العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:41 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (94) إلى الآية (96) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (94) إلى الآية (96) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:30 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا قال بلغني أن رجلا من المسلمين أغار على رجل من المشركين فحمل عليه فقال له المشرك إني مسلم لا إله إلا الله فقتله بعد أن قالها فبلغ ذلك النبي فقال للذي قتله وقد قال لا إله إلا الله قال هو يعتذر يا نبي الله إنما قالها متعوذا وليس كذلك قال النبي فهلا شققت عن قلبه ثم مات قاتل الرجل فقبر فلفظته الأرض فذكر للنبي فأمرهم أن يعيدوه ثم لفظته فأمرهم أن يعيدوه ثم لفظته الأرض فعل ذلك ثلاث مرات فقال النبي إن الأرض قد أبت أن تقبله فألقوه في غار من الغيران قال معمر وقال بعضهم إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله جعله لكم عبرة). [تفسير عبد الرزاق: 1/168-169]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال لحق ناس من المسلمين رجلا في غنيمة فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت فيه يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا قال كان ابن عباس يقرؤها السلام تبتغون عرض الحياة الدنيا غنيمة). [تفسير عبد الرزاق: 1/170]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن جريج قال أنا عبد الله بن كثير عن سعيد بن جبير في قوله تعالى كذلك كنتم من قبل تستخفون بإيمانكم كما استخفى هذا الراعي بإيمانه). [تفسير عبد الرزاق: 1/170]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لحق المسلمون رجلًا في غنيمة، فقال: السّلام عليكم، فقتلوه، وأخذوا غنيمته، فنزلت: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن حميد الأعرج، عن مجاهدٍ أنّه كان يقرأ {لمن ألقى إليكم السّلام}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، (عن عبد الرّحمن) بن الأصبهاني، عن أبي عبد الرّحمن السّلمي، أنّه كان يقرأ: {لمن ألقى إليكم السّلام}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ قال: نا مغيرة، عن إبراهيم، وعوف، عن الحسن، أنّهما كانا يقرآن: {لمن ألقى إليكم السّلم}). [سنن سعيد بن منصور: 4/1350-1352]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا} [النساء: 94]
«السّلم والسّلم والسّلام واحدٌ»
- حدّثني عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا} [النساء: 94] قال: قال ابن عبّاسٍ: " كان رجلٌ في غنيمةٍ له فلحقه المسلمون، فقال: السّلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل اللّه في ذلك إلى قوله: {تبتغون عرض الحياة الدّنيا} [النساء: 94] تلك الغنيمة " قال: قرأ ابن عبّاسٍ السّلام). [صحيح البخاري: 6/47]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا)
السّلم والسّلام والسّلم واحدٌ يعني أنّ الأوّل بفتحتين والثّالث بكسرٍ ثمّ سكونٍ فالأوّل قراءة نافع وبن عامرٍ وحمزة والثّاني قراءة الباقين والثّالث قراءةٌ رويت عن عاصم بن أبي النّجود وروي عن عاصمٍ الجحدريّ بفتحٍ ثمّ سكونٍ فأمّا الثّاني فمن التّحيّة وأمّا ما عداه فمن الانقياد

[4591] قوله عن عمرو هو بن دينار وفي رواية بن أبي عمر عن سفيان حدّثنا عمرو بن دينارٍ كذا أخرجها أبو نعيمٍ في مستخرجه من طريقه قوله كان رجلٌ في غنيمةٍ بالتّصغير وفي رواية سماكٍ عن عكرمة عن بن عبّاسٍ عند أحمد والتّرمذيّ وحسّنه والحاكم وصحّحه مرّ رجلٌ من بني سليمٍ بنفرٍ من الصّحابة وهو يسوق غنمًا له فسلّم عليهم قوله فقتلوه زاد في رواية سماكٍ وقالوا ما سلّم علينا إلّا ليتعوّذ منّا قوله وأخذوا غنيمته في رواية سماكٍ وأتوا بغنمه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنزلت وروى البزّار من طريق حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن بن عبّاسٍ في سبب نزول هذه الآية قصّةً أخرى قال بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريّةً فيها المقداد فلمّا أتوا القوم وجدوهم قد تفرّقوا وبقي رجلٌ له مالٌ كثيرٌ فقال أشهد أن لا إله إلّا اللّه فقتله المقداد فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كيف لك بلا إله إلّا اللّه غدًا وأنزل اللّه هذه الآية وهذه القصّة يمكن الجمع بينها وبين الّتي قبلها ويستفاد منها تسمية القاتل وأمّا المقتول فروى الثّعلبيّ من طريق الكلبيّ عن أبي صالحٍ عن بن عبّاسٍ وأخرجه عبد بن حميدٍ من طريق قتادة نحوه واللّفظ للكلبيّ أنّ اسم المقتول مرداس بن نهيكٍ من أهل فدك وأنّ اسم القاتل أسامة بن زيدٍ وأنّ اسم أمير السّريّة غالب بن فضالة اللّيثيّ وأنّ قوم مرداسٍ لمّا انهزموا بقي هو وحده وكان ألجأ غنمه بجبلٍ فلمّا لحقوه قال لا إله إلّا اللّه محمّدٌ رسول اللّه السّلام عليكم فقتله أسامة بن زيدٍ فلمّا رجعوا نزلت الآية وكذا أخرج الطّبريّ من طريق السّدّيّ نحوه وفي آخر رواية قتادة لأنّ تحيّة المسلمين السّلام بها يتعارفون وأخرج بن أبي حاتم من طريق بن لهيعة عن أبي الزّبير عن جابرٍ قال أنزلت هذه الآية ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام في مرداسٍ وهذا شاهدٌ حسنٌ وورد في سبب نزولها عن غير بن عبّاس شيء آخر فروى بن إسحاق في المغازي وأخرجه أحمد من طريقه عن عبد اللّه بن أبي حدردٍ الأسلميّ قال بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في نفرٍ من المسلمين فيهم أبو قتادة ومحلّم بن جثّامة فمرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعيّ فسلّم علينا فحمل عليه محلّمٌ فقتله فلمّا قدمنا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأخبرناه الخبر نزل القرآن فذكر هذه الآية وأخرجها بن إسحاق من طريق بن عمر أتمّ سياقًا من هذا وزاد أنّه كان بين عامرٍ ومحلّمٍ عداوةٌ في الجاهليّة وهذه عندي قصّةٌ أخرى ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معًا قوله في آخر الحديث قال قرأ بن عبّاسٍ السّلام هو مقول عطاءٍ وهو موصولٌ بالإسناد المذكور وقد قدّمت أنّها قراءة الأكثر وفي الآية دليلٌ على أنّ من أظهر شيئًا من علامات الإسلام لم يحلّ دمه حتّى يختبر أمره لأنّ السّلام تحيّة المسلمين وكانت تحيّتهم في الجاهليّة بخلاف ذلك فكانت هذه علامةً وأمّا على قراءة السّلم على اختلاف ضبطه فالمراد به الانقياد وهو علامة الإسلام لأنّ معنى الإسلام في اللّغة الانقياد ولا يلزم من الّذي ذكرته الحكم بإسلام من اقتصر على ذلك وإجراء أحكام المسلمين عليه بل لا بدّ من التّلفّظ بالشّهادتين على تفاصيل في ذلك بين أهل الكتاب وغيرهم والله أعلم). [فتح الباري: 8/258-259]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا} (النّساء: 94)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام} وأوله: {يا أيها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا ولا تقولوا} الآية قوله: (إذا ضربتم) أي: سرتم قوله: (فتبيّنوا) أي: الأمر قبل الإقدام عليه، وقرئ فتثبتوا من الثّبات وترك الاستعجال، أي: قفوا حتّى تعرفوا المؤمن من الكافر، ويجيء الآن تفسير السّلم. قوله: (مؤمنا) قرأ الجمهور بضم الميم الأولى وكسر الثّانية. وقرأ عليّ وابن عبّاس وعكرمة وأبو العالية ويحيى بن معمر وأبو جعفر بفتح الميم الثّانية وتشديدها، اسم مفعول من أمته.
السلم والسّلم والسّلام واحدٌ
السّلم بكسر السّين وسكون اللّام، والسّلم بفتح السّين. قوله: (واحد) يعني في المعنى، وقراءة نافع وحمزة السّلم بغير ألف، وقراءة الباقين بثبوتها.

- حدّثنا عليّ بن عبد الله حدّثنا سفيان عن عمروٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا قال: قال ابن عبّاسٍ كان رجلٌ في غنيمةٍ له فلحقه المسلمون فقال السّلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذالك إلى قوله عرض الحياة الدّنيا تلك الغنيمة قال قرأ ابن عباسٍ السلام.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو الّذي يقال له ابن المدينيّ، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح.
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه أبو داود في الحروف عن محمّد بن عيسى وأخرجه النّسائيّ في السّير وفي التّفسير عن محمّد بن عبد الله بن يزيد.
قوله: (في غنيمة) ، بضم الغين المعجمة وفتح النّون تصغير غنم، لأن الغنم اسم مؤنث موضوع للجنس، يقع على الذّكور وعلى الإناث فإذا صغرتها ألحقتها الهاء فقلت: غنيمة، لأن أسماء الجموع الّتي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميّين فالتأنيث لها لازم، وفي رواية أحمد ومن طريق عكرمة عن ابن عبّاس. قال: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يسوق غنماله، فسلم عليهم فقالوا: ما سلم علينا إلاّ ليعوذ منا، فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النّبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية: {يا أيها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا} ورواه التّرمذيّ عن عبد بن حميد عن عبد العزيز بن أبي رزمة عن إسرائيل به.
وفي سبب نزول هذه الآية اختلاف، فذكر الواحدي عن سعيد بن جبير، أن المقداد بن الأسود خرج في سريّة فمروا برجل في غنيمة له، فأردوا قتله فقال: لا إلاه إلاّ الله، فقتله المقداد. وعن ابن أبي حدرد، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سريّة إلى أضم، قبل مخرجه إلى مكّة، فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعيّ فحيانا بتحيّة الإسلام، فرعبنا منه، فحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينه وبينه في الجاهليّة فقتله واستلبه، وانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه بخبره، فنزلت وقال الواحدي: وذكر السّديّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث أسامة بن زيد على سريّة فلقي مرداس بن نهيك الضمري فقلته، وكان من أهل فدك ولم يسلم من قومه غيره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلا شققت عن قلبه) ؟ فنزلت وقال ابن جرير: حدثنا وكيع حدثنا جرير عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، محلم بن جثامة معنا فلقيهم عامر بن الأضبط الحديث، إلى أن قال: فرماه بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث إلى أن قال: فجاء محلم في بردين فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأستغفر الله لك) ، فقام وهو يتلقّى دموع ببرديه، فما مضت له ساعة حتّى مات ودفنوه ولفظته الأرض، فجاؤوا النّبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا له ذلك فقال: إن الأرض تقبل من هو شرّ من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم من جريمتكم. ثمّ طرحوه في جبل وألقوا عليه من الحجارة، ونزلت: {يا أيها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله} (النّساء: 94) الآية. وقال السّهيلي: ثمّ مات محلم بإثر ذلك فلم تقبله الأرض مرارًا. فألقي بين جبلين. قال: وكان أمير السّريّة أبا الدّرداء، وقيل رجل اسمه فديك، وقال أبو عمر: مرداس بن نهيك الفزاريّ. فيه نزلت: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا} كان يرعى غنما له، فهجمت عليه سريّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها أسامة بن زيد وأميرها سلمة بن الأكوع، فلقيه أسامة فألقى إليه السّلام، وقال: السّلام عليك يا مؤمن، فحسب أسامة أنه ألقى إليه السّلام متعوّذًا، فقتله فأنزل الله تعالى فيه: {يا أيها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا} الآية. وقال أبو عمر: الاختلاف في المراد بهذه الآية كثير مضطرب فيه جدا، قيل: نزلت في المقداد، وقيل: نزلت في أسامة بن زيد، وقيل: في محلم بن جثامة، وقال ابن عبّاس: نزلت في سريّة ولم يسم أحدا، وقيل: نزلت في غالب اللّيثيّ، وقيل: نزلت في رجل من بني اللّيث يقال له: فليت كان على السّريّة، وقيل: نزلت في أبي الدّرداء، وهذا اضطراب شديد جدا. ومعلوم أن قتله كان خطأ لا عمدا لأن قاتله لم يصدقه في قوله: أنا مؤمن، وقال أبو بكر الرّازيّ الحنفيّ رحمه الله، في هذه الآية حكم الله تعالى بصحّة إسلام من أظهر الإسلام وأمرنا بإجرائه على أحكام المسلمين وإن كان في الغيب بخلافه، وهذا ممّا يحتج به على توبة الزنديق إذا أظهر الإسلام فهو مسلم. قال: واقتضى ذلك أيضا أن من قال: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال أنا مسلم، يحكم له بالإسلام.
قال قرأ ابن عبّاسٍ السّلام
أي: قال عطاء المذكور في الحديث. قرأ ابن عبّاس قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام} وهو موصول بالإسناد المذكور، وروى عبد بن حميد في (تفسيره) عن سليمان بن حرب عن حمّاد بن زيد عن يحيى بن عبيد عن محمّد عن ابن عبّاس: أنه كان يقرأ السّلام بالألف). [عمدة القاري: 18/184-185]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا} [النساء: 94]
السّلم والسّلم والسّلام: واحدٌ
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا}) [النساء: 94] اللام في لمن للتبليغ، ومن موصولة أو موصوفة وألقى ماضي اللفظ لكنه بمعنى المستقبل أي لمن يلقي لأن النهي لا يكون عما انقضى أي لا تقولوا لمن حياكم بتحية السلام أنه وإنما قالها تعوذًا فتقدموا عليه بالسيف لتأخذوا ماله ولكن كفوا واقبلوا منه ما أظهر لكم (السلم) بكسر السين وسكون اللام وهي قراءة رويس عن عاصم بن أبي النجود (والسلم) بفتحهما من غير ألف وهي قراءة نافع وابن عامر وحمزة وفي الفرع والسلم بسكون اللام بعد فتح وروي عن عاصم الجحدري (والسلام) بفتحهما ثم ألف وهي قراءة الباقين (واحد) أي في المعنى وهو الاستسلام والانقياد واستعمال ذي الألف في التحتية أكثر.
- حدّثني عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا} قال: قال ابن عبّاسٍ: كان رجلٌ في غنيمةٍ له فلحقه المسلمون فقال: السّلام عليكم فقتلوه، وأخذوا غنيمته فأنزل اللّه في ذلك إلى قوله: {عرض الحياة الدّنيا} تلك الغنيمة قال: قرأ ابن عبّاسٍ السّلام.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله تعالى: ({ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا} قال) عطاء: (قال ابن عباس: كان رجل) هو عامر بن الأضبط (في غنيمة له) بضم الغين وفتح النون تصغير غنم (فلحقه المسلمون) وكانوا في سرية (فقال) أي الرجل لهم (السلام عليكم) وعند أحمد والترمذي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس قالوا: ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا (فقتلوه) وكان الذي قتله محلم بن جثامة كما ذكره البغوي في معجم الصحابة وكان أمير السرية أبو قتادة كذا نقله في المقدمة، وكذا رواه ابن إسحاق في المغازي وأحمد من طريقه عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي بلفظ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة ومحلم بن جثامة فأمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم علينا فحمل عليه محلم فقتله (وأخذوا غنيمته) وفي رواية سماك وأتوا بغنمه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم (فأنزل الله في ذلك) يعني قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله} ولأبي ذر وذلك (إلى قوله: {عرض الحياة}) ولأبي ذر إلى قوله تبتغون عرض الحياة ({الدنيا}) أي حطامها وهو (تلك الغنيمة).
وروى الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن اسم المقتول مرداس بكسر الميم وسكون الراء وبالمهملتين ابن نهيك بفتح النون وكسر الهاء آخره كاف قبلها تحتية ساكنة من
أهل فدك، وأن اسم القاتل أسامة بن زيد وأن اسم أمير السرية غالب بن فضالة الكعبي، وأن قوم مرداس لما انهزموا بقي وحده وكان ألجأ غنمه إلى جبل فلما لحقوه قال لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة بن زيد فلما رجعوا نزلت الآية. وأخرج عبد بن حميد من طريق قتادة نحوه وكذا الطبري من طريق السدي ولا مانع من التعدد ونزول الآية مرتين.
(قال) عطاء بن أبي رباح: (قرأ ابن عباس) -رضي الله عنهما- (السلام) بألف بعد اللام المفتوحة وهو موصول بالإسناد السابق.
وحديث الباب أخرجه مسلم في آخر كتابه وأبو داود في الحروب والنسائي في السير والتفسير). [إرشاد الساري: 7/90-91]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبي رزمة، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرّ رجلٌ من بني سليمٍ على نفرٍ من أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه غنمٌ له، فسلّم عليهم قالوا: ما سلّم عليكم إلاّ ليتعوّذ منكم فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم. فأنزل اللّه تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا}.
هذا حديثٌ حسنٌ.
وفي الباب عن أسامة بن زيدٍ). [سنن الترمذي: 5/90]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا}
- أخبرنا محمّد بن عبد الله بن يزيد، حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، سمع عطاءً، عن ابن عبّاسٍ، قال: " لحق المسلمون رجلًا في غنيمةٍ له فقال: السّلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله عزّ وجلّ {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا} [النساء: 94] تلك الغنيمة "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/70]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا} يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه وصدّقوا رسوله، فيما جاءهم به من عند ربّهم {إذا ضربتم في سبيل اللّه} يقول: إذا سرتم مسيرًا للّه في جهاد أعدائكم {فتبيّنوا} يقول: فتأنّوا في قتل من أشكل عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره ولا تعجلوا فتقتلوا من التبس عليكم أمره، ولا تتقدّموا على قتل أحدٍ إلاّ على قتل من علمتموه يقينًا حربًا لكم وللّه ولرسوله. {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام} يقول: ولا تقولوا لمن استسلم لكم فلم يقاتلكم، مظهرًا لكم أنّه من أهل ملّتكم ودعوتكم {لست مؤمنًا} فتقتلوه ابتغاء عرض الحياة الدّنيا، يقول: طلب متاع الحياة الدّنيا، فإنّ عند اللّه مغانم كثيرةً من رزقه وفواضل نعمه، فهو خيرٌ لكم إن أطعتم اللّه فيما أمركم به ونهاكم عنه فأثابكم بها على طاعتكم إيّاه، فالتمسوا ذلك من عنده {كذلك كنتم من قبل} يقول: كما كان هذا الّذي ألقى إليكم السّلام فقلت له لست مؤمنًا فقتلتموه، كذلك أنتم من قبل، يعني: من قبل إعزاز اللّه دينه بتبّاعه وأنصاره، تستخفون بدينكم كما استخفى هذا الّذي قتلتموه، وأخذتم ماله بدينه من قومه أن يظهره لهم حذرًا على نفسه منهم. وقد قيل: إنّ معنى قوله: {كذلك كنتم من قبل} كنتم كفّارًا مثلهم. {فمنّ اللّه عليكم} يقول: فتفضّل اللّه عليكم بإعزاز دينه بأنصاره وكثرة تبّاعه. وقد قيل: فمنّ اللّه عليكم بالتّوبة من قتلكم هذا الّذي قتلتموه، وأخذتم ماله بعد ما ألقى إليكم السّلام {فتبيّنوا} يقول: فلا تعجلوا بقتل من أردتم قتله ممّن التبس عليكم أمر إسلامه، فلعلّ اللّه أن يكون قد منّ عليه من الإسلام بمثل الّذي منّ به عليكم، وهداه مثل الّذي هداكم به من الإيمان. {إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا} يقول: إنّ اللّه كان بقتلكم من تقتلون وكفّكم عمّن تكفّون عن قتله من أعداء اللّه وأعدائكم وغير ذلك من أموركم وأمور غيركم {خبيرًا} يعني: ذا خبرةٍ وعلمٍ به، يحفظه عليكم وعليهم، حتّى يجازي جميعكم به يوم القيامة جزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته
وذكر أنّ هذه الآية نزلت في سبب قتيلٍ قتلته سريّةٌ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد ما قال: إنّي مسلمٌ، أو بعد ما شهد شهادة الحقّ، أو بعد ما سلّم عليهم، لغنيمةٍ كانت معه أو غير ذلك من ملكه، فأخذوه منه.
ذكر الرّواية والآثار بذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن محمّد بن إسحاق، عن نافعٍ، أنّ ابن عمر قال: بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم محلّم بن جثّامة مبعثًا، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحيّاهم بتحيّة الإسلام، وكانت بينهم حنةٌ في الجاهليّة، فرماه محلّمٌ بسهمٍ فقتله. فجاء الخبر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتكلّم فيه عيينة والأقرع، فقال الأقرع: يا رسول اللّه، سنّ اليوم وغيّر غدًا. فقال عيينة: لا واللّه حتّى تذوق نساؤه من الثّكل مثل ذاق نسائي. فجاء محلّمٌ في بردين، فجلس بين يدي رسول اللّه ليستغفر له، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا غفر اللّه لك فقام وهو يتلقّى دموعه ببرديه، فما مضت به ساعةٌ حتّى مات ودفنوه، فلفظته الأرض. فجاءوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكروا ذلك له، فقال: إنّ الأرض تقبل من هو شرٌّ من صاحبكم، ولكنّ اللّه جلّ وعزّ أراد أن يعظكم من حرمتكم ثم طرحوه بين صدفي جبلٍ، وألقوا عليه من الحجارة، ونزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيطٍ، عن القعقاع بن عبد اللّه بن أبي حدردٍ الأسلميّ، عن أبيه عبد اللّه بن أبي حدردٍ، قال: بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى إضم، فخرجت في نفرٍ من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعيٍّ ومحلّم بن جثّامة بن قيسٍ اللّيثيّ. فخرجنا حتّى إذا كنّا ببطن إضم، مرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعيّ على قعودٍ له معه متيّعٌ له ووطبٌ من لبنٍ. فلمّا مرّ بنا سلّم علينا بتحيّة الإسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلّم بن جثّامة اللّيثيّ لشيءٍ كان بينه وبينه، فقتله وأخذ بعيره ومتيّعه، فلمّا قدمنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرناه الخبر، نزل فينا القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا} الآية.
- حدّثني هارون بن إدريس الأصمّ قال: حدّثنا المحاربيّ عبد الرّحمن بن محمّدٍ، عن محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيطٍ، عن ابن أبي حدردٍ الأسلميّ، عن أبيه بنحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو،بن دينار عن عطاء بن عبّاسٍ، قال: لحق ناسٌ من المسلمين رجلا في غنيمةٍ له، فقال: السّلام عليكم. فقتلوه وأخذوا تلك الغنيمة، فنزلت هذه الآية: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا} تلك الغنيمة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه.
- حدّثني سعيد بن الرّبيع قال: حدّثنا سفيان، عن عمرٍو سمع عطاءً، عن ابن عبّاسٍ قال: لحق المسلمون رجلا، ثمّ ذكر مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحيم بن سليمان، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرّ رجلٌ من بني سليمٍ على نفرٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في غنمٍ له، فسلّم عليهم، فقالوا: ما سلّم عليكم إلاّ ليتعوّذ منكم. فعمدوا إليه فقتلوه وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا} إلى آخر الآية
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلام, مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان الرّجل يتكلّم بالإسلام ويؤمن باللّه والرّسول، ويكون في قومه، فإذا جاءت سريّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبر بها حيّه، يعني قومه، ففرّوا، وأقام الرّجل لا يخاف المؤمنين من أجل أنّه على دينهم حتّى يلقاهم، فيلقي إليهم السّلام، فيقول المؤمنون: لست مؤمنًا. وقد ألقى السّلام، فيقتلونه، فقال اللّه جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا} إلى: {تبتغون عرض} الحياة الدّنيا يعني: تقتلونه إرادة أن يحلّ لكم ماله الّذي وجد معه، وذلك عرض الحياة الدّنيا، فإنّ عندي مغانم كثيرةً، فالتمسوا من فضل اللّه. وهو رجلٌ اسمه مرداسٌ جلا قومه هاربين من خيلٍ بعثها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليها رجلٌ من بني ليثٍ اسمه قليبٌ، ولم يجامعهم إذا لقيهم مرداسٌ، فسلّم عليهم فقتلوه، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأهله بديته وردّ عليهم ماله ونهى المؤمنين عن مثل ذلك.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا} الآية قال: هذا الحديث في شأن مرداسٍ، رجلٌ من غطفان، ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث جيشًا عليهم غالبٌ اللّيثيّ إلى أهل فدكٍ، وبه ناسٌ من غطفان وكان مرداسٌ نهمًا، ففرّ أصحابه، فقال مرداسٌ: إنّي مؤمنٌ وإنّي غير متّبعكم. فصبّحته الخيل غدوةً، فلمّا لقوه سلّم عليهم مرداسٌ،فدعاه أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقتلوه، وأخذوا ما كان معه من متاعٍ، فأنزل اللّه جلّ وعزّ في شأنه: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا} لأنّ تحيّة المسلمين السّلام، بها يتعارفون، وبها يحيّي بعضهم بعضًا.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا} الآية. قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريّةً عليها أسامة بن زيدٍ إلى بني ضمرة، فلقوا رجلاً منهم يدعى مرداس بن نهيكٍ معه غنيمةٌ له وجملٌ أحمر، فلمّا رآهم أوى إلى كهف جبلٍ، واتّبعه أسامة، فلمّا بلغ مرداسٌ الكهف وضع فيه غنمه، ثمّ أقبل إليهم فقال: السّلام عليكم، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه. فشدّ عليه أسامة فقتله من أجل جمله وغنيمته. وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا بعث أسامة أحبّ أن يثنّي عليه خيرًا، ويسأل عنه أصحابه، فلمّا رجعوا لم يسألهم عنه، فجعل القوم يحدّثون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ويقولون: يا رسول اللّه، لو رأيت أسامة ولقيه رجلٌ فقال الرّجل: لا إله إلاّ اللّه محمّدٌ رسول اللّه، فشدّ عليه فقتله. وهو معرضٌ عنهم. فلمّا أكثروا عليه، رفع رأسه إلى أسامة فقال: كيف أنت ولا إله إلاّ اللّه؟ قال: يا رسول اللّه إنّما قالها متعوّذًا، تعوّذ بها. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هلّا شققت عن قلبه فنظرت إليه قال: يا رسول اللّه، إنّما قلبه بضعةٌ من جسده. فأنزل اللّه عزّ وجلّ خبر هذا، وأخبره إنّما قتله من أجل جمله وغنمه، فذلك حين يقول: {تبتغون عرض الحياة الدّنيا} فلمّا بلغ: {فمنّ اللّه عليكم} يقول: تاب اللّه عليكم، فحلف أسامة أن لا يقاتل رجلاً يقول لا إله إلاّ اللّه بعد ذلك الرّجل وما لقي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا} قال: بلغني أنّ رجلاً من المسلمين أغار على رجلٍ من المشركين، فحمل عليه، فقال له المشرك: إنّي مسلمٌ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه. فقتله المسلم بعد أن قالها، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال للّذي قتله: أقتلته وقد قال لا إله إلاّ اللّه؟ فقال وهو يعتذر: يا نبيّ اللّه إنّما قالها متعوّذًا وليس كذلك. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فهلا شققت عن قلبه؟ ثمّ مات قاتل الرّجل فقبر، فلفظته الأرض، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فأمرهم أن يقبروه، ثمّ لفظته الأرض، حتّى فعل به ذلك ثلاث مرّاتٍ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ الأرض أبت أن تقبله فألقوه في غارٍ من الغيران قال معمرٌ: وقال بعضهم: إنّ الأرض تقبل من هو شرٌّ منه، ولكنّ اللّه جعله لكم عبرةً.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ: أنّ قومًا، من المسلمين لقوا رجلاً من المشركين في غنيمةٍ له، فقال: السّلام عليكم إنّي مؤمنٌ. فظنّوا أنّه يتعوّذ بذلك، فقتلوه، وأخذوا غنيمته. قال: فأنزل اللّه جلّ وعزّ: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا} تلك الغنيمة {كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا} قال: خرج المقداد بن الأسود في سريّةٍ بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: فمرّوا برجلٍ في غنيمةٍ له، فقال: إنّي مسلمٌ. فقتله المقداد. فلمّا قدموا ذكروا ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا} قال: الغنيمة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: نزل ذلك في رجلٍ قتله أبو الدّرداء، - فذكر من قصّة أبي الدّرداء نحو القصّة الّتي ذكرت عن أسامة بن زيدٍ، وقد ذكرت ذلك في تأويل قوله: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلاّ خطأً} ثمّ قال في الخبر -: ونزل الفرقان: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلاّ خطأً} فقرأ حتّى بلغ: {لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا}: غنمه الّتي كانت عرض الحياة الدّنيا {فعند اللّه مغانم كثيرةٌ} خيرٌ من تلك الغنم، إلى قوله: {إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا} تبتغون عرض الحياة الدنيا قال: راعي غنمٍ، لقيه نفرٌ من المؤمنين، فقتلوه وأخذوا ما معه، ولم يقبلوا منه: السّلام عليكم، فإنّي مؤمنٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا} قال: حرّم اللّه على المؤمنين أن يقولوا لمن شهد أن لا إله إلاّ اللّه: لست مؤمنًا، كما حرّم عليهم الميتة، فهو آمنٌ على ماله ودمه، ولا تردّوا عليه قوله.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {فتبيّنوا} فقرأ ذلك عامّة قرّاء المكّيّين والمدنيّين وبعض الكوفيّين والبصريّين: {فتبيّنوا} بالباء والنّون من التّبيّن، بمعنى: التّأنّي والنّظر والكشف عنه حتّى يتّضح. وقرأ ذلك عظم قرّاء الكوفيّين: فتثبّتوا بمعنى التّثبّت الّذي هو خلاف العجلة.
والقول عندنا في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة المسلمين بمعنى واحدٍ وإن اختلفت بهما الألفاظ، لأنّ المتثبّت متبيّنٌ، والمتبيّن متثبّتٌ، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ فمصيبٌ صواب القراءة في ذلك.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام} فقرأ ذلك عامّة قرّاء المكّيّين والمدنيّين والكوفيّين السّلم بفتح السين واللام بغير ألفٍ، بمعنى الاستسلام، وقرأه بعض الكوفيّين والبصريّين: {السّلام} بألفٍ، بمعنى التّحيّة.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: لمن ألقى إليكم السّلم بمعنى: من استسلم لكم مذعنًا للّه بالتّوحيد مقرًّا لكم بملّتكم.
وإنّما اخترنا ذلك لاختلاف الرّواية في ذلك، فمن راو روى أنّه استسلم بأن شهد شهادة الحقّ وقال: إنّي مسلمٌ؛ ومن راو روى أنّه قال: السّلام عليكم، فحيّاهم تحيّة الإسلام، ومن راو روى أنّه كان مسلمًا بإسلامٍ قد تقدّم منه قبل قتلهم إيّاه. وكلّ هذه المعاني يجمعها السّلم، لأنّ المسلم مستسلمٌ، والمحيّي بتحيّة الإسلام مستسلمٌ، والمتشهّد شهادة الحقّ مستسلمٌ لأهل الإسلام، فمعنى السّلم جامعٌ جميع المعاني الّتي رويت في أمر المقتول الّذي نزلت في شأنه هذه الآية، وليس كذلك في السّلام، لأنّ السّلام لا وجه له في هذا الموضع إلاّ التّحيّة، فلذلك وصفنا السّلم بالصّواب.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {كذلك كنتم من قبل} فقال بعضهم: معناه: كما كان هذا الّذي قتلتموه بعد ما ألقى إليكم السّلام مستخفيًا في قومه بدينه خوفًا على نفسه منهم، كنتم أنتم مستخفين بأديانكم من قومكم حذرًا على أنفسكم منهم، فمنّ اللّه عليكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {كذلك كنتم من قبل}: تستخفون بإيمانكم كما استخفى هذا الرّاعي بإيمانه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ: {كذلك كنتم من قبل} تكتمون إيمانكم في المشركين.
وقال آخرون: معنى ذلك: كما كان هذا الّذي قتلتموه بعد ما ألقى إليكم السّلم كافرًا كنتم كفّارًا، فهداه كما هداكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم} كفّارًا مثله {فتبيّنوا}.
وأولى هذين القولين بتأويل الآية القول الأوّل، وهو قول من قال: كذلك كنتم تخفون إيمانكم في قومكم من المشركين وأنتم مقيمين بين أظهرهم، كما كان هذا الّذي قتلتموه مقيمًا بين أظهر قومه من المشركين، مستخفيًا بدينه منهم.
وإنّما قلنا: هذا التّأويل أولى بالصّواب؛ لأنّ اللّه عزّ ذكره إنّما عاتب الّذين قتلوه من أهل الإيمان بعد إلقائه إليهم السّلام، ولم يقد به قاتلوه للّبس الّذي كان دخل في أمره على قاتليه بمقامه بين أظهر قومه من المشركين، وظنّهم أنّه ألقى السّلام إلى المؤمنين تعوّذًا منهم، ولم يعاتبهم على قتلهم إيّاه مشركًا، فيقال: كما كان كافرًا كنتم كفّارًا؛ بل لا وجه لذلك، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه لم يعاتب أحدًا من خلقه على قتل محاربٍ للّه ولرسوله من أهل الشّرك بعد إذنه له بقتله.
واختلف أيضًا أهل التّأويل في تأويل قوله: {فمنّ اللّه عليكم} فقال بعضهم: معنى ذلك: فمنّ اللّه عليكم بإظهار دينه وإعزاز أهله، حتّى أظهروا الإسلام بعد ما كانوا يكتمونه من أهل الشّرك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ: {فمنّ اللّه عليكم} فأظهر الإسلام.
وقال آخرون: معنى ذلك: فمنّ اللّه عليكم أيّها القاتلون الّذي ألقي إليكم السّلام طلب عرض الحياة الدّنيا بالتّوبة من قتلكم إيّاه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فمنّ اللّه عليكم} يقول: تاب اللّه عليكم.
وأولى التّأويلين في ذلك بالصّواب التّأويل الّذي ذكرته عن سعيد بن جبيرٍ، لما ذكرنا من الدّلالة على أنّ معنى قوله: {كذلك كنتم من قبل} ما وصفنا من قبل، فالواجب أن يكون عقيب ذلك: {فمنّ اللّه عليكم} فرفع ما كنتم فيه من الخوف من أعدائكم عنكم بإظهار دينه وإعزاز أهله حتّى أمكنكم إظهار ما كنتم تستخفون به، من توحيده وعبادته، حذرًا من أهل الشّرك). [جامع البيان: 7/351-365]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا (94)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبينوا.
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا مباركٌ، ثنا الحسن أنّ أناساً من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذهبوا يتطرّقون فلقوا أناساً من العدوّ، فحملوا عليهم، فهزموهم، فشدّ منهم رجلٌ فتبعه رجلٌ يريد متاعه، فلمّا غثيه بالسّنان قال: إنّي مسلمٌ إنّي مسلمٌ، فأوجزه بالسّنان فقتله، وأخذ متّبعيه، قال: فرفع ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للقاتل: أقتلته بعد ما قال إنّي مسلمٌ؟ قال: يا رسول اللّه: قالها متعوّذاً. قال: شققت قلبه؟ قال: لم يا رسول اللّه؟ قال: لتعلم أصادقاً هو أو كاذباً. قال: وكنت عالماً ذلك يا رسول اللّه. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّما كان يعبّر عنه لسانه، إنّما كان يعبّر عنه لسانه. قال: فما لبث القاتل أن مات فحفر له أصحابه فأصبح وقد وضعته الأرض، ثمّ عادوا فحفروا له فأصبح وقد وضعته الأرض إلى جنب قبره. قال الحسن: فلا أدري كم قال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كم دفنّاه مرّتين أو ثلاثةً كلّ ذلك لا تقبله الأرض، فلمّا رأينا الأرض لا تقبله أخذنا برجليه فألقيناه في بعض تلك الشّعاب، فأنزل اللّه تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا أهل الإسلام إلى آخر الآية. قال الحسن: أما واللّه ما ذاك إلا بكون الأرض تجنّ من هو شرٌّ منه، ولكن وعظ اللّه القوم ألا يعودوا.
قوله تعالى: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً. [5825]
حدّثنا العبّاس بن يزيد العبديّ ومحمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لقي أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم رجلا معه غنيمةٌ له، فقال: السّلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمة، فأنزل اللّه تعالى: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً وقال المقرئ في حديثه: لقي المسلمون رجلا.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا المحاربيّ، ثنا محمّد بن إسحاق عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيطٍ، عن ابن أبي حدردٍ الأسلميّ عن أبيه قال: بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سريّةٍ، وفي تلك السّريّة أبو قتادة الأنصاريّ ومحلّم بن جثّامة بن قيسٍ، وأنا منهم فينا نحن إذ مرّ عامر بن الأضبط الأشجعيّ، فسلّم علينا بتحيّة الإسلام، فأمسكنا عنه، ثمّ حمل عليه محلّم بن جثّامة، فقتله وسلبه بعيره (... )
كان معه فيه لبنٌ، فلمّا قدمنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، نزل فينا القرآن: يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا إلى آخر الآية.
- حدّثنا أبي، ثنا حجّاج بن المنهال وأبو سلمة قالا: ثنا حمّادٌ يعنيان ابن سلمة، ثنا محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيطٍ عن ابن حدرد الأسلميّ، عن أبيه، وفي حديث الحجّاج عن أبي حدردٍ، عن أبيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعثه وأبا قتادة ومحلّم بن جثّامة، فذكر نحوه وزاد فيه: فلمّا قدموا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أخبروه بذلك، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أقتلته بعد ما قال: آمنت باللّه. ونزل القرآن: يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبينوا إلى آخر الآية.
- حدّثنا إبراهيم بن عتيقٍ الدّمشقيّ، ثنا مروان يعني ابن محمّدٍ الطّاطريّ، ثنا ابن لهيعة حدّثني أبو الزّبير، عن جابرٍ قال: أنزلت هذه الأية: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً في مرداسٍ.
قوله تعالى: لست مؤمناً. [5829]
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: لست مؤمناً قال: حرّم اللّه على المؤمنين أن يقولوا لمن يشهد أن لا إله إلا اللّه لست مؤمناً، كما حرّم عليهم الميتة فهو آمنٌ على ماله ودمه، فلا تردّوا عليه قوله.
قوله تعالى: تبتغون عرض الحياة الدّنيا. [5830]
حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو ابن دينارٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: تبتغون عرض الحياة الدّنيا قال: تلك الغنيمة. وروي عن سعيد بن جبيرٍ، ومسروقٍ نحو ذلك.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، ثنا عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: تبتغون عرض الحياة الدّنيا يعني: تقتلونه إرادة أن يحلّ لكم ماله الّذي وجد معه، وذلك عرض الدّنيا.
قوله تعالى: فعند اللّه مغانم كثيرةٌ. [5832]
وبه عن ابن عبّاسٍ فعند اللّه مغانم كثيرةٌ قال: فإنّ عندي مغانم كثيرةً، فالتمسوا من فضل اللّه.
- وعن قيس بن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: فعند اللّه مغانم كثيرةٌ هي أحلّ لكم من هذا.
قوله تعالى: كذلك كنتم من قبل. [5834]
حدّثنا الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، كذلك كنتم من قبل تكتمون، قال: يخفون إيمانكم في المشركين.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، عن ابن جريجٍ، أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: كذلك كنتم من قبل تستخفون بإيمانكم كما استخفى هذا الرّاعي بإيمانه.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو أحمد، ثنا سفيان، عن منصورٍ عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ: كذلك كنتم من قبل لم تكونوا مؤمنين، فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا.
- ذكر عن قيس بن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: كذلك كنتم من قبل توزعون عن مثل هذا.
قوله تعالى: فمنّ اللّه عليكم. [5838]
حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن حبيب ابن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ فمنّ اللّه عليكم فأظهر الإسلام.
- ذكر عن قيس بن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: فمنّ اللّه عليكم فهداكم.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: فمنّ اللّه عليكم يقول: تاب عليكم. فحلف أسامة لا يقاتل رجلا يقول لا إله إلا اللّه بعد ذلك الرّجل، وما لقي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيه.
قوله تعالى: فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا. [5841]
حدثنا الأحمسي، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فتبيّنوا قال: وعيدٌ من اللّه مرّتين إنّ اللّه كان بما تعملون خبيراً). [تفسير القرآن العظيم: 3/1039-1042]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لقي المسلمون راعي غنم فقال لهم السلام عليكم إني مؤمن فلم يقبلوا ذلك منه فقتلوه وأخذوا غنمه فنزل فيهم ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا). [تفسير مجاهد: 170]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت د) ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لقي ناسٌ من المسلمين رجلاً في غنيمةٍ له، فقال: السّلام عليكم، فأخذوه فقتلوه، وأخذوا تلك الغنيمة، فنزلت: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلم لست مؤمناً}
وقرأها ابن عباس: السلام. هذا لفظ البخاري ومسلم.
ولفظ الترمذي قال: مرّ رجلٌ من بني سليم على نفرٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- " ومعه غنمٌ له، فسلّم عليهم، فقالوا: ما سلّم عليكم إلا ليتعوّذ منكم، فقاموا فقتلوه، وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله الآية.
وفي رواية أبي داود نحوٌ من لفظ البخاري ومسلم إلا أنه لم يذكر: وقرأ ابن عباس: السلام.
[شرح الغريب]
(ليتعوذ) التعوذ: الالتجاء والاحتماء). [جامع الأصول: 2/98-99]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم- للمقداد: «إذا كان رجلٌ مؤمن يخفي إيمانه مع قومٍ كفارٍ فأظهر إيمانه، فقتلته، فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة من قبل». أخرجه البخاري). [جامع الأصول: 2/99]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا} [النساء: 94]
- عن عبد اللّه بن أبي حدردٍ قال: «بعثنا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - إلى إضمٍ، فخرجت في نفرٍ من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعيٍّ ومحلّم بن جثّامة بن قيسٍ، فخرجنا حتّى إذا كنّا ببطن إضمٍ مرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعيّ على قعودٍ له، معه متيعٌ ووطبٌ من لبنٍ، فلما مرّ بنا سلّم علينا فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلّم بن جثّامة فقتله بشيءٍ كان بينه وبينه، وأخذ بعيره ومتيعه، فلمّا قدمنا على رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا} [النساء: 94]».
رواه أحمد والطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ - رضي اللّه عنهما - قال: «بعث رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - سريّةً فيها المقداد بن الأسود، فلمّا وجدوا القوم وجدوهم قد تفرّقوا، وبقي رجلٌ له مالٌ كثيرٌ لم يبرح فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، فأهوى إليه المقداد فقتله. فقال له رجلٌ من أصحابه: أقتلت رجلًا يشهد أن لا إله إلّا اللّه، لأذكرنّ ذلك للنّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فلمّا قدموا على النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - قالوا: يا رسول اللّه، إنّ رجلًا شهد أن لا إله إلّا اللّه فقتله المقداد، فقال: " ادع لي المقداد، يا مقداد أقتلت رجلًا يقول: لا إله إلّا اللّه، فكيف لك بلا إله إلّا اللّه غدًا؟ ". قال: فأنزل اللّه - تبارك وتعالى -: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم من قبل} [النساء: 94] فقال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - للمقداد: " كان رجلًا مؤمنًا يخفي إيمانه مع قومٍ كفّارٍ، فأظهر إيمانه فقتلته، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكّة من قبل».
رواه البزّار، وإسناده جيّدٌ). [مجمع الزوائد: 7/8-9]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا أحمد بن عليٍّ البغداديّ، ثنا جعفر بن سلمة، ثنا أبو بكر بن عليّ بن مقدّمٍ، ثنا حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريّةً فيها المقداد بن الأسود، فلمّا أتوا القوم وجدوهم قد تفرّقوا، وبقي رجلٌ له مالٌ كثيرٌ لم يبرح، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه، فأهوى إليه المقداد، فقتله، فقال له رجلٌ من أصحابه: أقتلت رجلًا يشهد أن لا إله إلا اللّه، لأذكرنّ ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا قدموا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: يا رسول اللّه! إنّ رجلا شهد أن لا إله إلا اللّه، فقتله المقداد، فقال: " ادع لي المقداد، يا مقداد! أقتلت رجلًا يقول: لا إله إلا اللّه؟ فكيف لك بلا إله إلا اللّه غدًا؟ " قال: فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {يأيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام} [النساء: 94]، - شكّ أبو سعيدٍ جعفر بن سلمة - {لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم من قبل} [النساء: 94] فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للمقداد: «كان رجلٌ مؤمنٌ يخفي إيمانه مع قومٍ كفّارٍ، فأظهر إيمانه فقتله، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكّة من قبل».
قال البزّار: لا نعلمه يروى إلا عن ابن عبّاسٍ، ولا له عنه إلا هذا الطّريق). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/45]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا عبد الرّحيم، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ- رضي اللّه عنهما- قال: "مرّ رجلٌ من بني سليمٍ على نفرٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه غنمٌ فقال: السّلام عليكم. فقالوا: ما سلّم عليكم إلّا ليتعوّذ منكم، قال: فعمدوا إليه فقتلوه وأخذوا غنمه، فأتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فأنزله الله- عز وجل-: (يا أيها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبينوا ... ) الآية".
- رواه أحمد بن منيعٍ: ثنا حسين بن محمّدٍ، ثنا إسرائيل ... فذكره بتمامه). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/196]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال الحارث بن محمّد بن أبي أسامة: ثنا معاوية بن عمرٍو، ثنا أبو إسحاق، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: "خرج المقداد بن الأسود في سريّةٍ فمرّوا بقومٍ مشركين ففرّوا، وأقام رجلٌ في أهله وماله، فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه. فقتله المقداد، فقيل له: أقتلته وهو يشهد أنّ لا إله إلّا اللّه؟! فقال: ودّ لو أنّه فرّ بماله وأهله. فقالوا: هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاسألوه. فأتوه فذكروا ذلك له، فقال: أقتلته وهو يشهد أنّ لا إله إلّا اللّه؟! فقال: يا رسول اللّه، ودّ لو أنّه فرّ بماله وأهله. قال: فنزلت هذه الآية: (يا أيها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبينوا إلى قوله (كذلك كنتم من قبل) تخفون أيمانكم وأنتم مع المشركين (فمنّ اللّه عليكم) وأظهر الإسلام (فتبينوا) ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/196]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيطٍ، عن القعقاع بن عبد اللّه بن أبي حدرد الأسلمي، عن أبيه عبد الله ابن أبي حدردٍ قال: "بعثنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم في سرية إلى أضم، قال: فلقينا عامر بن الأضبط فحينا بتحيّة الإسلام فنزعنا عنه وحمل عليه محلّم بن جثّامة فقتله، فلمّا قتله سلبه بعيرًا له وأطب، ومتيعًا كان له، فلمّا قدمنا جئنا بشأنه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرناه بأمره، فنزل فينا: (يا أيها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه) .
- رواه أحمد بن حنبلٍ: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدّثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، فذكره عن القعقاع بن عبد اللّه بن أبي حدردٍ، عن أبيه عبد اللّه بن أبي حدردٍ قال: "بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أضم فخرجت في نفرٍ من المسلمين، فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعيٍّ ومحلّم بن جثّامة بن قيسٍ فخرجنا حتّى إذا كنّا ببطن أضم مرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعيّ على قعودٍ له معه منيع ووطب من لبنٍ، فلمّا مرّ بنا سلّم علينا فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله لشيء كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومتيعه، فلمّا قدمنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأخبرناه الخبر، نزل فينا القرآن: (يا أيها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه) إلى قوله (إنّ اللّه كان بما تعملون خبيراً) ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/196-197]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال الحارث: حدثنا معاوية بن عمرٍو، ثنا أبو إسحاق، عن سفيان، عن حبيب ابن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: خرج المقداد بن الأسود رضي الله عنه في سريّةٍ، فمرّوا بقومٍ (مشركين)، ففرّوا، وأقام رجلٌ في أهله وماله، فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، فقتله المقداد (رضي الله عنه) فقيل له: أقتلته وهو يشهد أن لا إله إلّا اللّه؟ فقال: ودلو أنّه فرّ بأهله وماله فقالوا هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (فاسألوه فأتوه)، فذكروا له ذلك، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: أقتلته وهو يشهد أن لا إله إلّا اللّه؟ فقال: يا رسول اللّه ودلو أنّه فرّ بماله وأهله)، قال: فنزلت هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا}، إلى قوله: {كذلك كنتم من قبل}.
يعني: تخفون إيمانكم وأنتم مع المشركين، فمنّ اللّه (تعالى) عليكم، وأظهر الإسلام فتبيّنوا). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/572]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد والبخاري والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لحق ناس من المسلمين رجلا معه غنيمة له فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} إلى قوله {عرض الحياة الدنيا} قال: تلك الغنيمة، قال: قرأ ابن عباس {السلام}.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والطبراني والترمذي وحسنه، وعبد بن حميد وصححه، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يسوق غنما له فسلم عليهم فقالوا: ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا فعمدوا له فقتلوه وأتوا بغنمه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم} الآية.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة وأحمد، وابن جرير والطبراني، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أضم فخرجت في نفر من المسلمين فيهم الحرث بن ربعي أبو قتادة ومحلم بن جثامة بن قيس الليثي فخرجنا حتى إذا كنا ببطن أضم مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له معه متيع له وقطب من لبن فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينه وبينه فقتله وأخذ بعيره ومتاعه فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} الآية.
وأخرج ابن إسحاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبغوي في معجمه من طريق يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي حدرد الأسلمي عن أبيه نحوه وفيه فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أقتلته بعدما قال: آمنت بالله فنزل القرآن.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا فلقيهم عامر بن الأضبط فحياهم بتحية الإسلام وكانت بينهم إحنة في الجاهلية فرماه محلم بسهم فقتله فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء محلم في بردين فجلس بين يدي النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال: لا غفر الله لك، فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه فما مضت به ساعة حتى مات ودفنوه فلفظته الأرض فجاؤوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم ثم طرحوه في جبل وألقوا عليه الحجارة فنزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم} الآية، واخرج البزار والدارقطني في الإفراد والطبراني عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد بن الأسود فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير لم يبرح فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فأهوى إليه المقداد فقتله، فقال له رجل من أصحابه: أقتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله والله لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد، فقال: ادعوا إلي المقداد فقال: يا مقداد أقتلت
رجلا يقول لا إله إلا الله فكيف لك بلا إله إلا الله غدا فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله} إلى قوله {كذلك كنتم من قبل} قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد: كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن جابر قال: أنزلت هذه الآية {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام} في مرداس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الرجل يتكلم بالإسلام ويؤمن بالله والرسول ويكون في قومه فإذا جاءت سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بها حيه - يعني قومه - وأقام الرجل لا يخاف المؤمنين من أجل أنه على دينهم حتى يلقاهم فيلقي إليهم السلام فيقولون: لست مؤمنا وقد ألقى السلم فيقتلونه فقال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} إلى {تبتغون عرض الحياة الدنيا} يعني تقتلونه إرادة أن يحل لكم ماله الذي وجدتم معه وذلك عرض الحياة الدنيا فإن عندي مغانم كثيرة والتمسوا من فضل الله، وهو رجل اسمه مرداس خلى قومه هاربين من خيل بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها رجل من بني ليث اسمه قليب حتى إذا وصلت الخيل سلم عليهم فقتلوه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله بديته ورد إليهم ماله ونهى المؤمنين عن مثل ذلك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} قال: هذا الحديث في شأن مرداس رجل من غطفان ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا عليهم غالب الليثي إلى أهل فدك وبه ناس من غطفان وكان مرداس منهم، ففر أصحابه فقال مرداس: إني مؤمن وعلى متبعكم، فصبحته الخيل غدوة فلما لقوه سلم عليهم مرداس فتلقاه أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقتلوه وأخذوا ما كان معه من متاع فأنزل الله في شأنه {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} لأن تحية المسلمين السلام بها يتعارفون وبها يحيي بعضهم بعضا.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله} الآية، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عليها أسامة بن زيد إلى بني ضمرة فلقوا رجلا منهم يدعى مرداس بن نهيك معه غنم له وجمل أحمر فلما رآهم أوى إلى كهف جبل واتبعه أسامة فلما بلغ مرداس الكهف وضع فيه غنمه ثم أقبل إليهم فقال: السلام عليكم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فشد عليه أسامة فقتله من أجل جمله وغنيمته وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا بعث أسامة أحب أن يثني عليه خير ويسأل عنه أصحابه فلما رجعوا لم يسألهم عنه فجعل القوم يحدثون النّبيّ صلى الله عليه وسلم ويقولون: يا رسول الله لو رأيت أسامة ولقيه رجل فقال الرجل: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشد عليه فقتله وهو معرض عنهم فلما أكثروا عليه رفع رأسه إلى أسامة فقال: كيف أنت ولا إله إلا الله فقال: يا رسول الله إنما قالها متعوذا تعوذ بها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا شققت عن قلبه فنظرت إليه، فأنزل الله خبر هذا وأخبر إنما قتله من أجل جمله وغنمه فذلك حين يقول {تبتغون عرض الحياة الدنيا} فلما بلغ {فمن الله عليكم} يقول: فتاب الله عليكم فحلف أسامة أن لا يقاتل رجلا يقول لا إله إلا الله بعد ذلك الرجل وما لقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن الحسن أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبوا يتطرقون فلقوا أناسا من العدو فحملوا عليهم فهزموهم فشد رجل منهم فتبعه رجل يريد متاعه فلما غشيه بالسنان قال: إني مسلم إني مسلم، فأوجره السنان فقتله وأخذ متيعه فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للقاتل: أقتلته بعد أن قال إني مسلم قال: يا رسول الله إنما قالها متعوذا، قال: أفلا شققت عن قلبه قال: لم يا رسول الله قال: لتعلم أصادق هو أو كاذب قال: وكنت عالم ذلك يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما كان يعبر عنه لسانه إنما كان يعبر عنه لسانه، قال: فما لبث القاتل أن مات فحفر له أصحابه فأصبح وقد وضعته الأرض ثم عادوا فحفروا له فأصبح وقد وضعته الأرض إلى جنب قبره، قال الحسن: فلا أدري كم قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كم دفناه مرتين أو ثلاثة كل ذلك لا تقبله الأرض فلما رأينا الأرض لا تقبله أخذنا برجليه فألقيناه في بعض تلك الشعاب فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} أهل الإسلام إلى آخر الآية، قال الحسن: أما والله ما ذاك أن تكون الأرض تجن من هو شر منه ولكن وعظ الله القوم أن لا يعودوا.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير من طريق معمر عن قتادة في قوله {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا}
قال: بلغني أن رجلا من المسلمين أغار على رجل من المشركين فحمل عليه فقال له المشرك: إني مسلم أشهد أن لا إله إلا الله فقتله المسلم بعد أن قالها فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال للذي قتله: أقتلته وقد قال لا إله إلا الله فقال وهو يعتذر: يا نبي الله إنما قال متعوذا وليس كذلك، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: فهلا شققت عن قلبه ثم مات قاتل الرجل فقبر فلفظته الأرض فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يقبروه ثم لفظته حتى فعل ذلك به ثلاث مرات فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إن الأرض أبت أن تقبله فألقوه في غار من الغيران، قال معمر: وقال بعضهم: إن الأرض تقبل من هو شر منه ولكن الله جعله لكم عبرة
وأخرج ابن جرير من طريق أبي الضحى عن مسروق أن قوما من المسلمين لقوا رجلا من المشركين ومعه غنيمة له فقال: السلام عليكم إني مؤمن، فظنواأنه يتعوذ بذلك فقتلوه وأخذوا عنيمته فأنزل الله {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا} تلك الغنيمة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: خرج المقداد بن الأسود في سرية بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمروا برجل فيه غنيمة له فقال: إني مسالم، فقتله ابن الأسود فلما قدموا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا} قال: الغنيمة.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: نزل ذلك في رجل قتله أبو الدرداء فذكر من قصة أبي الدرداء نحو القصة التي ذكرت عن أسامة بن زيد ونزل القرآن {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} فقرأ، حتى بلغ إلى قوله {إن الله كان بما تعملون خبيرا}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} قال: راعي غنم لقيه نفر من المؤمنين فقتلوه وأخذوا ما معه ولم يقبلوا منه السلام عليكم إني مؤمن
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} قال: حرم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن يشهد
أن لا إله إلا الله لست مؤمنا كما حرم عليهم الميتة فهو آمن على ماله ودمه فلا تردوا عليه قوله.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد عن أبي رجاء والحسن أنهما كانا يقرآن ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم بكسر السين.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد عن مجاهد وأبي عبد الرحمن السلمي أنهما كانا يقرآن {لمن ألقى إليكم السلام}.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {كذلك كنتم من قبل} قال: تستخفون بإيمانكم كما استخفى هذا الراعي بإيمانه، وفي لفظ: تكتمون إيمانكم من المشركين {فمن الله عليكم} فأظهر الإسلام فأعلنتم إيمانكم {فتبينوا} قال: وعيد من الله مرتين.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {كذلك كنتم من قبل} قال: كنتم كفارا حتى من الله عليكم بالإسلام وهداكم له.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مسروق {كذلك كنتم من قبل} لم تكونوا مؤمنين.
وأخرج عبد بن حميد عن النعمان بن سالم أنه كان يقول: نزلت في رجل من هذيل.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {فتبينوا} بالياء.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أسامة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال لا إله إلا الله وقتلته قلت: يا رسول الله إنما قالها فرقا من السلاح، قال: ألا شققت عن قلبه حتى تعلم قالها أم لا، فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يؤمئذ.
وأخرج ابن سعد عن جعفر بن برقان قال: حدثنا الحضرمي رجل من أهل اليمامة قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أسامة بن زيد على جيش، قال أسامة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أحدثه فقلت: فلما انهزم القوم أدركت رجلا
فأهويت إليه بالرمح فقال: لا إله إلا الله فطعنته فقتلته، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ويحك يا أسامة، فكيف لك بلا إله إلا الله ويحك يا أسامة، فكيف لك بلا إله إلا الله فلم يزل يرددها علي حتى لوددت أني انسلخت من كل عمل عملته واستقبلت الإسلام يومئذ جديدا فلا والله أقاتل أحدا قال لا إله إلا الله بعدما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن سعد عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: قال أسامة بن زيد: لا أقاتل رجلا يقول لا إله إلا الله أبدا، فقال سعد بن مالك: وأنا - والله - لا أقاتل رجلا يقول لا إله إلا الله أبدا، فقال لهما رجل: ألم يقل الله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) (البقرة الآية 193) فقالا: قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي عن عقبة بن مالك الليثي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فغارت على وقم فأتبعه رجل من السرية شاهرا فقال الشاذ من القوم: إني مسلم فلم ينظر فيما قال فضربه فقتله فنمي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا فبلغ القاتل، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قال القاتل: والله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته ثم قال أيضا: يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، فأعرض عنه وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته ثم لم يصبر فقال الثالثة: والله يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرف المساءة في وجهه فقال: إن الله أبى علي لمن قتل مؤمنا ثلاث مرارا.
وأخرج الشافعي، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن المقداد بن الأسود قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن اختلفت أنا ورجل من المشركين بضربتين فقطع يدي فلما علوته بالسيف قال: لا إله إلا الله أضربه أم أدعه قال: بل دعه، قلت: قطع يدي قال: إن ضربته بعد أن قالها فهو مثلك قبل أن تقتله وأنت مثله قبل أن يقولها.
وأخرج الطبراني عن جندب البجلي قال: إني لعند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه بشير من سريته فأخبره بالنصر الذي نصر الله سريته وبفتح الله الذي فتح لهم، قال: يا رسول الله بينا نحن نطلب القوم وقد هزمهم الله تعالى إذ لحقت رجلا بالسيف فلما خشي أن السيف واقعه وهو يسعى ويقول: إني مسلم إني مسلم، قال: فقتلته، فقال: يا رسول الله إنما تعوذ، فقال: فهلا شققت عن قلبه فنظرت أصادق هو أم كاذب فقال: لو شققت عن قلبه ما كان علمي هل قلبه إلا مضغة من لحم قال: لا ما في قلبه تعلم ولا لسانه صدقت قال: يا رسول الله استغفر لي، قال: لا أستغفر لك، فمات ذلك الرجل فدفنوه فأصبح على وجه الأرض ثم دفنوه فأصبح على وجه الأرض ثلاث مرات فلما رأوا ذلك استحيوا وخزوا مما لقي فاحتملوه فألقوه في شعب من تلك الشعاب.
وأخرج أبو نعيم في المعرفة عن جزء بن الحدرجان قال: وفد أخي قداد بن الحدرجان بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بإيمانه وإيمان من أعطى الطاعة من أهل بيته فخرج مهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه في بعض الطريق سرية النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال قداد: أنا مؤمن فلم يقبلوه وقتلوه في جوف الليل فبلغنا ذلك فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته وطلبت ثأري فنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذين أمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) الآية فأعطاني النّبيّ صلى الله عليه وسلم دية أخي). [الدر المنثور: 4/610-623]

تفسير قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن من حدثه أن زيد ابن ثابتٍ كان يكتب الوحي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفخذ رسول اللّه على فخذ زيد بن ثابتٍ، فأقبل ابن أمّ مكتومٍ الأعمى فقال: يا رسول اللّه، إنّ اللّه قال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم}، حتّى ختم الآية؛ وقد ترى ما بنا نزل؛ فأخذ رسول اللّه ما كان يأخذ حين ينزل عليه الوحي؛ قال زيدٌ: حتّى ظننت أنّ فخذي سترضّ حتّى سرّي عنه، فقال: اكتب: {غير أولي الضرر}، لم ينزل معها حرفٌ غيرها). [الجامع في علوم القرآن: 1/6]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الزهري عن قبيصة بن ذويب عن زيد بن ثابت قال كنت أكتب لرسول الله فقال اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله فجاء عبد الله ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل الله ولكن بي من الزمانة ما قد ترى وذهب بصري قال زيد فثقلت فخذ رسول الله على فخذي حتى خشيت أن ترضها ثم قال اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجهدون في سبيل الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/169]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال ابن جريج وأخبرني عبد الكريم أن مقسما مولى عبد الله بن الحارث أخبره أن ابن عباس أخبره قال لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إليها). [تفسير عبد الرزاق: 1/170]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلًّا وعد الله الحسنى وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيدٍ، أنّ أباه زيد بن ثابتٍ قال: كنت (إلى) جنب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فغشيته السّكينة، فوقعت فخذ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، فما وجدت ثقل شيءٍ أثقل من فخذ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ سرّي عنه، فقال:((اكتب))، فكتبت في كتفٍ: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله...} إلى آخر الآية، فقام ابن أمّ مكتوم - وكان رجلًا أعمى - لمّا سمع فضيلة المجاهدين، فقال: يا رسول اللّه، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين؟ قال خارجة: قال زيدٌ:فلمّا قضى ابن أمّ مكتومٍ كلامه غشيت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم السّكينة، فوقعت فخذه على فخذي، فوجدت من ثقلها في المرّة الثّانية كما وجدت من ثقلها في المرّة الأولى، ثمّ سرّي عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ((اقرأ يا زيد))، فقرأت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}، (فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم):{غير أولي الضرّر...} الآية كلّها. قال: يقول زيدٌ:أنزلها اللّه وحدها، (فألحقتها)، والّذي نفسي بيده، لكأنّي أنظر إلى ملحقها عند صدعٍ في الكتف.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن حصين، عن عبد اللّه بن شدّاد، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}، (قام) ابن أمّ مكتوم فقال: يا رسول اللّه، إنّ فيّ ما ترى، فأنزل اللّه عزّ وجل: {غير أولي الضرر}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عليّ بن زيدٍ، عن أنس بن مالكٍ، أنّه رأى ابن أمّ مكتوم في بعض مواطن المسلمين ومعه لواء المسلمين). [سنن سعيد بن منصور: 4/1354-1360]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} [النساء: 95] {والمجاهدون في سبيل اللّه} [النساء: 95]
- حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه، قال: حدّثني إبراهيم بن سعدٍ، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهابٍ، قال: حدّثني سهل بن سعدٍ السّاعديّ، أنّه رأى مروان بن الحكم في المسجد، فأقبلت حتّى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أنّ زيد بن ثابتٍ أخبره: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أملى عليه: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} [النساء: 95] {والمجاهدون في سبيل اللّه} [النساء: 95] ، فجاءه ابن أمّ مكتومٍ وهو يملّها عليّ، قال: يا رسول اللّه، واللّه لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان أعمى، «فأنزل اللّه على رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وفخذه على فخذي، فثقلت عليّ حتّى خفت أن ترضّ فخذي، ثمّ سرّي عنه» ، فأنزل اللّه: (غير أولي الضّرر)
- حدّثنا حفص بن عمر، حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء رضي اللّه عنه قال: " لمّا نزلت: {لا يستوي} [النساء: 95] القاعدون من المؤمنين دعا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم زيدًا فكتبها، فجاء ابن أمّ مكتومٍ فشكا ضرارته " فأنزل اللّه: (غير أولي الضّرر)
- حدّثنا محمّد بن يوسف، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: لمّا نزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} [النساء: 95] قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ادعوا فلانًا» فجاءه ومعه الدّواة واللّوح، أو الكتف، فقال: " اكتب: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} [النساء: 95] {والمجاهدون في سبيل اللّه} [النساء: 95] " وخلف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ابن أمّ مكتومٍ، فقال: يا رسول اللّه أنا ضريرٌ، فنزلت مكانها (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه)
- حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشامٌ، أنّ ابن جريجٍ، أخبرهم، ح وحدّثني إسحاق، أخبرنا عبد الرّزّاق، أخبرنا ابن جريجٍ، أخبرني عبد الكريم، أنّ مقسمًا، مولى عبد اللّه بن الحارث أخبره: أنّ ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أخبره: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} [النساء: 95]:«عن بدرٍ، والخارجون إلى بدرٍ»). [صحيح البخاري: 6/47-48]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب لا يستوي القاعدون من المؤمنين الآية)
كذا لأبي ذرٍّ ولغيره والمجاهدون في سبيل اللّه واختلفت القراءة في غير أولي الضّرر فقرأ بن كثيرٍ وأبو عمرٍو وعاصمٌ بالرّفع على البدل من القاعدون وقرأ الأعمش بالجرّ على الصّفة للمؤمنين وقرأ الباقون بالنّصب على الاستثناء

[4592] قوله عن صالح هو بن كيسان قوله حدّثني سهل بن سعدٍ كذا قال صالحٌ وتابعه عبد الرّحمن بن إسحاق عن بن شهابٍ عند الطّبريّ وخالفهما معمرٌ فقال عن بن شهابٍ عن قبيصة بن ذؤيبٍ عن زيد بن ثابتٍ أخرجه أحمد قوله أنّه رأى مروان بن الحكم أي بن أبي العاص أمير المدينة الّذي صار بعد ذلك خليفةً قوله فأقبلت حتّى جلست إلى جنبه فأخبرنا قال التّرمذيّ في هذا الحديث رواية رجلٍ من الصّحابة وهو سهل بن سعدٍ عن رجلٍ من التّابعين وهو مروان بن الحكم ولم يسمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فهو من التّابعين قلت لا يلزم من عدم السّماع عدم الصّحبة والأولى ما قال فيه البخاريّ لم ير النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقد ذكره بن عبد البرّ في الصّحابة لأنّه ولد في عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل عام أحدٍ وقيل عام الخندق وثبت عن مروان أنّه قال لمّا طلب الخلافة فذكروا له بن عمر فقال ليس بن عمر بأفقه منّي ولكنّه أسنّ منّي وكانت له صحبةٌ فهذا اعترافٌ منه بعدم صحبته وإنّما لم يسمع من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وإن كان سماعه منه ممكنًا لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نفى أباه إلى الطّائف فلم يردّه إلّا عثمان لمّا استخلف وقد تقدّمت روايته عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في كتاب الشّروط مقرونةً بالمسور بن مخرمة ونبّهت هناك أيضًا على أنّها مرسلةٌ واللّه الموفّق قوله أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله في رواية قبيصة المذكورة عن زيد بن ثابتٍ كنت أكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي رواية خارجة بن زيد بن ثابتٍ عن أبيه إنّي لقاعدٌ إلى جنب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذ أوحي إليه وغشيته السّكينة فوضع فخذه على فخذي قال زيدٌ فلا واللّه ما وجدت شيئًا قطّ أثقل منها وفي حديث البراء بن عازبٍ الّذي في الباب بعد هذا لمّا نزلت قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ادع لي فلانًا فجاءه ومعه الدّواة واللّوح والكتف وفي الرّواية الأخرى عنه في الباب أيضًا دعا زيدًا فكتبها فيجمع بينهما بأنّ المراد بقوله لمّا نزلت كادت أن تنزل لتصريح رواية خارجة بأنّ نزولها كان بحضرة زيد قوله فجاءه بن أمّ مكتومٍ في رواية قبيصة المذكورة فجاء عبد اللّه بن أمّ مكتومٍ وعند التّرمذيّ من طريق الثّوريّ وسليمان التّيميّ كلاهما عن أبي إسحاق عن البراء جاء عمرو بن أمّ مكتومٍ وقد نبّه التّرمذيّ على أنّه يقال له عبد اللّه وعمرٌو وأنّ اسم أبيه زائدة وأنّ أمّ مكتومٍ أمّه قلت واسمها عاتكة وقد تقدّم شيءٌ من خبره في كتاب الأذان قوله وهو يملّها بضمّ أوله وكسرالميم وتشديد اللّام هو مثل يمليها يملي ويملل بمعنًى ولعلّ الياء منقلبةٌ من إحدى اللّامين قوله واللّه لو أستطيع الجهاد معك لجاهدت أي لو استطعت وعبّر بالمضارع إشارةً إلى الاستمرار واستحضارا لصورة الحال قال وكان أعمى هذا يفسّر ما في حديث البراء فشكا ضرارته وفي الرّواية الأخرى عنه فقال أنا ضريرٌ وفي رواية خارجة فقام حين سمعها بن أمّ مكتومٍ وكان أعمى فقال يا رسول اللّه فكيف بمن لا يستطيع الجهاد ممّن هو أعمى وأشباه ذلك وفي رواية قبيصة فقال إنّي أحبّ الجهاد في سبيل اللّه ولكن بي من الزّمانة ما ترى ذهب بصري قوله أن ترضّ فخذي أي تدقّها قوله ثمّ سرّي بضمّ المهملة وتشديد الرّاء أي كشف قوله فأنزل اللّه غير أولي الضّرر في رواية قبيصة ثمّ قال اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر وزاد في رواية خارجة بن زيدٍ قال زيد بن ثابتٍ فواللّه لكأنّي أنظر إلى ملحقها عند صدعٍ كان في الكتف قوله في الحديث الثّاني عن أبي إسحاق هو السّبيعيّ قوله عن البراء في رواية محمّد بن جعفرٍ عن شعبة عن أبي إسحاق أنّه سمع البراء أخرجه أحمد عنه ووقع في رواية الطّبرانيّ من طريق أبي سنانٍ الشّيبانيّ عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم وأبو سنانٍ اسمه ضرار بن مرّة وهو ثقةٌ إلّا أنّ المحفوظ عن أبي إسحاق عن البراء كذا اتّفق الشّيخان عليه من طريق شعبة ومن طريق إسرائيل وأخرجه التّرمذيّ وأحمد من رواية سفيان الثّوريّ والتّرمذيّ أيضا والنّسائيّ وبن حبّان من رواية سليمان التّيميّ وأحمد أيضًا من رواية زهيرٍ والنّسائيّ أيضًا من رواية أبي بكر بن عيّاش وأبو عوانة من طريق زكريّا بن أبي زائدة ومسعرٍ ثمانيّتهم عن أبي إسحاق

[4594] قوله ادعوا فلانًا كذا أبهمه إسرائيل في روايته وسمّاه غيره كما تقدّم قوله وخلّف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم بن أمّ مكتومٍ كذا في رواية إسرائيل وفي رواية شعبة الّتي قبلها دعا زيدًا فكتبها فجاء بن أمّ مكتومٍ فيجمع بأنّ معنى قوله جاء أنّه قام من مقامه خلف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى جاء مواجهه فخاطبه قوله فنزلت مكانها قال بن التّين يقال إنّ جبريل هبط ورجع قبل أن يجفّ القلم قوله لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل الله قال بن المنير لم يقتصر الرّاوي في الحال الثّاني على ذكر الكلمة الزّائدة وهي غير أولي الضّرر فإن كان الوحي نزل بزيادة قوله غير أولي الضّرر فقط فكأنّه رأى إعادة الآية من أوّلها حتّى يتّصل الاستثناء بالمستثنى منه وإن كان الوحي نزل بإعادة الآية بالزّيادة بعد أن نزل بدونها فقد حكى الرّاوي صورة الحال قلت الأوّل أظهر فإنّ في رواية سهل بن سعدٍ فأنزل اللّه غير أولي الضّرر وأوضح من ذلك رواية خارجة بن زيدٍ عن أبيه ففيها ثمّ سرّي عنه فقال اقرأ فقرأت عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم غير أولى الضّرر وفي حديث الفلتان بفتح الفاء واللّام وبمثنّاةٍ فوقانية بن عاصمٍ في هذه القصّة قال فقال الأعمى ما ذنبنا فأنزل اللّه فقلنا له إنّه يوحى إليه فخاف أن ينزل في أمره شيءٌ فجعل يقول أتوب إلى اللّه فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للكاتب اكتب غير أولى الضّرر أخرجه البزّار والطّبرانيّ وصححه بن حبّان ووقع في غير هذا الحديث ما يؤيّد الثّاني وهو في حديث البراء بن عازبٍ فأنزلت هذه الآية حافظوا على الصّلوات وصلاة العصر فقرأناها ما شاء اللّه ثمّ نزلت حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى الحديث الثالث

[4595] قوله وحدّثني إسحاق جزم أبو نعيمٍ في المستخرج وأبو مسعودٍ في الأطراف بأنّه إسحاق بن منصورٍ وكنت أظنّ أنّه بن راهويه لقوله أخبرنا عبد الرّزّاق ثمّ رأيت في أصل النّسفيّ حدّثني إسحاق حدّثنا عبد الرّزّاق فعرفت أنه بن منصور لأن بن راهويه لا يقول في شيءٍ من حديثه حدّثنا قوله أخبرني عبد الكريم تقدّم في غزوة بدرٍ أنّه الجزريّ قوله أنّ مقسمًا مولى عبد اللّه بن الحارث أخبره أمّا مقسم فتقدم ذكره في غزوة بدرٍ وأمّا عبد اللّه بن الحارث فهو بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب لأبيه ولجدّه صحبةٌ وله هو رؤيةٌ وكان يلقّب ببّة بموحّدتين مفتوحتين الثّانية ثقيلةٌ قوله لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدرٍ والخارجون إلى بدرٍ كذا أورده مختصرا وظن بن التّين أنّه مغايرٌ لحديثي سهل والبراء فقال القرآن ينزل في الشّيء ويشتمل على ما في معناه وقد أخرجه التّرمذيّ من طريق حجاج بن محمّد عن بن جريجٍ بهذا مثله وزاد لمّا نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش وبن أمّ مكتومٍ الأعميان يا رسول اللّه هل لنا رخصةٌ فنزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة فهؤلاء القاعدون غير أولي الضّرر وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا درجاتٍ منه على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضّرر هكذا أورده سياقًا واحدًا ومن قوله درجةً الخ مدرج في الخبر من كلام بن جريجٍ بيّنه الطّبريّ فأخرج من طريق حجّاجٍ نحو ما أخرجه التّرمذيّ إلى قوله درجةً ووقع عنده فقال عبد اللّه بن أمّ مكتومٍ وأبو أحمد بن جحشٍ وهو الصّواب في بن جحشٍ فإنّ عبد اللّه أخوه وأمّا هو فاسمه عبدٌ بغير إضافةٍ وهو مشهورٌ بكنيته ثمّ أخرجه بالسند المذكور عن بن جريجٍ قال وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه قال على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضّرر وحاصل تفسير بن جريجٍ أنّ المفضّل عليه غير أولي الضّرر وأمّا أولو الضّرر فملحقون في الفضل بأهل الجهاد إذا صدقت نيّاتهم كما تقدّم في المغازي من حديث أنسٍ إنّ بالمدينة لأقوامًا ما سرتم من مسيرٍ ولا قطعتم من وادٍ إلّا وهم معكم حبسهم العذر ويحتمل أن يكون المراد بقوله فضل اللّه المجاهدين على القاعدين درجةً أي من أولي الضّرر وغيرهم وقوله وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه أي على القاعدين من غير أولي الضّرر ولا ينافي ذلك الحديث المذكور عن أنسٍ ولا ما دلّت عليه الآية من استواء أولي الضّرر مع المجاهدين لأنّها استثنت أولي الضّرر من عدم الاستواء فأفهمت إدخالهم في الاستواء إذ لا واسطة بين الاستواء وعدمه لأنّ المراد منه استواؤهم في أصل الثّواب لا في المضاعفة لأنّها تتعلّق بالفعل ويحتمل أن يلتحق بالجهاد في ذلك سائر الأعمال الصّالحة وفي أحاديث الباب من الفوائد أيضًا أتخاذ الكاتب وتقريبه وتقييد العلم بالكتابة). [فتح الباري: 8/260-262]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله} (النّساء: 95)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {لا يستوي} إلى آخره وهذا المقدار المذكور من الآية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: باب (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) الآية.

- حدّثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدّثني إبراهيم بن سعدٍ عن صالحٍ بن كيسان عن ابن شهاب قال حدّثني سهل بن سعدٍ السّاعديّ أنّه رأى مروان بن الحكم في المسجد فأقبلت حتّى جلست إلى جنبه فأخبرنا أنّ زيد بن ثابتٍ أخبره أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} و {المجاهدون في سبيل الله} فجاءه ابن أمّ مكتومٍ وهو يملّها عليّ قال يا رسول الله والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فثقلت عليّ حتّى خفت أنّ ترضّ فخذي ثمّ سرّي عنه فأنزل الله غير أولي الضّرر.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرّة.
والحديث قد مر في الجهاد في: باب قول الله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} فإنّه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد الزّهريّ عن صالح بن كيسان إلى آخره.
وفيه رواية التّابعيّ عن الصّحابيّ وهو صالح بن كيسان فإنّه تابعيّ رأى عبد الله بن عمرو أنه يروي عن محمّد بن مسلم بن شهاب الزّهريّ وهو يروي عن سهل بن سعد وهو صحابيّ، قال الكرماني: وفيه: رواية الصّحابيّ عن التّابعيّ لأن سهلاً صحابيّ ومروان تابعيّ، وقال التّرمذيّ. في هذا الحديث رواية رجل من الصّحابة، وهو سهل بن سعد عن رجل من التّابعين وهو مروان بن الحكم، ولم يسمع من النّبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: لا يلزم من عدم السماع عدم الصّحبة. وقد ذكره ابن عبد البر في الصّحابة انتهى. قلت: ولو ذكره في كتاب (الاستيعاب) في: باب مروان، ولكنه قال: لم ير النّبي صلى الله عليه وسلم، لأنّه خرج إلى الطّائف طفلا لا يعقل، وقد ثبت عنه أنه قال لما طلب الخلافة فذكروا له ابن عمر، فقال: ليس ابن عمر بأفقه مني، ولكنه أسنّ مني، وكانت له صحبة. فهذا اعتراف منه بعدم الصّحبة.
قوله: (ابن أم مكتوم) ، واسمه عبد الله، وقيل: عمرو، وجاء في رواية قبيصة عن زيد بن ثابت، (فجاء عبد الله بن أم مكتوم) ، وفي رواية التّرمذيّ من حديث البراء (جاء عمرو بن أم مكتوم) . واسم أبيه: زائدة، وأم مكتوم أمه واسمها: عاتكة. قوله: (وهو يملها) ، بضم الياء وكسر الميم وتشديد اللّام، وأصلها يمللها كما في قوله: {وليملل الّذي عليه الحق} (البقرة: 382) فنقلت كسرة اللّام إلى الميم وأدغمت في اللّام الثّانية، وقال ابن الأثير: وفي حديث زيد أنه أملى عليه {ولا يستوي القاعدون من المؤمنين} يقال: أمللت الكتاب وأمليته إذا ألقيته على الكاتب ليكتبه. قوله: (أن ترض) ، بتشديد الضّاد المعجمة وهو الدق. قوله: (ثمّ سري) بضم السّين المهملة وكسر الرّاء المشدّدة أي: انكشف عنه. قوله: (غير أولي الضّرر) ، وهو العمى، واختلف القرّاء في إعراب، غير، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بالرّفع على البدل من القاعدون، وقرأ الأعمش بالجرّ على الصّفة للمؤمنين، وقرأ الباقون بالنّصب على الاستثناء.

- حدّثنا حفص بن عمر حدّثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فكتبها فجاء ابن أمّ مكّتومٍ فشكا ضرارته فأنزل الله {غير أولي الضرر} .

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، والبراء بن عازب رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى في الجهاد في: باب قول الله {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} فإنّه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن البراء إلى آخره نحو قوله (عن أبي اسحاق عن البراء) وفي رواية محمّد بن جعفر عن شعبة عن ابي اسحاق انه سمع البراء أخرجه احمد عنه ووقع في رواية الطّبرانيّ من طريق أبي سنان الشّيبانيّ عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم، والمحفوظ عن أبي إسحاق عن البراء في رواية الشّيخين، وأبو سنان اسمه: ضرار بن مرّة، وهو أيضا ثقة.

- حدّثنا محمّد بن يوسف عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال لمّا نزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر قال النبيّ صلى الله عليه وسلم ادعوا فلانا فجاءه ومعه الدّواة واللّوح أو الكتف فقال اكتب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} و {المجاهدون في سبيل الله} وخلف النبيّ صلى الله عليه وسلم ابن أمّ مكتومٍ فقال يا رسول اللهأنا ضريرٌ فنزلت مكانها {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله} .

هذا طريق آخر في حديث البراء أخرجه عن محمّد بن يوسف الفريابيّ عن إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق المذكور فيما قبله.
قوله: (فلانا) ، هو زيد بن ثابت، وقد صرح به في الرّواية الماضية. قوله: (أو الكتف) ، شكّ من الرّاوي وكانوا يكتبون على الألواح والأكتاف. قوله: (وخلف النّبي صلى الله عليه وسلم، ابن أم مكتوم) معناه: جلس خلف النّبي صلى الله عليه وسلم، أو بالعكس. وقال الكرماني: الحديث الأول: مشعر بأن ابن أم مكتوم جاء حالة الإملال، والثّاني: بأنّه جاء بعد الكتابة. والثّالث: بأنّه كان جالسا خلف النّبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ أجاب بقوله: لا منافاة إذ معنى كتبها، كتب بعض الآية، وهو نحو: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} مثلا. وأما جاء يعني قوله: وأما حقيقة، والمراد جاء وجلس خلف النّبي صلى الله عليه وسلم أو بالعكس، وإمّا مجاز عن تكلم ودخل في البحث. قوله: (فنزلت مكانها) أي: في مكان الكتابة، والمقصود نزلت في تلك الحالة (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر) وقال ابن التّين: يقال: إن جبريل عليه السّلام، هبط ورجع قبل أن يجف القلم.

- حدّثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشامٌ أنّ ابن جريجٍ أخبرهم ح وحدثني إسحاق أخبرنا عبد الرّزاق أخبرنا ابن جريجٍ أخبرني عبد الكريم أنّ مقسما مولى عبد الله بن الحارث أخبره أنّ ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أخبره {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} عن بدرٍ والخارجون إلى بدرٍ.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. غير أن سبب النّزول هنا خلاف سبب النّزول في الأحاديث المذكورة. فإن قلت: ما وجه التّوفيق بين السببين؟ قلت: القرآن إذا نزل في الشّيء يستعمل في معنى ذلك الشّيء وأخرجه من طريقين. الأول: عن إبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء عن هشام بن يوسف عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. الثّاني: عن إسحاق بن منصور عن عبد الرّزّاق بن همام عن ابن جريج عن عبد الكريم بن مالك الجزري، بالجيم والزّاي والرّاء، عن مقسم، بكسر الميم وسكون القاف وفتح السّين المهملة مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، لأبيه ولجده صحبة، وله رؤية، وكان يلقب بببه بياءين موحدتين مفتوحتين الثّانية مشدّدة.
والحديث مضى في الجهاد، وأخرجه التّرمذيّ: حدثنا الحسن بن محمّد الزّعفراني قال: حدثنا الحجّاج بن محمّد عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الكريم سمع مقسمًا مولى عبد الله بن الحارث يحدث عن ابن عبّاس أنه قال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} عن بدر والخارجون إلى بدر. وقال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم: إنّا أعميان يا رسول الله! فهل لنا رخصة؟ فنزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} {وفضل الله المجاهدين على القاعدين ... درجه} فهؤلاء القاعدون غير أولي الضّرر {فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما} درجات منه على القاعدين من المؤمنين غير أولى الضّرر. وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا من الوجه حديث ابن عبّاس. قوله: (عبد الله بن جحش) ، قيل: أبو أحمد بن جحش، كما ذكره الطّبريّ في روايته من طريق الحجّاج نحو ما أخرجه التّرمذيّ وذلك لأن عبد الله بن جحش هو أخو أبي أحمد بن جحش واسم أبي أحمد عبد بدون إضافة، وهو مشهور بكنيته وأيضًا إن عبد الله بن جحش لم ينقل أن له عذرا إنّما المعذور أخوه أبو أحمد بن جحش، وذكره الثّعلبيّ عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس أنه ابن جحش وليس بالأسدي، وكان أعمى، وأنه جاء هو وابن أم مكتوم فذكرا رغبتهما في الجهاد مع ضررهما، فنزلت: {غير أولي الضّرر} فجعل لهما من الأجر ما للمجاهدين). [عمدة القاري: 18/185-187]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل اللّه} [النساء: 95]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل الله}) [النساء: 95] كذا في الفرع وأصله وغيرهما بإسقاط {غير أولي الضرر} وثبت ذلك في بعضها، ولأبي ذر {من المؤمنين} الآية وسقط ما بعد ذلك.
- حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه قال: حدّثني إبراهيم بن سعدٍ، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهابٍ قال: حدّثني سهل بن سعدٍ السّاعديّ أنّه رأى مروان بن الحكم في المسجد، فأقبلت حتّى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أنّ زيد بن ثابتٍ أخبره، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أملى عليه {لا يستوى القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل اللّه} فجاءه ابن أمّ مكتومٍ وهو يملّها علىّ قال: يا رسول اللّه واللّه لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وفخذه على فخذي فثقلت عليّ حتّى خفت أن ترضّ فخذي ثمّ سرّي عنه فأنزل اللّه: {غير أولى الضّرر}.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف التابعي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سهل بن سعد الساعدي) الصحابي (أنه رأى مروان بن الحكم) بن أبي العاص التابعي (في المسجد) قال: (فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا) بفتح الراء (أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أملى عليه {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل الله}) بدون {غير أولي الضرر} (فجاءه) عليه الصلاة والسلام (ابن أم مكتوم) عبد الله أو عمرو واسم أبيه زائدة (وهو) صلّى اللّه عليه وسلّم (يملها) بضم التحتية وكسر الميم وتشديد اللام أي يلقي الآية (عليّ قال): ولأبي ذر فقال: (يا رسول الله والله لو
أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى، فأنزل الله على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وفخذه على فخذي فثقلت عليّ) فخذه من ثقل الوحي (حتى خفت أن ترضّ) بضم الفوقية وفتح الراء وتشديد الضاد المعجمة في الفرع كأصله بفتح التاء وضم الراء أي تدق (فخذي ثم سري) بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة انكشف (عنه) وأزيل يقال سروت الثوب وسريته إذا خلعته والتشديد فيه للمبالغة أي أزيل عنه ما نزل به من برحاء الوحي (فأنزل الله {غير أولي الضرر}) بالحركات الثلاث في غير بالنصب نافع وابن عامر والكسائي على الاستثناء أو على الحال، وبالرفع ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم على الصفة للقاعدون لأن القاعدون غير معين فهو مثل قوله:
ولقد أمرّ على اللئيم يسبني.
قال الزجاج: غير صفة للقاعدين وإن كان أصلها أن تكون صفة للنكرة. المعنى: لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر أي الأصحاء والمجاهدون وإن كانوا كلهم مؤمنين، وبالجر في الشاذ على الصفة للمؤمنين أو البدل منه.
وهذا الحديث سبق في الجهاد.
- حدّثني حفص بن عمر، حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق عن البراء -رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زيدًا فكتبها فجاء ابن أمّ مكتومٍ فشكا ضرارته فأنزل اللّه {غير أولي الضّرر}.
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازم (رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} دعا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم زيدًا) هو ابن ثابت كاتب الوحي فأمره بكتابتها (فكتبها فجاء ابن أم مكتوم) الأعمى (فشكا) إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم (ضرارته) بفتح الضاد المعجمة أي عماه. قال الراغب: الضرر اسم عام لكل ما يضر بالإنسان في بدنه ونفسه وعلى سبيل الكناية عبر عن الأعمى بالضرير (فأنزل الله {غير أولي الضرر}).
وسبق هذا الحديث في الجهاد.
- حدّثنا محمّد بن يوسف، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عن البراء، قال: لمّا نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ادعوا فلانًا» فجاءه ومعه الدّواة واللّوح أو الكتف فقال: «اكتب: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل اللّه} وخلف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ابن أمّ مكتومٍ فقال: يا رسول اللّه أنا ضريرٌ فنزلت مكانها {لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه} [النساء: 95].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي
إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم):
(ادعوا فلانًا) أي زيد بن ثابت فدعوه (فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف) شك من الراوي (فقال: اكتب ولا يستوي القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل الله} وخلف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ابن أم مكتوم) ويجمع بين قوله هنا أن ابن أم مكتوم كان خلف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وبين قوله في رواية شعبة السابقة دعا زيدًا فكتبها فجاء ابن أم مكتوم بأنه قام من مقامه خلف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حتى جاء مواجهه فخاطبه (فقال: يا رسول الله أنا ضرير) أي لا أستطيع الجهاد (فنزلت مكانها) أي في مكان الكتابة في الحال قيل قبل أن يجف القلم ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله}) لم يقتصر الراوي هنا على ذكر الكلمة الزائدة وهي غير أولي الضرر كما في السابقة، فيحتمل أن يكون الوحي نزل بإعادة الآية بالزيادة بعد أن نزل بدونها، فحكى الراوي صورة الحال أو نزل بقوله (غير أولي الضرر) فقط وأعاد الراوي الآية من أوّلها حتى يتصل المستثنى بالمستثنى منه قاله ابن التين، وأيد الأخير الحافظ ابن حجر برواية خارجة بن زيد عن أبيه عند أحمد فإن فيها: ثم سري عنه فقال: اقرأ فقرأت عليه ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين}) فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: ({غير أولي الضرر}) قال زيد فألحقتها فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف، وعند الطبراني والبزار وصححه ابن حبان من حديث الفلتان بالفاء واللام والفوقية المفتوحات ابن عاصم فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم للكاتب: اكتب غير أولي الضرر.
- حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشامٌ أنّ ابن جريجٍ، أخبرهم ح وحدّثني إسحاق أخبرنا عبد الرّزّاق، أخبرنا ابن جريجٍ، أخبرني عبد الكريم، أنّ مقسمًا مولى عبد اللّه بن الحارث أخبره أنّ ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- أخبره {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} عن بدرٍ والخارجون إلى بدرٍ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم ح) لتحويل السند قال المؤلّف:
(وحدّثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور لا ابن راهويه قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الكريم) الجزري بالجيم والزاي والراء (أن مقسمًا) بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة ابن بجرة بضم الموحدة وسكون الجيم ويقال نجدة بفتح النون وبدال (مولى عبد الله بن الحارث) بن نوفل بن عبد المطلب (أخبره أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخبره) عن قوله تعالى: ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين}) أي (عن) غزوة (بدر والخارجون إلى بدر) انفرد بإخراجه المؤلّف دون مسلم.
وأخرجه الترمذي من طريق حجاج عن ابن جريج عن عبد الكريم وزاد لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم إنا أعميان يا رسول الله فهل لنا رخصة؟ فنزلت: ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر}) و {فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة} فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا درجات منه على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر، وقال: حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس، ومن قوله: {درجة} الخ مدرج من قول ابن جريج كما بيّنه الطبري، وقال بدل قوله في رواية الترمذي عبد الله بن جحش أبو أحمد بن جحش وهو الصواب واسم أبي أحمد هذا عبد بغير إضافة وهو مشهور بكنيته، والمعنى لا مساواة بين القاعدين من غير عذر وبين المجاهدين وإن كان هذا معلومًا، لكن فائدته كما في الكشاف التذكير بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد والتحريك إلى الجهاد، وقوله: إن جملة فضل الله المجاهدين موضحة لما نفى من استواء القاعدين والمجاهدين، والمعنى على القاعدين غير أولي الضرر مع قوله بعد والمفضلون درجة واحدة هم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء والمفضلون درجات الذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم لأن الغزو فرض كفاية.
تعقبه في التقريب فقال: فيه نظر لأنه فسر القاعدين بغير أولي الضرر وإنما يستقيم على تفسيره بالأضراء كما في المعالم وقال غيره: ولقائل أن يقول فعلى هذا لم يبق للاستثناء معنى، لأن التقدير وفضل الله المجاهدين على القاعدين إلا أولي الضرر فإنهم ليسوا بمفضلين.
لكن قال في فتوح الغيب: إن قوله فضل الله المجاهدين جملة موضحة الخ المراد منه وما عطف عليه من قوله وفضل الله الثاني كلاهما بيان للجملة الأولى ولا بد من التطابق بين البيان والمبين والمذكور في البيان شيئان وليس في المبين سوى ذكر غير أولي الضرر فالواجب أن يقدر ما يوافقه في قوله: لا يستوي القاعدين أي أولو الضرر غير أولي الضرر وهو من أسلوب الجمع التقديري لدلالة التفضيل على المفضل.
وقال الراغب: إن قيل لم كرر الفضل وأوجب في الأول درجة وفي الثاني درجات وقيدها بقوله منه وأردفها بالمغفرة والرحمة؟ قيل: عنى بالدرجة ما يؤتيه في الدنيا مرة من الغنيمة ومن السرور بالظفر وجميل الذكر وبالدرجات ما يتخوّلهم في الآخرة ونبه بالإفراد في الأول وبالجمع في الثاني على أن ثواب الدنيا في جنب ثواب الآخرة يسير، وقيدها بقوله منه لتعظيمها، وأردفها بالمغفرة والرحمة إيذانًا بالوصول إلى الدرجات بعد الخلاص من التبعات.
قال في فتوح الغيب: والذي تقتضيه البلاغة هذا وبيانه أن قوله فضل الله المجاهدين جملة موضحة لما نفى الاستواء فيه والقاعدون على التقييد السابق من أن المراد به غير الأضراء فحسب، وإنما كرر فضل الله المجاهدين ليناط به من الزيادة ما لم ينط به أولًا فالفضل الأول الظفر والغنيمة والذكر الجميل في الدنيا والثاني المقامات السنية والدرجات العالية والفوز بالرضوان في العقبى، ثم
قال: هذا تفسير متين موافق للنظم لا تعقيد فيه غير محتاج إلى جعل المجاهدين صنفين كما ينبئ عنه ظاهر الكشاف، ويطابقه سبب النزول ويلائم حديث أنس مرفوعًا: "لقد خلفتم في المدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم" قاله حين رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة، والحديثان يؤذنان بالمساواة بين المجاهدين والأضراء وعليه دلالة مفهوم الصفة والاستثناء في غير أولي الضرر، وكلام الزجاج إلا أولو الضرر فإنهم يساوون المجاهدين يعني في أصل الثواب لا في المضاعفة لأنها تتعلق بالفعل). [إرشاد الساري: 7/91-93]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين... والمجاهدون في سبيل الله}
قوله: (فلاناً) أي: زيد بن ثابت فدعوه). [حاشية السندي على البخاري: 3/48]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ، قال: لمّا نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} الآية جاء عمرو ابن أمّ مكتومٍ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: وكان ضرير البصر، فقال: يا رسول الله ما تأمرني؟ إنّي ضرير البصر؟ فأنزل اللّه تعالى هذه الآية: {غير أولي الضّرر} الآية. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ائتوني بالكتف والدّواة، أو اللّوح والدّواة.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، ويقال: عمرو ابن أمّ مكتومٍ، ويقال: عبد الله ابن أمّ مكتومٍ وهو: عبد الله بن زائدة، وأمّ مكتومٍ أمّه). [سنن الترمذي: 5/91]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا الحسن بن محمّدٍ الزّعفرانيّ، قال: حدّثنا الحجّاج بن محمّدٍ، عن ابن جريجٍ قال: أخبرني عبد الكريم، سمع مقسمًا، مولى عبد الله بن الحارث، يحدّث عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} عن بدرٍ، والخارجون إلى بدرٍ لمّا نزلت غزوة بدرٍ قال عبد الله بن جحش، وابن أمّ مكتومٍ: إنّا أعميان يا رسول الله، فهل لنا رخصةٌ؟ فنزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} و {فضّل اللّه المجاهدين على القاعدين درجةً} فهؤلاء القاعدون غير أولي الضّرر {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا} درجاتٍ منه على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضّرر.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه من حديث ابن عبّاسٍ، ومقسمٌ يقال: هو مولى عبد الله بن الحارث، ويقال: هو مولى ابن عبّاسٍ، وكنيته أبو القاسم). [سنن الترمذي: 5/91]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهابٍ قال: حدّثني سهل بن سعدٍ، قال: رأيت مروان بن الحكم، جالسًا في المسجد فأقبلت حتّى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أنّ زيد بن ثابتٍ، أخبره أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أملى عليه: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل اللّه} قال: فجاءه ابن أمّ مكتومٍ وهو يملّها عليّ فقال: يا رسول الله، واللّه لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلاً أعمى. فأنزل اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وفخذه على فخذي فثقلت حتّى همّت ترضّ فخذي، ثمّ سرّي عنه فأنزل اللّه عليه {غير أولي الضّرر}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، هكذا روى غير واحدٍ عن الزّهريّ، عن سهل بن سعدٍ نحو هذا وروى معمرٌ، عن الزّهريّ، هذا الحديث عن قبيصة بن ذؤيبٍ، عن زيد بن ثابتٍ، وفي هذا الحديث رواية رجلٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، عن رجلٍ من التّابعين رواه سهل بن سعدٍ الأنصاريّ، عن مروان بن الحكم ومروان لم يسمع من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو من التّابعين). [سنن الترمذي: 5/92]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}
- أخبرنا الحسن بن محمّدٍ، حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عبد الكريم، أنّه سمع مقسمًا يحدّث، عن ابن عبّاسٍ، قال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} [النساء: 95] عن بدرٍ والخارجون إلى بدرٍ، قال عبد الرّحمن بن جحشٍ الأسديّ، وعبد الله وهو ابن أمّ مكتومٍ: إنّا أعميان يا رسول الله، فهل لنا رخصةٌ؟ فنزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} [النساء: 95]، {فضّل الله المجاهدين على القاعدين درجةً} فهؤلاء القاعدون غير أولي الضّرر، {وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا. درجاتٍ منه} [النساء: 96] على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضّرر). [السنن الكبرى للنسائي: 10/70]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {غير أولي الضّرر}
- أخبرنا نصر بن عليٍّ، حدّثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن البراء: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وذكر كلمةً معناها، قال: «ائتوني بالكتف والدّواة» فكتب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} [النساء: 95] وعمرو ابن أمّ مكتومٍ خلفه قال: هل من رخصةٍ؟ فنزلت {غير أولي الضّرر} [النساء: 95]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/70]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلاًّ وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون} لا يعتدل المتخلّفون عن الجهاد في سبيل اللّه من أهل الإيمان باللّه وبرسوله، المؤثرون الدّعة والخفض والقعود في منازلهم على مقاساة حزونة الأسفار والسّير في الأرض ومشقّة ملاقاة أعداء اللّه بجهادهم في ذات اللّه وقتالهم في طاعة اللّه، إلاّ أهل العذر منهم بذهاب أبصارهم، وغير ذلك من أهل الّتي لا سبيل لأهلها للضّرر الّذي بهم إلى قتالهم وجهادهم في سبيل اللّه والمجاهدون في سبيل اللّه، ومنهاج دينه، لتكون كلمة اللّه هي العليا, المستفرغون طاقتهم في قتال أعداء اللّه وأعداء دينهم بأموالهم، إنفاقًا لها فيما أوهن كيد أعداء أهل الإيمان باللّه وبأنفسهم، مباشرةً بها قتالهم، بما تكون به كلمة اللّه العالية، وكلمة الّذين كفروا السّافلة.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {غير أولي الضّرر}؛ فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة ومكّة والشّام: غير أولي الضّرر نصبًا، بمعنى: إلاّ أولي الضّرر. وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل العراق والكوفة والبصرة: {غير أولي الضّرر} برفع {غير} على مذهب النّعت للقاعدين.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: غير أولي الضّرر بنصب غير، لأنّ الأخبار متظاهرةٌ بأنّ قوله: غير أولي الضّرر نزل بعد قوله: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم} استثناءً من قوله: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون}.
ذكر بعض الأخبار الواردة بذلك:
- حدّثنا نصر بن عليٍّ الجهضميّ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن البراء: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ائتوني بالكتف واللّوح. فكتب: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون} وعمرو بن أمّ مكتومٍ خلف ظهره، فقال: هل لي من رخصةٍ يا رسول اللّه؟ فنزلت: {غير أولي الضّرر}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لمّا نزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} جاء ابن أمّ مكتومٍ وكان أعمى، فقال: يا رسول اللّه كيف وأنا أعمى؟ فما برح حتّى نزلت: {غير أولي الضّرر}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ في قوله: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} قال: لمّا نزلت جاء عمرو ابن أمّ مكتومٍ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان ضرير البصر، فقال: يا رسول اللّه، ما تأمرني، فإنّي ضرير البصر؟ فأنزل اللّه هذه الآية، فقال: ائتوني بالكتف والدّواة، أو اللّوح والدّواة.
- حدّثني محمّد بن إسماعيل بن إسرائيل السلال الرّمليّ قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن المغيرة قال: حدّثنا مسعرٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء أنّه لمّا نزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} كلّمه ابن أمّ مكتومٍ، فأنزلت: {غير أولي الضّرر}.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق أنّه سمع البراء يقول في هذه الآية: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي} الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه قال: فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زيدًا، فجاء بكتفٍ فكتبها قال: فشكى إليه ابن أمّ مكتومٍ ضرارته، فنزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر}
قال شعبة: وأخبرني سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن رجلٍ، عن زيدٍ في هذه الآية: {لا يستوي القاعدون} مثل حديث البراء.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي سنانٍ الشّيبانيّ، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال: لمّا نزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه} جاء ابن أمّ مكتومٍ، فقال: يا رسول اللّه ما لي من رخصةٌ؟ قال: لا قال ابن أمّ مكتومٍ: اللّهمّ إنّي ضريرٌ فرخّص. فأنزل اللّه: {غير أولي الضّرر} فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فكتبها، يعني الكاتب.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا بشر بن المفضّل عن عبد الرّحمن بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن سهل بن سعدٍ، قال: رأيت مروان بن الحكم جالسًا، فجئت حتّى جلست إليه، فحدّثنا عن زيد بن ثابتٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أملى عليه: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه} قال: فجاء ابن أمّ مكتومٍ وهو يمليها عليّ، فقال: يا رسول اللّه، لو أستطيع الجهاد لجاهدت. قال: فأنزل عليه وفخذه على فخذي، فثقلت، حتى ظننت أن سترضّ فخذي، ثمّ سرّي عنه، فقال: {غير أولي الضّرر}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، عن زيد بن ثابتٍ، قال: كنت أكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: اكتب: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه}. فجاء عبد اللّه ابن أمّ مكتومٍ، فقال: يا رسول اللّه، إنّي أحبّ الجهاد في سبيل اللّه، ولكن بي من الزّمانة ما قد ترى، قد ذهب بصري. قال زيدٌ: فثقلت فخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على فخذي حتّى خشيت أن يرضّها، ثمّ قال: اكتب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: أخبرني عبد الكريم: أنّ مقسمًا، مولى عبد اللّه بن الحارث أخبره أنّ ابن عبّاسٍ أخبره قال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} عن بدرٍ والخارجون إلى بدرٍ.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا حسينٌ قال: حدّثنا حجّاجٌ عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الكريم، أنّه سمع مقسمًا، يحدّث عن ابن عبّاسٍ، أنّه سمعه يقول: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} عن بدرٍ والخارجون إلى بدرٍ. لمّا نزل غزوة بدرٍ قال عبد اللّه ابن أمّ مكتومٍ وأبو أحمد بن جحش بن قيسٍ الأسديّ: يا رسول اللّه، إّنا أعميان، فهل لنا رخصةٌ؟ فنزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم} فسمع بذلك عبد اللّه ابن أمّ مكتومٍ الأعمى، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه، قد أمرك اللّه في الجهاد ما قد علمت وأنا رجلٌ ضرير البصر لا أستطيع الجهاد، فهل لي من رخصةٍ عند اللّه إن قعدت؟ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: وما أمرت في شأنك بشيءٍ ولا أدري هل يكون لك ولأصحابك من رخصةٍ فقال ابن أمّ مكتومٍ: اللّهمّ إنّي أنشدك بصري. فأنزل اللّه بعد ذلك على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} والمجاهدون في سبيل اللّه إلى قوله: {على القاعدين درجةً}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ، قال: نزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه} فقال رجلٌ أعمى: يا نبيّ اللّه، فأنا أحبّ الجهاد ولا أستطيع أن أجاهد. فنزلت: {غير أولي الضّرر}.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن عبد اللّه بن شدّادٍ، قال: لمّا نزلت هذه الآية في الجهاد: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال عبد اللّه ابن أمّ مكتومٍ: يا رسول اللّه إنّي ضريرٌ كما ترى. فنزلت: {غير أولي الضّرر}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} ثم عذر اللّه أهل العذر من النّاس، فقال: {غير أولي الضّرر} كان منهم ابن أمّ مكتومٍ {والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه} إلى قوله: {وكلًّا وعد اللّه الحسنى} لمّا ذكر فضل المجاهدين قال ابن أمّ مكتومٍ: يا رسول اللّه، إنّي أعمى ما أطيق الجهاد. فأنزل اللّه فيه: {غير أولي الضّرر}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه النّفيليّ، قال: حدّثنا زهير بن معاوية، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: كنت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: ادع لي زيدًا وقل له ائت، أو يجيء، بالكتف والدّواة، أو اللّوح والدّواة، الشّكّ من زهيرٍ، اكتب: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه} فقال ابن أمّ مكتومٍ: يا رسول اللّه، إنّ بعينيّ ضررًا. فنزلت قبل أن يبرح {غير أولي الضّرر}.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ البصريّ قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بنحوه، إلاّ أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ادع لي زيدًا وليجئني معه بكتفٍ ودواةٍ، أو لوحٍ ودواةٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن زياد بن فيّاضٍ، عن أبي عبد الرّحمن، قال: لمّا نزلت: {لا يستوي القاعدون} قال عمرو ابن أمّ مكتومٍ: يا ربّ، ابتليتني فكيف أصنع؟ فنزلت: {غير أولي الضّرر}.
- حدثنا سعيد بن الربيع المرائي قال: حدثنا سفيان عن معمر عن الزهري قال: قال زيد بن ثابت كنت النبي عند صلّى اللّه عليه وسلّم أكتب ما يملى علي قال سعيد قال سفيان وكان أهل المدينة يسمونه كانت الوحي قال وخده على فخذي قال فنزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} اعترض ابن أم مكتوم فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم{غير أولي الضّرر} فثقلت فخذه على فخذي حتى كادت أن تحطم.
وكان ابن عبّاسٍ يقول في معنى: {غير أولي الضّرر} نحوًا ممّا قلنا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {غير أولي الضّرر} قال: أهل الضّرر.
- حدّثنا ابن سنانٍ البزّار، قال: حدّثنا إسحاق بن إدريس، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدّثنا عاصم بن كليبٍ الجرميّ، حدّثني أبي، أنّ خالي الفلتان بن عاصمٍ، حدّثه، قال: " كنّا قعودًا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه، وكان إذا أنزل عليه دام بصره مفتوحةٌ عيناه وفرّغ سمعه وبصره لما يأتيه من اللّه، قال: وكنّا نعرف ذلك في وجهه، قال: فلمّا فرغ قال للكاتب: " اكتب: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم}، إلى آخر الآية، قال: فقام الأعمى، فقال: يا رسول اللّه، ما ذنبنا؟ فأنزل اللّه على رسوله عليه السّلام، فقلت للأعمى: إنّه ينزّل عليه، قال: فخاف أن يكون فيه شيءٌ، قال: فبقي قائمًا مكانه، يقول: أتوب إلى اللّه، حتّى فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال للكاتب: اكتب: {غير أولي الضّرر} ). [جامع البيان: 7/365-374]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً} فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين من أولي الضّرر درجةً واحدةً، يعني فضيلةً واحدةً، وذلك بفضل جهادٍ بنفسه، فأمّا فيما سوى ذلك فهما مستويان. كما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، أنّه سمع ابن جريجٍ، يقول في: {فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً} قال: على أهل الضّرر). [جامع البيان: 7/375]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله: {وكلًّا وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وكلًّا وعد اللّه الحسنى} وعد اللّه الكلّ من المجاهدين بأموالهم وأنفسهم، والقاعدين من أهل الضّرر الحسنى. ويعني جلّ ثناؤه بالحسنى: الجنّة؛
كما:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وكلًّا وعد اللّه الحسنى} وهي الجنّة، واللّه يؤتي كلّ ذي فضلٍ فضله.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قال: الحسنى: الجنّة.
وأمّا قوله: {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا} فإنّه يعني: وفضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين من غير أولي الضّرر أجرًا عظيمًا. كما:
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا درجاتٍ منه ومغفرةً} قال: على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضّرر). [جامع البيان: 7/375-376]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلًّا وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا (95)
قوله تعالى: لا يستوي.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: لا يستوي القاعدون يقول: لا يستوي في الفضل.
قوله تعالى: القاعدون من المؤمنين. [5843]
وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: القاعدون من المؤمنين قال: القاعدون عن العدوّ من المؤمنين والمجاهد.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن مهلٍّ الصّنعانيّ، ثنا عبد الرّزّاق، عن ابن جريجٍ، أخبرني عبد الكريم أنّ مقسماً مولى عبد اللّه بن الحارث، أخبره أنّه سمع ابن عبّاسٍ يقول: لا يستوي القاعدون عن بدرٍ والخارجون إليها.
قوله تعالى: غير أولي الضّرر. [5845]
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أحمد بن بشيرٍ، ثنا مسعرٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لمّا نزلت: لا يستوي القاعدون من المؤمنين كلّمه ابن أمّ مكتومٍ فنزلت غير أولي الضّرر.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن الزّهريّ، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، عن زيد بن ثابتٍ قال: كنت أكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: اكتب: «لا يستوي القاعدون من المؤمنين... والمجاهدون في سبيل اللّه» فجاء عبد اللّه ابن أمّ مكتومٍ، فقال: يا رسول اللّه: إنّي أحبّ الجهاد في سبيل اللّه، ولكن بي من الزّمانة ما قد ترى ذهب بصري. قال زيدٌ: فتقلّب فخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على فخذي حتّى حسبت أن يرضها، ثمّ سرى عنه، ثمّ قال: اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: غير أولي الضّرر أهل العذر.
قوله تعالى: والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم. [5848]
حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرزاق ، أنبأ ابن جريح، أخبرني عبد الكريم أنّ مقسماً مولى عبد اللّه بن الحارث، أخبره عن ابن عبّاسٍ أخبره قال: لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم قال: لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدرٍ والخارجون إلى بدرٍ.
قوله تعالى: فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً. [5849]
حدّثنا أبي، ثنا عبدة، ثنا ابن المبارك، أنبأ أبو الحسن أنّه سمع ابن جريجٍ يقول في قول اللّه تعالى: فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة قال: على أهل الضرر.
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني أبو يحيى فليح بن سليمان عن هلال بن أبي ميمونة، عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: إنّ في الجنّة مائة درجةٍ أعدّها اللّه للمجاهدين في سبيله، كلّ درجتين ما بينهما كما بين السّماء والأرض.
- حدّثنا حمّاد بن الحسن بن عنبسة، ثنا يحيى بن حمّادٍ، ثنا أبو عوانة، عن سليمان يعني الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من بلغ بسهمٍ فله درجةٌ. فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، وما الدّرجة؟ قال: أما أنّها ليست بعتبة أمّك، ما بين الدّرجتين مائة عامٍ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً يعني: فضيلةً.
قوله تعالى: وكلا. [5853]
وبه عن سعيد بن جبيرٍ: وكلا يعني: المجاهد والقاعد المعذور.
قوله تعالى: وعد اللّه الحسنى. [5854]
حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ الدّمشقيّ، ثنا الوليد يعني ابن مسلمٍ، ثنا زهير بن محمّدٍ، حدّثني من سمع أبا العالية الرّياحيّ يحدّث عن أبيّ بن كعبٍ قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحسنى، قال: الحسنى: الجنّة.
قوله تعالى: وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيمًا. [5855]
حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني أبي لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين الّذين لا عذر لهم أجراً عظيماً). [تفسير القرآن العظيم: 3/1042-1044]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ ت) ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} [النساء: 95] عن بدرٍ والخارجون إليها.
هذه رواية البخاري.
وزاد الترمذي: لما نزلت غزوة بدرٍ، قال عبد بن جحشٍ، وابن أمّ مكتومٍ: إنّا أعميان يا رسول الله، فهل لنا رخصةٌ؟ فنزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} و {فضّل الله المجاهدين على القاعدين درجةً} فهؤلاء القاعدون غير أولي الضّرر، {وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً. درجاتٍ منه} على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر). [جامع الأصول: 2/100]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ ت د س) زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن رسول الله أملى عليّ: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله} فجاءه ابن أم مكتومٍ - وهو يملّها عليّ فقال: والله يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت - وكان أعمى - فأنزل الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وفخذه على فخذي - فثقلت عليّ، حتّى خفت أن ترضّ فخذي، ثمّ سرّي عنه، فأنزل الله عز وجل: {غير أولي الضّرر}.
أخرجه البخاري والترمذي والنسائي.
وفي رواية أبي داود قال: كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السّكينة، فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سرّي عنه، فقال لي: «اكتب»، فكتبت في كتفٍ: {لا يستوي القاعدون...} إلى آخر الآية. فقام ابن أم مكتومٍ - وكان رجلاً أعمى - لمّا سمع فضيلة المجاهدين، فقال: يا رسول الله، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين؟ فلمّا قضى كلامه غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السّكينة، فوقعت فخذه على فخذي، ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى، ثم سرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:: اقرأ يا زيد، فقرأت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {غير أولي الضّرر...} الآية كلها، قال زيد: أنزلها اللّه وحدها، فألحقها: «والذي نفسي بيده، لكأنّي أنظر إلى ملحقها عند صدعٍ في كتفٍ».
[شرح الغريب]
(يرض) الرّضّ: شبه الدّقّ والكسر من غير إبانة.
(السكينة) فعيلة من السكون، والمراد بها: ما كان يأخذه صلى الله عليه وسلم عند الوحي من ذلك.
(كتف) الكتف: عظم كتف الشاة العريض). [جامع الأصول: 2/100-102]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت س) البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً، فجاء بكتفٍ، وكتبها، وشكا ابن أمّ مكتوم ضرارته، فنزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر}.
وفي أخرى قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادعوا فلاناً، فجاءه، ومعه الدواة واللوح أو الكتف»، فقال: اكتب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله} وخلف النبيّ صلى الله عليه وسلم ابن أمّ مكتوم، فقال: يا رسول الله، أنا ضريرٌ، فنزلت مكانها {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله}، هذه رواية البخاري ومسلم.
وفي رواية الترمذي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ائتوني بالكتف - أو اللوح-» فكتب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} وعمرو بن أمّ مكتومٍ خلف ظهره، فقال: هل لي رخصةٌ؟ فنزلت {غير أولي الضّرر}.
وفي أخرى له وللنسائي بنحوها، قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} جاء عمرو بن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم - وكان ضرير البصر - فقال: يا رسول الله، ما تأمرني؟ إني ضرير البصر، فأنزل الله {غير أولي الضّرر} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ائتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة».
[شرح الغريب]
(ضرارته) الضرارة هاهنا: العمى). [جامع الأصول: 2/102-103]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون} [النساء: 95])
- عن الفلتان بن عاصمٍ - رضي اللّه عنه - قال: «كنّا عند النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فأنزل اللّه عليه، وكان إذا أنزل عليه دام بصره، مفتوحةً عيناه، وفرغ سمعه وقلبه لما يأتيه من اللّه، قال: فكنّا نعرف ذلك منه. قال: فقال للكاتب: " اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه ". قال: فقام الأعمى فقال: يا رسول اللّه، ما ذنبنا ما نزّل اللّه؟ فقلنا للأعمى: إنّه ينزل على النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فخاف أن يكون أن ينزل عليه شيءٌ في أمره، فبقي قائمًا يقول: أعوذ بغضب رسول اللّه، فقال النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - للكاتب: اكتب {غير أولي الضّرر} [النساء: 95].
رواه أبو يعلى والبزّار بنحوه، والطّبرانيّ بنحوه، إلّا أنّه قال: فبقي قائمًا يقول: أتوب إلى اللّه»، ورجال أبي يعلى ثقاتٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} [النساء: 95] قال: هم قومٌ كانوا على عهد رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - لا يغزون معه لأسقامٍ وأمراضٍ وأوجاعٍ، وآخرون أصحّاء لا يغزون معه، فكان المرضى في عذرٍ من الأصحّاء.
رواه الطّبرانيّ من طريقين، ورجال أحدهما ثقاتٌ.
- وعن زيد بن أرقم - رضي اللّه عنه - قال: «لمّا نزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه جاء ابن أمّ مكتومٍ فقال: يا رسول اللّه، أما لي من رخصةٍ؟ قال: " لا ". قال ابن أمّ مكتومٍ: اللّهمّ إنّي ضريرٌ فرخّص لي. فأنزل اللّه - عزّ وجلّ -: {غير أولي الضّرر} [النساء: 95] فأمر رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بكتابتها».
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/9]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا أحمد بن عليّ بن المثنّى حدّثنا إبراهيم بن الحجّاج السّامي حدثنا عبد الواحد بن زيادٍ حدّثنا عاصم بن كليب حدّثني أبي عن خالي الفلتان بن عاصمٍ قال كنّا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأنزل عليه وكان إذا أنزل عليه رام بصره وفرغ سمعه وقلبه مفتوحة عيناه لما يأتيه من الله فكنّا نعرف ذلك فقال: "للكاتب اكتب" {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل الله} قال فقام الأعمى فقال يا رسول اللّه ما ذنبنا فأنزل الله عليه فقلنا للأعمى إنّه ينزّل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبقي قائما ويقول أعوذ باللّه من غضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للكاتب اكتب {غير أولي الضّرر} قلت في الأصح أعوذ بغضب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/429]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا أبو كاملٍ، ثنا عبد الواحد بن زيادٍ، ثنا عاصم بن كليبٍ، عن أبيه، عن الفلتان بن عاصمٍ، قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل عليه، وكان إذا أنزل عليه فتح عينيه، وفرغ سمعه وبصره لما جاءه من اللّه تعالى، فلمّا فرغ قال للكاتب: " اكتب: {لا يستوي القاعدون والجّاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم، فضّل اللّه المجاهدين على القاعدين درجةً} فقام ابن أمّ مكتومٍ الأعمى، فقال: يا رسول اللّه، فاعذرني، فأنزل اللّه على رسوله وهو قائمٌ، فقال للكاتب: " اكتب {غير أولي الضّرر} [النساء: 95] ".
قال البزّار: حديث الفلتان يروى بإسنادٍ أحسن من هذا). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/45-46]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال أبو بكر بن أبي شيبة: وثنا عفّان، ثنا عبد الواحد بن زيادٍ، ثنا عاصم بن كليبٍ، حدّثني أبي، عن الفلتان بن عاصمٍ قال: "كنّا قعودًا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فنزل عليه، وكان إذا نزل عليه دام بصره، مفتوحةٌ عيناه وفرّغ سمعه وبصره لما جاءه من اللّه، فلمّا فرغ قال للكاتب اكتب: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة. فقام ابن أمّ مكتومٍ الأعمى فقال: يا رسول اللّه، ما ذنبنا؟! فأنزل اللّه، قال: فقلنا للأعمى: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ينزل عليه. قال: فبقي قائمًا يقول: اللّهمّ أتوب إليك. فلمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: اكتب: (غير أولي الضرر) .
- رواه أبو يعلى الموصليّ: ثنا إبراهيم بن الحجّاج، ثنا عبد الواحد بن زيادٍ، ثنا عاصم بن كليبٍ، حدّثني أبي، عن خاله الفلتان بن عاصمٍ قال: "كنّا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه، وكان إذا نزل عليه دام بصره، مفتوحةٌ عيناه وفرّغ سمعه وقلبه لما يأتيه من اللّه- عزّ وجلّ ... " فذكره.
- ورواه البزّار: ثنا أبو كاملٍ، ثنا عبد الواحد بن زيادٍ ... فذكره.
- ورواه ابن حبّان في صحيحه: ثنا أبو يعلى ... فذكره). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/197-198]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو بكرٍ: حدثنا عفّان:
- وقال أبو يعلى: حدثنا إبراهيم بن الحجّاج:
- وقال البزّار: حدثنا أبو كاملٍ قالوا: حدثنا عبد الواحد بن زيادٍ، ثنا عاصم بن كليبٍ، حدّثني أبي عن الفلتان بن عاصمٍ قال: كنّا قعودًا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزل عليه، وكان (صلّى اللّه عليه وسلّم) إذا نزل عليه (دام) بصره، مفتوحةٌ عيناه، وفرغ سمعه وبصره، لما جاءه من اللّه تعالى، فلمّا فرغ، قال للكاتب: اكتب: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والجّاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم} الآية، قال: فقام ابن أمّ مكتومٍ (الأعمى)، فقال: يا رسول اللّه: ما ذنبنا، فأنزل اللّه عز وجل، فقلنا للأعمى: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نزل عليه، قال: فبقي قائمًا يقول: اللّهمّ إنّي أتوب إليك، فلمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: اكتب غير أولي الضّرر.
أخرجه ابن حبّان في صحيحه عن ابن يعلى). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/575-576]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن سعد، وعبد بن حميد والبخاري والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف والبغوي في معجمه والبيهقي في "سننه" عن البراء بن عازب قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ادع فلانا، وفي لفظ: ادع زيدا فجاء ومعه الدواة واللوح والكتف فقال: اكتب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله} وخلف النّبيّ صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله إني ضرير فنزلت مكانها {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله}.
وأخرج ابن سعد وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي من طريق ابن شهاب قال: حدثني سهل بن سعد الساعدي أن مروان بن الحكم أخبره: أن زيد بن ثابت أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله} فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت - وكان أعمى - فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله {غير أولي الضرر}
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح قال: وفي هذا الحديث رواية رجل من الصحابة وهو سهل بن سعد عن رجل من التابعين وهو مروان بن الحكم لم يسمع من النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن سعد وأحمد وأبو داوود، وابن المنذر، وابن الأنباري والطبراني والحاكم وصححه من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت قال: كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سري عنه: فقال: اكتب، فكتبت في كتف {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله} إلى آخر الآية، فقال ابن أم مكتوم - وكان رجلا أعمى - لما سمع فضل المجاهدين: يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين فلما قضى كلامه غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي فوجدت ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ يا زيد، فقرأت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب {غير أولي الضرر} الآية، قال زيد: أنزلها الله وحدها فألحقتها والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف
وأخرج ابن فهر في كتاب الفضائل مالك، وابن عساكر من طريق عبد الله بن رافع قال: قدم هارون الرشيد المدينة فوجه البرمكي إلى مالك وقال له: احمل إلي الكتاب الذي صنفته حتى أسمعه منك، فقال للبرمكي: أقرئه السلام وقل له: إن العلم يزار ولا يزور وإن العلم يؤتى ولا يأتي، فرجع البرمكي إلى هارون فقال له: يا أمير المؤمنين يبلغ أهل العراق أنك وجهت إلى مالك فخالفك اعزم عليه حتى يأتيك فإذا بمالك قد دخل وليس معه كتاب وأتاه مسلما فقال: يا أمير المؤمنين إن الله جعلك في هذا الموضع لعلمك فلا تكن أنت أول من يضع العلم فيضعك الله ولقد رأيت من ليس في حسبك ولا بيتك يعز هذا العلم ويجله فأنت أحرى أن تعز وتجل علم ابن عمك ولم يزل يعدد عليه من ذلك حتى بكى هارون ثم قال أخبرني الزهري عن خارجة بن زيد قال: قال زيد بن ثابت: كنت أكتب بيد يدي النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كتف {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير}، وابن أم مكتوم عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد أنزل الله في فضل الجهاد ما أنزل وأنا رجل ضرير فهل لي من رخصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أدري، قال زيد بن ثابت: وقلمي رطب ما جف حتى غشي النّبيّ صلى الله عليه وسلم الوحي ووقع فخذه على فخذي حتى كادت تدق من ثقل الوحي ثم جلى عنه فقال لي: اكتب يا زيد {غير أولي الضرر} فيا أمير المؤمنين حرف واحد بعث به جبريل والملائكة عليهم السلام من مسيرة خمسين ألف عام حتى أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي لي أن أعزه وأجله،.
وأخرج الترمذي وحسنه النسائي، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق مقسم عن ابن عباس أنه قال {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} عن بدر والخارجين إلى بدر لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش، وابن أم مكتوم: إنا أعميان يا رسول الله فهل لنا رخصة فنزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} وفضل الله المجاهدين على القاعدين درجة فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين} درجات منه على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والبخاري، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق مقسم عن ابن عباس أنه قال {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} عن بدر والخارجين إليها.
وأخرج ابن جرير والطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات عن زيد بن أرقم قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله} جاء ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله أما لي من رخصة قال: لا، قال: اللهم إني ضرير فرخص لي، فأنزل الله {غير أولي الضرر} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابتها.
وأخرج عبد بن حميد والبزار وأبو يعلى، وابن حبان والطبراني عن الفلتان ابن عاصم قال: كنا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه وكان إذا أنزل عليه دام بصره مفتوحة عيناه وفرغ سمعه وقلبه لما يأتيه من الله قال: فكنا نعرف ذلك منه.
فقال للكاتب: اكتب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله} فقام الأعمى فقال: يا رسول الله ما ذنبنا فأنزل الله فقلنا للأعمى: إنه ينزل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فخاف أن يكون ينزل عليه شيء في أمره فبقي قائما يقول: أعوذ بغضب رسول الله فقال للكاتب: اكتب {غير أولي الضرر}.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله} فسمع بذلك عبد الله بن أم مكتوم الأعمى فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد أنزل الله في الجهاد ما قد علمت وأنا رجل ضرير البصر لا أستطيع الجهاد فهل لي من رخصة عند الله إن قعدت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أمرت في شأنك بشيء وما أدري هل يكون لك ولأصحابك من رخصة، فقال ابن أم مكتوم: اللهم إني أنشدك بصري، فأنزل الله {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر}.
وأخرج عبد بن حميد والطبراني والبيهقي من طريق أبي نضرة عن ابن عباس في الآية قال: نزلت في قوم كانت تشغلهم أمراض وأوجاع فأنزل الله عذرهم من السماء.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد عن أنس بن مالك قال: نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم {غير أولي الضرر} لقد رأيته في بعض مشاهد المسلمين معه اللواء.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير عن عبد الله بن شداد قال: لما نزلت هذه الآية {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قام ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله إني ضرير كما ترى فأنزل الله {غير أولي الضرر}.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ذكر لنا أنه لما نزلت هذه الآية قال عبد الله بن أم مكتوم: يا نبي الله عذري فأنزل الله {غير أولي الضرر}.
وأخرج ابن جرير عن سعيد قال: نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله} فقال رجل أعمى: يا نبي الله فإني أحب الجهاد ولا أستطيع أن أجاهد، فنزلت {غير أولي الضرر}.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لما نزلت هذه الآية قال ابن أم مكتوم: يا رسول الله إني أعمى ولا أطيق الجهاد، فأنزل الله فيه {غير أولي الضرر}.
وأخرج ابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير من طريق زياد بن فياض عن أبي عبد الرحمن قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون} قال عمرو بن أم مكتوم: يا رب ابتليتني فكيف أصنع فنزلت {غير أولي الضرر}.
وأخرج ابن سعد، وابن المنذر من طريق ثابت عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله} قال ابن أم مكتوم: أي رب أين عذري أي رب أين عذري فنزلت {غير أولي الضرر} فوضعت بينها وبين الأخرى فكان بعد ذلك يغزو ويقول: ادفعوا إلي اللواء وأقيموني بين الصفين فإني لن أفر.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال: نزلت في ابن أم مكتوم أربع آيات {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} ونزل فيه (ليس على الأعمى حرج) (النور الآية 61) ونزل فيه (فإنها لا تعمى الأبصار) (الحج الآية 16) الآية، ونزل فيه (عبس وتولى) (عبس الآية 1) فدعا به النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأدناه وقربه وقال: أنت الذي عاتبني فيك ربي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: لا يستوي في الفضل القاعد عن العدو والمجاهد درجة يعني فضيلة {وكلا} يعني المجاهد والقاعد المعذور {وفضل الله المجاهدين على القاعدين} الذين لا عذر لهم {أجرا عظيما درجات} يعني فضائل {وكان الله غفورا رحيما} بفضل سبعين درجة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {غير أولي الضرر} قال: أهل العذر، واخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة} قال: على أهل الضرر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {وكلا وعد الله الحسنى} أي الجنة والله يؤتي كل ذي فضل فضله.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة} قال على القاعدين من المؤمنين {غير أولي الضرر}). [الدر المنثور: 4/623-632]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن وهب قال: سألت ابن زيد عن قول الله تعالى {وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه} الدرجات هي السبع لتي ذكرها في سورة براءة (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب) فقرأ حتى بلغ (أحسن ما كانوا يعملون) (التوبة الآية 120 - 121) قال: هذه السبع درجات قال: كان أول شيء فكانت درجة الجهاد مجملة فكان الذي جاهد بماله له اسم في هذه فلما جاءت هذه الدرجات بالتفضيل أخرج منها ولم يكن له منها إلا النفقة فقرأ (لا يصيبهم ظمأ ولا نصب) (التوبة الآية 120) وقال: ليس هذا لصاحب النفقة ثم قرأ (ولا ينفقون نفقة) قال: وهذه نفقة القاعد.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن محيريز في قوله {وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات} قال: الدرجات سبعون درجة ما بين الدرجتين عدو الجواد المضمر سبعون سنة.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أبي مجلز في قوله {وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات} قال: بلغني أنها سبعون درجة بين كل درجتين سبعون عاما للجواد المضمر.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة في قوله {درجات منه ومغفرة ورحمة} قال: ذكر لنا أن معاذ بن جبل كان يقول: إن للقتيل في سبيل الله ست خصال من خير: أول دفعة من دمه يكفر بها عنه ذنوبه ويحلى عليه حلة الإيمان ثم يفوز من العذاب ثم يأمن من الفزع الأكبر ثم يسكن الجنة ويزوج من الحور العين.
وأخرج البخاري والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين
الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله كل درجتين بينهما كما بين السماء والأرض.
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي والحاكم عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وجبت له الجنة، عجب لها أبو سعيد فقال: أعدها علي يا رسول الله، فأعادها عليه ثم قال: وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، قال: وما هي يا رسول الله قال: الجهاد في سبيل الله.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بلغ بسهم في سبيل الله فله درجة، فقال رجل: يا رسول الله وما الدرجة قال: أما أنها ليست بعتبة أمك ما بين الدرجتين مائة عام.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين منها كما بين السماء والأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي مالك قال: كان يقال: الجنة مائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء إلى الأرض فيهن الياقوت والخيل في كل درجة أمير يرون له الفضل والسؤدد). [الدر المنثور: 4/632-635]

تفسير قوله تعالى: (دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً وكان اللّه غفورًا رحيمًا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {درجاتٍ منه} فضائل منه ومنازل من منازل الكرامة.
واختلف أهل التّأويل في معنى الدّرجات الّتي قال جلّ ثناؤه {درجاتٍ منه}.فقال بعضهم بما
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً} كان يقال: الإسلام درجةٌ، والهجرة في الإسلام درجةٌ، والجهاد في الهجرة درجةٌ، والقتل في الجهاد درجةٌ.
وقال آخرون بما:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سألت ابن زيدٍ عن قول اللّه، تعالى: {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا درجاتٍ منه} الدّرجات: هي السّبع الّتي ذكرها في سورة براءة: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصبٌ} فقرأ حتّى بلغ: {أحسن ما كانوا يعملون} قال: هذه السّبع الدّرجات. قال: وكان أوّل شيءٍ، فكانت درجة الجهاد مجملةً، فكان الّذي جاهد بماله له اسمٌ في هذه، فلمّا جاءت هذه الدّرجات بالتّفضيل أخرج منها فلم يكن له منها إلاّ النّفقة. فقرأ: {لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصبٌ} وقال: ليس هذا لصاحب النّفقة. ثمّ قرأ: {ولا ينفقون نفقةً} قال: وهذه نفقة القاعد.
وقال آخرون: عني بذلك درجات الجنّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن الحسن الأزديّ، قال: حدّثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن هشام بن حسّان، عن جبلة بن سحيمٍ، عن ابن محيريزٍ، في قوله: {فضّل اللّه المجاهدين على القاعدين} إلى قوله: {درجاتٍ} قال: الدّرجات: سبعون درجةً، ما بين الدّرجتين حضر الفرس الجواد المضمّر سبعين سنةً.
وأولى التّأويلات بتأويل قوله: {درجاتٍ منه} أن يكون معنيًّا به درجات الجنّة، كما قال ابن محيريزٍ؛ لأنّ قوله تعالى ذكره: {درجاتٍ منه} ترجمةٌ وبيانٌ عن قوله: {أجرًا عظيمًا} ومعلومٌ أنّ الأجر إنّما هو الثّواب والجزاء، وإذا كان ذلك كذلك، وكانت الدّرجات والمغفرة والرّحمة ترجمةً عنه، كان معلومًا أن لا وجه لقولٍ من وجه معنى قوله: {درجاتٍ منه} إلى الأعمال وزيادتها على أعمال القاعدين عن الجهاد كما قال قتادة أو ابن زيدٍ.
وإذا كان ذلك كذلك، وكان الصّحيح من تأويل ذلك ما ذكرنا، فبيّن أنّ معنى الكلام: وفضّل اللّه المجاهدين في سبيل اللّه على القاعدين من غير أولي الضّرر. أجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلاً، وهو درجاتٌ أعطاهموها في الآخرة من درجات الجنّة، رفعهم بها على القاعدين بما أبلوا في ذات اللّه. {ومغفرةً} يقول: وصفح لهم عن ذنوبهم، فتفضّل عليهم بترك عقوبتهم عليها. {ورحمةً} يقول: ورأفةً بهم. {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} يقول: ولم يزل اللّه غفورًا لذنوب عباده المؤمنين، فيصفح لهم عن العقوبة عليها {رحيمًا} بهم، يتفضّل عليهم بنعمه، مع خلافهم أمره ونهيه وركوبهم معاصيه). [جامع البيان: 7/376-378]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً وكان اللّه غفورًا رحيمًا (96)
قوله تعالى: درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو معاوية، ثنا هشام بن حسّان عن جبلة بن عطيّة عن ابن محيريزٍ: وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً درجاتٍ منه، قال: ما بين الدّرجتين حصر الفرس الجواد المطهم.
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا الحسين يعني ابن حفصٍ، ثنا سفيان عن هشام ابن حسّان، عن جبلة بن عطيّة، عن ابن محيريز قال: قرئت عنده هذه الآية:
وفضلّ اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا. درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً وكان اللّه غفوراً رحيماً قال: الدّرجات سبعون درجة ما بين الدّرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعون سنةً.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً يعني: فضائل ورحمةً.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً يقول: الإسلام درجةٌ، والهجرة درجةٌ، والقتل في سبيل اللّه درجةٌ.
قوله تعالى: وكان. [5860]
حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن القاسم بن عطيّة، ثنا إبراهيم يعني ابن موسى، أنبأ أبو معاوية، عن مجمّع بن يحيى، عن خالد بن يزيد عن ابن عبّاسٍ في قوله:
وكان قال: وكذلك كان لم يزل.
قوله تعالى: وكان اللّه غفوراً رحيماً. [5861]
حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: وكان اللّه غفوراً رحيماً بفضل سبعين درجةً). [تفسير القرآن العظيم: 3/1044-1045]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {درجات منه ومغفرة ورحمة} قال: كان يقال: الإسلام درجة والهجرة درجة في الإسلام والجهاد في الهجرة درجة والقتل في الجهاد درجة). [الدر المنثور: 4/632]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا...}
(فتثبّتوا - قراءة عبد الله بن مسعود وأصحابه، وكذلك التي في الحجرات، ويقرأ أن: فتثبّتوا) وهما متقاربتان في المعنى، تقول للرجل: لا تعجل بإقامة حتى تتبين وتتثبت.
وقوله:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً} ذكروا أنه رجل سلّم على بعض سرايا المسلمين، فظنّوا أنه عائذ بالإسلام وليس بمسلم فقتل.

وقرأه العامة: السلم.
والسلم: الاستسلام والإعطاء بيده). [معاني القرآن: 1/283]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم مّن قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيراً}
قال: {إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا} وقال بعضهم {فتثبّتوا} وكلّ صواب لأنك تقول "تبيّن حال القوم" و"تثبّت"، و"لا تقدم حتّى تتبيّن" و"حتّى تتثبّت"). [معاني القرآن: 1/209]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الإسلام: هو الدخول في السّلم، أي: في الانقياد والمتابعة.

قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} أي: انقاد لكم وتابعكم.

والاستسلام مثله، يقال: سلّم فلان لأمرك واستسلم وأسلم، أي: دخل في السّلم.

كما تقول: أشتى الرجل: إذا دخل في الشتاء، وأربع: دخل في الربيع، وأقحط: دخل في القحط.

فمن الإسلام: متابعة وانقياد باللّسان دون القلب.

ومنه قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي: أنقذنا من خوف السيف.

وكذلك قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} أي: انقاد له وأقرّ به المؤمن والكافر.

ومن الإسلام: متابعة وانقياد باللسان والقلب، ومنه قوله حكاية عن إبراهيم: {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وقوله: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} أي: انقدت لله بلساني وعقدي.
والوجه زيادة، كما قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، يريد: إلا هو، وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}، أي: لله. قال زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية:

أسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
أي: انقادت له المزن). [تأويل مشكل القرآن:479-480] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (والضرب: المسير، قال الله تعالى: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وقال تعالى: {وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ}). [تأويل مشكل القرآن: 497]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا}
و(فتثبّتوا) بالثاء والتاء.
ومعنى {ضربتم}: سرتم في الأرض وغزوتم.

وقوله:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا}.
قرئت السلام بالألف، وقرئت السّلم. فأما السلام: فيجوز أن يكون من التسليم، ويجوز أن يكون بمعنى: السّلم، وهو: الاستسلام، وإلقاء المقادة إلى إرادة المسلمين.

ويروى في التفسير: أن سبب هذا أن رجلا انحاز وأظهر الإسلام فقتله رجل من المسلمين وأخذ سلبه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن حق من ألقى السلم أن يتبين أمره.
ومن قرأ (فتثبتوا) فحقه أن يتثبّت في أمره، وأعلم الله - جلّ وعزّ – أن كل من أسلم ممن كان كافرا فبمنزلة الذي تعوذ بالإسلام، فقال عزّ وجلّ:
{كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم} أي: منّ عليكم بالإسلام، وبأن قبل ذلك منكم على ما أظهرتم ثم كرر الأمر بالتبيين فقال عزّ وجلّ: {فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا} ). [معاني القرآن: 2/91-92]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} وتقرأ (فتثبتوا).

قال أبو عبيد: وإحداهما قريبة من الأخرى.
وقال غيره: قد يتثبت ولا يتبين، فالاختيار: فتبينوا.
ومعنى {ضربتم}: سافرتم). [معاني القرآن: 2/166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا}
وقرأ ابن عباس
{لمن ألقى إليكم السلام} فمن قرأ (السلم) فمعناه: عنده الانقياد والاستسلام.

ومن قرأ (السلام) فتحتمل قراءته معنيين:
أحدهما: أن يكون بمعنى السلم.
والآخر: أن يكون من التسليم.
وروى عطاء وعكرمة عن ابن عباس أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا براع فقال: السلام عليكم، فقالوا: إنما تعوذ، فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا}
قال ابن عباس:
يعني الغنيمة.

وروي عن أبي جعفر أنه قرأ (مؤمنا) بفتح الميم الثانية من أمنته إذا أجرته فهو مؤمن). [معاني القرآن: 2/166-168]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم} قال سعيد بن جبير: أي كذلك كنتم تخفون إيمانكم {فمن الله عليكم} أي فمن الله عليكم بالغزو وإظهار الدين .
واختار أبو عبيد القاسم بن سلام: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام}، وخالفه أهل النظر فقالوا: "السلم ههنا" أشبه لأنه بمعنى الانقياد والتسلم كما قال جل وعز: {فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء}). [معاني القرآن: 2/168-169]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {عرض الحياة الدنيا} أي: متاع الحياة الدنيا).
[ياقوتة الصراط: 201]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{لاّ يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر...}
يرفع
{غير} لتكون كالنعت للقاعدين؛ كما قال: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب} وكما قال {أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال} وقد ذكر أن {غير} نزلت بعد أن ذكر فضل المجاهد على القاعد، فكان الوجه فيه الاستثناء والنصب، إلا أنّ اقتران {غير} بالقاعدين يكاد يوجب الرفع؛ لأن الاستثناء ينبغي أن يكون بعد التمام، فتقول في الكلام: لا يستوي المحسنون والمسيئون إلا فلانا وفلانا، وقد يكون نصبا على أنه حال كما قال: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلّي الصيد} ولو قرئت خفضا لكان وجها: تجعل من صفة المؤمنين).
[معاني القرآن: 1/283-284]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {غير أولى الضّرر}: مصدر، ويقال ضرير بين الضرر). [مجاز القرآن: 1/138]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{لاّ يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلاًّ وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً}
قال:
{لاّ يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} مرفوعة لأنك جعلته من صفة القاعدين. وإن جررته فعلى "المؤمنين"، وإن شئت: نصبته إذا أخرجته من أول الكلام فجعلته استثناء وبها نقرأ. وبلغنا أنها أنزلت من بعد قوله: {لاّ يستوي القاعدون} ولم تنزل معها، وإنما هي استثناء عنى بها قوما لم يقدروا على الخروج ثم قال: {والمجاهدون} يعطفه على القاعدين لأن المعنى {لاّ يستوي القاعدون} {والمجاهدون}.

وقال: {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً} {درجاتٍ مّنه} يقول فعل ذلك درجات منه.
وقال: {أجراً عظيماً} لأنه قال: "فضّلهم" فقد أخبر أنه آجرهم فقال على ذلك المعنى كقولك: "أما واللّه لأضربنك إيجاعاً شديداً" لأنّ معناه: لأوجعنّك). [معاني القرآن: 1/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أولي الضرر}: الزمانة والعلة). [غريب القرآن وتفسيره: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({غير أولي الضّرر} أي: الزّمانة، يقال: ضرير بيّن الضّرر). [تفسير غريب القرآن: 134]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وفيه وجه آخر، وهو: أن القرآن كان ينزل شيئا بعد شيء وآية بعد آية، حتى لربما نزل الحرفان والثلاثة.
قال زيد بن ثابت: كنت أكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله. فجاء عبد الله ابن أمّ مكتوم فقال: يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل الله، ولكن بي من الضرر ما ترى. قال زيد: فثقلت فخذ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، على فخذي حتى خشيت أن ترضّها، ثم قال: اكتب:
{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
وروى عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل:
{وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} قال: كان ينزل آية وآيتين وآيات، جوابا لهم عما يسألون وردّا على النبي.

وكذلك معنى قوله سبحانه: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} شيئا بعد شيء، فكأن المشركين قالوا له: أسلم ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل الله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}
يريد: إن لم تؤمنوا حتى أفعل ذلك. ثم غبروا مدّة من المدد وقالوا: تعبد آلهتنا يوما أو شهرا أو حولا، ونعبد إلهك يوما أو شهرا أو حولا، فأنزل الله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} على شريطة أن تؤمنوا به في وقت وتشركوا به في وقت.

قال أبو محمد: وهذا تمثيل أردت أن أريك به موضع الإمكان). [تأويل مشكل القرآن:237-238]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلّا وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما}
قرئت
{غير أولي الضّرر} بالرفع و {غير} بالنصب، فأما الرفع فمن جهتين:
إحداهما: أن يكون " غير " صفة للقاعدين، وإن كان أصلها أن تكون صفة للنكرة، المعنى: لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولى الضرر، أي: لا يستوي القاعدون الأصحاء والمجاهدون وإن كانوا كلهم مؤمنين.

ويجوز أن يكون: " غير " رفعا على جهة الاستثناء.
المعنى: لا يستوي القاعدون والمجاهدون إلّا أولو الضرر، فإنهم يساوون المجاهدين، لأن الذي أقعدهم عن الجهاد الضرر، والضرر أن يكون ضريرا أو أعمى أو زمنا أو مريضا.
ويروى أن ابن أم مكتوم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -:: أعل جهاد؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(({انفروا خفافا وثقالا}، فإما أن تكون من الخفاف أو من الثقال)) فأنزل اللّه: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}
وقوله جلّ وعزّ:
{فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلّا وعد اللّه الحسنى} أي: وعد الجنّة.
{وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما}
ويجوز أن يكون
{غير أولي الضرر}: نصبا على الاستثناء من {القاعدين المعنى: لا يستوي القاعدون إلّا أولي الضرر.
على أصل الاستثناء النّصب.
ويجوز أن يكون :" غير " منصوبا على الحال، المعنى: لا يستوي القاعدون في حال صحتهم والمجاهدون.

كما تقول: جاءني زيد غير مريض، أي: جاءني زيد صحيحا.

ويجوز: جرّ " غير " على الصفة للمؤمنين، أي: لا يستوي القاعدون من المؤمنين الأصحاء والمجاهدون.
أما الرفع والنصب فالقراءة بهما كثيرة.
والجرّ وجه جيد إلا أن أهل الأمصار لم يقرأوا به وإن كان وجها.
لأن القراءة سنة متبعة). [معاني القرآن: 2/92-93]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال ابن عباس: لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها). [معاني القرآن: 2/169]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {غير أولي الضرر} الضرر: الزمانة

وتقرأ
{غير} رفعا ونصبا، قال أبو إسحاق: ويجوز الخفض.
فمن رفع، فالمعنى: لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر، أي: لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر، والمعنى: لا يستوي القاعدون الأصحاء.

ومن قرأ غير نصبا فهو
يحتمل معنيين:
أحدهما: الاستثناء ويكون المعنى إلا أولي الضرر فإنهم
يستوون مع المجاهدين.
والمعنى الآخر: أن يكون غير في موضع الحال، أي: لا يستوي القاعدون أصحاء والمعنى على النصب لأنه روى زيد بن ثابت والبراء بن عازب أنه لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قام ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله أنا ضرير، فنزلت: {غير أولي الضرر}، فألحقت بها هذا معنى الحديث ومن قرأ بالخفض، فالمعنى عنده: من المؤمنين الذين هم غير أولي الضرر، أي: من المؤمنين الأصحاء). [معاني القرآن: 2/170-171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وكلا وعد الله الحسنى} المجاهدين وأولي الضرر وعد الله الحسنى

قال أهل التفسير: يعني بالحسنى الجنة). [معاني القرآن: 2/171-172]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وفضل الله المجاهدين على القاعدين} الذين ليس لهم ضرر {أجرا عظيما} درجات، منه وروي عن ابن محيريز أنه قال تلك سبعون درجة ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة).
[معاني القرآن: 2/172]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الضَّرَرِ}: العلة). [العمدة في غريب القرآن: 114]


تفسير قوله تعالى: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{درجات منه ومغفرة ورحمة وكان اللّه غفورا رحيما}
{درجات} في موضع نصب بدلا من قوله..{ أجرا عظيما} وهو مفسّر للآخر.
المعنى: فضّل اللّه المجاهدين درجات ومغفرة ورحمة.

وجائز أن يكون: منصوبا على التوكيد لـ
{أجرا عظيما} لأن الأجر العظيم هو رفع الدرجات من اللّه جلّ وعزّ والمغفرة والرحمة، كما تقول لك على ألف درهم، لأن قولك على ألف درهم هو اعتراف فكأنك قلت أعرفها عرفا، وكأنه قيل: غفر اللّه لهم مغفرة، وأجرهم أجرا عظيما، لأن قوله {أجرا عظيما} فيه معنى غفر ورحم وفضّل.
ويجوز: الرفع في قوله
{درجات منه ومغفرة ورحمة}، ولو قيل: {درجات منه ومغفرة ورحمة}
كان جائز جائزا على إضمار تلك درجات منه ومغفرة كما قال جل ثناؤه:
{لم يلبثوا إلّا ساعة من نهار بلاغ} أي: ذلك بلاغ). [معاني القرآن: 2/93-94]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:43 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن التبين من الله والعجلة من الشيطان فتبينوا)).
قال الكسائي وغيره: التبين مثل التثبت في الأمور والتأني فيها.
وقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ: (إذا ضربتم في سبيل الله فتثبتوا) وبعضهم {فتبينوا} والمعنى قريب بعضه من بعض). [غريب الحديث: 3/391]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما يكون فيه إلا وما بعده وصفا بمنزلة مثل وغيرٍ
وذلك قولك لو كان معنا رجلٌ إلاّ زيدٌ لغلبنا.
والدليل على أنه وصف أنك لو قلت لو كان معنا إلا زيد لهلكنا وأنت تريد الاستثناء لكنت قد أحلت. ونظير ذلك قوله عز وجل:
{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}.
ونظير ذلك من الشعر قوله وهو ذو الرمة:

أنخت فألقت بلدةً فوق بلدةٍ = قليلٍ بها الأصوات إلاّ بغامها
كأنه قال قليل بها الأصوات غير بغامها إذا كانت غير غير استثناء.
ومثل ذلك قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير
أولى الضّرّر} وقوله عز وجل ذكره: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم}. ومثل ذلك في الشعر للبيد بن ربيعة:

وإذا أقرضت قرضاً فأجزه = إنّما يجزى الفتى غير الجمل
وقال أيضا:
لو كان غيري سليمى اليوم غيره = وقع الحوادث إلاّ الصارم الذّكر).
[الكتاب: 2/331-333] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (كتاب نافع إلى المحكمة من أهل البصرة
وكتب نافع إلى من بالبصرة من المحكمة:
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: فإن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. والله إنكم لتعلمون أن الشريعة واحدة، والدين واحد، ففيم المقام بين أظهر الكفار، ترون الظلم ليلاً ونهارًا، وقد ندبكم الله إلى الجهاد فقال: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}، ولم يجعل لكم في التخلف عذرًا في حال من الحال، فقال: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً}! وإنما عذر الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون ومن كانت إقامته لعلة، ثم فضل عليهم مع ذلك المجاهدين، فقال: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ فلا تغتروا ولا تطمئنوا إلى الدنيا، فإنها مرارة مكارة، لذتها نافذة، ونعمتها بائدة، حفت بالشهوات اغترارًا، وأظهرت حبرة. وأضمرت عبرة، فليس آكل منها أكلة تسره، ولا شارب شربة تؤنفه؛ إلا دنا بها درجة إلى أجله، وتباعد بها مسافة من أمله، وإنما جعلها الله دارًا لمن تزود منها إلى النعيم المقيم، والعيش السليم، فلن يرضى بها حازم دارًا، ولا حليم بها قرارًا، فاتقوا الله: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}. والسلام على من اتبع الهدى). [الكامل: 3/1219-1220] (م)

تفسير قوله تعالى: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قولهم: كأنني أخوك، وكنت زيداً فمحال إن أردت به، الأنتقال وأنت تعني أخاه في النسب. ولكن لو قلت: كنت أخاك، أي: صديقك، وأنا اليوم عدوك، وكنت زيداً، وأنا الساعة عمرو، أي: غيرت اسمي كان جائزاً.
وجائز أن تقول: كنت أخاك وإن كان أخاه الساعة، تريد أن تعلمه ما كان، ولا تخبر عن وقته الذي هو فيه لعلم المخاطب ذاك، ولأن للقائل إذا كانت الأخبار حقاً أن يخبر عنها بما أراد، ويترك غيره. فمن ذلك قول الله {وكان الله غفوراً رحيماً}، {وكان الله سميعاً عليماً}. فقول النحويين والمفسرين في هذا واحد، إن معناه والله أعلم: أنه خبرنا بمثل ما يعرف من فضله، وطوله، ورحمته، وغفرانه، وأنه علام الغيوب قبل أن تكون. فعلمنا ذلك، ودلنا عليه بهذا وغيره.
ومثل ذلك قوله: {والأمر يومئذ لله} ونحن نعلم أن الأمر أبداً لله). [المقتضب: 4/119]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( وقال أبو عبيدة: كان من الأضداد؛ كان للماضي، وكان للمستقبل، فأما كونها للماضي فلا يحتاج لها إلى شاهد، وأما كونها للمستقبل فقول الشاعر:

فأدركت من قد كان قبلي ولم أدع = لمن كان بعدي في القصائد مصنعا
أراد لمن يكون بعدي، قال: وتكون (كان) زائدة، كقوله تعالى: {وكان الله غفورا رحيما}، معناه: والله غفور رحيم). [كتاب الأضداد: 60]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيراً (94)
تقول العرب: ضربت في الأرض إذا سرت لتجارة أو غزو أو غيره مقترنة ب «في»، وتقول: ضربت الأرض دون «في» إذا قصدت قضاء حاجة الإنسان، ومنه قول- النبي عليه السلام: «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط يتحدثان كاشفين عن فرجيهما فإن الله يمقت على ذلك»، وسبب هذه الآية: أن سرية من سرايا رسول الله لقيت رجلا له جمل ومتيع، وقيل غنيمة، فسلم على القوم وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فحمل عليه أحدهم فقتله، فشق ذلك على رسول الله ونزلت الآية فيه، واختلف المفسرون في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة، فالذي عليه الأكثر- وهو في سيرة ابن إسحاق وفي مصنف أبي داود وغيرهما: أن القاتل محلم بن جثامة والمقتول عامر بن الأضبط، والحديث بكماله في المصنف لأبي داود، وفي السير وفي الاستيعاب، وقالت فرقة: القاتل أسامة بن زيد، والمقتول مرداس بن نهيك الغطفاني، وقالت فرقة: القاتل أبو قتادة، وقالت فرقة: القاتل غالب الليثي، والمقتول مرداس، وقالت فرقة: القاتل هو أبو الدرداء، ولا خلاف أن الذي لفظته الأرض حين مات هو محلم بن جثامة.
وقرأ جمهور السبعة فتبيّنوا وقرأ حمزة والكسائي «فتثبتوا» بالثاء مثلثة في الموضعين وفي الحجرات، وقال قوم: «تبينوا» أبلغ وأشد من «تثبتوا»، لأن المتثبت قد لا يتبين، وقال أبو عبيد: هما متقاربان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والصحيح ما قال أبو عبيد، لأن تبين الرجل لا يقتضي أن الشيء بان له، بل يقتضي محاولة اليقين، كما أن ثبت تقتضي محاولة اليقين، فهما سواء، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة وابن كثير في بعض طرقه، «السّلم» بتشديد السين وفتحه وفتح اللام، ومعناه: الاستسلام أي ألقى بيده واستسلم لكم وأظهر دعوتكم، وقرأ بقية السبعة «السلام» يريد سلم ذلك المقتول على السرية، لأن سلامه بتحية الإسلام مؤذن بطاعته وانقياده، ويحتمل أن يراد به الانحياز والترك، قال الأخفش: يقال: فلان سلام إذا كان لا يخالط أحدا، وروي في بعض طرق عاصم «السّلم» بكسر السين وشده وسكون اللام وهو الصلح، والمعنى المراد بهذه الثلاثة يتقارب، وقرأ الجحدري «السّلم» بفتح السين وسكون اللام، والعرض: هو المتيع والجمل، أو الغنيمة التي كانت للرجل المقتول، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وأبو حمزة واليماني «لست مؤمنا» بفتح الميم، أي لسنا نؤمنك في نفسك، وقوله تعالى: فعند اللّه مغانم كثيرةٌ عدة بما يأتي به الله على وجهه ومن حله دون ارتكاب محظور أي فلا تتهافتوا.
واختلف المتأولون في قوله تعالى: كذلك كنتم من قبل فقال سعيد بن جبير: معناه كنتم مستخفين من قومكم بإسلامكم، خائفين منهم على أنفسكم، فمنّ الله عليكم بإعزاز دينكم، وإظهار شريعتكم، فهم الآن كذلك، كل واحد منهم خائف من قومه، متربص أن يصل إليكم فلم يصلح إذا وصل أن تقتلوه حتى تتبينوا أمره، وقال ابن زيد: كذلك كنتم كفرة فمنّ الله عليكم بأن أسلمتم، فلا تنكروا أن يكون هو كافرا ثم يسلم لحينه حين لقيكم، فيجب أن يتثبت في أمره، ويحتمل أن يكون المعنى إشارة بذلك إلى القتل قبل التثبت، أي على هذه الحال كنتم في جاهليتكم لا تتثبتون، حتى جاء الله بالإسلام ومنّ عليكم، ثم أكد تبارك وتعالى الوصية بالتبين، وأعلم أنه خبير بما يعمله العباد، وذلك منه خبر يتضمن تحذيرا منه تعالى، لأن المعنى إنّ اللّه كان بما تعملون خبيراً، فاحفظوا نفوسكم، وجنبوا الزلل الموبق بكم). [المحرر الوجيز: 2/634-637]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلاًّ وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً (95) درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً وكان اللّه غفوراً رحيماً (96)
في قوله: لا يستوي إبهام على السامع هو أبلغ من تحديد المنزلة التي بين المجاهد والقاعد، فالمتأمل يمشي مع فكرته ولا يزال يتخيل الدرجات بينهما، والقاعدون عبارة عن المتخلفين، إذ القعود هيئة من لا يتحرك إلى الأمر المقعود عنه في الأغلب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة، «غير أولي الضرر» برفع الراء من غير، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي «غير» بالنصب، واختلف عن عاصم، فروي عنه الرفع والنصب، وقرأ الأعمش وأبو حيوة «غير» بكسر الراء فمن رفع جعل غير صفة للقاعدين عند سيبويه، كما هي عنده صفة في قوله تعالى: غير المغضوب [الفاتحة: 7] بجر غير صفة، ومثله قول لبيد: [الرمل]
وإذا جوزيت قرضا فاجزه = إنّما يجزى الفتى غير الجمل
قال المؤلف: كذا ذكره أبو علي، ويروى ليس الجمل، ومن قرأ بنصب الراء جعله استثناء من القاعدين، قال أبو الحسن: ويقوي ذلك أنها نزلت بعدها على طريق الاستثناء والاستدراك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد يتحصل الاستدراك بتخصيص القاعدين بالصفة، قال الزجّاج: يجوز أيضا في قراءة الرفع أن يكون على جهة الاستثناء، كأنه قال: «لا يستوي القاعدون والمجاهدون إلا أولو الضرر» فإنهم يساوون المجاهدين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا مردود، لأن أولي الضّرر لا يساوون المجاهدين، وغايتهم أن خرجوا من التوبيخ والمذمة التي لزمت القاعدين من غير عذر، قال: ويجوز في قراءة نصب
الراء أن يكون على الحال، وأما كسر الراء فعلى الصفة للمؤمنين، وروي من غير طريق أن الآية نزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فجاء ابن أم مكتوم حين سمعها، فقال: يا رسول الله هل من رخصة؟ فإني ضرير البصر فنزلت عند ذلك غير أولي الضّرر قال الفلتان بن عاصم كنا قعودا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه، وكان إذا أوحي إليه دام بصره مفتوحة عيناه وفرغ سمعه وبصره لما يأتيه من الله، وكنا نعرف ذلك في وجهه، فلما فرغ قال للكاتب: اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون إلى آخر الآية. قال: فقام الأعمى، فقال: يا رسول الله ما ذنبنا؟ قال: فأنزل الله على رسوله، فقلنا للأعمى: إنه ينزل عليه. قال: فخاف أن ينزل فيه شيء فبقي قائما مكانه يقول: أتوب إلى رسول الله حتى فرغ رسول الله، فقال الكاتب: اكتب غير أولي الضّرر وأولو الضرر هم أهل الأعذار إذ قد أضرت بهم حتى منعتهم الجهاد. قاله ابن عباس وغيره. وقوله تعالى: بأموالهم وأنفسهم هي الغاية في كمال الجهاد. ولما كان أهل الديوان متملكين بذلك العطاء يصرفون في الشدائد وتروعهم البعوث والأوامر. قال بعض العلماء: هم أعظم أجرا من المتطوع لسكون جأشه ونعمة باله في الصوائف الكبار ونحوها. واحتج بهذه الآية المظهرة لفضل المال من قال: إن الغنى أفضل من الفقر وإن متعلقه بها لبين.
وفسر الناس الآية على أن تكملة التفضيل فيها ب «الدرجة» ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وتأكيد وبيان، وقال ابن جريج الفضل بدرجة هو على القاعدين من أهل العذر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لأنهم مع المؤمنين بنياتهم كما قال النبي عليه السلام في غزوة تبوك «إن بالمدينة رجالا ما قطعنا واديا ولا سلكنا جبلا ولا طريقا إلا وهم معنا حبسهم العذر» قال ابن جريج. والتفضيل «بالأجر العظيم والدرجات» هو على القاعدين من غير أهل العذر، والحسنى الجنة، وهي التي وعدها المؤمنون، وكذلك قال السدي وغيره). [المحرر الوجيز: 2/637-639]

تفسير قوله تعالى: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقال ابن محيريز: «الدرجات» هي درجات في الجنة، سبعون، ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة، وقال بهذا القول الطبري ورجحه، وقال ابن زيد: «الدرجات» في الآية هي السبع المذكورات في سورة براءة، فهي قوله تعالى: ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصبٌ ولا مخمصةٌ في سبيل اللّه [التوبة: 120] الآيات فذكر فيها الموطئ الغائظ للكفار، والنيل من العدو، والنفقة الصغيرة والكبيرة، وقطع الأودية والمسافات.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ودرجات الجهاد لو حصرت أكثر من هذه، لكن يجمعها بذل النفس والمال والاعتمال بالبدن والمال في أن تكون كلمة الله هي العليا، ولا شك أن بحسب مراتب الأعمال ودرجاتها تكون مراتب الجنة ودرجاتها، فالأقوال كلها متقاربة، وباقي الآية وعد كريم وتأنيس. ونصب درجاتٍ إما على البدل من الأجر، وإما على إضمار فعل على أن تكون تأكيدا للأجر، كما تقول: لك عليّ ألف درهم عرفا، كأنك قلت أعرفها عرفا). [المحرر الوجيز: 2/639-640]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ([قوله عزّ وجلّ] {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا (94)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن أبي بكير، وحسين بن محمّدٍ، وخلف بن الوليد، قالوا: حدّثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: مرّ رجلٌ من بني سليمٍ بنفرٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يسوق غنمًا له، فسلّم عليهم فقالوا: ما سلّم علينا إلّا ليتعوّذ منّا. فعمدوا إليه فقتلوه، وأتوا بغنمه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنزلت هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا [إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا]} إلى آخرها.
ورواه التّرمذيّ في التّفسير، عن عبد بن حميدٍ، عن عبد العزيز بن أبي رزمة، عن إسرائيل، به. وقال: هذا حديثٌ حسنٌ، وفي الباب عن أسامة بن زيدٍ. ورواه الحاكم من طريق عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، به. ثمّ قال: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.
ورواه ابن جريرٍ من حديث عبيد اللّه بن موسى وعبد الرّحيم بن سليمان، كلاهما عن إسرائيل، به وقال في بعض كتبه غير التّفسير -وقد رواه من طريق عبد الرّحمن فقط-: وهذا خبر عندنا صحيحٌ سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيمًا، لعللٍ منها: أنّه لا يعرف له مخرجٌ عن سماك إلّا من هذا الوجه، ومنها: أنّ عكرمة في روايته عندهم نظرٌ، ومنها: أنّ الّذي أنزلت فيه الآية مختلفٌ فيه، فقال بعضهم: أنزلت في محلّم بن جثّامة، وقال بعضهم: أسامة بن زيدٍ. وقيل غير ذلك.
قلت: وهذا كلامٌ غريبٌ، وهو مردودٌ من وجوهٍ أحدها: أنّه ثابتٌ عن سماك، حدّث به عنه غير واحدٍ من الكبار. الثّاني: أنّ عكرمة محتجٌّ به في الصّحيح. الثّالث: أنّه مرويٌّ من غير هذا الوجه عن ابن عبّاسٍ، كما قال البخاريّ: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا} قال: قال ابن عبّاسٍ: كان رجلٌ في غنيمة له، فلحقه المسلمون، فقال: السّلام عليكم. فقتلوه وأخذوا غنيمته [فأنزل اللّه ذلك إلى قوله: {تبتغون عرض الحياة الدّنيا} تلك الغنيمة. قرأ ابن عبّاسٍ (السّلام) وقال سعيد بن منصورٍ: حدّثنا سفيان عن عمرو بن دينارٍ عن عطاء بن يسارٍ عن ابن عبّاسٍ قال: لحق المسلمون رجلًا في غنيمة فقال: السّلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته] فنزلت: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا}
ورواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ، من طريق سفيان بن عيينة، به
وأمّا قصّة محلّم بن جثّامة فقال الإمام أحمد: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن محمّد بن إسحاق، حدثني يزيد بن عبد اللّه بن قسيط، عن القعقاع بن عبد اللّه بن أبي حدردٍ عن أبيه عبد اللّه ابن أبي حدردٍ، رضي اللّه عنه، قال: بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى إضم، فخرجت في نفرٍ من المسلمين، فيهم: أبو قتادة الحارث بن ربعي، ومحلّم بن جثّامة بن قيسٍ، فخرجنا حتّى إذا كنا ببطن إضم مرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعيّ، على قعود له، معه متيّع ووطب من لبنٍ، فلمّا مرّ بنا سلّم علينا، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلّم بن جثّامة فقتله، بشيءٍ كان بينه وبينه، وأخذ بعيره متيّعه، فلمّا قدمنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأخبرناه الخبر، نزل فينا القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه [فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون] خبيرًا.}
تفرّد به أحمد
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا جريرٌ، عن ابن إسحاق، عن نافعٍ؛ أنّ ابن عمر قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم محلّم بن جثّامة مبعثًا، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحيّاهم بتحيّة الإسلام وكانت بينهم حسنة في الجاهليّة، فرماه محلّمٌ بسهمٍ فقتله، فجاء الخبر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتكلّم فيه عيينة والأقرع، فقال الأقرع: يا رسول اللّه، سنّ اليوم وغيّر غدًا. فقال عيينة: لا واللّه، حتّى تذوق نساؤه من الثّكل ما ذاق نسائي. فجاء محلّمٌ في بردين، فجلس بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليستغفر له، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا غفر اللّه لك". فقام وهو يتلقّى دموعه ببرديه، فما مضت له سابعةٌ حتّى مات، ودفنوه، فلفظته الأرض، فجاءوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فذكروا ذلك له، فقال: "إنّ الأرض تقبل من هو شرٌّ من صاحبكم، ولكنّ اللّه أراد أن يعظكم من جرمتكم" ثمّ طرحوه بين صدفي جبلٍ وألقوا عليه الحجارة، ونزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا} الآية.
وقال البخاريّ: قال حبيب بن أبي عمرة، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للمقداد: "إذا كان رجلٌ مؤمنٌ يخفي إيمانه مع قومٍ كفّارٍ، فأظهر إيمانه فقتلته، فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكّة من قبل".
هكذا ذكر البخاريّ هذا الحديث معلّقًا مختصرًا وقد روي مطوّلًا موصولًا فقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار:
حدثنا حماد بن عليٍّ البغداديّ، حدّثنا جعفر بن سلمة، حدّثنا أبو بكر بن عليّ بن مقدّم، حدّثنا حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريّةً، فيها المقداد بن الأسود، فلمّا أتوا القوم وجدوهم قد تفرّقوا، وبقي رجلٌ له مالٌ كثيرٌ لم يبرح فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه. وأهوى إليه المقداد فقتله، فقال له رجلٌ من أصحابه: أقتلت رجلًا شهد أن لا إله إلّا اللّه؟ واللّه لأذكرن ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فلمّا قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: يا رسول اللّه، إن رجلًا شهد أن لا إله إلّا اللّه، فقتله المقداد. فقال: "ادعوا لي المقداد. يا مقداد، أقتلت رجلًا يقول: لا إله إلّا اللّه، فكيف لك بلا إله إلّا اللّه غدًا؟ ". قال: فأنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للمقداد: "كان رجلٌ مؤمنٌ يخفي إيمانه مع قومٍ كفّارٍ، فأظهر إيمانه، فقتلته، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكّة قبل".
وقوله: {فعند الله مغانم كثيرةٌ} أي: خيرٌ ممّا رغبتم فيه من عرض الحياة الدّنيا الّذي حملكم على قتل مثل هذا الّذي ألقى إليكم السّلام، وأظهر إليكم الإيمان، فتغافلتم عنه، واتّهمتموه بالمصانعة والتّقيّة؛ لتبتغوا عرض الحياة الدّنيا، فما عند اللّه من المغانم الحلّال خيرٌ لكم من مال هذا.
وقوله: {كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم} أي: قد كنتم من قبل هذه الحال كهذا الذي يسرّ إيمانه ويخفيه من قومه، كما تقدّم في الحديث المرفوع آنفًا، وكما قال تعالى: {واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض [تخافون أن يتخطّفكم النّاس فآواكم وأيّدكم بنصره]} الآية [الأنفال: 26]، وهذا هو مذهب سعيد بن جبيرٍ، كما رواه الثّوريّ، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {كذلك كنتم من قبل} تخفون إيمانكم في المشركين.
ورواه عبد الرّزّاق، عن ابن جريج، أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {كذلك كنتم من قبل} تستخفون بإيمانكم، كما استخفى هذا الرّاعي بإيمانه.
وهذا اختيار ابن جريرٍ. وقال ابن أبي حاتمٍ: وذكر عن قيسٍ، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {كذلك كنتم من قبل} [تورّعون عن مثل هذا، وقال الثّوريّ عن منصورٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ: {كذلك كنتم من قبل}] لم تكونوا مؤمنين {فمنّ اللّه عليكم [فتبيّنوا} وقال السّدّيّ: {فمنّ اللّه عليكم}] أي: تاب عليكم، فحلف أسامة لا يقتل رجلًا يقول: "لا إله إلّا اللّه" بعد ذلك الرّجل، وما لقي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيه.
وقوله: {فتبيّنوا} تأكيدٌ لما تقدّم. وقوله: {إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا} قال سعيد بن جبيرٍ: هذا تهديدٌ ووعيدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/382-385]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلا وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا (95) درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً وكان اللّه غفورًا رحيمًا (96)}
قال البخاريّ: حدّثنا حفص بن عمر حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لمّا نزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زيدًا فكتبها، فجاء ابن أمّ مكتومٍ فشكا ضرارته فأنزل اللّه [عزّ وجلّ] {غير أولي الضّرر}
حدّثنا محمّد بن يوسف، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لمّا نزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " ادع فلانًا " فجاءه ومعه الدّواة واللّوح والكتف فقال: " اكتب: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه " وخلف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ابن أمّ مكتومٍ، فقال: يا رسول اللّه، أنا ضريرٌ فنزلت مكانها: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل الله}
وقال البخاريّ أيضًا: حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه، حدّثني إبراهيم بن سعدٍ، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهابٍ، حدّثني سهل بن سعدٍ السّاعديّ: أنّه رأى مروان بن الحكم في المسجد، قال: فأقبلت حتّى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أنّ زيد بن ثابتٍ أخبره: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أملى عليّ: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه ". فجاءه ابن أمّ مكتومٍ، وهو يمليها عليّ، قال: يا رسول اللّه، واللّه لو أستطيع الجهاد لجاهدت -وكان أعمى-فأنزل اللّه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وفخذه على فخذي، فثقلت عليّ حتّى خفت أن ترض فخذي، ثمّ سرّي عنه، فأنزل اللّه: {غير أولي الضّرر}
انفرد به البخاريّ دون مسلمٍ، وقد روي من وجهٍ آخر عن زيدٍ فقال الإمام أحمد:
حدّثنا سليمان بن داود، أنبأنا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن خارجة بن زيدٍ قال: قال زيد بن ثابتٍ: إنّي قاعدٌ إلى جنب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إذ أوحي إليه، قال: وغشيته السّكينة، قال: فوقع فخذه على فخذي حين غشيته السّكينة. قال زيدٌ: فلا واللّه ما وجدت شيئًا قطّ أثقل من فخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ سرّي عنه فقال: " اكتب يا زيد ". فأخذت كتفًا فقال: "اكتب: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون} إلى قوله {أجرًا عظيمًا} فكتبت ذاك في كتفٍ، فقام حين سمعها ابن أمّ مكتومٍ -وكان رجلًا أعمى -فقام حين سمع فضيلة المجاهدين فقال: يا رسول اللّه، وكيف بمن لا يستطيع الجهاد ممّن هو أعمى، وأشباه ذلك؟ قال زيدٌ: فواللّه ما مضى كلامه -أو ما هو إلّا أن قضى كلامه -حتّى غشيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم السّكينة، فوقعت فخذه على فخذي، فوجدت من ثقلها كما وجدت في المرّة الأولى، ثمّ سرّي عنه فقال: " اقرأ ". فقرأت عليه: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون " فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {غير أولي الضّرر} قال زيدٌ: فألحقتها، فواللّه لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدعٍ كان في الكتف.
ورواه أبو داود، عن سعيد بن منصورٍ، عن عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابتٍ، عن أبيه، به نحوه.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابتٍ، قال: كنت أكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: " اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه " فجاء عبد اللّه ابن أمّ مكتومٍ فقال: يا رسول اللّه إنّي أحبّ الجهاد في سبيل اللّه ولكنّ بي من الزّمانة ما قد ترى، قد ذهب بصري. قال زيدٌ: فثقلت فخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على فخذي، حتّى خشيت أن ترضّها ثمّ سرّي عنه، ثمّ قال: " اكتب: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه} ورواه ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ وقال عبد الرّزّاق: أخبرني ابن جريج، أخبرني عبد الكريم -هو ابن مالكٍ الجزري -أنّ مقسما مولى عبد اللّه بن الحارث -أخبره أنّ ابن عبّاسٍ أخبره: لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدرٍ، والخارجون إلى بدرٍ.
انفرد به البخاريّ دون مسلمٍ. وقد رواه التّرمذيّ من طريق حجّاجٍ، عن ابن جريج، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ قال: لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرّ عن بدرٍ، والخارجون إلى بدرٍ، لمّا نزلت غزوة بدرٍ قال عبد اللّه بن جحشٍ وابن أمّ مكتومٍ: إنّا أعميان يا رسول اللّه فهل لنا رخصةٌ؟ فنزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين درجةً، فهؤلاء القاعدون غير أولي الضّرر {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا} درجاتٍ منه على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضّرر.
هذا لفظ التّرمذيّ، ثمّ قال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه.
فقوله [تعالى] {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} كان مطلقًا، فلمّا نزل بوحيٍ سريعٍ: {غير أولي الضّرر} صار ذلك مخرجًا لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد -من العمى والعرج والمرض-عن مساواتهم للمجاهدين في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم.
ثمّ أخبر تعالى بفضيلة المجاهدين على القاعدين، قال ابن عبّاسٍ: {غير أولي الضّرر} وكذا ينبغي أن يكون لما ثبت في الصّحيح عند البخاريّ من طريق زهير بن معاوية، عن حميد، عن أنسٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " إنّ بالمدينة أقوامًا ما سرتم من مسير، ولا قطعتم من وادٍ إلّا وهم معكم فيه " قالوا: وهم بالمدينة يا رسول اللّه؟ قال: " نعم حبسهم العذر ".
وهكذا رواه الإمام أحمد عن محمّد بن أبي عديّ عن حميد، عن أنس، به وعلّقه البخاريّ مجزومًا. ورواه أبو داود عن حمّاد بن سلمة، عن حميدٍ، عن موسى بن أنس بن مالكٍ، عن أبيه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " لقد تركتم بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا، ولا أنفقتم من نفقةٍ، ولا قطعتم من وادٍ إلّا وهم معكم فيه ". قالوا: يا رسول اللّه، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: " حبسهم العذر ".
لفظ أبي داود وفي هذا المعنى قال الشّاعر:
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد = سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا
إنّا أقمنا على عذرٍ وعن قدرٍ = ومن أقام على عذرٍ فقد راحا
وقوله: {وكلا وعد اللّه الحسنى} أي: الجنّة والجزاء الجزيل. وفيه دلالةٌ على أنّ الجهاد ليس بفرض عينٍ بل هو فرضٌ على الكفاية.
ثمّ قال تعالى: {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/385-388]

تفسير قوله تعالى: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى بما فضّلهم به من الدّرجات، في غرف الجنان العاليات، ومغفرة الذّنوب والزّلّات، وحلول الرّحمة والبركات، إحسانًا منه وتكريمًا؛ ولهذا قال تعالى: {درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً وكان اللّه غفورًا رحيمًا}
وقد ثبت في الصّحيحين عن أبي سعيدٍ الخدريّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " إنّ في الجنّة مائة درجةٍ، أعدّها اللّه للمجاهدين في سبيله، ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض".
وقال الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " من بلغ بسهمٍ فله أجره درجةٌ " فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، وما الدّرجة؟ فقال: " أما إنّها ليست بعتبة أمّك، ما بين الدّرجتين مائة عامٍ "). [تفسير القرآن العظيم: 2/388]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة