تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يا أيّها المدّثّر (1) قم فأنذر (2) وربّك فكبّر (3) وثيابك فطهّر (4) والرّجز فاهجر (5) ولا تمنن تستكثر (6) ولربّك فاصبر (7) فإذا نقر في النّاقور (8) فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ (9) على الكافرين غير يسيرٍ (10)
اختلف القراء في المدّثّر على نحو ما ذكرناه في المزّمّل [المزمل: 1]، وفي حرف أبيّ بن كعب المدّثّر ومعناه المتدثر بثيابه، و «الدثار»، ما يتغطى الإنسان به من الثياب، واختلف الناس لم ناداه ب المدّثّر، فقال جمهور المفسرين بما ورد في البخاري من أنه لما فرغ من رؤية جبريل على كرسي بين السماء والأرض فرعب منه ورجع إلى خديجة قال: زملوني زملوني فنزلت يا أيّها المدّثّر، وقالت عائشة والنخعي وقتادة: نودي وهو في حال تدثر فدعي بحال من أحواله. وروي أنه كان يدثر في قطيفة. وقال آخرون: معناه أيها النائم. وقال عكرمة معناه يا أيّها المدّثّر للنبوة وأثقالها، واختلف الناس في أول ما نزل من كتاب الله تعالى فقال جابر بن عبد الله وأبو سلمة والنخعي ومجاهد هو يا أيّها المدّثّر الآيات. وقال الزهري والجمهور هو اقرأ باسم ربّك الّذي خلق [العلق: 1] وهذا هو الأصح. وحديث صدر كتاب البخاري نص في ذلك). [المحرر الوجيز: 8/ 450-451]
تفسير قوله تعالى: {قُمْ فَأَنْذِرْ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: قم فأنذر بعثة عامة إلى جميع الخلق. قال قتادة، المعنى أنذر عذاب الله ووقائعه بالأمم). [المحرر الوجيز: 8/ 451]
تفسير قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وربّك فكبّر معناه عظمه بالعبادة وبث شرعه.
وروي عن أبي هريرة أن بعض المؤمنين قال: بم نفتتح صلاتنا؟ فنزلت وربّك فكبّر). [المحرر الوجيز: 8/ 451]
تفسير قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف المتأولون في معنى قوله وثيابك فطهّر، فقال ابن سيرين وابن زيد بن أسلم والشافعي وجماعة: هو أمر بتطهير الثياب حقيقة، وذهب الشافعي وغيره من هذه الآية إلى وجوب غسل النجاسات من الثياب، وقال الجمهور: هذه الألفاظ استعارة في تنقية الأفعال والنفس والعرض، وهذا كما تقول فلان طاهر الثوب، ويقال للفاجر دنس الثوب، ومنه قول الشاعر [غيلان بن سلمة الثقفي]: [الطويل]
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر = لبست ولا من خزية أتقنع
وقال الآخر: [الرجز]
لاهم إن عامر ابن جهم = أو ذم حجّا في ثياب دهم
أي دنسه. وقال ابن عباس والضحاك وغيره، المعنى لا تلبسها على غدرة ولا فجور، وقال ابن عباس: المعنى لا تلبسها من مكسب خبيث، وقال النخعي: المعنى طهرها من الذنوب، وهذا كله معنى قريب بعضه من بعض، وقال طاوس: المعنى قصرها وشمرها، فذلك طهرة للثياب). [المحرر الوجيز: 8/ 452]
تفسير قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور الناس «والرّجز» بكسر الراء، وقرأ حفص عن عاصم والحسن ومجاهد وأبو جعفر وشيبة وأبو عبد الرحمن والنخعي وابن وثاب وقتادة وابن أبي إسحاق والأعرج: و «الرّجز» بضم الراء. فقيل هما بمعنى يراد بهما الأصنام والأوثان، وقيل هما لمعنيين الكسر للنتن والتقابض وفجور الكفار والضم لصنمين: «إساف ونائلة»، قاله قتادة. وقيل للأصنام عموما، قاله مجاهد وعكرمة والزهري. وقال ابن عباس «الرجز» السخط، فالمعنى اهجر ما يؤدي إليه ويوجبه،
وقال الحسن: كل معصية رجز، وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر هذه الآية بالأوثان). [المحرر الوجيز: 8/ 452-453]
تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى: ولا تمنن تستكثر. فقال ابن عباس وجماعة معه: لا تعط عطاء لتعطى أكثر منه، فكأنه من قولهم، من إذا أعطى، قال الضحاك، وهذا خاص بالنبي عليه السلام، ومباح لأمته لكن لا أجر لهم فيه. قال مكي: وهذا معنى قوله تعالى: وما آتيتم من رباً ليربوا في أموال النّاس فلا يربوا عند اللّه [الروم: 39]، وهذا معنى أجنبي من معنى هذه السورة. وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال: ولا تمنن تستكثر لا تقل دعوت فلم أجب وروى قتادة أن المعنى لا تدل بعملك، ففي هذا التأويل تحريض على الجد وتخويف، وقال ابن زيد: معناه ولا تمنن على الناس بنبوءتك تستكثر بأجر أو بكسب تطلبه منهم. وقال الحسن بن أبي الحسن: معناه ولا تمنن على الله بجدك تستكثر أعمالك ويقع لك بها إعجاب، فهذه كلها من المن الذي هو تعديد اليد وذكرها. وقال مجاهد: معناه ولا تضعف تستكثر ما حملناك من أعباء الرسالة وتستكثر من الخير، فهذه من قولهم حبل منين أي ضعيف، وفي قراءة ابن مسعود: «ولا تمنن أن تستكثر»، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «تستكثر» بجزم الراء، وذلك كأنه قال لا تستكثر، وقرأ الأعمش: «تستكثر» بنصب الراء، وذلك على تقدير أن مضمرة وضعف أبو حاتم الجزم، وقرأ ابن أبي عبلة: «ولا تمنن فتستكثر» بالفاء العاطفة والجزم، وقرأ أبو السمال: «ولا تمنّ» بنون واحدة مشددة). [المحرر الوجيز: 8/ 453]
تفسير قوله تعالى: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ولربّك فاصبر، أي لوجه ربك وطلب رضاه كما تقول فعلت لله تعالى، والمعنى على الأدنى من الكفار وعلى العبادة وعن السهوات وعلى تكاليف النبوة، قال ابن زيد وعلى حرب الأحمر والأسود لقد حمل أمرا عظيما). [المحرر الوجيز: 8/ 454]
تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والنّاقور الذي ينفخ فيه وهو الصور، قاله ابن عباس وعكرمة. وقال خفاف بن ندبة: [الوافر]
إذا ناقورهم يوما تبدى = أجاب الناس من غرب وشرق
وهو فاعول من النقر، وقال أبو حباب: أمنا زرارة بن أوفى فلما بلغ في الناقور خر ميتا.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر بالنفخ» ففزع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: كيف نقول يا رسول الله؟
قال: «قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا»). [المحرر الوجيز: 8/ 454]
تفسير قوله تعالى: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ويومٌ عسيرٌ معناه في عسر في الأمور الجارية على الكفار فوصف اليوم بالعسر لكونه ظرف زمان له. وكذلك تجيء صفته باليسر. وقرأ الحسن «عسر» بغير ياء). [المحرر الوجيز: 8/ 454]
تفسير قوله تعالى: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)}