العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الكهف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 جمادى الآخرة 1434هـ/21-04-2013م, 02:26 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي تفسير سورة الكهف [ من الآية (16) إلى الآية (18) ]

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (16) إلى الآية (18) ]

{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 جمادى الآخرة 1434هـ/21-04-2013م, 02:27 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلاّ اللّه فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربّكم من رحمته ويهيّئ لكم من أمركم مرفقًا}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل بعض الفتية لبعضٍ: وإذ اعتزلتم أيّها الفتية قومكم الّذين اتّخذوا من دون اللّه آلهةً {وما يعبدون إلاّ اللّه} يقول: وإذ اعتزلتم قومكم والّذين يعبدون من الآلهة سوى اللّه، فـ " ما " إذ كان ذلك معناه في موضع نصبٍ عطفًا لها على الهاء، والميم الّتي في قوله {وإذ اعتزلتموهم}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلاّ اللّه} وهي في مصحف عبد اللّه: " وما يعبدون من دون اللّه " هذا تفسيرها.
وأمّا قوله: {فأووا إلى الكهف} فإنّه يعني به: فصيروا إلى غار الجبل الّذي يسمّى بنجلوس {ينشر لكم ربّكم من رحمته} يقول: يبسط لكم ربّكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من الأمر الّذي قد رميتم به من الكافر دقينوس وطلبه إيّاكم لعرضكم على الفتنة.
وقوله: {فأووا إلى الكهف} جوّابٌ لإذ، كأنّ معنى الكلام: وإذ اعتزلتم أيّها القوم قومكم، فأووا إلى الكهف، كما يقال: إذ أذنبت فاستغفر اللّه وتب إليه.
وقوله: {ويهيّئ لكم من أمركم مرفقًا} يقول: وييسّر لكم من أمركم الّذي أنتم فيه من الغمّ والكرب خوفًا منكم على أنفسكم ودينكم مرفقًا، ويعني بالمرفق: ما ترتفقون به من شيءٍ. وفي المرفق من اليد وغير اليد لغتان: كسر الميم وفتح الفاء، وفتح الميم وكسر الفاء. وكان الكسائيّ ينكر في مرفق الإنسان الّذي في اليد إلاّ فتح الفاء وكسر الميم.
وكان الفرّاء يحكي فيهما، أعنّي في مرفق الأمر واليد اللّغتين كلتيهما، وكان ينشد في ذلك قول الشّاعر:
بتّ أجافي مرفقًا عن مرفقي
ويقول: كسر الميم فيه أجود.
وكان بعض نحويّي أهل البصرة يقول في قوله: {من أمركم مرفقًا} شيئًا ترتفقون به مثل المقطع، ومرفقًا جعله اسمًا كالمسجد، ويكون لغةً، يقولون: رفق يرفق مرفقًا، وإن شئت مرفقًا تريد رفقًا ولم يقرأ.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك. فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة: " ويهيّئ لكم من أمركم مرفقًا " بفتح الميم وكسر الفاء، وقرأته عامّة قرّاء العراق في المصرين {مرفقًا} بكسر الميم وفتح الفاء.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّهما قراءتان بمعنًى واحدٍ، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما قرّاءٌ من أهل القرآن، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ. غير أنّ الأمر وإن كان كذلك، فإنّ الّذي أختار في قراءة ذلك: {ويهيّئ لكم من أمركم مرفقًا} بكسر الميم وفتح الفاء، لأنّ ذلك أفصح اللّغتين وأشهرهما في العرب، وكذلك ذلك في كلّ ما ارتفق به من شيءٍ). [جامع البيان: 15/181-183]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله مرفقًا كلّ شيءٍ ارتفقت به هو قول أبي عبيدة وزاد ويقرؤه قومٌ بفتح الميم وكسر الفاء انتهى وهي قراءة نافع وبن عامرٍ واختلف هل هما بمعنًى أم لا فقيل هو بكسر الميم للجارحة وبفتحها للأمر وقد يستعمل أحدهما موضع الآخر وقيل لغتان فيما يرتفق به وأمّا الجارحة فبالكسر فقط وقيل لغتان في الجارحة أيضًا وقال أبو حاتمٍ هو بفتح الميم الموضع كالمسجد وبكسرها الجارحة). [فتح الباري: 8/407]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 16.
أخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله} قال: كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله). [الدر المنثور: 9/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله} قال: هي في مصحف ابن مسعود: وما يعبدون من دون الله فهذا تفسيرها). [الدر المنثور: 9/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فأووا إلى الكهف} قال: كان كهفهم بين جبلين). [الدر المنثور: 9/506-507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ويهيئ لكم من أمركم مرفقا} يقول: عذاء). [الدر المنثور: 9/507]

تفسير قوله تعالى: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى تزاور عن كهفهم ذات اليمين قال تميل عن كهفهم ذات اليمين). [تفسير عبد الرزاق: 1/400]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى تقرضهم ذات الشمال قال تدعهم ذات الشمال). [تفسير عبد الرزاق: 1/400]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {تقرضهم} [الكهف: 17] : «تتركهم»). [صحيح البخاري: 6/87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ تقرضهم تتركهم وصله الفريابيّ عنه وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة نحوه وسقط هنا لأبي ذرٍّ). [فتح الباري: 8/406]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تزّاور من الزّور والأزور الأميل هو قول أبي عبيدة قوله فجوةٌ متّسعٌ والجمع فجواتٍ وفجًى كقولك زكواتٌ وزكاةٌ هو قول أبي عبيدة أيضًا). [فتح الباري: 8/407]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد {تقرضهم} تتركهم {وكان له ثمر} ذهب وفضة
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 17 الكهف {تقرضهم} تتركهم
وبه في قوله 34 الكهف {وكان له ثمر} قال ذهب وفضة). [تغليق التعليق: 4/243]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ تقرضهم تتركهم
أشار به إلى قوله: (وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) (الكهف: 17) وفسّر مجاهد: (تقرضهم) بقوله: (تتركهم) هذا التّعليق رواه الحنظلي عن حجاج بن حمزة: حدثنا شبابة حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، فذكره. وعن ابن عبّاس: تقرضهم تدعهم، وعن مقاتل: تتجاوزهم أصل القرض القطع). [عمدة القاري: 19/36]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({تقرضهم}) أي (تتركهم) وروى عبد الرزاق عن قتادة نحوه، وقول مجاهد هذا ساقط عند أبي ذر). [إرشاد الساري: 7/214]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال وهم في فجوةٍ منه ذلك من آيات اللّه من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا}.
يقول تعالى ذكره {وترى الشّمس} يا محمّد {إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين} يعني بقوله: {تزاور} تعدل وتميل، من الزّور: وهو العوج والميل، يقال منه: في هذه الأرض زورٌ: إذا كان فيها اعوجاجٌ، وفي فلانٍ عن فلان ازورارٌ، إذا كان فيه عنه أعراضٌ، ومنه قول بشر بن أبي خازمٍ:
يؤمّ بها الحداة مياه نخلٍ = وفيها عن أبانين ازورار
يعني: إعراضًا وصدًّا.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة ومكّة والبصرة: ( تزّاور ) بتشديد الزّاي، بمعنى: تتزاور بتاءين، ثمّ أدغم إحدى التّاءين في الزّاي، كما قيل: تظاهرون عليهم. وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفه: ( تزاور ) بتخفيف التّاء والزّاي، كأنّه عنى به تفاعل من الزّور. وروي عن بعضهم: " تزورّ " بتخفيف التّاء وتسكين الزّاي وتشديد الرّاء مثل تحمرّ، وبعضهم: " تزوارّ " مثل تحمارّ.
والصّواب من القول في قراءة ذلك عندنا أن يقال: إنّهما قراءتان، أعنّي {تزاور} بتخفيف الزاي، و( تزّاور ) بتشديدها معروفتان، مستفيضةٌ القراءة بكلّ واحدةٍ منهما في قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب. وأمّا القراءتان الأخريان فإنّهما قراءتان لا أرى القراءة بهما، وإن كان لهما في العربيّة وجهٌ مفهومٌ، لشذوذهما عمّا عليه قرأه الأمصار.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله {تزاور عن كهفهم} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا محمّد بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين} قال: تميل.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {تزاور عن كهفهم، ذات اليمين} يقول: تميل عنهم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال} يقول: تميل عن كهفهم يمينًا وشمالاً.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وترى الشّمس إذا طلعت تزّاور عن كهفهم ذات اليمين} يقول: تميل ذات اليمين، تدعهم ذات اليمين.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {تزّاور عن كهفهم ذات اليمين} قال: تميل عن كهفهم ذات اليمين.
- حدّثت عن يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لو أنّ الشّمس تطلع عليهم لأحرقتهم، ولو أنّهم لا يقلّبون لأكلتهم الأرض، قال: وذلك قوله: {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال}.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا محمّد بن مسلم بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: {تزاور عن كهفهم} تميل.
وقوله: {وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال} يقول تعالى ذكره: وإذا غربت الشّمس تتركهم من ذات شمالهم.
وإنّما معنى الكلام: وترى الشّمس إذا طلعت تعدل عن كهفهم، فتطلع عليه من ذات اليمين، لئلاّ تصيب الفتية، لأنّها لو طلعت عليهم قبالهم لأحرقتهم وثيابهم، أو أشحبتهم. وإذا غربت تتركهم بذات الشّمال، فلا تصيبهم، يقال منه: قرضت موضع كذا: إذا قطعته فجاوزته. وكذلك كان يقول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة. وأمّا الكوفيّون فإنّهم يزعمون أنّه المحاذاة، وذكروا أنّهم سمعوا من العرب قرضته قبلاً ودبرًا، وحذوته ذات اليمين والشّمال، وقبلاً ودبرًا: أي كنت بحذائه، قالوا: والقرض والحذو بمعنًى واحدٍ. وأصل القرض: القطع، يقال منه: قرضت الثّوب: إذا قطعته، ومنه قيل للمقراض: مقراضٌ، لأنّه يقطع، ومنه قرض الفأر الثّوب، ومنه قول ذي الرّمّة:
إلى ظعنٍ يقرضن أجواز مشرفٍ = شمالاً وعن أيمانهنّ الفوارس
يعني بقوله: يقرضن: يقطعن.
وبنحو ما قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثني أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال} يقول: تذرهم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا محمّد بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، قال {وإذا غربت تقرضهم} تتركهم ذات الشّمال.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {تقرضهم} قال: تتركهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال} يقول: تدعهم ذات الشّمال.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {تقرضهم ذات الشّمال} قال: تدعهم ذات الشّمال.
- حدّثنا ابن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: أخبرنا محمّد بن مسلم بن أبي الوضّاح عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ {وإذا غربت تقرضهم} قال: تتركهم.
وقوله: {وهم في فجوةٍ منه} يقول: والفتية الّذين أووا إليه في متّسعٍ منه يجمع: فجواتٌ، وفجاءٌ ممدودًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وهم في فجوةٍ منه} يقول: في فضاءٍ من الكهف، قال اللّه: {ذلك من آيات اللّه}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا محمّد بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، {وهم في فجوةٍ منه} قال: المكان الدّاخل.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، {وهم في فجوةٍ منه} قال: المكان الذّاهب.
- حدّثني ابن سنانٍ، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا محمّد بن مسلمٍ أبو سعيد بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبير {في فجوةٍ منه} قال: في مكانٍ داخلٍ.
وقوله: {ذلك من آيات اللّه} يقول عزّ ذكره: فعلنا هذا الّذي فعلنا بهؤلاء الفتية الّذين قصصنا عليكم أمرهم من تصييرناهم، إذ أردنا أن نضرب على آذانهم بحيث تزّاور الشّمس عن مضاجعهم ذات اليمين إذا هي طلعت، وتقرضهم ذات الشّمال إذا هي غربت، مع كونهم في المتّسع من المكان، حيث لا تحرقهم الشّمس فتشحبهم، ولا تبلى على طول رقدتهم ثيابهم، فتعفن على أجسادهم، من حجج اللّه وأدلّته على خلقه، والأدلّة الّتي يستدلّ بها أولو الألباب على عظيم قدّرته وسلطانه، وأنّه لا يعجزه شيءٌ أراده.
وقوله {من يهد اللّه فهو المهتد} يقول عزّ وجلّ: من يوفّقه اللّه للاهتداء بآياته وحججه إلى الحقّ الذي جعلها أدلّةً عليه، فهو المهتدي. يقول: فهو الّذي قد أصاب سبيل الحقّ. {ومن يضلل} يقول: ومن أضلّه اللّه عن آياته وأدلّته، فلم يوفّقه للاستدلال بها على سبيل الرّشاد {فلن تجد له وليًّا مرشدًا} يقول: فلن تجد له يا محمّد خليلاً وحليفًا يرشده لإصابتها، لأنّ التّوفيق والخذلان بيد اللّه، يوفّق من يشاء من عباده، ويخذل من أراد، يقول: فلا يحزنك إدبار من أدبر عنك من قومك وتكذيبهم إيّاك، فإنّي لو شئت هديتهم فآمنوا، وبيدي الهداية والضّلال). [جامع البيان: 15/183-190]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تقرضهم ذات الشمال يقول تتركهم ذات الشمال). [تفسير مجاهد: 374]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وهم في فجوة منه قال كهف الفتية بين جبلين). [تفسير مجاهد: 374]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 17 - 20.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {تزاور} قال: تميل، وفي قوله: {تقرضهم} قال: تذرهم). [الدر المنثور: 9/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {تقرضهم} قال: تتركهم {وهم في فجوة منه} قال: المكان الداخل). [الدر المنثور: 9/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {وهم في فجوة منه} قال: يعني بالفجوة الخلوة من الأرض، ويعني بالخلوة الناحية من الأرض). [الدر المنثور: 9/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابي مالك في قوله: {وهم في فجوة منه} قال: في ناحية). [الدر المنثور: 9/507]

تفسير قوله تعالى: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى بالوصيد قال فناء الكهف). [تفسير عبد الرزاق: 1/399-400]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا ابن نميرٍ، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عبد ربّه، عن أبي عياضٍ {ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال} قال: في كلّ عامٍ مرّتين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 490-491]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (الوصيد " الفناء، جمعه: وصائد ووصدٌ، ويقال الوصيد الباب " {مؤصدةٌ} [البلد: 20] : «مطبقةٌ، آصد الباب وأوصد»). [صحيح البخاري: 6/87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله شططًا إفراطًا الوصيد الفناء إلخ تقدّم كلّه في أحاديث الأنبياء). [فتح الباري: 8/407] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال سعيد عن ابن عبّاس الرقيم اللّوح من رصاص كتب عاملهم أسماءهم ثمّ طرحه في خزانته فضرب الله على آذانهم فناموا
هذا طرف من حديث طويل قال عبد بن حميد في تفسيره ثنا عيسى بن الجنيد ثنا يزيد بن هارون ح وقال لابن أبي حاتم في تفسيره ثنا أبي ثنا عمرو بن عوف ثنا يزيد بن هارون والسياق لعبد أنا سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال غزونا مع معاوية غزوة المصيف فمروا بالكهف الّذي فيه أصحاب الكهف الّذين ذكر الله في القرآن فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عبّاس ليس ذلك لك قد منع الله ذلك من هو خير منك فقال {لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا} 18 الكهف قال معاوية لا أنتهي حتّى أعلم علمهم قال فبعث ناسا فقال اذهبوا فانظروا فلمّا دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحًا فأخرجتهم فبلغ ذلك ابن عبّاس فأنشأ يحدّثهم عنهم فقال إنّهم كانوا في مملكة ملك من هذه الجبابرة فجعلوا يعبدون حتّى عبدة الأوثان قال وهؤلاء الفتية بالمدينة فلمّا رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينة على غير ميعاد فجمعهم الله عزّ وجلّ على غير ميعاد فجعل بعضهم يقول لبعض أين تريدون أين تذهبون قال فجعل بعضهم يخفي من بعض لأنّه لا يدري هذا على ما خرج هذا فأخذ بعضهم على بعض المواثيق أن يخبر بعضهم بعضًا فإن اجتمعوا على شيء وإلّا كتم بعضهم على بعض قال فاجتمعوا على كلمة واحدة {فقالوا ربنا رب السّماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهًا لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتّخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممّن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم} إلى قوله {من أمركم مرفقا} 14 16 الكهف قال فهذا قول الفتية قال ففقدوا فجاء أهل هذا يطلبونه لا يدرون أين ذهب وجاء أهل هذا يطلبونه لا يدرون أين ذهب فطلبهم أهلوهم لا يدرون أين ذهبوا فرفع ذلك إلى الملك فقال ليكونن لهؤلاء شأن بعد اليوم قوم خرجوا ولا يدرى أين توجهوا في غير جناية ولا شيء يعرف فدعا بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وطرحه في خزانته فذلك قول الله تبارك وتعال 9 الكهف {أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} والرقيم هو اللّوح الّذي كتبوا قال فانطلقوا حتّى دخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم فناموا قال فقال ابن عبّاس والله لو أن الشّمس تطلع عليهم لأحرقتهم ولولا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض فذلك قول الله تبارك وتعالى 17 18 الكهف {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} يقول بالفناء {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} ثمّ إن ذلك الملك ذهب وجاء ملك آخر فكسر تلك الأوثان وعبد الله وعدل في النّاس فبعثهم الله لما يريد فقال بعضهم لبعض {كم لبثتم} قال بعضهم {يومًا} وقال بعضهم {بعض يوم} وقال بعضهم أكثر من ذلك فقال كبيرهم لا تختلفوا فإنّه لم يختلف قوم قطّ إلّا هلكوا قال فقالوا {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف} يعني بأزكى بأطهر إنّهم كانوا يذبحون الخنازير قال فجاء إلى المدينة فرأى شارة أنكرها وبنيانا أنكره ثمّ دنا إلى خباز فرمى إليه بدرهم فأنكر الخباز الدّرهم وكانت دراهمهم كخفاف الرّبع يعني والرّبع الفصيل قال فأنكر الخباز وقال من أين لك هذا الدّرهم لقد وجدت كنزا لتدلني على هذا الكنز أو لأرفعنك إلى الأمير قال أتخوفني بالأمير وإنّي لدهقان الأمير فقال من أبوك قال فلان فلم يعرفه فقال من الملك فقال فلان فلم يعرفه قال فاجتمع النّاس ورفع إلى عاملهم فسأله فأخبره فقال علّي باللوح قال فجيء به فسمّى أصحابه فلان وفلان وهم في اللّوح مكتوبون قال فقال النّاس قد دلكم الله على إخوانكم قال فانطلقوا فركبوا حتّى أتوا الكهف فقال الفتى مكانكم أنتم حتّى أدخل على أصحابي لا تهجموا عليهم فيفزعوا منكم وهو لا يعلمون إن الله قد أقبل بكم وتاب عليكم فقالوا آلله لتخرجن إلينا قال إن شاء الله فلم يدر أين ذهب وعمي عليهم المكان قال فطلبوا وحرصوا فلم يقدروا على الدّخول عليهم فقالوا أكرموا إخوانكم قال فنظروا في أمرهم فقالوا 21 الكهف {لنتخذن عليهم مسجدا} فجعلوا يصلون عليهم ويستغفرون لهم ويدعون لهم فذلك قول الله تعالى 22 الكهف {فلا تمار فيهم إلّا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} يعني اليهود {ولا تقولن لشيء إنّي فاعل ذلك غدا إلّا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت} 22 24 الكهف فكان ابن عبّاس يقول إذا قلت شيئا فلم تقل إن شاء الله فقل إذا ذكرت إن شاء الله
هذا إسناد صحيح قد رواه عن سفيان بن حسين أيضا هشيم وغيره وسفيان ابن حسين ثقة حجّة في غير الزّهريّ وإنّما ضعفه من ضعفه في حديث الزّهريّ لأنّه لم يضبط عنه
وقد أخرج البخاريّ ليعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عدّة أحاديث وعلق هذه القطعة منه فأوردته بتمامه للفائدة
ورويناه من طريق أخرى عن عمر بن قيس عن سعيد بن جبير مختصرا لكنه لم يذكر ابن عبّاس). [تغليق التعليق: 4/244-246] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الوصيد الفناء جمعه وصائد ووصد ويقال الوصيد الباب مؤصدة مطبقةٌ آصد الباب وأوصد.
أشار به إلى قوله تعالى: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} (الكهف: 18) وفسره (بالفناء) بكسر الفاء وهو سعة أمام البيوت، وقيل: ما امتدّ من جوانبها. قوله: (ويقال الوصيد الباب) ، وروي كذلك عن ابن عبّاس، وقاله السّديّ أيضا، وعن عطاء: الوصيد عتبة الباب. قوله: (مؤصدة: مطبقة) ذكره استطرادًا، وهو في قوله تعالى: {إنّها عليهم مؤصدة} (الهمزة: 8) يعني: إن النّار عليهم أي على الكافرين مؤصدة، أي مطبقة، قاله الكلبيّ، واشتقاقه من آصد يوصد أشار إليه بقوله: (آصد الباب) بمد الهمزة أي: أطبقه، وكذلك (أوصد) ). [عمدة القاري: 19/37]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({الوصيد}) في قوله تعالى: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} [الكهف: 18] هو (الفناء) بكسر الفاء تجاه الكهف (جمعه وصائد) كمساجد (ووصد) بضمتين (ويقال الوصيد) هو (الباب) وهو مروي عن ابن عباس وعن عطاء عتبة الباب وقوله تعالى في الهمزة مما ذكره استطرادًا (مؤصدة) أي (مطبقة) يعني النار على الكافرين واشتقاقه من قوله (آصد الباب) بمد الهمزة.
(وأوصد) أي أطبقه وحذف المفعول من الثاني للعلم به من الأوّل). [إرشاد الساري: 7/214]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال: بالفناء). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 95]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وتحسبهم أيقاظًا وهم رقودٌ ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وتحسب يا محمّد هؤلاء الفتية الّذين قصصنا عليك قصّتهم، لو رأيتهم في حال ضربنا على آذانهم في كهفهم الّذي أووا إليه أيقاظًا. والأيقاظ: جمع يقظٍ، ومنه قول الرّاجز:
ووجدوا إخوتهم أيقاظا = وسيف غيّاظٍ لهم غيّاظا
وقوله: {وهم رقودٌ} يقول: وهم نيامٌ. والرّقود: جمع راقدٍ، كما الجلوس: جمع جالسٍ، والقعود: جمع قاعدٍ. وقوله: {ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال} يقول جلّ ثناؤه: ونقلّب هؤلاء الفتية في رقدتهم مرّةً للجنب الأيمن، ومرّةً للجنب الأيسر، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال} وهذا التّقليب في رقدتهم الأولى.
قال: وذكر لنا أنّ أبا عياضٍ قال: لهم في كلّ عامٍ تقليبتان.
- حدّثت عن يزيد، قال: أخبرنا سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال} قال: لو أنّهم لا يقلّبون لأكلتهم الأرض.
وقوله: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} اختلف أهل التّأويل في الّذي عنى اللّه بقوله: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه} فقال بعضهم: هو كلبٌ من كلابهم كان معهم. وقد ذكرنا كثيرًا ممّن قال ذلك فيما مضى. وقال بعضهم: كان إنسانًا من النّاس طبّاخًا لهم تبعهم.
وأمّا الوصيد، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: هو الفناء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {بالوصيد} يقول: بالفناء.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا محمّد بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال: بالفناء.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {بالوصيد} قال: بالفناء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {بالوصيد} قال: بالفناء.
قال ابن جريجٍ: يمسك باب الكهف.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} يقول: بفناء الكهف.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {بالوصيد} قال: فناء الكهف.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {بالوصيد} قال: يعني بالفناء.
وقال آخرون: الوصيد: الصّعيد.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} يعني فناءهم، ويقال: الوصيد: الصّعيد.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن هارون بن عنترة، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال: بالصّعيد.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، عن عمرٍو، في قوله: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال: الوصيد: الصّعيد، التّراب.
وقال آخرون: الوصيد: الباب
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن شبيبٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال: بالباب، وقالوا بالفناء.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب، قول من قال: الوصيد: الباب، أو فناء الباب حيث يغلق الباب، وذلك أنّ الباب يوصد، وإيصاده: إطباقه وإغلاقه من قول اللّه عزّ وجلّ: {إنّها عليهم مؤصدةٌ} وفيه لغتان: الأصيد، وهي لغة أهل نجدٍ، والوصيد: وهي لغة أهل تهامة. وذكر عن أبي عمرو بن العلاء، قال: إنّها لغة أهل اليمن، وذلك نظير قولهم: ورّخت الكتاب وأرّخته، ووكّدت الأمر وأكّدته، فمن قال الوصيد، قال: أوصدت الباب فأنا أوصده، وهو موصدٌ، ومن قال الأصيد، قال: أصدت الباب فهو مؤصدٌ، فكان معنى الكلام: وكلبهم باسطٌ ذراعيه بفناء كهفهم عند الباب، يحفظ عليهم بابه.
وقوله: {لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا} يقول: لو اطّلعت عليهم في رقدتهم الّتي رقدوها في كهفهم، لأدبرت عنهم هاربًا منهم فارًّا {ولملئت منهم رعبًا} يقول: ولملئت نفسك من اطّلاعك عليهم فزعًا، لمّا كان اللّه ألبسهم من الهيبة، كي لا يصل إليهم واصلٌ، ولا تلمسهم يد لامسٍ حتّى يبلغ الكتاب فيهم أجله، وتوقظهم من رقدتهم قدّرته وسلطانه في الوقت الّذي أراد أن يجعلهم عبرةً لمن شاء من خلقه، وآيةً لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده، ليعلموا أنّ وعد اللّه حقٌّ، وأنّ السّاعة آتيةٌ لا ريب فيها.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولملئت منهم رعبًا} فقرأته عامّة قرّاء المدينة بتشديد اللاّم من قوله: ( ولملّئت ) بمعنى أنّه كان يمتلئ مرّةً بعد مرّةٍ. وقرأ ذلك عامّة قرّاء العراق: {ولملئت} بالتّخفيف، بمعنى: لملئت مرّةً، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في القراءة، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ). [جامع البيان: 15/190-195]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد يعني بالفناء). [تفسير مجاهد: 374-375]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {وتحسبهم} يا محمد {أيقاظا وهم رقود} يقول: في رقدتهم الأولى {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قال: وهذا التقليب في رقدتهم الأولى كانوا يقلبون في كل عام مرة). [الدر المنثور: 9/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قال: ستة أشهر على ذي الجنب وستة أشهر على ذي الجنب). [الدر المنثور: 9/507-508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عياض في قوله: {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قال: في كل عام مرتين). [الدر المنثور: 9/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ونقلبهم} قال: في التسع سنين ليس فيما سواه). [الدر المنثور: 9/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله: {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قال: كي لا تأكل الأرض لحومهم). [الدر المنثور: 9/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وكلبهم} قال: اسم كلبهم قطمور). [الدر المنثور: 9/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: اسم كلب أصحاب الكهف قطمير). [الدر المنثور: 9/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: قلت لرجل من أهل العلم: زعموا أن كلبهم كان أسدا قال: لعمر الله ما كان أسدا ولكنه كان كلبا أحمر خرجوا به من بيوتهم يقال له قطمور). [الدر المنثور: 9/508-509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن كثير النواء قال: كان كلب أصحاب الكهف أصفر). [الدر المنثور: 9/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سفيان قال: قال رجل بالكوفة يقال له: عبيد وكان لا يتهم بكذب قال: رأيت كلب أصحاب الكهف أحمر كأنه كساء انبجاني). [الدر المنثور: 9/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن عبيد السواق قال: رأيت كلب أصحاب الكهف صغيرا باسطا ذراعيه بفناء باب الكهف وهو يقول: هكذا يضرب بأذنيه). [الدر المنثور: 9/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن حميد المكي في قوله: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} قال: جعل رزقه في لحس ذراعيه). [الدر المنثور: 9/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {بالوصيد} قال: بالفناء). [الدر المنثور: 9/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {بالوصيد} قال: بالباب). [الدر المنثور: 9/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله: {بالوصيد} قال: بفناء باب الكهف). [الدر المنثور: 9/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {بالوصيد} قال: بالصعيد). [الدر المنثور: 9/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} قال: ممسك عليهم باب الكهف). [الدر المنثور: 9/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال: كان لي صاحب شديد النفس فمر بجانب كهفهم فقال: لا أنتهي حتى أنظر إليهم فقيل له: لا تفعل، أما تقرأ {لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا} فأبى إلا أن ينظر فأشرف عليهم فابيضت عيناه وتغير شعره وكان يخبر الناس بعد يقول: عدتهم سبعة). [الدر المنثور: 9/510]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11 جمادى الآخرة 1434هـ/21-04-2013م, 03:20 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وإذ اعتزلتموهم} يقوله بعضهم لبعضٍ.
{وما يعبدون إلا اللّه}، أي: وما يعبدون من دون اللّه، أي: وما يعبدون سوى اللّه.
سعيدٌ، عن قتادة قال: هي في مصحف عبد اللّه: وما يعبدون من دون اللّه.
وهذا تفسيرها.
{فأووا إلى الكهف}، يعني: فانتهوا إلى الكهف.
{ينشر لكم ربّكم}، يعني: يبسط لكم ربّكم.
{من رحمته ويهيّئ لكم من أمركم مرفقًا}). [تفسير القرآن العظيم: 1/174]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون...}

يعني أصحاب الكهف فقال: وإذ اعتزلتم جميع ما يعبدون من الآلهة إلاّ الله. و(ما) في موضع نصب. وذلك أنهم كانوا يشركون بالله، فقال: اعتزلتم الأصنام ولم تعتزلوا الله تبارك وتعالى ولا عبادته:
وقوله: {فأووا إلى الكهف} جواب لإذ كما تقول: إذ فعلت ما فعلت فتب.
وقوله: {مّن أمركم مّرفقاً} كسر الميم الأعمش والحسن، ونصبها أهل المدينة وعاصم. فكأنّ الذين فتحوا الميم وكسروا الفاء أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر والمرفق من الإنسان وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن الإنسان. والعرب أيضاً تفتح الميم من مرفق الإنسان. لغتان فيهما). [معاني القرآن: 2/136]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ويهيّئ لكم من أمركم مرفقاً} هو ما ارتفق به ويقرؤه قوم مرفقاً فأما في اليدين فهو مرفق). [مجاز القرآن: 1/395]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلاّ اللّه فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربّكم مّن رّحمته ويهيّئ لكم مّن أمركم مّرفقاً}
وقال: {مّن أمركم مّرفقاً} أي: شيئاً يرتفقون به مثل: "المقطع" و{مرفقا} جعله أسما كـ"المسجد" أو يكون لغة يقولون: "رفق" "يرفق". وإن شئت {مرفقا} يريد: "رفقاً" ولم تقرأ).[معاني القرآن: 2/74]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {ويهيئ لكم من أمركم مرفقا}.
[معاني القرآن لقطرب: 846]
والأعرج {مرفقا} بنصب الميم؛ وهما لغتان: لي فيه مرفق، ومرفق؛ وكذلك مرفق اليد في لغتان، إلا أن الكسر في مرفق اليد كأنه أكثر.
وقالوا في الفعل: رفق به، ورفق به، ورفق به؛ لغات ثلاث). [معاني القرآن لقطرب: 847]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({مرفقا}
ما ارتفقت به وبعضهم يقول المرفق، فأما في اليد فهو المرفق). [غريب القرآن وتفسيره: 225]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({مرفقاً}: ما يرتفق به). [تفسير غريب القرآن: 264]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلّا اللّه فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربّكم من رحمته ويهيّئ لكم من أمركم مرفقا}
موضع (ما) نصب، المعنى إذا اعتزلتموهم واعتزلتم ما يعبدون إلا اللّه فإنكم لن تتركوا عبادته.
{فأووا إلى الكهف} أي اجعلوا الكهف مأواكم
{ينشر لكم ربّكم من رحمته} أي ينشر لكم من رزق
{ويهيّئ لكم من أمركم مرفقا}يقال هو مرفق اليد بكسر الميم وفتح الفاء، وكذلك مرفق الأمر مثل مرفق اليد سواء.
قال الأصمعي: لا أعرف غير هذا. وقرأت القراء مرفقا
- بفتح الميم وكسر الفاء.
وذكر قطرب وغيره من أهل اللغة اللغتين جميعا في مرفق الأمر ومرفق اليد.
وقالوا جميعا المرفق لليد بكسر الميم. هو أكثر في اللغة وأجود). [معاني القرآن: 3/273-272]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله} والمعنى اعتزلتم ما يعبدون إلا الله فإنكم لم تتركوا عبادته
روى سعيد عن قتادة قال في قراءة ابن مسعود {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله}). [معاني القرآن: 4/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فأووا إلى الكهف} أي صيروه مأواكم
ثم قال جل وعز: {ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا}
قرئ بفتح الميم وكسرها وهو ما يرتفق به وكذلك مرفق الإنسان ومرفقه ومنهم من يجعل المرفق بفتح الميم وكسر الفاء من الأمر والمرفق من الإنسان وقد قيل المرفق بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما لغتان). [معاني القرآن: 4/224]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مرفقا} مرتفق به). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 142]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({المِرْفَقُ}: ما ارتفقْت به). [العمدة في غريب القرآن: 187]


تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم} تعدل عن كهفهم.
وقال قتادة: تميل.
{ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال} وقال قتادة: تدعهم ذات اليمين.
{وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال}، يقول: تدعهم ذات اليمين.
وقال الحسن: لا تدخل الشّمس كهفهم على حالٍ.
{وهم في فجوةٍ منه} سعيدٌ، عن قتادة، قال: أي في قضاءٍ من الكهف.
وتلك آيةٌ.
قال: {ذلك من آيات اللّه من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا}). [تفسير القرآن العظيم: 1/174-175]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {تّزاور...}

وقرئت {تزّاور} وتريد (تتزاور) فتدغم التاء عند الزاي. وقرأ بعضهم (تزورّ) وبعضهم (تزوارّ) مثل تحمرّ وتحمارّ. والازورار في هذا الموضع أنها كانت تطلع على كهفهم ذات اليمين ولا تدخل عليهم، وذات الشمال. والعرب تقول: قرضته ذات اليمين وحذوته وكذلك ذات الشمال وقبلا ودبرا، كلّ ذلك أي كنت بحذائه من كلّ ناحية). [معاني القرآن: 2/137-136]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({تزاور عن كهفهم} أي تميل وتعدل وهو من الزور يعني العوج والميل، قال ابن مقبل:
فينا كراكر أجوازٍ مضبّرةٍ.......فيها دروٌّ إذا شئنا من الزّور
وقال أبو الزحف الكليبي:
ودون ليــــلــــى بــــلـــــدٌ ســـمـــــــهـــــــــــدر.......جدب المندّى عن هوانا أزور
بنضـــى المــطايــــا خمـــســـة العشنزر....... . . . . . . . . . . . . .
العشنزر: الشديد؛ المندّى حيث يرتع ساعة من النهار). [مجاز القرآن: 1/395]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({تقرضهم ذات الشّمال} أي تخلّفهم شمالاً وتجاورهم وتقطعهم وتتركهم عن شمالها، ويقال: هل مررت بمكان كذا وكذا،
فيقول المسئول: قرضته ذات اليمين ليلا،
وقال ذو الرّمّة:
إلى ظعنٍ يقرضن أجواز مشرفٍ.......شمالاًوعن أيمانهن الفوارس
(وهم في فجوةٍ منه ذلك من آيات الله) أي متّسع، والجميع فجوات، وفجاء مكسورة الفاء). [مجاز القرآن: 1/396]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وترى الشّمس إذا طلعت تّزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تّقرضهم ذات الشّمال وهم في فجوةٍ مّنه ذلك من آيات اللّه من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مّرشداً}
وقال: {تّقرضهم ذات الشّمال} فـ{ذات الشّمال} نصب على الظرف). [معاني القرآن: 2/75]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {تزاور عن كهفهم} مثقل.
الأعمش وعاصم بن بهدلة {تزاور} مخففة؛ كأنه يريد تتزاور، فحذف إحدى التاءين.
وقراءة أهل الشام {تزور عن كهفهم} من ازورت). [معاني القرآن لقطرب: 847]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {تقرضهم} يقولون: تأتي عليهم يمينًا وشمالاً.
وقال رجل من صداء:
واستبطنوا الطف من ذي الشيح تقرضهم عن مشأم الأمن [...]
وقال ذو الرمة:
إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف = شمالاً وعن أيمانهن الفوارس
وقال أبو داود أيضًا:
ومرت تقرض الأرواح شدا = يقارب منه بعد المراد
[وروى محمد بن صالح]:
"بعد المزار".
وقال كثير:
قارضات الكديد مجتزعات = خل وادي الجخوف بالأثقال
قارضات: مارات قاطعات.
وقال ابن عباس {تقرضهم} تمر بهم.
وقوله عز وجل {في فجوة منه} فالفجوة: الرحبة، وهي الفسحة والسعة، والفتح بين الشيئين.
[عن محمد].
[معاني القرآن لقطرب: 865]
وكان ابن عباس يقول: {في فجوة منه} أي في ناحية والقوس الفجواء: التي تجافت عن وترها؛ فكأنه من ذلك السعة والانفراج؛ وحكي لنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا رأى فجوة نص"؛ أي سعة سار.
وقال الشاعر قال أبو علي ولم أسمعه ممن يحكيه، ولكنه في كتاب -:
ملأنا عليهم كل واد وفجوة = رجالاً وخيلا غير ميل ولا عزل). [معاني القرآن لقطرب: 866]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تزاور}: أي تميل.
{تقرضهم}: تأخذ عن اليمين وعن الشمال، يقال: هل وردت مكان كذا وكذا فيقول: قرضته ذات الشمال.
{وهم في فجوة منه}: أي متسع والجمع فجوات وفجاء ممدود). [غريب القرآن وتفسيره: 226-225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {تتزاور}: تميل.
{تقرضهم ذات الشّمال} تعدل عنهم وتجاوزهم. قال ذو الرّمّة:
إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف شمالا وعن أيمانهن الفوارس
{وهم في فجوةٍ} أي متسع وجمعها فجوات وفجاء. ويقال: في مقنأة والتفسير الأول أشبه بكلام العرب.
و{بالوصيد}: الفناء. ويقال: عتبة الباب. وهذا أعجب إليّ، لأنهم يقولون: أوصد بابك. أي أغلقه. ومنه {إنّها عليهم مؤصدةٌ} أي مطبقة مغلقة.
وأصله أن تلصق الباب بالعتبة إذا أغلقته. ومما يوضح هذا: أنك إن جعلت الكلب بالفناء كان خارجا من الكهف.
وإن جعلته بعتبة الباب أمكن أن يكون داخل الكهف. والكهف وإن لم يكن له باب وعتبة - فإنما أراد أن الكلب منه بموضع العتبة من البيت.
فأستعير على ما أعلمتك من مذاهب العرب في كتاب «المشكل».
وقد يكون الوصيد الباب نفسه. فهو على هذا كأنه قال: وكلبهم باسط ذراعيه بالباب. قال الشاعر:
بأرض فضاء لا يسد وصيدها عليّ ومعروفي بها غير منكر). [تفسير غريب القرآن: 264-265]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وقد قال قوم بقُصورِ العلم وسوء النظر في قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} : وما في هذا الكلام من الفائدة؟.
وما في الشمس إذا مالت بالغداة والعشيّ عن الكهف من الخبر؟
ونحن نقول: وأيّ شيء أولى بأن يكون فائدة من هذا الخبر؟ وأيّ معنى ألطف مما أودع الله هذا الكلام؟.
وإنما أراد عز وجل: أن يعرّفنا لطفه للفتية، وحفظه إياهم في المهجع، واختياره لهم أصلح المواضع للرّقود، فأعلمنا أنه بَوَّأَهم كهفا في مِقْنَأَةِ الجبل، مستقبلا بناتِ نَعْشٍ، فالشمس تَزْوَرُّ عنه وتستدبرُه طالعةً، وجارِيَةً، وغارِبَةً. ولا تدخلُ عليهم فتؤذيهم بحرّها وتلفحهم بسمومها، وتغيّر ألوانهم، وتبلي ثيابهم. وأنهم كانوا في فجوة من الكهف- أي متَّسَعٍ منه- ينالهم فيه نسيمُ الريح وبردُها، وينفي عنهم غُمَّةَ الغارِ وكَرْبَه). [تأويل مشكل القرآن: 9]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات اللّه من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا}
في (تزاور) ثلاثة أوجه: تزاور، وتزورّ - بغير ألف، على مثال تحمرّ.
وتزوارّ على مثال تحمارّ، ووجه رابع تزاور. والأصل فيه تتزاور فأدغمت التاء في الزاي.
{وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال}.
{تقرضهم} بكسر الراء، وتقرضهم - بضم الراء -.
والكسر القراءة عليه، وتأويله تعدل عنهم وتتركهم.
قال ذو الرؤبة:
إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف.......شمالا وعن أيمانهنّ الفوارس
يقرضن يتركن، وأصل القرض القطع والتفرقة بين الأشياء، ومن هذا قولك: اقرضني درهما، تأويله اقطع لي من مالك درهما.
وقوله: {وهم في فجوة منه} أي في متسع منه
{ذلك من آيات اللّه} قيل إنّ باب الكهف كان بإزاء بنات نعش، فلذلك لم تكن الشمس تطلع عليهم وهذا التفسير ليس ببيّن،
إنما جعل اللّه فيهم هذه الآية لأن الشمس لا تقربهم في مطلعها ولا عند غروبها.
وقوله: {ذلك من آيات اللّه من يهد الله فهو المهتد}
أكثر اللغة فهو المهتدي بإثبات الياء، وفي المصحف في هذا.
الموضع بغير ياء وهذا في هذا الموضع كالذي في الأعراف، فهذا هو الوجه، وهو في الأعراف بالياء وفي الكهف بغير ياء. -
وحذف الياء جائز في الأسماء خاصة ولا يجوز في الأفعال، لأن حذف الياء في الفعل دليل الجزم.
وحذف الياء في الأسماء واقع إذا لم يكن مع الاسم، الألف واللام، نحو مهتد ومقتد، فأدخلت الألف واللام وترك الحذف على ما كان عليه. ودلت الكسرة على الياء المحذوفة). [معاني القرآن: 3/274-273]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ({في فجوة منه} أي: في سعة منه). [ياقوتة الصراط: 318]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تزاور} تميل.
{تقرضهم} أي تعدل عنهم وتجاوزهم.
{فجوة} أي متسع. وقيل: في مقنأة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 142]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَزاوَرُ}: تميل.
{تَقْرِضُهم}: تأخذ يمينا وشمالا.
{فَجْوَةٍ}: متسع). [العمدة في غريب القرآن: 187]

تفسير قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وتحسبهم أيقاظًا وهم رقودٌ} مفتّحةٌ أعينهم وهم موتى.
{ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال} قال قتادة: ذاك في رقدتهم الأولى قبل أن يموتوا.
قال قتادة: وقال أبو عياضٍ: لهم في كلّ عامٍ تقليبتان.
{وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال قتادة: بفناء الكهف.
{لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا} لحالهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/175]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ذراعيه بالوصيد...}

الوصيد: الفناء. والوصيد والأصيد لغتان مثل الإكاف والوكاف، ومثل أرّخت الكتاب وورّخته، ووكّدت الأمر وأكّدته، ووضعته يتنا وأتنا ووتنا يعني الولد. فأمّا قول العرب: واخيت ووامرت وواتيت وواسيت فإنها بنيت على المواخاة والمواساة والمواتاة والموامرة، وأصلها الهمز؛ كما قيل: هو سول منك، وأصله الهمز فبدّل واوا وبنى على السؤال.
وقوله: {في فجوةٍ مّنه} أي ناحية متّسعة.
وقوله: {ولملئت} بالتخفيف قرأه عاصم والأعمش وقرأ أهل المدينة {ولملئت منهم} مشدّداً.وهذا خوطب به محمّد صلّى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 2/137]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وتحسبهم أيقاظاً} واحدهم: يقظٌ، ورجال أيقاظ، وكذلك جميع يقظان أيقاظ، يذهبون به إلى جميع يقظٍ،
وقال رؤبة:
ووجدوا إخوانهم أيقاظاً.......وسيف غيّاظٍ لهم غياظا
{ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال} أي على أيمانهم وعلى شمائلهم.
{باسطٌ ذراعيه بالوصيد} على الباب وبفناء الباب جميعاً لأن الباب يوصد، أي يغلق، والجميع وصائد ووصد). [مجاز القرآن: 1/397-396]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وتحسبهم أيقاظاً وهم رقودٌ ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً}
وقال: {أيقاظاً} واحدهم "اليقظ"، وأما "اليقظان" فجماعه "اليقاظ"). [معاني القرآن: 2/75]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {ولمليت منهم رعبا} فعلت، من ملأت الشيء؛ مخففة.
أبو جعفر والأعرج {ولميت} مثقلة؛ والتخفيف كأنه أقرب؛ لأنه ليس هاهنا معنى توكيد سهل، كقولك: كسرته وكسرته؛ وقطعته وقطعته؛ لأنه إذا ثقل أراد توكيد الكسر والقطع، وكثرته؛ وإذا قال {ولمليت} مخففة، فقد استقصى الفعل.
أبو جعفر والأعرج {منهم رعبا}.
الحسن وشيبة ونافع {رعبا} بإسكان العين، والفعل منه: رعبني يرعبني، ويرعبني: وهو الفرق منه، رعبا ورعبا). [معاني القرآن لقطرب: 847]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {وتحسبهم أيقاظا} فقالوا في الواحد: رجل يقظ بالضم، ويقظ بالكسر؛ وقالوا أيضًا: قوم يقضى؛ وقد يقظ الرجل يقظًا؛ ورجل يقظ.
[وروى محمد]:
يقظ لا يكاد ينام؛ ورجل يقظ ويقظان؛ في معنى فطن.
وأما {بالوصيد} فهو الفناء، فناء البيت بلغة حمير؛ وهو قول ابن عباس؛ وقالوا الوصيد: المخرج نفسه؛ وقال العقيلي: الإصاد يريد: الغلق والشيء نفسه الذي يمنع من الخروج؛ وإنما هو من قول الله عز وجل {إنها عليها مؤصدة} أي مطبقة، وقالوا: آصدت وأوصدت، جميعًا لغتان.
وقال الأعشى:
قوما يعالج قملا أبناؤهم = وسلاسلا أجدا وبابا موصدا). [معاني القرآن لقطرب: 866]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {والوصيد}: الفناء وقالوا الحظيرة وقالوا عتبة الباب والجميع وصائد ووصد). [غريب القرآن وتفسيره: 226]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا }
الأيقاظ: المنتبهون، والرقود النيام، وواحد الأيقاظ يقظ ويقظان والجمع أيقاظ.
قال الراجز:
ووجدوا إخوتهم أيقاظا
وقيل في التّفسير إنهم كانوا مفتحي الأعين، الّذي يراهم يتوهمهم منتبهين وقيل لكثرة تقلبهم يظن أنهم غير نيام، ويدل عليه (ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال)
ويجوز وتحسبهم، وتحسبهم.
{وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} والوصيد فناء البيت، وفناء الدار.
وقوله: {لو اطّلعت عليهم}بكسر الواو، وتقرأ لو اطلعت عليهم بضم الواو، والكسر أجود، لأن الواو ساكنة والطاء ساكنة، فكسرت الواو لالتقاء السّاكنين، وهذا هو الأصل.
وجاز الضم لأن الضم من جنس الواو، ولكنه إذا كان بعد الساكن مضموم فالضم هناك أحسن منه ههنا. نحو (أو انقص) -واو انقص بالضم والكسر -وقوله:{لولّيت منهم فرارا}.
{فرارا} منصوب على المصدر، لأن معنى ولّيت فررت منهم.
{ولملئت منهم رعبا}ورعبا ورعبا، ورعبا منصوب على التمييز، تقول: امتلأت ماء وامتلأت فرقا، أي امتلأت من الفرق ومن الماء.
وقيل في التفسير إنهم طالت شعورهم جدا وأظفارهم، فلذلك كان الرائي لو رآهم لهرب منهم مرعوبا). [معاني القرآن: 3/275-274]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({أيقاظا} أي: منتبهين، واحدهم: يقظ ويقظ. (وهم رقود) أي: نيام). [ياقوتة الصراط: 319]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({بالوصيد} قال أبو العباس: اختلف الناس فيه، فقالت طائفة: الوصيد: الباب نفسه،
وقالت طائفة: الوصيد: الفناء). [ياقوتة الصراط: 319]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الوصيد}: الفناء، وقيل: عتبة الباب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 142]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الوَصيدُ}: الفناء، الباب). [العمدة في غريب القرآن: 187]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 جمادى الآخرة 1434هـ/21-04-2013م, 04:05 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)}
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت: 291هـ): (وقال أبو العباس في قوله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} قال: لم يعتزلوا الله، كما تقول ضربت القوم إلا زيدًا، المعنى إلا زيدًا فإني لم أضربه). [مجالس ثعلب: 318]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (

ودافــعـــة الــحـــزام بـمـرفـقـيـهـا.......كشاة الربل آنست الكلابا
هذا مثل قول بشر بن أبي خازم:
نسوف للحزام بمرفقيها.......يسد خواء طبييهـا الغبـار
يقال هو مِرْفَق ومَرْفِق وهو من الإنسان بالكسر والفتح ومن الارتفاق بالأمر مرفق بالكسر لا غير). [شرح المفضليات: 704]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)}
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«اليمين» و«الشمال» أنثيان، ويجمعان: أيمان وشمائل، وأيمُن وأشمُل، وهو مما يدل على تأنيث المؤنث الذي على فَعُول، أو فعيل، أو فعال). [المذكور والمؤنث: 88] (م)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث أبي الدرداء: إن قارضت الناس قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك.
يحدث به عن ابن المبارك عن مسعر عن عون بن عبد الله عن أبي الدرداء.
قوله: قارضتهم، يكون القرض في أشياء: فمنها: القطع، وبه سمي المقراض؛ لأنه يقطع به، وأظن قرض الفأر منه لأنه قطع وكذلك السير في البلاد إذا قطعتها، قال ذو الرمة:

إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف.......يمـيـنـا وعـــن أيـسـارهــن الــفــوارس
ومنه قوله عز وجل: {وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال}.
والقرض أيضا: في قول الشعر خاصة، ولهذا سمي القريض، ومنه قول عبيد بن الأبرص: «حال الجريض دون القريض».
ومنه قول الأغلب العجلي:
أرجــــزا تريـــد أم قريــضا
كلاهما أجد مستريضا

ويروى: مستفيضا بالفاء.
والقرض: من أن يقرض الرجل صاحبه المال والقراض: المضاربة في كلام أهل الحجاز). [غريب الحديث: 5/170-172]

تفسير قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«الذراع» أنثى. وقد ذكر الذراع بعض بني عكل. وتصغيرها: «ذريعة»، وربما قالوا: «ذريع». والهاء في التصغير أجود وأكثر في الذراع. ويقال: ثلاث أذرع). [المذكور والمؤنث: 68]
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت: 213هـ): (وقال: الوَصيدُ: البابُ). [كتاب الجيم: 3/313]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (الوصيد: الفناء، ويقال الباب. آصدته وآوصدته سواء أفكته: صرفته عن الحق. المعلهج: الذي ليس بخالصٍ.

{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ} حكى الحالة). [مجالس ثعلب: 419]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 08:41 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 08:42 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 08:44 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ اعتزلتموهم} الآية. إن كان "القيام" في قوله سبحانه: {إذ قاموا} عزما -كما تضمن التأويل الواحد، وكان "القول" منهم فيما بينهم -فهذه المقالة يصح أن تكون من قولهم الذي قالوه عند قيامهم; وإن كان "القيام" المذكور مقامهم بين يدي الملك فهذه المقالة لا يترتب أن تكون من "مقالهم" بين يدي الملك، بل يكون في الكلام حذف تقديره: وقال بعضهم لبعض.
وبهذا يترجح أن قوله تعالى: {إذ قاموا فقالوا} إنما المراد به: إذ عزموا ونفذوا لأمرهم.
وقوله تعالى: "إلا الله"، إن فرضنا الكفار الذين فر أهل الكهف منهم لا يعرفون الله تعالى، ولا علم لهم به، إنما يعتقدون الألوهية في أصنامهم فقط، فهو استثناء منقطع ليس من الأول، وإن فرضناهم يعرفون الله تعالى ويعظمونه كما كانت تفعل العرب، لكنهم يشركون أصنامهم معه في العبادة، فالاستثناء متصل; لأن الاعتزال وقع في كل ما يعبد الكفار إلا في جهة الله تعالى وفي مصحف ابن مسعود: "وما يعبدون من دون الله"، قال قتادة: هذا تفسيرها، قال هارون: وفي بعض مصاحفه: "وما يعبدون من دوننا".
[المحرر الوجيز: 5/576]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فعلى ما قال قتادة تكون "إلا" بمنزلة "غير"، و"ما" من قوله: {وما يعبدون} في موضع نصب عطفا على الضمير في "اعتزلتموهم" ومضمن هذه الآية أن بعضهم قال لبعض: إذ فارقنا الكفار وانفردنا بالله تعالى فلنجعل الكهف مأوى، ونتكل على الله تعالى، فإنه يبسط لنا رحمته، وينشرها علينا، ويهيئ لنا من أمرنا مرفقا، وهذا كله دعاء بحسب الدنيا، وعلى ثقة كانوا من الله تعالى في أمر آخرتهم.
وقرأ نافع، وابن عامر: "مرفقا" بفتح الميم وكسر الفاء، وهو مصدر كالرفق فيما حكى أبو زيد، وهي قراءة أبي جعفر، والأعرج، وشيبة. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي، والحسن، وطلحة، والأعمش، وابن أبي إسحاق: "مرفقا" بكسر الميم وفتح الفاء، ويقالان جميعا في الأمر وفي الجارحة، حكاه الزجاج، وذكر مكي عن الفراء أنه قال: لا أعرف في الأمر وفي اليد وفي كل شيء إلا كسر الميم، وأنكر الكسائي أن يكون "المرفق" من الجارحة إلا بفتح الميم وكسر الفاء، وخالفه أبو حاتم وقال: "المرفق" بفتح الميم الموضع كالمسجد، وهما بعد لغتان). [المحرر الوجيز: 5/577]

تفسير قوله تعالى: { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا}
بين هاتين الآيتين اقتضاب يبينه ما تقدم من الآيات، وتقديره: فآووا وضرب الله على آذانهم، ومكثوا كذلك.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: "تزاور" بتشديد الزاي وإدغام التاء، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: "تزاور" بتخفيفها، بتقدير: تتزاور، فحذفت إحدى التاءين، وقرأ ابن عامر، وابن أبي إسحاق، وقتادة: (تزور) في وزن تحمر، وقرأ الجحدري، وأبو رجاء: "تزوار" بألف بعد الواو. ومعنى اللفظة على كل هذا التصريف: تعدل وتروغ وتميل، وهذه عبارات المفسرين، أما إن الأخفش قال:
[المحرر الوجيز: 5/577]
"تزور" معناه: تنقبض، والزور: الميل، والأزور في العين: المائل النظر إلى ناحية، ويستعمل في غير العين، كقول ابن أبي ربيعة:
وجنبي خيفة القوم أزور
ومن اللفظة قول عنترة:
فازور من وقع القنا بلبانه
ومنه قول بشر بن أبي حازم:
تؤم بها الحداة مياه نخل ... وفيها عن أبانين ازورار
[المحرر الوجيز: 5/578]
وفي حديث غزوة مؤتة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريري جعفر وزيد بن حارثة.
وقرأ الجمهور: "تقرضهم" بالتاء، وقرأت فرقة: "يقرضهم" بالياء، أي الكهف، كأنه من القرض وهو القطع، أي: يقتطعهم الكهف بظله من ضوء الشمس. وجمهور من قرأ بالتاء فالمعنى أنهم كانوا لا تصيبهم شمس البتة، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، فيتأولون "تقرضهم" بمعنى: تتركهم، أي: كأنها عنده تقطع كل ما لا تناله عن نفسها، وفرقة ممن قرأ بالتاء تأولت أنها كانت بالعشي تنالهم فكأنها "تقرضهم"، أي تقتطعهم مما لا تناله، وقالوا: كان في مسها لهم بالعشي صلاح لأجسامهم. وحكى الطبري أن العرب تقول: قرضت موضع كذا، أي قطعته، ومنه قول ذي الرمة:
إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف ... شمالا وعن أيمانهن الفوارس
ومنه: أقرضني درهما، أي: اقطعه لي من مالك. وهذه الصفة مع الشمس تقتضي أنه كان لهم حاجب من جهة الجنوب، وحاجب من جهة الدبور، وهم في زاويته. وحكى الزجاج وغيره قال: كان باب الكهف ينظر إلى بنات نعش، وقاله عبد الله بن مسلم، وهذا نحو ما قلناه، غير أن الكهف كان مستور الأعلى من المطر. وذهب الزجاج إلى أن فعل الشمس كان آية من الله تعالى دون أن يكون باب الكهف إلى جهة توجب ذلك.
وقوله تعالى: {ذات اليمين} و{ذات الشمال} يحتمل أن يريد: ذات يمين الكهف، بأن تقدر باب الكهف بمثابة وجه إنسان، فإن الشمس تجيء منه أول النهار عن
[المحرر الوجيز: 5/579]
يمين وآخره عن شمال، ويحتمل أن يريد: ذات يمين الشمس وذات شمالها، بأن نقدر الشعاع الممتد منها إلى الكهف بمثابة وجه الإنسان. والوجه الأول أوضح.
و"الفجوة": المتسع، وجمعها فجاء، قال قتادة: في فضاء منه، ومنه الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص. وقال ابن جبير: في فجوة منه: في مكان داخل.
وقوله تعالى: {ذلك من آيات الله} الإشارة إلى الأمر بجملته، وعلى قول الزجاج "إن الشمس كانت تزاور وتقرض دون حجاب" تكون الإشارة إلى هذا المعنى خاصة. ثم تابع بتعظيم الله عز وجل والتسليم له وما يقتضي صرف الآمال إليه). [المحرر الوجيز: 5/580]

تفسير قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وتحسبهم أيقاظا وهم رقود} الآية. صفة حال قد نقضت، وجاءت أفعالها مستقبلة تجوزا واتساعا.
و"أيقاظا" جمع يقظ، كعضد وأعضاد، وهو المنتبه. قال أهل التفسير: كانت أعينهم مفتوحة وهم نائمون، فلذلك كان الرائي يحسبهم أيقاظا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل أن يحسب الرائي ذلك لشدة الحفظ الذي كان عليهم، وقلة التغير، وذلك أن الغالب على النوام أن يكون لهم استرخاء وهيئات تقتضي النوم، ورب نائم على أحوال لم تتغير عن حالة اليقظة، فيحسبه الرائي يقظانا وإن كان مسدود العين، ولو صح فتح أعينهم بسند يقطع العذر كان أبين في أن يحسب عليهم التيقظ.
وقرأ الجمهور: "ونقلبهم" بنون العظمة، وقرأ الحسن: "وتقلبهم" بالتاء المفتوحة وضم اللام والباء، وهو مصدر مرتفع بالابتداء، قاله أبو حاتم. وحكى ابن جني القراءة عن الحسن بفتح التاء وضم اللام وفتح الباء، وقال: هذا نصب بفعل مقدر، كأنه قال: وترى، أو تشاهد تقلبهم.
[المحرر الوجيز: 5/580]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأبو حاتم أثبت.
ورأت فرقة أن التقلب هو الذي من أجله كان الرائي يحسبهم أيقاظا.
وهذا -وإن كان التقلب لمن صادف رؤيته دليلا على ذلك- فإن ألفاظ الآية لم تسقه إلا خبرا مستأنفا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان هذا التقليب مرتين في السنة، وقالت فرقة: كل سنة مرة، وقالت فرقة: كل سبع سنين مرة، وقالت فرقة: إنما قلبوا في التسع الأواخر، وأما في الثلاثمائة فلا. وذكر بعض المفسرين أن تقلبهم إنما كان حفظا من الأرض، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لو مستهم الشمس لأحرقتهم، ولولا التقليب لأكلتهم الأرض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وآية الله تعالى في نومهم هذه المدة الطويلة وحياتهم دون تغذ أذهب في الغرابة من حفظهم مع مس الشمس ولزوم الأرض، ولكنها روايات تختلف وتتأمل بعد، وظاهر كلام المفسرين أن التقلب كان بأمر الله تعالى وفعل ملائكته. ويحتمل أن يكون ذلك بإقدار الله إياهم على ذلك وهم في غمرة النوم لا ينتبهون كما يعتري كثيرا من النوام; لأن القوم لم يكونوا موتى.
وقوله تعالى: "وكلبهم". أكثر المفسرين على أنه كلب حقيقة، كان لصيد أحدهم فيما روي، وقيل: كان لراع مروا عليه فصحبهم وتبعه الكلب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وحدثني أبي رضي الله عنه قال: سمعت أبا الفضل الجوهري في جامع مصر يقول على منبر وعظه سنة تسع وستين وأربعمائة: إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم، كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله تعالى في محكم تنزيله. وقيل: كان أنمر،
[المحرر الوجيز: 5/581]
وقيل: كان أحمر، وقالت فرقة: كان رجلا طباخا لهم، حكاه الطبري ولم يسم قائله، وقالت فرقة: كان أحدهم، وكان قعد عند باب الغار طليعة لهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فسمي باسم الحيوان الملازم لذلك الموضع من الناس، كما سمي النجم التابع للجوزاء كلبا لأنه منها كالكلب من الإنسان، ويقال له: كلب الجبار. أما أن هذا القول يضعفه ذكر بسط الذراعين فإنهما في العرف من صفة الكلب حقيقة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا يبسط أحدكم ذراعيه في السجود انبساط الكلب"، وقد حكى أبو عمر المطرز في كتاب اليواقيت أنه قرئ: "وكالبهم باسط ذراعيه"، فيحتمل أن يريد بـ "الكالب" هذا الرجل، على ما روي; إذ بسط الذراعين واللصوق بالأرض مع رفع الوجه للتطلع هي هيئة الربيئة، المستخفي بنفسه، ويحتمل أن يريد بـ "الكالب" الكلب، وقوله تعالى: {باسط ذراعيه} أعمل اسم الفاعل وهو بمعنى المضي لأنها حكاية، ولم يقصد الإخبار عن فعل الكلب.
و "الوصيد": العتبة التي لباب الكهف، أو موضعها حيث ليست، وقال ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير: الوصيد: الفناء. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضا: الوصيد: الباب، وقال ابن جبير أيضا: الوصيد: التراب، والقول الأول أصح، والباب الموصد هو المغلق، أي: قد وقف على وصيده.
ثم ذكر الله تعالى ما حفهم من الرعب واكتنفهم من الهيبة، وقرأ: "لو اطلعت" بكسر الواو جمهور القراء، وقرأ الأعمش، وابن وثاب: "لو اطلعت" بضمها، وقد ذكر ذلك عن نافع، وشيبة، وأبي جعفر، وقرأ ابن كثير، ونافع وابن عباس رضي الله عنهما وأهل مكة والمدينة: "لملئت" بشد اللام على تضعيف المبالغة، أي: ملئت ثم
[المحرر الوجيز: 5/582]
ملئت، وقرأ الباقون: "لملئت" بتخفيف اللام، والتخفيف أشهر في اللغة، وقد جاء التثقيل في قول المخبل السعدي:
وإذ فتك النعمان بالناس محرما ... فملئ من كعب بن عوف سلاسله
وقالت فرقة: إنما حفهم هذا الرعب لطول شعورهم وأظفارهم، ذكره المهدوي والزجاج، وهذا قول بعيد، ولو كانت حالهم هكذا، لم يقولوا: لبثنا يوما أو بعض يوم، وإنما الصحيح في أمرهم، أن الله عز وجل حفظ لهم الحالة التي قاموا عليها لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية، فلم يبل لهم ثوب، ولا تغيرت صفة، ولا أنكر الناهض إلى المدينة إلا معالم الأرض والبناء، ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليه أهم، ولروي ذلك.
وقرأ الجمهور: "رعبا" بسكون العين، وقرأ "رعبا" بضمها أبو جعفر وعيسى، قال أبو حاتم: هما لغتان). [المحرر الوجيز: 5/583]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:17 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:20 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(فلمّا وقع عزمهم على الذّهاب والهرب من قومهم، واختار اللّه تعالى لهم ذلك، وأخبر عنهم بذلك في قوله: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا اللّه} أي: وإذا فارقتموهم وخالفتموهم بأديانكم في عبادتهم غير اللّه، ففارقوهم أيضًا بأبدانكم {فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربّكم من رحمته} أي: يبسط عليكم رحمةً يستركم بها من قومكم {ويهيّئ لكم من أمركم} [أي] الّذي أنتم فيه، {مرفقًا} أي: أمرًا ترتفقون به.
فعند ذلك خرجوا هرابًا إلى الكهف، فأووا إليه، ففقدهم قومهم من بين أظهرهم، وتطلّبهم الملك فيقال: إنّه لم يظفر بهم، وعمّى اللّه عليه خبرهم. كما فعل بنبيّه [محمّدٍ] صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحبه الصّدّيق، حين لجأ إلى غار ثورٍ، وجاء المشركون من قريشٍ في الطّلب، فلم يهتدوا إليه مع أنّهم يمرّون عليه، وعندها قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين رأى جزع الصّدّيق في قوله: يا رسول اللّه، لو أنّ أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا، فقال: "يا أبا بكرٍ، ما ظنّك باثنين اللّه ثالثهما؟ "، وقد قال تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره اللّه إذ أخرجه الّذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ اللّه معنا فأنزل اللّه سكينته عليه وأيّده بجنودٍ لم تروها وجعل كلمة الّذين كفروا السّفلى وكلمة اللّه هي العليا واللّه عزيزٌ حكيمٌ} [التّوبة:40] فقصّة هذا الغار أشرف وأجلّ وأعظم وأعجب من قصّة أصحاب الكهف،
وقد قيل: إنّ قومهم ظفروا بهم، وقفوا على باب الغار الّذي دخلوه، فقالوا: ما كنّا نريد منهم من العقوبة أكثر ممّا فعلوا بأنفسهم. فأمر الملك بردم بابه عليهم ليهلكوا مكانهم ففعل [لهم] ذلك. وفي هذا نظرٌ، واللّه أعلم؛ فإنّ اللّه تعالى قد أخبر أنّ الشّمس تدخل عليهم في الكهف بكرةً وعشيّةً، كما قال تعالى: {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال وهم في فجوةٍ منه ذلك من آيات اللّه من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا (17) }). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 142]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال وهم في فجوةٍ منه ذلك من آيات اللّه من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا (17)}
هذا دليلٌ على أنّ باب هذا الكهف من نحو الشّمال؛ لأنّه تعالى أخبر أنّ الشّمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه {ذات اليمين} أي: يتقلّص الفيء يمنةً كما قال ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وقتادة: {تزاور} أي: تميل؛ وذلك أنّها كلّما ارتفعت في الأفق تقلّص شعاعها بارتفاعها حتّى لا يبقى منه شيءٌ عند الزّوال في مثل ذلك المكان؛ ولهذا قال: {وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال} أي: تدخل إلى غارهم من شمال بابه، وهو من ناحية المشرق، فدلّ على صحّة ما قلناه،
وهذا بيّنٌ لمن تأمّله وكان له علمٌ بمعرفة الهيئة، وسير الشّمس والقمر والكواكب، وبيانه أنّه لو كان باب الغار من ناحية الشّرق لما دخل إليه منها شيءٌ عند الغروب، ولو كان من ناحية القبلة لما دخل منها شيءٌ عند الطّلوع ولا عند الغروب، ولا تزاور الفيء يمينًا ولا شمالًا ولو كان من جهة الغرب لما دخلته وقت الطّلوع، بل بعد الزّوال ولم تزل فيه إلى الغروب. فتعيّن ما ذكرناه وللّه الحمد.
وقال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وقتادة: {تقرضهم} تتركهم.
وقد أخبر اللّه تعالى بذلك وأراد منّا فهمه وتدبّره، ولم يخبرنا بمكان هذا الكهف في أيّ البلاد من الأرض؛ إذ لا فائدةٌ لنا فيه ولا قصدٌ شرعيٌّ. وقد تكلّف بعض المفسّرين فذكروا فيه أقوالًا فتقدّم عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: [هو] قريبٌ من أيلة. وقال ابن إسحاق: هو عند نينوى. وقيل: ببلاد الرّوم. وقيل: ببلاد البلقاء. واللّه أعلم بأيّ بلاد اللّه هو. ولو كان لنا فيه مصلحةٌ دينيّةٌ لأرشدنا اللّه ورسوله إليه فقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما تركت شيئًا يقرّبكم إلى [الجنّة] ويباعدكم من النّار، إلّا وقد أعلمتكم به". فأعلمنا تعالى بصفته، ولم يعلمنا بمكانه، فقال {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم} قال مالكٌ، عن زيد بن أسلم: تميل {ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال وهم في فجوةٍ منه} أي: في متّسعٍ منه داخلًا بحيث لا تمسّهم؛ إذ لو أصابتهم لأحرقت أبدانهم وثيابهم قاله ابن عبّاسٍ.
{ذلك من آيات اللّه} حيث أرشدهم تعالى إلى هذا الغار الّذي جعلهم فيه أحياءً، والشّمس والرّيح تدخل عليهم فيه لتبقى أبدانهم؛ ولهذا قال: {ذلك من آيات اللّه}
ثمّ قال: {من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا} أي: هو الّذي أرشد هؤلاء الفتية إلى الهداية من بين قومهم، فإنّه من هداه اللّه اهتدى، ومن أضلّه فلا هادي له). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 142-143]

تفسير قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وتحسبهم أيقاظًا وهم رقودٌ ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا (18)}
ذكر بعض أهل العلم أنّهم لـمّا ضرب اللّه على آذانهم بالنّوم، لم تنطبق أعينهم؛ لئلّا يسرع إليها البلى، فإذا بقيت ظاهرةً للهواء كان أبقى لها؛ ولهذا قال تعالى: {وتحسبهم أيقاظًا وهم رقودٌ} وقد ذكر عن الذّئب أنّه ينام فيطبق عينًا ويفتح عينًا، ثمّ يفتح هذه ويطبق هذه وهو راقد، كما قال الشاعر
ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي = بأخرى الرّزايا فهو يقظان نائم
وقوله تعالى: {ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال} قال بعض السّلف: يقلّبون في العام مرّتين. قال ابن عبّاسٍ: لو لم يقلّبوا لأكلتهم الأرض.
وقوله: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال ابن عبّاسٍ، وقتادة ومجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ الوصيد: الفناء.
وقال ابن عبّاسٍ: بالباب. وقيل: بالصّعيد، وهو التّراب. والصّحيح أنّه بالفناء، وهو الباب، ومنه قوله تعالى: {إنّها عليهم مؤصدةٌ} [الهمزة: 8] أي: مطبقةٌ مغلقةٌ. ويقال: "وصيد" و "أصيدٌ".
ربض كلبهم على الباب كما جرت به عادة الكلاب.
قال ابن جريجٍ يحرس عليهم الباب. وهذا من سجيّته وطبيعته، حيث يربض ببابهم كأنّه يحرسهم، وكان جلوسه خارج الباب؛ لأنّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلبٌ -كما ورد في الصّحيح -ولا صورةٌ ولا جنب ولا كافرٌ، كما ورد به الحديث الحسن وشملت كلبهم بركتهم، فأصابه ما أصابهم من النّوم على تلك الحال. وهذا فائدة صحبة الأخيار؛ فإنّه صار لهذا الكلب ذكرٌ وخبرٌ وشأنٌ.
وقد قيل: إنّه كان كلب صيدٍ لأحدهم، وهو الأشبه. وقيل: كان كلب طبّاخ الملك، وقد كان وافقهم على الدّين فصحبه كلبه فاللّه أعلم.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة "همّام بن الوليد الدّمشقيّ": حدّثنا صدقة بن عمر الغسّاني، حدّثنا عبّادٌ المنقري، سمعت الحسن البصريّ، رحمه اللّه، يقول: كان اسم كبش إبراهيم: جريرٌ واسم هدهد سليمان: عنقز، واسم كلب أصحاب الكهف: قطميرٌ، واسم عجل بني إسرائيل الّذي عبدوه: بهموت. وهبط آدم، عليه السّلام، بالهند، وحوّاء بجدّة، وإبليس بدست بيسان، والحيّة بأصبهان
وقد تقدّم عن شعيبٍ الجبّائيّ أنّه سمّاه: حمران.
واختلفوا في لونه على أقوالٍ لا حاصل لها، ولا طائل تحتها ولا دليل عليها، ولا حاجة إليها، بل هي ممّا ينهى عنه، فإنّ مستندها رجمٌ بالغيب.
وقوله تعالى: {لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا} أي: أنّه تعالى ألقى عليهم المهابة بحيث لا يقع نظر أحدٍ عليهم إلّا هابهم؛ لما ألبسوا من المهابة والذّعر، لئلّا يدنو منهم أحدٌ ولا تمسّهم يد لامسٍ، حتّى يبلغ الكتاب أجله، وتنقضي رقدتهم الّتي شاء تبارك وتعالى فيهم، لما له في ذلك من الحجّة والحكمة البالغة، والرّحمة الواسعة). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 143-145]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة