جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني يحيى بن أيّوب عن أبي صخرٍ، عن أبي معاوية البجليّ، عن أبي الصّهباء البكريّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ أنّه قال وهو على المنبر: لا يسألني أحدٌ عن آيةٍ في كتاب اللّه إلا أخبرته، فقام ابن الكوّاء فأراد أن يسأله عمّا سأل عنه صبيغٌ عمر بن الخطّاب، فقال: ما {الذاريات ذرواً}، فقال علي: الرياح، قال: {فالحاملات وقراً}، قال: السحاب، قال: {فالجاريات يسراً}، قال: السفن، قال: {فالمقسمات أمراً}، قال: الملائكة، قال: وقول اللّه: {هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً}، قال: فرقي إليه درجتين فتناوله بعصًا كانت بيده فجعل يضربه بها، ثمّ قال عليٌّ: أنت وأصحابك). [الجامع في علوم القرآن: 1/96] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت حيوة بن شريحٍ يقول: حدّثني السّكن بن أبي كريمة عن أمّه أخبرته أنّها سمعت عبد اللّه بن قيسٍ يقول: سمعت عليّ بن أبي طالبٍ يقول في هذه الآية: {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا}، قال: عليٌّ: هم الرّهبان الّذين حبسوا أنفسهم على الصوامع). [الجامع في علوم القرآن: 1/101-102]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن إبراهيم بن أبي حرة عن المصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه في قوله تعالى هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا قال هم اليهود والنصارى). [تفسير عبد الرزاق: 1/413]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل قال قام ابن الكوا إلى علي بن أبي طالب فقال من الأخسرين أعمالا إلى صنعا قال ويلك منهم أهل حروراء.
أنا معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل عن علي مثله.
أخبرني الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن مصعب بن سعد قال: قال سعد هم أهل الصوامع). [تفسير عبد الرزاق: 1/413]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن هلال بن يسافٍ عن مصعب بن سعدٍ عن سعد في قوله: {بالأخسرين أعمالا} قال: أهل الصوامع [الآية: 103].
سفيان [الثوري] أن ابن الكوّاء سأل عليّ بن أبي طالب عن قوله: {بالأخسرين أعمالا} قال: هم أهل حروراء). [تفسير الثوري: 179]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {قل: هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالًا} [الكهف: 103]
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن مصعب بن سعدٍ، قال: سألت أبي: {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالًا} [الكهف: 103] : هم الحروريّة؟ قال: " لا هم اليهود والنّصارى، أمّا اليهود فكذّبوا محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا النّصارى فكفروا بالجنّة وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحروريّة الّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه "، وكان سعدٌ يسمّيهم الفاسقين). [صحيح البخاري: 6/93]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالًا)
ذكر فيه حديث مصعب بن سعدٍ سألت أبي يعني سعد بن أبي وقّاصٍ عن هذه الآية وهذا الحديث رواه جماعةٌ من أهل الكوفة عن مصعب بن سعدٍ بألفاظٍ مختلفةٍ ننبّه على ما تيسّر منها ووقع في رواية يزيد بن هارون عن شعبة بهذا الإسناد عند النّسائيّ سأل رجلٌ أبي فكأنّ الرّاوي نسي اسم السّائل فأبهمه وقد تبيّن من رواية غيره أنّه مصعبٌ راوي الحديث قوله هم الحروريّة بفتح المهملة وضمّ الرّاء نسبةً إلى حروراء وهي القرية الّتي كان ابتداء خروج الخوارج على عليٍّ منها ولابن مردويه من طريق حصين بن مصعبٍ لمّا خرجت الحروريّة قلت لأبي أهؤلاء الّذين أنزل اللّه فيهم وله من طريق القاسم بن أبي بزّة عن أبي الطّفيل عن عليٍّ في هذه الآية قال أظنّ أنّ بعضهم الحروريّة وللحاكم من وجهٍ آخر عن أبي الطّفيل قال قال عليٌّ منهم أصحاب النّهروان وذلك قبل أن يخرجوا وأصله عند عبد الرّزّاق بلفظ قام بن الكوّاء إلى عليٍّ فقال ما الأخسرين أعمالًا قال ويلك منهم أهل حروراء ولعلّ هذا هو السّبب في سؤال مصعبٍ أباه عن ذلك وليس الّذي قاله عليٌّ ببعيدٍ لأنّ اللّفظ يتناوله وإن كان السّبب مخصوصًا قوله قال لا هم اليهود والنّصارى وللحاكم قال لا أولئك أصحاب الصّوامع ولابن أبي حاتمٍ من طريق هلال بن يسافٍ عن مصعبٍ هم أصحاب الصّوامع وله من طريق أبي خميصة بفتح المعجمة وبالصّاد المهملة واسمه عبيد اللّه بن قيسٍ قال هم الرّهبان الّذين حبسوا أنفسهم في السّواري قوله وأمّا النّصارى كفروا بالجنّة وقالوا ليس فيها طعامٌ ولا شراب في رواية بن أبي حاتمٍ من طريق عمرو بن مرّة عن مصعبٍ قال هم عبّاد النّصارى قالوا ليس في الجنّة طعامٌ ولا شرابٌ قوله والحروريّة الّذين ينقضون إلخ في رواية النّسائيّ والحروريّة الّذين قال اللّه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل إلى الفاسقين قال يزيد هكذا حفظت قلت وهو غلطٌ منه أو ممّن حفظه عنه وكذا وقع عند بن مردويه أولئك هم الفاسقون والصّواب الخاسرون ووقع على الصّواب كذلك في رواية الحاكم قوله وكان سعدٌ يسمّيهم الفاسقين لعلّ هذا السّبب في الغلط المذكور وفي روايةٍ للحاكم الخوارج قومٌ زاغوا فأزاغ اللّه قلوبهم وهذه الآية هي الّتي آخرها الفاسقين فلعلّ الاختصار اقتضى ذلك الغلط وكأنّ سعدًا ذكر الآيتين معًا الّتي في البقرة والّتي في الصّفّ وقد روى بن مردويه من طريق أبي عونٍ عن مصعبٍ قال نظر رجلٌ من الخوارج إلى سعدٍ فقال هذا من أئمّة الكفر فقال له سعدٌ كذبت أنا قاتلت أئمّة الكفر فقال له آخر هذا من الأخسرين أعمالًا فقال له سعدٌ كذبت أولئك الّذين كفروا بآيات ربهم الآية قال بن الجوزيّ وجه خسرانهم أنّهم تعبّدوا على غير أصل فابتدعوا فخسروا الأعمار والأعمال). [فتح الباري: 8/425-426]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} (الكهف: 103)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً} ، وقد مر تفسيره عن قريب.
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ حدثنا محمّد بن جعفرٍ حدّثنا شعبة عن عمروٍ عن مصعبٍ قال سألت أبي {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} هم الحروريّة قال لا هم اليهود والنّصارى أمّا اليهود فكذّبوا محمّداً صلى الله عليه وسلم وأمّا النّصارى كفروا بالجنّة وقالوا لا طعام فيها ولا شراب والحروريّة الّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان سعدٌ يسمّيهم الفاسقين.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ومحمّد بن بشار الملقب ببندار، ومحمّد بن جعفر الملقب بغندر، وعمرو بن مرّة، بضم الميم وتشديد الرّاء: ابن عبد الله المرادي الأعمى الكوفي، ومصعب، بضم الميم وفتح العين: ابن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة، مات سنة ثلاث ومائة.
والحديث أخرجه النّسائيّ في التّفسير عن محمّد بن إسماعيل.
قوله: (عن مصعب قال: سألت أبي) ، هو سعد بن أبي وقاص. قوله: (هم الحرورية) ، بفتح الحاء المهملة وضم الرّاء الأولى هم طائفة خوارج ينسبون إلى حروراء قرية بقرب الكوفة، وكان ابتداء خروج الخوارج على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، منها، وروى الحاكم على شرطهما عن مصعب بن سعد: لما خرجت الحرورية قلت لأبي سعد: هؤلاء الّذين أنزل الله فيهم: {الّذين ضل سعيهم في الحياة الدّنيا} (الكهف: 104) قال: أولئك أهل الصوامع وهؤلاء مزاغوا فأزاغ الله قلوبهم. انتهى. وإنّما خسرت اليهود والنّصارى لأنهم تعبدوا على أصل غير صحيح فخسروا الأعمال والأعمار، والحرورية لما خالفوا ما عهد الله إليهم في القرآن من طاعة أولي الأمر بعد إقرارهم به كان ذلك نقضا منهم له، ويقال: الحرورية هم الخاسرون لأنهم ليسوا كفرة بل هم فسقة، قال تعالى: {الّذين ينقضون عهد الله} (البقرة: 27، والرعد: 25) إلى قوله: {هم الخاسرون} والكافرون هم الأخسرون، قال تعالى فيهم: {أولئك الّذين كفروا بآيات ربهم} (الكهف: 105) ، هو سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه). [عمدة القاري: 19/49]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالًا} [الكهف: 103]
(باب) بالتنوين (قوله: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا}) [الكهف: 103] زاد أبو ذر
الآية أي هل نخبركم بالأخسرين ثم فسرهم بقوله {الذين ضل سعيهم} أي عملوا أعمالًا باطلة على غير شريعة مشروعة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا أي يعتقدون أنهم على هدى فضل سعيهم وأعمالًا نصب على التمييز وجمع لأنه من أسماء الفاعلين أو لتنوّع أعمالهم فليسوا مشتركين في عمل واحد وفي قوله تعالى: {وهم يحسبون أنهم يحسنون} تجنيس التصحيف وهو أن يكون النقط فرقًا بين الكلمتين وقوله هل ننبئكم استفهام تقريري، وفي قوله: ({الأخسرين أعمالًا} [الكهف: 103] الاستعارة استعارة الخسران الذي هو حقيقة في ضدّ الربح لكون أعمالهم الصالحة نفدت أجورها واستعار الضلال الذي هو حقيقة في التيه عن الطريق المستقيم لإسقاط أعمالهم وإذهابها، وفي قوله: قل هل ننبئكم الحذف أي قل هل ننبئكم بما يحل بالأخسرين وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن عمرٍو، عن مصعبٍ قال: سألت أبي {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالًا} هم الحروريّة قال: لا هم اليهود والنّصارى أمّا اليهود فكذّبوا محمّدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- وأمّا النّصارى كفروا بالجنّة، وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب والحروريّة الّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه وكان سعدٌ يسمّيهم الفاسقين.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بموحدة فمعجمة مشددة الملقب ببندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) الهذلى البصري المعروف بغندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين ولأبي ذر زيادة ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء ابن عبد الله المرادي الأعمى الكوفي (عن مصعب) بضم الميم وفتح العين بينهما مهملة ساكنة وآخره موحدة، ولأبي ذر: ابن سعد بسكون العين ابن أبي وقاص أنه (قال: سألت أبي) سعد بن أبي وقاص عن قوله تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا} هم الحرورية)؟ بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى وكسر الثانية بينهما واو ساكنة والمثناة التحتية مشددة بعدها تاء تأنيث نسبة إلى حروراء قرية بقرب الكوفة كان ابتداء خروج الخوارج على عليّ منها ولعل سبب سؤال مصعب أباه عن ذلك ما روى ابن مردويه من طريق القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل في هذه الآية قال: أظن أن بعضهم الحرورية. وعند الحاكم من وجه آخر عن أبي الطفيل قال: قال علي: منهم أصحاب النهروان، وذلك قبل أن يخرجوا وأصله عند عبد الرزاق بلفظ قام ابن الكوّاء إلى علي فقال: ما الأخسرين أعمالًا؟ قال: ويلك منهم أهل حروريا.
(قال) أي سعد بن أبي وقاص: (لا) ليس هم الحرورية (هم اليهود والنصارى) وللحاكم قال لا أولئك أصحاب الصوامع ولابن أبي حاتم من طريق أبي خميصة بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة واسمه عبيد الله بن قيس قال هم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في السواري (أما اليهود فكذبوا محمدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وأما النصارى كفروا) ولأبي ذر فكفروا (بالجنة وقالوا لا طعام فيها ولا شراب والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان سعد) هو ابن أبي وقاص (يسميهم الفاسقين) والصواب الخاسرين، ووقع على الصواب كذلك عند الحاكم لقوله: ({قل هل ننبئكم بالأخسرين}) [الكهف: 103] ووجه خسرانهم أنهم تعبّدوا على غير أصل فابتدعوا فخسروا الأعمار والأعمال وعن علي أنهم كفرة أهل الكتاب كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم وابتدعوا في دينهم وقيل هم الصابئون وقيل المنافقون بأعمالهم المخالفون باعتقادهم، وهذه الأقوال كلها تقتضي التخصيص بغير مخصص والذي يقتضيه التحقيق أنها عامة، فأما قول على أنهم الحرورية فمعناه أن الآية تشملهم كما تشمل أهل الكتابين وغيرهم لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص بل أعم من ذلك لأنها مكية قبل خطاب أهل الكتاب ووجود الحرورية وإنما هي عامة في كل من دان بدين غير الإسلام وكل من راءى بعمله أو أقام على بدعة فكل من الأخسرين، وقد قال ابن عطية ويضعف قول من قال إن المراد أهل الأهواء والحرورية قوله تعالى بعد ذلك {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه} [الكهف: 105] وليس في هذه الطوائف من يكفر بآيات الله وإنما هذه صفة مشركي عبدة الأوثان اهـ.
فاتّضح بهذا ما قلناه إن الآية عامة). [إرشاد الساري: 7/229-230]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالًا}
- أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم، حدّثنا يزيد، حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن مصعب بن سعدٍ، قال: سأل رجلٌ أبي عن هذه الآية {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالًا} [الكهف: 103] أهم الحروريّة؟ قال: لا هم أهل الكتاب، أمّا اليهود فكفروا بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا النّصارى فكفروا بالجنّة قالوا: ليس فيها طعامٌ ولا شرابٌ، ولكنّ الحروريّة الّذين قال الله عزّ وجلّ: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض} [البقرة: 27] إلى الفاسقين. قال يزيد: هكذا حفظت، كان سعدٌ يسمّيهم الفاسقين). [السنن الكبرى للنسائي: 10/166]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً (103) الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد لهؤلاء الّذين يبغون عنتك ويجادلونك بالباطل، ويماورونك بالمسائل من أهل الكتابين: اليهود، والنّصارى {هل ننبّئكم} أيّها القوم {بالأخسرين أعمالاً} يعني بالّذين أتعبوا أنفسهم في عملٍ يبغون به ربحًا وفضلاً، فنالوا به عطبًا وهلاكًا ولم يدركوا ما طلبًوا، كالمشتري سلعةً يرجو بها فضلاً وربحًا، فخاب رجاؤه وخسر بيعه، ووكس في الّذي رجا فضله.
واختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بذلك، فقال بعضهم: عني به الرّهبان والقسوس.
ذكر من قال ذلك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا المقرئ، قال: حدّثنا حيوة بن شريحٍ، قال: أخبرني السّكن بن أبي كريمة، أنّ أمّه، أخبرته أنّها، سمعت أبا خميصة عبد اللّه بن قيسٍ، يقول: سمعت عليّ بن أبي طالبٍ، يقول في هذه الآية {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} هم الرّهبان الّذين حبسوا أنفسهم في الصّوامع.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت حيوة يقول: حدّثني السّكن بن أبي كريمة، عن أمّه أخبرته أنّها سمعت عبد اللّه بن قيسٍ يقول: سمعت عليّ بن أبي طالبٍ يقول، فذكر نحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن هلال بن يسافٍ، عن مصعب بن سعدٍ، قال: قلت لأبي: {وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا} أهم الحروريّة؟ قال: هم أصحاب الصّوامع.
- حدّثنا فضالة بن الفضل، قال: قال بزيعٍ: سأل رجلٌ الضّحّاك عن هذه الآية {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} قال: هم القسّيسون والرّهبان.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ، عن هلال بن يسافٍ، عن مصعب بن سعدٍ، قال: قال سعدٌ: هم أصحاب الصّوامع. - حدّثنا ابن حميدٍ، قال حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن ابن سعدٍ، قال: قلت لسعدٍ: يا أبت {هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} أهم الحروريّة، فقال: لا، ولكنّهم أصحاب الصّوامع، ولكنّ الحروريّة قومٌ زاغوا فأزاغ اللّه قلوبهم.
وقال آخرون: بل هم جميع أهل الكتابين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن مصعب بن سعدٍ، قال: سألت أبي عن هذه الآية، {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا} أهم الحروريّة؟ قال: لا، هم أهل الكتاب، اليهود والنّصارى. أمّا اليهود فكذّبوا بمحمّدٍ، وأمّا النّصارى فكفروا بالجنّة، قالوا: ليس فيها طعام ولا شراب، ولكنّ الحروريّة الّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الفاسقون فكان سعدٌ يسمّيهم الفاسقين.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن إبراهيم بن أبي حرّة، عن مصعب بن سعد بن أبي وقّاصٍ، عن أبيه، في قوله {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} قال: هم اليهود والنّصارى.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن زاذان، عن عليّ بن أبي طالبٍ، أنّه سئل عن قوله: {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} قال: هم كفرة أهل الكتاب، كان أوائلهم على حقٍّ، فأشركوا بربّهم، وابتدعوا في دينهم، الّذي يجتهدون في الباطل، ويحسبون أنّهم على حقٍّ، ويجتهدون في الضّلالة، ويحسبون أنّهم على هدًى، فضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا، ثمّ رفع صوته، فقال: وما أهل النّهر منهم ببعيدٍ.
وقال آخرون: بل هم الخوارج.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي الطّفيل، قال: سأل عبد اللّه بن الكوّاء عليًّا عن قوله: {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} قال: أنتم يا أهل حروراء.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن أيّوب، عن أبي صخرٍ، عن أبي معاوية البجليّ، عن أبي الصّهباء البكريّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، أنّ ابن الكوّاء سأله، عن قول اللّه عزّ وجلّ: {هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} فقال عليٌّ: أنت وأصحابك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي الطّفيل، قال: قام ابن الكوّاء إلى عليٍّ، فقال: من الأخسرين، أعمالاً الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا، قال: ويلك أهل حروراء منهم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن خالد ابن عثمة، قال: حدّثنا موسى بن يعقوب بن عبد اللّه، قال: حدّثني أبو الحويرث، عن نافع بن جبير بن مطعمٍ، قال: قال ابن الكوّاء لعليّ بن أبي طالبٍ: ما الأخسرون أعمالاً الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا؟ قال: أنت وأصحابك.
والصّواب من القول في ذلك عندنا، أن يقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ عنى بقوله: {هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} كلّ عاملٍ عملاً يحسبه فيه مصيبًا، وأنّه للّه بفعله ذلك مطيعٌ مرضٍ، وهو بفعله ذلك للّه مسخطٌ، وعن طريق أهل الإيمان به جائرٌ كالرّهابنة والشّمامسة وأمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالتهم، وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم باللّه كفرةٌ من أهل أيّ دينٍ كانوا.
وقد اختلف أهل العربيّة في وجه نصب قوله {أعمالاً} فكان بعض نحويّي البصرة يقول: نصب ذلك لأنّه لمّا أدخل الألف واللاّم والنّون في الأخسرين لم يوصل إلى الإضافة، وكانت الأعمال من الأخسرين فلذلك نصب.
وقال غيره: هذا الباب للأفعل والفعلى، مثل الأفضل والفضلى، والأخسر والخسرى، ولا تدخل فيه الواو، ولا يكون معه مفسّرٌ، لأنّه قد حقق الفضل لمن هو بقوله: الأفضل والفضلى، وإذا جاء معه مفسّرٌ كان للأوّل والآخر، وقال: ألا ترى أنّك تقول: مررت برجلٍ حسن وجهًا، فيكون الحسن للرّجل وللوجه، وكذلك كثير عقلاً، وما أشبهه، قال: وإنّما جاز في الأخسرين، لأنّه ردّه إلى الأفعل والأفعلة. قال: وسمعت العرب تقول: الأولات دخولاً، والآخرات خروجًا، فصار للأوّل والثّاني كسائر الباب، قال: وعلى هذا يقاس). [جامع البيان: 15/423-428]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني محمّد بن إسحاق الصّفّار العدل، ثنا أحمد بن نصرٍ، ثنا خلّادٌ الصّفّار، ثنا عمرو بن قيسٍ الملائيّ، ثنا عمرو بن مرّة، عن مصعب بن سعدٍ، قال: كنت أقرأ على أبي حتّى إذا بلغت هذه الآية {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالًا} [الكهف: 103] الآية، قلت يا أبتاه أهم الخوارج؟ قال: لا يا بنيّ اقرأ الآية الّتي بعدها {أولئك الّذين كفروا بآيات ربّهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} [الكهف: 105] قال: «هم المجتهدون من النّصارى كان كفرهم بآيات ربّهم بمحمّدٍ ولقائه» وقالوا: ليس في الجنّة طعامٌ ولا شرابٌ ولكنّ الخوارج هم الفاسقون الّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/402]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) مصعب بن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهما -: قال: سألت أبي عن قوله تعالى: {هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} [الكهف: 103] أهم الحروريّة ؟ قال: لا، هم اليهود والنصارى، أمّا اليهود: فكذّبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وأما النّصارى: فكذّبوا بالجنّة، قالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية {الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه} [البقرة: 27]، وكان سعدٌ يسمّيهم: الفاسقين أخرجه البخاري). [جامع الأصول: 2/234-235]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 103 - 108
أخرج عبد الرزاق والبخاري والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم، وابن مردويه من طريق مصعب بن سعد قال: سألت أبي {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} أهم الحرورية قال: لا هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم.
وأمّا النصارى فكذبوا بالجنة وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وكان سعد يسميهم الفاسقين). [الدر المنثور: 9/689-690]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه عن مصعب قال: قلت لأبي {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} الحرورية هم قال: لا ولكن أصحاب الصوامع والحرورية قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم). [الدر المنثور: 9/690]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي خميصة عبد الله بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول في هذه الآية {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} إنهم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في السواري). [الدر المنثور: 9/690]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي الطفيل قال: سمعت علي بن أبي طالب وسأله ابن الكواء فقال: من {هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} قال: فجرة قريش). [الدر المنثور: 9/690]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق عن علي أنه سئل عن هذه الآية {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} قال: لا أظن إلا أن الخوارج منهم). [الدر المنثور: 9/690]
تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدّثني عبد اللّه بن عيّاشٍ عن عمر بن عبد اللّه مولى غفرة وحمّاد بن هلالٍ أنّ ابن الكوّاء قال لعليّ بن أبي طالبٍ: يا أمير المؤمنين، ما {الذاريات ذرواً (1) فالحاملات وقراً}، فقال: ثكلتك أمك، يا ابن الكوّاء، سل تفقّهًا، ولا تسأل تعنّتًا؛ قال:، واللّه، إن سألتك إلا تفقّهًا فقال: فتلك الرّيح والسّحاب تحمل المطر؛ قال: فمن القوم {الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار}، فقال له عليٌّ مثل ما قال له أوّلا، فقال له ابن الكوّاء مثل قوله: قال له علي: فأولئك قتلى المشركين من قريشٍ قتلهم اللّه يوم بدرٍ وألقاهم في القليب؛ قال: فمن القوم {الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}، قال: أولئك أقوامٌ كانوا على حسناتٍ من أعمالهم فملّوها وبدّلوها بغيرها، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا؛ ثمّ أدخل عليٌ أصبعيه في أذنيه، ثمّ هتف بصوته حتّى خرج صوته من نواحي المسجد، ثمّ قال: وما ابن الكوّاء منهم ببعيدٍ، ثلاث مراتٍ). [الجامع في علوم القرآن: 2/66-67] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال شهدت عليا وهو يخطب وهو يقول سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل فقام إليه ابن الكواء و أنا بينه وبين علي وهو خلفي قال ما والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا فقال علي ويلك سل تفقها ولا تسل تعنتا الذاريات ذروا الرياح فالحاملات وقرا قال السحاب فالجاريات يسرا السفن فالمقسمات أمرا قال الملائكة قال أفرأيت السواد الذي في القمر ما هو قال أعمى سأل عن عمياء أما سمعت الله يقول وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة فذلك محوه السواد الذي فيه قال أفرأيت ذا القرنين أنبيا كان أم ملكا قال ولا واحد منهما ولكنه كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه وناصح الله فناصحه دعا قومه إلى الهدى فضربوه على قرنه فمكث ما شاء الله ثم دعاهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الآخر ولم يكن له قرنان كقرني الثور قال أفرأيت هذا القوس ما هي قال علامة كانت بين نوح بين ربه وأمان من الغرق قال أفرأيت البيت المعمور ما هو قال ذلك الصرح في سبع سماوات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة قال فمن الذين بدلوا أنعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال الأفجران من قريش بنو أمية وبنو مخزوم كفيتهم يوم بدر قال فمن الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا قال كانت أهل حروراء منهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/241-242] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({صنعًا} [الكهف: 104] : «عملًا»). [صحيح البخاري: 6/91]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (صنعاً عملاً
أشار به إلى قوله تعالى: {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} (الكهف: 104) وفسّر صنعا بقوله: (عملا) . وقوله: هم، يرجع إلى {الأخسرين أعمالاً} (الكهف: 103) في قوله: هل ننبئكم في قوله: {هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الّذين ضل سعيهم في الحياة الدّنيا واختلفوا فيهم} فعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: هم الرهبان والقسوس الّذين حبسوا أنفسهم في الصوامع، وعن سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه: هم اليهود والنّصارى، وسأل عبد الله بن الكوا عليا رضي الله عنه، عن الأخسرين أعمالاً، قال: أنتم يا أهل حروراء. قوله: (يحسبون) ، أي: يظنون). [عمدة القاري: 19/47]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({صنعًا}) في قوله: {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا} [الكهف: 104] أي (عملًا) وذلك لاعتقادهم أنهم على الحق ({حولًا}) في قوله: {لا يبغون عنها حولًا} أي (تحولًا) لأنهم لا يجدون أطيب منها أو المراد به تأكيد الخلود وسقط قول صنعًا الخ لأبي ذر ({قال}) أي موسى ({ذلك}) أي أمر الحوت ({ما كنا نبغ}) بغير تحتية بعد الغين أي نطلب لأنه علامة على المطلوب ({فارتدا على آثارهما قصصًا}) [الكهف: 64] أي يتبعان آثار مسيرهما اتباعًا). [إرشاد الساري: 7/226]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا} يقول: هم الّذين لم يكن عملهم الّذي عملوه في حياتهم الدّنيا على هدًى واستقامةٍ، بل كان على جورٍ وضلالةٍ، وذلك أنّهم عملوا بغير ما أمرهم اللّه به بل على كفرٍ منهم به {وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا} يقول: وهم يظنّون أنّهم بفعلهم ذلك للّه مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون.
وهذا من أدلّ الدّليل على خطأ قول من زعم أنّه لا يكفر باللّه أحدٌ إلاّ من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيّته، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الّذين وصف صفتهم في هذه الآية، أنّ سعيهم الّذي سعوا في الدّنيا ذهب ضلالاً، وقد كانوا يحسبون أنّهم يحسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنّهم هم الّذين كفروا بآيات ربّهم.
ولو كان القول كما قال الّذين زعموا أنّه لا يكفر باللّه أحدٌ إلاّ من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الّذي أخبر اللّه عنهم أنّهم كانوا يحسبون فيه أنّهم يحسنون صنعه، كانوا مثابين مأجورين عليه، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جلّ ثناؤه عنهم أنّهم باللّه كفرةٌ، وأنّ أعمالهم حابطةٌ.
وعنى بقوله: {أنّهم يحسنون صنعًا} عملاً، والصّنع والصّنعة والصّنيع واحدٌ، يقال: فرسٌ صنيعٌ بمعنى مصنوعٍ). [جامع البيان: 15/428-429]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا يحيى بن منصورٍ القاضي، ثنا عليّ بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان، عن منصورٍ، وأخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، واللّفظ له، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق، ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مصعب بن سعد بن أبي وقّاصٍ، قال: قلت لأبيٍّ {هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالًا الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا} [الكهف: 104] الحروريّة هم؟ قال: «لا، ولكنّهم أصحاب الصّوامع، والحروريّة قومٌ زاغوا فأزاغ اللّه قلوبهم» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/401]
تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش عن شمر بن عطيّة عن أبي يحيى عن كعب بن عجرة قال: يؤتى يوم القيامة بالرجل فلا يزن جناح بعوضةٍ ثمّ قرأ {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} [الآية: 105]). [تفسير الثوري: 179]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن عبيد بن عميرٍ، قال: يؤتى بالرّجل العظيم الطّويل يوم القيامة فيوضع في الميزان، فلا يزن عند الله جناح بعوضةٍ وقرأ: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 309]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {أولئك الّذين كفروا بآيات ربّهم ولقائه فحبطت أعمالهم} [الكهف: 105] الآية
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه، حدّثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا المغيرة بن عبد الرّحمن، قال: حدّثني أبو الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: " إنّه ليأتي الرّجل العظيم السّمين يوم القيامة، لا يزن عند اللّه جناح بعوضةٍ، وقال: اقرءوا، {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} [الكهف: 105] " وعن يحيى بن بكيرٍ، عن المغيرة بن عبد الرّحمن، عن أبي الزّناد مثله). [صحيح البخاري: 6/93]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب أولئك الّذين كفروا بآيات ربّهم ولقائه الآية)
تقدّم من حديث سعد بن أبي وقّاصٍ في الّذي قبله بيان أنّها نزلت في الأخسرين أعمالًا
- قوله حدّثنا محمّد بن عبد اللّه هو الذّهليّ نسبةً إلى جدّ أبيه وقوله حدّثنا سعيد بن أبي مريم هو شيخ البخاريّ أكثر عنه في هذا الكتاب وربّما حدّث عنه بواسطةٍ كما هنا قوله الرجل العظيم السمين في رواية بن مردويه من وجهٍ آخر عن أبي هريرة الطّويل العظيم الأكول الشروب قوله وقال اقرأوا فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا القائل يحتمل أن يكون الصّحابيّ أو هو مرفوعٌ من بقيّة الحديث قوله وعن يحيى بن بكيرٍ هو معطوفٌ على سعيد بن أبي مريم والتّقدير حدّثنا محمّد بن عبد اللّه عن سعيد بن أبي مريم وعن يحيى بن بكيرٍ وبهذا جزم أبو مسعودٍ ويحيى بن بكير هو بن عبد اللّه بن بكيرٍ نسب لجدّه وهو من شيوخ البخاريّ أيضًا وربّما أدخل بينهما واسطةٌ كهذا وجوّز غير أبي مسعودٍ أن تكون طريق يحيى هذه معلّقةً وقد وصلها مسلمٌ عن محمّد بن إسحاق الصّغانيّ عنه). [فتح الباري: 8/426]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله
في أواخر السّورة وعن يحيى بن بكير عن المغيرة بن عبد الرّحمن عن أبي الزّناد مثله
وهو معطوف على قوله قبله حدثنا محمّد ثنا سعيد بن أبي مريم أنا المغيرة والتّقدير ثنا محمّد ثنا سعيد بن أبي مريم ويحيى بن بكير قال سعيد أنا المغيرة وقال يحيى بن بكير عن المغيرة
وفي الكتاب لذلك نظائر وليس من التّعليق وإنّما نبهنا عليه لئلّا يظنّ أنه منه كما سبق نظير لذلك). [تغليق التعليق: 4/247]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {أولئك الّذين كفروا بآيات ربّهم ولقائه فحبطت أعمالهم} )
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {أولئك الّذين كفروا} ... الآية، أي: أولئك الّذين جحدوا بالدلائل وكفروا بالبعث والثّواب والعقاب فحبطت أعمالهم لأنّها خلت من الثّواب.
- حدّثنا محمّد بن عبد الله حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا المغيرة بن عبد الرّحمن قال حدّثني أبو الزّناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنّه ليأتي الرّجل العظيم السّمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضةٍ وقال اقرؤوا: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} (الكهف: 105) .
مطابقته للتّرجمة في قوله: {وقال اقرأوا} إلى آخره، لأنّها في الآية الّتي هي التّرجمة، ومحمّد بن عبد الله هو محمّد بن يحيى بن عبد الله الذهلي، فنسبه إلى جده، والمغيرة هو ابن عبد الرّحمن الحزامي، بكسر الحاء المهملة وبالزاي، وأبو الزّناد بالزاي والنّون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرّحمن بن هرمز.
والحديث أخرجه مسلم في التّوبة، وذكر المنافقين عن أبي بكر محمّد بن إسحاق.
قوله: (الرجل العظيم السمين) ، وفي رواية ابن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة: الطّويل العظيم الأكول الشروب. قوله: (وقال اقرأوا) القائل في الظّاهر هو الصّحابيّ، أو مرفوع من بقيّة الحديث. قوله: (وزنا) أي: قدرا.
وعن يحيى بن بكيرٍ عن المغيرة بن عبد الرّحمان عن أبي الزّناد مثله
وعن يحيى معطوف على سعيد بن أبي مريم، وعن يحيى بن بكير، وبهذا جزم أبو مسعود، وقال المزنيّ: أخرجه البخاريّ عن محمّد بن عبد الله عن سعيد بن أبي مريم عنه به، وقال في عقبه: وعن يحيى بن بكير عنه به، ولم يقل: حدثنا يحيى بن بكير، وهو يحيى بن عبد الله بن بكير نسبه إلى جده، وهو أيضا من شيوخ البخاريّ، روى عنه هنا بواسطة وكذا روى هنا عن سعيد بن أبي مريم وهو شيخه بواسطة. قلت: على قول المزنيّ: هذا معلّق، ووصله مسلم عن محمّد بن إسحاق الصّنعانيّ عنه. قوله: (العظيم أي: جثة أو جاهاً عند النّاس، والله تعالى أعلم) ). [عمدة القاري: 19/49-50]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب: {أولئك الّذين كفروا بآيات ربّهم ولقائه فحبطت أعمالهم} [الكهف: 105] الآية.
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({أولئك}) إشارة للأخسرين أعمالًا السابق ذكرهم ({الذين كفروا بآيات ربهم}) بالقرآن أو به وبالإنجيل أو بمعجزات الرسول صلوات الله وسلامه عليه ({ولقائه}) بالبعث أو بالنظر إلى وجه الله الكريم أو لقاء أجزائه ففيه حذف وقد كذب اليهود بالقرآن والإنجيل والنصارى بالقرآن وقريش بلقاء الله والبعث ({فحبطت أعمالهم}) [الكهف: 105] بطلت بكفرهم وتكذيبهم فلا ثواب لهم عليها (الآية). أي فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا وهذا هو المراد لما سيورده من الحديث.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه، حدّثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا المغيرة بن عبد الرّحمن، حدّثني أبو الزّناد، عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: إنّه ليأتي الرّجل العظيم السّمين يوم القيامة لا يزن عند اللّه جناح بعوضةٍ وقال: اقرءوا {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} [الكهف: 105]. وعن يحيى بن بكيرٍ عن المغيرة بن عبد الرّحمن عن أبي الزّناد مثله.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) هو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي نسبة إلى جده قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) شيخ المؤلّف روي عنه هنا بالواسطة قال: (أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي بالحاء المهملة المكسورة والزاي وسقط لغير أبي ذر ابن عبد الرحمن قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله-صلّى اللّه عليه وسلّم-) أنه (قال): (إنه ليأتي الرجل العظيم) في الطول أو في الجاه (السمين) ولابن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- الطويل العظيم الأكول الشروب (يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة) وعند ابن أبي حاتم من طريق صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعًا فيوزن بحبة فلا يزنها (وقال) أي النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أو أبو هريرة ({اقرؤوا فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا}) أي لا نجعل لهم مقدارًا أو لا نضع لهم ميزانًا توزن به أعمالهم لأن الميزان إنما ينصب للذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا أو لا نقيم لأعمالهم وزنًا لحقارتها، وفي هذه الآية من أنواع البديع التجنيس المغاير وفيها أيضًا الاستعارة فاستعار إقامة الوزن التي هي حقيقة في اعتداله لعدم الالتفات إليهم وإعراض الله عنهم كما استعار الحبوط في قوله: {حبطت أعمالهم} الذي هو حقيقة في البطلان لذهاب جزاء أعمالهم الصالحة والحذف في فحبطت أعمالهم أي ثمرات أعمالهم إذ ليس لهم عمل فنقيم لهم وزنًا واستدلّ به على أن الكفار لا يحاسبون لأنه إنما يحاسب من له حسنات وسيئات والكافر ليس له في الآخرة حسنات فتوزن ثم عطف المؤلّف على سعيد بن أبي مريم فقال:
(وعن يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا ونسبه إلى جدّه واسم أبيه عبد الله وهو شيخ المؤلّف أيضًا روي عنه بالواسطة والتقدير حدّثنا محمد بن عبد الله عن سعيد بن أبي مريم وعن يحيى بن بكير (عن المغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (مثله) أي الحديث السابق.
وهذا الحديث قد أخرجه مسلم في التوبة وذكر المنافقين). [إرشاد الساري: 7/230-231]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ وغير واحدٍ، قالوا: حدّثنا محمّد بن بكرٍ البرسانيّ، عن عبد الحميد بن جعفرٍ قال: أخبرني أبي، عن ابن ميناء، عن أبي سعد بن أبي فضالة الأنصاريّ، وكان من الصّحابة قال: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: إذا جمع اللّه النّاس يوم القيامة ليومٍ لا ريب فيه، نادى منادٍ: من كان أشرك في عملٍ عمله للّه أحدًا فليطلب ثوابه من عند غير الله فإنّ اللّه أغنى الشّركاء عن الشّرك.
هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلاّ من حديث محمّد بن بكرٍ). [سنن الترمذي: 5/165]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين كفروا بآيات ربّهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا}.
يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين وصفنا صفتهم، الأخسرون أعمالاً، الّذين كفروا بحجج ربّهم وأدلّته، وأنكروا لقاءه {فحبطت أعمالهم} يقول: فبطلت أعمالهم، فلم يكن لها ثوابٌ ينفع أصحابها في الآخرة، بل لهم منها عذابٌ وخزي طويلٌ {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} يقول تعالى ذكره: فلا نجعل لهم ثقلاً. وإنّما عنى بذلك: أنّه لا تثقل بهم موازينهم، لأنّ الموازين إنّما تثقل بالأعمال الصّالحة، وليس لهؤلاء شيءٌ من الأعمال الصّالحة فتثقل به موازينهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن شمرٍ، عن أبي يحيى، عن كعبٍ، قال: يؤتى يوم القيامة برجلٍ عظيمٍ طويلٍ، فلا يزن عند اللّه جناح بعوضةٍ، اقرءوا: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن الصّلت، قال: حدّثنا ابن أبي الزّناد، عن صالحٍ مولى التّوأمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " يؤتى بالأكول الشّروب الطّويل، فيوزن فلا يزن جناح بعوضةٍ " ثمّ قرأ {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} ). [جامع البيان: 15/429-430]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني محمّد بن إسحاق الصّفّار العدل، ثنا أحمد بن نصرٍ، ثنا خلّادٌ الصّفّار، ثنا عمرو بن قيسٍ الملائيّ، ثنا عمرو بن مرّة، عن مصعب بن سعدٍ، قال: كنت أقرأ على أبي حتّى إذا بلغت هذه الآية {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالًا} [الكهف: 103] الآية، قلت يا أبتاه أهم الخوارج؟ قال: لا يا بنيّ اقرأ الآية الّتي بعدها {أولئك الّذين كفروا بآيات ربّهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} [الكهف: 105] قال: «هم المجتهدون من النّصارى كان كفرهم بآيات ربّهم بمحمّدٍ ولقائه» وقالوا: ليس في الجنّة طعامٌ ولا شرابٌ ولكنّ الخوارج هم الفاسقون الّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/402] (م)
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّه ليأتي الرّجل العظيم السّمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضةٍ، وقال: اقرؤوا {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} [الكهف: 105] ». أخرجه البخاري ومسلم.
[شرح الغريب]
(بعوضة) البعوضة، وجمعها البعوض: صغار البق). [جامع الأصول: 2/235-236]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرأوا إن شئتم {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} ). [الدر المنثور: 9/691]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليؤتين يوم القيامة بالعظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن عند الله تبارك تعالى جناح بعوضة اقرؤوا إن شئتم {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} ). [الدر المنثور: 9/691]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن الضريس عن كعب قال: يمثل القرآن لمن كان يعمل به في الدنيا يوم القيامة كأحسن صورة رآها وجها أحسنه وأطيبه ريحا فيقوم بجنب صاحبه فكلما جاءه روع هدأ روعه وسكنه وبسط له أمله فيقول له: جزاك الله خيرا من صاحب فما أحسن صورتك، وأطيب ريحك فيقول له: أما تعرفني تعال فاركبني فطالما ركبتك في الدنيا أنا عملك، إن عملك كان حسنا فترى صورتي حسنة وكان طيبا فترى ريحي طيبة، فيحمله فيوافي به الرب تبارك وتعالى فيقول: يا رب هذا فلان - وهو أعرف به منه - قد شغلته في أيام حياته في الدنيا طالما اظمأت نهاره وأسهرت ليله فشفعني فيه، فيوضع تاج الملك على رأسه ويكسى حلة الملك فيقول: يا رب قد كنت أرغب له عن هذا وأرجو له منك أفضل من هذا، فيعطى الخلد بيمينه والنعمة بشماله فيقول: يا رب إن كل تاجر قد دخل على أهله من تجارته، فيشفع في أقاربه، وإذا كان كافرا مثل له عمله في أقبح صورة رآها وأنتنه فكلما جاءه روع زاده روعا فيقول: قبحك الله من صاحب فما أقبح صورتك وما أنتن ريحك، فيقول: من أنت قال: أما تعرفني أنا عملك إن عملك كان قبيحا فترى صورتي قبيحة وكان منتنا فترى ريحي منتنة، فيقول: تعال حتى أركبك فطالما ركبتني في الدنيا، فيركبه فيوافي به الله فلا يقيم له وزنا). [الدر المنثور: 9/691-692]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن عمير قال: يؤتى بالرجل العظيم الطويل يوم القيامة فيوضع في الميزان فلا يزن عند الله جناح بعوضة ثم تلا {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} ). [الدر المنثور: 9/692]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج هناد عن كعب بن عجرة في قوله: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}، قال: يجاء بالرجل يوم القيامة فيوزن فلا يزن حبة حنطة ثم يوزن فلا يزن شعيرة ثم يوزن فلا يزن جناح بعوضة، ثم قرأ {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} يقول: ليس لهم وزن). [الدر المنثور: 9/692]
تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك جزاؤهم جهنّم بما كفروا واتّخذوا آياتي ورسلي هزوًا}.
يقول تعالى ذكره: أولئك ثوابهم جهنّم بكفرهم باللّه، واتّخاذهم آيات كتابه، وحجج رسله سخريًّا، واستهزائهم برسله). [جامع البيان: 15/430]