأعطى كلّ واحد منا مائةً.
وأما من أضاف الفدية إلى الطعام، فكإضافة البعض إلى ما هو بعض له، وذلك أنه سمّى الطعام الذي يفدى به فدية،
[الحجة للقراء السبعة: 2/273]
ثم أضاف الفدية إلى الطعام الذي يعمّ الفدية وغيرها، وهو على هذا من باب: خاتم حديد). [الحجة للقراء السبعة: 2/274]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف وعائشة -رحمهما الله- وسعيد بن المسيب، وطاوس بخلاف، وسعيد بن جبير، ومجاهد بخلاف، وعكرمة، وأيوب السختياني، وعطاء: [يُطَوَّقُونَه].
وقرأ [يَطَّوَّقُونَه] على معنى: يتطوقونه مجاهد.
ورُويت عن ابن عباس، وعن عكرمة.
وقرأ [يَطَّيَّقُونَه] ابن عباس بخلاف، وكذلك مجاهد وعكرمة.
وقرأ [يُطَيِّقُونَه] ابن عباس بخلاف.
قال أبو الفتح: أما عين الطاقة فواو؛ لقوهم: لا طاقة لي به ولا طوق لي به؛ وعليه مَن قرأ [يُطَوَّقُونَه] فهو يُفَعَّلُونه منه، فهو كقوله: يُجَشَّمُونه، ويكلفونه، ويجعل لهم كالطوق في أعناقهم.
وأما [يطَّوَّقُونه] فيتَفعَّلونه منه، كقولك: يتكلفونه ويتجشمونه، وأصله: يتطوقونه، فأبدلت التاء طاء، وأدغمت في الطاء بعدها كقولهم: اطَّير يطَّير؛ أي: يتطير.
وتجيز الصنعة أن يكون يتفوعلونه ويتفعولونه جميعًا، إلا أن يتفعَّلونه الوجه؛ لأنه الأكثر والأظهر.
وأما [يَتَطَيَّقُونَه] فظاهره لفظًا أن يكون يتفيعلونه، كتحيَّز أي تفيعل.
أنشدنا أبو علي للهذلي:
فلما جلاها بالإِيَامِ تحيزت ... ثُبات عليه ذلها واكتئابها
فهذا تفيعلت من حاز يحوز، ومثله تفيهق.
وقد يمكن أن يكون أيضًا يَتَطَيَّقُونه يتفَعَّلُونه، إلا أن العينين أبدلتا ياءين، كما قالوا في تهور الجرف: تهيَّر، وعلى أن أبا الحسن قد حكى هار يَهير.
[المحتسب: 1/118]
وقد يمكن أيضًا أن يكون هار يهير من الواو فعِل يفعِل، كرأي الخليل في طاح يطيح، وتاه يتيه.
وليس يقوى أن يكون تيطوَّقونه يتفوعلونه ولا يتفعولونه، وإن كان اللفظ هنا كاللفظ بيتَفَعَّل؛ لقلته وكثرته.
ويُؤنِّس بكون يتطيقونه يتفعلونه قراءة مَن قرأ: [يَتَطَوَّقُونه]، وكذلك يُؤنِّس بكون يُطَيَّقُونَه يُفعَّلونه قراءة مَن قرأ: [يُطَوَّقُونه]، والظاهر من بعد هذا أن يكون يُفَيعلُونه). [المحتسب: 1/119]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وعلى الّذين يطيقونه فدية طعام مسكين}
قرأ نافع وابن عامر {وعلى الّذين يطيقونه فدية طعام} (ومساكين) جمع وقرأ الباقون {فدية} منونة {طعام} رفعا {مسكين} واحد وحجتهم أن الطّعام هو الفدية الّتي أوجبها الله على المفطر الّذي رخص له في الفطر وجعل إطعام المسكين جزاء إفطاره فلا وجه لإضافة الفدية إليه إذ كان الشّيء لا يضاف إلى نفسه إنّما يضاف إلى غيره وحجتهم في التّوحيد في المسكين أن في البيان على حكم الواحد في ذلك البيان عن حكم جميع أيّام الشّهر وليس في البيان عن حكم إفطار جميع الشّهر البيان عن حكم إفطار اليوم الواحد فاختاروا التّوحيد لذلك إذ كان أوضح في البيان
[حجة القراءات: 124]
وحجّة من أضاف الفدية إلى الطّعام أن الفدية غير الطّعام وأن الطّعام إنّما هو المفدى به الصّوم لا الفدية والفدية هي مصدر من القائل فديت صوم هذا اليوم بطعام مسكين أفديه فدية فإذا كان ذلك كذلك فالصّواب في القراءة إضافة الفدية إلى الطّعام
وحجّة من قرأ {مساكين} قوله قبلها {يا أيها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} ثمّ قال {أيّامًا معدودات} قال إنّما عرف عباده حكم من أفطر الأيّام الّتي كتب عليه صومها بقوله {أيّامًا معدودات} فإذا كان ذلك كذلك فالواجب أن تكون القراءة في المساكين على الجمع لا على التّوحيد وتأويل الآية وعلى الّذين يطيقونه فدية أيّام يفطر فيها إطعام مساكين ثمّ تحذف أيّامًا وتقيم الطّعام مكانها قال الحسن فالمساكين عن الشّهر كله والأيّام). [حجة القراءات: 125]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (111- قوله: {فدية طعام مسكين} قرأ نافع وابن ذكوان «فدية طعام» بالإضافة، وقرأ الباقون بالتنوين في «فدية»، وبرفع «الطعام» وقرأ نافع وابن عامر «مساكين» بالجمع، وقرأ الباقون بالتوحيد منونًا مخفوضًا بالإضافة.
112- ووجه القراءة بالإضافة أنه سمى الطعام الذي يفدى به الصيام فدية، ثم أضافه إلى طعام، وهو بعضه، فهو من باب إضافة بعض إلى كل، مثل هذا: خاتم حديدٍ، وثوبُ خزٍّ، مع ما أن الإضافة أخف من غير أن ينقص المعنى.
113- ووجه القراءة بغير إضافة أنه سمى الشيء الذي يفدى به الصيام فدية، ثم أبدل الطعام منها، بدل الشيء من الشيء، وهو هو، فبين الله به من أي نوع هي، أبالطعام أو غيره، وهو الاختيار لأن المعنى عليه،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/282]
ولأن أكثر القراء عليه، ورفع «الفدية» في القراءتين بالابتداء، والخبر محذوف تقديره: فعليه فدية، ونحوه.
114- ووجه قراءة من جمع «مساكين» أنه رده على ما قبله لأن ما قبله جمعا في قوله: {وعلى الذين} فكل واحد من هذا يلزمه إذا أفطر طعام مسكين، فالذي يلزم جميعهم إذا أفطروا إطعام مساكين كثيرة، على كل واحد عن كل يوم أفطره مسكين، فالجميع أولى به لهذا المعنى، وبالجمع قرأ ابن عمر ومجاهد.
115- ووجه قراءة من وحد فقرأ «مسكين» أن الواحد النكرة يدل على الجمع، فاستغنى به عن لفظ الجمع، وأيضًا فإنه رده على الفدية، فوحد، كما وحدت الفدية، ومعناها فديات كثيرة تجتمع عن كل واحد، فلما وحدت الفدية وحد المسكين، وأيضًا فإنه بين بتوحيد مسكين ما يلزم عن كل يوم واحد أفطر، فيكون قد بيَّن به ما على من أفطر يومًا، وأيضًا فإن التوحيد يفيد الحكم الذي على كل من أفطر يومًا، وإذا قرأ بالجمع لم يقع فيه بيان، ما يلزم عن كل يوم أفطره الواحد، وإنما الجمع مُبهم، أخبر فيه أن على الجماعة إذا أفطروا، طعام مساكين، فلا يُدري ما على كل واحد أفطر يومًا، من لفظ الجمع، فالتوحيد فيه بيان ذلك، وبه قرأ ابن عباس، وهو الاختيار لأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/283]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (63- {فِدْيَةٌ طَعَامُ} [آية/ 184]:-
بإضافة {فِدْيَة} وخفض {طَعَام} بالإضافة، {مَسَاكِين} جمعًا، قرأها نافع وابن عامر.
[الموضح: 315]
وهذا من إضافة البعض إلى الكل، كخاتم حديد، وحلقة فضة، وذلك لأن الطعام يعم الفدية وغيرها، فلذلك أضاف الفدية إلى طعام المسكين.
وقرأ الباقون {فِدْيَةٌ} بالتنوين {طَعَامُ} بالرفع {مِسْكِينٍ} على الوحدة، وذلك أن طعامًا بدل من فدية أو عطف بيان، وإنما أفرد الطعام مع أن المعنى على الكثرة؛ لأن المعنى محمول على أن على كل واحدٍ منهم طعام مسكين، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} أي فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة.
وإنما جمع المساكين في القراءة الأولى؛ لأنه من باب إضافة الشيء إلى ما هو بعضه، فينبغي أن يكون ما أضيف إليه فيه كثرة، ليتحقق معنى البعضية في الأول، وإنما أفراد مسكينًا في القراءة الباقية؛ لأن المعنى أن على كل واحد منهم طعام مسكين واحد، فأفرد لهذا المعنى). [الموضح: 316]

قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (ولتكملوا العدّة... (185)
قرأ عاصم ويعقوب (ولتكمّلوا العدّة) مشددا، وروى ذلك عن أبي عمرو أيضًا، وروى عنه التخفيف، وقرأ الباقون بالتخفيف.
قال أبو منصور: العرب تقول: كمّلت الشيء وأكملته بمعنى واحد، مثل: وصّيت وأوصيت، ونجّيت وأنجيت). [معاني القراءات وعللها: 1/193]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الميم وتخفيفها من قوله جلّ وعزّ: ولتكملوا العدّة [البقرة/ 185].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر ولتكملوا العدّة مشدّدة.
وروى حفص عن عاصم ولتكملوا خفيفة. وروى علي بن نصر وهارون الأعور وعبيد بن عقيل عن أبي عمرو ولتكملوا العدّة مشدّدة.
وقال أبو زيد عن أبي عمرو كلاهما: مشددة ومخففة.
وقال اليزيدي وعبد الوارث عنه: إنه كان يثقّلها، ثم رجع إلى التخفيف. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي: ولتكملوا العدّة بإسكان الكاف خفيفة.
قال أبو علي: حجة من قرأ: ولتكملوا: قوله: اليوم أكملت لكم دينكم [المائدة/ 3] وقد قال أوس:
عن امرئ سوقة ممّن سمعت به... أندى وأكمل منه أيّ إكمال
ومن قال: ولتكملوا العدّة فلأن فعّل وأفعل كثيراً ما
[الحجة للقراء السبعة: 2/274]
يستعمل أحدهما موضع الآخر، فمن ذلك ما تقدم ذكره من:
وصّى وأوصى. وقال النابغة:
فكمّلت مائة فيها حمامتها... وأسرعت حسبة في ذلك العدد
قال أحمد: اتفقوا على تسكين لام الأمر إذا كان قبلها واو أو فاء في جميع القرآن.
واختلفوا إذا كان قبلها ثمّ.
فقرأ أبو عمرو: ثمّ ليقضوا تفثهم [الحج/ 29] ثمّ ليقطع [الحج/ 15] بكسر اللام مع ثم وحدها. وليوفوا [الحج/ 29] ساكنة اللام، فلينظر [الحج/ 15] بالإسكان.
واختلف عن نافع فروى أبو بكر بن أبي أويس وورش عنه: ثمّ ليقضوا ثمّ ليقطع بكسر اللامين مثل أبي عمرو.
وروى المسيبي وإسماعيل بن جعفر وقالون وابن جماز وإسماعيل بن أبي أويس مثل حمزة بإسكان اللامين.
وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي بإسكان اللامين في الحرفين جميعاً وقال القوّاس عن أصحابه عن ابن كثير:
ثمّ ليقضوا كسراً، وقال البزي: اللام مدرجة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/275]
وقرأ ابن عامر بتسكين لام الأمر فيما كان قبله واو أو فاء أو ثم في كل القرآن، إلا في خمسة مواضع كلها في الحج:
ثمّ ليقضوا [الآية/ 29] ثم ليقطع [الآية/ 15] فلينظر [الآية/ 15] وليوفوا نذورهم [الآية/ 29] وليطّوّفوا [الآية/ 29] بكسر اللام وسائر ذلك بالإسكان.
قال أبو علي: حجة من أسكن لام الأمر، إذا كان قبلها واو أو فاء: أنّ الواو والفاء، لمّا كان كلّ واحد منهما حرفاً مفرداً، ولم يجز أن تفصل من الكلمة التي دخلت عليها، فتفصل منها بالوقف عليها أشبهت الكلمة التي أحدهما فيه المتصل نحو: كتف وشكس. فكما أن هذا النحو من الأسماء والأفعال يخفّف في كلامهم بالتسكين، كذلك أسكنت اللام بعد هذين الحرفين.
وما يدل على أن الحرف إذا لم ينفصل ممّا دخل عليه تنزّل منزلة جزء من الكلمة قولهم: هؤلاء الضاربوه والضاربوك، فحذفوا النون التي تلحق للجميع، لما كانت النون حرفاً لا ينفصل من الكلمة، وعلامة الضمير كذلك، فلم يجتمعا.
وكذلك حرف اللين الذي للنّدبة، عاقب التنوين من حيث كان حرفاً لا ينفصل، كما كانت النون كذلك. وكما تنزّلت هذه الحروف منزلة ما هو من الكلمة من حيث لم تنفصل منها؛
[الحجة للقراء السبعة: 2/276]
تنزلت الواو والهاء، منزلتهما، فحسن تخفيف الحرف بعدها، كما خفّف نحو: كتف وسبع. وليس كذلك ثمّ، لأنها على أكثر من حرف فتفصل من الكلمة ويوقف عليها؛ فلم تجعلها بمنزلة الواو والفاء لمفارقتهما لهما فيما ذكرنا.
وأما وجه قول من أسكن اللام بعدها كما أسكن بعد الفاء والواو، فهو أنّه جعل الميم من ثمّ بمنزلة الواو والفاء من قوله: فليقضوا [الحج/ 29] فجعل فليقضوا من ثمّ ليقضوا بمنزلة (وليقضوا) وهذا مستقيم، وإن كان دون الأول في الحسن. ومما يدلّك على جوازه قول الراجز:
فبات منتصبا وما تكردسا وقالوا: أراك منتفخاً فجعل تفخاً من (منتفخا) بمنزلة كتف فأسكنه كما أسكن الكتف، ومثل دخول الواو والفاء على هذه اللام دخولهما على هو وهي: في نحو: وهو اللّه [القصص/ 70] ولهي الحيوان [العنكبوت/ 64] إلا أن الفصل بين اللام في نحو: فليقضوا، وبين: وهو أن اللام من ليقضوا ليس من الكلمة، ولكنّها جرت مجرى ما هو من الكلمة لمّا لم تنفصل منها، كما لم تنفصل الواو والفاء والهاء، من- هو، وهي- من نفس الكلمة، إلا أنّ اللام لما لم تنفصل من الكلمة تنزّلت
[الحجة للقراء السبعة: 2/277]
منزلة الهاء التي من الكلمة. ومن هذا الباب قول الشاعر:
عجبت لمولود وليس له أب... وذي ولد لم يلده أبوان
ومن ذلك ما أنشده أبو زيد:
قالت سليمى اشتر لنا سويقا فما بعد التاء من قوله: «اشتر لنا سويقا» بمنزلة كتف؛ فهذا حجة لمن قال: ثمّ ليقضوا فأسكن). [الحجة للقراء السبعة: 2/278]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({شهر رمضان الّذي أنزل فيه القرآن هدى للنّاس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله}
قرأ ابن كثير {القرآن} بغير همز وحجته ما روي عن الشّافعي عن إسماعيل قال الشّافعي قرأت على إسماعيل فكان يقول
[حجة القراءات: 125]
القران اسم وليس مهموزا ولم يؤخذ من قرأت ولو أخذ من قرأت لكان كل ما قرئ قرآنًا ولكنه اسم مثل التّوراة
وقرأ الباقون {القرآن} بالهمز مصدر قرأت الشّيء أي ألفته وجمعته قرآنًا قالوا فسمي بالمصدر وحجتهم قوله {إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه} أي جمعناه {فاتبع قرآنه} أي تأليفه
قرأ أبو بكر {ولتكملوا العدة} بالتّشديد من كمل يكمل وحجته قول النّاس تكملة الثّلاثين عن أبي بكر {ولتكملوا} بالتّشديد وقال شددتها لقوله {ولتكبروا الله}
وقرأ الباقون بالتّخفيف من أكمل يكمل وحجتهم قوله {اليوم أكملت لكم دينكم} وهما لغتان مثل كرمت وأكرمت قال الله {ولقد كرمنا بني آدم} وقال {أكرمي مثواه} ). [حجة القراءات: 126]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (116- قوله: {ولتكملوا} قرأه أبو بكر مشددًا مفتوح الكاف، وقرأ الباقون مخففًا، ساكن الكاف، وهما لغتان، يقال: أكملت العدد وكملته، ويقوي التخفيف إجماعهم على قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} «المائدة 3»، ويقوي التشديد أن فيه معنى التأكيد والتكرير، وبه قرأ الحسن وأبو عبد الرحمن وأبو رجاء وابن أبي إسحاق والجحدري وغيرهم، والتخفيف أولى لخفته، ولأنه إجماع من القراء، ولإجماعهم على «اليوم أكملت»، وهو الاختيار، وبه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/283]
قرأ ابن مسعود والأعرج وابن وثاب وطلحة بن مصرف وعيسى والأعمش وغيرهم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/284]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (64- {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ} [آية/ 185]:-
غير مهموز، قرأها ابن كثير وحده إذا كان اسمًا.
والوجه أن {القرآن} فعلان من قولهم: ما قرأت الناقة سلى قط، أي لم تجمعه في بطنها، قال:
13- ذراعي عيطل أدماء بكر = هجان اللون لم تقرأ جنينا
أي لم تجمعه في بطنها.
[الموضح: 316]
وإنما سمي قرآنًا لاجتماع الكلم فيه، فالأصل قرءان بالهمز لما ذكرنا، لكن [منهم] من يذهب إلى تخفيف الهمزة من قرءان، وتخفيفها ههنا: بأن تنقل [حركتها] إلى ما قبلها وتحذف الهمزة؛ لأنها متحركة وما قبلها ساكن، فيبقى بعد حذف الهمزة قران بغير همز، كما تقول الخب والمر وأشباههما، فهذا مذهب ابن كثير في {قُرْءان}.
وأما تخفيفه همزتها إذا كان اسمًا دون أن يكون مصدرًا؛ فلأن المصدر يعزي على فعله فيصح بصحته ويعتل باعتلاله، والعرب لا تحذف الهمزة من الفعل، فكذلك ينبغي أن لا يحذف من المصدر، ويكون القران مصدرًا هو في قوله تعالى {وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} أي قراءة الفجر.
وقرأ الباقون {القُرءان} أنه هو الأصل؛ لأن الأصل في الهمز التحقيق.
وأما ترك حمزة الهمزة في حال الوقف؛ فلأن الوقف موضع حذفٍ وتغييرٍ، وذد ذكرنا نحو ذلك). [الموضح: 317]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (65- {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [آية/ 185]:-
مفتوحة الكاف، مشددة الميم، قرأها عاصم ياش- ويعقوب، والباقون {وَلِتُكْمِلُوا} ساكنة الكاف، مخففة الميم، وهما لغتان: كمل وأكمل، كما قلنا في وصى وأوصى، وفعل وأفعل كثيرًا ما يستعمل أحدهما موضع الآخر). [الموضح: 318]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #54  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:12 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (186) إلى الآية (188) ]



{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}

قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون (186).
اتفق القراء على ضم الشين من (يرشدون)، وهو من رشد يرشد، وفيه لغة أخرى لم يقرأ بها، وهي: رشد يرشد.
وحرك الياء من قوله: (بي) ورش عن نافع.
وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/194]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أجيب دعوة الداع إذا دعان}
قرأ إسماعيل وورش عن نافع وأبو عمرو (دعوة الدّاعي إذا دعاني) بالياء في الوصل والحلواني دخل معهم في الثّاني وإذا وقفوا وقفوا بغير ياء وحجتهم أن الأصل في ذلك إثبات الياء لأن
[حجة القراءات: 126]
الياء لام الفعل وإذا وقفت حذفت الياء اتباعا للمصحف وهذا حسن لأنهم اتبعوا الأصل في الوصل وفي الوقف المصحف
وقرأ الباقون بغير ياء في الوصل وحجتهم أن ذلك في المصحف بغير ياء فلا ينبغي أن يخالف رسم المصحف وحجّة أخرى وهي أنهم اكتفوا بالكسرة عن الياء لأن الكسرة تنوب عن الياء). [حجة القراءات: 127]

قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)}

قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #55  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:14 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة البقرة
[من الآية (189) إلى الآية (194) ]

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}


قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأتوا البيوت من أبوابها... (189).
قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: (البيوت) بكسر الباء في كل القرآن، وكذلك كسر العين من العيون، والجيم من الجيوب، والشين من الشيوخ والغين من الغيوب، وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم نحو ذلك، وقال يحيى عن أبي بكر عن عاصم: إنه ضم الجيم من
[معاني القراءات وعللها: 1/194]
الجيوب، وكسر ما سوى ذلك من هذه الحروف، وكسر نافع في رواية قالون الباء من البيوت، وضم سائر الحروف.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب كلها بالضم..
قال أبو منصور: من ضم أول هذه الحروف فلأنها مبنية على (فعول) بضم الفاء ومن كسر اعتل بالياء، فأتبع الكسرة الكسرة، كما قالوا: أبيض وبيض، وقالوا في جمع أعين: عين، والأصل: بيضٌ، وعينٌ.
كما قالوا: أصفر وصفر، وأحمر وحمر.
وروى سليم عن حمزة أنه كان يشم الجيم من: (جيوبهن) الضم ثم يشمه كسرة خفيفة، ويرفع الياء.
وروى غيره عن حمزة الكسرة في جميعها). [معاني القراءات وعللها: 1/195]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في: البيوت والعيون والشّيوخ والغيوب والجيوب: في ضمّ الحرف الأول من هذه كلّها وكسره.
فقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائيّ الغيوب بضم الغين وكسر الباء من البيوت والعين من العيون.
[الحجة للقراء السبعة: 2/280]
وقرأ أبو عمرو بضم ذلك كلّه: الباء والعين والغين والجيم والشين.
واختلف عن نافع فروى المسيّبيّ وقالون: البيوت بكسر الباء، وهذه وحدها، وضمّ الغين والعين والجيم والشين.
وقال ورش عن نافع: أنه ضمّ ذلك كلّه، والباء من البيوت، وكذلك قال إسماعيل بن جعفر وابن جمّاز عنه: أنه ضمّها كلّها.
قال أبو بكر بن أبي أويس: البيوت، والغيوب، والعيون، والجيوب، وجيوبهنّ، والشيوخ بكسر أول، ذلك كلّه.
قال الواقديّ عن نافع: البيوت بضم الباء.
واختلف عن عاصم أيضاً، فروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عنه: أنه كسر الباء من البيوت، والعين من العيون، والغين من الغيوب، والشين من شيوخاً، وضمّ الجيم من (الجيوب) وحدها.
قال: يبدأ بالكسر ثم يشمّها الضمّ.
وروى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه كان يكسر الشين من شيوخاً وحدها، ويضمّ الباقي وهذا غلط. وقال عمرو بن
[الحجة للقراء السبعة: 2/281]
الصبّاح عن أبي عمر عن عاصم شيوخاً بضم الشين، وضم سائر الحروف.
وكان حمزة يكسر الأول من هذه الحروف كلّها. وقال خلف وأبو هشام عن سليم عن حمزة: أنه كان يشمّ الجيم الضمّ، ثم يشير إلى الكسر، ويرفع الياء من قوله جيوبهنّ وهذا شيء لا يضبط.
وقال غير سليم بكسر الجيم.
قال أبو علي: أما من ضمّ الفاء من شيوخ، وعيون، وجيوب فبيّن لا نظر فيه بمنزلة فعول إذا كان جمعاً، ولم تكن عينه ياء، وأما من قال: (شيوخ وجيوب) فكسر الفاء، فإنما فعل ذلك من أجل الياء، أبدل من الضمّة الكسرة لأن الكسرة للياء أشدّ موافقة من الضمة لها.
فإن قلت: هلّا استقبح ذلك، لأنه أتى بضمّة بعد كسرة، وذلك مما قدمت أنهم قد رفضوه في كلامهم، فهلّا رفض أيضاً القارئ للجيوب ذلك؟
قيل: إن الحركة إذا كانت للتقريب من الحرف لم تكره، ولم تكن بمنزلة ما لا تقريب فيه- ألا ترى أنه لم يجيء في الكلام عند سيبويه على فعل إلا إبل. وقد أكثروا من هذا البناء، واستعملوه على اطّراد، إذا كان القصد فيه تقريب الحركة من الحرف، وذلك قولهم: ماضغ لهم، ورجل محك
[الحجة للقراء السبعة: 2/282]
وجئز. وقالوا في الفعل: شهد ولعب.
واستعملوا في إرادة التقريب ما ليس في كلامهم على بنائه البتّة، وذلك نحو: شعير ورغيف وشهيد، وليس في الكلام شيء على فعيل على غير هذا الوجه، فكذلك نحو: شيوخ وجيوب. يستجاز فيه ما ذكرنا للتقريب والتوفيق بين الجمعين. ومما يدل على جواز ذلك أنك تقول في تحقير فلس: فليس، ولا يكسر أحد الفاء في هذا النحو، فإذا كانت العين ياء، كسروا الفاء [فقالوا: عيينة وبييت، فكسروا الفاء هاهنا] لتقريبه من الياء، ككسر الفاء من فعول وذلك مما قد حكاه سيبويه، فكما كسرت الفاء من عيينة ونحوه، وإن لم يكن في أبنية التحقير، على هذا الوزن لتقريب الحركة ممّا بعدها، كذلك كسروا الفاء من (جيوب) ونحوها.
ومما يقوي هذا الكسر في الفاء إذا كان العين ياء للإتباع، أنّه قد جاء في الجموع ما لزمته الكسرة في الفاء، ولم نعلم أحداً ممّن يسكن إلى روايته حكى فيه غير ذلك، وذلك قولهم في جمع قوس: قسيّ؛ فلولا أن الكسر في هذا الباب قد تمكّن ما كان الحرف ليجيء على الكسر خاصة، ولا يستعمل فيه غيره، فإذا نسبت إلى قسي- اسم رجل- قلت: قسويّ، فرددت الضمّة التي هي الأصل، وقياس من
[الحجة للقراء السبعة: 2/283]
قال: صعقيّ أن يقول: قسويّ، فيقرّ الكسرة، وإن كانت الكسرة في العين التي لها كسرت الفاء قد زالت كما زالت من صعقيّ. ويدلك على ذلك أيضاً ما أنشده أبو زيد:
يأكل أزمان الهزال والسني وقول أبي النجم:
جاءت تناجيني ابنة العجليّ في ساعة مكروهة النّجيّ يكفيك ما موّت في السّنيّ فالأول فعول أيضاً، وإنما حذفت للقافية، ويدلك على أنه فعول التشديد الذي في بيت أبي النجم، ولم نعلم الضمّ سمع في ذلك أيضاً). [الحجة للقراء السبعة: 2/284]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها}
قرأ نافع في رواية إسماعيل وورش وابو عمرو وحفص {وأتوا البيوت} بضم الباء على أصل الجمع تقول بيت وبيوت مثل قلب وقلوب وفلس وفلوس وقرأ الباقون {البيوت} بكسر الباء وحجتهم في ذلك أنهم استثقلوا الضمة في الباء وبعدها ياء مضمومة فيجتمع في الكلمة ضمتان بعدها واو ساكنة فتصير بمنزلة ثلاثة ضمات وهذا من أثقل الكلام فكسروا الباء لثقل الضمات ولقرب الكسر من الياء وكذلك الكلام في {الغيوب} و{جيوبهنّ} و{شيوخًا} ). [حجة القراءات: 127]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (117- قوله: «البيوت، والغيوب، والجيوب، الشيوخ، والعيون» قرأ ذلك ورش وحفص وأبو عمرو بالضم في أوائلها، وقرأ قالون وهشام بكسر الباء من «البيوت»، وضم باقيها، وقرأ حمزة بالكسر في أوائلها كلها، ومثله أبو بكر غير أنه ضم الجيم من «الجيوب» وحدها، وقرأ ابن كثير وابن ذكوان والكسائي بضم الغين من «الغيوب» وكسر باقيها.
118- ووجه القراءة فيهن بالضم أنه أتى بهن على الأصل، ولم يسأل عن الياء وضمها، وباب «فعل» في الجمع الكثير «فعول»، ولما كان هذا النوع لا يجوز فيه إلا الضم إذا لم يكن الثاني ياء نحو: «كعوب، ودهور» أجرى ما ثانيه ياء على ذلك؛ لأنه أصله، ولئلا يختلف.
119- ووجه القراءة بالكسر أن الكسرة مع الياء أخف من الضمة معها، فاستثقل ضمة بعدها ياء مضمومة، والضمة مع ياء ثقيلة، فاجتمع حركتان ثقيلتان، وحرف ثقيل عليه حركة ثقيلة في جمع، والجمع ثقيل، فكسر الأول لخفته مع الياء، ولتقرب الحركة من الحرف الذي بعدها، فقد قالوا: شهد، ولعب، فكسروا الأول لكسر الثاني، وهو من حروف الحلق للتقريب، وقالوه أيضًا في الاسم فقالوا: سعيد ورغيف وشهيد، فكسروا الأول للثاني، إذ هو حرف حلق للتقريب من حركته، كذلك كسروا أوائل هذه الجموع للتقريب من الثاني، وقوي ذلك فيه، وليس بحرف حلق، لأنه جمع، ولأنه حرف ثقيل عليه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/284]
حركة ثقيلة، والكسر للإتباع كثير في الكلام، قالوا: قسي، وعصي، وعتي، وصلي، وبكي، وهو كثير، فأما من ضم بعضًا وكسر بعضًا فإنه جمع بين لغتين، مع روايته ذلك عن أئمته، والضم هو الاختيار؛ لأنه الأصل، ولأن الكسر تغيير عن الأصل، والضم هو اختيار أبي حاتم، قال أبو حاتم: لا يجوز غير الضم ولا يُكسر الأول للياء؛ لأن الياء متحركة مضمومة، وليس في الكلام «فعيل» فكيف تروم ما لا يكون في الكلام، قال أبو محمد: الكسر لغة مشهورة في هذا الجمع، والكسرة عارضة، فلا يُعتد بوزنه، والضم هو الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/285]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (66- {البِيُوتَ} [آية/ 189] و{الغِيُوب} و{الشِيُوخ} و{العِيُون} و{الجِيُوب}:-
قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي بالكسر في كلهن إلا في {الغُيُوب} فإنهم ضم الغين فيه وحده، وقرأ أبو عمرو وش- و- يل- عن نافع و- ص- عن عاصم ويعقوب بالضم في الجميع، وقرأ ن- عن نافع بالكسر في {البِيُوت} وضم الباقي، وروى ياش- عن عاصم بالضم في {الجُيُوب} والكسر في الباقي، وقرأ حمزة بالكسر في الجميع.
أما من ضم، فإنه أجرى الكلمة على الأصل؛ لأن هذه الكلم صيغ جمع على فعول، فالأصل فيها أن ينضم الفاء.
وأما من كسر فإنه لما جاورت فاء الفعل الياء، كره الياء بعد الضمة كما
[الموضح: 318]
يكره الكسرة بعد الضمة؛ لأن الياء أخت الكسرة، فأبدل من الضمة كسرة ليكون أشد موافقةً للياء من الضمة، ألا ترى أنهم أبدلوا الضمة كسرةً في بيض وعين، لمكان الياء). [الموضح: 319]

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)}

قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام... (191).
قرأ حمزة والكسائي: (لا تقتلوهم... حتى يقتلوكم... فإن قتلوكم) بغير ألف.
وقرأ الباقون فيهن بالألف.
قال أبو منصور: من قرأ: (لا تقتلوهم) فالمعنى: لا تبدأوهم بقتل حتى يبدأوكم به، وجاز ولا تقتلوهم وإن وقع القتل ببعضٍ دون بعض، لأن العرب
[معاني القراءات وعللها: 1/195]
تقول: قتلنا القوم، وإنما قتلوا بعضهم،ومن قرأ: (ولا تقاتلوهم) فإنهم نهوا عن قصدهم بالقتال حتى يكون الابتداء منهم، والقتال من اثنين، والقتل من الواحد.
وأجازت العرب قاتله الله بمعنى: لعنه الله.
وقيل في قوله: (قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون)، أي: قتلهم الله). [معاني القراءات وعللها: 1/196]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في إثبات الألف وطرحها من قوله عزّ وجلّ: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم [البقرة/ 191].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم كلّها بالألف.
[الحجة للقراء السبعة: 2/284]
وقرأ حمزة والكسائيّ: ولا تقتلوهم بغير ألف، فيهنّ كلّهنّ، ولم يختلفوا في قوله: فاقتلوهم أنها بغير ألف.
قال أبو علي: حجة من قرأ: ولا تقاتلوهم في هذه المواضع اتفاقهم في قوله تعالى: وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ [البقرة/ 193] والفتنة يراد بها الكفر، أي: قاتلوهم حتى لا يكون كفر لمكان قتالكم إياهم.
وحجة من قرأ: ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فيه أنهم لم يختلفوا في قوله: فاقتلوهم فكل واحد من الفريقين يستدل على ما اختار بالموضع المتفق عليه.
ويقوي قول من قال: فاقتلوهم، قوله تعالى:
والفتنة أشدّ من القتل [البقرة/ 191] والقتل: مصدر قتلته، دون قاتلته أي: الكفر أشدّ من القتل، فاقتلوهم، فأمر بالقتل ليزاح به الكفر.
ويمكن أن يرجّح [قراءة من قرأ: ولا تقاتلوهم من أنه على قراءة من قرأ: فاقتلوهم بأنّ قوله فاقتلوهم وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ نص على الأمر بالقتال.
وقوله: والفتنة أشدّ من القتل في فحواه دلالة على الفعل، فيقول: الأخذ بما علم بالنص أولى ممّا علم من
[الحجة للقراء السبعة: 2/285]
الفحوى، إذا كانا في أمر واحد. وقوله حتّى يقاتلوكم فيه [البقرة/ 191]. أي: حتى يقتلوا بعضكم؛ فإن قتلوكم فاقتلوهم، أي: إن قتلوا بعضكم في الحرم فاقتلوا في الحرم القاتل في الحرم.
ومثل ذلك قوله تعالى: فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه [آل عمران/ 176] أي: ما وهن الباقون منهم لما أصابهم في سبيل الله). [الحجة للقراء السبعة: 2/286]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم}
قرأ حمزة والكسائيّ (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قتلوكم) بغير ألف
[حجة القراءات: 127]
وقرأ الباقون {ولا تقاتلوهم} بالألف أي لا تحاربوهم حتّى يحاربوكم فإن حاربوكم فاقتلوهم وحجتهم قوله {وقاتلوا في سبيل الله الّذين يقاتلونكم} {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة} وحجّة أخرى وهي أن القتال إنّما يؤمر به الأحياء فأما المقتولون فإنّهم لا يقاتلون فيؤمروا به وإذا قرئ {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} كان ظاهره أمرا للمقتول بقتل القاتلين وذلك محال إذا حمل على ظاهره وحجّة من قرأ بغير ألف أن وصف المؤمنين بالقتل في سبيل الله أبلغ في المدح والثناء عليهم وأن معنى ذلك ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقتلوا بعضكم فإن قتلوا بعضكم فاقتلوهم وحكى الفراء عن العرب أنهم يقولون قتلنا بني فلان وإنّما قتلوا بعضهم وحجّة أخرى جاء في التّفسير أن المعنى فيه ولا تبدؤوهم بالقتل حتّى يبدؤوكم به فإن بدؤوكم بالقتل فاقتلوهم). [حجة القراءات: 128]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (120- قوله: {ولا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم فإن قاتلوكم} قرأه حمزة والكسائي الثلاثة بغير ألف، وقرأ ذلك الباقون بألف.
121- ووجه القراءة بالألف أنه جعل من القتال؛ لإجماعهم على قوله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} «البقرة 193» فهذا نص على الأمل بالقتل، وبالألف قرأ الحسن وأبو عبد الرحمن وشيبة وحميد وغيرهم.
122- ووجه القراءة بغير ألف أنه جعله من القتل؛ لإجماعهم على قوله عقيب ذلك: {فاقتلوهم} وقوله: {والفتنة أشد من القتل}، والقراءتان متداخلتان حسنتان، لأن من قاتل قتل، ومن قتل فبعد قتال قتل، ومعنى {حتى يقاتلوكم فإن قاتلوكم} أي: يقتلون بعضكم فإن قتلوا بعضكم، والاختيار القراءة بالألف؛ لأن عليه الجماعة، وعليه قراءة العامة، وهو اختيار أبي حاتم وغيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/285]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (67- {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ} [آية/ 191]:-
بغير ألف فيهن قرأها حمزة والكسائي.
وذلك لأنه لا خلاف بينهم في قوله تعالى {فاقْتُلُوهم}، فاستدلا على المختلف فيه بالمتفق عليه، فلما كان في هذا {فاقْتُلُوهُمْ} اختارا أيضًا في الأول {وَلا تَقْتُلُوهُمْ} و{حَتَّى يَقْتُلُوكُمْ}.
وقرأ الباقون {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ} {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ} {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ}.
لأنه تعالى يقول فيما بعد {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي حتى لا يكون كفر لأجل قتالكم إياهم، فهذا يؤيد قراءة {قَاتِلُوهُمْ} بالألف، وفيه أيضًا الاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه). [الموضح: 319]

قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)}

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}

قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #56  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:15 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (195) إلى الآية (196) ]

{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}

قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}

قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #57  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:17 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (197) إلى الآية (199) ]

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}

قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ... (197).
قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو ويعقوب: (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ) رفعًا بالتنوين.
وقرأ الباقون نصبا غير منون، على التبرئة، واتفقوا كلهم على نصب اللام من قوله: (ولا جدال في الحجّ).
قال أبو منصور: من قرأ (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ) فرفعهما بقوله في الحج، وإنما يحسن الرفع إذا نسق عليه، وإن لم ينسق عليه بـ (لا) فالاختيار النصب بلا تنوين، كقوله جلّ وعزّ: (لا ريب فيه) على التبرئة، ومعنى (ولا جدال في الحجّ)، أي: لا شك أن الحج في ذي الحجة.
[معاني القراءات وعللها: 1/196]
وقرأ الباقون: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال) بالنصب في جميعها على التبرئة، ولو قرئ: (ولا جدالٌ) بالرفع والتنوين كان ذلك جائزا في كلام العرب، فأما في القرآن فلا يجوز؛ لأن القراءة سنة، ولم يقرأ بها أحد من القراء). [معاني القراءات وعللها: 1/197]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد: اتفقوا في فتح الحاء من قوله عزّ وجل: الحجّ في سورة البقرة واختلفوا في آل عمران، وأنا أذكره إذا مررت به.
قال أبو علي: يريد في قوله تعالى: الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ [الآية/ 197]. والحجّ مصدر لقولهم: حجّ البيت أي: قصده، ومثل الحجّ قولهم: شدّ شداً، وردّ ردّاً، وعدّ عدّاً.
قال سيبويه: قالوا: حجّ حجّا- كقولهم: ذكر ذكراً.
قال: وقالوا: حجّة- يريدون: عمل سنة، كما قالوا:
غزاة: يريدون عمل وجه واحد. فلو قرئ: الحجّ على ما حكاه سيبويه لم يمتنع في القياس.
[الحجة للقراء السبعة: 2/278]
وقولهم:- حجّ- وهم يريدون جمع الحاجّ، يمكن أن يكونوا سمّوا بالمصدر الذي هو كالذّكر تقديره: ذوو حجّ وأنشد أبو زيد:
أصوات حجّ من عمان غادي وقال:
وكأنّ عافية النّسور عليهم... حجّ بأسفل ذي المجاز نزول
ومعنى قوله تعالى: الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ تقديره:
أشهر الحج أشهر معلومات، فحذف المضاف أو يكون:
الحجّ حجّ أشهر معلومات، فحذف المصدر المضاف إلى الأشهر، وعلى هذا:
يا سارق الليلة أهل الدار أو يكون جعل الأشهر الحجّ، لمّا كان الحجّ فيها، كقولهم: ليل نائم؛ فجعل الليل النائم لمّا كان النوم فيه.
[الحجة للقراء السبعة: 2/279]
وأشهر الحج: شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة، فسمّى الشهرين وبعض الثالث أشهراً، لأن الاثنين قد يوقع عليه لفظ الجمع، كما يوقع عليه لفظ الجمع في نحو قولهم:
ظهراهما مثل ظهور التّرسين ولا يجوز على هذا القياس أن يوقع على الاثنين.
وبعض الثالث قروءٍ في قوله: ثلاثة قروءٍ [البقرة/ 228] لأنّ هذا محصور بالعدد، فلا يكون الاثنان وبعض الثالث ثلاثة). [الحجة للقراء السبعة: 2/280]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضم الثّاء والقاف والتنوين ونصبهما بغير تنوين في قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق [البقرة/ 197].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فلا رفث ولا فسوق بالضم فيهما والتنوين.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: فلا رفث ولا فسوق فيهما بغير تنوين، ولم يختلفوا في نصب اللام من جدال.
قال أبو علي: روي عن طاوس قال: سألت ابن عباس عن قوله: فلا رفث ولا فسوق قال: الرفث المذكور ليس الرفث المذكور في قوله: أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم [البقرة/ 187]، ومن الرفث التعريض بذكر
[الحجة للقراء السبعة: 2/286]
الجماع، وهي الإعرابة في كلام العرب.
وروي عنه وعن ابن مسعود وابن عمر والحسن وغيرهم:
الرّفث: الجماع.
وأما الفسوق فعن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وإبراهيم وعطاء: الفسوق: المعاصي، قال: في المعاصي كلّها.
وإن تفعلوا فإنّه فسوقٌ بكم [البقرة/ 282].
ابن زيد: هو الذبح، وقرأ: أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به [الأنعام/ 145]. قال الضحاك: الفسوق: التنابز بالألقاب.
قال أبو علي: كأنه ذهب إلى قوله: بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان [الحجرات/ 11].
وقال أبو عبيدة فيما روى عنه التّوّزيّ: فلا رفث أي:
لا لغا من الكلام، واللّغا: التكلّم بما لا ينبغي، قال العجّاج:
عن اللّغا ورفث التكلّم تقول: لغيت تلغى، مثل: لقيت، تلقي، وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/287]
ولا جدال في الحجّ [البقرة/ 197] أي: لا شكّ فيه أنه لازم في ذي الحجّة، وقالوا: من المجادلة.
وقال أبو عبيدة: الرّفث إلى نسائكم: الإفضاء إلى نسائكم.
قال أبو علي: قد وافق قول أبي عبيدة ما روي عن ابن عباس، لأن ابن عباس جعل الرّفث المذكور، فيما روى عطاء عنه في قوله: فلا رفث ولا فسوق [البقرة/ 197] أنه غير الرّفث المذكور في قوله: أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم فقال في قوله: فلا رفث ولا فسوق من الرّفث:
التعريض بذكر الجماع.
وينبغي أن يكون مراده بذكر الجماع مع النساء، ويؤكد ذلك قوله: التعريض بذكر النساء، والتعريض يقتضي معرّضاً له. وإنما تأوّلناه على مراجعة النساء الحديث بذكر
الجماع، دون اللفظ به من غير مراجعتهنّ، لأنه قد روي عن ابن عباس أنه كان يطوف بالبيت وينشد:
وهنّ يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا فقيل له: أترفث؟ فقال: ليس هذا برفث، إنما الرفث مراجعة النساء الحديث بذكر الجماع. قال يعقوب فيما أخبرنا
[الحجة للقراء السبعة: 2/288]
به محمد بن السري قال يزيد بن هارون: لميساً يعني: فرجاً، وليس بامرأة بعينها. وقد وافق قول أبي عبيدة قول ابن عباس، لأنه فسّر الرفث في قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق: ما لا ينبغي أن يتكلم به، وفسر الرفث في قوله جل وعز: الرّفث إلى نسائكم [البقرة/ 187]: الإفضاء إلى نسائكم. قال أبو الحسن: وألحق إلى في قوله عز وجل: الرّفث إلى نسائكم لما كان الرفث بمعنى الإفضاء.
وأما قوله: ولا جدال في الحجّ [البقرة/ 197] فيحتمل ضربين قد أشار إليهما أبو عبيدة، أحدهما: أنه لا شك في أن فرض الحج قد تقرر في ذي الحجة، وبطل ما كان يفعله النّسأة من تأخير الشهور، وفيهم نزل: إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر [التوبة/ 37] والآخر: لا جدال: لا تجادل صاحبك ولا تماره.
فأما قوله جلّ اسمه: في الحجّ فلا يخلو (لا) من أن تقدّره بمعنى ليس، كما قال:
لا مستصرخ و: لا براح أو تقدرها غير معملة عمل ليس، وإنما يرتفع الاسم بعدها بالابتداء، فمن قدر ارتفاع الاسم بعدها بالابتداء جاز في قول سيبويه: أن يكون في الحج خبراً عن الأسماء الثلاثة، لاتفاق الأسماء في ارتفاعها بالابتداء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/289]
وأما قوله: فلا رفث ولا فسوق فبيّن.
وأما قوله: ولا جدال [البقرة/ 197] فإن لا مع جدال في موضع رفع، فقد اتفقت الأسماء في ارتفاعها بالابتداء، فلا يمنع من أن يكون قوله: في الحجّ خبرا عنها، ولا يجوز ذلك في قول أبي الحسن، لأنه يرى ارتفاع الخبر بعد لا، بلا النافية دون خبر الابتداء. ولو قدر مقدر في قوله: فلا رفث ولا فسوق، الاسم مرتفعاً بلا، كما يرتفع بليس؛ لم يجز في واحد من القولين أن يكون في الحجّ في موضع الخبر، لأن الخبر ينتصب بلا كما ينتصب بليس، وخبر لا جدال في موضع رفع بأنه خبر الابتداء، وفي قول أبي الحسن في موضع نصب بلا، فلا يجوز أن يكون خبراً عن الأسماء الثلاثة لوجود عمل عاملين مختلفين في مفعول واحد.
ولو رفع رافع: ولا جدال، ونوّن؛ لجاز أن يكون قوله: في الحجّ خبراً عن الأسماء الثلاثة. فإن رفع: فلا رفث ولا فسوق، بلا التي في معنى ليس، أضمر لها خبراً، ولم يجز أن يكون قوله: في الحجّ خبراً عنها، ولكنه يجوز أن يكون خبراً عن:
لا جدال ويجوز أن يكون صفة للجدال، فإذا جعلته صفة أضمرت لقولك: لا جدال في الحجّ خبراً، ولا يجوز أن يكون في الحجّ متعلقاً بالجدال على قول الخليل، وسيبويه.
ويجوز في قول البغداديين أن يكون متعلقاً بالجدال، وإن كانت لا النافية قد علمت فيه. ولو رفع الجدال ونوّن لجاز أن يكون في الحجّ متعلقاً بالجدال، لأن الجدال يبدل بهذا الحرف
[الحجة للقراء السبعة: 2/290]
الجار، قال تعالى: أتجادلونني في أسماءٍ سمّيتموها [الأعراف/ 71].
وحجة من فتح فقال: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال أن يقول: إنه أشد مطابقة للمعنى المقصود، ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرفث والفسوق، كما أنه إذا قال: لا ريب فيه [البقرة/ 2] فقد نفى جميع هذا الجنس، فإذا رفع ونوّن فكأن النفي لواحد منه، ألا ترى أن سيبويه يرى: أنه إذا قال:
لا غلام عندك ولا جارية، فهو جواب من سأل فقال: أغلام عندك أم جارية؟ والفتح أولى، لأن النفي قد عم، والمعنى عليه، ألا ترى أنه لم يرخّص في ضرب من الرفث والفسوق كما لم يرخّص في ضرب من الجدال، وقد اتفق الجميع على فتح اللام من الجدال، ليتناول النفي جميع جنسه، فيجب أن يكون ما قبله من الاسمين على لفظه إذ كان في حكمه.
وحجة من رفع: أنه يعلم من الفحوى أنه ليس المنفيّ رفثا واحداً، ولكنه جميع ضروبه، وقد يكون اللفظ واحداً، والمعنى المراد به جميع، قال:
فقتلًا بتقتيل وضرباً بضربكم... جزاء العطاس لا ينام من اتّأر
[الحجة للقراء السبعة: 2/291]
ومن حجته: أن هذا الكلام نفي، والنفي قد يقع فيه الواحد موقع الجميع، وإن لم يبن فيه الاسم مع لا النافية نحو: ما رجل في الدار). [الحجة للقراء السبعة: 2/292]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {فلا رفث ولا فسوق} رفع منون {ولا جدال} نصبا قال أبو عبيد وإنّما افترقت الحروف عندهم لأنهم جعلوا قوله {فلا رفث ولا فسوق} بمعنى النّهي أي لا يكون
[حجة القراءات: 128]
فيه ذاك وتأولوا في قوله {ولا جدال} أنه لا شكّ في الحج ولا اختلاف فيه أنه في ذي الحجّة
وقرأ الباقون جميع ذلك بالنّصب وحجتهم قول ابن عبّاس {ولا جدال في الحج} قال لا تمار صاحبك حتّى تغضبه فلم يذهب بها ابن عبّاس ذلك المذهب ولكنه جعله نهيا كالحرفين الأوّلين وأن حرف النّهي دخل في الثّلاثة وحجّة من فتح أن يقول إنّه أبلغ للمعنى المقصود ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرّفث والفسوق كما أنه إذا قال لا ريب فيه فقد نفى جميع هذا الجنس وإذا رفع ونون فكأن النّفي لواحد منه فالفتح أولى لأن النّفي به أعم والمعنى عليه لأنّه لم يرخص في ضرب من الرّفث والفسوق كما لم يرخص في ضرب من الجدال فالفتح جواب قائل هل من رفث هل من فسوق ف من يدخله للعموم ولا أيضا تدخل لنفي العموم وإذا قلت هل من رجل في الدّار فجوابه لا رجل في الدّار
وحجّة من رفع أنه يعلم من الفحوى أنه ليس النّفي وقتا واحدًا ولكنه بجميع ضروبه وقد يكون اللّفظ واحدًا والمراد جميعًا). [حجة القراءات: 129]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (133- قوله: {فلا رفث ولا فسوق} قرأهما ابن كثير وأبو عمرو بالتنوين والرفع، وقرأ الباقون بالفتح من غير تنوين.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/285]
124- ووجه القراءة بالرفع والتنوين أن «لا» بمعنى «ليس» فارتفع الاسم بعدها؛ لأنه اسمها، والخبر محذوف، تقديره: فليس رفث ولا فسوق في الحج، ودل عليه {في الحج} الثاني الظاهر، وهو خبر، {ولا جدال} ويجوز أن ترفع {رفث وفسوق} بالابتداء، و«لا» للنفي، فالخبر محذوف أيضًا، ولا يحسن أن يكون {في الحج} الظاهر خبرًا عن الأسماء الثلاثة، لأن خبر «ليس» منصوب، وخبر «جدال» مرفوع؛ لأن {ولا جدال} اسم واحد في موضع رفع بالابتداء، ولا يعمل عاملان في اسم واحد، ولو رفع {ولا جدال} ونون مثل ما قبله لكان {في الحج} الظاهر خبرًا عن الثلاثة الأسماء؛ لأن الأسماء الثلاثة، كل واحد مع «لا» في موضع رفع بالابتداء والعطف، ومنعه الأخفش لأنه يرى ارتفاع الخبر بعد «لا» الثانية، وبالرفع قرأ مجاهد وابن محيصن.
125- ووجه القراءة بالفتح، من غير تنوين، أنه أتى بـ «لا» للنفي، لتدل على النفي العام، فنفى جميع الرفث وجميع الفسوق كما تقول: لا رجل في الدار، فتنفي جميع الرجال، ولا يكون ذلك إذا رفع ما بعد «لا» لأنها تصير «لا» بمعنى «ليس»، ولا تنفي إلا الواحد، والمقصود في الآية نفي جميع الرفث والفسوق، فكان الفتح أولى به لتضمنه لعموم الرفث كله، والفسوق كله، لأنه لم يرخص في ضرب من الرفث ولا في ضرب من الفسوق، كما لم يرخص في ضرب من الجدال، ولا يدل على هذا المعنى إلا الفتح، لأنه للنفي العام، وإجماع القراء على فتح «ولا جدال» يقوي فتح ما قبله، ليكون الكلام على نظام واحد، في عموم المنفي كله، في الأسماء الثلاثة في موضع رفع، كل واحد مع «لا» وقوله «في الحج» خبر عن جميعها، والفتح وجه القراءة لعمومه، ولإجماع أكثر القراء عليه، ولاتفاق أول الكلام مع آخره، وبه قرأ الأعرج وشيبة والأعمش وأبو رجاء والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/286]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (68- {فَلاَ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ} [آية/ 197]:-
بالرفع والتنوين فيهما، قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
ووجه ذلك أنهما مرفوعان بالابتداء، وقوله {فِي الحَجِّ} خبر عنهما، وقوله {وَلا جِدَالَ} وإن كان مفتوحًا، فإن {لا} مع {جدال} في موضع رفع أيضًا بالابتداء، فقد وافقهما في كونه مرتفعًا بالابتداء، فجاز أن يكون {فِي الحَجِّ} خبرًا عن الكل.
وقرأ الباقون {فلا رَفَثَ وَلا فُسُوق} بالفتح بغير تنوين.
ووجهه أن ذلك نفي جميع الرفث والفسوق؛ لأن النفي عام، فهو ينفي الجنس، وهذا أولى، لعموم النفي لأنواع الرفث والفسوق.
وأما {جدال} فإنه مفتوح بلا تنوين على الاتفاق، وذكر بعض أهل المعاني أنه إنما لم يأت فيه إلا الفتح؛ لأن معناه: لا شك في الحج ولا اختلاف أنه في ذي الحجة، فهو إخبار، ولا يقع خلاف ذلك، فالنفي عام لا محالة، أما الرفث والفسوق فإن نفيهما هنا نفي إخبارٍ يراد به النهي، فقد يقع عند المعصية خلافه، فلهذا وقع النفي فيهما عامًا وغير عام). [الموضح: 320]

قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)}

قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير: [ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِي] يعني: آدم -عليه السلام- لقوله تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على فساد قول مَن قال: إن لام التعريف إنما تدخل الأعلام للمدح والتعظيم، وذلك تحو: العباس، والمظفر، وما جرى مجراهما. ووجه الدلالة من ذلك: أن قوله [الناسي] إنما يُعنى به آدم -عليه السلام- فصارت صفة غالبة كالنابغة والصَّعِق، وكذلك الحارث والعباس والحسن والحسين، هي وإن كانت أعلامًا فإنها تجري مجرى الصفات؛ ولذلك قال الخليل: إنهم جعلوه الشيء بعينه؛ أي: الذي حرَث وعَبَسَ، فمحمول هذا أن في هذه الأسماء الأعلام التي أصلها الصفات معاني الأفعال؛ ولذلك لحقتها لام المعرفة كما تعرف الصفات، وإذا كان فيها معاني الأفعال، وكانت الأفعال كما تكون مدحًا فكذلك ما تكون ذمًّا، فهي تحقق في العلم معنى الصفة، مدحًا كانت الصفة أو ذمًّا.
فالمدح ما ذكرناه من نحو: الحارث والمظفر والحسين والحسن، والذم ما جاء في نحو قولهم: فلان بن الصَّعِق؛ لأن ذلك داء ناله، فهي بلوى، وأن يكون ذمًّا أولى من أن يكون مدحًا، ألا ترى أن المدح ليس من مَقَاوم ذكر الأمراض والبلاوي، وإنما يقال فيه: إنه كالأسد، وإنه كالسيف؟ ومنه عمرو بن الحمِق، فهذا ذم له لا مدح، وعلى أنهم قد قالوا في الحمق: إنه الصغير اللحية، والمعنى الآخر أشيع فيه، ألا ترى إلى قوله:
فأما كيس فنجا ولكن ... عسى يغتر بي حَمِق لئيم؟
ومنه قولهم: فلان بن الثعلب، فدخلته اللام، هو علم لما فيه من معنى الخِبِّ والْخُبث،
[المحتسب: 1/119]
وذلك عيب فيه لا ثناء عليه، والباب فيه فاشٍ واسع؛ فقد صح إذن أن ما جاء من الأعلام وفيه لام التعريف فإنما ذلك لما فيه من معنى الفعل والوصفية، ثناء عليه كان ذلك أو ذمًّا له، وإنما دعا الكُتَّاب ونحوهم إلى أن قالوا: إن دخول اللام هنا إنما هو لمعنى المدح أن كان أكثره كذلك؛ لأنه إنما العرف فيه أن يسمى من الأسماء الحاملة لمعاني الأفعال مما كان فيه معنى المدح، لا أن هذا مقصور على المدح دون الذم عندنا لما ذكرنا). [المحتسب: 1/120]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #58  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:02 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (200) إلى الآية (203) ]

{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}

قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)}

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)}

قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)}

قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما روى ابن مجاهد عن الزِّمْل بن جَرْوَل قال: سألت سالم بن عبد الله بن عمر عن النَّفْر فقرأ: [فمن تعجل في يومين فَلَثْمَ عليه، ومن تأخر فَلَثْمَ عليه].
قال أبو الفتح: أصله قراءة الجماعة: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} إلا أنه حذف الهمزة ألبتة، فالتقت ألف "لا" وثاء "الاثم" ساكنين، فحذف الألف من اللفظ لالتقاء الساكنين، فصارت [فَلَثْمَ عليه].
وقد مر بنا من حذف الهمزة اعتباطًا وتعجرفًا من نحو هذا أشياء كثيرة؛ من ذلك قراءة ابن كثير: [إنها لَحْدَى الكُبَر]،
فهذا في الحذف كقوله: [فَلَثْمَ عليه]، إلا أن بينهما من حيث أذكر فرقًا؛ وذلك أن قوله: [لَحْدَى الكُبَر] إنما فيه حذف الهمزة لا غير، وقوله: [فَلَثْمَ عليه] أصله "فلا إثم"، فلما حذف الهمزة تخفيفًا -وإن لم يكن قياسًا- التقت الألف مع ثاء إثم وهي ساكنة، فحذفت الألف من "لا" لالتقاء الساكنين؛ فصار [فَلَثْمَ عليه].
ومثل ذلك سواء مذهب الخليل في "لن"، ألا ترى أن أصلها عنده "لا أن"، فلما حذفت الهمزة التقت ألف "لا" مع نون "أن" فحذفت الالف من "لا" لالتقاء الساكنين، وقد جاء نظيرًا لهذا من حذف الهمزة شيء صالح الكثرة؛ منه قوله:
إن لم أُقاتل فالبسوني برقعا
أراد: فألبسوني، ثم حذف الهمزة.
وأنشد أبو الحسن:
تَضِبُّ لِثَاتُ الخيل في حَجَراتها ... وتسمع من تحت العجاج لَهَزْمَلا
[المحتسب: 1/120]
أراد: لها أزملا، فحذف الهمزة. نعم، ثم حذف ألف "ها" لفظًا لسكونها وسكون الزاي من بعدها وعليه القراءة: [أريتَكَ هذا الذي كرَّمتَ عليَّ] يريد: أرأيتك.
وأنشد أحمد بن يحيى:
أريتك إن شطَّت بك العام نية ... وغالك مُصطَافُ الحِمى ومرابعه
وجاء عنهم: سا يسو، وجا يجي، بحذف الهمزة فيهما، وقد أثبتنا من هذا حروفًا جماعة في كتابنا الخصائص، وعلى كل حال فحذف الهمزة هكذا اعتباطًا ساذجًا ضعيف في القياس، وإن فشا في بعضه الاستعمال). [المحتسب: 1/121]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #59  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:05 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (204) إلى الآية (207) ]

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)}

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)}

قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه هارون عن الحسن وابن أبي إسحاق وابن محيصن: [وَيَهْلَكُ] بفتح الياء واللام ورفع الكاف [الحرثُ والنسلُ] رفع فيهما.
قال ابن مجاهد: وهو غلط.
قال أبو الفتح: لعمري إن ذلك تَرْك لما عليه اللغة، ولكن قد جاء له نظير؛ أعني قولنا: هلَك يهلَك، فعَل يفعَل، وهو ما حكاه صاحب الكتاب من قولنا: أَبى يأبَى، وحكى غيره: قنَط يقنَط، وسلَا يسلَى، وجبا الماء يجبَاه، وركَن يركَن، وقلا يقلَى، وغسا الليل يغسَى. وكان أبو بكر يذهب في هذا إلى أنها لغات تداخلت؛ وذلك أنه قد يقال: قنَط وقنِط، وركَن وركِن، وسلَا وسلِي، فتداخلت مضارعاتها، وأيضًا فإن في آخرها ألفًا، وهي ألف سلا وقلا وغسا وأبي؛ فضارعت الهمزة نحو: قرأ وهدأ.
وبعد، فإذا كان الحسن وابن أبي إسحاق إمامين في الثقة وفي اللغة؛ فلا وجه لدفع ما قرآ به، لا سيما وله نظير في السماع.
وقد يجوز أن يكون يهلَك جاء على هلِك بمنزلة عطِب، غير أنه استغنى عن ماضيه بهلَك، وقد ذكرنا نحو هذا في كتبانا المنصف). [المحتسب: 1/121]

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)}

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعز: (مرضات اللّه... (207)
وقف حمزة على (مرضات) بالتاء.
ووقف الباقون على "مرضاة" بالهاء.
وأمال الضّاد الكسائي، وفتحها حمزة، وفخمها الباقون.
قال أبو منصور: أجاز أهل العربية الوقوف على مرضاة وأشباهها من الهاءات التي ليست بأصلية بالتاء. وكذلك: (هيهات) و(يا أبت)
[معاني القراءات وعللها: 1/198]
وإن وقف عليها بالهاء فهو جائز، والتفخيم في مرضات أحسن من الإمالة). [معاني القراءات وعللها: 1/199]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إمالة الألف وتفخيمها من قوله تعالى: مرضات اللّه [البقرة/ 207].
فقرأ الكسائي وحده: ابتغاء مرضات اللّه ممالة.
وقرأ الباقون: مرضات اللّه بغير إمالة.
وكان حمزة يقف في مرضات بالتاء، والباقون يقفون بالهاء.
قال أبو علي: حجة الكسائي في إمالته الألف من مرضاة الله، أن الواو إذا وقعت رابعة كانت كالياء في انقلابها
[الحجة للقراء السبعة: 2/299]
ياء، تقول: مغزيان، كما تقول: مرميان، فأمال ليدلّ على أن الياء تنقلب عن الألف في التثنية، ولم يمنعها المستعلي من الإمالة، كما لم يمنع المستعلي من إمالة نحو: صار وخاف وطاب.
وحكي عن ابن أبي إسحاق أنه سمع كثير عزّة يقول:
صار مكان كذا، فلم يمنعه المستعلي من الإمالة لطلب الكسرة في صرت من أن يميل صار، فكذلك الألف في مرضاة الله.
وغير الإمالة أحسن كما قرأ الأكثر.
فأما وقف حمزة على التاء من مرضات فإنه يحتمل أمرين:
أحدهما: على قول من قال: طلحت، حكاه سيبويه عن أبي الخطاب. وأنشد أبو الحسن:
ما بال عين عن كراها قد جفت مسبلة تستنّ لمّا عرفت داراً لسلمى بعد حول قد عفت بل جوز تيهاء كظهر الجحفت
[الحجة للقراء السبعة: 2/300]
ويجوز أن يكون لمّا كان المضاف إليه في التقدير، أثبت التاء كما يثبته في الوصل، ليعلم أن المضاف إليه مرادٌ، كما أشمّ من أشمّ الحرف المضموم، ليعلم أنه في الوصل مضمومٌ، وكما شدّد من شدّد فرجّ، ليعلم أنه في الوصل متحرك، وكما حرّك من قال:
..... إذ جد النّقر بالضم ليعلم أنه في الوصل مضموم، وكما كسر من كسر قوله:
..... واصطفافاً بالرجل ليعلم أنّه في الوصل مجرور. ويدلّ على قوله شيء آخر، وهو قول الراجز:
إنّ عديّا ركبت إلى عدي وجعلت أموالها في الحطمي ارهن بنيك عنهم أرهن بني
[الحجة للقراء السبعة: 2/301]
فقوله: (بني) أراد: بنيّ، فحذف ياء الإضافة للوقف، كما يحذف المثقّل من نحو سرّ وضرّ. فلولا أن المضاف إليه المحذوف في نيّة المثبت، لردّ النون في بنين. فكما لم يردّ النون في بنين، كذلك لم يقف بالهاء في مرضات لأن المضاف في تقدير الثبات في اللفظ، ولولا أنه كذلك عندهم، لم يجز دخول بني في هذه القافية، ألا ترى أن النون لو ثبتت في الاسم المجموع، لحذف المضاف إليه من اللفظ؛ لخرج من هذه القافية، ولم يجز ضمّ البيت إليها؟ فكذلك حكم التاء من مرضات في الوقف عليها.
فإن قال قائل في وقفه على التاء من مرضات: ما تنكر أن يكون هذا خلاف قول سيبويه، لأنه قد قال: لو سمّيت بخمسة عشر فرخّمته، لقلت: يا خمسه، فوقفت بالهاء.
ولو كان على قياس وقف حمزة في مرضات، لقلت: يا خمست ألا ترى أن الاسم الثاني المحذوف للترخيم مرادٌ كما كان المضاف إليه مراداً؟
قيل له: لا يدلّ ما قاله سيبويه في خمسة في الترخيم، على أن وقف حمزة في المضاف بالتاء خلاف ما ذهب إليه سيبويه، لأن الترخيم بناءٌ آخر، وصيغة أخرى. وليس حذف المضاف إليه من المضاف كذلك. ألا ترى أنه يراد ضمّه إلى المضاف إذا ذكر أو حذف، والترخيم ليس كذلك، لأنه على ضربين: أحدهما: أنه يقدر فيه المحذوف. والآخر: أنه يكون ارتجال اسم على حدةٍ. فالمقدّر فيه إثبات ما حذف منه يجري
[الحجة للقراء السبعة: 2/302]
مجرى ما هو اسم على حياله، كما جرى حرف اللين في قولهم في الإنكار إذا قلت: «ضربت زيداً»: أزيدنيه! فأثبتّ التنوين قبل حرف اللين، ولم تحذفه كما حذفت من الندبة في قول من قال: وا زيداه، لأن أزيدنيه في الإنكار يجري مجرى: أزيداً إنيه، فكما يثبت مع إن، يثبت بغير إن، ولم يحذف كما حذف من الندبة. فكذلك الترخيم يجري مجرى ما أريد فيه الحرف المحذوف للترخيم مجرى ما ارتجل؛ لأن النداء موضعٌ ترتجل فيه الأسماء. ألا ترى أن فيه ما لا يستعمل في غيره، نحو: يا نومان، ويا هناه، ويا فل؟ فلما كان فيه هذا الضرب، كان الضرب المرتجل أغلب من الآخر، فلذلك لم يكن المحذوف من الترخيم كالمضاف من المضاف إليه. ويقوي ذلك ما جاء في الشعر من نحو قوله:
خذوا حظّكم يا آل عكرم..
وقوله:
إنّ ابن حارث إن أشتق لرؤيته
[الحجة للقراء السبعة: 2/303]
وكما أجري هذا مجرى: «يا حار» كذلك في الوقف عليه). [الحجة للقراء السبعة: 2/304]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد}
قرأ الكسائي (مرضاة الله) بالإمالة وقرأ الباقون بغير إمالة وحجتهم أن الكلمة من ذوات الواو أصلها مرضوة فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها يدلك على ذلك {رضوان الله}
[حجة القراءات: 129]
أنّها من ذوات الواو
وحجّة الكسائي أن العرب إذا زادت على الثّلاثة من ذوات الواو حرفا أمالته وكتبته بالياء من ذلك قوله أدنى ويدعى حمزة إذا وقف على {مرضات الله} وقف عليها بالتّاء وهي لغة للعرب يقولون هذا طلحت بالتّاء
والباقون إذا وقفوا عليها وقفوا (مرضاه) بالهاء وحجتهم أنهم أرادوا الفرق بين التّاء المتّصلة بالاسم والتّاء المتّصلة بالفعل فالمتصلة بالاسم نعمة والمتصلة بالفعل قامت وذهبت). [حجة القراءات: 130]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (127- قوله: {مرضات} أمالها الكسائي وحده، وفتح الباقون، ووقف عليها حمزة بالتاء، ووقف الباقون بالهاء، وفي ذلك اختلاف، وقد ذكرنا علة الإمالة فيها، وأن الألف وقعت رابعة، فلم يمنعها من الإمالة كونها من الواو؛ لأن ذوات الواو إذا صرن إلى الرباعي حسن فيهن الإمالة نحو: «أزكى، وادعى» ولم تمنعها الضاد من الإمالة كما لم تمنع الإمالة في «خاف، وضاق، وطاب» مع حرف الاستعلاء، فأما من فتح فعلى الأصل قرأ، مع قوة حرف الاستعلاء، في المنع من الإمالة في غير هذا، مع أن الجماعة عليه، فأما من وقف بالتاء فإنه أتى به على لغة من قال في الوقف: طلحت، بالتاء، وحكاه سيبويه، وحسن ذلك لما كان الاسم مضافًا، والمضاف والمضاف إليه كاسم واحد، فكأن التاء متوسطة فوقف بالتاء، كما يفعل في الوصل، ليُعلم أن التاء متوسطة، وأن المضاف إليه متوسط بالمضاف، فأما من وقف بالهاء فإنه أتى به على الأصل، في كل هاء تأنيث، ولأنه إذا وقف بالتاء، على هاء التأنيث، لم يكن فرق بين التاء الأصلية التي لا تدل على تأنيث، ولا يوقف عليها إلا بالتاء، نحو تاء: صوت، وحوت، وبين التاء الزائدة التي للتأنيث، والمصاحف الأمهات قد اختلفت في هذا ونظائره، فمنها ما كتبت فيه بالتاء، ومنها ما كتبت فيه بالهاء، فما كتبت بالتاء فعلى لفظ الوصل، ونية الوصل، وما كتبت بالهاء فعلى نية الوقف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/288]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (70- {ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله} [آية/ 207]:
بالإمالة، قرأها الكسائي وحده، وكذلك {مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}، وكان نافع يضجعها قليلاً.
وإنما أمالها الكسائي؛ لأن هذه الألف تنقلب ياء في التثنية في نحو: مغزيان ومعديان، والألف من الواو إذا وقعت رابعة كالألف من الياء في انقلابها ياءً، وإضجاع نافع إشارة إلى حسن الإمالة فيهما.
وحمزة يقف على {مَرْضَاة} بالتاء.
والباقون يقفون عليها بالهاء.
ووقف حمزة بالتاء يجوز أن يكون على قول من وقف على طلحت وحمزة بالتاء، إجراءً للوقف مجرى الوصل قال:
14- دار لسلمى بعد حولٍ قد عفت = بل جوز تيهاء كظهر الجحفت
ويجوز أن يكون على تقدير الإضافة كأنه نوى تقدير المضاف إليه، فأراد أن يعلم أن الكلمة مضافة وأن المضاف إليه مراد كإشمام من أشم الحرف
[الموضح: 322]
المضموم في الوقف ليعلم أن الضمة مرادة). [الموضح: 323]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #60  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:06 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة

[من الآية (208) إلى الآية (210)]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ادخلوا في السّلم كافّةً... (208)
(وإن جنحوا للسّلم)، (وتدعوا إلى السّلم).
قرأ ابن كثير ونافع والكسائي: (ادخلوا في السّلم) فتحوا السين في ثلاثهن.
وقرأ أبو عمرو، وابن عامرٍ وعاصم في رواية حفص، ويعقوب: (ادخلوا في السّلم) بكسر السين، (وإن جنحوا للسّلم)، (وتدعوا إلى السّلم) بفتح السين.
وقرأ أبو بكر عن عاصم ثلاثهن بالكسر، وقرأ حمزة: (ادخلوا في السّلم) (وتدعوا إلى السّلم) بالكسر فيهما، وفتح قوله: (وإن جنحوا للسّلم).
[معاني القراءات وعللها: 1/197]
قال أبو منصور: وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: كان أبو عمرو يكسر التي في البقرة، ويذهب بمعناها إلى الإسلام، ويفتح اللتين في الأنفال وسور محمد، ويتأول فيهما المسالمة.
قال أبو العباس: والقراءة التي اجتمع عليها أهل الحرمين بالفتح في كله، لأنها أعرب اللغتين وأعلاهما.
وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت إنه قال: السّلم: الصّلح.
ويقال: سلم. وأخبرني ابن فهم عن محمد بن سلام عن يونس قال: السّلم: الإسلام، وأما الصّلح فيجوز فيه سلم وسلم). [معاني القراءات وعللها: 1/198]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في فتح السين وكسرها من قوله جل وعز: السّلم.
فقرأ ابن كثير، ونافع، والكسائي: ادخلوا في السّلم كافّةً [البقرة/ 208] وإن جنحوا للسّلم [الأنفال/ 61] وتدعوا إلى السّلم [محمد/ 35] بفتح السين منهن.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، بكسر السين فيهن.
وقرأ حمزة: بكسر السين في سورة البقرة وحدها، وفي سورة محمد عليه السلام وفتح السين في سورة الأنفال.
وقرأ أبو عمرو، وابن عامر: بكسر السين في سورة البقرة، وفتحا السين في سورة الأنفال، وفي سورة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وروى حفص عن عاصم في الثلاثة مثل أبي عمرو.
قال أبو علي: قول ابن كثير ونافع والكسائي:
[الحجة للقراء السبعة: 2/292]
ادخلوا في السّلم [البقرة/ 208] يحتمل أمرين: يجوز أن يكون لغة في السّلم الذي يعنى به الإسلام.
قال أبو عبيدة وأبو الحسن: السّلم: الإسلام، وإنما يكون السلم مصدراً في معنى الإسلام إذا كسرت الحرف الأول منه، فهو كالعطاء من أعطيت، والنبات من أنبت. ويجوز أن يريدوا بفتحهم الأول من قوله: ادخلوا في السّلم: الصلح، وهو يريد الإسلام، لأن الإسلام صلح، ألا ترى أن القتال والحرب بين أهله موضوع، وأنهم أهل اعتقاد واحد، ويد واحدة في نصرة بعضهم لبعض، فإذا كان ذلك موضوعاً بينهم، وفي دينهم، وغلّظ على المسلمين في المسايفة بينهم؛ كان صلحاً في المعنى، فكأنه قيل: ادخلوا في الصلح، والمراد به الإسلام، فسماه صلحاً لما ذكرناه، فهذا المسلك فيه أوجه من أن يكون الفتح في السّلم لغة في السّلم الذي يراد به الإسلام، لأن أبا عبيدة وأبا الحسن لم يحكيا هذه اللغة، ولم أعلمها أيضاً عن غيرهما، فإن ثبتت به رواية عن ثقة فذاك.
وأما قراءة عاصم في رواية أبي بكر بكسر السين فيهن كلّهنّ، فالقول في ذلك أن المراد بكسر السين في قوله:
ادخلوا في السّلم: الإسلام. كما فسره أبو عبيدة وأبو الحسن، والمعنى عليه، ألا ترى أن المراد إنما هو تحضيضهم على الإسلام، والدعاء إليه، والدخول فيه، وليس المراد: ادخلوا في الصلح، وليس ثمّ صلح يدعون إلى الدخول فيه، إلّا أن يتأوّل أنّ الإسلام صلح على نحو ما تقدم ذكره، وأما كسره
[الحجة للقراء السبعة: 2/293]
السين في قوله تعالى: وإن جنحوا للسّلم [الأنفال/ 61] فلأن السّلم: الصلح. وفيه ثلاث لغات فيما رواه التّوزيّ عن أبي عبيدة في قوله: وإن جنحوا للسّلم فقال: السّلم والسّلم والسّلم واحد، وأنشد:
أنائل إنني سلم... لأهلك فاقبلي سلمي
والسّلم الذي هو الصلح يذكّر ويؤنّث.
وقوله: فاجنح لها وقد حكي عن أبي زيد أنه سمع من العرب من يقول: فاجنح له، فذكّره. قال أبو الحسن: وهو مما لا يجيء منه فعل، فقال: ولكنك تقول: سالم مسالمة.
وعلى ما ذكره أبو الحسن جاء قول الشاعر:
تبين صلاة الحرب منّا ومنهم... إذا ما التقينا والمسالم بادن
لأنه عادل المسالم بصالي الحرب، وأخذ عاصم بلغة من يكسر الأولى من السّلم في الصلح. وأما كسر عاصم السين في قوله: فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم [محمد/ 35] فإن
[الحجة للقراء السبعة: 2/294]
المراد هنا بالسّلم: الصّلح. فكسر الأول منه، كما كسر في قوله: وإن جنحوا للسّلم والصلح الذي أمر به، ولم ينه عنه في قوله جل وعز: فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون [محمد/ 35] أي: لا تدعوا إلى الصّلح، مع علوّ أيديكم وظهور كلمتكم إلى الصلح والموادعة. وهذا إنما هو على حسب المصلحة في الأوقات.
وأما قراءة حمزة بكسر السين في سورة البقرة [وفي سورة [محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ] فإن السّلم في سورة البقرة يراد به الإسلام، كما تقدم وفي سورة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم في قوله: وتدعوا إلى السّلم فإن السلم: الصلح. وكذلك في الأنفال المراد به الصلح في قوله: وإن جنحوا للسّلم. وفي السّلم إذا أريد به الصلح لغتان: الفتح والكسر، فأخذ حمزة باللغتين جميعاً، فكسر في موضع وفتح في آخر.
وأما قراءة أبي عمرو وابن عامر السّلم بكسر السين في سورة البقرة، فالسلم يعنى به: الإسلام. وأما فتحهما السين في سورة الأنفال وسورة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإن السّلم فيهما يراد به الصلح. وفيه الكسر والفتح، فأخذا بالفتح في الموضعين جميعاً، ولم يفصلا كما فصل حمزة، وأخذ باللغتين. وكذلك القول في رواية حفص عن عاصم، وكل حسن.
[الحجة للقراء السبعة: 2/295]
وأما قوله:/ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم [النساء/ 94] وقوله: وألقوا إلى اللّه يومئذٍ السّلم [النحل/ 87] فألقوا السّلم ما كنّا نعمل من سوءٍ [النحل/ 28] فليس الإلقاء هاهنا كالإلقاء في قوله تعالى:
إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم [آل عمران/ 44] وقوله سبحانه: وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم [النحل/ 15] ألا ترى أن الإلقاء هنا رمي وقذف؟ وهذا إنما يكون في الأعيان، وليس في قوله: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم [النساء/ 94] والآي الأخر عين تلقى، ولكن تلك الآي: بمنزلة قوله عز وجل: ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة [البقرة/ 195].
والمعنى: لا تقولوا لمن استسلم إليكم، وانقاد وكفّ عن قتالكم: لست مؤمناً. وكذلك المعنى في قوله تعالى: وألقوا إلى اللّه يومئذٍ السّلم [النحل/ 87] كأنهم استسلموا لأمره ولما يريده منهم من عذابه وعقابه، لا مانع لهم منه ولا ناصر.
وكذلك قوله تعالى: ورجلًا سلماً لرجلٍ [الزمر/ 29] أي: يستسلم له ويستخذي، فينقاد لما يريده منه ولا يمتنع عليه، وقد قرئ سالما لرجل وسالم: فاعل. وهو في هذا الموضع حسن لقوله: فيه شركاء متشاكسون [الزمر/ 29] أي: في أصحابه وخلطائه شركاء متشاكسون، يخالف بعضهم بعضاً، فلا ينقاد أحد منهم لصاحبه، فمسالم
[الحجة للقراء السبعة: 2/296]
خلاف متشاكسون.
ومن قرأ سلماً لرجلٍ احتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون فعل بمنزلة فاعل مثل: بطل وحسن، ونظير ذلك: يابس ويبس، وواسط ووسط.
ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر، لأن السّلم مصدر، ألا ترى أن أبا عبيدة قال: السّلم والسّلم والسّلم واحد، فيكون ذلك كقولهم: الخلق، إذا أردت به المخلوق، والصيد، إذا أردت به المصيد، ومعنى: هل يستويان مثلًا [الزمر/ 29] أي: ذوي مثل.
وأما قوله تعالى: إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ [الذاريات/ 25] فقال أبو الحسن: هذا فيما يزعم المفسرون: قالوا: خيراً، قال: فكأنه سمع منهم التوحيد. وإذا سمع منهم التوحيد فقد قالوا خيراً، فلما عرف أنهم موحّدون، قال: سلام عليكم، فسلّم عليهم، فسلام على هذا: رفع بالابتداء، وخبره مضمر.
وأما قوله تعالى: فاصفح عنهم وقل سلامٌ [الزخرف/ 89] فيحتمل أمرين: يجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، كقوله: قال: سلامٌ، وهو يريد: قال: سلام عليكم.
والآخر: أن يكون خبر مبتدأ، كأنه أراد: أمري سلام، أي:
أمري براءة، وأضمر المبتدأ في هذا الوجه، كما أضمر الخبر
[الحجة للقراء السبعة: 2/297]
في الوجه الأول: ويكون المعنى: أمري سلام أي: أمري براءة، قال: لأن السلام يكون في الكلام البراءة، قال: تقول:
إنما فلان سلام، أي: لا يخالط أحداً، وأنشد لأمية:
سلامك ربّنا في كلّ فجر... بريئاً ما تغنّثك الذّموم
قال: يقول: براءتك. وأخبرنا أبو إسحاق قال: سمعت محمد بن يزيد يقول: السلام في اللغة أربعة أشياء: السلام مصدر سلّمت والسلام جمع سلامة، والسّلام: اسم من أسماء الله عز وجل، والسلام: شجر، ومنه قول الأخطل:
....... إلّا سلام وحرمل ويكون منه ضرب خامس، وهو ما ذكره أبو الحسن من أن السلام يكون في الكلام البراءة، واستشهاده على ذلك ببيت أمية، وقولهم: إنما فلان سلام. وأما قولهم: في أسماء الله جل وعز (السلام) فهو مصدر وصف به، كما أن العدل والحق في نحو قوله: أنّ اللّه هو الحقّ [النور/ 25].
والمعنى على ضربين: أحدهما: أنه يسلم من عذابه من
[الحجة للقراء السبعة: 2/298]
لا يستحقه. والآخر: أن يكون الذي معناه التنزيه، كأنه المتنزّه من الظلم والاعتداء.
فأما قوله سبحانه: لهم دار السّلام عند ربّهم [الأنعام/ 127] فيحتمل ضربين: يكون السلام [اسم الله تعالى]، والإضافة المراد بها: الرفع من المضاف، كقولهم لمكة: بيت الله، والخليفة: عبد الله. ويجوز أن يكون السلام في قوله: دار السّلام جمع سلامة، أي: الدار التي من حلّها لم يقاس عذاباً لعقاب، كما جاء في خلافها: في سمومٍ وحميمٍ
وظلٍّ من يحمومٍ [الواقعة/ 43] ونحو قوله: ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ وما هو بميّتٍ [إبراهيم/ 17]). [الحجة للقراء السبعة: 2/299]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يا أيها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّة}
قرأ نافع وابن كثير والكسائيّ {ادخلوا في السّلم} أي في المسالمة والمصالحة
وقرأ الباقون {في السّلم} بالكسر أي في الإسلام وقال قوم هما لغتان قال الشّاعر
أنائل إنّني سلم ... لأهلك فاقبلي سلمي). [حجة القراءات: 130]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (126- قوله: {في السلم} قرأه الحرميان والكسائي بفتح السين، وهي لغة في «السلم» الذي هو الإسلام، قال أبو عبيدة والأخفش: «السلم» بالكسر الإسلام، ويجوز أن يكون «السلم» بالفتح اسمًا بمعنى المصدر، الذي هو الإسلام كالعطاء والنباب، بمعنى: الإعطاء والإنبات، ويجوز أن يكون الفتح في «السلم» بمعنى الصلح، وهو يريد الإسلام، لأن من دخل في الإسلام فقد دخل في الصلح، فالمعنى: ادخلوا في الصلح الذي هو الإسلام، وقرأ الباقون بكسر السين، فأما من كسر السين فهو واقع على الإسلام، ولم يحضوا على الدخول في الصلح، وبقياهم على كفرهم، وكلا القراءتين حسن، وبالكسر قرأ الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن أبي إسحاق وابن وثاب وعيسى والأعمش والجحدري، وبالفتح قرأ الأعرج وشيبة وشبل، وروي عبد الرحمن بن أبزي أن النبي عليه السلام قرأ: «السلم» في البقرة والأنفال و«الذين كفروا» بالفتح في الثلاثة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/287]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (69- {ادخلوا في السلم} [آية/ 208]:-
بفتح السين، قرأها ابن كثير ونافع والكسائي، وكذلك في الأنفال {وَإِنْ
[الموضح: 320]
جَنَحُوا للسَّلْمِ}، وفي سورة القتال {وَتَدْعُوا إلى السَّلْمِ}.
وأما {السّلْم} التي في البقرة، فهو بمعنى الإسلام، والإسلام قد يُسمى سلمًا بالكسر، وقد يروى فيه الفتح، كما روي في السلم الذي هو الصلح الفتح والكسر، إلا أن الفتح في السلم الذي هو الإسلام قليل، وجوز أبو علي أن يكون السلم ههنا هو الذي بمعنى الصلح؛ لأن الإسلام صلح على الحقيقة، ألا ترى أنه لا قتال بين أهله، وأنهم يد واحدة على من سواهم.
أما في الأنفال وسورة القتال فإن السلم هو الصلح، وقد جاء فيه الفتح والكسر على ما قدمنا.
وقرأ عاصم ياش- بالكسر في الثلاثة الأحرف، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم ص- ويعقوب بالكسر في البقرة، والفتح في الأنفال والقتال، وقرأ حمزة بالكسر في البقرة (والقتال) والفتح في الأنفال والقتال، وقرأ حمزة بالكسر في البقرة (والقتال) والفتح في (الأنفال).
قد قدمنا أن السلم بكسر السين في معنى الإسلام شائع، وأن الفتح فيه غريب، وقد جاء في السلم بمعنى الصلح الكسر والفتح معًا، إلا أن الكسر فيه أيضًا أكثر وأشهر، وإن كان الفتح أيضًا كثيرًا). [الموضح: 321]

قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي السمال: [فإن زَلِلْتُمْ] بكسر اللام.
قال أبو الفتح: هما لغتان: زلَلْت وزلِلْت، بمنزلة ضلَلْت وضلِلْت، إلا أن الفتح فيهما أعلى اللغتين، واسم الفاعل منهما ضال، ولو جاء ضليل لكان قياسًا على ما جاء عنهم من فعيل في فَعَل من المضاعف، نحو: خَفَّ فهو خفيف، وعز فهو عزيز، وقل فهو قليل، وجد فهو جديد، وذلك أنه قد جاء فعيل في فعل من غير المضاعف، وذلك كسد البيع فهو كسيد، وفسد فهو فسيد، فلما جاء ذلك في غير المضاعف كان المضاعف أولى به؛ لثقل الإدغام في ضال وفار، وقد ذكرنا ذلك مشروحًا في غير هذا الموضع من كلامنا). [المحتسب: 1/122]

قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإلى اللّه ترجع الأمور (210).
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب: (ترجع) بفتح التاء في كل القرآن.
وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم (ترجع).
قال أبو منصور: من قرأ (ترجع الأمور) فالفعل للأمور، ويكون (ترجع) لازمًا.
ومن قرأ (ترجع الأمور) فهو على ما لم يسم فاعله، وجعله متعديا.
والعرب تقول: رجعته فرجع، لفظ اللازم والمتعدي سواء: كقولك: نقصته فنقص، وهبطه فهبط). [معاني القراءات وعللها: 1/199]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح التاء وضمها من قوله جل وعز: ترجع الأمور [البقرة/ 210] ويرجع الأمر [هود/ 123].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرٍو ونافعٌ وعاصمٌ: وإلى اللّه ترجع الأمور بضم التاء.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: ترجع الأمور بفتح التاء.
وكلّهم قرأ: وإليه يرجع الأمر كلّه بفتح الياء، غير نافعٍ وحفص عن عاصم فإنّهما قرآ: يرجع الأمر برفع الياء.
وروى خارجة عن نافع أنّه قرأ: وإلى الله يرجع الأمور بالياء مضمومة في سورة البقرة. ولم يروه غيره.
قال أبو علي: حجة من بنى الفعل للمفعول به قوله تعالى: ثمّ ردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ [الأنعام/ 62].
وقال: ولئن رددت إلى ربّي [الكهف/ 36] والمعنى في بناء
[الحجة للقراء السبعة: 2/304]
الفعل للمفعول كالمعنى في بناء الفعل للفاعل.
وحجة من بنى الفعل للفاعل قوله عز وجل: ألا إلى اللّه تصير الأمور [الشورى/ 53] وقوله جلّ وعز: إنّ إلينا إيابهم [الغاشية/ 25] وقوله: إليّ مرجعكم. ألا ترى أنّ المصدر مضافٌ إلى الفاعل، والمعنى: إلينا رجوع أمرهم في الجزاء على الخير والشر، وقوله: وإنّا إليه راجعون [البقرة/ 156]، وقوله: كما بدأكم تعودون [الأعراف/ 29] وقال: ويوم يرجعون إليه [النور/ 64] وإليه يرجع الأمر كلّه [هود/ 123].
وأما يرجع وترجع بالياء والتاء فجميعاً حسنان، فالياء لأن الفعل متقدم، فذكّر كما قال: وقال نسوةٌ في المدينة [يوسف/ 30]، فالتأنيث تأنيث من أجل الجمع، وتأنيث الجمع ليس بتأنيث حقيقي، ألا ترى أن الجمع بمنزلة الجماعة. والتاء في ترجع لأن الكلمة تؤنث في نحو: هي الأمور، و: قالت الأعراب [الحجرات/ 14]). [الحجة للقراء السبعة: 2/305]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رُوي عن قتادة في قول الله سبحانه: [فِي ظِلَالٍ مِنَ الْغَمَامِ].
قال ابن مجاهد: هو جمع ظِل.
قال أبو الفتح: الوجه أن يكون جمع ظُلة، كجُلة وجِلال، وقُلة وقِلال؛ وذلك أن الظل ليس بالغيم، وإنما الظُّلة الغيم، فأما الظل فهو عدم الشمس في أول النهار، وهو عرَض والغيم جسم). [المحتسب: 1/122]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإلى الله ترجع الأمور}
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ {وإلى الله ترجع الأمور} بفتح التّاء في جميع القرآن وحجتهم قوله {ألا إلى الله تصير الأمور}
[حجة القراءات: 130]
ولم يقل تصار فلمّا أسند الفعل إليها بإجماع ردوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
وقرأ الباقون {ترجع} بضم التّاء وفتح الجيم أي ترد الأمور وحجتهم قوله {إليه تحشرون} و{تقلبون} فجعلوا الأمور داخلة في هذا المعنى والمعنيان يتداخلان وذلك أن الله هو الّذي يرجع الأمور فإذا رجعها رجعت فهي مرجوعة وراجعة). [حجة القراءات: 131]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (128- قوله: {ترجع الأمور} قرأه ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح التاء وكسر الجيم، حيث وقع، بنوا الفعل للفاعل؛ لأنه المقصود، ويقوي ذلك إجماعهم على: {ألا إلى الله تصير الأمور} «الشورى 53» وقوله: {إلى الله مرجعكم} «المائدة 48» فبنى الفعل للفاعل، فحمل هذا على ذلك، وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم، بنوا الفعل للمفعول، ويقوي ذلك إجماعهم على قوله: {ثم ردوا إلى الله} «الأنعام 62» و{لئن رددت إلى ربي} «الكهف 36» فبني الفعل للمفعول، وهو إجماع، فألحق هذا به، لأنه مثله، فالقراءتان حسنتان بمعنى، والأصل أن يُبنى الفعل للفاعل، لأنه محدثه بقدرة الله جل ذكره، وبناؤه للمفعول توسع وفرع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/289]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (71- {تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [آية/ 210]:-
بضم التاء وفتح الجيم، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في جميع القرآن، على أن الفعل مبني للمفعول به، وأن رجع متعدٍ؛ لأن رجع قد جاء لازمًا ومتعديًا معًا، وأما تأنيث الأمور فللجماعة نحو {قَالَتِ الأعْرابُ}.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {تَرْجِعُ الأُمُورُ} بفتح التاء وكسر الجيم في جميع القرآن، على كون الفعل مبنيًا للفاعل، وأن رجع لازم، وتأنيث الأمور على ما تقدم. وقرأ يعقوب {يَرْجِعُ} بالياء مفتوحة وكسر الجيم.
وذلك لأن الفعل متقدم، فتذكيره جائز نحو قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ}؛
[الموضح: 323]
لأن التأنيث تأنيث جمعٍ، وتأنيث الجمع ليس بحقيقيٍ.
وأما كسرة الجيم؛ فلأنه أسند الفعل إلى الفعل، وجعل رجع لازمًا على ما مضى، وكذلك يفعل يعقوب في باب الرجوع في جميع القرآن). [الموضح: 324]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #61  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:09 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (211) إلى الآية (212) ]

{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}

قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)}

قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #62  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:10 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (213) إلى الآية (215) ]

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}


قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)}

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حتّى يقول الرّسول... (214).
قال الفراء قرأها القراء بالنصب إلا مجاهد، ونافعا فإنهما رفعا (حتّى يقول).
قال الفراء: وكان الكسائي يقرأها دهرًا: (حتّى يقول) ثم رجع إلى النصب.
وقرأ سائر القراء: (حتّى يقول الرّسول) نصبا.
وقال الفراء: من قرأ بالنصب فلأن الفعل الذي قبل (حتى) مما يتطاول، وإذا كان الفعل على هذا المعنى نصب بـ (حتّى)، وإن كان في المعني ماضيا.
قال: وإذا كان الفعل الذي قبل (حتى) لا يتطاول وهو ماض رفع الفعل الذي بعد (حتى) إذا كان ماضيا.
قال أبو منصور: العرب تنصب ب (حتى) الفعل المستقبل وهو أكثر كلام العرب.
ومن العرب من يرفع الفعل المستقبل بعد (حتى) إذا تضمن معنيين:
أحدهما: أن يحسن (فعل) في موضع (يفعل)، كقوله: (حتّى يقول الرّسول) معناه: حتى قال الرسول.
والمعنى الثاني: تطاول الفعل الذي قبل (حتى) كقولك: سرت نهاري أجمع حتى أدخلها، بمنزلة: سرت فدخلتها، فصارت (حتى) غير عاملة في الفعل، وعلى هذا يؤيد قراءة من قرأ (يقول) ). [معاني القراءات وعللها: 1/200]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في نصب اللام ورفعها من قوله جلّ وعز: حتّى يقول الرّسول [البقرة/ 214].
فقرأ نافع وحده: حتّى يقول الرّسول برفع اللام.
وقرأ الباقون: حتّى يقول الرّسول نصباً. وقد كان
[الحجة للقراء السبعة: 2/305]
الكسائي يقرؤها دهراً رفعاً، ثم رجع إلى النصب.
وروى ذلك عنه الفرّاء، قال: حدثني به وعنه محمد بن الجهم عن الكسائي.
قال أبو علي: قوله عز وجلّ: وزلزلوا حتّى يقول الرّسول من نصب فالمعنى: وزلزلوا إلى أن قال الرسول.
وما ينتصب بعد حتى من الأفعال المضارعة على ضربين: أحدهما: أن يكون بمعنى إلى، وهو الّذي تحمل عليه الآية. والآخر: أن يكون بمعنى كي، وذلك قولك:
أسلمت حتى أدخل الجنة، فهذا تقديره: أسلمت كي أدخل الجنة. فالإسلام قد كان، والدخول لم يكن، والوجه الأول من النصب قد يكون الفعل الذي قبل حتى مع ما حدث عنه قد مضيا جميعاً. ألا ترى أن الأمرين في الآية كذلك.
وأما قراءة من قرأ: حتّى يقول الرّسول بالرفع، فالفعل الواقع بعد حتى إذا كان مضارعاً لا يكون إلّا فعل حالٍ، ويجيء أيضاً على ضربين:
أحدهما: أن يكون السبب الذي أدّى الفعل الذي بعد حتى قد مضى، والفعل المسبّب لم يمض، مثال ذلك قولهم:
«مرض حتى لا يرجونه» و: «شربت الإبل حتى يجيء البعير يجرّ بطنه». وتتّجه على هذا الوجه الآية، كأن المعنى: وزلزلوا
[الحجة للقراء السبعة: 2/306]
فيما مضى، حتى أن الرسول يقول الآن: متى نصر الله، وحكيت الحال التي كانوا عليها، كما حكيت الحال في قوله: هذا من شيعته وهذا من عدوّه [القصص/ 15] وفي قوله:
وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد [الكهف/ 18].
والوجه الآخر من وجهي الرفع: أن يكون الفعلان جميعاً قد مضيا، نحو: سرت حتى أدخلها، فالدخول متصلٌ بالسّير بلا فصل بينهما، كما كان في الوجه الأول بينهما فصلٌ. والحال في هذا الوجه أيضاً محكيّة، كما كانت محكية في الوجه الآخر، ألا ترى أنّ ما مضى لا يكون حالًا؟. وحتى إذا رفع الفعل بعدها، حرفٌ؛ يصرف الكلام بعدها إلى الابتداء، وليست العاطفة ولا الجارّة، وهي- إذا انتصب الفعل بعدها- الجارّة للاسم، وينتصب الفعل بعدها بإضمار أن، كما ينتصب بعد اللام بإضمارها). [الحجة للقراء السبعة: 2/307]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر الله}
قرأ نافع {حتّى يقول الرّسول} بالرّفع وحجته أنّها بمعنى قال الرّسول على الماضي وليست على المستقبل وإنّما ينصب من هذا الباب ما كان مستقبلا مثل قوله {أفأنت تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين} {حتّى يأتي وعد الله} فرفع يقول ليعلم أنه ماض
وقرأ الباقون {حتّى يقول} بالنّصب وحجتهم أنّها بمعنى الانتظار وهو حكاية حال المعنى وزلزلوا إلى أن يقول الرّسول
واعلم أن حتّى إذا دخلت على الفعل فلها أربعة أوجه وجهان في الرّفع ووجهان في النصب
فأما وجها الرّفع فأحدهما كقولك سرت حتّى أدخلها فيكون
[حجة القراءات: 131]
السّير واقعا والدّخول في الحال موجودا كأنّه قال سرت حتّى أنا داخل السّاعة وعلى هذا قوله {حتّى يقول الرّسول} أي حتّى الرّسول قائل
والوجه الثّاني أن يكون الفعل الّذي قبل حتّى والّذي بعدها واقعين جميعًا فيقول القائل سرت أمس نحو المدينة حتّى أدخلها ويكون السّير والدّخول وقعا ومضيا كأنّه قال سرت أمس فدخلت وعلى هذا أيضا قوله {حتّى يقول الرّسول} معناه حتّى قال الرّسول فرفع الفعل على المعنى لأن حتّى وأن لا يعملان في الماضي وإنّما يعملان في المستقبل
وأما وجها النصب فأحدهما كقولك سرت حتّى أدخلها لم يكن الفعل واقعا معناه سرت طلبا إلى أن أدخلها فالسير واقع والدّخول لم يقع فعلى هذا نصب الآية وتنصب الفعل بعد حتّى بإضمار أن وهي تكون الجارة كقولك أقعد حتّى تخرج المعنى إلى أن تخرج
والوجه الثّاني أن تكون حتّى بمعنى اللّام الّتي هي علّة وذلك مثل قولك أسلمت حتّى أدخل الجنّة ليس المراد إلى أن أدخل الجنّة إنّما المراد لأدخل الجنّة وليس هذا وجه نصب الآية). [حجة القراءات: 132]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (129- قوله: {حتى يقول الرسول} قرأه نافع بالرفع، وقرأه الباقون بالنصب، ووجه القراءة بالرفع أن الفعل دال على الحال التي كان عليها الرسول، ولا تعمل «حتى» في حال، فلما كان ما بعدها للحال لم تعمل فيه، والتقدير: وزلزلوا فيما مضى حتى إن الرسول يقول: متى نصر الله، فحكى الحال، التي عليها الرسول قبل، كما حيكت الحال في قوله: {هذا من شيعته وهذا من عدوه} «القصص 15» وفي قوله: {وكلبهم باسط ذراعيه} «الكهف 18» فإنما حكى حالًا كانوا عليها ليست حالًا هم الآن عليها، فكذلك «حتى يقول الرسول» حكى حالًا كان عليها الرسول فيما مضى، والرفع بعد حتى على وجهين: أحدهما أن يكون السبب الذي أدى الفعل، الذي قبل «حتى» قد مضى، والفعل المسبب لم يمض، ولم ينقطع، نحو قولك: مرض حتى لا يرجونه، أي:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/289]
مرض فيما مضى حتى هو الآن لا يُرجى فيحى، الحال التي هم عليها آلان، فيرفع ولا تحمل الآية على هذا المعنى؛ لأنها لحال قد مضى فحكي والوجه الآخر أن يكون الفعلان جميعًا قد مضيا، نحو قولك: سرت حتى أدخلها، أي: سرت فدخلت، فالدخول متصل بالسر، وقد مضيا، فحكيت الحال التي كانت لأن ما مضى لا يكون حالًا، إلا على الحكاية، فعلى هذا تحمل الآية في الرفع لا على الوجه الأول من وجهي الرفع و«حتى» هذه التي يرتفع الفعل بعدها ليست العاطفة ولا الجارة، إنما هي التي تدخل على الجمل فلا تعمل، وتدخل على الابتداء والخبر، فإذا كان ما بعد «حتى» محكيًا دالًا على حال، قد انقضت أو على حال في الوقت لم ينقض، فلا سبيل إلى النصب بها؛ لأنها لا تنصب إلا غير حال، تنصبه بمعنى «كي» أو بمعنى «إلى أن».
130- ووجه القراءة بالنصب أن «حتى» جعلت غاية للزلزلة، فنصبت بمعنى «إلى أن» والتقدير: وزلزلوا إلى أن قال الرسول، فجعل «قول الرسول» غاية لخوف أصحابه، أي: لم يزالوا خائفين إلى أن قال الرسول، فالفعلان قد مضيا جميعًا، وينصب بـ «حتى» في الكلام بمعنى «كي» كقولك: أسملت حتى أدخل الجنة، أي: كي أدخل الجنة، فالإسلام كان والدخول لم يكن، وهي إذا نصبت الأفعال الجارة في الأسماء، إذا كانت بمعنى «إلى أن» أو تكون هي العاطفة في الأسماء، إذا نصبت بمعنى «كي» فإذا ارتفع الفعل بعد «حتى» على معنى حال مضت محكية، فالفعل لما مضى، وإذا ارتفع على معنى حال، لم تنقض، فالفعل للحال، وإذا انتصب على معنى «إلى أن» فالفعل ماض، وإذا انتصب على معنى «كي» فالفعل مستقبل، فافهم هذا فإنه مشكل، وعليه مدار أحكام «حتى» وبالرفع قرأ الأعرج ومجاهد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/290]
وابن محيصن وشيبة، وبالنصب قرأ الحسن وابو جعفر، وابن أبي إسحاق، وشبل وغيرهم، وهو الاختيار لأن عليه جماعة القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/291]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (72- {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [آية/ 214]:-
برفع {يَقُولُ}، قرأها نافع وحده.
وذلك لأن الفعل الواقع بعد {حَتَّى} فعل حالٍ، وذلك لأن الفعل المضارع يرتفع بعد حتى إذا كان للحال، وما كان من ذلك فلا يخلو إما أن يكون حالاً في حين الإخبار نحو: مرض حتى لا يرجونه وأمثاله، وإما أن يكون حالاً قد مضت فيحكيها على ما وقعت، وذلك من هذا النوع.
وقرأ الباقون {يَقُولَ} بالنصب.
وذلك لأن الفعل المضارع قد انتصب بعد حتى بإضمار أن؛ لأن المعنى إلى أن يقول، والفعل المنتصب بعد حتى إما أن يكون بمعنى إلى أن، كما ذكرنا، أو يكون بمعنى كي نحو: أسلمت حتى أدخل الجنة، أي كي أدخل). [الموضح: 324]

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #63  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:57 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة

[من الآية (216) إلى الآية (218) ]

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}

قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #64  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:58 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (219) إلى الآية (221) ]

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل فيهما إثمٌ كبيرٌ... (219).
قرأ حمزة والكسائي: (إثمٌ كثيرٌ) بالثاء.
وقرأ الباقون: (إثمٌ كبيرٌ).
قال أبو منصور: ما أقرب معنى الكثير من الكبير فاقرأ كيف شئت.
وقوله جلّ وعزّ: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو... (219).
قرأ أبو عمرو وحده: (قل العفو) بالرفع.
وقرأ الباقون: (قل العفو) نصبا.
قال أبو منصور: من جعل (ماذا) اسما واحدًا ردّ (العقو) عليه فنصبه.
ومن جعل (ما) اسمًا و(ذا) خبره وهي في المعنى (الذي) رد (العفو) عليه فرفعه، المعنى: ما الذي ينفقون؟
فقال: العفو، أي: الذي ينفقون العفو.
والعفو: ما عفا وتيسر ولم يشقّ، وأصل العفو: الفضل الذي لا يعنّي صاحبه). [معاني القراءات وعللها: 1/201]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الباء والثاء من قوله تعالى: إثمٌ كبيرٌ [البقرة/ 219] فقرأ الكسائيّ وحمزة: إثم كثير بالثاء. وقرأ الباقون: كبيرٌ بالباء.
قال أبو علي: حرّمت الخمر بقوله: قل فيهما إثم كثير سعيد عن قتادة: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ذمّها ولم يحرّمها، وهي يومئذٍ حلالٌ، فأنزل الله تعالى: لا تقربوا الصّلاة [النساء/ 43] وأنزل الآي في المائدة، فحرم قليلها وكثيرها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/307]
ومن أهل النظر من يذهب إلى أن قوله جل وعز: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ [البقرة/ 219] دلالة على تحريمها لقوله: قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي [الأعراف/ 33] فقد حرّم الإثم، وقال: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ فوجب أن يكون محرماً.
وقال: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ، والمعنى: في استحلالهما.
ألا ترى أنّ المحرم إنّما هو بعض المعاني التي فيهما، وكذلك في سائر الأعيان المحرّمة. وقال أبو حنيفة فيما أخبرنا أبو الحسن: أنه إذا نظر إليها على وجه التلذّذ بها فقد أتى محظوراً، وكذلك قوله تعالى: وإثمهما أكبر من نفعهما إنما هو إثم معاصٍ تفعل فيها، وأسبابٍ لها.
وقال بعض نقلة الآثار: تواتر الخبر أن الآية التي في البقرة نزلت، ولم يحرّم بها، وقد اختلف في الآية التي حرّمت [بها الخمر، فقال قوم: حرمت بهذه الآية، وقال قوم:
حرمت] بالآي التي في المائدة.
فيعلم من ذلك أنّ الاثم يجوز أن يقع على الكبير وعلى الصغير، لأن شربها قبل التحريم لم يكن كبيراً، وقد قال:
فيهما إثمٌ كبير. وقال: ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً [النساء/ 112] فالخطيئة تقع على الصغير والكبير، فمن الصغير قوله: والّذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدّين
[الحجة للقراء السبعة: 2/308]
[الشعراء/ 82] ومن الكبير: وأحاطت به خطيئته [البقرة/ 81] فهذا كبيرٌ.
فإن قلت: فكيف تقدير قوله: ومن يكسب خطيئةً أو إثماً [النساء/ 112] والخطيئة قد وقعت على الصغيرة والكبيرة، والإثم كذلك، فكأنه بمنزلة من يكسب صغيراً أو صغيراً، أو من يكسب كبيراً أو كبيراً؟.
قيل له: ليس المعنى كذلك، ولكنّ الإثم قد وقع في التنزيل على ما يقتطعه الإنسان من مال من لا يجوز له أن يقتطع من ماله. فإذا كان كذلك، جاز أن يكون التقدير: من يكسب ذنباً بينه وبين الله، أو ذنباً هو من مظالم العباد، فهما جنسان، فجاز دخول «أو» في الكلام، على أن المعنى: من يكسب أحد هذين الذنبين.
والموضع الذي وقع فيه الإثم على المظلمة قوله تعالى:
فإن عثر على أنّهما استحقّا إثماً [المائدة/ 107] أي: إن اطلعتم على أن الشاهدين اقتطعا بشهادتهما، أو يمينهما على الشهادة إثماً؛ فالأولى بالميت وبولاية أمره، آخران يقومان مقامهما.
وإنّما جاز وقوع الإثم عليه على أحد أمرين: إما أن يكون أريد بالإثم: ذا إثم، أي: ما اقتطعه الإنسان مما اؤتمن فيه من مال صاحبه إثمٌ فيه، أو يكون سمّى المقتطع إثماً لمّا كان يؤدّي آخذه إلى الإثم، كما سمّي مظلمةً لأنه يؤدي إلى الظلم.
[الحجة للقراء السبعة: 2/309]
قال سيبويه: المظلمة: اسم ما أخذ منك. فكأنّ تقدير: ومن يكسب خطيئةً أو إثماً: من أذنب ذنباً بينه وبين الله، أو اقتطع حقاً للعباد، وهذان جنسان.
ومما يقوي ذلك: أن قوله: ومن يكسب خطيئةً أو إثماً إنما نزل في رجل سرق شيئا من آخر، فكأنّ ذلك المسروق أوقع عليه اسم الإثم كما أوقع عليه في الآية الأخرى. فأما الذّكر الذي في ربّه على الإفراد فلأن المعنى: ثم يرم به بأحد هذين، بريئا. أو يكون عاد الذكر إلى الإثم، كما عاد إلى التجارة في قوله عز وجل: وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها [الجمعة/ 11] وقد يكون الذكر في إليها عائداً على المعنى، لأن المعنى: إذا رأوا إحدى هاتين الخصلتين.
وقال تعالى: فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه [البقرة/ 203] والإثم إنما يظنّ أن يكون على المتعجّل، فأمّا المتأخر فليس بآثم لإتمامه نسكه، فقيل:
من تأخّر فلا إثم عليه، فذكر المتأخر بوضع الإثم عنه، كما ذكر المتعجل، فقال بعض المتأولين: ذكر أن وضع الإثم عنهما، وإن كان الذي يلحقه الإثم أحدهما.
قال: وقد يكون المعنى: لا يؤثّمنّ أحدهما الآخر، فلا يقول المتأخر للمتعجل: أنت مقصر. ومثل الوجه الأول عنده قوله في المختلفين: فلا جناح عليهما فيما افتدت به
[الحجة للقراء السبعة: 2/310]
[البقرة/ 229]، والجناح على الزوج، لأنه أخذ ما أعطى، وقد جاء: ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً [البقرة/ 229] وقال: فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً [النساء/ 20] فقد وقع الإثم هنا أيضاً على المأخوذ منه.
وقد يجوز أن يكون: لا جناح على كل واحد منهما إذا كان ذلك عن تراض منهما. وشبّه المتأول ما ذكرنا بقوله تعالى: نسيا حوتهما [الكهف/ 61] وبقوله: يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان [الرحمن/ 22] فنسب النسيان إليهما، والناسي فتى موسى، لا موسى. والمخرج منه اللؤلؤ أحدهما.
وهذا يجوز أن يكون على حذف المضاف، كأنه: يخرج من أحدهما، ونسي أحدهما، فحذف المضاف كما حذف في قوله: على رجلٍ من القريتين عظيمٍ [الزخرف/ 31] فالتقدير: على رجل من رجلي القريتين عظيم. وحذف المضاف كثيرٌ جداً.
وقال: ولا نكتم شهادة اللّه إنّا إذاً لمن الآثمين [المائدة/ 106]. وقال: ولا تكتموا الشّهادة ومن يكتمها فإنّه آثمٌ قلبه [البقرة/ 283] فوقع الإثم في الموضعين على من لم يؤدّ الأمانة في إقامة الشهادة. وأما قوله تعالى
[الحجة للقراء السبعة: 2/311]
وإذا قيل له اتّق اللّه أخذته العزّة بالإثم [البقرة/ 206] فإن الجار يجوز تعلقه بشيئين، بالأخذ وبالعزة، فإن علقته بالأخذ، كان المعنى: (أخذته بما يؤثم)، أي: أخذته بما يكسبه ذلك، والمعنى: للعزّة، أنه يرتكب ما لا ينبغي له أن يرتكبه، فكأن العزة حملته على ذلك وقلة الخشوع. وقد يكون المعنى:
الاعتزاز بالإثم، أي: يعتزّ بما يؤثمه فيبعده مما يرضاه الله.
وقالوا: تأثّم الرجل: إذا ترك الإثم واجتنبه، وتحوّب: إذا ترك الحوب. وكان القياس أن يكون تأثّم: إذا ركب الإثم، وفعله، مثل: تفوّق، وتجرّع. ومثل تحوّب أنهم قد قالوا:
هجد الرجل: إذا نام، وهجّدته: نوّمته، قال لبيد:
قال هجّدنا فقد طال السّرى أي: نوّمنا. وقالوا تهجّد إذا سهر، فهذا مثل تأثّم إذا اجتنب الإثم وتحوّب. وفي التنزيل: ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك [الإسراء/ 79].
قال أبو علي: حجة من قرأ بالباء: إثمٌ كبيرٌ أن يقول:
الباء أولى، لأن الكبر مثل العظم، ومقابل الكبر الصغر، قال تعالى: وكلّ صغيرٍ وكبيرٍ مستطرٌ [القمر/ 53]. وقد استعملوا في الذنب إذا كان موبقا الكبير، يدلّ على ذلك قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/312]
الّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش [النجم/ 53] وقال تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه [النساء/ 31].
فكما جاء: كبائر الإثم والفواحش وكبائر ما تنهون عنه بالباء، كذلك ينبغي أن يكون قوله: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ بالباء، ألا ترى أن شرب الخمر والميسر من الكبير، وكما وصف الموبق بالعظم في قوله عز وجل: إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ [لقمان/ 13] كذلك ينبغي أن يوصف بالكبر في قوله: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ وقالوا في غير الموبق: صغيرٌ وصغيرةٌ، ولم يقولوا: قليل. فلو كان كثيرٌ متجهاً في هذا الباب، لوجب أن يقال في غير الموبق: قليل، ألا ترى أن القلة مقابل الكثرة، كما أن الصغر مقابل الكبر؟
ومما يدل على حسن: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ قوله تعالى: وإثمهما أكبر من نفعهما واتفاقهم على أكبر ورفضهم لأكثر.
ومما يقوي ذلك أنه قد وصف بالعظم في قوله سبحانه: فقد افترى إثماً عظيماً [النساء/ 48] فكما وصف بالعظم، كذلك ينبغي أن يوصف بالكبر.
ووجه قراءة من قرأ بالثاء أنه قد جاء فيهما: إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون [المائدة/ 91] وجاء في الحديث فيما حدثنا ابن قرين
[الحجة للقراء السبعة: 2/313]
ببغداد في درب الحسن بن زيد، قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق بمصر في سنة ثمانٍ وستين ومائتين
قال: حدثنا أبو عاصم عن شبيب عن أنس بن مالك قال: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، في الخمر عشرةً: مشتريها، وبائعها، والمشتراة له، وعاصرها والمعصورة له، وساقيها، والمسقاها، وحاملها، والمحمولة إليه. وآكل ثمنها»
فهذا يقوي قراءة من قرأ (كثيرٌ).
فإن قال قائل: إن الكثرة إنما ذكرت ليس في نفس الخمر، ولا في نفس الميسر، إنما هي في أشياء تحدث عنها أو تؤدّي إليها، قيل: إن ذلك، وإن كان كما ذكرت، فقد وقع الذمّ في التنزيل عليها، ألا ترى أنه قال عز وجل: إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر والميسر: قمارٌ، وأكل المال بالباطل، وقد قال: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النساء/ 29].
ومما يقوي قراءة من قرأ كثير قوله تعالى: ومنافع للنّاس [البقرة/ 219] فكأن الإثم عودل به المنافع، فلما عودل به المنافع حسن أن يوصف بالكثرة، لأنه كأنه قال: فيه مضارٌّ كثيرة، ومنافع. فلما صار الإثم كالمعادل للمنافع، والمنافع يحسن أن توصف بالكثرة، كما جاء: لكم فيها منافع كثيرةٌ: [المؤمنون/ 21]
[الحجة للقراء السبعة: 2/314]
كذلك حسن أن يوصف الذي عودل به بالكثرة. وليس الخمر بالنبيذ في اللغة. والأسماء الأول لا توضع بالمقاييس، يدلّ على ذلك قول أبي الأسود:
دع الخمر تشربها الغواة فإنّني... رأيت أخاها مجزئاً بمكانها
فإلّا يكنها أو تكنه، فإنّه... أخوها غذته أمّه بلبانها
ألا ترى أن الشيء لا يكون أخا نفسه، وأن ما أدى إلى ذلك كان فاسداً.
اختلفوا في فتح الواو وضمها من قوله جل وعز: قل العفو [البقرة/ 219].
فقرأ أبو عمرٍو وحده: قل العفو رفعاً.
وقرأ الباقون: العفو نصباً.
وروي عن ابن عامرٍ نصب الواو أيضاً.
[الحجة للقراء السبعة: 2/315]
حدثني عبد الله بن عمرٍو بن أبي سعدٍ الوراق قال:
حدثنا أبو زيد عمر بن شبّة، عن محبوب بن الحسن، عن إسماعيل المكي عن عبد الله بن كثير أنه قرأ: قل العفو رفعاً. والذي عليه أهل مكة الآن النصب.
قال أبو علي: قال ابن عباس: العفو: ما فضل عن أهلك.
عطاءٌ وقتادة والسدّي: العفو: الفضل. قال الحسن: قل العفو: ما لا يجهدكم صفوه من أموالكم، ليس بالأصول. أبو عبيدة: العفو: الطاقة التي تطيقها، والقصد، يقال: ما عفا
لك أي ما صفا لك. غيره: غير الجهد من أموالكم.
قال أبو علي: اعلم أن قولهم: (ماذا) تستعمل على وجهين: أحدهما: أن يكون ما مع ذا اسماً واحداً، والآخر: أن يكون ذا بمنزلة الذي. والدليل على جعلهما جميعاً بمنزلة اسم واحد قول العرب: عمّا ذا تسأل؟ فأثبتوا الألف في (ما). فلولا أن «ما» مع «ذا» بمنزلة اسم واحد لقالوا: عمّ ذا تسأل؟ فحذفوا الألف من آخر ما، كما حذف من قوله: عمّ يتساءلون
[الحجة للقراء السبعة: 2/316]
[النبأ/ 1] وفيم أنت من ذكراها [النازعات/ 43] فلما لم يحذفوا الألف من آخر «ما» علمت أنه مع «ذا» بمنزلة اسم واحد، فلم تحذف الألف منه لمّا لم يكن آخر الاسم، والحذف إنما يقع إذا كانت الألف آخراً إلا أن يكون في شعرٍ، كقول الشاعر:
على ما قام يشتمني لئيمٌ... كخنزيرٍ تمرّغ في دمان
ويدل على ذلك قول الشاعر:
دعي ماذا علمت سأتّقيه... ولكن بالمغيّب نبّئيني
كأنه قال:
دعي شيئاً علمت، ومما يحمل على أن «ماذا» فيه شيءٌ واحد قول الشاعر:
يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم... لا يستفقن إلى الدّيرين تحنانا
[الحجة للقراء السبعة: 2/317]
فإنما قوله: «ماذا بال نسوتكم» بمنزلة: ما بال نسوتكم، فاستعملوا ماذا استعمال ما، من غير أن ينضم إليها ذا. ألا ترى أنّك لو حملت ذا على الذي في البيت لم يسهل: ما الذي هو بال نسوتكم؟ لأن المستعمل: ما بالك دون الآخر. فإنما جعل ماذا بمنزلة ما، كما جعل الآخر في قوله:
دعي ماذا علمت...
بمنزلة: دعي ما علمت، ألا ترى أنك لو لم تجعلهما اسماً واحداً، لجعلت ما استفهاماً، ولا يجوز وقوع دعي ونحوه من الأفعال قبل الاستفهام، ولا يعلّق عنه.
فإذا تبين بما ذكرنا أن ما مع (ذا) بمنزلة اسم واحد كان قوله تعالى: ماذا ينفقون بمنزلة قوله: ما ينفقون، وقوله: ماذا في موضعٍ نصبٍ، كما أن ما في قولك: ما ينفقون؟ وأيّا في قولك: أياً ينفقون؟ كذلك، فجواب هذا: العفو بالنصب.
كما تقول في جواب ما أنفقت؟ درهماً. أي: أنفقت درهماً.
فهذا وجه قول من نصب العفو في الآية.
وأما وجه قول من رفع فقال: قل العفو فإن ذا تجعل بمنزلة الذي بعد ما. ولا تجعل معها بمنزلة اسم واحد، فإذا قال: ماذا أنزل ربّكم [النحل/ 24] فكأنه قال: ما الذي أنزله ربّكم؟ فجواب هذا: قرآنٌ وموعظةٌ حسنةٌ، فتضمر المبتدأ الذي كان خبراً في سؤال السائل، كما تقول في جواب: ما الذي أنفقته؟ مال زيد، أي: الذي أنفقته مال زيد. فمما جاء
[الحجة للقراء السبعة: 2/318]
على هذا في التنزيل قوله تعالى: وإذا قيل لهم: ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين [النحل/ 24] فأساطير الأولين في قول سيبويه: يرتفع على ما ذكرته لك. وقد روي عن أبي زيدٍ وغيره من النحويين أنهم قالوا: لم يقرّوا، يريدون: أنهم لم يقرّوا بإنزال الله جلّ وعزّ لذلك، فكأنهم لم يجعلوا: أساطير الأوّلين خبر الذي أنزل.
ووجه قول سيبويه: أن أساطير الأولين خبر «ذا» الذي بمعنى الذي في قوله: ماذا أنزل ربّكم على أن يكون المعنى: الذي أنزل ربّكم عندكم أساطير الأولين.
كما جاءت: وقالوا: يا أيّها السّاحر ادع لنا ربّك [الزخرف/ 49] وكما قال: وقالوا يا أيّها الّذي نزّل عليه الذّكر إنّك لمجنونٌ [الشعراء/ 27] أي الذي نزّل عليه الذكر عنده وعند من تبعه. ومما جاء على هذا قول لبيد:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول... أنحبٌ فيقضى أم ضلالٌ وباطلٌ
كأنه لما قال: ما الذي يحاوله؟ أبدل بعد، فقال: أنحب؟
أي: الذي يحاوله نحبٌ فيقضى أم ضلال وباطل.
فقوله: فيقضى في موضع نصبٍ على أنه جواب
[الحجة للقراء السبعة: 2/319]
الاستفهام، وليس بمعطوف على ما في الصلة، ولو كان كذلك لكان رفعاً.
فقول من رفع فقال: العفو على هذا، كأنه لما قال:
ماذا ينفقون فكان المعنى: ما الّذي ينفقون؟ قال:
العفو، أي الذي ينفقون: العفو. فهذا وجه الرفع، ونظيره في التنزيل، في قول سيبويه الآية التي مرّت.
واعلم أنّ سيبويه لا يجيز أن يكون ذا بمنزلة الذي، إلا في هذا الموضع لما قام على ذلك من الدّلالة التي تقدمت.
والبغداديون يجيزون أن يكون ذا بمنزلة الذي في غير هذا الموضع. ويحتجون في ذلك بقول الشاعر:
عدس ما لعبّاد عليك إمارةٌ... نجوت وهذا تحملين طليق
فيذهبون إلى أن المعنى: والذي تحملين طليق.
ويحتجون أيضاً بقوله تعالى: وما تلك بيمينك يا موسى [طه/ 17] فيتأولونه على أن المعنى: ما التي بيمينك؟.
ولا دلالة على ما ذهبوا إليه من حمل الحكم على ذا،
[الحجة للقراء السبعة: 2/320]
بأنه بمنزلة الذي، وذلك أن قوله: بيمينك يجوز أن يكون ظرفاً في موضع الحال فلا يكون صلةً، وكذلك: «تحملين» في البيت يجوز أن يكون في موضع حال، والعامل في الحال في الموضعين ما في الاسمين المبهمين من معنى الفعل. وإذا أمكن أن يكون على غير ما قالوا لم يكن على قولهم دلالة.
وقد تأوّل أحد شيوخنا: ذلك هو الضّلال البعيد يدعوا [الحج/ 12، 13] على مذهبهم هذا فقال: ذلك بمنزلة الذي، وما بعده صلةٌ، والاسم المبهم مع صلته في موضع نصب بيدعو. وهذا الذي تأوّله عليه تأويلٌ مستقيمٌ إذا صحّ الأصل بدلالةٍ تقام عليه). [الحجة للقراء السبعة: 2/321]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}
قرأ حمزة والكسائيّ {قل فيهما إثم كبير} بالثاء وقرأ الباقون {إثم كبير} بالباء وحجتهم قوله {وإثمهما أكبر} ولم يقل أكثر
[حجة القراءات: 132]
وحجّة أخرى وهي أنهم استعملوا في الذّنب إذا كان موبقا يدل على ذلك قوله {الّذين يجتنبون كبائر الإثم} قالوا كذلك ينبغي أن يكون إثم {كبير} لأن شرب الخمر والميسر من الكبير
وحجّة من قرأ بالثاء قوله {إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصّلاة} فذكر أشياء من الإثم وحجّة أخرى أن الإثم واحد يراد به الآثام فوحد في اللّفظ ومعناه الجمع والّذي يدل عليه {ومنافع للنّاس} فعودل الإثم بالمنافع فلمّا عودل بها حسن أن يوصف بالكثير فإن قال قائل ينبغي أن يقرأ وإثمهما أكثر بالثاء قيل هذا لا يلزم من وجهين أحدهما أنهم مجمعون على الباء من وجهين وما خرج بالإجماع فلا نظر فيه والوجه الثّاني أن الاسم الثّاني بخلاف معنى الأول لأن الأول بمعنى الآثام فوحد في اللّفظ ومعناه الجمع والدّليل على ذلك {ومنافع للنّاس} وتقدير الكلام قل فيهما آثام كثيرة ومنافع للنّاس كما قال {يتفيأ ظلاله عن اليمين والشّمائل} فوحد اليمين في اللّفظ والمراد الأيمان فلذلك عطف عليه بالشمائل وهي جمع وأما قوله وإثمهما أكبر من نفعهما فلفظه ومعناه معنى التّوحيد يدل على ذلك أنه أتي بالنفع بعده موحدا
قرأ أبو عمرو {قل العفو} بالرّفع وقرأ الباقون بالنّصب من جعل ما اسما وذا خبرها وهي في موضع الّذي رد
[حجة القراءات: 133]
{العفو} فرفغ كأنّه قال ما الّذي ينفقون فقال العفو أي الّذي ينفقون العفو فيخرج الجواب على معنى لفظ السّؤال وحجته قوله {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأوّلين} قال أبو زيد أساطير ليس بجواب هذا السّؤال لأن الكفّار لم يؤمنوا بإنزال القرآن على النّبي صلى الله عليه وقال {إنّما يعلمه بشر} ولو أقرّوا أن الله ينزل عليه لما قالوا {أساطير الأوّلين} فهذا عدول عن الجواب ولكن التّقدير الّذي تزعمون أنه أنزل ربكم هو أساطير الأوّلين
من نصب {العفو} جعل {ماذا} اسما واحدًا بمعنى الاستفهام أي أي شيء ينفقون رد العفو عليه فينصب أي شيء ينفقون فخرج الجواب على لفظ السّؤال منصوبًا وحجتهم قوله {وقيل للّذين اتّقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا} على معنى أي شيء أنزل فقالوا خيرا فجاء الجواب على لفظ السّؤال منصوبًا). [حجة القراءات: 134]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (131- قوله: {إثم كبير} قرأه حمزة والكسائي بالثاء، جعلاه من الكثرة حملًا على المعنى، وذلك أن الخمر تحدث، مع شربها، آثام كثيرة من لغط وتخليط، وسب وأيمان، وعداوة وخيانة، وتفريط في الفرائض، وفي ذكر الله وفي غير ذلك، فوجب أن توصف بالكثرة، وقد قال بعد «ذلك ومنافع للناس» فجمع المنافع، وكذلك يجب أن تكون الآثام جمعًا، والجمع يوصف بالكثرة، وأيضًا فإن وصف الإثم بالكثرة أبلغ، من وصفه بالكبر، وقد قال الله جل ذكره: {وادعوا ثبورًا كثيرًا} «الفرقان 14» وقال: {ذكرًا كثيرًا} «الأحزاب 41» فأما قوله {وإثمهما أكبر} «البقرة 219» فأتى بالباء، فإنما ذلك؛ لأن الإثم الثاني واحد، والأولى بمعنى الآثام، فحسن في الأول الكثرة لكثرته، ولم يحسن في الثاني الكثرة لقلته في المعنى، وأيضًا فإنه إجماع، ويدل على أن الأول بمعنى الجمع قوله: {ومنافع} فعطف عليه بجمع، فهو مثله، ولمعنى الكثرة مزية على معنى الكبر، لأن الكثرة تستوعب معنى العظم ومعنى الكثرة، ولا يستوعب العظم معنى الكثرة؛ لأن الاثم يكون عظيمًا، ولا يكون كثيرًا إلا وهو عظيم، وتقول: كل كثير كبير، ولا تقول: كل كبير كثير، فالقراءة بالثاء أعم، لتضمنها معنى الكثرة والكبر، وقرأ الباقون بالباء، من الكبر، على معنى العظم، أي: فيهما إثم عليه السلام عظيم، ويقوي ذلك إجماعهم على قوله: {وإثمهما أكبر من نفعهما} بالباء، من العظم، وقد أجمعوا على أن شرب الخمر من الكبائر، فوجب أن يوصف إثمه بالكبر، وقد وصف الله الشرك بالعظم فقال: {إن الشرك لظلم عظيم} «لقمان 13» فكذلك ينبغي أن يوصف ما قرب من
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/291]
الشرك بالعظم، وهو شرب الخمر، لأنهما كبائر، والعظم والكبر سواء، ولما قالوا فيما هو دون الكبائر صغائر، وصغير وصغيرة وجب أن يُقال في الكبائر كثير، لأن الكثير مقابل للقليل، والكبير مقابل للصغير، وقد وصف الله الإثم بالعظم في قوله: {فقد افترى إثمًا عظيمًا} «النساء 48» والكبر مقابل للعظم في المعنى، قال أبو محمد: القراءتان حسنتان متداخلتان؛ لأن القراءة بالثاء مراد بها العظم، ولا شك أن ما عظم فقد كثر، وقد كبر، والباء أحبُّ إلي، لأن الجماعة عليه، ولقوله: {حوبًا كبيرًا} «النساء 2» والحوب الإثم، فوصفه بالكبر، وقال تعالى: {والفتنة أكبر من القتل} «البقرة 217» والفتنة هنا الكفر والكفر يشتمل على كل الآثام، وقد وصفه بالكبر، وهو اختيار أبي حاتم وأبي طاهر وأبي عبيد، وبه قرأ الحسن وأبو رجاء والأعرج وأبو جعفر وشيبة ومجاهد وقتادة وابن أبي إسحاق، وعليه العامة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/292]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (132- قوله: {قل العفو} قرأه أبو عمرو بالرفع، ونصب الباقون.
133- ووجه القراءة بالرفع أنه جعل «ما» و«ذا» اسمين، «ذا» بمعنى «الذي» و«ما» استفهام، تقديره: أي شيء الذي تنفقونه فـ «ما» مبتدأ و«الذي» خبره، فيجب أن يكون الجواب مرفوعًا أيضًا، من ابتداء وخبر، تقديره: الذي تنفقونه العفو، فيكون الجواب في الإعراب كالسؤال في الإعراب، والهاء محذوفة، من الصلة، في الجواب، أي: تنفقونه كذلك، هي مقدرة محذوفة من الصلة، وهو مثل قوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} «النحل 24» تقديره: أي شيء الذي أنزله ربكم قالوا الذي أنزله أساطير الأولين، فأتى الجواب على نحو السؤال في الإعراب والإضمار،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/292]
لكن حذف الابتداء، لصلته من الجواب، لدلالة الأول عليه، وكذلك هو في الآية مع «العفو».
134- ووجه القراءة بالنصب أن تكون «ما» و«ذا» اسمًا واحدًا في موضع نصب بـ «ينفقون» فيجب أن يكون الجواب أيضًا منصوبًا، كما تقول: ما أنفقت؟ فتقول: درهمًا، أي: أنفقت درهمًا، ولا هاء محذوفة مع النصب، ولا ابتداء مضمر مع النصب، إنما تُضمر فعلًا، تنصب به «العفو»، يدل عليه الأول، تقديره: يسألونك: أي شيء ينفقون، قل ينفقون العفو. ومثله قوله تعالى: {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرًا} «النحل 30» فـ «ما» و«ذا» اسم واحد، في موضع نصب بـ «أنزل» و«خيرًا» جواب منصوب كالسؤال تقديره: قالوا: أنزل خيرًا، والاختيار النصب للإجماع عليه، والقراءتان متقاربتان، لأن كل واحدة محمولة على إعراب السؤال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/293]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (73- {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [آية/ 219]:-
بالثاء، قرأها حمزة والكسائي.
[الموضح: 324]
ووجه ذلك أن الإثم ههنا عودل به المنافع التي تتصف بالكثرة؛ لكونها جمعًا في قوله تعالى: {ومَنافِعُ للنّاسِ}. فلما عودل به ما تقرر فيه الكثرة حسن فيه أيضًا أن يوصف بالكثرة، ويدل على ذلك قوله تعالى {إنّما يُرِيدُ الشّيطانُ أَنْ يُوقِعَ} الآية، فبين أن ما يحدث من الخمر مضار كثيرة في باب الدين، فدل على أن كثرة الإثم متقررة فيهما.
وقرأ الباقون {كَبِيرٌ} بالباء.
وذلك لأن الإثم إنما يوصف بالكبر نحو قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ} {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}، ثم إنهم أجمعوا في قوله تعالى {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ} على الباء دون الثاء، فإجماعهم عليه في الثاني يدل على أنه في الأول أيضًا بالباء). [الموضح: 325]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (74- {قل العفو} [آية/ 219]:
بالرفع قرأها أبو عمرو وحده.
وجه ذلك أنه جعل «ذا» من قوله «ماذا» بمنزلة الذي، ولم يجعلها مع ما بمنزلة اسمٍ واحدٍ، فيكون التقدير على هذا: ويسئلونك ما الذي ينفقونه؟ قال العفو، بالرفع، الذي ينفقونه العفو، فيرتفع العفو بخبر المبتدإ، ومبتدأه
[الموضح: 325]
مضمر، يدل عليه الذي ينفقون، وهو ما في سؤالهم.
وقرأ الباقون {العَفْوَ} بالنصب.
وذلك لأنهم جعلوا «ماذا» اسمًا واحدًا في قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} فهو مثل قولك: ما ينفقون، فماذا على هذا في موضع النصب بأنه مفعول {يُنْفِقُونَ}، كما تقول: ويسئلونك أي شيء ينفقون؟ فقوله تعالى {العَفْوَ} بالنصب جواب {مَاذَا يُنْفِقُونَ} وهو في موضع نصبٍ، فجوابه أيضًا نصب، كأنه قال: ينفقون العفو). [الموضح: 326]

قوله تعالى: {فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولو شاء اللّه لأعنتكم... (220).
قرأ ابن كثيرٍ: (ولو شاء اللّه لأعنتكم) بغير همز، وهمز الباقون.
قال أبو منصور: الاختيار الهمز، لأن ألف أعنتكم مقطوعة، وهي كالأصلية، فهمزها أكمل وأعرب.
وأما قراءة ابن كثير فهو عندي على اختياره تليين الهمزة، لا أنه حذف الهمزة). [معاني القراءات وعللها: 1/204]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه ابن طاوس عن أبيه أنه قرأ: [وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ أَصْلِحْ إِلَيْهِمْ خَيْرٌ].
قال أبو الفتح: خير مرفوع؛ لأنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: أصلح إليهم فذلك خير. وإذا جاز حذف هذه الفاء مع مبتدئها في الشرط الصحيح نحو قوله:
بني ثُعَل لا تنكَعوا العنز شِرْبَها ... بني ثعل من ينكع العنز ظالم
أي: فهو ظالم، كان حذف الفاء هنا، وإنما الكلام بمعنى الشرط لا بصريح لفظه، أجدر وأحرى بالجواز.
وقال: "إليهم" لما دخله معنى الإحسان إليهم، وقد ذكرنا نحو ذلك كثيرًا مما هو محمول على المعنى). [المحتسب: 1/122]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (77- {لَأَعْنَتَكُمْ} [آية/ 220]:-
غير مهموز، قرأها ابن كثير وحده في رواية البزي، ولم يذكر ابن مجاهد هذا الحرف، وابن كثير لم يحذف الهمزة وإنما لينها وخففها فجعلها بين بين، فتوهموا أنها محذوفة، فإن الهمزة من أعنت همزة قطعٍ، فلا تسقط حالة الوصل، كما تسقط همزات الوصل عند الصل، ألا ترى أنها همزة أفعل، وليست همزتها مما يسقط في حال الإدراج.
وقرأ الباقون «لأعْنَتَكُمْ» بالهمز، على الأصل، وهو الأولى). [الموضح: 328]

قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #65  
قديم 27 محرم 1440هـ/7-10-2018م, 12:00 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (222) إلى الآية (225) ]

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حتّى يطهرن... (222).
قرأ عاصم وحمزة والكسائي: (حتّى يطّهّرن) بتشديد الطاء والهاء.
وقرأ الباقون: (حتّى يطهرن) مخففا.
قال أبو منصور: من قرأ (حتّى يطّهّرن) والأصل: يتطهّرن والتطهر يكون بالماء، فأدغمت التاء في الطاء فشددت.
ومن قرأ (حتّى يطهرن) فالمعنى: يطهرن من دم المحيض إذا انقطع الدم. وجانز أن يكون يطهرن الطهر التام بالماء بعد انقطاع الدم). [معاني القراءات وعللها: 1/202]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تخفيف الطاء وضمّ الهاء. وتشديد الطاء وفتح الهاء من قوله جل وعز: حتّى يطهرن [البقرة/ 222].
فقرأ ابن كثيرٍ ونافعٌ وأبو عمرٍو وابن عامرٍ: يطهرن خفيفةً.
وقرأ عاصمٌ، في رواية أبي بكر والمفضل، وحمزة والكسائيّ: يطهرن مشدّدة.
حفصٌ عن عاصمٍ يطهرن خفيفةً.
قال أبو علي: قال أبو الحسن: طهرت المرأة. قال:
وقال بعضهم: طهرت. قال: وقالوا: طهرت طهراً وطهارةً.
[الحجة للقراء السبعة: 2/321]
والقول في ذلك: أنّ طهرت بفتح العين أقيس، لأنها خلاف طمثت، فينبغي أن يكون على بناء ما خالفه، مثل: عطش وروي ونحو ذلك.
ويقوي طهرت أيضاً قولهم: طاهرٌ، فهذا يدل على أنه مثل: قعد يقعد فهو قاعدٌ. ويحتمل أن يكون طهرت ويطهرن:
انقطع الدم الذي كان به طمثت. كما روي عن الحسن في تفسير قوله تعالى: حتّى يطهرن: حتى ينقطع الدم. ويحتمل أن يكون حتّى يطهرن: حتى يفعلن الطهارة التي هي الغسل، لأنّها ما لم تفعل ذلك كانت في حكم الحيض، لكونها ممنوعةً من الصلاة والتلاوة، وأن لزوجها أن يراجعها إذا كانت مطلّقةً، فانقطع الدم ولم تغتسل، كما كان له أن يراجعها قبل انقطاع الدم، وهذا قول عمر وعبد الله وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء. وروي لنا عن الشعبي أنه روى عن ثلاثة عشر من الصحابة، منهم أبو بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس ذلك.
فإذا كان حكم انقطاع الدم قبل الاغتسال حكم اتصاله، وجب أن لا تقرب حتى تغتسل. وإذا كان كذلك، كان قراءة من قرأ: حتّى يطهرن أرجح، لأنها ما لم تتطهر في حكم الحيّض، فيجب أن لا تقرب، كما لا تقرب إذا كانت حائضاً. ويؤكد ذلك قوله تعالى: وإن كنتم جنباً فاطّهّروا [المائدة/ 6] فكما أن الجنب يتطهّر بالماء إذا وجده، كذلك الحائض، لاجتماعهما في وجوب الغسل عليهما، وأن لفظ المتطهّر يختص بالتّطهّر بالماء أو ما قام مقامه.
[الحجة للقراء السبعة: 2/322]
وقراءة من قرأ: حتّى يطهرن على هذا التأويل، يحتمل أن يكون المراد بها: حتى يفعلن الطهارة، فلكونهنّ إذا لم يفعلن في حكم الحيّض، وحال من لم ينقطع الدم عنه منهنّ.
ويؤكد قراءة من قرأ: حتّى يطهرن إجماعهم في قوله:
فإذا تطهّرن فأتوهنّ [البقرة/ 222]. فكما أن هذا لا يكون إلا على الطهارة، فكذلك قوله: حتّى يطهرن يجب أن يكون على هذا اللفظ، ألا ترى شرط إتيانهنّ بعد التّطهّر في قوله:
فإذا تطهّرن فأتوهنّ.
وأما قولهم: الطّهور فلفظه على ضربين: اسم، وصفةٍ.
فإذا كان اسماً كان على ضربين:
أحدهما: أنه مصدر، وذلك قولهم فيما حكاه سيبويه:
تطهّرت طهوراً حسناً، وتوضأت وضوءاً، فهذا مصدرٌ على فعولٍ بفتح الفاء. ومثله: وقدت النار وقوداً، في أحرفٍ أخر.
وأما الاسم الذي ليس بمصدر، فما جاء من
قوله: «طهور إناء أحدكم كذا»
فالطّهور اسم لما يطهّر، كالفطور، والوجور، والسّعوط، واللّدود.
[الحجة للقراء السبعة: 2/323]
وأما كونه صفةً فهو قوله تعالى: وأنزلنا من السّماء ماءً طهوراً [الفرقان/ 48] فهذا كالرسول، والعجوز، ونحو ذلك من الصفات التي جاءت على فعولٍ ولا دلالة فيه على التكرير، كما لم يكن متعدّياً نحو: ضروبٍ، ألا ترى أن فعله غير متعدٍ تعدّي ضربت. ومن الصفة قوله جل وعز:
وسقاهم ربّهم شراباً طهوراً [الإنسان/ 21] فوصف بالطّهور لمّا كان خلافا لما ذكر في قوله: ويسقى من ماءٍ صديدٍ [إبراهيم/ 16]. ومن ذلك
قوله: «هو الطهور ماؤه».
فالطّهور هنا صفة، ألا ترى أنه قد ارتفع به الماء كما ارتفع الاسم بالصفات المتقدمة؟ وقال تعالى: خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم [التوبة/ 103] فمن جعل في تطهرهم ضمير الصدقة، ولم يجعله ضمير فعل المخاطب، فلما جاء من
«أن الصدقة أوساخ الناس»
فإذا أخذت منهم كان كالرفع لذلك، ورفعه تطهيرٌ [وقال تعالى ]: وطهّر بيتي للطّائفين [الحج/ 26] فجاء فيه طهّر لما جاء في المطهّر منه الرجس في قوله: فاجتنبوا الرّجس من الأوثان [الحج/ 30]. وقال سبحانه: ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ [البقرة/ 25] فوصفهنّ
[الحجة للقراء السبعة: 2/324]
بالطهارة يحتمل أمرين: يجوز أن يكنّ تطهّرن مما يكون فيهن من الحيض، ونحوه من الأقذار. ويجوز أن يكنّ مطهّراتٍ من الأخلاق السيئة لما فيهن من حسن التبعّل. ودلّ على ذلك قوله: فجعلناهنّ أبكاراً عرباً أتراباً [الواقعة/ 37] وأنشد يعقوب وثعلب:
وبالبشر قتلى لم تطهّر ثيابها وفسّراه بأنه لم يطلب بثأرهم ووجه ذلك: أنهم إذا قتلوا قتيلًا قالوا: دمه في ثوب فلانٍ، يعنون القاتل. وعلى هذا قول أوسٍ.
نبّئت أنّ دماً حراماً نلته... وهريق في بردٍ عليك محبّر
وقال:
نبّئت أن بني جذيمة أدخلوا... أبياتهم تامور نفس المنذر
وقال [أبو ذؤيب]:
[الحجة للقراء السبعة: 2/325]
تبرّأ من دم القتيل وثوبه... وقد علقت دم القتيل إزارها
علامة التأنيث في علقت للإزار. وأنّثها كما أنّثه ابن أحمر في قوله:
طرحنا إزاراً فوقها أيزنيّةٌ... على منهلٍ من قدقداء
ومورد وأنشد الأعشى بإلحاق علامته في قوله:
ترفل في البقيرة والإزاره
[الحجة للقراء السبعة: 2/326]
وإذا علقت إزاره دمها، صار دمه في ثوبها. فأما قوله عز وجل: وثيابك فطهّر [المدثر/ 4] فإنه أمر بالتزكّي واجتناب المأثم. قال قتادة: كانوا يقولون للرجل إذا نكث، ولم يوف بالعهد دنس الثياب، فإذا أوفى وأصلح قالوا: طاهر الثياب. فمما سلكوا فيه هذا المسلك قوله:
وقد لبست بعد الزبير مجاشعٌ... ثياب التي حاضت ولم تغسل الدّما
وكذلك قوله:
ثياب بني عوفٍ طهارى نقيّةٌ... وأوجههم بيض المسافر غرّان
يريد: أنهم لا يأتون ما يقال لهم فيه دنسو الثياب، وكذلك قوله: وأوجههم بيض المسافر، يريد: أنهم لا يرتكبون ما يدنّس الثياب ويسوّد الوجوه، قال تعالى: وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودًّا [النحل/ 58] فليس المعنى السواد الذي هو خلاف البياض، ولكن على ما يلحق من غضاضةٍ عن مذمّةٍ. ونزّلوا ولادة الأنثى- وإن لم يكن
[الحجة للقراء السبعة: 2/327]
فعلهم - منزلة ما يكون من فعلهم، مما يلحق من أجله العار. وعلى هذا ما يمتدح به من الوصف بالبياض، ليس يراد به بياض اللون، كقول الأعشى:
وأبيض مختلطٍ بالكرام... يجود ويغزو إذا ما عدم
وقول الآخر:
أمّك بيضاء من قضاعة قد... نمت لك الأمهات والنّضد). [الحجة للقراء السبعة: 2/328]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تقربوهن حتّى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر يطهرن بتشديد الطّاء والهاء
[حجة القراءات: 134]
وحجتهم ما جاء في التّفسير حتّى يغتسلن بالماء بعد انقطاع الدّم وذلك أن الله أمر عباده باعتزالهن في حال الحيض إلى أن يتطهرن بالماء وحجّة أخرى وهي قوله {فإذا تطهرن} قالوا وهي على وزن تفعلن فيجب أن يكون لها فعل وفعلها إنّما هو الاغتسال لأن انقطاع الدّم ليس من فعلها وحجّة أخرى اعتبارا بقراءة أبي حتّى يتطهرن ثمّ أدغموا التّاء في الطّاء
وقرأ الباقون {يطهرن} بتخفيف الطّاء وضم الهاء وحجتهم أن معنى ذلك حتّى ينقطع الدّم عنهن {فإذا تطهرن} أي بالماء قالوا إن الله أمر عباده باعتزال النّساء في المحيض إلى حين انقطاع دم الحيض قال الزّجاج يقال طهرت المرأة وطهرت إذا انقطع الدّم عنها). [حجة القراءات: 135]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (135- قوله: {حتى يطهرن} قرأه الحرميان وأبو عمرو وابن عامر وحفص مضموم الهاء، مخففًا، على معنى ارتفاع الدم وانقطاعه، ولكن لم تتم الفائدة إلا بقوله: {فإذا تطهرن} أي: بالماء، فأتوهن، فبهذا تمت الفائدة والحكم؛ لأن الكلام متصل بعضه ببعض، فلا يحسن أن يكون «يطهرن» مخففًا، تتم عليها الفائدة والحكم؛ لأنه يوجب إتيان المرأة، إذا انقطع عنها الدم، وإن لم تتطهر بالماء، ويكون قوله: {فإذا تطهرن} لا فائدة له؛ إذا الوطء قد يتم بزوال الدم، فلابد من اتصال، فإذا تطهرن بما قبله، وبه يتم الحكم، والفائدة في أن لا توطأ الحائض إلا بانقطاع الدم، والتطهير بالماء، فلو حمل الأول على التشديد، وفتح الهاء محمل الثاني، للزم أن توطأ الحائض، إذا تطهرت، وإن لم ينقطع عنها الدم، ففي التخفيف بيان الشرطين اللذين مع وجودهما،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/293]
توطأ الحائض، وهما: انقطاع الدم، والتطهير بالماء، وليس مع التشديد للطاء فيها دليل على أن انقطاع الدم شرط للوطء، فالقراءة بالتخفيف فيها بيان الحكم وفائدته، وهو الاختيار لأن فيها بيان إباحة الوطء بعد انقطاع الدم والتطهير بالماء، وقرأ الباقون بفتح الهاء مشددًا، على معنى التطهير بالماء دليله إجماعهم على التشديد في قوله: {فإذا تطهرن} فحمل الأول على الثاني، وأيضًا فإن التخفيف في الأول يوهم جواز إتيان الحائض إذا ارتفع عنها الدم، وإن لم تطهر بالماء فكأن التشديد فيه رفع التوهم أو هي في حكم الحائض ما لم تطهر وهي ممنوعة من الصلاة ما لم تتطهر، ولزوجها مراجعتها ما لم تطهر بالماء، وإن كان الدم قد انقطع، وهذا قول عمر وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وقال الشعبي: روي ذلك عن ثلاثة عشر من الصحابة منهم أبو بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس، فإذا كان حكم انقطاع الدم من غير غسل، حكم ثبوته، ووجب أن يؤثر التشديد، ليفيد الخروج عن حكم الحائض في جواز الوطء، وإباحة الصلاة ومنع الرجعة، ويدل على قوة التشديد أن في حرف أبي وابن مسعود «حتى يتطهرن» بياء وتاء، وهذا يدل على التطهير بالماء، ويدل على إدغام في الطاء، قال أبو محمد: ولولا اتفاق الحرميين، وابن عامر وأبي عمرو وحفص على التخفيف، لكان التشديد مختارًا أيضًا؛ لما ذكرنا من العلة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/295]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (75- {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [آية/ 222]:-
بفتح الطاء والهاء وتشديدهما، قرأها حمزة والكسائي وعاصم ياش-؛ لأن معناه: حتى يتطهرن بالماء، وأراد الاغتسال؛ لأنهن ما لم يغتسلن فهن في حكم الحيض في كثير من الأشياء، ويؤيد ذلك أنهم أجمعوا على {تَطَهَّرْنَ} في قوله {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} في قوله {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ}، فكما أن ذلك لا يكون إلا الاغتسال، فكذلك ينبغي أن يكون معنى هذا أيضًا.
وقرأ الباقون {حَتَّى يَطْهُرْنَ} بسكون الطاء وضم الهاء، ومعناه حتى ينقطع دم حيضهن، ويجوز أن يكون {يَطْهُرْنَ} أيضًا بمعنى {يَطَّهَّرْنَ}؛ لأنهن إنما يطهرن طهرًا تامًا إذا اغتسلن). [الموضح: 326]

قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}

قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)}

قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #66  
قديم 27 محرم 1440هـ/7-10-2018م, 12:01 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (226) إلى الآية (230) ]

{الَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}


قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)}

قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}

قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مسلمة بن محارب: [وَبُعُولَتْهُنَّ أَحَقُّ] ساكنة التاء.
[المحتسب: 1/122]
قال أبو الفتح: قد سبق نحو هذا في قراءة أبي عمرو: [يأمُرْكم]، وأنشدنا فيه الأبيات التي أحدها قول جرير:
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى ولا تعرفْكم العرب
أراد: لا تعرفُكم، فأسكن الفاء استخفافًا لثقل الضمة مع كثرة الحركات). [المحتسب: 1/123]

قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إلّا أن يخافا... (229).
قرأ حمزة ويعقوب: (يخافا) بضم الياء.
وقرأ الباقون: (يخافا).
قال أبو منصور: من قرأ (يخافا) بفتح الياء فإن الفراء قال: الخوف
[معاني القراءات وعللها: 1/202]
في هذا الموضع كالظن. قال: والاختيار (إلّا أن يخافا).
قال: وأما ما قرأ به حمزة (إلّا أن يخافا) فإنه اعتبر قراءة عبد الله التي رويت له "إلا أن تخافوا).
قال: ولم يصب حمزة، والله أعلم؛ لأن الخوف إنما وقع على (أن) وحدها إذ قال: (إلا أن تخافوا أن لا تقيموا"، وحمزة قد أوقع الخوف على الرجل والمرأة، وعلى (أن) ألا ترى أن اسمها في الخوف مرفوع بما لم يسم فاعله، فلو أراد: إلا أن يخافا على هذا، ويخافا بذا، أو من ذا.
فيكون على غير اعتبار قراءة عبد الله كان جائزًا.
[معاني القراءات وعللها: 1/203]
قال أبو منصور: الاختيار (إلّا أن يخافا) بفتح الياء، وهو قراءة أكثر القراء). [معاني القراءات وعللها: 1/204]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضم الياء وفتحها من قوله جلّ وعزّ: إلّا أن يخافا [البقرة/ 229].
فقرأ حمزة وحده: يخافا بضم الياء. وقرأ الباقون:
يخافا بفتح الياء.
[قال أبو علي] قال أبو عبيدة: إلّا أن يخافا معناها:
يوقنا، فإن خفتم هاهنا: فإن أيقنتم. و: إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه [البقرة/ 230] معناه: أيقنا.
وقال بعض البغداذيين: إلّا أن يخافا مثل: يظنا، قال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/328]
والظن والخوف واحد.
قال أبو علي: خاف: فعلٌ يتعدى إلى مفعولٍ واحد.
وذلك المفعول يكون أن وصلتها ويكون غيرها، فأما تعديه إلى غير أن فنحو قوله عزّ وجلّ: تخافونهم كخيفتكم أنفسكم [الروم/ 28] وتعديته إلى «أن» كقوله تعالى: تخافون أن يتخطّفكم النّاس [الأنفال/ 26] وقوله: أم يخافون أن يحيف اللّه عليهم [النور/ 50]. فإن عدّيته إلى مفعولٍ ثانٍ، ضعّفت العين، أو اجتلبت حرف الجر، كقولك: خوّفت الناس ضعيفهم قويّهم، وحرف الجر كقوله:
لو خافك الله عليه حرّمه ومن ذلك قوله عزّ اسمه: إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه [آل عمران/ 175] ف يخوّف قد حذف معه مفعولٌ يقتضيه تقديره: يخوّف المؤمنين بأوليائه، فحذف المفعول والجارّ، فوصل الفعل إلى المفعول الثاني، ألا ترى أنه لا
[الحجة للقراء السبعة: 2/329]
يخوّف أولياءه، على حدّ قولك: خوّفت اللصّ، إنما يخوّف غيرهم ممن لا استنصار له بهم، ومثل هذه في حذف المفعول منه قوله تعالى: فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ [القصص/ 7] المعنى: إذا خفت عليه فرعون، أو الهلاك.
فالجارّ المظهر في قوله: فإذا خفت عليه بمنزلة المحذوف من قوله: أولياءه.
وإذا كان تعدي هذا الفعل على ما وصفنا، فقول حمزة:
إلّا أن يخافا مستقيمٌ، لأنه لما بنى الفعل للمفعول به، أسند الفعل إليه، فلم يبق شيءٌ يتعدى إليه.
فأما (أن) في قوله تعالى: أن لا يقيما فإن الفعل يتعدى إليه بالجار، كما تعدّى بالجار في قوله:
لو خافك الله عليه حرّمه وموضع أن في قوله: إلّا أن يخافا: جرّ بالجار
[الحجة للقراء السبعة: 2/330]
المقدّر على قول الخليل والكسائي، ونصب على قول غيرهما، لأنه لما حذف الجارّ وصل الفعل إلى المفعول الثاني، مثل:
أستغفر الله ذنباً..
و: أمرتك الخير...
فقوله مستقيم على ما رأيت.
فإن قال قائل: لو كان يخافا كما قرأ، لكان ينبغي أن يكون: فإن خيفا، قيل: لا يلزمه هذا السؤال لمن خالفه في قراءته، لأنهم قد قرءوا: إلّا أن يخافا ولم يقولوا: فإن خافا فهذا لا يلزمه لهؤلاء.
وليس يلزم الجميع هذا السؤال لأمرين: أحدهما أن يكون انصرف من الغيبة إلى الخطاب كما قال: الحمد للّه ثم قال: إيّاك نعبد وقال: وما آتيتم من زكاةٍ تريدون وجه اللّه فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] وهذا النحو كثيرٌ في التنزيل وغيره.
والآخر: أن يكون الخطاب في قوله تعالى: فإن خفتم
[الحجة للقراء السبعة: 2/331]
مصروفاً إلى الولاة والفقهاء، الذين يقومون بأمور الكافة، وجاز أن يكون الخطاب للكثرة، فيمن جعله انصرافاً من الغيبة إلى الخطاب، لأن ضمير الاثنين في يخافا ليس يراد به اثنان مخصوصان، إنما يراد به أن كلّ من كان هذا شأنه فهذا حكمه.
فأمّا من قرأ: يخافا بفتح الياء، فالمعنى أنه إذا خاف كلّ واحدٍ من الزّوج والمرأة ألا يقيما حدود الله تعالى، حلّ الافتداء، ولا يحتاج في قولهم إلى تقدير الجار، وذلك أن الفعل يقتضي مفعولًا يتعدى إليه كما يقتضيه في نحو قوله تعالى: فلا تخافوهم وخافوني [آل عمران/ 175]، ولا بد من تقدير الجارّ في قراءة من ضمّ الياء، لأن الفعل قد أسند إلى المفعول، فلا يتعدى إلى المفعول الآخر إلا بالجار.
فأمّا ما قاله الفرّاء في قراءة حمزة: إلا بأن يخافا
[الحجة للقراء السبعة: 2/332]
من أنّه اعتبر قراءة عبد الله: إلا أن تخافوا فلم يصبه، لأن الخوف في قراءة عبد الله واقع على أن، وفي قول حمزة:
على الرجل والمرأة. فإن بلغه ذلك في رواية عنه فذاك، وإلا، فإذا اتجه قراءته على وجه صحيح، لم يجز أن ينسب إليه الخطأ، وقد قال عمر [رحمه الله]: لا تحمل فعل أخيك على القبيح ما وجدت له في الحسن مذهباً). [الحجة للقراء السبعة: 2/333]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحل لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا إلّا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}
قرأ حمزة {إلّا أن يخافا} بضم الياء وحجته قوله بعدها فإن خفتم فجعل الخوف لغيرهما ولم يقل فإن خافا
وقرأ الباقون {إلّا أن يخافا} وحجتهم ما جاء في التّفسير {إلّا أن يخافا} أي إلّا أن يخاف الزّوج والمرأة ألا يقيما حدود الله فيما يجب لكل واحد منهما على صاحبه م الحق والعشرة). [حجة القراءات: 135]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (136- قوله: {إلا أن يخافا} قرأ حمزة بضم الياء، وفتحها الباقون.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/294]
137- وحجة قراءة حمزة بضم الياء أنه بنى الفعل للمفعول، والضمير في «يخافا» مرفوع لم يُسم فاعله، يرجع للزوجين، والفاعل محذوف وهو الولاة والحكام والخوف بمعنى اليقين، وقيل: بمعنى «الظن» وقد ألزم من قرأ بضم الياء أن يقرأ: فإن خيفا، وهذا لا يلزم؛ لأن من قرأ بفتح الياء يلزمه أيضًا، أن يقرأ: فإن خافا، ولكنه في القراءتين جميعًا حسن من باب الخروج من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة كقوله: {حتى إذا كنتم} ثم قال: {وجرين بهم} «يونس 22» وكقوله: {الحمد لله رب العالمين} ثم قال: {إياك نعبد} وهو كثير.
138- ووجه القراءة بفتح الياء أنه حُمل على ظاهر الخطاب، يُراد به الزوجان إذا خاف كل واحد منهما ألا يقيما حدود الله حل الاقتداء، فهما الفاعلان، و«أن» في القراءة الأولى مقدر معها حذف حرف الجر؛ لأن الفعل قد تعدى إلى مفعوله، واقيم مقام الفاعل فـ «أن» في موضع جر، بإضمار حرف الجر، على قول الخليل والكسائي، ولكثرة حذفه مع «أن» فكأنه ملفوظ به، فحسن عندهما عمله، وهو محذوف، ولا يقاس عليه، و«أن» عند غيرهما من الكوفيين في موضع نصب لحذف حرف الجرف، فأما من قرأ بفتح الياء فـ «أن» في موضع نصب بالفعل؛ لأنه لم يتعد إلى مفعول، وهو يقتضي التعدي إلى مفعول، فتعدى إلى «أن» فهي في موضع نصب به، والاختيار ما عليه الجماعة من فتح الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/295]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (76- {إِلَّا أَنْ يَخَافَا} [آية/ 229]:-
بضم الياء قرأها حمزة ويعقوب.
ووجه ذلك أن الخوف في الحقيقة لا ينبغي أن يكون واقعًا عليهما؛ لأنهما لا يخافان ترك حدود الله تعالى، بل يخاف عليهما ذلك، فلهذا بني الفعل للمفعول به، فأسند إليهما، والتقدير: إلا أن يخافا على أن لا يقيما حدود الله، فحذف الجار وأوصل الفعل، فموضع أن وما بعده بوقوع الفعل عليهما، وعند الخليل والكسائي جر بتقدير الجار.
وقرأ الباقون {يَخَافَا} بفتح الياء.
ومعنى الخوف ههنا عند الفراء الظن، وعند غيره العلم، قال:
15- ولا تدفنني في الفلاة فإنني = أخاف إذا ما مت ألا أذوقها
أي أعلم، والمعنى على هذا: إلا أن يظنا أو يعلما أن لا يقيما حدود الله، ولا تحتاج إلى تقدير الجار في هذه القراءة؛ لأنه يقال: خفت الرجل والشيء، قال الله تعالى {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} ). [الموضح: 327]

قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يبيّنها... (230).
اتفق القراء على الياء في (يبيّنها) إلا ما روى المفضل عن عاصم: (نبيّنها) بالنون.
والمعنى فيمن قرأ بالنون والياء قريب من السواء، إلا أن القراءة
[معاني القراءات وعللها: 1/204]
بالياء أجود لاتفاق القراء عليها). [معاني القراءات وعللها: 1/205]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #67  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 08:40 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (231) إلى الآية (232) ]

{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)}

قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)}

قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #68  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 08:50 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (233) إلى الآية (234) ]

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}

قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا تضارّ والدةٌ بولدها... (233).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (لا تضارّ والدةٌ) رفعًا.
وروى أبان عن عاصم الرفع أيضًا، وقال أبو بكر بن مجاهد: أخبرني ابن أبي الرجال عن بشر بن هلال عن بكار عن أبان بن يزيد عن عاصم: (لا تضارر والدةٌ).
قال: كذا هو في كتابي راءين.
وقرأ الباقون: (لا تضارّ) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ (لا تضارّ والدةٌ) بفتح الراء.
والموضع موضع جزم على النهي، ولفظه لفظ الخبر، الأصل (لاتضارر) فأدغمت الأولى في الثانية، وانفتحت لالتقاء الساكنين، وهو الاختيار في المضاعف، كقولك عضّ زيدا، وضارّ عمرًا يا رجل، يعني: لا تضارّ والدةٌ بولدها، أي: لاتترك إرضاع ولدها ضرارًا لأبيه فتضر بالولد؛ لأن الوالدة أشفق على ولدها من الأجنبية، ولبنها له أهنأ وأمرأ.
[معاني القراءات وعللها: 1/205]
وقوله جلّ وعزّ: (ولا مولودٌ له بولده... (233).
أي: لا يضارّ الوالد الأمّ فيأخذه منها يروم بذلك غيظها فيضر بولده.
ومن قرأ (لا تضارّ) برفع الراء فإن المنذري أخبرني عن أحمد بن يحيى أنه قال: كان ابن كثير وأبو عمرو يقرآن (لاتضارّ)، قال: وأحسبهما آثرا الرفع عطفا على قوله: (لا تكلّف نفسٌ) فأتبعا الرفع الرفع وجعلاه خبرا، والمعنى نهي.
قال: والقراءة بالنهي، لأنه نهي صحيح.
قوده جلّ وعزّ: (إذا سلّمتم ما آتيتم... (233)
قرأ ابن كثير وحده: (ما أتيتم) بقصر الألف.
وقرأ الباقون: (ما آتيتنم).
قال أبو منصور: (ما آتيتم) معناه: ما أعطيتم، من أتى يؤتي، والمعنى: إذا سلمتم الأجرة إلى المرضعة، وقيل: إذا سلمتم، أي: ما أعطاه بعضكم
[معاني القراءات وعللها: 1/206]
لبعض من التراضي في ذلك.
ومن قرأ (ما أتيتم) بقصر الألف فإن ابن الأنباري قال: لا يحتمل أن يكون معناه غير ما جئتم بالمعروف، من المجيء.
قال: وليست في هذا الموضع حسنة، والقراء (ما آتيتم) ). [معاني القراءات وعللها: 1/207]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في نصب الراء ورفعها من قوله جلّ وعزّ: لا تضارّ والدةٌ [البقرة/ 233].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبان عن عاصم: لا تضارّ والدةٌ رفعاً.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: لا تضارّ نصباً.
وليس عندي عن ابن عامر في هذا شيء من رواية ابن ذكوان، ولكنّ المعروف عن أهل الشام النصب.
قال أبو علي: وجه قول من رفع أنّ قبله مرفوعا، وهو قوله لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها [البقرة/ 233] فإذا أتبعته ما قبله كان أحسن لتشابه اللفظ.
فإن قلت: إنّ ذلك خبر، وهذا أمر؛ قيل: فالأمر قد يجيء على لفظ الخبر في التنزيل، ألا ترى أنّ قوله والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ [البقرة/ 228] وقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/333]
تجاهدون في سبيل اللّه [الصف/ 11]، وهذا النحو، مثل ذلك، ويؤكد ذلك أن ما بعده على لفظ الخبر، وهو قوله:
وعلى الوارث مثل ذلك [البقرة/ 233]، والمعنى: ينبغي ذلك، فلما وقع موقعه صار في لفظه.
ومن فتح جعله أمراً، وفتح الراء لتكون حركته موافقة لما قبلها وهو الألف، وعلى هذا قول سيبويه: لو سمّيت رجلا بإسحارّ، فرخّمته على قول من قال: يا حار، لقلت: يا إسحارّ، ففتحت من أجل الألف التي قبلها، وعلى هذا حرّك بالفتح قول الشاعر:
وذي ولد لم يلده أبوان حرّك بالفتح لالتقاء الساكنين، لأن أقرب الحركات إليه الفتحة.
فأما قوله ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ [البقرة/ 282] فيحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون الفعل مسنداً إلى الفاعل، كأنه: لا يضارر كاتب ولا شهيد بتقاعده عن الكتاب والشهادة.
والآخر: لا يضارر أي: لا يشغل عن ضيعته ومعاشه باستدعاء شهادته وكتابته، وهو مفتوح لأن قبله أمراً، وليس الذي قبله خبراً، كما أنّ قبل الآية الأخرى خبراً، فالفتح للجزم بالنهي أحسن.
[الحجة للقراء السبعة: 2/334]
واختلفوا في المدّ والقصر من قوله جلّ وعزّ: إذا سلّمتم ما آتيتم [البقرة/ 233]، فقرأ ابن كثير وحده: إذا سلمتم ما أتيتم قصراً، كذا قرأته على قنبل.
وقرأ الباقون: ما آتيتم بالمدّ، أنّ المعنى على الإعطاء.
قال أبو علي: قد جاء: آتوهنّ أجورهنّ بالمعروف [النساء/ 25] وقال تعالى: وآتيتم إحداهنّ قنطاراً [النساء/ 20]، والمراد هنا: إعطاء المهر، وقال تعالى:
ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ أجورهنّ [الممتحنة/ 10]؛ فكما جاء في هذه المواضع في المهر آتى؛ فكذلك ينبغي أن تكون في الموضع الذي اختلف فيه.
ووجه قول ابن كثير أن يقدّر: إذا سلّمتم ما أتيتم نقده، أو أتيتم سوقه؛ فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وحذف الهاء من الصّلة، وكأنه قال: أتيت نقد ألف، أي:
بذلته، كما تقول: أتيت جميلًا، أي: فعلته.
ومما يقوي قوله قول زهير:
فما يك من خير أتوه فإنّما... توارثه آباء آبائهم قبل
[الحجة للقراء السبعة: 2/335]
فكما تقول: أتيت خيراً، وأتيت جميلًا، فكذلك تقول:
أتيت نقد ألف.
وقد وقع أتيت موقع آتيت. ويجوز أن يكون ما في الآية مصدراً، فيكون التقدير: إذا سلّمتم الإتيان، والإتيان:
المأتيّ، مما يبدّل بسوق أو نقد، كقولك: ضرب الأمير، تريد: مضروبه.
فأما قوله: بالمعروف يجوز أن يتعلق ب سلّمتم كأنه:
إذا سلمتم بالمعروف ما آتيتم. ويجوز أن يتعلق ب آتيتم على حدّ قولك: آتيته بزيد). [الحجة للقراء السبعة: 2/336]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه هارون عن أَسِيد عن الأعرج أنه قرأ: [لا تُضارْ والدة] جزم، كذا قال، جزم.
قال أبو الفتح: إذا صح سكون الراء في [تضار] فينبغي أن يكون أراد: لا تضارِر، كقراءة إبي عمرو، إلا أنه حذف إحدى الراءين تخفيفًا، وينبغي أن تكون المحذوفة الثانية؛ لأنها أضعف، وبتكريرها وقع الاستثقال. فأما قول الله تعالى: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} فإن المحذوف هي الأولى؛ وذلك أنهم شبهوا المضعف بالمعتل العين، فكما قالوا: لستَ قالوا: ظلت، ومثله مَستُ في مسِستُ، وأحسْتُ في أحسستُ، قال أبو زُبيد:
خلا أن العِتاق من المطايا ... أحسن بن فهُنَّ إليه شُوسُ
فإن قلت: فهلا كانت الأولى هي المحذوفة من تضارِر كما حذفت الأولى من ظلِلت ومسِست وأحسست؟
قيل: هذه الأحرف إنما حُذفن لأنهن شُبهن بحروف اللين، وحروف اللين تصح بعد هذه الألف نحو: عَاوَدَ وطَاوَلَ وبَايَعَ وسَايَر، والثانية في موضع اللام المحذوفة، نحو: لا تُرامِ.
فإن قيل: فكان يجب على هذا [لا تضارِ]؛ لأن الأولى مكسورة في الأصل؛ فيجب أن تُقر على كسرها.
[المحتسب: 1/123]
قيل: لا، بل لما حذفت الثانية وقد كانت الأولى ساكنة؛ لأنها كانت مدغمة في الثانية أُقرت على سكونها؛ ليكون دليلًا على أنها قد كانت مدغمة قبل الحذف، ولذلك نظائر منها قوله:
وكحَل العينين بالعواوِر
صحح الواو الثانية وإن كانت تلي الطرف، وقبل الألف التي قبلها واو؛ لأنه جعل الصحة في الواو دليلًا على أنه أراد العواوير، ولو لم يرد لذلك لوجب أنه يهمز فيقول: العوائر، كما همزوا في أوائل وأصلها أواول، وكما جعلوا صحة العين في حَوِلَ وعَوِرَ دليلًا على كون المثال في معنى ما لا بد من صحته، وهو احولَّ واعورَّ، وكما جعلوا ترك رد النون في قوله:
ارهن بنيك عنهم أرهن بني
دليلًا على أنه أراد بنيّ، فلما حذف الياء الثانية التي هي ضمير المتكلم لم يرجع النون من بنين؛ لأنه جعله دليلًا على إرادة الياء في بَنيّ، وأنه إنما حذفها للقافية، وهي في نفسه مرادة. وكما قال:
مال إلى أرطاة حِقف فاضطجع
ثم أبدل الضاد لامًا فقال: الطجع، وقد كان يجب إذا زالت الضاد أن ترجع تاء افتعل إلى اللفظ، وذلك أن أصله اضتجع افتعل من الضجعة، فيظهر التاء كما يقال: التجأ إليه والتفت والتقم؛ لكنه ترك الطاء بحالها تنبيهًا على أنه يريد الضاد، وأنه لما أبدلها لامًا اعتدها مع ذلك اعتداد الثابت.
ولذلك نظائر كثيرة، فكذلك ترك الراء من [تُضَارْ]ساكنة كما كانت تكون ساكنة لو خرجت على الإدغام المراد فيها. نعم، وإذا كان نافع قد قرأ: [ومَحْيايْ ومماتي] ساكن الياء من [محيايْ]، ولا تقدير إدغام هناك كان سكون الراء من [لا تضارْ] -وهو يريد تضارّ- أجدر.
وبعد هذا كله ففيه ضعف، ألا ترى أنك لو رخمت قاصًّا -اسم رجل- على قولك: يا حارِ؛ لقلت: يا قاصِ، فرددت عين الفعل إلى الكسر لأنه فاعل، وأصله قاصِص، فمن هنا ضعفت هذه القراءة وإن كان فيها من الاعتذار والاعتلال ما قدمنا ذكره.
[المحتسب: 1/124]
وقد روي فيها تشديد الراء مع السكون، ويجب أن يكون هذا على نية الوقف عليها، رُوي ذلك عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع). [المحتسب: 1/125]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا تكلّف نفس إلّا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {لا تضار والدة} بالرّفع على الخبر وحجتهما قوله قبلها {لا تكلّف نفس إلّا وسعها} فأتبعا الرّفع الرّفع نسقا عليه وجعلاه خبرا بمعنى النّهي فإن قلت إن ذلك خبر وهذا أمر قيل فالأمر قد يجيء على لفظ الخبر في التّنزيل ألا ترى قوله {والمطلقات يتربّصن بأنفسهنّ} و{لا تظلمون ولا تظلمون} والأصل لا تضارر والعرب لا تذكر في الأفعال حرفين من جنس واحد متحركين فسكن الأول وأدغم في الثّاني وهو وإن كان مرفوعا في معنى النّهي
وقرأ الباقون {لا تضار} بفتح الرّاء على النّهي وحجتهم قراءة ابن مسعود وابن عبّاس قرأ ذلك (لا تضارر) براءين فدلّ ذلك على أنه نهي محض فلمّا اجتمعت الراءان أدغمت الأولى في الثّانية وفتحت الثّانية لالتقاء الساكنين وهذا هو الاختيار في التّضعيف إذا كان قبله فتح أو ألف الاختيار ضار يا رجل
[حجة القراءات: 136]
قرا ابن كثير {إذا سلمتم ما آتيتم} مقصورة الألف أي ما جئتم وفي الكلام حذف المعنى إذا سلمتم ما أتيتم به
وقرأ الباقون {ما آتيتم} بالمدّ أي أعطيتم وحجتهم قوله {إذا سلمتم} لأن التّسليم لا يكون إلّا مع الإعطاء). [حجة القراءات: 137]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (139- قوله: {لا تُضار والدة} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالرفع وفتحه الباقون.
140- ووجه القراءة بالرفع أنه جعله نفيًا لا نهيًا، وأنه أتبعه ما قبله من قوله: {لا تكلف نفس إلا وسعها} وأيضًا فإن النفي خبر، والخبر قد يأتي في موضع الأمر، نحو قوله: {والمطلقات يتربصن} «البقرة 228» وقوله: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله} «الصف 11» فكذلك هذا أتى بلفظ الخبر، ومعناه النهي، فذلك شائع في كلام العرب.
141- ووجه القراءة بالفتح أنه جعله نهيًا على ظاهر الخطاب، فهو مجزوم، لكن تفتح الراء لالتقاء الساكنين، لسكونها وسكون أول المشدد، وخصها بالفتح دون الكسر، لتكون حركتها موافقة لما قبلها، وهو الألف، ويقوي حمله على النهي أن بعده أمرًا في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} و«والدة» يحتمل أن تكون فاعلة و«تضار» بمعنى يفاعل، أي: لا تضار والدة بولدها، فتطلب عليه ما ليس لها، وتمتنع من رضاع ولدها مضارة ويحتمل أن تكون مفعولة لم يُسم فاعلها، وتضار بمعنى تفاعل على معنى: لا تضار والدة بولدها، فتمتنع من ولدها في الرضاع، وهي تأخذ مثل ما تأخذ غيرها، ولا تُمنع من نفقته، وعلى ذلك يحمل، ولا مولود بولده، ويحتمل الوجهين جميعًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/296]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (142- قوله: {ما آتيتم بالمعروف} قرأه ابن كثير بغير مد، من باب المجيء؛ إذ لم يظهر في الكلام مفعولان، فيحمل على باب الإعطاء، لأن «أتى» من باب المجيء مقصور، يتعدى إلى مفعول، بحرف وبغير حرف جر من
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/296]
باب الإعطاء يمد فيتعدى إلى مفعولين، فلما لم يكن في الكلام إلا مفعول واحد بحرف جر، فحمل على باب المجيء، وقوي ذلك إتيان الباء بعده في «بالمعروف» وباب المجيء يتعدى إلى مفعول بحرف جر وبغير حرف كما قال تعالى: {أتينا بها} «الأنبياء 47» وقال: {فأتاهم الله} «الحشر 2» فأما «ما» فيحسن أن تكون مع الفعل مصدرًا بمعنى «الإتيان» في قراءة من قصر «آتيتم» و«الإتيان» بمعنى «التأتي» في قراءة من قصر «آتيتم»، و«الإتيان» بمعنى «التأتي» ويكون في قراءة من مد «آتيتم» مع الفعل بمعنى «الإيتاء» لأنه رباعي، و«الإيتاء» بمعنى المأتي، ويجوز أن تكون «ما» بمعنى الذي في القراءتين فتقدر «هاء» محذوفة من «آتيتم» وتكون الهاء هي المفعول لـ «آتيتم» لمن قصر، تعدى إليه بغير حرف، وتكون هي المفعول الأول، لمن مد «آتيتم» والثاني محذوف كما تقول: أعطيت زيدًا، ولا تذكر العطية، وقرأ الباقون «آتيتم» بالمد، من باب الإعطاء، لأنه يراد به إعطاء النفقة للأم أو للمرضعة، في الرضاعة، وقد قال تعالى: {فآتوهن أجورهن} «النساء 24» يعني الرضاعة، وقال: {إذا آتيتموهن أجورهن} «المائدة 5» فهو إجماع، فحمل هذا عليه، وهو الاختيار لإجماع القراء عليه، وكون «ما» بمعنى «الذي » أحسن، والهاء محذوفة وهي المفعول لـ «آتيتم» اقتصر فيه على مفعول واحد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/297]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (78- {لَا تُضَارَّ} [آية/ 233]:-
بالرفع قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
ووجه ذلك أن ما قبله مرفوع، فهو يتبعه، وذلك قوله تعالى {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ} فيكون بدلاً عنه وإخبارًا مثله في اللفظ، وإن كان نهيًا في المعنى، وإذا توافقت الجملتان كان أحسن.
وقرأ الباقون {تُضَارَّ} بفتح الراء.
ذلك لأنهم جعلوه نهيًا، فسكنت الراء الأخيرة للجزم، وسكنت الراء
[الموضح: 328]
الأولى للإدغام، فالتقى ساكنان، فحرك الآخر منهما على الفتح، ليوافقه الألف التي قبل الراء؛ لأن الألف والفتحة متجانستان). [الموضح: 329]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (79- {إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ} [آية/ 233]:-
بالقصر، قرأها ابن كثير وحده.
وذلك أن معنى أتيت فعلت، تقول: أتيت جميلاً وأتيت خيرًا: فعلته، وتقديره: ما أتيتم نقده أو أتيتم إعطاءه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، والهاء في القراءتين محذوفة من الصلة، والتقدير: أتيتموه، وقد ذكر بعضهم أن أتيت قد جاء بمعنى آتيت.
وقرأ الباقون {آتَيْتُمْ} بالمد.
وذلك أن آتيت بمعنى أعطيت، وقال الله تعالى {وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} {وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}، فلما جاء آتى في المواضع المتفق عليها، فكذلك ينبغي أن يكون عليه في الموضع المختلف فيه). [الموضح: 329]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه أبو عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب عليه السلام: [وَالَّذِينَ يَتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ] بفتح الياء.
قال ابن مجاهد: ولا يُقرأ بها.
قال أبو الفتح: هذا الذي أنكره ابن مجاهد عندي مستقيم جائز؛ وذلك أنه على حذف المفعول؛ أي: والذين يتوفون أيامهم أو أعمارهم أو آجالهم، كما قال سبحانه: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ}، و{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ}، وحَذْفُ المفعول كثير من القرآن وفصيح الكلام، وذلك إذا كان هناك دليل عليه، قال تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي: شيئًا، وأنشدنا أبو علي للحطيئة:
منعمة تصون إليك منها ... كصونك من رداء شَرعَبِيِّ
أي: تصون الكلام منها، وهو كثير جدًّا). [المحتسب: 1/125]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #69  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 10:19 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (235) إلى الآية (237) ]

{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}


قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}

قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (على الموسع قدره... (236).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم والحضرمي: (قدره) و(قدره) خفيفتين.
وقرأ الباقون: (قدره) بالتثقيل.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: التثقيل أعلى اللغتين (قدره).
قال: وقال الكسائي: يقرأ بالتخفيف والتثقيل، وكل صواب). [معاني القراءات وعللها: 1/208]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ التاء، ودخول الألف وفتحها، وسقوط الألف من قوله [جلّ وعزّ] تمسّوهنّ [البقرة/ 236].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
تمسّوهنّ بغير ألف، حيث كان، وفتح التاء.
وقرأ حمزة والكسائيّ: تماسوهن بألف وضم التاء.
قال أبو علي: حجة من قال تمسّوهنّ قوله [جلّ وعزّ:] ولم يمسسني بشرٌ [آل عمران/ 47] ألا ترى أنه جاء على: فعل دون فاعل، وكذلك قوله [عز اسمه]: لم يطمثهنّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ [الرحمن/ 74]، وقوله تعالى: فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ [النساء/ 25] فهذا كلّه على فعل.
[الحجة للقراء السبعة: 2/336]
والنكاح عبارة عن الوطء، وإن كان قد وقع على العقد:
قال الأعشى:
ومنكوحة غير ممهورة... وأخرى يقال له فادها
وقال آخر:
وبرحرحان غداة كبّل معبد... نكحت نساؤكم بغير مهور
وعلى الوطء يحمله سيبويه ويرويه.
قال سيبويه: قالوا: ضربها الفحل ضراباً كالنكاح، والقياس ضربا، ولا يقولونه، كما لا يقولون: نكحا، وهو القياس. وقالوا: ذقطها ذقطا، كالقرع، وهو النكاح ونحوه من باب المباضعة. وقال في موضع آخر: نكحها نكاحاً وسفدها سفاداً، وقالوا: قرعها قرعاً.
فكما أن هذه الأفعال على فعل دون فاعل، فكذلك ينبغي أن يكون في الموضع المختلف فيه.
فأمّا ما جاء في الظهار من قوله تعالى: من قبل أن يتماسّا [المجادلة/ 4]. فلا دليل فيه على ما في هذه الآية، لأن المماسّة في الظهار محرّم، وقد أخذ على كلّ واحد منهما
[الحجة للقراء السبعة: 2/337]
أن لا يمسّ، فمن ثمّ جاء: من قبل أن يتماسّا.
وحجة من قرأ: ولا تماسوهن أن فاعل وفعل قد يراد بكلّ واحد منهما ما يراد بالآخر، وذلك نحو: طارقت النّعل، وعاقبت اللّصّ، كما أن فعل واستفعل، يراد بكل واحد منهما ما يراد بالآخر، نحو: قرّ واستقرّ، وعلا قرنه واستعلاه، وفي التنزيل وإذا رأوا آيةً يستسخرون [الصافات/ 14] وكذلك عجب واستعجب.
واختلفوا في تحريك الدّال وتسكينها من قوله عزّ وجلّ: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.
[البقرة/ 236].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: قدره وقدره بإسكان الدال.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم:
قدره وقدره متحركتين.
قال أبو علي: قال أبو زيد: تقول قدر القوم أمرهم يقدرونه قدراً، وهذا قدر هذا: إذا كان مثله بجزم الدال، واحمل على رأسك قدر ما تطيق، وقدر الله الرزق يقدره.
وروى السّكّريّ: يقدره قدراً، وقدرت الشيء بالشيء. أقدره قدراً، وقدرت على الأمر أقدر قدرة وقدوراً وقدارة، ونسأل الله خير القدر.
[الحجة للقراء السبعة: 2/338]
وقال أبو الصقر: هذا قدر هذا، واحمل قدر ما تطيق.
وقال أبو الحسن: يقال: القدر والقدر، وهم يختصمون في القدر والقدر قال الشاعر:
ألا يا لقوم للنّوائب والقدر... وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري
وتقول: قدرت عليه الثوب؛ فأنا أقدره قدراً، لم أسمع منه بغير ذلك، وخذ منه بقدر كذا وقدر كذا لغتان، وفي كتاب الله [جلّ وعزّ] فسالت أوديةٌ بقدرها [الرعد/ 17] وبقدرها.. وعلى الموسع قدره وعلى المقتر قدره وقدره وقال تعالى: وما قدروا اللّه حقّ قدره [الأنعام/ 91]. لو حرّكت كان جائزاً، وكذلك: إنّا كلّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ [القمر/ 49] لو خفّفت جاز، إلا أنّ رءوس الآي كلها متحرّكة، فيلزم الفتح لأن ما قبلها مفتوح.
[قال أبو علي]: قد ذكر أبو الحسن فيما حكينا عنه في غير موضع أن القدر والقدر بمعنى، وكذلك فيما حكاه أبو زيد، ألا ترى أنه قال: احمل على دابّتك قدر ما
تطيق.
وهذا قدر هذا: إذا كان مثله.
قال: وقال أبو الصقر. هذا قدر هذا، واحمل على رأسك قدر ما تطيق، فحكى الإسكان والفتح بمعنى.
[الحجة للقراء السبعة: 2/339]
وقوله تعالى: فسالت أوديةٌ بقدرها [الرعد/ 17] اتساع، والمراد في سال الوادي، وجرى النهر: جرى مياهها فحذف المضاف، وكذلك قوله تعالى: بقدرها أي: بقدر مياهها.
ألا ترى أنّ المعنى ليس على أنها سالت بقدر أنفسها؟ لأن أنفسها على حال واحدة، وإنما تكون كثرة المياه وقلّتها وشدة جريها ولينه على قدر قلّة المياه المنزّلة وكثرتها.
والأودية: واحدها واد، وهو جمع نادر في فاعل، ولا نعلم فاعلًا جاء على أفعلة، ويشبه أن يكون ذلك لتعاقب فاعل وفعيل على الشيء الواحد، كعليم وعالم، وشهيد وشاهد، ووليّ ووال، ألا ترى أنهم جمعوا فاعلًا أيضاً على فعلاء في نحو: شاعر وشعراء، وفقيه وفقهاء؟ وجعلوا فاعلًا كفعيل في التكسير؟.
وقالوا: يتيم وأيتام، وأبيل وآبال، وشريف وأشراف، كما قالوا: صاحب وأصحاب وطائر وأطيار؛ فكذلك جمع واد على أودية، واللام من قولهم: واد ياء، ولا يجوز أن يكون غير ياء.
وقالوا: أودى الرجل إذا هلك؛ فهذا كقولهم: سالت نفسه، وفاضت نفسه، في قول من قاله بالضاد، وقالوا: أودى الرجل. وغيره قال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/340]
كأنّ عرق أيره إذا ودى... حبل عجوز ضفرت خمس قوى
فأما قوله:
مودون تحمون السبيل السابلا فهو مفعلون: من الأداة الذي يراد به السلاح، وليس من باب واد). [الحجة للقراء السبعة: 2/341]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وحفص {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} بفتح الدّال
وقرأ الباقون بالسّكون وحجتهم أن القدر مصدر مثل الوسع وفي معناه كقولك قدر فلان ألف درهم أي وسعه
وحجّة من فتح أن القدر أن تقدر الشّيء بالشّيء فيقال ثوبي على قدر ثوبك فكأنّه اسم التّأويل على ذي السعة ما هو قادر عليه من المتاع وعلى ذي الإقتار ما هو قادر عليه من ذلك ويقوّي هذه القراءة قوله {فسالت أودية بقدرها} وكان الفراء يذهب إلى أنّهما بمعنى واحد تقول هذا قدر هذا قدره). [حجة القراءات: 137]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (143- قوله: {تمسوهن} قرأه حمزة والكسائي بضم التاء، وبألف بعد الميم، ويمدان، وقرأ الباقون بفتح التاء، وبغير ألف، حيث وقع.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/297]
144- وحجة من قرأ بألف أنه جعل الفعل لاثنين، لأن كل واحد من الزوجين يمس الآخر بالوطء أو بالمباشرة، فبابه المفاعلة، ويجوز أن يكون «فاعل» كـ «فعل» في هذا فتكون القراءتان بمعنى، والمس من الزوج خاصة؛ لأنه الواطئ والمباشر، كما قالوا: داويت العليل وعاقبت اللص، وجاز أن يقع «فعل» و«فاعل» بمعنى، كما جاء «فعل واستفعل» قالوا: قرأ واستقرأ، وعلا قرنه واستعلاه، وعجبت واستعجبت بمعنى، ويدل على قوة القراءة بالألف أنهم أجمعوا على قوله تعالى: {من قبل أن يتماسا} «المجادلة 3» فوقع الفعل لهما كذلك، هذا لما كان من كل واحد من الزوجين مماسة للآخر عند الوطء حُمل على باب المفاعلة.
145- وحجة من قرأ بغير ألف أن المس هنا يرد به الوطء، أو المباشرة، والواطئ الرجل دون المرأة، فهو فعل واحد، فبابه «فعل» لا «فاعل» وأيضًا فقد أجمعوا على ترك الألف، في قوله تعالى مخبرًا عن قول مريم رضي الله عنها: {ولم يمسسني بشر} «آل عمران 47» ولم يقل: يُماسسني، فدل ذلك على أن الفعل للزوج وحده الواطئ، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه من القراء، ولأنه أصح في المعنى المقصود إليه.
146- قوله: «قدَره، وقدْره» قرأهما ابن ذكوان وحفص وحمزة والكسائي بفتح الدال، وأسكنها الباقون وهما لغتان، قال الأخفش: القدْر والقدَر، وهم يختصمون في القدْر والقدَر، ودليل الفتح إجماعهم على الفتح في قوله: {فسالت أودية بقدرها} «الرعد 17» و{إنا كل شيء خلقناه بقدر} «القمر 49» ودليل الإسكان إجماعهم على الإسكان في قوله:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/298]
{حق قدره} «الأنعام 91» و{لكل شيء قدرا} «الطلاق 3» و{ليلة القدر} «القدر 1» فالقراءتان متساويتان، وقد قيل: إن القدْر، بالإسكان، مصدر مثل الوُسع، والقدر الاسم مثل العدّ والعدد، والمد والمدد، وقيل: إن القدَر، بالفتح هو أن تقدر الشيء فتقول: ثوبي على قدر ثوبك، أي مثله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/299]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (80- {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [آية/ 236 و237]:-
بالألف وضم التاء، قرأها حمزة والكسائي في الحرفين، وكذلك في الأحزاب. ووجه ذلك أن الفعل مبني على المفاعلة؛ لأنه عبارة عن فعل
[الموضح: 329]
يشملهما حكمه، ويوصف كل واحد منهما بأنه قد مس صاحبه، كما يقال: نكح الرجل المرأة ونكحته، وفي المثل: انكحيني وانظري، ثم إن فاعل أيضًا قد جاء بمعنى فعل نحو: عاقبت اللص وطارقت النعل، فيجوز أن يكون هذا منه.
وقرأ الباقون {تَمَسُّوهُنَّ} بفتح التاء من غير ألف في السورتين.
وهو الاختيار؛ لأنه قد جاء في غير هذا الموضع من القرآن بغير ألف نحو {وَلَمْ يُمْسَسْنِي بَشَرٌ} فجاء على فعل دون فاعل). [الموضح: 330]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (81- {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [آية/ 236]:-
بفتح الدال منهما، قرأها ابن عامر وحمزة والكسائي و- ص- عن عاصم.
وقرأ الباقون {قَدْرُهُ} بإسكان الدال منهما.
[الموضح: 330]
وهما لغتان بمعنى واحدٍ، وفتح الدال أعجب إلى أبي العباس أحمد بن يحيى). [الموضح: 331]

قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من قبل أن تمسّوهنّ... (237).
قرأ حمزة والكسائي: (تماسّوهنّ) بضم التاء، وإثبات الألف.
وقرأ الباقون: (تمسّوهنّ) بغير ألف.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: من قرأ (تمسوهنً) فهو الاختيار لأنا وجدنا هذا الحرف في غير موضع من الكتاب بغير ألف: (لم يمسسني بشرٌ)، وكل شيء في القرآن من هذا الباب فهو فعل الرجل في
[معاني القراءات وعللها: 1/207]
باب الغشيان. قال: وهو أحبّ إليّ من قراءة من قرأ: (ما لم تماسّوهنّ) قال: ومن قرأ: (ما لم تماسّوهنّ) اعتد بأن الفعل لهما، وأنهما يلتذّان معًا بالجماع، فهو منهما). [معاني القراءات وعللها: 1/208]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [أو يعفُو الذي] ساكنة الواو.
قال أبو الفتح: سكون الواو من المضارع في موضع النصب قليل، وسكون الياء فيه أكثر، وأصل السكون في هذا إنما هو للألف؛ لأنها لا تحرك أبدًا، وذلك كقولك: أريد أن تحيا، وأحب أن تسعى، ثم شُبهت الياء بالألف لقربها، فجاء عنهم مجيئًا كالمستمر، نحو قوله:
كأن أيديهن بالْمَومَاة ... أيدي جَوارٍ بِتْنَ ناعماتِ
[المحتسب: 1/125]
وقال الآخر:
كأن أيديهن بالقاع القَرِق ... أيدي جوار يتعاطين الورِق
وقال الأعشى:
إذا كان هادي الفتى في البلا ... دِ صدرُ القناة أطاع الأميرا
فيمن رواه برفع الصدر.
وقال الآخر:
حُدْبًا حَدابير من الوَخْشَنِّ ... تركنَ راعيهن مثل الشَّنِّ
وقال الآخر:
يا دار هند عفت إلا أثافيها
وقال رؤبة:
سوَّى مساحيهن تقطيط الْحُقَقْ ... تَفْليلُ ما قارعْن من سُمرِ الطُّرَق
وكان أبو العباس يذهب إلى أن إسكان هذه الياء في موضع النصب من أحسن الضرورات؛ وذلك لأن الألف ساكنة في الأحوال كلها، فكذلك جعلت هذه، ثم شبهت الواو في ذلك بالياء، فقال الأخطل:
إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها ... رفعن، وأنزلن القطين المولَّدا
[المحتسب: 1/126]
وقال الآخر:
فما سوَّدتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
فعلى ذلك ينبغي أن تحمل قراءة الحسن: [أو يعفُو الذي]، فقال ابن مجاهد: وهذا إنما يكون في الوقف، فأما في الوصل فلا يكون، وقد ذكرنا ما فيه، وعلى كل حال فالفتح أعرب: {أو يعفُوَ الذي} ). [المحتسب: 1/127]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي -عليه السلام- وأبي رجاء وجُؤيَّة بن عائذ: [ولا تَنَاسَوُا الفضل بينكم].
قال أبو الفتح: الفرق بين تَنْسَوْا وتَنَاسَوْا أن تنسوا نَهْي عن النسيان على الإطلاق: انْسُوه أو تَنَاسَوه.
فأما تناسوا فإنه نهي عن فعلهم الذي اختاروه، كقولك: قد تغافل وتصامَّ وتناسى: إذا أظهره من فعله، وتعاطاه وتظاهر به، وأما تَفَعَّل فإنه تَعَمُّلُ الأمر وتكلفه، كقوله:
ولن تستطيع الحلم حتى تحلما
أي: حتى تَكَلَّفه.
ومثل الأول قوله:
إذا تخازَرتُ وما بي من خَزَر
فإن قيل: ومَن ذا الذي يتظاهر بنسيان الفضل؟
قيل: معناه -والله أعلم- إنكم إذا استكثرتم من هجر الفضل، وتثاقلتم عنه؛ صرتم كأنكم متعاطون لتركه، متظاهرون بنسيانه. وهذا كقولك للرجل يكثر خَطَؤُه: أنت تتحايد الصواب تَوقِّيَ، عرف به، وأنت معتمِلٌ لما لا يحسن، وإن لم يقصد هو لذلك.
[المحتسب: 1/127]
ويُحسِّن هذه القراءة: أنك إنما تنهى الإنسان عن فعله هو، والتناسي من فعله، فأما النسيان فظاهره أنه من فعل غيره به، فكانه أُنسي فنَسِيَ، قال الله سبحانه: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ}.
وزاد في حسنه شيء آخر؛ وهو أن المأمور هنا جماعة، وتفاعَلَ لائق بالجماعة؛ كتقاطعوا وتواصلوا وتقاربوا وتباعدوا. فأما قوله تعالى: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} فلاقَ به فعل "نسي"؛ لأن المأمور هنا واحد، ولأن العرف والعادة أن الإنسان لا يكاد يُحض على ما هو حلال له؛ بل الغالب المعتاد أن يُكفَّ عما ليس له تناوله، وعليه وضع التكليف لما يُستحق عن الطاعة فيه من الثواب، قال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ}، وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}، والآي في ذلك كثيرة.
فقوله إذن: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} أي: لك فيها حظ وحلال فتناوله، فلا بأس بتناول الحلال.
ولو قيل: "ولا تناس نصيبك" لكان فائدته: لا تُظهر سهوك عنه، وتتظاهر بنسيانك إياه، وذلك إذا ترك الحلال وهو في صورة الساهي عنه لم تكن له في النفوس منزلة الذي يتركه وهو عالم بحِلِّه له، وإباحته إياه، هذا هو العادة والعرف فيما يتعاطاه أهل الدنيا بينهم). [المحتسب: 1/128]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن طلقتموهن من قبل أن تمسّوهنّ}
قرأ حمزة والكسائيّ {من قبل أن تمسّوهنّ} بضم التّاء وبالألف
[حجة القراءات: 137]
وقرأ الباقون {من قبل أن تمسّوهنّ} بفتح التّاء من مسست امرأتي وهو الجماع وحجتهم أن الرجل هو المنفرد بالمسيس ويقوّي هذه القراءة قوله في قصّة مريم {ولم يمسسني بشر} ولم يقل يماسني وجاء في الحديث أيضا إذا طلق الرجل من قبل أن يمس
وحجّة من قرأ (تماسوهن) أن المسيس وإن كان من الرجل فالمرأة مشاركة فيه وكل ماس شيئا فالممسوس ماس له وكذلك الملاقي ويقوّي هذه القراءة قوله {من قبل أن يتماسا} على إسناد الفعل إليهما). [حجة القراءات: 138]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (80- {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [آية/ 236 و237]:-
بالألف وضم التاء، قرأها حمزة والكسائي في الحرفين، وكذلك في الأحزاب. ووجه ذلك أن الفعل مبني على المفاعلة؛ لأنه عبارة عن فعل
[الموضح: 329]
يشملهما حكمه، ويوصف كل واحد منهما بأنه قد مس صاحبه، كما يقال: نكح الرجل المرأة ونكحته، وفي المثل: انكحيني وانظري، ثم إن فاعل أيضًا قد جاء بمعنى فعل نحو: عاقبت اللص وطارقت النعل، فيجوز أن يكون هذا منه.
وقرأ الباقون {تَمَسُّوهُنَّ} بفتح التاء من غير ألف في السورتين.
وهو الاختيار؛ لأنه قد جاء في غير هذا الموضع من القرآن بغير ألف نحو {وَلَمْ يُمْسَسْنِي بَشَرٌ} فجاء على فعل دون فاعل). [الموضح: 330] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #70  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 11:38 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (238) إلى الآية (242) ]

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)}


قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}

قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وصيّةً لأزواجهم... (240).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر عن عاصم والكسائي ويعقوب: (وصيّةٌ) رفعا.
وقرأ الباقون: (وصيّةً) نصبا.
[معاني القراءات وعللها: 1/208]
قال أبو منصور: من قرأ (وصيّةً) أراد فليوصوا وصيّةً، ومن رفع فالمعنى فعليهم وصيّةٌ لأزواجهم، هكذا قال النحويون، والاختيار الرفع لقراءة أبيٍّ وابن مسعود: (الوصية لأزواجهم متاعًا).
قال أبو منصور: وهذا منسوخ). [معاني القراءات وعللها: 1/209]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله عز وجلّ وصيّةً لأزواجهم [البقرة/ 240] في رفع الهاء ونصبها.
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي:
وصيّةً لأزواجهم برفع الهاء.
وقرأ أبو عمرو وحمزة وابن عامر وحفص عن عاصم وصيّةً نصباً.
قال أبو علي: حجة من قال: وصيّةً لأزواجهم فرفع، أنه يجوز أن يرتفع من وجهين. أحدهما: أن يجعل الوصية مبتدأ والظرف خبره، وحسن الابتداء بالنكرة، لأنه موضع تحضيض، كما حسن أن يرتفع: سلام عليك، وخير بين
[الحجة للقراء السبعة: 2/341]
يديك، و «أمت في حجر لا فيك» وقوله:
لملتمس المعروف أهل ومرحب لأنها مواضع دعاء؛ فجاز فيها الابتداء بالنكرة لما كان معناها كمعنى المنصوب، والآخر: أن تضمر له خبراً فيكون قوله: لأزواجهم صفة وتقدير الخبر المضمر: فعليهم وصية لأزواجهم. ولو حمل حامل قوله تعالى: فصبرٌ جميلٌ [يوسف/ 18، 83] على هذا لأنه موضع يحضّ نفسه فيه على الصبر، كان وجهاً. ويؤكد قول من رفع أن نحوه قد جاء في التنزيل مرفوعاً، نحو قوله: فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ [البقرة/ 196]، فقوله: في الحجّ متعلق بالمصدر، وليس في موضع خبر، وقوله: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ، ذلك كفّارة أيمانكم [المائدة/ 89] وقوله فتحرير رقبةٍ [النساء/ 92] فهذا النحو قد جاء مرفوعاً على تقدير إضمار خبر، فكذلك الآية.
[الحجة للقراء السبعة: 2/342]
ومن قرأ: وصيّةً حمله على الفعل ليوصوا وصية، ويكون قوله: لأزواجهم وصفاً كما كان في قول من أضمر الخبر كذلك.
ومن حجتهم: أن الظرف إذا تأخّر عن النكرة كان استعماله صفة أكثر، وإذا كان خبراً تقدّم على المنكّر إذا لم يكن في معنى المنصوب كقوله: ولهم أعمالٌ من دون ذلك [المؤمنون/ 63] ولدينا مزيدٌ [ق/ 35] فإذا تأخرت؛ فالأكثر فيها أن تكون صفات.
والمعنى في قوله: والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم: والذين يقاربون الوفاة، فينبغي أن يفعلوا هذا، ألا ترى أن المتوفى لا يؤمر ولا ينهى؟!. ومثل ذلك في المعتدّة: فإذا بلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروفٍ، أو فارقوهنّ بمعروفٍ [الطلاق/ 2] المعنى في ذلك: إذا قاربن انقضاء أجلهنّ من العدّة، لأن العدّة إذا انقضت، وقعت الفرقة، ولا خيار بعد وقوع الفرقة). [الحجة للقراء السبعة: 2/343]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({والّذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصيّة لأزواجهم}
قرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص {وصيّة} بالنّصب وقرأ الباقون بالرّفع فمن نصب أراد فليوصوا وصيّة لأزواجهم ومن رفع فالمعنى فعليهم وصيّة لأزواجهم وحجتهم أن في قراءة أبي الوصيّة لأزواجهم قال نحويو البصرة يجوز أن ترتفع من وجهين أحدهما أن تجعل الوصيّة متبدأ والظرف خبرا كما تقول سلام عليكم والآخر أن تضمن له خبرا المعنى فعليهم وصيّة لأزواجهم). [حجة القراءات: 138]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (147- قوله: {وصية} قرأها الحرميان وأبو بكر والكسائي بالرفع، ونصبها الباقون.
148- وحجة من قرأ بالنصب أنه حمله على معنى الأمر بالإيصاء لمن ذكر، وهو منسوخ، فإذا حمل على الأمر، والأمر يحتاج إلى الفعل، فأضمر الفعل فنصب «وصية» والتقدير: فليوصوا وصية، فالنصب يدل على معنى الأمر.
149- وحجة من رفعه أنه حمله على الابتداء، وجعل «لأزواجهم» الخبر، وحسن الابتداء بنكرة، لأنه موضع تخصيص، كما حسن «سلام عليك» رفع بالابتداء، ومثله: خير بين يديك، ويجوز أن ترفع «الوصية» بالابتداء، والخبر محذوف، ويكون «لأزواجهم» صفة للوصية، فيحسن الابتداء بنكرة، إذ هي موصوفة، والنكرات إذا وصفت حسن الابتداء بها، لما فيها من الفائدة، تقديره: فعليهم وصية لأزواجهم، وقد أجمعوا على الرفع في قوله تعالى: {فصبرٌ جميل} «يوسف 18» وعلى قوله: {فصيام ثلاثة أيام} «البقرة 196» وعلى قوله: {فتحرير رقبة} «النساء 92» فكل هذا رفع بالابتداء على تقدير حذف الخبر ويقوي الرفع أيضًا أنها في قراءة أبي «فمتاع لأزواجهم» وفي حرف ابن مسعود «الوصية لأزواجهم» فهذا يقوي الرفع، والرفع هو الاختيار لما ذكرنا ولأن عليه الحرميين وأبا بكر وغيرهم، وهي قراءة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/299]
علي بن أبي طالب وقتادة ومجاهد وأصحاب ابن مسعود والأعرج وغيرهم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/300]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (82- {وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم} [آية/ 240]:-
بالنصب، قرأها أبو عمرو وابن عامر وحمزة ص-.
ووجه ذلك أنه محمول على الفعل، والتقدير: ليوصوا وصية، فهو مصدر قد حذف فعله، وقوله {لأَزْوَاجِهِمْ} صفة لوصية، وموضعها نصب.
وقرأ الباقون {وَصِيَّةٌ} بالرفع، وفيها وجهان:
أحدهما: أن يكون رفعًا بالابتداء، وقوله {لأزْوَاجِهِمْ} خبره، وإنما حسن الابتداء بالنكرة ههنا؛ لأن فيه معنى الأمر، فيكون المعنى كمعنى المنصوب.
والآخر: أن يكون أيضًا رفعًا بالابتداء، لكن الخبر مضمر، والتقدير: فعليهم وصية، وقوله {لأَزْوَاجِهِمْ} صفةٌ على ما تقدم). [الموضح: 331]

قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)}

قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #71  
قديم 30 محرم 1440هـ/10-10-2018م, 09:38 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (243) إلى الآية (245) ]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}


قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)}

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)}

قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فيضاعفه له... (245).
قرأ ابن كثير: (فيضعّفه له) بتشديد العين مرفوعًا بغير ألف، وكذلك قرأ في الحديد بالرفع، وكذلك شدد كل ما كان من هذا، كقوله: (والله يضعّف) و: (يضعّفه) و(يضعّف لها العذاب)، ونحوهن، وتابعه
[معاني القراءات وعللها: 1/209]
ابن عامرٍ ويعقوب في التشديد وحذف الألف في كل هذا، وخالفاه في الإعراب فنصبا في البقرة والحديد.
وقرأ أبو عمرو وحمزة ونافع والكسائي: (فيضاعفه) بالرفع وإثبات ألف وكذلك قرأوا في الحديد، وخففوا قوله: (والله يضاعف) بالألف، و(أضعافًا مضاعفة) وما أشبهه.
هذا في كل القرآن إلا أبا عمرو فإنه يحذف الألف في الأحزاب، ويشدد العين من قوله: (يضعّف لها العذاب ضعفين).
وقرأ عاصم (فيضاعفه) هاهنا وفي الحديد بالنصب والتخفيف، وكذلك يخفف جميع هذا ويثبت الألف.
قال أبو منصور: من قرأ (يضاعف) أو (يضعّف) فمعناهما واحد، أخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت أنه قال: تقول العرب: ضاعفت الشيء وضغفته.
ومثله: صاعر خذه وصعّره، وامرأة مناعمة ومنعّمة، وعاليت الرجل فوق البعير وعليّته.
[معاني القراءات وعللها: 1/210]
ومن قرأ بالرفع (فيضاعفه) فإن أبا العباس قال: من رفعه جعل (الذي) جزاء، وجعل الفاء منسوقة على صلة (الذي)، قال: ومن فصب (فيضاعفه) جعل جواب الاستفهام.
قال: والقراءة عندنا بالرفع، لأن فيه تأويل الجزاء، وكذلك بعض أصحابنا.
قال أبو إسحاق: من رفع (فيضاعفه) عطفه على قوله: (يقرض الله)، ومن نصب فعلى جواب الاستفهام بالفاء). [معاني القراءات وعللها: 1/211]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (يقبض ويبسط... (245)، و: (وزاده بسطةً).
قرأ ابن كثير كل شيء في القرآن (يقبض ويبسط) و(وزاده بسطةً).
[معاني القراءات وعللها: 1/211]
في البقرة، وفي الأعراف مثله، و(المسيطرون) بالسين، وقرأ (بمصيطرٍ) بالصاد هذه وحده.
وقرأ نافع: (يقبض ويبصط) و(وزادكم في الخلق بصطةً) في الأعراف، و(المصيطرون) و(بمصيطرٍ) بالصاد في هذه الأربعة المواضع، وسائر القرآن بالسين.
وقرأ أبو عمرو وحمزة (المصيطرون) و(بمصيطر) بالصاد فيهما، وأشمهما حمزة الزاي، وسائر القراء بالسين.
وروى حفص عن عاصم (يقبض ويبسط) و(بسطة) في البقرة، و(بسطة).
في الأعراف بالسين.
[معاني القراءات وعللها: 1/212]
وقرأ ابن عامر والحضرمي (يقبض ويبسط)، و(بسطةً) في البقرة بالسين، والباقي بالصاد.
وقرأ الكسائي كل شيء في القرآن بالصاد، إلا قوله: (وزاده بسطةً) في البقرة بالسين، وهذه رواية ابن عمر ونصير.
وقال الفراء عن الكسائي: إنه قرأ كل هذا بالسين.
قال أبو منصور: العرب تجيز السين والصاد في كل حرف فيه طاء.
وأخبرني أبو بكر عن شمر لأبي عبيد أنه قال: إذا كان في الاسم طاء أو خاء أو قاف أو غين ولا يكون في غير هذه الأربعة، مثل: الصراط والزراط والسراط، والبزاق والبصاق، وسنخ الودك وزنغ، ومصدغة ومزدغة ومسدغة). [معاني القراءات وعللها: 1/213] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد العين وتخفيفها ورفع الفاء ونصبها وإسقاط الألف وإثباتها من قوله جلّ وعزّ: فيضاعفه [البقرة/ 245].
فقرأ ابن كثير فيضعفه برفع الفاء من غير ألف في جميع القرآن، وفي الحديد مثله رفعاً، وكذلك: يضاعف
[الحجة للقراء السبعة: 2/343]
[البقرة/ 261]، ويضعفه [التغابن/ 17]، ومضعفة [آل عمران/ 130]، ويضعف لها [الأحزاب/ 30] ويضعف لمن يشاء [البقرة/ 261] وما أشبه ذلك، كلّه بغير ألف.
وقرأ ابن عامر: فيضعفه بغير ألف مشدّداً في جميع القرآن، ووافقه عاصم على النصب في الفاء في: فيضاعفه إلا أنه أثبت الألف في كل القرآن. وكان أبو عمرو لا يسقط الألف من ذلك كلّه في جميع القرآن إلا في سورة الأحزاب، قوله: يضعف لها العذاب فإنه بغير ألف.
وقرأ [نافع وحمزة والكسائيّ] ذلك كلّه بالألف، ورفع الفاء.
قال أبو علي: للرفع في قوله: فيضاعفه وجهان:
أحدهما: أن تعطفه على ما في الصلة، والآخر: أن تستأنفه.
فأمّا النصب في: فيضاعفه فإن الرفع أحسن منه، ألا ترى أن الاستفهام إنما هو عن فاعل الإقراض، ليس عن الإقراض؛ فإذا كان كذلك لم يكن مثل قولك: أتقرضني فأشكرك، لأن الاستفهام هنا عن الإقراض، ولهذا أجاز سيبويه الرفع في الفعل بعد حتى في قولهم: أيّهم سار حتى يدخلها، لأن المسير متيقّن غير مستفهم عنه، وإنما الاستفهام هنا
[الحجة للقراء السبعة: 2/344]
عن الفاعل، ولم يجعله بمنزلة قولك: أسرت حتى تدخلها؟ في أن الرفع لا يجوز في الفعل بعد حتى، لأنك لم تثبت سيراً في قولك: أسرت حتى تدخلها. فصار بمنزلة قولك: ما سرت حتى ادخلها، وقد أثبتّ السير في قولك: أيّهم سار حتى يدخلها.
ووجه قول ابن عامر وعاصم في النصب من فاء فيضاعفه أنه حمل الكلام على المعنى، كأنه لما كان المعنى:
أيكون قرض؟ حمل قوله: فيضاعفه على ذلك. كما أنّ من قرأ قوله: من يضلل اللّه فلا هادي له ويذرهم [الأعراف/ 186] جزم قوله ويذرهم لما كان معنى قوله:
فلا هادي له: لا يهده، ونحو ذلك مما يحمل فيه الكلام على المعنى دون اللفظ، ألا ترى أنّ يقرض ليس بمستفهم عنه؟ وإذا لم يكن مستفهما عنه بالدّلالة التي ذكرنا؛ لم يجز أن ينزّل الفعل إذا ذكرته منزلة ذكر المصدر، كما لا يجوز ذلك في الإيجاب في حال السّعة. وإذا لم يجز ذلك في الإيجاب في حال السعة كما جاز في غير الإيجاب، لم يكن للنصب مساغ، وإذا كان كذلك، حملت النصب في قوله تعالى: فيضاعفه في قول من نصب على المعنى كما تقدم ذكره.
فأمّا القول في (فيضاعف ويضعف) فكل واحد منهما في معنى الآخر، كما قال سيبويه. ومثل ذلك في أن الفعلين
[الحجة للقراء السبعة: 2/345]
بمعنى، وإن اختلف بناؤهما: قرّ واستقرّ، ومثل هذا النحو كثير). [الحجة للقراء السبعة: 2/346]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في السين والصاد من ويبسط [البقرة/ 245] وبسطةً [البقرة/ 247] والمصيطرون [الطور/ 37] وبمصيطرٍ [الغاشية/ 22].
فقرأ ابن كثير يقبض ويبسط، وبسطةً وفي الأعراف:
بسطة [الآية/ 69]، والمسيطرون كل ذلك بالسين.
وبمصيطرٍ بالصاد، وكذلك أخبرني قنبل.
وقرأ نافع: يقبض ويبصط وبصطة في سورة الأعراف والمصيطرون، وبمصيطرٍ أربعة أحرف بالصاد، وسائر القرآن بالسين.
وقال الحلواني عن قالون عن نافع: لا تبالي كيف قرأت: بصطة ويبسط بالصاد أو بالسين. [أبو قرة عن نافع: ويبسط بالسين].
وقال حفص عن عاصم في الأعراف: بسطة ويبسط في البقرة بالسين.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ: يقبض ويبسط وبسطةً وفي الأعراف بسطة بالسين.
وقرءوا: المصيطرون وبمصيطرٍ بالصاد. وأشمّ حمزة الصاد الزاي فيهما.
[الحجة للقراء السبعة: 2/346]
وذكر الفرّاء عن الكسائيّ أنه قرأ ذلك كلّه بالسين بسطةً وبمسيطر والمسيطرون ويبسط.
وقال أصحاب أبي الحارث وأبي عمر الدوري وغيرهما عن الكسائي: بالصاد، إلا بسطةً في البقرة، فإنها بالسين، وكذلك قال نصر بن يوسف عن الكسائي فيما زعم محمد بن إدريس الدنداني عنه.
وقال أصحاب عاصم: بالصاد، وليس في كتابي ذلك عن يحيى عن أبي بكر. ولم يختلفوا في التي في سورة البقرة أنها بالسّين.
[قال أبو علي]: وجه قول من أبدل من السين الصاد في هذه المواضع أن الطّاء حرف مستعل يتصعّد من مخرجها إلى الحنك، ولم يتصعّد السين تصعّدها فكره التصعّد من التسفّل، فأبدل من السين حرفاً من مخرجها في تصعّد الطاء؛ فتلاءم الحرفان وصار كلّ واحد منهما وفق صاحبه في التصعّد، فزال بالإبدال ما كان يكره من التصعد عن التسفّل، ولو كان اجتماع الحرفين على عكس ما ذكرنا، وهو أن يكون التصعّد قبل التسفّل؛ لم يكره، ولم يبدلوا، ألا ترى أنهم قالوا: طمس الطريق وطسم، وقسوت وقست، فلم يكرهوا التسفّل عن تصعّد، كما كرهوا: بسط، حتى قالوا: بصط؛ فأبدلوا.
[الحجة للقراء السبعة: 2/347]
ومثل ذلك قولهم: هذا مارق وحاذق، فلم يميلوا، لأنهم كرهوا أن يتسفّلوا بالإمالة، ثم يتصعّدوا بالحرف المستعلي، كما كرهوا أن يتسفلوا بالسين ثم يتصعّدوا إلى الطاء، ولو قالوا: مررت بطارد وما أنا بطارد المؤمنين [الشعراء/ 114] وهذا صاحب قادر؛ لم يكرهوا الإمالة، لأنه يتسفّل بعد تصعّد، والتسفّل بعد التصعّد أسهل من التصعّد بعد التسفّل، كذلك القول في بسطةً وطسم [الشعراء/ 1].
فأمّا إشمام حمزة الصاد الزاي: فلأنه آثر أن يوفّق بين الحرفين من وجه آخر غير ما ذكرنا، وهو أن السين مهموسة، والطاء مجهورة، فضارع بالسين حرفاً مجهوراً في موضع السين، وهو الزاي، ليوافق الطاء أيضاً في الجهر كما وافقه الصاد في الإطباق، فوفّق بين الحرفين من موضعين، كما فعل ذلك في قوله: الصّراط وقد تقدّم ذكر ذلك حيث ذكرنا الصّراط.
فأمّا من لم يبدل السين في بسطة، وترك السين، فلأنه أصل الكلمتين، ولأنّ ما بين الحرفين من الخلاف يسير.
فاحتمل الخلاف لقلّته، ولأن هذا النحو من الخلاف لقلّته غير معتدّ به، ألا ترى أنّ الحرفين المتقاربين، قد يقعان في رويّ، فيستجيزون ذلك كما يستجيزونه في المثلين، كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/348]
إذا ركبت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العنّدا فكما جعل الدّال مثل الطاء في جمعهما في حرف الرويّ، ولم يحفل بما بينهما من الخلاف في الإطباق، كذلك لم يحفل بما بين السين والطاء، فلم يقرّبها منها كما فعل الآخرون). [الحجة للقراء السبعة: 2/349] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({من ذا الّذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون}
قرأ ابن كثير (فيضعفه) بالرّفع والتّشديد
[حجة القراءات: 138]
وقرأ ابن عامر (فيضعفه) بالنّصب والتّشديد
وقرأ عاصم {فيضاعفه} بالنّصب والألف
وقرأ الباقون بالألف والرّفع
من رفع عطف على {يقرض الله} ومن نصب نصب على جواب الإستفهام كما تقول نم يزورني فأكرمه وحجّة التّشديد أن المعنى فيها تكرير الفعل وزيادة الضعف على الواحد إلى ما لا نهاية له جاء في التّفسير الله عز وجل يضعف له أضعافا كثيرة بالواحد سبعمائة
وحجّة التّخفيف قالوا إن أمر الله أسرع من تكرير الفعل إنّما هو كن فكان قال الكسائي المعنى فيهما واحد ضعف وضاعف
قرأ نافع والكسائيّ وأبو بكر (يقبض ويبصط) بالصّاد وقرأ الباقون بالسّين وحجتهم أن السّين هو الأصل وقالوا لا ينتقل عن الأصل إلى ما ليس بأصل
وحجّة من قرأ بالصّاد أن الصّاد هي أخت الطّاء فقلبوا السّين صادا ليكون اللّسان من جهة واحدة). [حجة القراءات: 139]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (150- قوله: {فيضاعفه} قرأ ابن كثير وابن عامر بغير ألف مشددًا، حيث وقع، ومثله «يضاعف، ومضافعة» وقرأ الباقون بالألف مخففًا، وقرأ ابن عامر وعاصم بالنصب، ههنا، وفي الحديد، ورفعهما الباقون.
151- وحجة من شدد، وحذف الألف أنه حمله على الكثير؛ لأن «فعلت» مشدد العين بابه تكثير الفعل، وتقول «غلّقت الأبواب» إذا فعلت ذلك شيئًا بعد شيء، و«غلقت الأبواب» إذا فعلت ذلك مرة واحدة، وكذلك «فتَّحت وفتَحت».
152- وحجة من خفف، وأثبت الألف، أن أبا عمرو حكى أن «ضاعفت» أكثر من «ضعَّفت» لأن «ضعَّفت» معناه مرتين، وحكى أن العرب تقول: ضعَّفت درهمك، أي جعلته درهمين، وتقول: ضاعفته أي جعلته أكثر من درهمين، والله يعطي بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فـ «ضاعفت» أولى به لكثر المضاعفة.
153- وحجة من نصب أنه حمل الكلام على المعنى، فجعله جوابًا للشرط؛ لأن معنى «من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له».
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/300]
أن يكون قرض تبعه أضعاف، فحمل «فيضاعفه» على المصدر، فعطف على «القرض» و«القرض» اسم، فأضمر «أن» ليكون مع «فيضاعفه» مصدرًا، فتعطف مصدرًا على مصدر، كأنك قلت: إن حدث قرض فأضعاف يتبعه، ويقبح أن يحمل النصب على جواب الاستفهام بالفاء؛ لأن القرض غير مستفهم عنه، إنما وقع الاستفهام عن صاحب القرض، ألا ترى أنك إذا قلت: أتقرضني فأشكرك، نصبت الجواب، لأن الاستفهام عن القرض وقع، ولو قلت: أزيد يقرضني فأشكره، لم تنصب الجواب؛ لأن الاستفهام إنما هو عن زيد لا عن القرض، ولهذا المعنى أجاز سيبويه الرفع في الفعل بعد حتى في قولك: أيهم سار حتى يدخلها، لأن السير متيقن غير مستفهم عنه، إنما الاستفهام عن الفاعل، ولم تجعله بمنزلة قولك: أسرت حتى تدخلها، في أن الرفع لا يجوز في الفعل؛ لأنك في هذا لم تثبت سيرًا، فصار بمنزلة قولك: ما سرت حتى أدخلها، وقد أجاز قوم نصبه على جواب الاستفهام حملًا على المعنى؛ لأن قولك: من ذا الذي يقرض الله، وكذلك: إذا قلت أزيدٌ يقرضني معناه: أيقرضني زيدٌ، فحمل على المعنى، فنصب على جواب الاستفهام وفيه بعد.
154- وحجة من رفعه أنه قطعه مما قبله، ولم يدخله في صلة «الذي» في قولك: من ذا الذي يقرض الله فالله يضاعفه له، ويجوز أن يرفع في العطف على ما في الصلة على «يقرض» على تقدير: من ذا الذي يقرض الله فيضاعف الله له، كأنه قال: ومن ذا الذي يضاعف له، أي: من الذي يستحق الإضعاف في الأجر على قرضه الله، أي على صدقته، والرفع هو الاختيار لقوته في المعنى، ولأن الجماعة عليه ولما ذكرنا من حجته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/301]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (155- قوله: {يبسُط} و{وبسَطة} في «الأعراف 69» قرأهما هشام وقنبل وأبو عمرو وحمزة بالسين فيهما، وقرأهما الباقون بالصاد غير أن حفصًا، روي عنه الوجهان: السين والصاد، وكلهم قرأ: {بسطة} في البقرة بالسين، غير أن الكسائي ونافعًا، من رواية ابن المسيبي، روى عنهما الصاد فيه، وبالسين قرأتُ لهما وللجماعة.
156- وحجة من قرأ بالسين أنه الأصل، والدليل على أن السين هي الأصل أنه لابد أن تكون السين هي الأصل أو الصاد هي الأصل، فلو كانت الصاد هي الأصل ما جاز أن ترد إلى السين؛ إذ لا علة توجب ذلك، وإذ لا ينقل الحرف إلى أضعف منه، والصاد أقوى بكثير لإطباقها واستعلائها، فإذا لم يجز أن ترد الصاد إلى السين، وجاز رد السين إلى الصاد، علم أن السين هي الأصل، والصاد داخلة عليها لعلة.
157- وحجة من قرأ بالصاد أن السين حرف مستفل، غير مطبق، فلما وقعت بعده الطاء، وهي مطبقة مستعلية، صعب أن يخرج اللافظ من تسفل إلى تصعد، وذلك صعب، ولو كان فيه خروج من تصعد إلى تسفل لحسن، ولم يصعب، نحو: «طسم، وقسوة» فهذا لا تبدل السين فيه صادًا، كما تبدل، إذا كانت الطاء بعدها، والقاف بعد صاد، وهذا في الحكم بمنزلة الذين أمالوا الحروف ليقربوها لكسرة أو لياء، ومن قرأ بالسين فهو بمنزلة الذين لم يميلوا، وتركوا الحروف على حالها مفتوحة، فقربت السين من الطاء، فأبدل منها حرف يؤاخي السين في المخرج والصغير، ويؤاخي الطاء في الإطباق والاستعلاء،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/302]
وهو الصاد، فكأن السين التي هي الأصل لم تزل، إذ قد خلفها حرف من مخرجها، ومن صنفها في الصفير، فعمل اللسان بذلك عملًا واحدًا، متصعدًا، منطبقًا بالحرفين معًا، والصاد هو الاختيار، للمطابقة في اللفظ والمجانسة بين الحرفين، ولأن عليه خط المصحف ولأن عليه أكثر القراء وقال أبو حاتم: هما لغتان، فكيف قرأت فأنت مصيب، واختار في ذلك أن يتبع خط المصحف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/303] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (83- {فَيُضَاعِفَهُ} [آية/ 245]:-
بالتشديد من غير ألف، قرأها ابن كثير وابن عامر ويعقوب، وكذلك في الحديد، وكذلك {يضعِّف} و{يُضعّفها} و{مضَعَّفَة} في جميع القرآن.
و {نُضَعِّف} في الأحزاب بالتشديد وبالنون، وبنصب {العذاب} عن ابن كثير وابن عامر.
وقرأ الباقون بالألف والتخفيف في جميع القرآن، غير أبي عمرو في الأحزاب، فإنه شددها كيعقوب.
والوجه في القراءتين أنهما لغتان جيدتان، تقول العرب: ضاعفت الشيء وضعفته، وعاليت الرحل وعليته، قال:
16- عاليت أنساعي وظهر الكور
[الموضح: 332]
وباعدت بين الشيئين وبعدت، قال تعالى {ربنا باعد بين أسفارنا}، وصاعر خده وصعره.
وأما إعراب الكلمة، فإن ابن عامر وعاصمًا ويعقوب قد نصبوها ههنا وفي الحديد.
ووجه ذلك أن الكلام في هذه القراءة حمل على المعنى، وهو يكون قرض فيضاعفه، وليس اللفظ على ذلك؛ لأن القرض ليس بمستفهم عنه، وإنما الاستفهام عن صاحب القرض، وهو قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله}، وإذا لم يكن القرض مستفهمًا عنه لم يتقرر فيه معنى المصدر، فيحمل الجواب عليه، ألا ترى أنه لا يمكنك أن تقدر: أيقع قرض فتضعيف؟ إذا كان الاستفهام عن المقرض، فيحتاج لا محالة إلى حمل الكلام على المعنى، وتقديره على ما تقدم وهو: أيكون قرض فيضاعفه؟ بالنصب على الجواب على الاستفهام على إضمار أن بعد الفاء فيكون التقدير: أيكون قرض فأن يضاعفه، ثم إن أن مع الفعل في معنى المصدر، كأنك قلت: أيكون قرض فتضعيف؟، ومع ذلك فالرفع أحسن.
[الموضح: 333]
وقرأ الباقون بالرفع، وله وجهان:
أحدهما: أن يكون معطوفًا على قول {يُقْرِض} الذي هو في صلة {الذي} والتقدير: يقرض فيضاعف.
والثاني: أن يكون مستأنفًا، والتقدير: وهو يضاعفه، فيكون هو مبتدأ، ويضاعفه جملة هي خبر المبتدأ). [الموضح: 334]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (84- {وَالله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [آية/ 245]، {وَزَادَهُ بَسْطَةً} [آية/ 247]:-
بالسين، وكذلك في الأعراف، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ياش- بالسين، ومصيطر والمصيطر بالصاد، وحمزة بإشمام الزاي في الجميع، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب ح- بالصاد في الأحرف الأربعة إلا في سورة البقرة {بَسْطَة} فإنهم قرءوها بالسين، و- يس- عن يعقوب بالسين في {يَبْسُط} أيضًا في البقرة.
أما من قرأ جميع ذلك بالسين؛ فلأنه أصل الكلمة، ولأن الخلاف بين الحرفين أعني السين والطاء يسير، وإن كان في السين تسفل وفي الطاء استعلاء، فاحتملوا هذا الخلاف لقلته؛ لأنها بمنزلة ما لا يعتد به.
وأما من قرأ بالصاد فلكراهة التصعد بالطاء بعد التسفل بالسين، فأبدلوا من السين حرفًا هو يتجانس للطاء في التصعد وهو الصاد، ليتوافق الحرفان، ولو كانت السين بعد الحرف المستعلي لم يكره نحو: قسوت وقست وطمس
[الموضح: 334]
الطريق وطسم؛ لأنهم لم يكرهوا التسفل بعد التصعد، وإنما كرهوا التصعد بعد التسفل.
وأما إشمام حمزة؛ فإنه أراد أن يوافق بين الحرفين من وجهٍ آخر، وهو من جهة الهمس والجهر؛ لأن السين مهموسة، والطاء مجهورة، فتخالفا، فأراد الموافقة بينهما، فضارع بالسين حرفًا مجهورًا وهو الزاي ليتوافقا). [الموضح: 335] (م)


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #72  
قديم 30 محرم 1440هـ/10-10-2018م, 09:38 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (246) إلى الآية (248) ]
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (هل عسيتم... (246).
قرأ نافع وحده: (عسيتم) بكسر السين في الصورتين، وقرأ يعقوب ها هنا: (عسيتم) بفتح السين، وفي سورة القتال: (عسيتم).
وسائر، القراء قرأوا: (عسيتم).
وهي القراءة المختارة، واتفق أهل اللغة على أن كسر السين ليس بجيد، وأنا أحسبها لغة لبعض العرب وإن كرهها الفصحاء). [معاني القراءات وعللها: 1/214]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {قال هل عسيتم إن كتب عليكم}
قرأ نافع وحده: (عسيتم) بكسر السين.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/95]
وقرأ الباقون بفتحها، وهو الاختيار؛ لإجماع الجميع على قوله تعالى: {عسى ربكم أن يرحمكم} ولم يقل: عسى. والعرب تقول: عسى زيد أن يقوم، وأن مع الفعل مصدر ولم يقل عسى القيام؛ لأن المصدر يدل على الماضي والمستقبل، فيقول على لفظ الاستقبال؛ لأن الترجي لا يكون إلا مستقبلا، فأما قول العرب: «عسى الغوير أبؤسًا» فقال سيبويه: عسى هاهنا بمعنى كان. وقال أبو عبيد: الغوير تصغير غار، وأبؤس جمع بأس، وكان قوم في غار فتهدم عليهم، فضربت العرب بذلك مثلاً فقالت: «عسى الغوير» أخفى لنا أبؤسًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/96]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في كسر السين وفتحها من عسيتم [البقرة/ 246].
فقرأ نافع: هل عسيتم بكسر السين في الموضعين، وفتح الباقون السين من عسيتم
[الحجة للقراء السبعة: 2/349]
[قال أبو عليّ]: (عسيت): الأكثر فيه فتح السين وهي المشهورة.
ووجه قول نافع: أنهم قد قالوا: هو عس بذاك، وما أعساه، وأعس به، حكاه ابن الأعرابي، فقولهم: عس. يقوي قراءته: هل عسيتم، ألا ترى أن عس مثل حر وشج؟
وحر وحريّ مثل: مذل ومذيل، وطبّ وطبيب. وقد جاء فعل وفعل في نحو: نقمت ونقمت، وقالوا: وري الزّند، وقالوا:
وريت بك زنادي؛ فاستعملوا فعل في هذا الحرف، فيما قاله أبو عثمان، فكذلك عسيت وعسيت.
فإن أسند الفعل إلى ظاهر، فقياس عسيتم أن تقول: عسي زيد، مثل رضي، فإن قاله فهو قياس قوله، وإن لم يقله فسائغ له أن يأخذ باللغتين فيستعمل إحداهما في موضع، والأخرى في موضع آخر، كما فعل ذلك غيره). [الحجة للقراء السبعة: 2/350]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحن السلمي: [ألم تَرْ إلى الملأ] ساكنة الراء.
قال أبو الفتح: هذا لعمري هو أصل الحرف: رأَى يرأَى كرعَى يرعَى، إلا أن أكثر لغات العرب فيه تخفيف همزته؛ بحذفها وإلقاء حركتها على الراء قبلها على عبرة التخفيف في نحو ذلك، وصار حرف المضارعة كأنه بدل من الهمزة، وهو قولهم: انت ترى وهو يرى ونحن نرى، وكذلك أفعل منه، كقول الله سبحانه: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} وأصله: أَرْآك الله، وحكاها صاحب الكتاب عن أبي الخطاب، ثم إنه قد جامع هذا تحقيق هذه الهمزة وإخراجها على أصلها، وذلك كقول سراقة البارقي:
أُرِي عينيَّ ما لم تَرْأَيَاه ... كلانا عالم بالتُّرَّهَات
[المحتسب: 1/128]
فخفف أري، وحقق ترأياه كقولك: تَرْعَيَاه، ورواه أبو الحسن ترياه على زحاف الوافر، وأصله "ترأياه" على أن مفاعلَتن لحقها العصب بسكون لامها؛ فنقلت إلى مفاعي لن، ورواية أبي الحسن: "بما لم تَـ" مفاعيل؛ فصار الجزء بعد العصب إلى النقص.
وقرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد:
ألم تَرءَ ما لاقيت والدهر أعصر ... ومَن يَتَمَلَّ العيش يرء ويسمع
فأخرجه على أصله. وقرأت عليه عنه أيضًا:
هل ترجعَنَّ ليال قد مضَين لنا ... والعيشُ منقلب إذ ذاك أفنانا
إذ نحن في غرة الدنيا وبهجتها ... والدار جامعة أزمان أزمانا
ثم استمر بها شَيْحانُ مبتجِحٌ ... بالبين عنك بما يَرْآك شَنْآنا
وقال آخر، وقرأته على أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى فيما أظن:
ألا تلك جارتنا بالغضا ... تقول أَتَرأَينَه لن يضيعَا
وله نظائر مما خرج من هذا الأصل على أولية حاله). [المحتسب: 1/129]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا} 246
قرأ نافع {هل عسيتم} بكسر السّين وقرأ الباقون بالفتح هما لغتان تقول العرب عسيت أن أفعل وعسيت قال أبو عبيد
[حجة القراءات: 139]
القراءة عندنا هي الفتح لأنّها أعرف اللغتين ولو كان عسيتم لقرئت عسي ربنا وما اختلفوا في هذا الحرف وقد حكي عن أبي عمرو أنه كان يحتج بهذه الحجّة). [حجة القراءات: 140]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (158- قوله: {عسيتم} قرأه نافع بكسر السين وفتحها الباقون، والكسر لغة في «عسى» إذا اتصل بمضمر خاصة، وقد حُكي في اسم الفاعل «عسى» فهذا يدل على كسر السين في الماضي، والفتح في السين هي اللغة الفاشية، وعليها أجمع القراء ونافع معهم، إذا لم يتصل الفعل بمضمر، وأيضًا فإن مساواة الفعل، مع المضمر والمظهر أولى من المخالفة بينهما؛ لأن المضمر عقيب المظهر، فواجب أن يكون مثله، وهو الاختيار لإجماع القراء عليه مع المضمر والمظهر، وإنما خالفهم نافع وحده مع المضمر، وقد قال أبو حاتم: ليس للكسر وجه، وبه قرأ الحسن وطلحة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/303]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (85- {هَلْ عَسَيْتُمْ} [آية/ 246]:-
بكسر السين، قرأها نافع وحده، وكذلك في سورة القتال.
ووجه ذلك أن العرب تقول: هو عسٍ بذاك، مثل شجٍ وحرٍ، فكما أن قولك شجٍ من شجيت، فكذلك عسٍ من عسيت، ثم إن فعلت وفعلت يجيئان لغتين لمعنى واحد مثل: نقمت ونقمت ووري الزند وورى، فكذلك عسيت وعسيت.
وقرأ الباقون {عَسيْتُمْ} بفتح السين.
وهي المختارة؛ لأن اللغة الفصيحة المشهورة وهي {عَسَيْتُ} بالفتح، وعسيت بالكسر لغة رديئة يكرهها الفصحاء، وإن كانت لغة لبعض العرب). [الموضح: 335]

قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (يقبض ويبسط... (245)، و: (وزاده بسطةً).
قرأ ابن كثير كل شيء في القرآن (يقبض ويبسط) و(وزاده بسطةً).
[معاني القراءات وعللها: 1/211]
في البقرة، وفي الأعراف مثله، و(المسيطرون) بالسين، وقرأ (بمصيطرٍ) بالصاد هذه وحده.
وقرأ نافع: (يقبض ويبصط) و(وزادكم في الخلق بصطةً) في الأعراف، و(المصيطرون) و(بمصيطرٍ) بالصاد في هذه الأربعة المواضع، وسائر القرآن بالسين.
وقرأ أبو عمرو وحمزة (المصيطرون) و(بمصيطر) بالصاد فيهما، وأشمهما حمزة الزاي، وسائر القراء بالسين.
وروى حفص عن عاصم (يقبض ويبسط) و(بسطة) في البقرة، و(بسطة).
في الأعراف بالسين.
[معاني القراءات وعللها: 1/212]
وقرأ ابن عامر والحضرمي (يقبض ويبسط)، و(بسطةً) في البقرة بالسين، والباقي بالصاد.
وقرأ الكسائي كل شيء في القرآن بالصاد، إلا قوله: (وزاده بسطةً) في البقرة بالسين، وهذه رواية ابن عمر ونصير.
وقال الفراء عن الكسائي: إنه قرأ كل هذا بالسين.
قال أبو منصور: العرب تجيز السين والصاد في كل حرف فيه طاء.
وأخبرني أبو بكر عن شمر لأبي عبيد أنه قال: إذا كان في الاسم طاء أو خاء أو قاف أو غين ولا يكون في غير هذه الأربعة، مثل: الصراط والزراط والسراط، والبزاق والبصاق، وسنخ الودك وزنغ، ومصدغة ومزدغة ومسدغة). [معاني القراءات وعللها: 1/213] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في السين والصاد من ويبسط [البقرة/ 245] وبسطةً [البقرة/ 247] والمصيطرون [الطور/ 37] وبمصيطرٍ [الغاشية/ 22].
فقرأ ابن كثير يقبض ويبسط، وبسطةً وفي الأعراف:
بسطة [الآية/ 69]، والمسيطرون كل ذلك بالسين.
وبمصيطرٍ بالصاد، وكذلك أخبرني قنبل.
وقرأ نافع: يقبض ويبصط وبصطة في سورة الأعراف والمصيطرون، وبمصيطرٍ أربعة أحرف بالصاد، وسائر القرآن بالسين.
وقال الحلواني عن قالون عن نافع: لا تبالي كيف قرأت: بصطة ويبسط بالصاد أو بالسين. [أبو قرة عن نافع: ويبسط بالسين].
وقال حفص عن عاصم في الأعراف: بسطة ويبسط في البقرة بالسين.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ: يقبض ويبسط وبسطةً وفي الأعراف بسطة بالسين.
وقرءوا: المصيطرون وبمصيطرٍ بالصاد. وأشمّ حمزة الصاد الزاي فيهما.
[الحجة للقراء السبعة: 2/346]
وذكر الفرّاء عن الكسائيّ أنه قرأ ذلك كلّه بالسين بسطةً وبمسيطر والمسيطرون ويبسط.
وقال أصحاب أبي الحارث وأبي عمر الدوري وغيرهما عن الكسائي: بالصاد، إلا بسطةً في البقرة، فإنها بالسين، وكذلك قال نصر بن يوسف عن الكسائي فيما زعم محمد بن إدريس الدنداني عنه.
وقال أصحاب عاصم: بالصاد، وليس في كتابي ذلك عن يحيى عن أبي بكر. ولم يختلفوا في التي في سورة البقرة أنها بالسّين.
[قال أبو علي]: وجه قول من أبدل من السين الصاد في هذه المواضع أن الطّاء حرف مستعل يتصعّد من مخرجها إلى الحنك، ولم يتصعّد السين تصعّدها فكره التصعّد من التسفّل، فأبدل من السين حرفاً من مخرجها في تصعّد الطاء؛ فتلاءم الحرفان وصار كلّ واحد منهما وفق صاحبه في التصعّد، فزال بالإبدال ما كان يكره من التصعد عن التسفّل، ولو كان اجتماع الحرفين على عكس ما ذكرنا، وهو أن يكون التصعّد قبل التسفّل؛ لم يكره، ولم يبدلوا، ألا ترى أنهم قالوا: طمس الطريق وطسم، وقسوت وقست، فلم يكرهوا التسفّل عن تصعّد، كما كرهوا: بسط، حتى قالوا: بصط؛ فأبدلوا.
[الحجة للقراء السبعة: 2/347]
ومثل ذلك قولهم: هذا مارق وحاذق، فلم يميلوا، لأنهم كرهوا أن يتسفّلوا بالإمالة، ثم يتصعّدوا بالحرف المستعلي، كما كرهوا أن يتسفلوا بالسين ثم يتصعّدوا إلى الطاء، ولو قالوا: مررت بطارد وما أنا بطارد المؤمنين [الشعراء/ 114] وهذا صاحب قادر؛ لم يكرهوا الإمالة، لأنه يتسفّل بعد تصعّد، والتسفّل بعد التصعّد أسهل من التصعّد بعد التسفّل، كذلك القول في بسطةً وطسم [الشعراء/ 1].
فأمّا إشمام حمزة الصاد الزاي: فلأنه آثر أن يوفّق بين الحرفين من وجه آخر غير ما ذكرنا، وهو أن السين مهموسة، والطاء مجهورة، فضارع بالسين حرفاً مجهوراً في موضع السين، وهو الزاي، ليوافق الطاء أيضاً في الجهر كما وافقه الصاد في الإطباق، فوفّق بين الحرفين من موضعين، كما فعل ذلك في قوله: الصّراط وقد تقدّم ذكر ذلك حيث ذكرنا الصّراط.
فأمّا من لم يبدل السين في بسطة، وترك السين، فلأنه أصل الكلمتين، ولأنّ ما بين الحرفين من الخلاف يسير.
فاحتمل الخلاف لقلّته، ولأن هذا النحو من الخلاف لقلّته غير معتدّ به، ألا ترى أنّ الحرفين المتقاربين، قد يقعان في رويّ، فيستجيزون ذلك كما يستجيزونه في المثلين، كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/348]
إذا ركبت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العنّدا فكما جعل الدّال مثل الطاء في جمعهما في حرف الرويّ، ولم يحفل بما بينهما من الخلاف في الإطباق، كذلك لم يحفل بما بين السين والطاء، فلم يقرّبها منها كما فعل الآخرون). [الحجة للقراء السبعة: 2/349] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (155- قوله: {يبسُط} و{وبسَطة} في «الأعراف 69» قرأهما هشام وقنبل وأبو عمرو وحمزة بالسين فيهما، وقرأهما الباقون بالصاد غير أن حفصًا، روي عنه الوجهان: السين والصاد، وكلهم قرأ: {بسطة} في البقرة بالسين، غير أن الكسائي ونافعًا، من رواية ابن المسيبي، روى عنهما الصاد فيه، وبالسين قرأتُ لهما وللجماعة.
156- وحجة من قرأ بالسين أنه الأصل، والدليل على أن السين هي الأصل أنه لابد أن تكون السين هي الأصل أو الصاد هي الأصل، فلو كانت الصاد هي الأصل ما جاز أن ترد إلى السين؛ إذ لا علة توجب ذلك، وإذ لا ينقل الحرف إلى أضعف منه، والصاد أقوى بكثير لإطباقها واستعلائها، فإذا لم يجز أن ترد الصاد إلى السين، وجاز رد السين إلى الصاد، علم أن السين هي الأصل، والصاد داخلة عليها لعلة.
157- وحجة من قرأ بالصاد أن السين حرف مستفل، غير مطبق، فلما وقعت بعده الطاء، وهي مطبقة مستعلية، صعب أن يخرج اللافظ من تسفل إلى تصعد، وذلك صعب، ولو كان فيه خروج من تصعد إلى تسفل لحسن، ولم يصعب، نحو: «طسم، وقسوة» فهذا لا تبدل السين فيه صادًا، كما تبدل، إذا كانت الطاء بعدها، والقاف بعد صاد، وهذا في الحكم بمنزلة الذين أمالوا الحروف ليقربوها لكسرة أو لياء، ومن قرأ بالسين فهو بمنزلة الذين لم يميلوا، وتركوا الحروف على حالها مفتوحة، فقربت السين من الطاء، فأبدل منها حرف يؤاخي السين في المخرج والصغير، ويؤاخي الطاء في الإطباق والاستعلاء،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/302]
وهو الصاد، فكأن السين التي هي الأصل لم تزل، إذ قد خلفها حرف من مخرجها، ومن صنفها في الصفير، فعمل اللسان بذلك عملًا واحدًا، متصعدًا، منطبقًا بالحرفين معًا، والصاد هو الاختيار، للمطابقة في اللفظ والمجانسة بين الحرفين، ولأن عليه خط المصحف ولأن عليه أكثر القراء وقال أبو حاتم: هما لغتان، فكيف قرأت فأنت مصيب، واختار في ذلك أن يتبع خط المصحف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/303] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (84- {وَالله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [آية/ 245]، {وَزَادَهُ بَسْطَةً} [آية/ 247]:-
بالسين، وكذلك في الأعراف، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ياش- بالسين، ومصيطر والمصيطر بالصاد، وحمزة بإشمام الزاي في الجميع، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب ح- بالصاد في الأحرف الأربعة إلا في سورة البقرة {بَسْطَة} فإنهم قرءوها بالسين، و- يس- عن يعقوب بالسين في {يَبْسُط} أيضًا في البقرة.
أما من قرأ جميع ذلك بالسين؛ فلأنه أصل الكلمة، ولأن الخلاف بين الحرفين أعني السين والطاء يسير، وإن كان في السين تسفل وفي الطاء استعلاء، فاحتملوا هذا الخلاف لقلته؛ لأنها بمنزلة ما لا يعتد به.
وأما من قرأ بالصاد فلكراهة التصعد بالطاء بعد التسفل بالسين، فأبدلوا من السين حرفًا هو يتجانس للطاء في التصعد وهو الصاد، ليتوافق الحرفان، ولو كانت السين بعد الحرف المستعلي لم يكره نحو: قسوت وقست وطمس
[الموضح: 334]
الطريق وطسم؛ لأنهم لم يكرهوا التسفل بعد التصعد، وإنما كرهوا التصعد بعد التسفل.
وأما إشمام حمزة؛ فإنه أراد أن يوافق بين الحرفين من وجهٍ آخر، وهو من جهة الهمس والجهر؛ لأن السين مهموسة، والطاء مجهورة، فتخالفا، فأراد الموافقة بينهما، فضارع بالسين حرفًا مجهورًا وهو الزاي ليتوافقا). [الموضح: 335] (م)

قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قال أبو بكر بن مجاهد: {التابوت} بالتاء قراءة الناس جميعًا، ولغة للأنصار "التابوه" بالهاء.
قال أبو الفتح: أما ظاهر الأمر، فأن يكون هذان الحرفان من أصلين؛ أحدهما: تَ بَ ت، والآخر: ت ب هـ، ثم من بعد هذا فالقول أن الهاء في "التابوه" بدل من التاء في "التابوت"، وجاز ذلك لما أذكره: وهو أن كل واحد من التاء والهاء حرف مهموس، ومن حروف الزيادة في غير هذا الموضع، وأيضًا فقد أبدلوا الهاء من التاء التي للتأنيث في الوقف، فقالوا: حمزهْ،
[المحتسب: 1/129]
وطلحهْ، وقائمهْ، وجالسهْ، وذلك منقاد مطرد في هذه التاء عند الوقف، ويؤكد هذا أن عامة عُقيل فيما لا نزال نتلقاه من أفواهها تقول في الفرات: الفراه، بالهاء في الوصل والوقف.
وزاد في الأُنس بذلك أنك ترى التاء في الفرات تشبه في اللفظ تاء فتاة وحصاة وقطاة، فلما وقف وقد أشبه الآخِر الآخر أبدل التاء هاء، ثم جرى على ذلك في الوصل؛ لأنه لم يكن البدل عن استحكام العلة علة، فيُراعى حال الوقف من حال الوصل ويفصل بينهما، فأشبه ذلك قولهم في صِبيان وصِبية: صُبينا وصُبية؛ وذلك أن الأصل صِبوان وصِبوة، ثم قلب الواو ياء استخفافًا للكسرة قبلها، ولم يعتد بالساكن بينهما حاجزًا لضعفه، ثم لما ضموا وزال الكسر أقروا الياء بحالها؛ جنوحًا إليها لخفتها، ولعلمهم أيضًا أن البدل من الواو لم يكن عن استحكام علة فيعادوا الأصل لزوالها، فلما تصوروا ضعف سبب القلب قنَّعوا أنفسهم بالعدول إلى جهة الياء، فقالوا: صُبيان وصُبية، حتى كأن قائلا قال لهم: هلا لما زالت الكسرة راجعتم الواو، فقالوا: أَوَكَان القلب إنما كان عن وجوب أحدثته الكسرة حتى إذا فارقناها عاودنا الواو؟ إنما كان استحسانًا، وكذلك فليكن مع الضمة أيضًا استحسانًا). [المحتسب: 1/130]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #73  
قديم 30 محرم 1440هـ/10-10-2018م, 10:51 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (249) إلى الآية (252) ]
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}

قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (إلّا من اغترف غرفةً بيده... (249).
حرك الياء من قوله (مني) نافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون.
وقرأ ابن كثير، نافع وأبو عمرو: (غرفة) بفتح الغين.
وقرأ الباقون: (غرفةً) بضم الغين.
[معاني القراءات وعللها: 1/214]
وأخبرني المنذري عن ابن فهمٍ عن محمد بن سلّام عن يونس أنه قال: غرفة وغرفة عرييتان، وقال: غرفت غرفا، وفي الإناء غرفة، ومثله: حسوت حسوة، وفي الإناء حسوة.
وقال أبو العباس: الغرفة: المرة من المصدر، والغرفة: الماء الذي يغرف بعينه). [معاني القراءات وعللها: 1/215]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ الغين وفتحها من قوله تعالى: غرفةً [البقرة/ 249].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: غرفةً بفتح الغين.
[الحجة للقراء السبعة: 2/350]
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: غرفةً بضم الغين.
قال أبو علي: من فتح الفاء التي هي غين من غرفةً عدّى الفعل إلى المصدر، والمفعول في قوله محذوف، إلّا من اغترف ماء غرفة.
ومن قال: غرفةً عدّى الفعل إلى المفعول به، ولم يعدّه إلى المصدر كما عدّاه الآخرون إليه، ولم يعدّوه إلى المفعول به، وإنّما جعلت هذا مفعولًا به، لأن الغرفة العين المغترفة، فهو بمنزلة: إلّا من اغترف ماء.
والبغداديون يجعلون هذه الأسماء المشتقة من المصادر بمنزلة المصادر، ويعملونها كما يعملون المصادر؛ فيقولون:
عجبت من دهنك لحيتك، وقد جاء عن العرب ما يدل على صحة ما ذهبوا إليه قال:
وبعد عطائك المائة الرّتاعا وأشياء غير هذا، فعلى هذا يجوز أن تنصب الغرفة نصب الغرفة.
وقد قال سيبويه في نحو: الجلسة، والرّكبة: إنه قد يستغنى بها عن المصادر، أو قال: تقع مواقعها؛ فهذا كالمقارب لقولهم، ولو قيل: إن الضمّ هنا أوجه لقوله: فشربوا منه [البقرة/ 249]
[الحجة للقراء السبعة: 2/351]
والمشروب: الغرفة، لكان قولًا.
فأما الباء في قوله: بيده فمن فتح فاء غرفة: جاز أن يتعلق بالمصدر عنده، وجاز أن يعلقه بالفعل، ومن أعمل الغرفة إعمال المصدر؛ جاز أن يعلّق الباء بها في قوله، وكلا الأمرين مذهب). [الحجة للقراء السبعة: 2/352]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن لم يطعمه فإنّه مني إلّا من اغترف غرفة بيده}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {غرفة بيده} بفتح الغين وحجتهم ما ذكرها اليزيدي عن أبي عمرو فقال ما كان باليد فهو غرفة بالفتح وما كان بإناء فهو غرفة بالضّمّ
وقرأ الباقون بالضّمّ وحجتهم ما جاء في التّفسير إلّا من اغترف كفا من ماء فالغرفة بالضّمّ الماء قال الزّجاج غرفة أي مرّة واحدة باليد ومن قرأ {غرفة} كان معناه مقدار ملء اليد
اعلم أن الغرفة المصدر تقول اغترفت غرفة والغرفة الاسم ومثله الأكلة المرة الواحدة والأكلة اللّقمة والخطوة المرة تقول خطوت خطوة والخطوة الاسم لما بين الرجلين). [حجة القراءات: 140]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (159- قوله: {غرفة} قرأه الكوفيون وابن عامر بضم الغين وفتحه الباقون.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/303]
160- وحجة من ضم أنه جعله اسم الماء المغترف، فعدى الفعل إليه، لأنه مفعول به، كأنه قال: إلا من اغترف ماء على قدر مثل ملء اليد، ويقوي الضم أن بعده: {فشربوا منه} والشرب هو الشيء المعروف، وهو الغرفة بالضم اسم للماء المغترف، وبالضم قرأ عثمان بن عفان والحسن والنخعي وغيرهم.
161- وحجة من فتح أنه جعله مصدرًا، فهو نصب على المصدر والمفعول به محذوف، تقديره: إلا من اغترف ماء غرفة، أي مرة واحدة، وبعض النحويين من البغداديين والكوفيين يجيزون أن يكون من ضم جعله كالمصدر ولأنهم يُعملون الاسم عمل المصدر فيجيزون: عجبت من دهنك لحيتك، ومن عطائك الدراهم، والمصدر الذي يعمل هو الدهن والإعطاء، فعلى هذا المذهب تكون القراءتان بمعنى، يُراد بهما المصدر على معنى مرة واحدة، والفتح هو الاختيار، وبه قرأ ابن عباس وأبان بن عثمان ومجاهد والأعرج وغيرهم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/304]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (86- {غُرْفَةً} [آية/ 249]:-
بفتح الغين، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
ووجه ذلك أن {غَرْفَةً} بالفتح مصدر، فهو للمرة الواحدة، كضربته ضربة، وهو منصوب ههنا على المصدر، والمفعول به محذوف، والتق5دير: إلا من اغترف ماء غرفة.
قرأ الباقون {غُرْفَةً} بالضم.
وهي اسم للقدر المغترف من الماء، كالأكلة للقدر الذي يؤكل، فالفعل ههنا قد عدي إلى المفعول به، وهو الغرفة؛ لأنها هي المغترفة). [الموضح: 336]

قوله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)}

قوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ... (251).
قرأ نافع ويعقوب: (ولولا دفاع اللّه) بالألف.
وقرأ الباقون: (دفع اللّه) بغير ألف.
وكذلك قرأ نافع ويعقوب في الحج: (دفاع اللّه) بألف.
وقرأ الباقون بغير ألف.
قال أبو منصور: المعنى في الدفاع والدفع واحد، يقال: دافع الله عنك السوء، ودفع عنك السوء). [معاني القراءات وعللها: 1/215]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (29- وقوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس} [251]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {دفع} بغير ألف، وكذلك (إن الله يدفع عن الذين آمنوا).
وقرأ عاصم في (الحج) بألف وفي (البقرة) بغير ألف.
وكذلك حمزة والكسائي بألف في ذلك، وهما مصدران.
وقرأ نافع بألف في السورتين. يقال: دفع يدفع ودفاعا. مثل: صام يصوم صوما وصياما، ويجوز أن يكون الدفاع مصدرا لدافعت دفاعا، والاختيار دفع بغير ألف؛ لأن الله تعالى هو المنفرد بالدفع، وفاعلت يكون من اثنين، ومعنى {ولولا دفع الله الناس} أي: أمر المسلمين وهم بعضهم بالجهاد وإذلال الكافرين، فلولا ذلك لفسدت الأرض ومن عليها). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/91]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في كسر الدال وفتحها، وإدخال الألف وإسقاطها من قوله عزّ وجلّ: ولولا دفع اللّه النّاس [البقرة/ 251].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولولا دفع اللّه النّاس بغير ألف هاهنا، وفي الحج: إن الله يدفع [الآية/ 38].
وقرأ نافع: ولولا دفاع الله إنّ اللّه يدافع بألف فيهما جميعاً.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: ولولا دفع اللّه بغير ألف، وإنّ اللّه يدافع بألف. وروى عبد الوهاب عن أبان عن عاصم: ولولا دفاع الله بألف.
قال أبو علي (دفاع) يحتمل أمرين: يجوز أن يكون مصدراً لفعل، كالكتاب واللّقاء، ونحو ذلك من المصادر
[الحجة للقراء السبعة: 2/352]
التي تجيء على فعال. كما يجيء على فعال نحو: الجمال والذّهاب. ويجوز أن يكون مصدراً لفاعل، يدلّ على ذلك قراءة من قرأ: إنّ اللّه يدافع عن الّذين آمنوا، فالدفاع يجوز أن يكون مصدراً لهذا، كالقتال، ونظيره الكتاب في أنه جاء مصدراً لفاعل وفعل، فقوله تعالى: والّذين يبتغون الكتاب ممّا ملكت أيمانكم فكاتبوهم [النور/ 33] الكتاب فيه مصدر كاتب، كما أن المكاتبة كذلك، وقال تعالى: كتاب اللّه عليكم [النساء/ 24] فالكتاب مصدر لكتب الذي دلّ عليه قوله تعالى: حرّمت عليكم أمّهاتكم [النساء/ 23] لأن المعنى: كتب هذا التحريم عليكم كتاباً، وكذلك قوله: كتاباً مؤجّلًا [آل عمران/ 145] كأنّ معنى دفع ودافع سواء، ألا ترى أن قوله:
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم... فإذا المنيّة أقبلت لا تدفع
فوضع أدافع موضع أدفع، كأنّ المعنى: حرصت بأن أدفع عنهم المنيّة، فإذا المنيّة لا تدفع.
وقال أمية:
[الحجة للقراء السبعة: 2/353]
لولا دفاع الله ضلّ ضلالنا... ولسرّنا أنّا نتلّ ونوأد
وإذا كان كذا فقوله: إن الله يدفع، ويدافع يتقاربان، وليس يدافع كيضارب. ومما يقوي ذلك قوله: قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون [التوبة/ 30]. وليس للمفاعلة التي تكون من اثنين هنا وجه). [الحجة للقراء السبعة: 2/345]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}
قرأ نافع {ولولا دفع الله النّاس} بالألف
وقرأ الباقون {دفع الله} مصدر من دفع دفعا وحجتهم أن الله عز وجل لا مدافع له وأنه هو المنفرد بالدفع من خلقه وكان أبو عمرو يقول إنّما الدفاع من النّاس والدّفع من الله
[حجة القراءات: 140]
وحجّة نافع إن الدفاع مصدر من دفع كالكتاب من كتب كما قال {كتاب الله عليكم} فالكتاب مصدر لكتب الّذي دلّ عليه قوله {حرمت عليكم أمّهاتكم} لأن المعنى كتب هذا التّحريم عليكم ويجوز أن يكون مصدرا لفاعل تقول دافع الله عنك الشّيء يدافع مدافعة ودفاعا والعرب تقول أحسن الله عنك الدفاع ومثل ذلك عافاك الله ومثل فاعلت للواحد كثير قال الله {قاتلهم الله} ). [حجة القراءات: 141]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (162- قوله: {ولولا دفع الله} قرأه نافع بألف وكسر الدال، وقرأه الباقون بفتح الدال، من غير ألف، ساكن الفاء، ومثله في الحج.
163- وحجة من قرأ بالألف أنه جعله مصدرًا لـ «فاعل» كالقتال، والمفاعلة قد تأتي من واحد كـ «عاقبت اللص» ويجوز أن يكون مصدرًا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/304]
لـ «فعل» كقولهم: آب إيابًا، ولقيته لقاء، ومثله: كتبت كتابًا، ومنه: {كتاب الله عليكم} «النساء 24» فيكون على هذا «دفاع ودفع» بمعنى، مصدران لدفع.
164- وحجة من قرأ بغير ألف أن المفاعلة التي من اثنين، لا معنى لها في هذا الموضع؛ لأن الله هو الدافع عن المؤمنين وغيرهم، ما يضرهم، ولا يدافعه أحد فيما يدفع، فحمله على «دفع» أولى؛ لأنه مصدره، الذي لا يصرف عنه إلى غيره إلا بدليل ورواية، والاختيار دفع بغير ألف لأنه تعالى متفرد بالدفع ولإجماع القراء عليه، وقد كان أبو عمرو يرى «دفاع» غلطًا يوهم فيه باب المفاعلة من اثنين، وهو وهم من أبي عمرو عند أبي حاتم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/305]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (87- {وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ} [آية/ 251]:-
بالألف، قرأها نافع ويعقوب، وذلك أنه يجوز أن يكون مصدرًا لفعل نحو: كتب كتابًا، ويجوز أن يكون مصدرًا لفاعل كقاتل قتالاً، يدل على ذلك قراءة من قرأ {إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا}، وليس فاعل ههنا مما يكون الفعل فيه من اثنين، لكن دفع ودافع بمعنى واحد.
وقرأ الباقون {وَلَوْلا دَفْعُ الله} بغير ألف على فعل؛ لأنه مصدر دفع
[الموضح: 336]
دفعًا، كالضرب الذي هو مصدر ضرب ضربًا). [الموضح: 337]

قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #74  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:46 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (253) إلى الآية (254) ]

{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}

قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تحريك الدّال وتسكينها من قوله: بروح القدس.
فقرأ ابن كثير وحده: وأيّدناه بروح القدس [البقرة/ 87، 253] مسكّنة الدّال وكذلك في جميع القرآن.
وقرأ الباقون: القدس مضمومة القاف والدّال.
[قال أبو عليّ]: قوله: وأيّدناه بروح القدس أيّدناه: فعّلناه، من الأيد والآد، وهو القوة، ومثل الأيد والآد في
[الحجة للقراء السبعة: 2/148]
بنائهما على فعل وفعل: العيب والعاب، والذّيم والذام، وجاء في أكثر الاستعمال على فعّلناه لتصحّ العين الثانية لسكون الأولى، وعلى هذا قوله: إذ أيّدتك بروح القدس [المائدة/ 110] ومن قال آيدناه صحّح العين، لأنه إذا صحّت في مثل: أجود، وأطيب، لزم تصحيحها في آيدناه لما كان يلزم من توالي الإعلالين. فمن التصحيح قوله:
ناو كرأس الفدن المؤيد ونظير هذا في كراهتهم توالي الإعلالين، ورفضهم ما يؤدي إليه قولهم: يودّ وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة [الأنفال/ 7] فبنوا الماضي على فعل، ليلزمه في المضارعة يفعل. ولو كان الماضي فعل لكان المضارع مثل: يعد. فيلزم اجتماع إعلالين.
فأمّا روح القدس، فقال قتادة والسّدّيّ، والرّبيع والضّحّاك في روح القدس أنّه جبريل- وقال بعض المفسرين:
روح القدس: الإنجيل، أيّد الله عيسى به روحا، كما جعل القرآن روحا في قوله: وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا
[الحجة للقراء السبعة: 2/149]
[الشورى/ 52] والقدس والقدس التخفيف والتّثقيل فيه حسنان... وكذلك ما كان مثله نحو: العنق والعنق والطنب والطنب. والحلم والحلم.
وحكى أبو الحسن عن عيسى اطّراد الأمرين فيهما. ومما يدلّ على حسن التثقيل جمعهم ما كان على فعلة على فعلات.
نحو غرفة وغرفات- وركبة وركبات وهذا الأكثر في الاستعمال.
ومنهم من كره الضمّتين- فأسكن العين أو أبدل منها الفتحة نحو: ركبات. وكذلك من أسكن العين منه، والضمّ أكثر كما كان ظلمات أكثر. وأسكن أبو عمرو خطوات وحرّك القدس لأن الحركات في الجمع أكثر منها في الفعل، فأسكن لتوالي الحركات واجتماع الأمثال، ولا يلزمه على هذا الإسكان في الظلمات.
وأما القدس في اللغة فإن أبا عبيدة وغيره قالوا في قوله: ونقدّس لك [البقرة/ 30] التّقديس: التطهير. وقال غيره: إن ابن عباس كان يقول: المقدس: الطاهر، وقال الرّاجز:
الحمد لله العليّ القادس قال: وقالوا: قدّس عليه الأنبياء، أي: برّكوا.
وقال رؤبة:
دعوت ربّ القوّة القدّوسا
[الحجة للقراء السبعة: 2/150]
قال: والمقدّس: المعظّم. وقال: قدّس عليه، أي:
برّك.
قال أبو عليّ: فكأنّ معنى نقدّس لك. ننزّهك عن السوء. فلا ننسبه إليك. ولا ما لا يليق بالعدل. وهذا الوصف في المعنى كقول أمية:
سلامك ربّنا في كلّ فجر... بريئا ما تغنّثك الذّموم
قال أبو عمر: سألت أبا مالك عن قوله: ما تغنّثك.
قال لا تعلّق بك. فاللام فيها على حدها في قوله:
ردف لكم [النمل/ 72] ألا ترى أن المعنى تعظيمه وتنزيهه.
وليس المعنى أنه ينزّه شيء من أجله. ومثل ذلك في المعنى قولهم: سبحان الله، إنما هو براءة الله من السوء وتطهيره منه، ثم صار علما لهذا المعنى، فلم يصرف في قوله:
سبحان من علقمة الفاخر
[الحجة للقراء السبعة: 2/151]
وروح القدس: جبريل كأنّه منسوب إلى الطّهارة، وذلك أنّه ممّن لا يقترف ذنبا، ولا يأتي مأثما، كما قد يكون ذلك من غيره.
وقولنا في صفة الله تعالى: القدّوس: أي: الطاهر المنزّه عن أن يكون له ولد، أو يكون في حكمه وفعله ما ليس بعدل.
فأمّا قولهم: بيت المقدس وقول الراجز:
الحمد لله العليّ القادس فيدلّ على أنّ الفعل قد استعمل من التقديس بحذف الزيادة، أو قدّر ذلك التقدير. فإذا كان كذلك لم يخل المقدس من أن يكون مصدرا أو مكانا. فإن كان مصدرا كان كقوله:
إليّ مرجعكم [لقمان/ 15] ونحوه من المصادر التي جاءت على هذا المثال. وإن كان مكانا فالمعنى فيه: بيت المكان الذي فعل فيه الطهارة، وأضيف إلى الطهارة لأنه منسك كما جاء: أن طهّرا بيتي للطّائفين [البقرة/ 125] وتطهيره على إخلائه من الأصنام وإبعاده منها، وكما جاء: فاجتنبوا الرّجس من الأوثان [الحج/ 30] كذلك وصف بخلاف الرّجس إذا أخلي منها، ومما لا يليق بمواضع النّسك، وإن قدّرت «المقدس» المكان لا المصدر كان المعنى: بيت مكان الطّهارة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/152]
فأمّا ما حكاه قطرب: من أنّهم يقولون قدّس عليه الأنبياء. أي: برّكوا عليه فليس يخلو هذا المقدّس عليه من أن يكون موضع منسك، أو يكون إنسانا. فإن كان موضع نسك، فهو كدعاء إبراهيم عليه السلام للحرم ربّ اجعل هذا البلد آمناً [إبراهيم/ 35]، فكذلك يجوز أن يكون تبريك الأنبياء دعاء منهم له بالتّطهير. وإن كان إنسيّا فهو كقوله: واجعله ربّ رضيًّا [مريم/ 6] وكما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من دعائه للحسن والحسين، وهذا يؤول إلى ذلك المعنى، وكذلك من قال: المقدّس: المعظّم، إنما هو تفسير على المعنى، وكثيرا ما يفعل المفسّرون من غير أهل اللغة، ذلك لمّا رأوا ذلك لا يفعلون إلا بشيء يراد تعظيمه وتبرئته من غير الطّهارة. فسّروه بالمعظّم على هذا المعنى. والأصل: كأنّه التطهير الذي فسّره أبو عبيدة). [الحجة للقراء السبعة: 2/153] (م)

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يومٌ لا بيعٌ فيه ولا خلّةٌ ولا شفاعةٌ... (254).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب ها هنا وفي إبراهيم: (لا بيع فيه ولا خلال) وفي الطور: (لا لغو فيها ولا تأثيم) بالنصب. وقرأ الباقون بالرفع والتنوين.
قال أبو منصور: من قرأ (لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة) بالنصب فهو على التبرئة، ومن رفع ونوّن فهي لغة جيدة إذا تكررت (لا)، وإذا لم تتكرر فالاختيار النصب.
ومعنى الرفع: الابتداء وخبره). [معاني القراءات وعللها: 1/216]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الرّفع والنصب من قوله تعالى: لا بيعٌ فيه ولا خلّةٌ ولا شفاعةٌ [البقرة/ 254].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا بيعٌ فيه ولا خلّةٌ ولا شفاعةٌ بالنصب في كل ذلك بلا تنوين، وفي سورة إبراهيم: لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ [الآية/ 31] مثله أيضاً، وفي الطور: لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ [الآية/ 23] مثله.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: كلّ ذلك بالرّفع والتنوين.
قال أبو علي: خصّ البيع في قوله: لا بيعٌ فيه لما في المبايعة من المعاوضة، فيظنّ أن ذلك كالفداء في النجاة ممّا أوعدوا به، فصار ذلك في المعنى كقوله تعالى: وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها [الأنعام/ 70]، وكقوله: فاليوم لا يؤخذ منكم فديةٌ [الحديد/ 15]، وقوله إنّ الّذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبّل منهم
[المائدة/ 36]، ونحو ذلك من الآي التي تعلم أنّه لا فداء لعذاب ذلك اليوم، ولا مانع منه، وكذلك قوله: لا خلّةٌ
[الحجة للقراء السبعة: 2/354]
لأن الخليل قد ينتفع بخلّة خليله، كما أنّ المشفوع له قد ينتفع عند شفاعة الشافع له، فأعلم سبحانه أن ذلك كلّه لا ينفع في ذلك اليوم، قال تعالى: ما للظّالمين من حميمٍ ولا شفيعٍ يطاع [غافر/ 18].
فأما قوله: لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ [إبراهيم/ 31] فإنّ قوله: خلالٌ يحتمل أمرين: يجوز أن يكون جعل الخلّة كالأسماء، كما جعل غيرها من المصادر كذلك، فكسّر تكسيرها، وجعل كقولهم: برمة وبرام، وجفرة وجفار، وعلبة وعلاب، ويجوز أن يكون مصدر: خاللته مخالّة وخلالًا.
أنشد أبو عبيدة:
ويخبرهم مكان النّون منّي... وما أعطيته عرق الخلال
وأما قوله تعالى: لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ [الطور/ 23] فإن
[الحجة للقراء السبعة: 2/355]
أبا عبيدة قال: اللّغا: التكلّم بما لا ينبغي، وأنشد للعجّاج:
عن اللّغا ورفث التكلّم قال: وتقول: لغيت تلغى، مثل: لقيت تلقى، قال: ولغا الطّير: أصواتها. وأنشد غيره:
باكرته قبل أن تلغى عصافره... مستخفياً صاحبي وغيره الخافي
قال أبو علي: فكأنّ اللّغو واللّغا مثل الدّلو والدلا، والعيب والعاب، ونحو ذلك مما يجيء على فعل وفعل، واللغو: التكلم بما لا ينبغي، والخوض فيما نهي عنه. قال تعالى: وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه، وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم. سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين [القصص/ 55]، أي: لا نبتغي مجاراتهم ولا الخوض معهم فيما يخوضون فيه، فالمضاف محذوف، وقال تعالى:
والّذين هم عن اللّغو معرضون [المؤمنون/ 3]، فأما قوله سبحانه: وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً [الفرقان/ 72] فيجوز أن يكون المعنى: إذا مرّوا بأهل اللغو، أو: ذوي اللغو، مرّوا
[الحجة للقراء السبعة: 2/356]
كراماً، فلم يجاورهم فيه، واجتنبوهم، فلم يخوضوا معهم.
ويجوز أن يكون مثل قولك: مرّت بي آية كذا، ومررت بسورة كذا، أي: تلوتها وقرأتها. أي: إذا أتوا على ذكر ما يستفحش ذكره كنّوا عنه ولم يصرّحوا. وأحسب بعض المفسّرين إلى هذا التأويل ذهب فيه.
وليس هذا في كلّ حال، ولكن في بعض دون بعض، فإذا كان الحال حالًا يقتضي التبيين، فالتصريح أولى، كما روي من التصريح في قصة ماعز، وكما
روي: «من تعزّى بعزاء الجاهلية، فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا»
وكما روي عن أبي بكر رضي الله عنه، أو غيره من الصحابة، أنه قال لبعض المشركين: اعضض ببظر اللات.
وقد يستعمل اللغو في موضع آخر، وهو أن لا يعتدّ بالشيء، فمما يكون على هذا قوله تعالى: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم [المائدة/ 89] فهذا يحمل على ما وضعت فيه الكفّارة، نحو: لا والله، وبلى والله.
ومن ذلك قول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/357]
ويلغى دونها المرئيّ لغوا... كما ألغيت في الدّية الحوارا
ألا ترى أن الدّية لا يؤخذ فيها الحوار، فصار لا اعتداد به فيها؛ فأما التأثيم فقالوا: أثم يأثم. إذا ركب مأثما، فإذا حملته على ذلك قلت: أثّمته تأثيما، وفي التنزيل: إنّا إذاً لمن الآثمين [المائدة/ 106] وفيه: ويلٌ لكلّ أفّاكٍ أثيمٍ [الجاثية/ 7] وقال تعالى: منّاعٍ للخير معتدٍ أثيمٍ [القلم/ 12]؛ فيجوز أن يكون: آثم وأثيم، مثل: عالم وعليم وشاهد وشهيد، ويجوز أن يكون: أثيم من آثم، مثل:
قريح وطبيب، ومذيل وسميح، فمعنى لا تأثيم: ليس فيها ما يحمل على الإثم؛ فأما من فتح بلا تنوين، فإنه جعله جواب هل فيها من لغو أو تأثيم؟ [ومن رفع جعله جواب: أفيها لغو أو تأثيم؟].
وقد ذكرنا صدراً من القول على النفي فيما تقدم.
والمعنيان يتقاربان في أن النفي يراد به العموم والكثرة في القراءتين يدلّ على ذلك قول أمية:
فلا لغو ولا تأثيم فيها... وما فاهوا به لهم مقيم
[الحجة للقراء السبعة: 2/358]
ألا ترى أنه يريد من نفي اللغو- وإن كان قد رفعه- ما يريد بنفي التأثيم الذي فتحه ولم ينوّنه.
فإن جعلت قوله: (فيها) خبراً أضمرت للأول خبراً وإن جعلته صفة. أضمرت لكلّ واحد من الاسمين خبراً). [الحجة للقراء السبعة: 2/359]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة}
قرأ ابن كثير وابو عمرو {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} نصب بغير تنوين على النّفي والتبرئة
وقرأ الباقون بالرّفع والتنوين
اعلم أن لا إذا وقعت على نكرة جعلت هي والاسم الّذي بعدها كاسم واحد وبني ذلك على الفتح فإذا كررت جاز الرّفع والنّصب وإذا لم تكرر فالوجه فيه الفتح قال الله جلّ وعز {لا ريب فيه} من رفع جعله جوابا لقول القائل هل فيه بيع هل فيه خلة ومن نصب جعله جوابا لقول القائل هل من بيع فيه هل من خلة
[حجة القراءات: 141]
فجوابه لا بيع فيه ولا خلة لأن من لما كانت عاملة جعلت لا عاملة ولما كانت جواب هل لم تعملها إذ كانت هل غير عاملة وقد تقدم الكلام فيه عند قوله {فلا رفث ولا فسوق} ). [حجة القراءات: 142]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (165- قوله: {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} قرأ ذلك ابن كثير وأبو عمرو بالفتح من غير تنوين، وقرأ الباقون بالرفع والتنوين، ومثله: {لا بيع فيه ولا خلال} في «إبراهيم 31» و{لا لغوٌ فيها ولا تأثيم} في «الطور 23».
166- وحجة من فتح أنه أراد النفي العام المستغرق لجميع الوجوه من ذلك الصنف، فبنى «لا» مع ما بعدها على الفتح، وكأنه جواب لمن قال: هل فيه من بيع، هل فيها من لغو، فسأل سؤالًا عامًا، وغير الاسم بدخول «من» عليه، فأجيب جوابًا عامًا بالنفي، وغير الاسم بالبناء، و«لا» مع الاسم المبني معها في موضع رفع بالابتداء والخبر «فيه».
167- وحجة من رفع أنه جعل «لا» بمنزلة «ليس» وجعل الجواب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/305]
غير عام، وكأنه جواب من قال: هل فيه بيع، هل فيها لغو، فلم يغير السؤال عن رفعه، فأتى الجواب غير مغير عن رفعه، والمرفوع مبتدأ، أو اسم «ليس» و«فيه» الخبر والاختيار الرفع لأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/306]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (88- {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [آية/ 254]:-
بالفتح في كلهن، قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
ووجه ذلك أن كل واحدٍ من هذه الأسماء الثلاثة بني مع لا على الفتح إرادة النفي العام؛ لأنهم جعلوه جواب: هل فيه من بيع أو خلة أو شفاعة؟، فقيل لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، يعنون انتفاء جنس هذه الأشياء، فالنفي عام للجنس، كما أن السؤال كان عامًا للجنس.
وقرأ الباقون بالرفع فيهن كلهن؛ لأنهم جعلوه جواب: أفيه بيع أو خلة أو شفاعة؟ فجوابه لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، بالرفع على الابتداء، كما كان المسؤول عنه مرفوعًا بالابتداء، ولم يجعلوا النفي في هذه الأسماء نفيًا عامًا في اللفظ، وإن كان معلومًا أن النفي في القراءتين أريد به العموم والكثرة، ألا ترى أنك إذا قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو لا حول ولا قوة إلا بالله، فقد أردت من نفي الحول ما أردته من نفي القوة). [الموضح: 337]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #75  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:47 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[ الآية (255) ]

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}

قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (اللّه لا إله إلّا هو... (255).
وقف يعقوب: (اللّه لا إله إلّا هوه) بالهاء. وكذلك: (نعمّا هيه)،
[معاني القراءات وعللها: 1/216]
و (كأنّه هوه)، و(فلا كاشف له إلّا هوه).
ويقف على: (عم يتساءلون) عمّه، ونحو ذلك في القرآن كله.
يقول هذه هاء الاستراحة.
والباقون من القراء يقفون على هذه الحروف بغير هاء.
قال أبو منصور: أما ما اختاره يعقوب من الوقف على هذه الحروف بالهاء فهو من كلام العرب الجيد، غير أني أختار المرور عليها، وأن لا يتعمد الوقوف عليها، لأن الهاءات لم تثبت في المصاحف فأخأف أن تكون زيادة في التنزيل، وإن اضطر الواقف إلى الوقوف عليها وقف بغير هاء اتباعا للقراء الذين قرأوا بالسنة). [معاني القراءات وعللها: 1/217]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رُوي عن الزهري والأعرج وأبي جعفر بخلاف عنهم: [ولا يَوُودُه حِفْظَهُمَا] بلا همز، ولم يُقَل: كيف قالوا؟
قال ابن مجاهد: من لم يهمز قال: [يَوُودُه] فخلف الهمزة بواو ساكنة، فجمع بينها وبين الواو، فيجتمع ساكنان، فإن شاء ضمها فقال: [يَوُودُه]، ومن ترك الهمز أصلًا قال: [يَوْدُه].
قال أبو الفتح: خلَّط ابن مجاهد في هذا التفسير تخليطًا ظاهرًا غير لائق بمن يُعتد إمامًا في روايته، وإن كان مضعوفًا في فقاهته؛ وذلك أن قوله تعالى: {يَؤُودُهُ} لك فيه التحقيق والتخفيف، فمن حقَّق أخلصها همزة، قال: {يَؤُودُهُ} كيعوده، ومن خفَّف جعل الهمزة بين بين؛ أي: بين الهمزة والواو؛ لأنها مضمومة، فجرى مجرى قولك في تخفيف لَؤم: لَوُم، وفي مئونة: موُونة، ولا يخلصها واوًا لأنها مضمومة، فقوله: بلا همز؛ أي: يخففها، كذا أُحسِن الظن بهؤلاء المشيخة.
[المحتسب: 1/130]
فأما ترك الهمز أصلًا فشاذ، وينبغي لمن هو دونهم أن يصان عن أن يُظن ذلك به، فقول ابن مجاهد: إنه يخلف من الهمزة واو ساكنة فيجتمع ساكنان شديد الاضطراب؛ وذلك أنه قد سبق أن سبيل هذا أن يُخفِّف ولا يبدل، وإذا كان مخفِّفًا فالواو متحركة لا ساكنة، فلا ساكنين هناك أصلًا.
نعم، ثم لما قال: إنه يجتمع ساكنان لم يذكر ماذا يُعْمَل فيهما؟ قال: وإن شاء ضمها فقال: [يَوُودُه]، وهذا هو الذي ينبغي أن يعمل عليه؛ ولكن ينبغي أن يعلم أنه لا يُضم الواو؛ بل الضمة على الهمزة، إلا أنها مخففة فقربت بذلك من الواو لضعفها مع ضمها.
وقوله فيما بعد: ومَن ترك الهمز أصلًا قال: [يَوْدُه] يؤكد ما كنا قدمناه من أن قوله: لا يهمز، إنما يريد به التخفيف لا يريد البدل والحذف، ولولا ذلك لم يَقل: ومن ترك الهمز أصلًا، فقوله: "أصلًا" يدل على أنه لا يريد التخفيف الذي كان قدَّمه.
وبعد، فمن ترك الهمزة أصلًا؛ أي: حذفها ألبتة كما يحذفها من قولهم: لاب لك؛ أي: لا أب لك، ومن قولهم: وَيَلُمِّه، وأصلها: ويلٌ لأُمه، ومن قولهم: ناس وأصلها أناس، والله في أحد قولي سيبويه الذي أصله فيه إله، وغير ذلك، فإنه إذا هو حذفها بقيت بعدها الواو التي هي عين الفعل ساكنة فصارت: [يَوْدُه] ومثاله على هذا اللفظ يَعلُه، وأصل هذا كله يَأْودُه كيعوده، يَفعُله كيقتله ونعبده، ثم نقلت الضمة من الواو التي هي عين الفعل إلى الهمزة التي هي فاء فعله، كما نقلت في يعود من الواو إلى العين فصارت [يئوده] كيعوده، ووزنه الآن يفْعُله، هكذا محصول لفظه، فإذا هو حذف الهمزة ألبتة -وهي فاء الفعل- بقي يَوْدُه في ومن يعلُه، والفاء على ما مضى محذوفة، وعلى أن هذا الحذف لا يُقْدِم أحدٌ عليه قياسًا لنكارته وضيق العذر في اقتباسه، اللهم أن يسمع شيء منه فيودَّى على ما فيه، ويُشرح حديثه بواجب مثله، ولا يحمل سواه على مثل حاله). [المحتسب: 1/131]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (89- {الله لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَهْ} [آية/ 255]:-
بالهاء في حال الوقف، قرأها يعقوب وحده، وكذلك {أَحَقٌّ هُوَهْ}
[الموضح: 237]
و {لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَهْ} ونحوها في الوقف.
وذلك لأن هذه هاء الوقف ألحقت الواو ههنا حرصًا على بيان حركتها في حال الوقف، ولئلا يزيله الوقف بالسكون، كما ألحقت في: أغزه وارمه كذلك، إلا أن القراء يكرهون ذلك؛ لأن الهاء ليست في المصحف، وهو الإمام، فكرهوا مخالفته). [الموضح: 338]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة