العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:35 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (31) إلى الآية (34) ]

{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:23 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلمة بن عليٍّ، عن زيد بن واقدٍ، عن سليمان بن موسى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «كان ناسٌ من كندة يطوفون بالبيت عراةً»، فقال اللّه: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}، وقال: {من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطيبات من الرزق}). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 108-109]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): ([........ ] وقال عن مجاهد، في قول الله: {خذوا زينتكم عند كل مسجدٍ} .... .). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 50-51]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني ابن زيد عن أبيه في قول الله: {خذوا زينتكم}، قال: هي الثياب، قال: [كـ = ... ] يطوفون بالبيت عراة، فأنزل الله: {خذوا زينتكم}). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 163]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن الزهري، أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة إلا الحمس قريشا وأحلافها فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثوبي أحمس فإنه يحل له أن يلبس ثيابه فإن لم يجد من يعيره من الحمس فإنه يلقي ثيابه ويطوف عريانا وإن طاف في ثياب نفسه ألقاها إذا قضى طوافه يحرمها فيجعلها حراما عليه فلذلك قال الله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 228]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، في قوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}؛ قال: الشملة من الزينة). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 228]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله تعالى: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا}، قال: أحل الله [تعالى] الأكل والشرب ما لم يكن إسرافا ولا مخيلة). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 228]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم - في قوله عزّ وجلّ: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ} - قال: كانوا يطوفون بالبيت عراةً، فأمروا أن يلبسوا ثيابهم.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرٍو، عن طاوسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ} - قال: الثّياب). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 137-138]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا محمّدٌ، حدّثنا شعبة، عن سلمة، قال: سمعت مسلم البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانةٌ وتقول: [البحر الرجز]
اليوم يبدو بعضه أو كلّه ....... وما بدا منه فلا أحلّه
فنزلت: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ} ). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 98]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الّذين يتعرّون عند طوافهم ببيته الحرام ويبدون عوراتهم هنالك من مشركي العرب، والمحرّمين منهم أكل ما لم يحرّمه اللّه عليهم من حلال رزقه تبرّرًا عند نفسه لربّه: {يا بني آدم خذوا زينتكم} من الكساء واللّباس، {عند كلّ مسجدٍ وكلوا} من طيّبات ما رزقتكم، وحلّلته لكم، {واشربوا} من حلال الأشربة، ولا تحرّموا إلاّ ما حرّمت عليكم في كتابي أو على لسان رسولي محمّدٍ [صلّى اللّه عليه وسلّم].
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا يحيى بن حبيب بن عربيٍّ، قال: حدّثنا خالد بن الحارث، قال: حدّثنا شعبة، عن سلمة، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّ النّساء، كنّ يطفن بالبيت عراةً وقال في موضعٍ آخر: بغير ثيابٍ إلاّ أن تجعل المرأة على فرجها خرقةً فيما وصف إن شاء اللّه، وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه ....... فما بدا منه فلا أحلّه
قال: فنزلت هذه الآية: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن سلمة بن كهيلٍ، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كانوا يطوفون عراةً، الرّجال بالنّهار، والنّساء باللّيل، وكانت المرأة تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه ....... فما بدا منه فلا أحلّه
فقال اللّه: {خذوا زينتكم}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن ابن عبّاسٍ: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}، قال: الثّياب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا غندرٌ ووهب بن جريرٍ، عن شعبة، عن سلمة بن كهيلٍ قال: سمعت مسلمًا البطين يحدّث، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كانت المرأة تطوف بالبيت عريانةً قال غندرٌ: وهي عريانةٌ. قال وهبٌ: كانت المرأة تطوف بالبيت وقد أخرجت صدرها وما هنالك، قال غندرٌ: وتقول: من يعيرني تطوافًا تجعله على فرجها وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه ....... وما بدا منه فلا أحلّه
فأنزل اللّه: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراةً، فأمرهم اللّه أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعرّوا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ} الآية، قال: كان رجالٌ يطوفون بالبيت عراةً، فأمرهم اللّه بالزّينة، والزّينة: اللّباس، وهو ما يواري السّوأة، وما سوى ذلك من جيّد البزّ والمتاع، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كلّ مسجدٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، وابن فضيلٍ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ: {خذوا زينتكم}، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراةً، فأمروا أن يلبسوا ثيابهم.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، بنحوه.
- حدّثني عمرٌو قال: حدّثنا يحيى قال: حدّثنا عبد الملك، عن عطاءٍ، في قوله: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}: البسوا ثيابكم.
- حدّثنا يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ} قال: كان ناسٌ يطوفون بالبيت عراةً، فنهوا عن ذلك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراةً، فأمروا أن يلبسوا الثّياب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}، قال: ما وارى العورة ولو عباءةٌ.
- حدّثنا عمرٌو قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، وأبو عاصمٍ، وعبد اللّه بن داود، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ، في قوله: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ} قال: ما يواري عورتك ولو عباءةٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ} في قريشٍ، لتركهم الثّياب في الطّواف.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا سفيان، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}، قال: الثّياب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ، عن إبراهيم بن نافعٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}، قال: الشّملة من الزّينة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن طاووسٍ:ـقال: الثّياب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا سويدٌ، وأبو أسامة، عن حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراةً، فطافت امرأةٌ بالبيت وهي عريانةٌ فقالت:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه ....... فما بدا منه فلا أحلّه
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}، قال: كان حيّ من أهل اليمن كان أحدهم إذا قدم حاجًّا أو معتمرًا يقول: لا ينبغي أن أطوف في ثوبٍ قد دنّست فيه، فيقول: من يعيرني مئزرًا؟ فإن قدر على ذلك، وإلاّ طاف عريانًا، فأنزل اللّه فيه ما تسمعون: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قال اللّه: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}، يقول: ما يواري العورة عند كلّ مسجدٍ.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، أنّ العرب، كانت تطوف بالبيت عراةً، إلاّ الحمس: قريشٌ وأحلافهم، فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثيابٍ أحمس، فإنّه لا يحلّ له أن يلبس ثيابه، فإن لم يجد من يعيره من الحمس فإنّه يلقي ثيابه ويطوف عريانًا، وإن طاف في ثياب نفسه ألقاها إذا قضى طوافه يحرّمها فيجعلها حرامًا عليه، فلذلك قال: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}.
- وبه عن معمرٍ قال: قال ابن طاووسٍ، عن أبيه: الشّملة من الزّينة.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ} الآية، كان ناسٌ من أهل اليمن والأعراب إذا حجّوا البيت يطوفون به عراةً ليلاً، فأمرهم اللّه أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعرّوا في المسجد.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {خذوا زينتكم} قال: زينتهم: ثيابهم الّتي كانوا يطرحونها عند البيت ويتعرّون.
- وحدّثني به مرّةً أخرى بإسناده، عن ابن زيدٍ، في قوله: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق}، قال: كانوا إذا جاءوا البيت فطافوا به حرّمت عليهم ثيابهم الّتي طافوا فيها، فإن وجدوا من يعيرهم ثيابًا، وإلاّ طافوا بالبيت عراةً، فقال: {من حرّم زينة اللّه}، قال: ثياب اللّه الّتي أخرج لعباده، الآية.
وكالّذي قلنا أيضًا، قالوا في تأويل قوله: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: أحلّ اللّه الأكل والشّرب ما لم يكن سرفًا أو مخيلةً.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين} في الطّعام والشّراب.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: كان الّذين يطوفون بالبيت عراةً يحرّمون عليهم الودك ما أقاموا بالموسم، فقال اللّه لهم: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}، يقول: لا تسرفوا في التّحريم.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول في قوله: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}، قال: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا ممّا رزقهم اللّه).[جامع البيان: 10/ 155]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تسرفوا}: لا تأكلوا حرامًا ذلك الإسراف.
وقوله: {إنّه لا يحبّ المسرفين} يقول: إنّ اللّه لا يحبّ المتعدّين حدّه في حلالٍ أو حرامٍ، الغالين فيما أحلّ اللّه أو حرّم بإحلال الحرام وبتحريم الحلال، ولكنّه يحبّ أن يحلّل ما أحلّ ويحرّم ما حرّم، وذلك العدل الّذي أمر به). [جامع البيان: 10/ 149-156]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين (31)}
قوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم}
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، ثنا أبو داود عن شعبة عن سلمة بن كهيلٍ عن مسلمٍ البطين عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: قال: كانت المرأة تطوف في الجاهليّة وهي عريانةٌ وعلى فرجها خرقةٌ وهى تقول:
اليوم يبدو كلّه أو بعضه ....... فما بدا منه فلا أحلّه
فنزلت: خذوا زينتكم عند كل مسجد وقل من حرم زينة اللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}؛ قال: كانوا يطوفون بالبيت الحرام عراةٍ باللّيل، فأمرهم اللّه أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعرّوا. وروي عن عطاء بن أبي رباحٍ نحو ذلك
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثنا عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ ... الآية}، قال: كان رجالٌ يطوفون بالبيت عراةً، فأمرهم اللّه بالزّينة والزّينة اللّباس وهو ما يواري السّوأة، وما سوى ذلك من جيّد البزّ والمتاع، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى عن عثمان بن الأسود عن مجاهدٍ: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}؛ قال: ما وارى العورة، ولو عباءةٌ.
قوله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}
الوجه الأول:
- حدّثني أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن ابن طاوسٍ عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، يعني قوله: {ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}؛ أحلّ اللّه الأكل والشّرب ما لم يكن سرفًا أو مخيلةً.
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ هشام بن يوسف، عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ: {ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}؛ قال: في الطّعام والشّراب.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن عثمان بن الأسود عن مجاهد: قال: لو أنفقت مثل أبي قبيسٍ ذهبًا في طاعة اللّه لم يكن إسرافًا، ولو أنفقت صاعًا في معصية اللّه كان إسرافًا.
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن عليٍّ، ثنا ابن الزّبرقان، ثنا موسى بن عبيدة عن محمّد بن كعبٍ، في قوله: {ولا تسرفوا}؛ والسّرف ألا يعطى في حقٍّ.
- ذكر عن محمّد بن بشّارٍ بندارٍ، ثنا محمّد بن بكرٍ البرسانيّ، ثنا أبو معدان عن عون بن عبد اللّه، في قول اللّه: {ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}؛ قال: الّذي يأكل مال غيره.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق، أنبأ ابن جريح أخبرني أبو بكر بن عبد اللّه، عن عمرو بن سليمٍ وعن غيره: قال سعيد بن المسيّب في قوله: {ولا تسرفوا}؛ قال: لا تمنعوا الصّدقة، فتقسوا. قال ابن جريجٍ: وقال آخرون جذّ معاذ بن جبلٍ نخله فلم يزل يتصدّق من ثمره حتّى لم يبق منه شيءٌ فنزلت: ولا تسرفوا.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين} أمّا لا تسرفوا، فلا تعطوا أموالكم وتقعدوا فقراء.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا شعيب بن رزيقٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن عكرمة: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا في الثّياب والطّعام والشّراب.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت ابن زيدٍ يقول: {ولا تسرفوا}؛ قال: لا تأكلوا حرامًا، ذلك إسرافٌ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني اللّيث حدّثني إبراهيم بن نشيطٍ قال: سألت عمرة مولى ابن عمر عن الإسراف، ما هو. فقال: ليس شيءٌ أنفقته في طاعة اللّه إسرافًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1464-1466]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد خذوا زينتكم عند كل مسجد يعني به قريشا لتركها الثياب في الطواف). [تفسير مجاهد: 235]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (م س) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانةٌ، فتقول: من يعيرني تطوافاً ؟ تجعله على فرجها، وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه ....... وما بدا منه فلا أحلّه
فنزلت هذه الآية: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ} أخرجه مسلم والنسائي). [جامع الأصول: 2/ 139]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس، أن النساء كن يطفن عراة إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ....... وما بدا منه فلا أحله.
- وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: كان الناس يطوفون بالبيت عراة يقولون: لا نطوف في ثياب أذنبنا فيها فجاءت امرأة فألقت ثيابها وطافت ووضعت يدها على قلبها وقالت:
اليوم يبدو بعضه أو كله ....... فما بدا منه فلا أحله
فنزلت هذه الآية: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}، إلى قوله: {والطيبات من الرزق}.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله:{خذوا زينتكم عند كل مسجد}، قال: كان رجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة والزينة اللباس وهو ما يواري السوءة وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}، قال: ما وارى العورة ولو عباءة.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}، قال: الثياب.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ، عن طاووس قال: الشملة من الزينة.
- وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان المشركون يطوفون بالبيت عراة يأتون البيوت من ظهورها فيدخلونها من ظهورها وهم حي من قريش يقال لهم الحمس فأنزل الله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}.
- وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة حتى أن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة فأنزل الله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}؛ قال: كانوا يطوفون عراة بالبيت فأمرهم الله تعالى أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا.
- وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كانت العرب إذا حجوا فنزلوا أدنى الحرم نزعوا ثيابهم ووضعوا رداءهم ودخلوا مكة بغير رداء إلا أن يكون للرجل منهم صديق من الحمس فيعيره ثوبه ويطعمه من طعامه فأنزل الله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن عطاء قال: كان المشركون في الجاهلية يطوفون بالبيت عراة فأنزل الله: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: كان حي من أهل اليمن يطوفون بالبيت وهم عراة إلا أن يستعير أحدهم مئزرا من ميازر أهل مكة فيطوف فيه فأنزل الله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن طاووس في الآية قال: لم يأمرهم بلبس الحرير والديباج ولكنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة وكانوا إذا قدموا يضعون ثيابهم خارجا من المسجد ثم يدخلون وكان إذا دخل رجل وعليه ثيابه يضرب وتنزع منه ثيابه فنزلت هذه الآية: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}.
- وأخرج ابن عدي وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا زينة الصلاة» قالوا: وما زينة الصلاة قال: «البسوا نعالكم فصلوا فيها».
- وأخرج العقيلي وأبو الشيخ، وابن عساكر عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قول الله: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}، قال: «صلوا في نعالكم».
- وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مما أكرم الله به هذه الأمة لبس نعالهم في صلاتهم».
- وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في خفافهم ولا نعالهم».
- وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحدا ليجعلهما بين رجليه أو ليصل فيهما»
- وأخرج أبو يعلي بسند ضعيف، عن علي بن أبي طالب، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «زين الصلاة الحذاء».
- وأخرج البزار بسند ضعيف عن أنس إن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا اليهود وصلوا في نعالكم فإنهم لا يصلون في خفافهم ولا في نعالهم».
- وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من تمام الصلاة الصلاة في النعلين».
- وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: «يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب»، قيل: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون فقال رسول الله: «تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب»، قلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون فقال: «تخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب» قلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم، فقال: «قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب»
- وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، عن أنس، أنه سئل: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم.
- وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: وجهني علي بن أبي طالب إلى ابن الكواء وأصحابه وعلي قميص رقيق وحلة فقالوا لي: أنت ابن عباس وتلبس مثل هذه الثياب فقلت: أول ما أخاصمكم به قال الله: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده}و{خذوا زينتكم عند كل مسجد} وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس في العيدين بردي حبرة.
- وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال: لما خرجت الحرورية أتيت عليا فقال: ائت هؤلاء القوم، فلبست أحسن ما يكون من حلل اليمن فأتيتهم فقالوا: مرحبا بك يا ابن عباس ما هذه الحلة قلت: ما تعيبون علي لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل.
- وأخرج الطبراني والبيهقي في "سننه" عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله [عز وجل] أحق من تزين له فإن لم يكن له ثوبان فليتزر إذا صلى ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود»
- وأخرج الشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء».
- وأخرج أبو داود والبيهقي عن بريدة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل في لحاف لا يتوشح به ونهى أن يصلي الرجل في سراويل وليس عليه رداء.
- وأخرج ابن ماجة عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحسن ما زرتم الله به في قبوركم ومساجدكم البياض».
- وأخرج أبو داود والترمذي وصححه، وابن ماجة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم».
- وأخرج الترمذي وصححه النسائي، وابن ماجة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألبسوا ثياب البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم»
- وأخرج أبو داود عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب دون فقال: «ألك مال؟» قال: نعم، قال: «من أي المال؟» قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال: «فإذا آتاك الله فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته».
- وأخرج الترمذي وحسنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده».
- وأخرج أحمد ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر»، قال رجل: يا رسول الله إنه يعجبني أن يكون ثوبي غسيلا ورأسي دهينا وشراك نعلي جديدا وذكر أشياء حتى ذكرعلاقة سوطه فمن الكبر ذاك يا رسول الله قال: «لا ذاك الجمال إن الله عز وجل جميل يحب الجمال ولكن الكبر من سفه الحق وازدرى الناس».
- وأخرج ابن سعد عن جندب بن مكيث قال كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذا قدم الوفد لبس أحسن ثيابه وأمر عليه أصحابه بذلك.
- وأخرج أحمد عن سهل بن الحنظلية قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا في الناس كأنكم شامة فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش»، أما قوله تعالى: {وكلوا واشربوا} الآية.
- أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا ومخيلة.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إنه لا يحب المسرفين}؛ قال: في الطعام والشراب.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {ولا تسرفوا}؛ قال: في الثياب والطعام والشراب.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {ولا تسرفوا}؛ قال: لا تأكلوا حراما ذلك إسراف.
- وأخرج عبد بن حميد والنسائي، وابن ماجة، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا سرف فإن الله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده».
- وأخرج البيهقي وضعفه عن عائشة قالت رآني النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد أكلت في اليوم مرتين فقال: «يا عائشة أما تحبين أن يكون لك شغل إلا في جوفك الأكل في اليوم مرتين من الإسراف والله لا يحب المسرفين».
- وأخرج ابن ماجة، وابن مردويه والبيهقي عن أنس قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن من الإسراف أن تأكل كل ما اشتهيت».
- وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن قال: دخل عمر على ابنه عبد الله بن عمر إذا عندهم لحم فقال: «ما هذا اللحم قال: اشتهيته، قال: وكلما اشتهيت شيئا أكلته كفى بالمرء: إسرافا أن يأكل كلما اشتهى».
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن ابن عباس قال: كل ما شئت واشرب ما شئت والبس ما شئت إذا أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة.
- وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه قال: من السرف أن يكتسي الإنسان ويأكل ويشرب ما ليس عنده
- وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير، أنه سئل ما الإسراف في المال قال: أن يرزقك الله مالا حلالا فتنفقه في حرام حرمه عليك.
- وأخرج ابن ماجة عن سلمان، أنه أكره على طعام يأكله فقال: حسبي أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة».
- وأخرج الترمذي وحسنه، وابن ماجة عن ابن عمر قال: تجشى رجل عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «كف جشاك عنا فإن أطولكم جوعا يوم القيامة أكثركم شبعا في دار الدنيا».
- وأخرج أحمد والترمذي وحسنه النسائي، وابن ماجة، وابن حبان، وابن السنى في الطب والحاكم وصححه وأبو نعيم في الطب والبيهقي في شعب الإيمان عن المقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه»
- وأخرج ابن السنى وأبو نعيم في الطب النبوي عن عبد الرحمن بن المرقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يخلق وعاء إذا ملئ شرا من بطن فإن كان لا بد فاجعلوا ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للريح».
- وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصل كل داء البردة».
- وأخرج ابن السني وأبو نعيم من حديث أبي سعيد الخدري، مثله.
- وأخرج أبو نعيم عن عمر بن الخطاب قال: «إياكم والبطنة في الطعام والشراب فإنها مفسدة للجسد مورثة للسقم ومكسلة عن الصلاة وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد وأبعد من السرف وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه».
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أرطاة قال: اجتمع رجال من أهل الطب عند ملك من الملوك فسألهم ما رأس دواء المعدة فقال كل رجل منهم قولا وفيهم رجل ساكت فلما فرغوا قال: ما تقول أنت قال: ذكروا أشياء وكلها تنفع بعض النفع ولكن ملاك ذلك ثلاثة أشياء، لا تأكل طعاما أبدا إلا وأنت تشتهيه ولا تأكل لحما يطبخ لك حتى تنعم انضاجه ولا تبتلع لقمة أبدا حتى تمضغها مضغا شديدا لا يكون على المعدة فيها مؤونة.
- وأخرج البيهقي عن إبراهيم بن علي الموصلي قال: أخرج من جميع الكلام أربعة آلاف كلمة.
- وأخرج منها أربعمائة كلمة.
- وأخرج منها أربعون كلمة.
- وأخرج منها أربع كلمات، أولها لا تثقفن بالنساء والثانية لا تحمل معدتك ما لا تطيق والثالثة لا يغرنك المال والرابعة يكفيك من العلم ما تنتفع به.
- وأخرج أبو محمد الخلال عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تشتكي فقال لها: «يا عائشة الازم دواء والمعدة بيت الأدواء وعودوا بدنا ما اعتاد».
- وأخرج البيهقي عن ابن محب عن أبيه قال: المعدة حوض الجسد والعروق تشرع فيه فما ورد فيها بصحة صدر بصحة وما ورد فيها بسقم صدر بسقم.
- وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن السنى وأبو نعيم معافى الطب النبوي والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسقم»). [الدر المنثور: 6/ 361-374]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلمة بن علي عن معاوية عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعودٍ قال: (الزّينة) زينتان: فأمّا ما ظهر منها فالثّياب، وأمّا الباطنة فالخلخالان والسّواران والحليّ، لا يطّلع عليه إلا الزّوج). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 10]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلمة بن عليٍّ، عن زيد بن واقدٍ، عن سليمان بنموسى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «كان ناسٌ من كندة يطوفون بالبيت عراةً، فقال اللّه: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}، وقال: {من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطيبات من الرزق}»). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 108-109] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر، عن الحسن، في قوله تعالى: {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة}، قال هي للمؤمنين خالصة في الآخرة لا يشاركهم فيها الكفار فأما في الدنيا فقد شاركوهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 228]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد لهؤلاء الجهلة من العرب الّذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت، ويحرّمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيّبات الرّزق: {من حرّم} أيّها القوم عليكم {زينة اللّه} الّتي خلقها لعباده أن تتزيّنوا بها وتتجمّلوا بلباسها، والحلال من رزق اللّه الّذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم.
واختلف أهل التّأويل في المعنيّ بالطّيّبات من الرّزق بعد إجماعهم على أنّ الزّينة ما قلنا، فقال بعضهم: الطّيّبات من الرّزق في هذا الموضع: اللّحم، وذلك أنّهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم.
ذكر من قال ذلك منهم:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق}: وهو الودك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق} الّذي حرّموا على أنفسهم، قال: كانوا إذا حجّوا أو اعتمروا حرّموا الشّاة عليهم وما يخرج منها.
- وحدّثني به يونس مرّةً أخرى قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {قل من حرّم زينة اللّه} إلى آخر الآية، قال: كان قومٌ يحرّمون ما يخرج من الشّاة لبنها وسمنها ولحمها، فقال اللّه: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق}، قال: والزّينة من الثّياب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن رجلٍ، عن الحسن، قال: لمّا بعث محمّدًا فقال: هذا نبيّي هذا خياري، استنّوا به خذوا في سنّته وسبيله، لم تغلق دونه الأبواب، ولم تقم دونه الحجب، ولم يغد عليه بالجفان ولم يرجع عليه بها. وكان يجلس بالأرض، ويأكل طعامه بالأرض، ويلعق يده، ويلبس الغليظ، ويركب الحمار، ويردف عبده، وكان يقول: من رغب عن سنّتي فليس منّي قال الحسن: فما أكثر الرّاغبين عن سنّته التّاركين لها، ثمّ علوجًا فسّاقًا، أكلة الرّبا والغلول، قد سفّههم ربّي ومقّتهم، زعموا أن لا بأس عليهم فيما أكلوا وشربوا وزخرفوا هذه البيوت، يتأوّلون هذه الآية: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق}، وإنّما جعل ذلك لأولياء الشّيطان، قد جعلها ملاعبٌ لبطنه وفرجه من كلامٍ لم يحفظه سفيان.
وقال آخرون: بل عنى بذلك ما كانت الجاهليّة تحرّم من البحائر والسّوائب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق}، وهو ما حرّم أهل الجاهليّة عليهم من أموالهم: البحيرة، والسّائبة، والوصيلة، والحام.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق}، قال: إنّ الجاهليّة كانوا يحرّمون أشياء أحلّها اللّه من الثّياب وغيرها، وهو قول اللّه: {قل أرأيتم ما أنزل اللّه لكم من رزقٍ فجعلتم منه حرامًا وحلالاً} وهو هذا، فأنزل اللّه: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق}.
القول في تأويل قوله تعالى: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة}.
يقول اللّه تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء الّذين أمرتك أن تقول لهم: {من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق}، إذ عيوا بالجواب فلم يدروا ما يجيبونك: زينة اللّه الّتي أخرج لعباده، وطيّبات رزقه، للّذين صدقوا اللّه ورسوله، واتّبعوا ما أنزل إليك من ربّك في الدّنيا، وقد شركهم في ذلك فيها من كفر باللّه ورسوله وخالف أمر ربّه، وهي للّذين آمنوا باللّه ورسوله خالصةً يوم القيامة، لا يشركهم في ذلك يومئذٍ أحدٌ كفر باللّه ورسوله وخالف أمر ربّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا}: يشترك فيها معهم المشركون، {خالصةً يوم القيامة}: للّذين آمنوا.
- وحدّثني به المثنّى مرّةً أخرى بهذا الإسناد بعينه، عن ابن عبّاسٍ، فقال: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا} يعني: يشارك المسلمون المشركين في الطّيّبات في الحياة الدّنيا، ثمّ يخلص اللّه الطّيّبات في الآخرة للّذين آمنوا، وليس للمشركين فيها شيءٌ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: قال لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة}، يقول: قل هي في الآخرة خالصةً لمن آمن بي في الدّنيا، لا يشركهم فيها أحدٌ، وذلك أنّ الزّينة في الدّنيا لكلّ بني آدم، فجعلها اللّه خالصةً لأوليائه في الآخرة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة} قال: اليهود والنّصارى يشركونكم فيها في الدّنيا، وهي للّذين آمنوا خالصةً يوم القيامة.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة}، خالصةً للمؤمنين في الآخرة، لا يشاركهم فيها الكفار. فأما في الدنيا فقد شاركوهم.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٍ، عن قتادة: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة}، من عمل بالإيمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم القيامة، ومن ترك الإيمان في الدنيا قدم على ربّه لا عذر له.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا}: يشترك فيها معهم المشركون، {خالصةً يوم القيامة}: للّذين آمنوا.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة}، يقول: المشركون يشاركون المؤمنين في الدّنيا في اللّباس والطّعام والشّراب، ويوم القيامة يخلص اللّباس والطّعام والشّراب للمؤمنين، وليس للمشركين في شيءٍ من ذلك نصيبٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: الدّنيا يصيب منها المؤمن والكافر، ويخلص خير الآخرة للمؤمنين، وليس للكافر فيها نصيبٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة} قال: هذه يوم القيامة للّذين آمنوا، لا يشركهم فيها أهل الكفر ويشركونهم فيها في الدّنيا، وإذا كان يوم القيامة فليس لهم فيها قليلٌ ولا كثيرٌ.
وقال سعيد بن جبيرٍ في ذلك بما:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان، وحيوية الرّازيّ أبو يزيد، عن يعقوب القمّيّ، عن سعيد بن جبيرٍ: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة}، قال: ينتفعون بها في الدّنيا، ولا يتبعهم إثمها.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (خالصةً)، فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة: (خالصةٌ) برفعها، بمعنى: قل هي خالصةٌ للّذين آمنوا.
وقرأه سائر قرّاء الأمصار: {خالصةً} بنصبها على الحال من لهم، وقد ترك ذكرها من الكلام اكتفاءً منها بدلالة الظّاهر عليها، على ما قد وصفت في تأويل الكلام أنّ معنى الكلام: قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا مشتركةٌ، وهي لهم في الآخرة خالصةٌ. ومن قال ذلك بالنّصب جعل خبر (هي) في قوله: {للّذين آمنوا}.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القراءتين عندي بالصّحّة قراءة من قرأ نصبًا، لإيثار العرب النّصب في الفعل إذا تأخّر بعد الاسم والصّفة وإن كان الرّفع جائزًا، غير أنّ ذلك أكثر في كلامهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: كما بيّنت لكم الواجب عليكم في اللّباس والزّينة والحلال من المطاعم والمشارب والحرام منها، وميّزت بين ذلك لكم أيّها النّاس، كذلك أبيّن جميع أدلّتي وحججي وأعلام حلالي وحرامي وأحكامي لقومٍ يعلمون ما يبيّن لهم ويفقهون ما يميّز لهم). [جامع البيان: 10/ 156-162]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعلمون (32)}
قوله تعالى: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده}
الوجه الأول:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ ثنا أبو داود عن شعبة، عن سلمة بن كهيلٍ عن مسلمٍ البطين عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: قال: كانت المرأة تطوف في الجاهليّة وهي عريانةٌ وعلى فرجها خرقةٌ وهى تقول:
اليوم يبدو كلّه أو بعضه ....... فما بدا منه فلا أحلّه
فنزلت: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} و {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق}.
- أخبرنا محمّد بن عامر بن إبراهيم الأصبهانيّ، ثنا عامر بن إبراهيم عن يعقوب عن جعفرٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: قال: كان أهل الجاهليّة يطوفون بالبيت عراةً، فأنزل اللّه تعالى فيهم: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده}
- حدّثنا أبي ثنا يحيى الحمّانيّ، ثنا يعقوب بإسناده نحوه، وزاد فيه: كان قريشٌ يطوفون بالبيت وهم عراةٍ يصفّرون ويصفّقون: فأنزل اللّه تعالى:{ قل من حرّم زينة اللّه} فأمروا بالثّياب أن يلبسوها.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق}
قال: إنّ أهل الجاهليّة كانوا يحرّمون أشياءً أحلّها اللّه من الثّياب وغيرها، وهو قول اللّه: قل أرأيتم ما أنزل اللّه لكم من رزقٍ فجعلتم منه حرامًا وحلالاً ، وهو هذا، فأنزل اللّه تعالى: {قل من حرّم زينة اللّه التي أخرج لعباده}.
- بن جهضٍ، ثنا إبراهيم بن موسى، أنا هشامٌ عن ابن جريجٍ، أخبرني ابن كثيرٍ عن طاوسٍ أنّه قرأ: {من حرّم زينة اللّه} ثمّ قال: لم يأمرهم بالحرير ولا الدّيباج، ولكنّه كان إذا طاف أحدهم وعليه ثيابه ضرب وانتزعت منه، وإذا طاف عريانًا وضع ثيابه وجدها.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن سعيد بن الوليد الخزاعيّ ثنا المعلّى بن أسيدٍ حدّثتني جدّتي وأبي أنّ سنان بن سلمة كان يلبس الخزّ فقال له النّاس: يا أبا عبد الرّحمن، مثلك يلبس الخزّ؟ فقال لهم: من ذا الّذي حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده.
قوله تعالى: {والطّيّبات من الرّزق}
- ذكر عن أبي أحمد الزّبيريّ ثنا إسرائيل عن سالمٍ عن سعيدٍ والطّيّبات من الرّزق قال: الطّيّبات الطّعام.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: والطّيّبات من الرّزق وهو الودك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة: قوله: والطّيّبات من الرّزق قال: الحلال.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ، عن قتادة: قوله: قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق وهو ما حرّم أهل الجاهليّة عليهم في أموالهم، البحيرة والسّائبة والوصيلة والحام. فكان تحريمًا من الشّيطان ولم يكن من الله.
قوله تعالى: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا}
- حدّثنا محمّد بن عامر بن إبراهيم، ثنا أبو عامر بن إبراهيم عن يعقوب القمّيّ عن جعفرٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: قال: كان أهل الجاهليّة يطوفون بالبيت عراةً، فأنزل اللّه فيهم: قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق، قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة ينتفعون بها في الدّنيا لا يتبعهم فيها مأثمٌ يوم القيامة.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً} يقول: هي للّذين شاركوا الكفّار في الطّيّبات، فأكلوا من طيّبات طعامها، ولبسوا من جياد ثيابها، ونكحوا من صالح نسائها، وخلصوا بها يوم القيامة في الجنّة.
- حدّثنا عمرٌو الأوديّ، ثنا وكيعٌ عن ابن أبي نبيطٍ- يعني سلمة- عن الضّحّاك، في قوله: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة} قال: اليهود والنّصارى يشاركونهم في هذه الدّنيا، وهي للّذين آمنوا خالصةً يوم القيامة.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة قال: قال اللّه تعالى: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة} قال: من عجّل الإيمان في الدّنيا خلصت له كرامة اللّه يوم القيامة، ومن ترك الإيمان في الدّنيا نزع اللّه منه كرامة الآخرة ثمّ لقي اللّه لا عذر له.
قوله تعالى: {خالصةً يوم القيامة}
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن الحسن، في قوله:{ قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة}، قال: هي للمؤمنين خالصةً في الآخرة لا يشاركهم فيها الكفّار، فأمّا في الدّنيا فقد شاركوهم.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ:
{ قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة} قال: يخلص اللّه الطّيّبات في الآخرة للّذين آمنوا، وليس للمشركين منها شيءٌ.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا شعيبٌ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن عكرمة قال: الزّينة تخلص يوم القيامة لمن آمن اليوم في الدّنيا.
قوله تعالى: {كذلك}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه:
{كذلك} يعني: هكذا.
قوله تعالى: {نفصّل الآيات لقومٍ يعلمون}
- أخبرنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ عن قتادة: قوله: كذلك نفصّل الآيات نبيّن الآيات). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1466-1469]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا إبراهيم بن مرزوقٍ، ثنا أبو داود الطّيالسيّ، ثنا شعبة، عن سلمة بن كهيلٍ، قال: سمعت مسلم البطين، يحدّث عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: " كانت المرأة تطوف بالبيت في الجاهليّة، وهي عريانةٌ، وعلى فرجها خرقةٌ، وهي تقول: اليوم يبدو بعضه أو كلّه، فما بدا منه فلا أحلّه. فنزلت هذه الآية {قل من حرّم زينة اللّه} «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 350]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {قل من حرّم زينة اللّه}:
- عن ابن عبّاسٍ قال: كانت قريشٌ يطوفون بالبيت وهم عراةٌ، يصفّرون ويصفّقون، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ -: {قل من حرّم زينة اللّه} فأمروا بالثّياب.
رواه الطّبرانيّ، وفيه يحيى الحمّانيّ، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 23]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس قال: كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون فأنزل الله: {قل من حرم زينة الله} فأمروا بالثياب أن يلبسوها {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} قال: ينتفعون بها في الدنيا لا يتبعهم فيها إثم يوم القيامة.
- وأخرج وكيع في الغرر عن عائشة، أنها سئلت عن مقانع القز فقالت: ما حرم الله شيئا من الزينة.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك، {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} قال: المشركون يشاركون المؤمنين في زهرة الدنيا وهي خالصة يوم القيامة للمؤمنين دون المشركين.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس والطيبات من الرزق قال: الودك واللحم والسمن.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال: كان قوم يحرمون من الشاة لبنها ولحمها وسمنها فأنزل الله: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} قال: والزينة الثياب.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والطيبات من الرزق} قال: هو ما حرم أهل الجاهلية عليهم في أموالهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الجاهلية يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها وهو قول الله: {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا} [يونس: 59] وهو هذا فأنزل الله: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا}
يعني شارك المسلمون الكفار في الطيبات في الحياة الدنيا فأكلوا من طيبات طعامها ولبسوا من جياد ثيابها ونكحوا من صالح نسائها ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا وليس للمشركين فيها شيء.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: الزينة تخلص يوم القيامة لمن آمن في الدنيا
- وأخرج عبد بن حميد عن عاصم قال: سمعت الحجاج بن يوسف يقرأ: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة) بالرفع، قال عاصم: ولم يبصر الحجاج إعرابها وقرأها عاصم بالنصب (خالصة) ). [الدر المنثور: 6/ 374-376]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله عزّ وجلّ: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
- حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه - قال: قلت: أنت سمعت هذا من عبد اللّه؟ قال: نعم - ورفعه، قال: «لا أحد أغير من اللّه، فلذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبّ إليه المدحة من اللّه فلذلك مدح نفسه»). [صحيح البخاري: 6/ 59]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب: قول اللّه [عزّ وجلّ]: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
ذكر فيه حديث بن مسعودٍ لا أحد أغير من اللّه فلذلك حرّم الفواحش وسيأتي شرحه في كتاب التّوحيد وقد حكى بن جريرٍ أنّ أهل التّأويل اختلفوا في المراد بالفواحش فمنهم من حملها على العموم وساق ذلك عن قتادة، قال: المراد سرّ الفواحش وعلانيتها ومنهم من حملها على نوعٍ خاصٍّ، وساق عن بن عبّاسٍ، قال: كانوا في الجاهليّة لا يرون بالزّنا بأسًا في السّرّ ويستقبحونه في العلانية فحرّم اللّه الزّنا في السّرّ والعلانية ومن طريق سعيد بن جبيرٍ ومجاهدٍ ما ظهر نكاح الأمّهات وما بطن الزّنا ثمّ اختار بن جريرٍ القول الأوّل قال وليس ما روي عن بن عبّاسٍ وغيره بمدفوعٍ ولكنّ الأولى الحمل على العموم والله أعلم). [فتح الباري: 8/ 302]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (1 - (باب قوله عز وجلّ: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: {قل إنّما ... الآية
}. وليس في بعض النّسخ لفظ: باب. واختلف في المراد بالفواحش: فمنهم من حملها على العموم، فعن قتادة: المراد سر الفواحش وعلانيتها، ومنهم من حملها على نوع خاص، فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما، قال: «كانوا في الجاهليّة لا يرون بالزّنا بأسا في السّرّ ويستقبحونه في العلانية فحرم الله الزّنا في السّرّ والعلانية»، وعن سعيد بن جبير ومجاهد: ما ظهر نكاح الأمّهات وما بطن الزّنا.
- حدّثنا سليمان بن حربٍ حدثنا شعبة عن عمرو بن مرّة عن أبي وائلٍ عن عبد الله رضي الله عنه قال قلت أنت سمعت هاذا من عبد الله قال نعم ورفعه قال لا أحد أغير من الله فلذالك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحبّ إليه المدحة من الله فلذالك مدح نفسه.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود. والحديث مضى عن قريب في: باب {لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأنعام: 151] فإنّه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (قال: قلت) ، القائل هو عمرو بن مرّة، والمخاطب أبو وائل. قوله: (ورفعه) ، أي: رفع الحديث إلى النّبي صلى الله عليه وسلم). [عمدة القاري: 18/ 238]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (1 - باب قول اللّه عزّ وجلّ {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
{إنما} وفي نسخة قل إنما، ولأبي ذر باب قول الله عز وجل: قل إنما {حرم ربي الفواحش}ما تزايد قبحه وقيل ما يتعلق بالفروج وقيل الكبائر وقيل الطواف بالبيت عراة وهو قول ابن عباس ويؤيده السياق فإن قوله: {ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما} يدل على وجه التشبيه في قوله: {لا يفتننكم الشيطان} أي لا تتصفوا بصفة يوقعكم الشيطان بسببها في الفتنة وهي العري في الطواف فتحرموا دخول الجنة كما حرمها على أبويكم حين أخرجهما من الجنة وقد يقال الحمل على الأعم من جميعها أولى محافظة على الحصر المستفاد من إنما لكن إن فسر الإثم بكل الذنوب كما قيل لم يحتج إليه وقيل الخمر وعورض بأن تحريمها بالمدينة وهذه مكية {ما ظهر منها وما بطن} [الأعراف: 33] جهرها وسرها وعن ابن عباس فيما رواه ابن جرير قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسًا في السر ويستقبحونه في العلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية.
- حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا شعبة عن عمرو بن مرّة، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه -رضي الله عنه- قال: قلت أنت سمعت هذا من عبد اللّه قال: نعم، ورفعه قال: «لا أحد أغير من اللّه فلذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحبّ إليه المدحة من اللّه فلذلك مدح نفسه».
وبه قال: حدّثنا سليمان بن حرب الواشحي قال: حدّثنا شعبة بن الحجاج عن عمرو بن مرة بفتح العين الأعمى الكوفي عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال عمرو بن مرة: قلت لأبي وائل أنت سمعت هذا الحديث من عبد الله يعني ابن مسعود قال أبو وائل نعم سمعته منه ورفعه إلى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «لا أحد» بالنصب من غير تنوين على أن لا نافية للجنس و (أغير من الله) خبرها ولأبي ذر لا أحد بالرفع منوّنًا (فلذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، قال قتادة -فيما ذكره ابن جرير-: المراد سر الفواحش، وقال سعيد بن جبير ومجاهد: ما ظهر نكاح الأمهات وما بطن الزنا والحمل على العموم أولى، كما مرّ آنفًا (ولا أحد) ولأبي ذر أحد بالرفع (أحب إليه المدحة) بكسر الميم آخره تاء تأنيث، (من الله فلذلك) أي فلأجل حبه المدحة من خلقه ليثيبهم عليها، (مدح نفسه) المقدسة). [إرشاد الساري: 7/ 126-127]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: ما ظهر منها: نكاح الأمهات في الجاهلية، وما بطن: الزنا). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 47]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش}
- أخبرنا محمّد بن آدم بن سليمان، ومحمّد بن العلاء، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن شقيقٍ، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أحد أغير من الله، ولذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبّ إليه المدح من الله» واللّفظ لابن العلاء). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 99]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين الّذين يتجرّدون من ثيابهم للطّواف بالبيت، ويحرّمون أكل طيّبات ما أحلّ اللّه لهم من رزقه، أيّها القوم: إنّ اللّه لم يحرّم ما تحرّمونه، بل أحلّ ذلك لعباده المؤمنين وطيّبه لهم. وإنّما حرّم ربّي القبائح من الأشياء، وهي الفواحش، ما ظهر منها فكان علانيةً، وما بطن منها فكان سرًّا في خفاءٍ.
وقد روي عن مجاهدٍ في ذلك ما:
- حدّثني الحرث، قال: حدّثني عبد العزيز قال: حدّثنا أبو سعدٍ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول في قوله: {ما ظهر منها وما بطن}، قال: ما ظهر منها طواف أهل الجاهليّة عراةً، وما بطن: الزّنا.
وقد ذكرت اختلاف أهل التّأويل في تأويل ذلك بالرّوايات فيما مضى فكرهت إعادته.
وأمّا الإثم: فإنّه المعصية. والبغي: الاستطالة على النّاس. يقول تعالى ذكره: إنّما حرّم ربّي الفواحش مع الإثم والبغي على النّاس.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {والإثم والبغي} أمّا الإثم: فالمعصية، والبغي: أن يبغي على النّاس بغير الحقّ.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، قال: سمعت مجاهدًا، في قوله: {ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي}؛ قال: نهى عن الإثم وهي المعاصي كلّها، وأخبر أنّ الباغي بغيه كائنٌ على نفسه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطانًا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون}.
يقول جلّ ثناؤه: إنّما حرّم ربّي الفواحش والشّرك به أن تعبدوا مع اللّه إلهًا غيره، {ما لم ينزّل به سلطانًا}؛ يقول: حرّم ربّكم عليكم أن تجعلوا معه في عبادته شركًا لشيءٍ لم يجعل لكم في إشراككم إيّاه في عبادته حجّةً ولا برهانًا، وهو السّلطان. {وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} يقول: وأن تقولوا: إنّ اللّه أمركم بالتّعرّي والتّجرّد للطّواف بالبيت، وحرّم عليكم أكل هذه الأنعام الّتي حرّمتموها وسيّبتموها وجعلتموها وصائل وحوامي، وغير ذلك ممّا لا تعلمون أنّ اللّه حرّمه أو أمر به أو أباحه، فتضيفوا إلى اللّه تحريمه وحظره والأمر به، فإنّ ذلك هو الّذي حرّمه اللّه عليكم دون ما تزعمون أنّ اللّه حرّمه أو تقولون إنّ اللّه أمركم به جهلاً منكم بحقيقة ما تقولون وتضيفونه إلى اللّه). [جامع البيان: 10/ 162-164]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطانًا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون (33)}
قوله تعالى: {قل إنّما حرّم ربي الفواحش}
الوجه الأول:
- أخبرنى أبى ثنا أبو الطاهر بن السّرح، ثنا ابن وهبٍ أنبأ ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبٍ عن محمّد بن عبيدان أنّ حازم الرّهاويّ حدّثه أنّه سمع مولاه يقول: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «مسألة النّاس من الفواحش».
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش}؛ يعني الزّنا.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا العبّاس بن محمّدٍ الدّوريّ ثنا محمّد بن بكّارٍ ثنا أبو معشرٍ عن محمّد بن قيسٍ: قوله: {الفواحش}، قال: كانوا يمشون حول البيت عراةً.
قوله تعالى: {ما ظهر منها وما بطن}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {الفواحش ما ظهر منها وما بطن} قال: كانوا في الجاهليّة لا يرون بالزّنا بأسًا في السّرّ ويستقبحونه في العلانية، فحرّم اللّه الزّنا في السّرّ والعلانية. قال أبو محمّدٍ: وروي عن عطاءٍ الخراسانيّ وعكرمة وأبي صالحٍ وعليّ بن الحسين وقتادة ومطرٍ الورّاق والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ: نحو ذلك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمّد بن الحسن بن زبالة، ثنا إبراهيم بن طهمان، عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: الفواحش، قال: نكاح الأمّهات والبنات. وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل ثنا قيسٌ عن خصيفٍ عن مجاهدٍ: {ما ظهر منها وما بطن}؛ فقوله: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم، وقوله: وأن تجمعوا بين الأختين.
- ذكر عن روحٍ، ثنا عثمان بن غياثٍ عن عكرمة: ما ظهر منها الظّلم، ظلم النّاس.
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن رافعٍ ثنا ابن المبارك، عن يونس عن الزّهريّ ما ظهر منها وما بطن قال: العري، وكانوا يطوفون بالبيت عراةً.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً، أخبرني أبي قال:
سمعت الأوزاعيّ: حدّثني رجلٌ من أهل المدينة عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه تعالى: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}؛ قال: ما ظهر منها فنكاح الأبناء نساء الآباء، وجمعٌ بين الأختين، أو تنكح المرأة على عمّتها أو على خالتها.
قوله تعالى: {وما بطن}
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ هشام بن يونس عن ابن جريجٍ قال عطاءٌ: عن ابن عبّاسٍ: {وما بطن} قال: السّرّ. وروي عن عكرمة وقتادة وعطاءٍ الخراسانيّ والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ: نحو ذلك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمّد بن الحسن ثنا إبراهيم بن طهمان، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وما بطن}؛ قال: الزّنا. وروي عن الزّهريّ ومجاهدٍ ومحمّد بن قيسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن سعيدٍ الأصبهانيّ عن عمرو بن ثابتٍ عن أبيه عن عليّ بن حسينٍ: قوله: {وما بطن}؛ نكاح امرأة الأب.
- ذكر عن روح بن عبادة ثنا عثمان بن غياثٍ عن عكرمة: وما بطن من الفواحش الزّنا والسّرقة.
قوله تعالى: {والإثم}
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن معاوية بن صالحٍ عن عبد الرّحمن بن جبير بن نفيرٍ عن أبيه عن النّوّاس بن سمعان قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الإثم. فقال: «الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه النّاس».
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: {والإثم}؛ قال: الإثم: المعصية.
قوله: {والبغي بغير الحقّ}
- وبه عن السّدّيّ: قوله: والبغي أن تبغي على النّاس بغير حقٍّ.
قوله تعالى: {وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطانًا}
- حدّثنا أبي ثنا مالك بن إسماعيل ثنا سفيان بن عيينة عن عمرٍو عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: قال: كلّ سلطانٍ في القرآن حجّةٌ. وروي عن أبي مالكٍ ومحمّد بن كعبٍ وعكرمة وسعيد بن جبيرٍ والسّدّيّ: والضّحّاك والنّضر بن عربيّ مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1469-1471]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله: {إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، تقدّم في تفسير قوله: {وما بطن} في باب الوصيّة بالنّساء من كتاب النّكاح). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 661]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}؛ قال: ما ظهر العرية وما بطن الزنا كانوا يطوفون بالبيت عراة.
- وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي، وابن المنذر، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أغير من الله فلذلك حرم الفاحش ما ظهر منها وما بطن».
- وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم، وابن مردويه عن المغيرة بن شعبة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتعجبون من غيرة سعد فو الله لأنا أغير من سعد والله أغير مني ومن أجله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا شخص أغير من الله».
- وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله أما تغار، قال:« والله إني لأغار والله أغير مني ومن غيرته نهى عن الفواحش».
- وأخرج أبو الشيخ عن الحسن: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: ما ظهر منها الاغتسال بغير سترة.
- وأخرج عبد الرزاق عن يحيى بن أبي كثير أن رجلا قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت حدا فأقمه علي، فجلده ثم صعد المنبر والغضب يعرف في وجهه فقال: «أيها الناس إن الله حرم عليكم الفواحش ما ظهر منها وما بطن فمن أصاب منها شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يرفع إلينا من ذلك شيئا نقمة عليه».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني غيور وإن إبراهيم كان غيورا وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب»
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {والإثم} قال: المعصية والبغي، قال: أن تبغي على الناس بغير حق). [الدر المنثور: 6/ 376-378]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولكلّ أمّةٍ أجلٌ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون}.
يقول تعالى ذكره مهدّدًا للمشركين الّذين أخبر جلّ ثناؤه عنهم أنّهم كانوا إذا فعلوا فاحشةً قالوا: وجدنا عليها آباءنا واللّه أمرنا بها، ووعيدًا منه لهم على كذبهم عليه وعلى إصرارهم على الشّرك به والمقام على كفرهم، ومذكّرًا لهم ما أحلّ بأمثالهم من الأمم الّذين كانوا قبلهم: {ولكلّ أمّةٍ أجلٌ} يقول: ولكلّ جماعةٍ اجتمعت على تكذيب رسل اللّه وردّ نصائحهم، والشّرك باللّه مع متابعة ربّهم حججه عليهم، أجلٌ، يعني: وقتٌ لحلول العقوبات بساحتهم، ونزول المثلات بهم على شركهم. {فإذا جاء أجلهم} يقول: فإذا جاء الوقت الّذي وقّته اللّه لهلاكهم وحلول العقاب بهم {لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون} يقول: لا يتأخّرون بالبقاء في الدّنيا ولا يتمتّعون بالحياة فيها عن وقت هلاكهم وحين حلول أجل فنائهم ساعةً من ساعات الزّمان. {ولا يستقدمون} يقول: ولا يتقدّمون بذلك أيضًا عن الوقت الّذي جعله اللّه لهم وقتًا للهلاك). [جامع البيان: 10/ 164-165]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولكلّ أمّةٍ أجلٌ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون (34)}
قوله تعالى: {ولكلّ أمّةٍ أجلٌ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون}
- حدّثنا عبيد اللّه بن إسماعيل ثنا عفّان ثنا وهيبٌ ثنا سعيد بن أبي عروبة قال: كان الحسن يقول: ما أحمق هؤلاء القوم! يقولون: اللّهمّ أطل عمره، واللّه يقول: فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1471]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه والخطيب في تالي التلخيص، وابن النجار في تاريخه عن أبي الدرداء قال: تذاكرنا زيادة العمر عند رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقلنا: من وصل رحمه أنسأ في أجله، فقال:« إنه ليس بزائدة في عمره قال الله: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} ولكن الرجل يكون له الذرية الصالحة فيدعون الله له من بعده فيبلغه ذلك فذلك الذي ينسأ في أبده وفي لفظ: فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادة العمر».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي عروبة قال: كان الحسن يقول: ما أحمق هؤلاء القوم، يقولون: اللهم أطل عمره والله يقول: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر من طريق الزهري عن ابن المسيب قال: لما طعن عمر قال كعب: لو دعا الله عمر لأخر في أجله، فقيل له: أليس قد قال الله: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}، فقال كعب: وقد قال الله: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} [فاطر: 11] قال الزهري: وليس أحد إلا له عمر مكتوب فرأى أنه ما لم يحضر أجله فإن الله يؤخر ما شاء وينقص {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.
- وأخرج ابن سعد في الطبقات عن كعب قال: كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر وإذا ذكرنا عمر ذكرناه وكان إلى جنبه نبي يوحي إليه فأوحى الله إلى النّبيّ أن يقول له: أعهد عهدك واكتب إلى وصيتك فإنك ميت إلى ثلاثة أيام فأخبره النّبيّ بذلك فلما كان في اليوم الثالث وقع بين الجدر وبين السرير ثم جار إلى ربه فقال: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أعدل في الحكم وإذا اختلفت الأمور اتبعت هداك وكنت فزدني في عمري حتى يكبر طفلي وتربو أمتي، فأوحى الله إلى النّبيّ: إنه قد قال كذا وكذا وقد صدق: وقد زدته في عمره خمس عشرة سنة ففي ذلك ما يكبر طفله وتربو أمته فلما طعن عمر قال كعب: لئن سأل عمر ليبقينه فأخبر بذلك عمر فقال: اللهم اقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم.
- وأخرج ابن سعد عن ابن أبي مليكة قال: لما طعن عمر جاء كعب فجعل يبكي بالباب ويقول: والله لو أن أمير المؤمنين يقسم على الله أن يؤخره لأخره فدخل ابن عباس عليه فقال: يا أمير المؤمنين هذا كعب يقول كذا وكذا قال: إذا - والله - لا أسأله.
- وأخرج البيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن أبيه عن جده قال: جاء سعد بن أبي وقاص فقال: يا رب إن لي بنين صغارا فأخر عني الموت حتى يبلغوا فأخر عنه الموت عشرين سنة.
- وأخرج أحمد عن ثوبان عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «من سره النسأ في الأجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه».
- وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ولي من أمر أمتي شيئا فحسنت سريرته رزق الهيبة من قلوبهم وإذا بسط يده لهم بالمعروف رزق المحبة منهم وإذا وفر عليهم أموالهم وفر الله عليه ماله وإذا أنصف الضعيف من القوي قوى الله سلطانه وإذا عدل مد في عمره».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: «من اتقى ربه ووصل رحمه نسئ له في عمره وربا ماله وأحبه أهله»). [الدر المنثور: 6/ 378-380]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 12:03 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}


تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( وقوله: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ وكلوا واشربوا} كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة بالنهار، والنساء منهم بالليل إلّا الحمس - وهم قريش ومن دان بدينهم - ولا يأكلون من الطعام إلّا اليسير إعظاما لحجّهم. فأنزل اللّه هذه الآية). [تفسير غريب القرآن: 167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين (31)}
هذا أمر بالاستتار في الصلوات، وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة.
ويقولون: لا نطوف حول البيت في ثياب قد أذنبنا فيها، وكانت المرأة تطوف عريانة أيضا إلا أنها كانت تشدّ في حقويها أشياء من سيور مقطعة، تسمّي العرب ذلك الرهط، قالت امرأة تطوف وعليها رهط:
اليوم يبدو بعضه أوكلّه ....... فما بدا منه فلا أحلّه
تعني الفرج، لأن السيور لا تستر سترا تامّا.
فأمر الله بعد ذكره عقوبة آدم وحواء في أن بدت لهما سوءاتهما.
بالاستتار في وقت كل صلاة، بعد أن أعلم أن التعرّي وظهور السوءة مكروه من لدن آدم، وقوله بعقب الاستتار:
(وكلوا واشربوا).
لأنهم ادّعوا أنّ اللّه جلّ ثناؤه قد حرم عليهم شيئا مما في بطون الأنعام، وحرم عليهم البحيرة والسائبة، وكانوا يزعمون فيما يأتون من الفحشاء كالتعري وما أشبهه - أن الله جل ثناؤه - أمرهم بذلك فأمرهم اللّه بالاستتار، وأن يأكلوا - ما زعموا أن الله عزّ وجلّ حرّمه مما لم يحرمه، وأن يشربوا مما زعموا أن اللّه - جلّ وعزّ - حرم عليهم شربه، لأن ألبان البحيرة والسائبة كانت عندهم حراما.
وقوله: - جلّ وعزّ -: {ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}.
والإسراف أن يأكل ما لا يحل أكله مما حرم اللّه تعالى أن يؤكل شيء منه، أو تأكل مما أحل لك فوق القصد ومقدار الحاجة، فأعلم اللّه عزّ وجل أنه لا يحب من أسرف، ومن لم يحببه اللّه عزّ وجلّ فهو في النار ثم قررهم ووبخهم فقال:
{قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصّل الآيات لقوم يعلمون (32)} ). [معاني القرآن: 2/ 332-333]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}
قال عطاء، وطاووس، والضحاك: يعني اللباس لأن قوما من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة وهو مذهب مجاهد.
وروى شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت مسلم البطين يحدث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فنزلت: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}
قال الزهري كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس قريشا وأحلافها فقال الله جل وعز: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} ). [معاني القرآن: 3/ 26-27]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة...}
نصبت خالصة على القطع وجعلت الخبر في اللام التي في الذين، والخالصة ليست بقطع من اللام، ولكنها قطع من لام أخرى مضمرة. والمعنى - والله أعلم -: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا؛ يقول: مشتركة، وهي لهم في الآخرة خالصة. ولو رفعتها كان صوابا، تردّها على موضع الصفة التي رفعت لأن تلك في موضع رفع. ومثله في الكلام قوله: إنا بخير كثير صيدنا. ومثله قول الله عز وجل: {إن الإنسان خلق هلوعا. إذا مسّه الشرّ جزوعا. وإذا مسّه الخير منوعا}. المعنى: خلق هلوعا، ثم فسر حال الهلوع بلا نصب؛ لأنه نصب في أوّل الكلام. ولو رفع لجاز؛ إلا أن رفعه على الاستئناف لأنه ليس معه صفة ترفعه. وإنما نزلت هذه الآية أن قبائل من العرب في الجاهلية كانوا لا يأكلون أيام حجهم إلا القوت، ولا يأكلون اللحم والدسم، فكانوا يطوفون بالبيت عراةً، الرجال نهارا والنساء ليلا، وكانت المرأة تلبس شيئا شبيها بالحوف ليواريها بعض المواراة؛ ولذلك قالت العامرية:
اليوم يبدو بعضه أو كله ....... وما بدا منه فلا أحله
قال المسلمون: يا رسول الله، نحن أحق بالاجتهاد لربنا، فأرادوا أن يفعلوا كفعل أهل الجاهلية، فأنزل الله تبارك وتعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجدٍ} يعني اللباس. {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} حتى يبلغ بكم ذلكم تحريم ما أحللت لكم، والإسراف ها هنا الغلوّ في الدين). [معاني القرآن: 1/ 377-378]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} بالنصب؛ تصير حالاً؛ لأنها نكرة؛ مثل: هي في الدار قائمة.
ابن عباس رحمه الله يرفع، ونافع يرفع {خالصة}؛ يصير الخبر فيها: "قل هي خالصة في الحياة الدنيا"؛ والنصب كأنه أحسن على الحال). [معاني القرآن لقطرب: 562]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومثله قوله سبحانه: {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
أي هي للذين آمنوا- يعني في الدنيا- مشتركة، وفي الآخرة خالصة). [تأويل مشكل القرآن: 222]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصّل الآيات لقوم يعلمون (32)}
أي من حرم أن تلبسوا في طوافكم ما يستركم.
(والطّيّبات من الرّزق).
أي ومن حرم الطيبات مما رزق اللّه، أي من حرم هذه الأشياء التي ذكرتم أنها حرام.
ثم قال عزّ وجلّ: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة}.
وتقرأ (خالصة) و (خالصة) يوم القيامة.
المعنى أنها حلال للمؤمنين، وقد يشركهم فيها الكافرون.
أعلم عزّ وجلّ أن الطّيبات تخلص للمؤمنين في الآخرة ولا يشركهم فيها كافر.
فأما إعراب " خالصة " فهو أنه. خبر بعد خبر، كما تقول: زيد عاقل لبيب. فالمعنى قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة.
ومن قرأ (خالصة) جعل خالصة منصوبا على الحال، على أن العامل في قولك في الحياة الدنيا في تأويل الحال. كأنك قلت: هي ثابتة للمؤمنين مستقرة في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة). [معاني القرآن: 2/ 333]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز موبخا لهم: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} هو عام
وقيل أي من حرم لبس الثياب في الطواف ومن حرم ما حرموا من البحيرة وغيرها
قال الفراء إن قبائل من العرب كانوا لا يأكلون اللحم أيام حجهم ويطوفون عراة فأنزل الله جل وعز هذا ثم قال جل وعز: {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة}
قال الضحاك يشترك فيها المسلمون والمشركون في الدنيا وتخلص للمسلمين يوم القيامة وقيل في الحياة الدنيا: في الصلة أي آمنوا في ذا الوقت خالصة من الغم والتنغيص). [معاني القرآن: 3/ 27-28]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم...}
(والإثم) ما دون الحدّ (والبغي) الاستطالة على الناس). [معاني القرآن: 1/ 379]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما لم ينزّل به سلطاناً}: أي حجّة). [تفسير غريب القرآن: 167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطانا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون (33)}
{وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطانا}
موضع (أن) نصب: المعنى حرم اللّه الفواحش تحريم الشرك.
ومعنى {لم ينزّل به سلطانا} أي لم ينزل به حجة). [معاني القرآن: 2/ 334]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
روى روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال {ما ظهر منها} نكاح الأمهات في الجاهلية {وما بطن} الزنا
وقال قتادة سرها وعلانيتها ثم قال جل وعز: {والإثم}
وقال في موضع آخر: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير}؛ فدل بهاتين الآيتين على أن الخمر والميسر حرام). [معاني القرآن: 3/ 28-29]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} أي حجة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ولكلّ أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (34)}
أي وقت مؤقت.
{فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.
المعنى: ولا يستقدمون ساعة، ولا أقل من ساعة، ولكن ذكرت الساعة لأنها أقل أسماء الأوقات). [معاني القرآن: 2/ 334]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولكل أمة أجل} أي وقت مؤقت
{فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة } المعنى لا يستأخرون ساعة ولا أقل من ساعة إلا أن الساعة خصت بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات). [معاني القرآن: 3/ 29-30]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:45 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) }


تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) }

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب تبيين الحال في العوامل التي في معنى الأفعال، وليست بأفعال، وما يمتنع من أن تجري معه الحال تقول: هذا لك كافياً، فتنصب الحال، لما في الكلام من معنى الفعل لأن معنى لك معنى تملكه.
فإن أردت أن تلغى لك قلت: هذا لك كاف يا فتى، تريد: هذا كاف لك، فتجعل كافياً خبر الابتداء، وتجعل لك ظرفاً للكفاية.
والآية تقرأ على وجهين: {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصةً يوم القيامة} وخالصةٌ على ما ذكرنا. وتقول: هذا عبد الله قائماً، فتنصب قائماً لأن قولك ها للتنبيه فالمعنى: انتبه له قائماً. وقال الله عز وجل {هذه ناقة الله لكم آية} و{وهذا بعلي شيخاً} ). [المقتضب: 4/ 307]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) }

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:45 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين (31) قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعلمون (32)}
هذا خطاب عام لجميع العالم وأمروا بهذه الأشياء بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت من مشركي العرب فيها.
والزينة هاهنا الثياب الساترة قاله مجاهد والسدي، وقال طاوس: الشملة من الزينة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويدخل فيها ما كان من الطيب للجمعة والسواك وبدل الثياب وكل ما وجد استحسانه في الشريعة ولم يقصد به مستعمله الخيلاء، وعند كلّ مسجدٍ عند كل موضع سجود فهي إشارة إلى الصلوات وستر العورة فيها هذا هو مهم الأمر، ويدخل مع الصلاة مواطن الخير كلها، ومع ستر العورة ما ذكرناه من الطيب للجمعة وغير ذلك، وذكر مكي حديثا أن معنى خذوا زينتكم صلوا في النعال، وما أحسبه يصح.
وقوله تعالى:{ وكلوا واشربوا}
نهي عما كانوا التزموه من تحريم اللحم والودك في أيام الموسم،
قاله السدي وابن زيد، وتدخل مع ذلك أيضا البحيرة والسائبة ونحو ذلك، وقد نص على ذلك قتادة وقال إن البحيرة وما جانسها هي المراد بقوله تعالى: {والطّيّبات من الرّزق}، وقوله تعالى:{ولا تسرفوا معناه ولا تفرطوا}، قال أهل التأويل: يريد ولا تسرفوا بأن تحرموا على أنفسكم ما لم يحرم الله عز وجل، قال ابن عباس: ليس في الحلال سرف إنما السرف في ارتكاب المعاصي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يريد في الحلال القصد، واللفظ يقتضي النهي عن السرف مطلقا فمن تلبس بفعل حرام فتأول تلبسه به حصل من المسرفين وتوجه النهي عليه، ومن تلبس بفعل مباح فإن مشى فيه على القصد وأوساط الأمور فحسن، وإن أفرط حتى دخل الضرر حصل أيضا من المسرفين وتوجه النهي عليه، مثل ذلك أن يفرط الإنسان في شراء ثياب ونحوها ويستنفد في ذلك جل ماله أو يعطي ماله أجمع ويكابد بعياله الفقر بعد ذلك ونحوه، فالله عز وجل لا يحب شيئا من هذا، وقد نهت الشريعة عنه، ولذلك وقف النبي عليه السلام بالموصي عند الثلث، وقال بعض العلماء: لو حط الناس إلى الربع لقول النبي عليه السلام «والثلث كثير»، وقد قال ابن عباس في هذه الآية، أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة). [المحرر الوجيز: 3/ 548-550]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأمر الله عز وجل نبيه عليه السلام أن يسألهم عمن حرم ما أحل الله على جهة التوبيخ والتقرير وليس يقتضي هذا السؤال جوابا، وإنما المراد منه التوقيف على سوء الفعل، وذكر بعض الناس أن السؤال والجواب جاء في هذه الآية من جهة واحدة وتخيل قوله: قل هي للّذين آمنوا جوابا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا نظر فاسد ليس ذلك بجواب السؤال ولا يقتضي هذا النوع من الأسئلة جوابا، وزينة اللّه هي ما حسنته الشريعة وقررته. وزينة الدنيا هي كل ما اقتضته الشهوة وطلب العلو في الأرض كالمال والبنين وهي الزينة التي فضل الشرع عليها. وقوله: {والطّيّبات}، قال: الجمهور يريد المحللات. وقال الشافعي وغيره يريد المستلذات.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: إلا أن ذلك ولا بد يشترط فيه أن يكون من الحلال، وإنما قاد الشافعي إلى هذا تحريمه المستقذرات كالوزغ وغيرها فإنه يقول هي من الخبائث محرمة.
وقوله تعالى: {قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة}.
قرأ نافع وحده «خالصة» بالرفع والباقون «خالصة» بالنصب، والآية تتأول على معنيين أحدهما أن يخبر أن هذه الطيبات الموجودات في الدنيا هي خالصة يوم القيامة للمؤمنين في الدنيا، وخلوصها أنهم لا يعاقبون عليها ولا يعذبون، فقوله في الحياة الدّنيا متعلق ب آمنوا. وإلى هذا يشير تفسير سعيد بن جبير. فإنه قال قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ينتفعون بها في الدنيا ولا يتبعهم إثمها، وقوله «خالصة» بالرفع خبر هي، وللّذين تبيين للخلوص، ويصح أن يكون خالصة خبرا بعد خبر، ويوم القيامة يريد به وقت الحساب، وقرأ قتادة والكسائي «قل هي لمن آمن في الحياة الدنيا»، والمعنى الثاني هو أن يخبر أن هذه الطيبات الموجودات هي في الحياة الدنيا للذين آمنوا وإن كانت أيضا لغيرهم معهم وهي يوم القيامة خالصة لهم أي لا يشركهم أحد في استعمالها في الآخرة، وهذا قول ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة والسدي وابن جريج وابن زيد، فقوله: في الحياة الدّنيا على هذا التأويل متعلق بالمحذوف المقدر في قوله: {للّذين آمنوا }،كأنه قال هي خالصة أو ثابتة في الحياة الدنيا للذين آمنوا، و «خالصة» بالرفع خبر بعد خبر، أو خبر ابتداء مقدر تقديره: وهي خالصة يوم القيامة، ويوم القيامة يراد به استمرار الكون في الجنة، وأما من نصب «خالصة» فعلى الحال من الذكر الذي في قوله للّذين آمنوا، التقدير هي ثابتة أو مستقرة للذين آمنوا في حال خلوص لهم، والعامل فيها ما في اللام من معنى الفعل في قوله: {للّذين}. وقال أبو علي في الحجة: ويصح أن يتعلق قوله: في الحياة الدّنيا بقوله حرّم ولا يصح أن يتعلق ب زينة لأنها مصدر قد وصف، ويصح أن يتعلق بقوله أخرج لعباده ويجوز ذلك وإن فصل بين الصلة والموصول بقوله: قل هي للّذين آمنوا لأن ذلك كلام يشد القصة وليس بأجنبي منها جدا كما جاء في قوله: {والّذين كسبوا السّيّئات جزاء سيّئةٍ بمثلها وترهقهم ذلّةٌ} [يونس: 27] فقوله: {وترهقهم ذلّةٌ} معطوف على كسبوا داخل في الصلة، والتعلق ب أخرج هو قول الأخفش ويصح أن يتعلق بقوله: {والطّيّبات}. ويصح أن يتعلق بقوله: من الرّزق ويصح أن يتعلق بقوله آمنوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الأخير هو أصح الأقوال على هذا التأويل الأول فيما رتبناه هنا. وأما على التأويل الآخر فيضعف معنى الآية هذه المتعلقات التي ذكر أبو علي وإنما يظهر أن يتعلق بالمحذوف المقدر في قوله: {للّذين آمنوا}. وقوله تعالى: {كذلك}؛ تقدير الكلام أي كما فصلنا هذه الأشياء المتقدمة الذكر فكذلك وعلى تلك الصورة نفصل الآيات أي نبين الأمارات والعلامات والهدايات لقوم لهم علم ينتفعون به، ونفصّل معناه نقسم ونبين لأن بيان الأمور المشبهات إنما هو في تقسيمها بالفصول). [المحرر الوجيز: 3/ 550-552]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطاناً وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون (33) ولكلّ أمّةٍ أجلٌ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون (34) يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (35) والّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (36)}
لما تقدم إنكار ما حرمه الكفار بآرائهم، أتبعه ذكر ما حرم الله عز وجل وتقديره، والفواحش ما فحش وشنع وأصله من القبح في المنظر، ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش ....... إذا هي نصته ولا بمعطل
ثم استعمل فيما ساء من الخلق وألفاظ الحرج والرفث، ومنه الحديث ليس بفاحش في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله لسلمة بن سلامة بن وقش «أفحشت على الرجل» في حديث السير، ومنه قول الحزين في كثير عزة: [الطويل]
قصير القميص فاحش عند بيته
وكذلك استعمل فيما شنع وقبح في النفوس. والقبح والحسن في المعاني إنما يتلقى من جهة الشرع، والفاحش كذلك، فقوله هنا الفواحش إنما هي إشارة إلى ما نص الشرع على تحريمه في مواضع أخر، فكل ما حرمه الشرع فهو فاحش وإن كان العقل لا ينكره كلباس الحرير والذهب للرجال ونحوه، وقوله: {ما ظهر منها وما بطن} يجمع النوع كله لأنه تقسيم لا يخرج عنه شيء، وهو لفظ عام في جميع الفواحش وذهب مجاهد إلى تخصيص ذلك بأن قال ما ظهر الطواف عريانا، والبواطن الزنى، وقيل غير هذا مما يأتي على طريق المثال، وما بدل من الفواحش وهو بدل بعض من كل، ومجموع القسمين يأتي بدل الشيء من الشيء وهو هو، والإثم أيضا: لفظه عام لجميع الأفعال والأقوال التي يتعلق بمرتكبها إثم، هذا قول الجمهور، وقال بعض الناس: هي الخمر واحتج على ذلك بقول الشاعر: [الوافر]
شربت الإثم حتى طار عقلي ....... ... ... ... ...
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول مردود لأن هذه السورة مكية ولم تعن الشريعة لتحريم الخمر إلا بالمدينة بعد أحد لأن جماعة من الصحابة اصطحبوها يوم أحد وماتوا شهداء، وهي في أجوافهم، وأيضا فبيت الشعر يقال إنه مصنوع مختلق، وإن صح فهو على حذف مضاف، وكأن ظاهر القرآن على هذا القول أن تحريم الخمر من قوله تعالى: {يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ} [البقرة: 219] وهو في هذه الآية قد حرم، فيأتي من هذا أن الخمر إثم والإثم محرم فالخمر محرمة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولكن لا يصح هذا لأن قوله فيهما إثمٌ لفظ محتمل أن يراد به أنه يلحق الخمر من فساد العقل والافتراء وقتل النفس وغير ذلك آثام فكأنه قال في الخمر هذه الآثام أي هي بسببها ومعها وهذه الأشياء محرمة لا محالة، وخرجت الخمر من التحريم على هذا ولم يترتب القياس الذي ذهب إليه قائل ما ذكرناه، ويعضد هذا أنّا وجدنا الصحابة يشربون الخمر بعد نزول قوله قل فيهما إثمٌ وفي بعض الأحاديث فتركها قوم للإثم الذي فيها وشربها قوم للمنافع، وإنما حرمت الخمر بظواهر القرآن ونصوص الأحاديث وإجماع الأمة.
والبغي: التعدي وتجاوز الحد، كان الإنسان مبتديا بذلك أو منتصرا فإذا جاوز الحد في الانتصار فهو باغ، وقوله: بغير الحقّ زيادة بيان وليس يتصور بغي بحق لأن ما كان بحق فلا يسمى بغيا، وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطاناً المراد بها الأصنام والأوثان وكل ما عبد من دون الله. و «السلطان» البرهان والحجة، وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون من أنه حرم البحيرة والسائبة ونحوه). [المحرر الوجيز: 3/ 552-554]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولكلّ أمّةٍ أجلٌ ... الآية}، يتضمن الوعيد والتهديد. والمعنى ولكل أمة أي فرقة وجماعة، وهي لفظة تستعمل في الكثير من الناس، أجل مؤقت لمجيء العذاب إذا كفروا وخالفوا أمر ربهم، فأنتم أيتها الأمة كذلك قاله الطبري وغيره، وقرأ الحسن «فإذا جاء آجالهم» بالجمع. وهي قراءة ابن سيرين، قال أبو الفتح هذا هو الأظهر لأن لكل إنسان أجلا فأما الإفراد فلأنه جنس وإضافته إلى الجماعة حسنت الإفراد، ومثله قول الشاعر: [الرجز]
في حلقكم عظم وقد شجينا
وقوله: ساعةً لفظ عين به الجزء القليل من الزمن، والمراد جميع أجزائه أي لا يستأخرون ساعة ولا أقل منها ولا أكثر، وهذا نحو قوله تعالى: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ} [النساء: 40] فإنما هي عبارة يقام الجزء فيها مقام الكل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكأنه يظهر بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {ويؤخّركم إلى أجلٍ مسمًّى} [إبراهيم: 10، نوح: 4] تعارض لأن تلك تقتضي الوعد بتأخير إن آمنوا والوعيد بمعاجلة إن كفروا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والحق مذهب أهل السنة أن كل أحد إنما هو بأجل واحد لا يتأخر عنه ولا يتقدم. وقوم نوح كان منهم من سبق في علم الله تعالى أنه يكفر فيعاجل، وذلك هو أجله المحتوم، ومنه من يؤمن فيتأخر إلى أجله المحتوم وغيب عن نوح تعيين الطائفتين فندب الكل إلى طريق النجاة وهو يعلم أن الطائفة إنما تعاجل أو تؤخر بأجلها، فكأنه يقول: فإن آمنتم علمنا أنكم ممن قضى الله له بالإيمان والأجل المؤخر، وإن كفرتم علمنا أنكم ممن قضي له بالأجل المعجل والكفر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا الحد هو دعاء محمد عليه السلام العالم إلى طريق الجنة، وقد علم أن منهم من يكفر فيدخل النار، وكذلك هو أمر الأسير يقال له إما أن تؤمن فتترك وإلا قتلت). [المحرر الوجيز: 3/ 554-556]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين (31)}
هذه الآية الكريمة ردٌّ على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطّواف بالبيت عراة، كما رواه مسلمٌ والنّسائيّ وابن جريرٍ -واللّفظ له -من حديث شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: كانوا يطوفون بالبيت عراةً، الرّجال والنّساء: الرّجال بالنّهار، والنّساء باللّيل. وكانت المرأة تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه ....... وما بدا منه فلا أحلّه
فقال اللّه تعالى: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ في قوله [تعالى]: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ} الآية، قال: كان رجالٌ يطوفون بالبيت عراةً، فأمرهم اللّه بالزّينة -والزّينة: اللّباس، وهو ما يواري السّوأة، وما سوى ذلك من جيّد البزّ والمتاع -فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كلّ مسجدٍ.
وكذا قال مجاهدٌ، وعطاءٌ، وإبراهيم النّخعي، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسّدّي، والضحاك، ومالكٌ عن الزّهريّ، وغير واحدٍ من أئمّة السّلف في تفسيرها: أنّها أنزلت في طوائف المشركين بالبيت عراةً.
وقد روى الحافظ بن مردويه، من حديث سعيد بن بشيرٍ والأوزاعيّ، عن قتادة، عن أنسٍ مرفوعًا؛ أنّها أنزلت في الصّلاة في النّعال. ولكن في صحّته نظرٌ واللّه أعلم.
ولهذه الآية، وما ورد في معناها من السّنّة، يستحبّ التّجمّل عند الصّلاة، ولا سيّما يوم الجمعة ويوم العيد، والطّيب لأنّه من الزّينة، والسّواك لأنّه من تمام ذلك، ومن أفضل الثّياب البياض، كما قال الإمام أحمد:
حدّثنا عليّ بن عاصمٍ، حدّثنا عبد اللّه بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنّها من خير ثيابكم، وكفّنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الإثمد، فإنّه يجلو البصر، وينبت الشّعر».
هذا حديثٌ جيّد الإسناد، رجاله على شرط مسلمٍ. ورواه أبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه، من حديث عبد اللّه بن عثمان بن خثيم، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وللإمام أحمد أيضًا، وأهل السّنن بإسنادٍ جيّدٍ، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «عليكم بالثّياب البياض فالبسوها؛ فإنّها أطهر وأطيب، وكفّنوا فيها موتاكم»
وروى الطّبرانيّ بسندٍ صحيحٍ، عن قتادة، عن محمّد بن سيرين: أنّ تميمًا الدّاريّ اشترى رداءً بألفٍ، فكان يصلّي فيه.
وقوله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين} الآية. قال بعض السّلف: جمع اللّه الطّبّ كلّه في نصف آيةٍ: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}
وقال البخاريّ: قال ابن عبّاسٍ: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا محمّد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: أحلّ اللّه الأكل والشّرب، ما لم يكن سرفًا أو مخيلة. إسناده صحيحٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا بهز، حدّثنا همّام، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدّقوا، في غير مخيلة ولا سرف، فإنّ اللّه يحبّ أن يرى نعمته على عبده»
ورواه النّسائيّ وابن ماجه، من حديث قتادة، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «كلوا وتصدّقوا والبسوا في غير إسرافٍ ولا مخيلة»
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا سليمان بن سليمٍ الكناني، حدّثنا يحيى بن جابرٍ الطّائيّ سمعت المقدام بن معد يكرب الكنديّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنه، حسب ابن آدم أكلاتٌ يقمن صلبه، فإن كان فاعلًا لا محالة، فثلثٌ طعامٌ، وثلثٌ شرابٌ، وثلثٌ لنفسه».
ورواه النّسائيّ والتّرمذيّ، من طرقٍ، عن يحيى بن جابرٍ، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ -وفي نسخةٍ: حسنٌ صحيحٌ.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصليّ في مسنده: حدّثنا سويد بن عبد العزيز حدّثنا بقيّة، عن يوسف ابن أبي كثيرٍ، عن نوح بن ذكوان، عن الحسن، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ من السّرف أن تأكل كلّ ما اشتهيت». ورواه الدّارقطنيّ في الأفراد، وقال: هذا حديثٌ غريبٌ تفرّد به بقيّة.
وقال السّدّي: كان الّذين يطوفون بالبيت عراةً، يحرّمون عليهم الودك ما أقاموا في الموسم؛ فقال اللّه [تعالى] لهم: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين} يقول: لا تسرفوا في التّحريم.
وقال مجاهدٌ: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا ممّا رزقهم اللّه.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {ولا تسرفوا} يقول: ولا تأكلوا حرامًا، ذلك الإسراف.
وقال عطاءٌ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين} في الطّعام والشّراب.
وقال ابن جريرٍ: وقوله: {إنّه لا يحبّ المسرفين} يقول اللّه: إنّ اللّه [تعالى] لا يحبّ المتعدّين حدّه في حلالٍ أو حرامٍ، الغالين فيما أحلّ أو حرّم، بإحلال الحرام وبتحريم الحلال، ولكنّه يحبّ أن يحلّل ما أحلّ، ويحرّم ما حرّم، وذلك العدل الّذي أمر به). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 405-408]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعلمون (32)}
يقول تعالى ردًّا على من حرّم شيئًا من المآكل أو المشارب، والملابس، من تلقاء نفسه، من غير شرعٍ من اللّه: {قل} يا محمّد، لهؤلاء المشركين الّذين يحرّمون ما يحرّمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم: {من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة} الآية، أي: هي مخلوقةٌ لمن آمن باللّه وعبده في الحياة الدّنيا، وإن شركهم فيها الكفّار حسًّا في الدّنيا، فهي لهم خاصّةً يوم القيامة، لا يشركهم فيها أحدٌ من الكفّار، فإنّ الجنّة محرّمةٌ على الكافرين.
قال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا أبو حصين محمّد بن الحسين القاضي، حدّثنا يحيى الحمّاني، حدّثنا يعقوب القمّي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ،
عن ابن عبّاسٍ قال: كانت قريشٌ يطوفون بالبيت وهم عراةٌ، يصفّرون ويصفّقون. فأنزل اللّه: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده} فأمروا بالثّياب). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 408]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون (33)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن شقيقٍ، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا أحد أغير من اللّه، فلذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبّ إليه المدح من اللّه».
أخرجاه في الصّحيحين، من حديث سليمان بن مهران الأعمش، عن شقيقٍ عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ وتقدّم الكلام في سورة الأنعام على ما يتعلّق بالفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وقوله: {والإثم والبغي بغير الحقّ} قال السّدّي: أمّا الإثم فالمعصية، والبغي أن تبغي على النّاس بغير الحقّ.
وقال مجاهدٌ: الإثم المعاصي كلّها، وأخبر أنّ الباغي بغيه كائنٌ على نفسه.
وحاصل ما فسّر به الإثم أنّه الخطايا المتعلّقة بالفاعل نفسه، والبغي هو التّعدّي إلى النّاس، فحرّم اللّه هذا وهذا.
وقوله: {وأن تشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} أي: تجعلوا له شريكًا في عبادته، وأن تقولوا عليه من الافتراء والكذب من دعوى أنّ له ولدًا ونحو ذلك، ممّا لا علم لكم به كما قال تعالى: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور * حنفاء للّه غير مشركين به ...} الآية [الحجّ: 30، 31] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 408-409]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولكلّ أمّةٍ أجلٌ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون (34) يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (35) والّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (36)}
يقول تعالى: {ولكلّ أمّةٍ} أي: قرنٍ وجيلٍ {أجلٌ فإذا جاء أجلهم} أي: ميقاتهم المقدّر لهم {لا يستأخرون ساعةً} عن ذلك {ولا يستقدمون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 409]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة