{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)}
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ...} فينبغي للرجل إذا أراد أن يطلق امرأته للعدة أمهلها حتى تحيض حيضة، ثم يطلقها، فإذا حاضت حيضة بعد الطلاق طلقها أخرى، فإن حاضت بعد التطليقتين طلقها ثالثة، فهذا طلاق العدة، وقد بانت منه، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. وطلاق السنة: أن يطلقها طاهراً في غير جماع، ثم يدعها حتى تحيض ثلاث حيضات، فإذا فعل ذلك بانت منه، ولم يحلّ له نكاحها إلا بمهر جديد، ولا رجعة له عليها. قوله: {وأحصوا العدّة...} الحيض). [معاني القرآن: 3/162]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ...}.التي طلّقن فيها، ولا يخرجن من قبل أنفسهن {إلاّ أن يأتين بفاحشةٍ}، فقال بعضهم: إلاّ أن يأتين بفاحشةٍ [إلا أن تحدث حدًّا؛ فتخرج ليقام عليها، وقال بعضهم: إلاّ أن يأتين بفاحشة] إلاّ أن يعصين فيخرجن، فخروجها فاحشة بينة). [معاني القرآن: 3/162]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمراً...}.[معاني القرآن: 3/162]
هذا الرجعة في التطليقتين). [معاني القرآن: 3/163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء} الخطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلم، والمراد هو والمؤمنون.{وأحصوا العدّة} يريد: الحيض. ويقال: الأطهار.
{لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ}: التي طلّقن فيها، {ولا يخرجن} من قبل أنفسهن، {إلّا أن يأتين بفاحشةٍ مبيّنةٍ}: فتخرج ليقام عليها الحدّ.
{لا تدري لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمراً} أي لعل الرجل يرغب فيها قبل انقضاء العدّة، فيتزوجها). [تفسير غريب القرآن: 469]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ وأحصوا العدّة واتّقوا اللّه ربّكم لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة وتلك حدود اللّه ومن يتعدّ حدود اللّه فقد ظلم نفسه لا تدري لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرا (1)} هذا خطاب للنبي عليه السلام والمؤمنون داخلون معه في الخطاب.
ومعناه إن أردتم الطلاق كما قال: {إذا قمتم إلى الصّلاة} معناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة.
وقوله: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ وأحصوا العدّة} فطلاق السنة المجتمع عليه في قول مالك أن يطلق الرجل امرأته طاهرا من غير جماع تطليقة واحدة، ثم يتركها إذا أراد المقام على فراقها ثلاث حيض، فإذا طعنت في الحيضة الثالثة فلا يملك رجعتها، ولكن إن شاء وشاءت أن يجددا نكاحا جديدا كان ذلك لهما لأن معنى: {لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرا} أي بعد الطلاق الواحد. فإذا طلقها ثلاثا في وقت واحد فلا معنى في قوله: {لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرا} وإنما تفسيره الرجعة، أعني إذا وقع الثلاث في وقت واحد، وهذا قول مالك -رحمه الله- وقال أهل العراق إن طلقها طاهرا من غير جماع ثم أوقع عند كل حيضة تطليقة فهو أيضا عندهم طلاق السنة، وأن فعل ما قال مالك فهو عندهم سنة أيضا.
وقال الشافعي: إذا طلّقها طاهرا من غير جماع فهو مطلق للسنة أيضا طلق واحدة أو ثلاثا، وهذا يسقط معه إذا كان ثلاثا.
قوله: {لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرا} وقد جاء التشديد فيمن تعدى طلاق السنة، فقال: {ذلكم يوعظ به من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر}.
وقال: {ومن يتعدّ حدود اللّه فقد ظلم نفسه} يعني بحدود اللّه حدود طلاق السنة وما ذكر مع الطلاق.
وقوله: {ولا يخرجن إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة} ويقرأ (مبيّنة) فجعل للمطلقات السكنى، وقيل إن خروجهن من بيوتهنّ فاحشة.
وقيل "الفاحشة المبينة الزنا" ودليل هذا القول قوله: {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم}، يعني الزنا.
وقيل أيضا: {إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة} زنا أو سرق أو شرب خمر.
وقيل كل ما يجب فيه الحد فهو فاحشة). [معاني القرآن: 5/183-184]
تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فأمسكوهنّ...}.يقول في التطليقة الباقية بمعروف أو سرحوهن بمعروف. قال: والمعروف: الإحسان). [معاني القرآن: 3/162]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإذا بلغن أجلهنّ...}. إذا حاضت حيضة بعد التطليقتين إلى أن تحيض الثالثة، ولا تغتسل، فله رجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة). [معاني القرآن: 3/163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فإذا بلغن أجلهنّ}... أي منتهي العدّة -: فإمّا أمسكتم عن الطلاق فكنّ أزواجا، أو فارقتم فراقا جميلا لا إضرار فيه). [تفسير غريب القرآن: 469]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأن يأتي على لفظ الأمر وهو تأديب:
كقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}). [تأويل مشكل القرآن: 280]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب} معناه يجعل له مخرجا من الحرام إلى الحلال، وقيل أيضا من النار إلى الجنّة ويرزقه من حيث لا يحتسب معناه - والله أعلم - أنه إذا اتقى اللّه وآثر الحلال والصبر على أهله إن كان ذا ضيقة فتح الله عليه ورزقه من حيث لا يحتسب.
وجائز أن يكون إذا اتقى الله في طلاقه، وآثر ما عند اللّه وجرى في ذلك على السّنّة رزقه الله أهلا بدل أهله). [معاني القرآن: 5/184]
تفسير قوله تعالى: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {بالغ أمره...} القراء جميعاً على التنوين. ولو قرئت: بالغ أمره [على الإضافة] لكان صوابا، ولو قرئ: بالغٌ أمره بالرفع لجاز). [معاني القرآن: 3/163]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({لكلّ شيءٍ قدراً} منتهى). [مجاز القرآن: 2/260]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكّل على اللّه فهو حسبه إنّ اللّه بالغ أمره قد جعل اللّه لكلّ شيءٍ قدراً}
قال: {قدراً} وقال بعضهم {قدراً} وهما لغتان). [معاني القرآن: 4/31]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({لكل شيء قدرا}: منتهى). [غريب القرآن وتفسيره: 379]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب} معناه يجعل له مخرجا من الحرام إلى الحلال، وقيل أيضا من النار إلى الجنّة ويرزقه من حيث لا يحتسب معناه - والله أعلم - أنه إذا اتقى اللّه وآثر الحلال والصبر على أهله إن كان ذا ضيقة فتح الله عليه ورزقه من حيث لا يحتسب.
وجائز أن يكون إذا اتقى الله في طلاقه، وآثر ما عند اللّه وجرى في ذلك على السّنّة رزقه الله أهلا بدل أهله). [معاني القرآن: 5/184](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إنّ اللّه بالغ أمره قد جعل اللّه لكلّ شيء قدرا (3)}
(إنّ اللّه بالغ أمره) وتقرأ (بالغ أمره)، أي إن اللّه بالغ ما يريد. وقرئت إنّ اللّه بالغ أمره، على رفع الأمر ببالغ، أي إنّ اللّه يبلغ أمره وينفذ.
وقوله عزّ وجلّ: {قد جعل اللّه لكلّ شيء قدرا} وقدرا، أي ميقاتا وأجلا). [معاني القرآن: 5/184]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}: منتهى). [العمدة في غريب القرآن: 307]
تفسير قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واللاّئي يئسن من المحيض من نّسائكم إن ارتبتم...} يقول: إن شككتم فلم تدروا ما عدتها، فذكروا: أن معاذ بن جبل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد عرفنا عدة التي تحيض، فما عدة الكبيرة التي قد يئست؟ فنزل {فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ} فقام رجل فقال: يا رسول الله! فما عدة الصغيرة التي لم تحض؟ فقال: واللائي لم يحضن بمنزلة الكبيرة التي قد يئست عدتها: ثلاثة أشهر. فقام آخر فقال: فالحوامل ما عدتهن؟ فنزل: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ...}؛ فإذا وضعت الحامل ذا بطنها حلّت للأزواج، وإن كان زوجها الميت على السرير لم يدفن). [معاني القرآن: 3/163]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" والّلائي يئسن " واحدها ذات). [مجاز القرآن: 2/260]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" وأولات الأحمال " واحدها ذات). [مجاز القرآن: 2/260]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({إن ارتبتم} أي شككتم). [تفسير غريب القرآن: 469]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {واللّائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهر واللّائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ ومن يتّق اللّه يجعل له من أمره يسرا (4)}
قيل في بعض التفسير إنهم سألوا فقالوا: قد عرفنا عدة التي تحيض. فما عدة التي لا تحيض والتي لم تحض؟ فقيل إن ارتبتم، أي إذا ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر.
والذي يذهب إليه مالك، واللغة تدل عليه أن معناه إن ارتبتم في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن يحيض مثلها فعدتها ثلاثة أشهر، وذلك بعد أن تترك تسعة أشهر بمقدار الحمل، ثم تعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر، فإن حاضت في هذه الثلاثة الأشهر تمت ثلاث حيض.
وجائز أن يتأخر هذا الحيض فيكون كلما قاربت أن تخرج من الثلاثة حاضت، فهذا مذهب مالك وهو الذي يروى عن عمر رحمه اللّه.
وقال أهل العراق تترك ولو بلغت في ذلك أكثر من ثلاثين سنة ولو بلغت إلى السبعين، يعنون حتى تبلغ مبلغ من لا يحيض، وقالوا: ولو شاء اللّه لابتلاها بأكثر من ذلك، وكذلك في قوله: {واللّائي لم يحضن} معناه عند مالك معناه إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واليائسة عند مالك وغيره بإجماع التي قد يئست من المحيض فلا ارتياب في أمرها أنها لا تحيض تعتد ثلاثة أشهر.
ولم يأت في القرآن النّصّ على ذلك، ولكن في القرآن دليل عليه وأنا أبيّنه إن شاء الله. فأمّا الصغيرة التي لا يوطأ مثلها فإن دخل بها ووطئها مكانه فإنما عقرها. ولا عدة عند مالك عليها، إلا أن يكون مثلها يستقيم أن يوطأ وإنما هي عنده في عداد من لم يدخل بها.
والذي في القرآن يدل على أن اليائسة التي لا يرتاب فيها يجب أن تعتد ثلاثة أشهر لقوله: {واللّائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهر واللّائي لم يحضن} فمعناه واللائي لا يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر، فقياس اللائي لا يحضن قياس اللائي لم يحضن فلم يحتج إلى ذكر ذلك. وإذا كان عدة المرتاب بها ثلاثة أشهر فالتي لا يرتاب بها أولى بذلك.
قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} معناه أجلهن في الانقطاع فيما بينهن وبين الأزواج أن يضعن حملهنّ). [معاني القرآن: 5/184-186]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْمَحِيضِ}: الحيض). [العمدة في غريب القرآن: 307]
تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)}
تفسير قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مّن وجدكم...} يقول: على قدر ما يجد أحدكم؛ فإن كان موسّعاً وسّع عليها في: المسكن، والنفقة وإن كان مقتراً فعلى قدر ذلك، ثم قال: {وإن كنّ أولات حملٍ فأنفقوا عليهنّ حتّى يضعن حملهنّ...} [معاني القرآن: 3/163]
ينفق عليها من نصيب ما في بطنها، ثم قال: {فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ} أجر الرضاع). [معاني القرآن: 3/164]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأتمروا بينكم بمعروفٍ...} يقول: لا تضارّ المرأة زوجها، ولا يضرّ بها، وقد أجمع القراء على رفع الواو من: "وجدكم"، وعلى رفع القاف من "قدر" [وتخفيفها] ولو قرءوا: قدّر كان صوابا. ولو قرءوا من "وجدكم" كان صوابا؛ لأنها لغة لبني تميم). [معاني القرآن: 3/164]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({من وجدكم} من سعتكم، من الجدة). [مجاز القرآن: 2/260]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أسكنوهنّ من حيث سكنتم مّن وجدكم ولا تضارّوهنّ لتضيّقوا عليهنّ وإن كنّ أولات حملٍ فأنفقوا عليهنّ حتّى يضعن حملهنّ فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ وأتمروا بينكم بمعروفٍ وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى}وقال: {مّن وجدكم} و"الوجد": المقدرة ومن العرب من يكسر في هذا المعنى. فأما "الوجد" إذا فتحت الواو فهو "الحبّ". وهو في المعنى -والله أعلم- "أسكنوهنّ من حيث سكنتم ممّا تقدرون عليه"). [معاني القرآن: 4/32]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({من وجدكم}: من طاقتكم). [غريب القرآن وتفسيره: 379]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({من وجدكم} أي بقدر سعتكم. و«والوجد»: المقدرة والغني، يقال: افتقر فلان بعد وجد.{ولا تضارّوهنّ} قد بيناه في سورة البقرة. {وأتمروا بينكم بمعروفٍ} أي همّوا به، واعزموا عليه. ويقال: هو أن لا تضرّ المرأة بزوجها، ولا الزوج بالمرأة. {وإن تعاسرتم} أي تضايقتم). [تفسير غريب القرآن: 470]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {أسكنوهنّ من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضارّوهنّ لتضيّقوا عليهنّ وإن كنّ أولات حمل فأنفقوا عليهنّ حتّى يضعن حملهنّ فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى (6)}
{من وجدكم} ويقرأ (من وجدكم)، يقال وجدت في المال وجدا، أي صرت ذا مال. ووجدا وجدة، ووجدت الضّالّة وجدانا ووجدت على فلان وجدا، ووجدت عليه موجدة. فأوجب اللّه تعالى السّكنى حتى تنقضي العدة. والسكنى والنفقة على الزوج إذا طلق طلاق السنة إلى أن تأتي ثلاث حيض، فإذا أبتّ الطلاق قبل انقضاء العدة فعليه النفقة والسكنى في قول أهل العراق، وعليه السكنى في مذهب مالك والشافعي، فأما الحامل فعليه النفقة لها، وذا في القرآن نص بقوله تعالى: {وإن كنّ أولات حمل فأنفقوا عليهنّ حتّى يضعن حملهنّ}.
وقوله: {فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ} أي فأعطوهن أجرة رضاعهنّ.
{وأتمروا بينكم بمعروف} قيل في التفسير إنه الكسوة والدّثار، والمعروف -واللّه أعلم- أن لا يقصّر الرجل في نفقة المرضع التي ترضع ولده إذا كانت هي والدته لأن الوالدة أرأف بولدها من غيرها به، فلا تقصر في رضاعه والقيام بشأنه، فحق كل واحد منهما أن يأتمر في الولد بمعروف.
{وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} معناه فليرضع الوالد غير والدة الصبي، وهذا خبر في معنى الأمر لأن لفظ.. {فسترضع له أخرى} لفظ الخبر ومعناه فليرضع.
ومثله في لفظ الخبر ومعنى الأمر قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} معناه وليرضعن أولادهنّ حولين كاملين). [معاني القرآن: 5/186-187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مِّن وُجْدِكُمْ} أي بقدر سعتكم.
{وَأْتَمِرُوا} أي هُمُّوا به واعزموا عليه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 271]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مِّن وُجْدِكُمْ}: مما تملكون). [العمدة في غريب القرآن: 307]
تفسير قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {ومن قدر عليه رزقه} أي ضيّق). [تفسير غريب القرآن: 470]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه لا يكلّف اللّه نفسا إلّا ما آتاها سيجعل اللّه بعد عسر يسرا}
أمر أهل التوسعة أن يوسّعوا على نسائهم المرضعات أولادهنّ على قدر سعتهن.
{ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه} أي من كان رزقه بمقدار القوت فلينفق على قدر ذلك، كما قال: {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}.
{لا يكلّف اللّه نفسا إلّا ما آتاها} أي إلا ما أعطاها.
وقوله عزّ وجلّ: {سيجعل اللّه بعد عسر يسرا} أعلم الله المؤمنين أنهم وإن كانوا في حال ضيّقة، وقيل كان الغالب على أكثرهم في ذلك الوقت في عهد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - الفقر والفاقة فأعلمهم عز وجل أنه سيوسر المسلمون - ففتح الله عليهم بعد ذلك وجعل يسرا بعد عسر). [معاني القرآن: 5/187]