العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:14 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة البقرة
[من الآية (189) إلى الآية (194) ]

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}


قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأتوا البيوت من أبوابها... (189).
قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: (البيوت) بكسر الباء في كل القرآن، وكذلك كسر العين من العيون، والجيم من الجيوب، والشين من الشيوخ والغين من الغيوب، وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم نحو ذلك، وقال يحيى عن أبي بكر عن عاصم: إنه ضم الجيم من
[معاني القراءات وعللها: 1/194]
الجيوب، وكسر ما سوى ذلك من هذه الحروف، وكسر نافع في رواية قالون الباء من البيوت، وضم سائر الحروف.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب كلها بالضم..
قال أبو منصور: من ضم أول هذه الحروف فلأنها مبنية على (فعول) بضم الفاء ومن كسر اعتل بالياء، فأتبع الكسرة الكسرة، كما قالوا: أبيض وبيض، وقالوا في جمع أعين: عين، والأصل: بيضٌ، وعينٌ.
كما قالوا: أصفر وصفر، وأحمر وحمر.
وروى سليم عن حمزة أنه كان يشم الجيم من: (جيوبهن) الضم ثم يشمه كسرة خفيفة، ويرفع الياء.
وروى غيره عن حمزة الكسرة في جميعها). [معاني القراءات وعللها: 1/195]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في: البيوت والعيون والشّيوخ والغيوب والجيوب: في ضمّ الحرف الأول من هذه كلّها وكسره.
فقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائيّ الغيوب بضم الغين وكسر الباء من البيوت والعين من العيون.
[الحجة للقراء السبعة: 2/280]
وقرأ أبو عمرو بضم ذلك كلّه: الباء والعين والغين والجيم والشين.
واختلف عن نافع فروى المسيّبيّ وقالون: البيوت بكسر الباء، وهذه وحدها، وضمّ الغين والعين والجيم والشين.
وقال ورش عن نافع: أنه ضمّ ذلك كلّه، والباء من البيوت، وكذلك قال إسماعيل بن جعفر وابن جمّاز عنه: أنه ضمّها كلّها.
قال أبو بكر بن أبي أويس: البيوت، والغيوب، والعيون، والجيوب، وجيوبهنّ، والشيوخ بكسر أول، ذلك كلّه.
قال الواقديّ عن نافع: البيوت بضم الباء.
واختلف عن عاصم أيضاً، فروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عنه: أنه كسر الباء من البيوت، والعين من العيون، والغين من الغيوب، والشين من شيوخاً، وضمّ الجيم من (الجيوب) وحدها.
قال: يبدأ بالكسر ثم يشمّها الضمّ.
وروى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه كان يكسر الشين من شيوخاً وحدها، ويضمّ الباقي وهذا غلط. وقال عمرو بن
[الحجة للقراء السبعة: 2/281]
الصبّاح عن أبي عمر عن عاصم شيوخاً بضم الشين، وضم سائر الحروف.
وكان حمزة يكسر الأول من هذه الحروف كلّها. وقال خلف وأبو هشام عن سليم عن حمزة: أنه كان يشمّ الجيم الضمّ، ثم يشير إلى الكسر، ويرفع الياء من قوله جيوبهنّ وهذا شيء لا يضبط.
وقال غير سليم بكسر الجيم.
قال أبو علي: أما من ضمّ الفاء من شيوخ، وعيون، وجيوب فبيّن لا نظر فيه بمنزلة فعول إذا كان جمعاً، ولم تكن عينه ياء، وأما من قال: (شيوخ وجيوب) فكسر الفاء، فإنما فعل ذلك من أجل الياء، أبدل من الضمّة الكسرة لأن الكسرة للياء أشدّ موافقة من الضمة لها.
فإن قلت: هلّا استقبح ذلك، لأنه أتى بضمّة بعد كسرة، وذلك مما قدمت أنهم قد رفضوه في كلامهم، فهلّا رفض أيضاً القارئ للجيوب ذلك؟
قيل: إن الحركة إذا كانت للتقريب من الحرف لم تكره، ولم تكن بمنزلة ما لا تقريب فيه- ألا ترى أنه لم يجيء في الكلام عند سيبويه على فعل إلا إبل. وقد أكثروا من هذا البناء، واستعملوه على اطّراد، إذا كان القصد فيه تقريب الحركة من الحرف، وذلك قولهم: ماضغ لهم، ورجل محك
[الحجة للقراء السبعة: 2/282]
وجئز. وقالوا في الفعل: شهد ولعب.
واستعملوا في إرادة التقريب ما ليس في كلامهم على بنائه البتّة، وذلك نحو: شعير ورغيف وشهيد، وليس في الكلام شيء على فعيل على غير هذا الوجه، فكذلك نحو: شيوخ وجيوب. يستجاز فيه ما ذكرنا للتقريب والتوفيق بين الجمعين. ومما يدل على جواز ذلك أنك تقول في تحقير فلس: فليس، ولا يكسر أحد الفاء في هذا النحو، فإذا كانت العين ياء، كسروا الفاء [فقالوا: عيينة وبييت، فكسروا الفاء هاهنا] لتقريبه من الياء، ككسر الفاء من فعول وذلك مما قد حكاه سيبويه، فكما كسرت الفاء من عيينة ونحوه، وإن لم يكن في أبنية التحقير، على هذا الوزن لتقريب الحركة ممّا بعدها، كذلك كسروا الفاء من (جيوب) ونحوها.
ومما يقوي هذا الكسر في الفاء إذا كان العين ياء للإتباع، أنّه قد جاء في الجموع ما لزمته الكسرة في الفاء، ولم نعلم أحداً ممّن يسكن إلى روايته حكى فيه غير ذلك، وذلك قولهم في جمع قوس: قسيّ؛ فلولا أن الكسر في هذا الباب قد تمكّن ما كان الحرف ليجيء على الكسر خاصة، ولا يستعمل فيه غيره، فإذا نسبت إلى قسي- اسم رجل- قلت: قسويّ، فرددت الضمّة التي هي الأصل، وقياس من
[الحجة للقراء السبعة: 2/283]
قال: صعقيّ أن يقول: قسويّ، فيقرّ الكسرة، وإن كانت الكسرة في العين التي لها كسرت الفاء قد زالت كما زالت من صعقيّ. ويدلك على ذلك أيضاً ما أنشده أبو زيد:
يأكل أزمان الهزال والسني وقول أبي النجم:
جاءت تناجيني ابنة العجليّ في ساعة مكروهة النّجيّ يكفيك ما موّت في السّنيّ فالأول فعول أيضاً، وإنما حذفت للقافية، ويدلك على أنه فعول التشديد الذي في بيت أبي النجم، ولم نعلم الضمّ سمع في ذلك أيضاً). [الحجة للقراء السبعة: 2/284]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها}
قرأ نافع في رواية إسماعيل وورش وابو عمرو وحفص {وأتوا البيوت} بضم الباء على أصل الجمع تقول بيت وبيوت مثل قلب وقلوب وفلس وفلوس وقرأ الباقون {البيوت} بكسر الباء وحجتهم في ذلك أنهم استثقلوا الضمة في الباء وبعدها ياء مضمومة فيجتمع في الكلمة ضمتان بعدها واو ساكنة فتصير بمنزلة ثلاثة ضمات وهذا من أثقل الكلام فكسروا الباء لثقل الضمات ولقرب الكسر من الياء وكذلك الكلام في {الغيوب} و{جيوبهنّ} و{شيوخًا} ). [حجة القراءات: 127]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (117- قوله: «البيوت، والغيوب، والجيوب، الشيوخ، والعيون» قرأ ذلك ورش وحفص وأبو عمرو بالضم في أوائلها، وقرأ قالون وهشام بكسر الباء من «البيوت»، وضم باقيها، وقرأ حمزة بالكسر في أوائلها كلها، ومثله أبو بكر غير أنه ضم الجيم من «الجيوب» وحدها، وقرأ ابن كثير وابن ذكوان والكسائي بضم الغين من «الغيوب» وكسر باقيها.
118- ووجه القراءة فيهن بالضم أنه أتى بهن على الأصل، ولم يسأل عن الياء وضمها، وباب «فعل» في الجمع الكثير «فعول»، ولما كان هذا النوع لا يجوز فيه إلا الضم إذا لم يكن الثاني ياء نحو: «كعوب، ودهور» أجرى ما ثانيه ياء على ذلك؛ لأنه أصله، ولئلا يختلف.
119- ووجه القراءة بالكسر أن الكسرة مع الياء أخف من الضمة معها، فاستثقل ضمة بعدها ياء مضمومة، والضمة مع ياء ثقيلة، فاجتمع حركتان ثقيلتان، وحرف ثقيل عليه حركة ثقيلة في جمع، والجمع ثقيل، فكسر الأول لخفته مع الياء، ولتقرب الحركة من الحرف الذي بعدها، فقد قالوا: شهد، ولعب، فكسروا الأول لكسر الثاني، وهو من حروف الحلق للتقريب، وقالوه أيضًا في الاسم فقالوا: سعيد ورغيف وشهيد، فكسروا الأول للثاني، إذ هو حرف حلق للتقريب من حركته، كذلك كسروا أوائل هذه الجموع للتقريب من الثاني، وقوي ذلك فيه، وليس بحرف حلق، لأنه جمع، ولأنه حرف ثقيل عليه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/284]
حركة ثقيلة، والكسر للإتباع كثير في الكلام، قالوا: قسي، وعصي، وعتي، وصلي، وبكي، وهو كثير، فأما من ضم بعضًا وكسر بعضًا فإنه جمع بين لغتين، مع روايته ذلك عن أئمته، والضم هو الاختيار؛ لأنه الأصل، ولأن الكسر تغيير عن الأصل، والضم هو اختيار أبي حاتم، قال أبو حاتم: لا يجوز غير الضم ولا يُكسر الأول للياء؛ لأن الياء متحركة مضمومة، وليس في الكلام «فعيل» فكيف تروم ما لا يكون في الكلام، قال أبو محمد: الكسر لغة مشهورة في هذا الجمع، والكسرة عارضة، فلا يُعتد بوزنه، والضم هو الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/285]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (66- {البِيُوتَ} [آية/ 189] و{الغِيُوب} و{الشِيُوخ} و{العِيُون} و{الجِيُوب}:-
قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي بالكسر في كلهن إلا في {الغُيُوب} فإنهم ضم الغين فيه وحده، وقرأ أبو عمرو وش- و- يل- عن نافع و- ص- عن عاصم ويعقوب بالضم في الجميع، وقرأ ن- عن نافع بالكسر في {البِيُوت} وضم الباقي، وروى ياش- عن عاصم بالضم في {الجُيُوب} والكسر في الباقي، وقرأ حمزة بالكسر في الجميع.
أما من ضم، فإنه أجرى الكلمة على الأصل؛ لأن هذه الكلم صيغ جمع على فعول، فالأصل فيها أن ينضم الفاء.
وأما من كسر فإنه لما جاورت فاء الفعل الياء، كره الياء بعد الضمة كما
[الموضح: 318]
يكره الكسرة بعد الضمة؛ لأن الياء أخت الكسرة، فأبدل من الضمة كسرة ليكون أشد موافقةً للياء من الضمة، ألا ترى أنهم أبدلوا الضمة كسرةً في بيض وعين، لمكان الياء). [الموضح: 319]

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)}

قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام... (191).
قرأ حمزة والكسائي: (لا تقتلوهم... حتى يقتلوكم... فإن قتلوكم) بغير ألف.
وقرأ الباقون فيهن بالألف.
قال أبو منصور: من قرأ: (لا تقتلوهم) فالمعنى: لا تبدأوهم بقتل حتى يبدأوكم به، وجاز ولا تقتلوهم وإن وقع القتل ببعضٍ دون بعض، لأن العرب
[معاني القراءات وعللها: 1/195]
تقول: قتلنا القوم، وإنما قتلوا بعضهم،ومن قرأ: (ولا تقاتلوهم) فإنهم نهوا عن قصدهم بالقتال حتى يكون الابتداء منهم، والقتال من اثنين، والقتل من الواحد.
وأجازت العرب قاتله الله بمعنى: لعنه الله.
وقيل في قوله: (قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون)، أي: قتلهم الله). [معاني القراءات وعللها: 1/196]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في إثبات الألف وطرحها من قوله عزّ وجلّ: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم [البقرة/ 191].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم كلّها بالألف.
[الحجة للقراء السبعة: 2/284]
وقرأ حمزة والكسائيّ: ولا تقتلوهم بغير ألف، فيهنّ كلّهنّ، ولم يختلفوا في قوله: فاقتلوهم أنها بغير ألف.
قال أبو علي: حجة من قرأ: ولا تقاتلوهم في هذه المواضع اتفاقهم في قوله تعالى: وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ [البقرة/ 193] والفتنة يراد بها الكفر، أي: قاتلوهم حتى لا يكون كفر لمكان قتالكم إياهم.
وحجة من قرأ: ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فيه أنهم لم يختلفوا في قوله: فاقتلوهم فكل واحد من الفريقين يستدل على ما اختار بالموضع المتفق عليه.
ويقوي قول من قال: فاقتلوهم، قوله تعالى:
والفتنة أشدّ من القتل [البقرة/ 191] والقتل: مصدر قتلته، دون قاتلته أي: الكفر أشدّ من القتل، فاقتلوهم، فأمر بالقتل ليزاح به الكفر.
ويمكن أن يرجّح [قراءة من قرأ: ولا تقاتلوهم من أنه على قراءة من قرأ: فاقتلوهم بأنّ قوله فاقتلوهم وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ نص على الأمر بالقتال.
وقوله: والفتنة أشدّ من القتل في فحواه دلالة على الفعل، فيقول: الأخذ بما علم بالنص أولى ممّا علم من
[الحجة للقراء السبعة: 2/285]
الفحوى، إذا كانا في أمر واحد. وقوله حتّى يقاتلوكم فيه [البقرة/ 191]. أي: حتى يقتلوا بعضكم؛ فإن قتلوكم فاقتلوهم، أي: إن قتلوا بعضكم في الحرم فاقتلوا في الحرم القاتل في الحرم.
ومثل ذلك قوله تعالى: فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه [آل عمران/ 176] أي: ما وهن الباقون منهم لما أصابهم في سبيل الله). [الحجة للقراء السبعة: 2/286]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم}
قرأ حمزة والكسائيّ (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قتلوكم) بغير ألف
[حجة القراءات: 127]
وقرأ الباقون {ولا تقاتلوهم} بالألف أي لا تحاربوهم حتّى يحاربوكم فإن حاربوكم فاقتلوهم وحجتهم قوله {وقاتلوا في سبيل الله الّذين يقاتلونكم} {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة} وحجّة أخرى وهي أن القتال إنّما يؤمر به الأحياء فأما المقتولون فإنّهم لا يقاتلون فيؤمروا به وإذا قرئ {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} كان ظاهره أمرا للمقتول بقتل القاتلين وذلك محال إذا حمل على ظاهره وحجّة من قرأ بغير ألف أن وصف المؤمنين بالقتل في سبيل الله أبلغ في المدح والثناء عليهم وأن معنى ذلك ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقتلوا بعضكم فإن قتلوا بعضكم فاقتلوهم وحكى الفراء عن العرب أنهم يقولون قتلنا بني فلان وإنّما قتلوا بعضهم وحجّة أخرى جاء في التّفسير أن المعنى فيه ولا تبدؤوهم بالقتل حتّى يبدؤوكم به فإن بدؤوكم بالقتل فاقتلوهم). [حجة القراءات: 128]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (120- قوله: {ولا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم فإن قاتلوكم} قرأه حمزة والكسائي الثلاثة بغير ألف، وقرأ ذلك الباقون بألف.
121- ووجه القراءة بالألف أنه جعل من القتال؛ لإجماعهم على قوله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} «البقرة 193» فهذا نص على الأمل بالقتل، وبالألف قرأ الحسن وأبو عبد الرحمن وشيبة وحميد وغيرهم.
122- ووجه القراءة بغير ألف أنه جعله من القتل؛ لإجماعهم على قوله عقيب ذلك: {فاقتلوهم} وقوله: {والفتنة أشد من القتل}، والقراءتان متداخلتان حسنتان، لأن من قاتل قتل، ومن قتل فبعد قتال قتل، ومعنى {حتى يقاتلوكم فإن قاتلوكم} أي: يقتلون بعضكم فإن قتلوا بعضكم، والاختيار القراءة بالألف؛ لأن عليه الجماعة، وعليه قراءة العامة، وهو اختيار أبي حاتم وغيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/285]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (67- {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ} [آية/ 191]:-
بغير ألف فيهن قرأها حمزة والكسائي.
وذلك لأنه لا خلاف بينهم في قوله تعالى {فاقْتُلُوهم}، فاستدلا على المختلف فيه بالمتفق عليه، فلما كان في هذا {فاقْتُلُوهُمْ} اختارا أيضًا في الأول {وَلا تَقْتُلُوهُمْ} و{حَتَّى يَقْتُلُوكُمْ}.
وقرأ الباقون {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ} {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ} {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ}.
لأنه تعالى يقول فيما بعد {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي حتى لا يكون كفر لأجل قتالكم إياهم، فهذا يؤيد قراءة {قَاتِلُوهُمْ} بالألف، وفيه أيضًا الاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه). [الموضح: 319]

قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)}

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}

قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:15 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (195) إلى الآية (196) ]

{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}

قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}

قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:17 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (197) إلى الآية (199) ]

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}

قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ... (197).
قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو ويعقوب: (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ) رفعًا بالتنوين.
وقرأ الباقون نصبا غير منون، على التبرئة، واتفقوا كلهم على نصب اللام من قوله: (ولا جدال في الحجّ).
قال أبو منصور: من قرأ (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ) فرفعهما بقوله في الحج، وإنما يحسن الرفع إذا نسق عليه، وإن لم ينسق عليه بـ (لا) فالاختيار النصب بلا تنوين، كقوله جلّ وعزّ: (لا ريب فيه) على التبرئة، ومعنى (ولا جدال في الحجّ)، أي: لا شك أن الحج في ذي الحجة.
[معاني القراءات وعللها: 1/196]
وقرأ الباقون: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال) بالنصب في جميعها على التبرئة، ولو قرئ: (ولا جدالٌ) بالرفع والتنوين كان ذلك جائزا في كلام العرب، فأما في القرآن فلا يجوز؛ لأن القراءة سنة، ولم يقرأ بها أحد من القراء). [معاني القراءات وعللها: 1/197]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد: اتفقوا في فتح الحاء من قوله عزّ وجل: الحجّ في سورة البقرة واختلفوا في آل عمران، وأنا أذكره إذا مررت به.
قال أبو علي: يريد في قوله تعالى: الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ [الآية/ 197]. والحجّ مصدر لقولهم: حجّ البيت أي: قصده، ومثل الحجّ قولهم: شدّ شداً، وردّ ردّاً، وعدّ عدّاً.
قال سيبويه: قالوا: حجّ حجّا- كقولهم: ذكر ذكراً.
قال: وقالوا: حجّة- يريدون: عمل سنة، كما قالوا:
غزاة: يريدون عمل وجه واحد. فلو قرئ: الحجّ على ما حكاه سيبويه لم يمتنع في القياس.
[الحجة للقراء السبعة: 2/278]
وقولهم:- حجّ- وهم يريدون جمع الحاجّ، يمكن أن يكونوا سمّوا بالمصدر الذي هو كالذّكر تقديره: ذوو حجّ وأنشد أبو زيد:
أصوات حجّ من عمان غادي وقال:
وكأنّ عافية النّسور عليهم... حجّ بأسفل ذي المجاز نزول
ومعنى قوله تعالى: الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ تقديره:
أشهر الحج أشهر معلومات، فحذف المضاف أو يكون:
الحجّ حجّ أشهر معلومات، فحذف المصدر المضاف إلى الأشهر، وعلى هذا:
يا سارق الليلة أهل الدار أو يكون جعل الأشهر الحجّ، لمّا كان الحجّ فيها، كقولهم: ليل نائم؛ فجعل الليل النائم لمّا كان النوم فيه.
[الحجة للقراء السبعة: 2/279]
وأشهر الحج: شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة، فسمّى الشهرين وبعض الثالث أشهراً، لأن الاثنين قد يوقع عليه لفظ الجمع، كما يوقع عليه لفظ الجمع في نحو قولهم:
ظهراهما مثل ظهور التّرسين ولا يجوز على هذا القياس أن يوقع على الاثنين.
وبعض الثالث قروءٍ في قوله: ثلاثة قروءٍ [البقرة/ 228] لأنّ هذا محصور بالعدد، فلا يكون الاثنان وبعض الثالث ثلاثة). [الحجة للقراء السبعة: 2/280]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضم الثّاء والقاف والتنوين ونصبهما بغير تنوين في قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق [البقرة/ 197].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فلا رفث ولا فسوق بالضم فيهما والتنوين.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: فلا رفث ولا فسوق فيهما بغير تنوين، ولم يختلفوا في نصب اللام من جدال.
قال أبو علي: روي عن طاوس قال: سألت ابن عباس عن قوله: فلا رفث ولا فسوق قال: الرفث المذكور ليس الرفث المذكور في قوله: أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم [البقرة/ 187]، ومن الرفث التعريض بذكر
[الحجة للقراء السبعة: 2/286]
الجماع، وهي الإعرابة في كلام العرب.
وروي عنه وعن ابن مسعود وابن عمر والحسن وغيرهم:
الرّفث: الجماع.
وأما الفسوق فعن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وإبراهيم وعطاء: الفسوق: المعاصي، قال: في المعاصي كلّها.
وإن تفعلوا فإنّه فسوقٌ بكم [البقرة/ 282].
ابن زيد: هو الذبح، وقرأ: أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به [الأنعام/ 145]. قال الضحاك: الفسوق: التنابز بالألقاب.
قال أبو علي: كأنه ذهب إلى قوله: بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان [الحجرات/ 11].
وقال أبو عبيدة فيما روى عنه التّوّزيّ: فلا رفث أي:
لا لغا من الكلام، واللّغا: التكلّم بما لا ينبغي، قال العجّاج:
عن اللّغا ورفث التكلّم تقول: لغيت تلغى، مثل: لقيت، تلقي، وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/287]
ولا جدال في الحجّ [البقرة/ 197] أي: لا شكّ فيه أنه لازم في ذي الحجّة، وقالوا: من المجادلة.
وقال أبو عبيدة: الرّفث إلى نسائكم: الإفضاء إلى نسائكم.
قال أبو علي: قد وافق قول أبي عبيدة ما روي عن ابن عباس، لأن ابن عباس جعل الرّفث المذكور، فيما روى عطاء عنه في قوله: فلا رفث ولا فسوق [البقرة/ 197] أنه غير الرّفث المذكور في قوله: أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم فقال في قوله: فلا رفث ولا فسوق من الرّفث:
التعريض بذكر الجماع.
وينبغي أن يكون مراده بذكر الجماع مع النساء، ويؤكد ذلك قوله: التعريض بذكر النساء، والتعريض يقتضي معرّضاً له. وإنما تأوّلناه على مراجعة النساء الحديث بذكر
الجماع، دون اللفظ به من غير مراجعتهنّ، لأنه قد روي عن ابن عباس أنه كان يطوف بالبيت وينشد:
وهنّ يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا فقيل له: أترفث؟ فقال: ليس هذا برفث، إنما الرفث مراجعة النساء الحديث بذكر الجماع. قال يعقوب فيما أخبرنا
[الحجة للقراء السبعة: 2/288]
به محمد بن السري قال يزيد بن هارون: لميساً يعني: فرجاً، وليس بامرأة بعينها. وقد وافق قول أبي عبيدة قول ابن عباس، لأنه فسّر الرفث في قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق: ما لا ينبغي أن يتكلم به، وفسر الرفث في قوله جل وعز: الرّفث إلى نسائكم [البقرة/ 187]: الإفضاء إلى نسائكم. قال أبو الحسن: وألحق إلى في قوله عز وجل: الرّفث إلى نسائكم لما كان الرفث بمعنى الإفضاء.
وأما قوله: ولا جدال في الحجّ [البقرة/ 197] فيحتمل ضربين قد أشار إليهما أبو عبيدة، أحدهما: أنه لا شك في أن فرض الحج قد تقرر في ذي الحجة، وبطل ما كان يفعله النّسأة من تأخير الشهور، وفيهم نزل: إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر [التوبة/ 37] والآخر: لا جدال: لا تجادل صاحبك ولا تماره.
فأما قوله جلّ اسمه: في الحجّ فلا يخلو (لا) من أن تقدّره بمعنى ليس، كما قال:
لا مستصرخ و: لا براح أو تقدرها غير معملة عمل ليس، وإنما يرتفع الاسم بعدها بالابتداء، فمن قدر ارتفاع الاسم بعدها بالابتداء جاز في قول سيبويه: أن يكون في الحج خبراً عن الأسماء الثلاثة، لاتفاق الأسماء في ارتفاعها بالابتداء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/289]
وأما قوله: فلا رفث ولا فسوق فبيّن.
وأما قوله: ولا جدال [البقرة/ 197] فإن لا مع جدال في موضع رفع، فقد اتفقت الأسماء في ارتفاعها بالابتداء، فلا يمنع من أن يكون قوله: في الحجّ خبرا عنها، ولا يجوز ذلك في قول أبي الحسن، لأنه يرى ارتفاع الخبر بعد لا، بلا النافية دون خبر الابتداء. ولو قدر مقدر في قوله: فلا رفث ولا فسوق، الاسم مرتفعاً بلا، كما يرتفع بليس؛ لم يجز في واحد من القولين أن يكون في الحجّ في موضع الخبر، لأن الخبر ينتصب بلا كما ينتصب بليس، وخبر لا جدال في موضع رفع بأنه خبر الابتداء، وفي قول أبي الحسن في موضع نصب بلا، فلا يجوز أن يكون خبراً عن الأسماء الثلاثة لوجود عمل عاملين مختلفين في مفعول واحد.
ولو رفع رافع: ولا جدال، ونوّن؛ لجاز أن يكون قوله: في الحجّ خبراً عن الأسماء الثلاثة. فإن رفع: فلا رفث ولا فسوق، بلا التي في معنى ليس، أضمر لها خبراً، ولم يجز أن يكون قوله: في الحجّ خبراً عنها، ولكنه يجوز أن يكون خبراً عن:
لا جدال ويجوز أن يكون صفة للجدال، فإذا جعلته صفة أضمرت لقولك: لا جدال في الحجّ خبراً، ولا يجوز أن يكون في الحجّ متعلقاً بالجدال على قول الخليل، وسيبويه.
ويجوز في قول البغداديين أن يكون متعلقاً بالجدال، وإن كانت لا النافية قد علمت فيه. ولو رفع الجدال ونوّن لجاز أن يكون في الحجّ متعلقاً بالجدال، لأن الجدال يبدل بهذا الحرف
[الحجة للقراء السبعة: 2/290]
الجار، قال تعالى: أتجادلونني في أسماءٍ سمّيتموها [الأعراف/ 71].
وحجة من فتح فقال: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال أن يقول: إنه أشد مطابقة للمعنى المقصود، ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرفث والفسوق، كما أنه إذا قال: لا ريب فيه [البقرة/ 2] فقد نفى جميع هذا الجنس، فإذا رفع ونوّن فكأن النفي لواحد منه، ألا ترى أن سيبويه يرى: أنه إذا قال:
لا غلام عندك ولا جارية، فهو جواب من سأل فقال: أغلام عندك أم جارية؟ والفتح أولى، لأن النفي قد عم، والمعنى عليه، ألا ترى أنه لم يرخّص في ضرب من الرفث والفسوق كما لم يرخّص في ضرب من الجدال، وقد اتفق الجميع على فتح اللام من الجدال، ليتناول النفي جميع جنسه، فيجب أن يكون ما قبله من الاسمين على لفظه إذ كان في حكمه.
وحجة من رفع: أنه يعلم من الفحوى أنه ليس المنفيّ رفثا واحداً، ولكنه جميع ضروبه، وقد يكون اللفظ واحداً، والمعنى المراد به جميع، قال:
فقتلًا بتقتيل وضرباً بضربكم... جزاء العطاس لا ينام من اتّأر
[الحجة للقراء السبعة: 2/291]
ومن حجته: أن هذا الكلام نفي، والنفي قد يقع فيه الواحد موقع الجميع، وإن لم يبن فيه الاسم مع لا النافية نحو: ما رجل في الدار). [الحجة للقراء السبعة: 2/292]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {فلا رفث ولا فسوق} رفع منون {ولا جدال} نصبا قال أبو عبيد وإنّما افترقت الحروف عندهم لأنهم جعلوا قوله {فلا رفث ولا فسوق} بمعنى النّهي أي لا يكون
[حجة القراءات: 128]
فيه ذاك وتأولوا في قوله {ولا جدال} أنه لا شكّ في الحج ولا اختلاف فيه أنه في ذي الحجّة
وقرأ الباقون جميع ذلك بالنّصب وحجتهم قول ابن عبّاس {ولا جدال في الحج} قال لا تمار صاحبك حتّى تغضبه فلم يذهب بها ابن عبّاس ذلك المذهب ولكنه جعله نهيا كالحرفين الأوّلين وأن حرف النّهي دخل في الثّلاثة وحجّة من فتح أن يقول إنّه أبلغ للمعنى المقصود ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرّفث والفسوق كما أنه إذا قال لا ريب فيه فقد نفى جميع هذا الجنس وإذا رفع ونون فكأن النّفي لواحد منه فالفتح أولى لأن النّفي به أعم والمعنى عليه لأنّه لم يرخص في ضرب من الرّفث والفسوق كما لم يرخص في ضرب من الجدال فالفتح جواب قائل هل من رفث هل من فسوق ف من يدخله للعموم ولا أيضا تدخل لنفي العموم وإذا قلت هل من رجل في الدّار فجوابه لا رجل في الدّار
وحجّة من رفع أنه يعلم من الفحوى أنه ليس النّفي وقتا واحدًا ولكنه بجميع ضروبه وقد يكون اللّفظ واحدًا والمراد جميعًا). [حجة القراءات: 129]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (133- قوله: {فلا رفث ولا فسوق} قرأهما ابن كثير وأبو عمرو بالتنوين والرفع، وقرأ الباقون بالفتح من غير تنوين.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/285]
124- ووجه القراءة بالرفع والتنوين أن «لا» بمعنى «ليس» فارتفع الاسم بعدها؛ لأنه اسمها، والخبر محذوف، تقديره: فليس رفث ولا فسوق في الحج، ودل عليه {في الحج} الثاني الظاهر، وهو خبر، {ولا جدال} ويجوز أن ترفع {رفث وفسوق} بالابتداء، و«لا» للنفي، فالخبر محذوف أيضًا، ولا يحسن أن يكون {في الحج} الظاهر خبرًا عن الأسماء الثلاثة، لأن خبر «ليس» منصوب، وخبر «جدال» مرفوع؛ لأن {ولا جدال} اسم واحد في موضع رفع بالابتداء، ولا يعمل عاملان في اسم واحد، ولو رفع {ولا جدال} ونون مثل ما قبله لكان {في الحج} الظاهر خبرًا عن الثلاثة الأسماء؛ لأن الأسماء الثلاثة، كل واحد مع «لا» في موضع رفع بالابتداء والعطف، ومنعه الأخفش لأنه يرى ارتفاع الخبر بعد «لا» الثانية، وبالرفع قرأ مجاهد وابن محيصن.
125- ووجه القراءة بالفتح، من غير تنوين، أنه أتى بـ «لا» للنفي، لتدل على النفي العام، فنفى جميع الرفث وجميع الفسوق كما تقول: لا رجل في الدار، فتنفي جميع الرجال، ولا يكون ذلك إذا رفع ما بعد «لا» لأنها تصير «لا» بمعنى «ليس»، ولا تنفي إلا الواحد، والمقصود في الآية نفي جميع الرفث والفسوق، فكان الفتح أولى به لتضمنه لعموم الرفث كله، والفسوق كله، لأنه لم يرخص في ضرب من الرفث ولا في ضرب من الفسوق، كما لم يرخص في ضرب من الجدال، ولا يدل على هذا المعنى إلا الفتح، لأنه للنفي العام، وإجماع القراء على فتح «ولا جدال» يقوي فتح ما قبله، ليكون الكلام على نظام واحد، في عموم المنفي كله، في الأسماء الثلاثة في موضع رفع، كل واحد مع «لا» وقوله «في الحج» خبر عن جميعها، والفتح وجه القراءة لعمومه، ولإجماع أكثر القراء عليه، ولاتفاق أول الكلام مع آخره، وبه قرأ الأعرج وشيبة والأعمش وأبو رجاء والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/286]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (68- {فَلاَ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ} [آية/ 197]:-
بالرفع والتنوين فيهما، قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
ووجه ذلك أنهما مرفوعان بالابتداء، وقوله {فِي الحَجِّ} خبر عنهما، وقوله {وَلا جِدَالَ} وإن كان مفتوحًا، فإن {لا} مع {جدال} في موضع رفع أيضًا بالابتداء، فقد وافقهما في كونه مرتفعًا بالابتداء، فجاز أن يكون {فِي الحَجِّ} خبرًا عن الكل.
وقرأ الباقون {فلا رَفَثَ وَلا فُسُوق} بالفتح بغير تنوين.
ووجهه أن ذلك نفي جميع الرفث والفسوق؛ لأن النفي عام، فهو ينفي الجنس، وهذا أولى، لعموم النفي لأنواع الرفث والفسوق.
وأما {جدال} فإنه مفتوح بلا تنوين على الاتفاق، وذكر بعض أهل المعاني أنه إنما لم يأت فيه إلا الفتح؛ لأن معناه: لا شك في الحج ولا اختلاف أنه في ذي الحجة، فهو إخبار، ولا يقع خلاف ذلك، فالنفي عام لا محالة، أما الرفث والفسوق فإن نفيهما هنا نفي إخبارٍ يراد به النهي، فقد يقع عند المعصية خلافه، فلهذا وقع النفي فيهما عامًا وغير عام). [الموضح: 320]

قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)}

قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير: [ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِي] يعني: آدم -عليه السلام- لقوله تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على فساد قول مَن قال: إن لام التعريف إنما تدخل الأعلام للمدح والتعظيم، وذلك تحو: العباس، والمظفر، وما جرى مجراهما. ووجه الدلالة من ذلك: أن قوله [الناسي] إنما يُعنى به آدم -عليه السلام- فصارت صفة غالبة كالنابغة والصَّعِق، وكذلك الحارث والعباس والحسن والحسين، هي وإن كانت أعلامًا فإنها تجري مجرى الصفات؛ ولذلك قال الخليل: إنهم جعلوه الشيء بعينه؛ أي: الذي حرَث وعَبَسَ، فمحمول هذا أن في هذه الأسماء الأعلام التي أصلها الصفات معاني الأفعال؛ ولذلك لحقتها لام المعرفة كما تعرف الصفات، وإذا كان فيها معاني الأفعال، وكانت الأفعال كما تكون مدحًا فكذلك ما تكون ذمًّا، فهي تحقق في العلم معنى الصفة، مدحًا كانت الصفة أو ذمًّا.
فالمدح ما ذكرناه من نحو: الحارث والمظفر والحسين والحسن، والذم ما جاء في نحو قولهم: فلان بن الصَّعِق؛ لأن ذلك داء ناله، فهي بلوى، وأن يكون ذمًّا أولى من أن يكون مدحًا، ألا ترى أن المدح ليس من مَقَاوم ذكر الأمراض والبلاوي، وإنما يقال فيه: إنه كالأسد، وإنه كالسيف؟ ومنه عمرو بن الحمِق، فهذا ذم له لا مدح، وعلى أنهم قد قالوا في الحمق: إنه الصغير اللحية، والمعنى الآخر أشيع فيه، ألا ترى إلى قوله:
فأما كيس فنجا ولكن ... عسى يغتر بي حَمِق لئيم؟
ومنه قولهم: فلان بن الثعلب، فدخلته اللام، هو علم لما فيه من معنى الخِبِّ والْخُبث،
[المحتسب: 1/119]
وذلك عيب فيه لا ثناء عليه، والباب فيه فاشٍ واسع؛ فقد صح إذن أن ما جاء من الأعلام وفيه لام التعريف فإنما ذلك لما فيه من معنى الفعل والوصفية، ثناء عليه كان ذلك أو ذمًّا له، وإنما دعا الكُتَّاب ونحوهم إلى أن قالوا: إن دخول اللام هنا إنما هو لمعنى المدح أن كان أكثره كذلك؛ لأنه إنما العرف فيه أن يسمى من الأسماء الحاملة لمعاني الأفعال مما كان فيه معنى المدح، لا أن هذا مقصور على المدح دون الذم عندنا لما ذكرنا). [المحتسب: 1/120]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:02 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (200) إلى الآية (203) ]

{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}

قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)}

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)}

قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)}

قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما روى ابن مجاهد عن الزِّمْل بن جَرْوَل قال: سألت سالم بن عبد الله بن عمر عن النَّفْر فقرأ: [فمن تعجل في يومين فَلَثْمَ عليه، ومن تأخر فَلَثْمَ عليه].
قال أبو الفتح: أصله قراءة الجماعة: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} إلا أنه حذف الهمزة ألبتة، فالتقت ألف "لا" وثاء "الاثم" ساكنين، فحذف الألف من اللفظ لالتقاء الساكنين، فصارت [فَلَثْمَ عليه].
وقد مر بنا من حذف الهمزة اعتباطًا وتعجرفًا من نحو هذا أشياء كثيرة؛ من ذلك قراءة ابن كثير: [إنها لَحْدَى الكُبَر]،
فهذا في الحذف كقوله: [فَلَثْمَ عليه]، إلا أن بينهما من حيث أذكر فرقًا؛ وذلك أن قوله: [لَحْدَى الكُبَر] إنما فيه حذف الهمزة لا غير، وقوله: [فَلَثْمَ عليه] أصله "فلا إثم"، فلما حذف الهمزة تخفيفًا -وإن لم يكن قياسًا- التقت الألف مع ثاء إثم وهي ساكنة، فحذفت الألف من "لا" لالتقاء الساكنين؛ فصار [فَلَثْمَ عليه].
ومثل ذلك سواء مذهب الخليل في "لن"، ألا ترى أن أصلها عنده "لا أن"، فلما حذفت الهمزة التقت ألف "لا" مع نون "أن" فحذفت الالف من "لا" لالتقاء الساكنين، وقد جاء نظيرًا لهذا من حذف الهمزة شيء صالح الكثرة؛ منه قوله:
إن لم أُقاتل فالبسوني برقعا
أراد: فألبسوني، ثم حذف الهمزة.
وأنشد أبو الحسن:
تَضِبُّ لِثَاتُ الخيل في حَجَراتها ... وتسمع من تحت العجاج لَهَزْمَلا
[المحتسب: 1/120]
أراد: لها أزملا، فحذف الهمزة. نعم، ثم حذف ألف "ها" لفظًا لسكونها وسكون الزاي من بعدها وعليه القراءة: [أريتَكَ هذا الذي كرَّمتَ عليَّ] يريد: أرأيتك.
وأنشد أحمد بن يحيى:
أريتك إن شطَّت بك العام نية ... وغالك مُصطَافُ الحِمى ومرابعه
وجاء عنهم: سا يسو، وجا يجي، بحذف الهمزة فيهما، وقد أثبتنا من هذا حروفًا جماعة في كتابنا الخصائص، وعلى كل حال فحذف الهمزة هكذا اعتباطًا ساذجًا ضعيف في القياس، وإن فشا في بعضه الاستعمال). [المحتسب: 1/121]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:05 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (204) إلى الآية (207) ]

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)}

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)}

قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه هارون عن الحسن وابن أبي إسحاق وابن محيصن: [وَيَهْلَكُ] بفتح الياء واللام ورفع الكاف [الحرثُ والنسلُ] رفع فيهما.
قال ابن مجاهد: وهو غلط.
قال أبو الفتح: لعمري إن ذلك تَرْك لما عليه اللغة، ولكن قد جاء له نظير؛ أعني قولنا: هلَك يهلَك، فعَل يفعَل، وهو ما حكاه صاحب الكتاب من قولنا: أَبى يأبَى، وحكى غيره: قنَط يقنَط، وسلَا يسلَى، وجبا الماء يجبَاه، وركَن يركَن، وقلا يقلَى، وغسا الليل يغسَى. وكان أبو بكر يذهب في هذا إلى أنها لغات تداخلت؛ وذلك أنه قد يقال: قنَط وقنِط، وركَن وركِن، وسلَا وسلِي، فتداخلت مضارعاتها، وأيضًا فإن في آخرها ألفًا، وهي ألف سلا وقلا وغسا وأبي؛ فضارعت الهمزة نحو: قرأ وهدأ.
وبعد، فإذا كان الحسن وابن أبي إسحاق إمامين في الثقة وفي اللغة؛ فلا وجه لدفع ما قرآ به، لا سيما وله نظير في السماع.
وقد يجوز أن يكون يهلَك جاء على هلِك بمنزلة عطِب، غير أنه استغنى عن ماضيه بهلَك، وقد ذكرنا نحو هذا في كتبانا المنصف). [المحتسب: 1/121]

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)}

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعز: (مرضات اللّه... (207)
وقف حمزة على (مرضات) بالتاء.
ووقف الباقون على "مرضاة" بالهاء.
وأمال الضّاد الكسائي، وفتحها حمزة، وفخمها الباقون.
قال أبو منصور: أجاز أهل العربية الوقوف على مرضاة وأشباهها من الهاءات التي ليست بأصلية بالتاء. وكذلك: (هيهات) و(يا أبت)
[معاني القراءات وعللها: 1/198]
وإن وقف عليها بالهاء فهو جائز، والتفخيم في مرضات أحسن من الإمالة). [معاني القراءات وعللها: 1/199]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إمالة الألف وتفخيمها من قوله تعالى: مرضات اللّه [البقرة/ 207].
فقرأ الكسائي وحده: ابتغاء مرضات اللّه ممالة.
وقرأ الباقون: مرضات اللّه بغير إمالة.
وكان حمزة يقف في مرضات بالتاء، والباقون يقفون بالهاء.
قال أبو علي: حجة الكسائي في إمالته الألف من مرضاة الله، أن الواو إذا وقعت رابعة كانت كالياء في انقلابها
[الحجة للقراء السبعة: 2/299]
ياء، تقول: مغزيان، كما تقول: مرميان، فأمال ليدلّ على أن الياء تنقلب عن الألف في التثنية، ولم يمنعها المستعلي من الإمالة، كما لم يمنع المستعلي من إمالة نحو: صار وخاف وطاب.
وحكي عن ابن أبي إسحاق أنه سمع كثير عزّة يقول:
صار مكان كذا، فلم يمنعه المستعلي من الإمالة لطلب الكسرة في صرت من أن يميل صار، فكذلك الألف في مرضاة الله.
وغير الإمالة أحسن كما قرأ الأكثر.
فأما وقف حمزة على التاء من مرضات فإنه يحتمل أمرين:
أحدهما: على قول من قال: طلحت، حكاه سيبويه عن أبي الخطاب. وأنشد أبو الحسن:
ما بال عين عن كراها قد جفت مسبلة تستنّ لمّا عرفت داراً لسلمى بعد حول قد عفت بل جوز تيهاء كظهر الجحفت
[الحجة للقراء السبعة: 2/300]
ويجوز أن يكون لمّا كان المضاف إليه في التقدير، أثبت التاء كما يثبته في الوصل، ليعلم أن المضاف إليه مرادٌ، كما أشمّ من أشمّ الحرف المضموم، ليعلم أنه في الوصل مضمومٌ، وكما شدّد من شدّد فرجّ، ليعلم أنه في الوصل متحرك، وكما حرّك من قال:
..... إذ جد النّقر بالضم ليعلم أنه في الوصل مضموم، وكما كسر من كسر قوله:
..... واصطفافاً بالرجل ليعلم أنّه في الوصل مجرور. ويدلّ على قوله شيء آخر، وهو قول الراجز:
إنّ عديّا ركبت إلى عدي وجعلت أموالها في الحطمي ارهن بنيك عنهم أرهن بني
[الحجة للقراء السبعة: 2/301]
فقوله: (بني) أراد: بنيّ، فحذف ياء الإضافة للوقف، كما يحذف المثقّل من نحو سرّ وضرّ. فلولا أن المضاف إليه المحذوف في نيّة المثبت، لردّ النون في بنين. فكما لم يردّ النون في بنين، كذلك لم يقف بالهاء في مرضات لأن المضاف في تقدير الثبات في اللفظ، ولولا أنه كذلك عندهم، لم يجز دخول بني في هذه القافية، ألا ترى أن النون لو ثبتت في الاسم المجموع، لحذف المضاف إليه من اللفظ؛ لخرج من هذه القافية، ولم يجز ضمّ البيت إليها؟ فكذلك حكم التاء من مرضات في الوقف عليها.
فإن قال قائل في وقفه على التاء من مرضات: ما تنكر أن يكون هذا خلاف قول سيبويه، لأنه قد قال: لو سمّيت بخمسة عشر فرخّمته، لقلت: يا خمسه، فوقفت بالهاء.
ولو كان على قياس وقف حمزة في مرضات، لقلت: يا خمست ألا ترى أن الاسم الثاني المحذوف للترخيم مرادٌ كما كان المضاف إليه مراداً؟
قيل له: لا يدلّ ما قاله سيبويه في خمسة في الترخيم، على أن وقف حمزة في المضاف بالتاء خلاف ما ذهب إليه سيبويه، لأن الترخيم بناءٌ آخر، وصيغة أخرى. وليس حذف المضاف إليه من المضاف كذلك. ألا ترى أنه يراد ضمّه إلى المضاف إذا ذكر أو حذف، والترخيم ليس كذلك، لأنه على ضربين: أحدهما: أنه يقدر فيه المحذوف. والآخر: أنه يكون ارتجال اسم على حدةٍ. فالمقدّر فيه إثبات ما حذف منه يجري
[الحجة للقراء السبعة: 2/302]
مجرى ما هو اسم على حياله، كما جرى حرف اللين في قولهم في الإنكار إذا قلت: «ضربت زيداً»: أزيدنيه! فأثبتّ التنوين قبل حرف اللين، ولم تحذفه كما حذفت من الندبة في قول من قال: وا زيداه، لأن أزيدنيه في الإنكار يجري مجرى: أزيداً إنيه، فكما يثبت مع إن، يثبت بغير إن، ولم يحذف كما حذف من الندبة. فكذلك الترخيم يجري مجرى ما أريد فيه الحرف المحذوف للترخيم مجرى ما ارتجل؛ لأن النداء موضعٌ ترتجل فيه الأسماء. ألا ترى أن فيه ما لا يستعمل في غيره، نحو: يا نومان، ويا هناه، ويا فل؟ فلما كان فيه هذا الضرب، كان الضرب المرتجل أغلب من الآخر، فلذلك لم يكن المحذوف من الترخيم كالمضاف من المضاف إليه. ويقوي ذلك ما جاء في الشعر من نحو قوله:
خذوا حظّكم يا آل عكرم..
وقوله:
إنّ ابن حارث إن أشتق لرؤيته
[الحجة للقراء السبعة: 2/303]
وكما أجري هذا مجرى: «يا حار» كذلك في الوقف عليه). [الحجة للقراء السبعة: 2/304]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد}
قرأ الكسائي (مرضاة الله) بالإمالة وقرأ الباقون بغير إمالة وحجتهم أن الكلمة من ذوات الواو أصلها مرضوة فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها يدلك على ذلك {رضوان الله}
[حجة القراءات: 129]
أنّها من ذوات الواو
وحجّة الكسائي أن العرب إذا زادت على الثّلاثة من ذوات الواو حرفا أمالته وكتبته بالياء من ذلك قوله أدنى ويدعى حمزة إذا وقف على {مرضات الله} وقف عليها بالتّاء وهي لغة للعرب يقولون هذا طلحت بالتّاء
والباقون إذا وقفوا عليها وقفوا (مرضاه) بالهاء وحجتهم أنهم أرادوا الفرق بين التّاء المتّصلة بالاسم والتّاء المتّصلة بالفعل فالمتصلة بالاسم نعمة والمتصلة بالفعل قامت وذهبت). [حجة القراءات: 130]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (127- قوله: {مرضات} أمالها الكسائي وحده، وفتح الباقون، ووقف عليها حمزة بالتاء، ووقف الباقون بالهاء، وفي ذلك اختلاف، وقد ذكرنا علة الإمالة فيها، وأن الألف وقعت رابعة، فلم يمنعها من الإمالة كونها من الواو؛ لأن ذوات الواو إذا صرن إلى الرباعي حسن فيهن الإمالة نحو: «أزكى، وادعى» ولم تمنعها الضاد من الإمالة كما لم تمنع الإمالة في «خاف، وضاق، وطاب» مع حرف الاستعلاء، فأما من فتح فعلى الأصل قرأ، مع قوة حرف الاستعلاء، في المنع من الإمالة في غير هذا، مع أن الجماعة عليه، فأما من وقف بالتاء فإنه أتى به على لغة من قال في الوقف: طلحت، بالتاء، وحكاه سيبويه، وحسن ذلك لما كان الاسم مضافًا، والمضاف والمضاف إليه كاسم واحد، فكأن التاء متوسطة فوقف بالتاء، كما يفعل في الوصل، ليُعلم أن التاء متوسطة، وأن المضاف إليه متوسط بالمضاف، فأما من وقف بالهاء فإنه أتى به على الأصل، في كل هاء تأنيث، ولأنه إذا وقف بالتاء، على هاء التأنيث، لم يكن فرق بين التاء الأصلية التي لا تدل على تأنيث، ولا يوقف عليها إلا بالتاء، نحو تاء: صوت، وحوت، وبين التاء الزائدة التي للتأنيث، والمصاحف الأمهات قد اختلفت في هذا ونظائره، فمنها ما كتبت فيه بالتاء، ومنها ما كتبت فيه بالهاء، فما كتبت بالتاء فعلى لفظ الوصل، ونية الوصل، وما كتبت بالهاء فعلى نية الوقف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/288]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (70- {ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله} [آية/ 207]:
بالإمالة، قرأها الكسائي وحده، وكذلك {مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}، وكان نافع يضجعها قليلاً.
وإنما أمالها الكسائي؛ لأن هذه الألف تنقلب ياء في التثنية في نحو: مغزيان ومعديان، والألف من الواو إذا وقعت رابعة كالألف من الياء في انقلابها ياءً، وإضجاع نافع إشارة إلى حسن الإمالة فيهما.
وحمزة يقف على {مَرْضَاة} بالتاء.
والباقون يقفون عليها بالهاء.
ووقف حمزة بالتاء يجوز أن يكون على قول من وقف على طلحت وحمزة بالتاء، إجراءً للوقف مجرى الوصل قال:
14- دار لسلمى بعد حولٍ قد عفت = بل جوز تيهاء كظهر الجحفت
ويجوز أن يكون على تقدير الإضافة كأنه نوى تقدير المضاف إليه، فأراد أن يعلم أن الكلمة مضافة وأن المضاف إليه مراد كإشمام من أشم الحرف
[الموضح: 322]
المضموم في الوقف ليعلم أن الضمة مرادة). [الموضح: 323]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:06 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة

[من الآية (208) إلى الآية (210)]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ادخلوا في السّلم كافّةً... (208)
(وإن جنحوا للسّلم)، (وتدعوا إلى السّلم).
قرأ ابن كثير ونافع والكسائي: (ادخلوا في السّلم) فتحوا السين في ثلاثهن.
وقرأ أبو عمرو، وابن عامرٍ وعاصم في رواية حفص، ويعقوب: (ادخلوا في السّلم) بكسر السين، (وإن جنحوا للسّلم)، (وتدعوا إلى السّلم) بفتح السين.
وقرأ أبو بكر عن عاصم ثلاثهن بالكسر، وقرأ حمزة: (ادخلوا في السّلم) (وتدعوا إلى السّلم) بالكسر فيهما، وفتح قوله: (وإن جنحوا للسّلم).
[معاني القراءات وعللها: 1/197]
قال أبو منصور: وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: كان أبو عمرو يكسر التي في البقرة، ويذهب بمعناها إلى الإسلام، ويفتح اللتين في الأنفال وسور محمد، ويتأول فيهما المسالمة.
قال أبو العباس: والقراءة التي اجتمع عليها أهل الحرمين بالفتح في كله، لأنها أعرب اللغتين وأعلاهما.
وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت إنه قال: السّلم: الصّلح.
ويقال: سلم. وأخبرني ابن فهم عن محمد بن سلام عن يونس قال: السّلم: الإسلام، وأما الصّلح فيجوز فيه سلم وسلم). [معاني القراءات وعللها: 1/198]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في فتح السين وكسرها من قوله جل وعز: السّلم.
فقرأ ابن كثير، ونافع، والكسائي: ادخلوا في السّلم كافّةً [البقرة/ 208] وإن جنحوا للسّلم [الأنفال/ 61] وتدعوا إلى السّلم [محمد/ 35] بفتح السين منهن.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، بكسر السين فيهن.
وقرأ حمزة: بكسر السين في سورة البقرة وحدها، وفي سورة محمد عليه السلام وفتح السين في سورة الأنفال.
وقرأ أبو عمرو، وابن عامر: بكسر السين في سورة البقرة، وفتحا السين في سورة الأنفال، وفي سورة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وروى حفص عن عاصم في الثلاثة مثل أبي عمرو.
قال أبو علي: قول ابن كثير ونافع والكسائي:
[الحجة للقراء السبعة: 2/292]
ادخلوا في السّلم [البقرة/ 208] يحتمل أمرين: يجوز أن يكون لغة في السّلم الذي يعنى به الإسلام.
قال أبو عبيدة وأبو الحسن: السّلم: الإسلام، وإنما يكون السلم مصدراً في معنى الإسلام إذا كسرت الحرف الأول منه، فهو كالعطاء من أعطيت، والنبات من أنبت. ويجوز أن يريدوا بفتحهم الأول من قوله: ادخلوا في السّلم: الصلح، وهو يريد الإسلام، لأن الإسلام صلح، ألا ترى أن القتال والحرب بين أهله موضوع، وأنهم أهل اعتقاد واحد، ويد واحدة في نصرة بعضهم لبعض، فإذا كان ذلك موضوعاً بينهم، وفي دينهم، وغلّظ على المسلمين في المسايفة بينهم؛ كان صلحاً في المعنى، فكأنه قيل: ادخلوا في الصلح، والمراد به الإسلام، فسماه صلحاً لما ذكرناه، فهذا المسلك فيه أوجه من أن يكون الفتح في السّلم لغة في السّلم الذي يراد به الإسلام، لأن أبا عبيدة وأبا الحسن لم يحكيا هذه اللغة، ولم أعلمها أيضاً عن غيرهما، فإن ثبتت به رواية عن ثقة فذاك.
وأما قراءة عاصم في رواية أبي بكر بكسر السين فيهن كلّهنّ، فالقول في ذلك أن المراد بكسر السين في قوله:
ادخلوا في السّلم: الإسلام. كما فسره أبو عبيدة وأبو الحسن، والمعنى عليه، ألا ترى أن المراد إنما هو تحضيضهم على الإسلام، والدعاء إليه، والدخول فيه، وليس المراد: ادخلوا في الصلح، وليس ثمّ صلح يدعون إلى الدخول فيه، إلّا أن يتأوّل أنّ الإسلام صلح على نحو ما تقدم ذكره، وأما كسره
[الحجة للقراء السبعة: 2/293]
السين في قوله تعالى: وإن جنحوا للسّلم [الأنفال/ 61] فلأن السّلم: الصلح. وفيه ثلاث لغات فيما رواه التّوزيّ عن أبي عبيدة في قوله: وإن جنحوا للسّلم فقال: السّلم والسّلم والسّلم واحد، وأنشد:
أنائل إنني سلم... لأهلك فاقبلي سلمي
والسّلم الذي هو الصلح يذكّر ويؤنّث.
وقوله: فاجنح لها وقد حكي عن أبي زيد أنه سمع من العرب من يقول: فاجنح له، فذكّره. قال أبو الحسن: وهو مما لا يجيء منه فعل، فقال: ولكنك تقول: سالم مسالمة.
وعلى ما ذكره أبو الحسن جاء قول الشاعر:
تبين صلاة الحرب منّا ومنهم... إذا ما التقينا والمسالم بادن
لأنه عادل المسالم بصالي الحرب، وأخذ عاصم بلغة من يكسر الأولى من السّلم في الصلح. وأما كسر عاصم السين في قوله: فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم [محمد/ 35] فإن
[الحجة للقراء السبعة: 2/294]
المراد هنا بالسّلم: الصّلح. فكسر الأول منه، كما كسر في قوله: وإن جنحوا للسّلم والصلح الذي أمر به، ولم ينه عنه في قوله جل وعز: فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون [محمد/ 35] أي: لا تدعوا إلى الصّلح، مع علوّ أيديكم وظهور كلمتكم إلى الصلح والموادعة. وهذا إنما هو على حسب المصلحة في الأوقات.
وأما قراءة حمزة بكسر السين في سورة البقرة [وفي سورة [محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ] فإن السّلم في سورة البقرة يراد به الإسلام، كما تقدم وفي سورة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم في قوله: وتدعوا إلى السّلم فإن السلم: الصلح. وكذلك في الأنفال المراد به الصلح في قوله: وإن جنحوا للسّلم. وفي السّلم إذا أريد به الصلح لغتان: الفتح والكسر، فأخذ حمزة باللغتين جميعاً، فكسر في موضع وفتح في آخر.
وأما قراءة أبي عمرو وابن عامر السّلم بكسر السين في سورة البقرة، فالسلم يعنى به: الإسلام. وأما فتحهما السين في سورة الأنفال وسورة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإن السّلم فيهما يراد به الصلح. وفيه الكسر والفتح، فأخذا بالفتح في الموضعين جميعاً، ولم يفصلا كما فصل حمزة، وأخذ باللغتين. وكذلك القول في رواية حفص عن عاصم، وكل حسن.
[الحجة للقراء السبعة: 2/295]
وأما قوله:/ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم [النساء/ 94] وقوله: وألقوا إلى اللّه يومئذٍ السّلم [النحل/ 87] فألقوا السّلم ما كنّا نعمل من سوءٍ [النحل/ 28] فليس الإلقاء هاهنا كالإلقاء في قوله تعالى:
إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم [آل عمران/ 44] وقوله سبحانه: وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم [النحل/ 15] ألا ترى أن الإلقاء هنا رمي وقذف؟ وهذا إنما يكون في الأعيان، وليس في قوله: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم [النساء/ 94] والآي الأخر عين تلقى، ولكن تلك الآي: بمنزلة قوله عز وجل: ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة [البقرة/ 195].
والمعنى: لا تقولوا لمن استسلم إليكم، وانقاد وكفّ عن قتالكم: لست مؤمناً. وكذلك المعنى في قوله تعالى: وألقوا إلى اللّه يومئذٍ السّلم [النحل/ 87] كأنهم استسلموا لأمره ولما يريده منهم من عذابه وعقابه، لا مانع لهم منه ولا ناصر.
وكذلك قوله تعالى: ورجلًا سلماً لرجلٍ [الزمر/ 29] أي: يستسلم له ويستخذي، فينقاد لما يريده منه ولا يمتنع عليه، وقد قرئ سالما لرجل وسالم: فاعل. وهو في هذا الموضع حسن لقوله: فيه شركاء متشاكسون [الزمر/ 29] أي: في أصحابه وخلطائه شركاء متشاكسون، يخالف بعضهم بعضاً، فلا ينقاد أحد منهم لصاحبه، فمسالم
[الحجة للقراء السبعة: 2/296]
خلاف متشاكسون.
ومن قرأ سلماً لرجلٍ احتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون فعل بمنزلة فاعل مثل: بطل وحسن، ونظير ذلك: يابس ويبس، وواسط ووسط.
ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر، لأن السّلم مصدر، ألا ترى أن أبا عبيدة قال: السّلم والسّلم والسّلم واحد، فيكون ذلك كقولهم: الخلق، إذا أردت به المخلوق، والصيد، إذا أردت به المصيد، ومعنى: هل يستويان مثلًا [الزمر/ 29] أي: ذوي مثل.
وأما قوله تعالى: إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ [الذاريات/ 25] فقال أبو الحسن: هذا فيما يزعم المفسرون: قالوا: خيراً، قال: فكأنه سمع منهم التوحيد. وإذا سمع منهم التوحيد فقد قالوا خيراً، فلما عرف أنهم موحّدون، قال: سلام عليكم، فسلّم عليهم، فسلام على هذا: رفع بالابتداء، وخبره مضمر.
وأما قوله تعالى: فاصفح عنهم وقل سلامٌ [الزخرف/ 89] فيحتمل أمرين: يجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، كقوله: قال: سلامٌ، وهو يريد: قال: سلام عليكم.
والآخر: أن يكون خبر مبتدأ، كأنه أراد: أمري سلام، أي:
أمري براءة، وأضمر المبتدأ في هذا الوجه، كما أضمر الخبر
[الحجة للقراء السبعة: 2/297]
في الوجه الأول: ويكون المعنى: أمري سلام أي: أمري براءة، قال: لأن السلام يكون في الكلام البراءة، قال: تقول:
إنما فلان سلام، أي: لا يخالط أحداً، وأنشد لأمية:
سلامك ربّنا في كلّ فجر... بريئاً ما تغنّثك الذّموم
قال: يقول: براءتك. وأخبرنا أبو إسحاق قال: سمعت محمد بن يزيد يقول: السلام في اللغة أربعة أشياء: السلام مصدر سلّمت والسلام جمع سلامة، والسّلام: اسم من أسماء الله عز وجل، والسلام: شجر، ومنه قول الأخطل:
....... إلّا سلام وحرمل ويكون منه ضرب خامس، وهو ما ذكره أبو الحسن من أن السلام يكون في الكلام البراءة، واستشهاده على ذلك ببيت أمية، وقولهم: إنما فلان سلام. وأما قولهم: في أسماء الله جل وعز (السلام) فهو مصدر وصف به، كما أن العدل والحق في نحو قوله: أنّ اللّه هو الحقّ [النور/ 25].
والمعنى على ضربين: أحدهما: أنه يسلم من عذابه من
[الحجة للقراء السبعة: 2/298]
لا يستحقه. والآخر: أن يكون الذي معناه التنزيه، كأنه المتنزّه من الظلم والاعتداء.
فأما قوله سبحانه: لهم دار السّلام عند ربّهم [الأنعام/ 127] فيحتمل ضربين: يكون السلام [اسم الله تعالى]، والإضافة المراد بها: الرفع من المضاف، كقولهم لمكة: بيت الله، والخليفة: عبد الله. ويجوز أن يكون السلام في قوله: دار السّلام جمع سلامة، أي: الدار التي من حلّها لم يقاس عذاباً لعقاب، كما جاء في خلافها: في سمومٍ وحميمٍ
وظلٍّ من يحمومٍ [الواقعة/ 43] ونحو قوله: ويأتيه الموت من كلّ مكانٍ وما هو بميّتٍ [إبراهيم/ 17]). [الحجة للقراء السبعة: 2/299]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يا أيها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّة}
قرأ نافع وابن كثير والكسائيّ {ادخلوا في السّلم} أي في المسالمة والمصالحة
وقرأ الباقون {في السّلم} بالكسر أي في الإسلام وقال قوم هما لغتان قال الشّاعر
أنائل إنّني سلم ... لأهلك فاقبلي سلمي). [حجة القراءات: 130]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (126- قوله: {في السلم} قرأه الحرميان والكسائي بفتح السين، وهي لغة في «السلم» الذي هو الإسلام، قال أبو عبيدة والأخفش: «السلم» بالكسر الإسلام، ويجوز أن يكون «السلم» بالفتح اسمًا بمعنى المصدر، الذي هو الإسلام كالعطاء والنباب، بمعنى: الإعطاء والإنبات، ويجوز أن يكون الفتح في «السلم» بمعنى الصلح، وهو يريد الإسلام، لأن من دخل في الإسلام فقد دخل في الصلح، فالمعنى: ادخلوا في الصلح الذي هو الإسلام، وقرأ الباقون بكسر السين، فأما من كسر السين فهو واقع على الإسلام، ولم يحضوا على الدخول في الصلح، وبقياهم على كفرهم، وكلا القراءتين حسن، وبالكسر قرأ الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن أبي إسحاق وابن وثاب وعيسى والأعمش والجحدري، وبالفتح قرأ الأعرج وشيبة وشبل، وروي عبد الرحمن بن أبزي أن النبي عليه السلام قرأ: «السلم» في البقرة والأنفال و«الذين كفروا» بالفتح في الثلاثة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/287]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (69- {ادخلوا في السلم} [آية/ 208]:-
بفتح السين، قرأها ابن كثير ونافع والكسائي، وكذلك في الأنفال {وَإِنْ
[الموضح: 320]
جَنَحُوا للسَّلْمِ}، وفي سورة القتال {وَتَدْعُوا إلى السَّلْمِ}.
وأما {السّلْم} التي في البقرة، فهو بمعنى الإسلام، والإسلام قد يُسمى سلمًا بالكسر، وقد يروى فيه الفتح، كما روي في السلم الذي هو الصلح الفتح والكسر، إلا أن الفتح في السلم الذي هو الإسلام قليل، وجوز أبو علي أن يكون السلم ههنا هو الذي بمعنى الصلح؛ لأن الإسلام صلح على الحقيقة، ألا ترى أنه لا قتال بين أهله، وأنهم يد واحدة على من سواهم.
أما في الأنفال وسورة القتال فإن السلم هو الصلح، وقد جاء فيه الفتح والكسر على ما قدمنا.
وقرأ عاصم ياش- بالكسر في الثلاثة الأحرف، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم ص- ويعقوب بالكسر في البقرة، والفتح في الأنفال والقتال، وقرأ حمزة بالكسر في البقرة (والقتال) والفتح في الأنفال والقتال، وقرأ حمزة بالكسر في البقرة (والقتال) والفتح في (الأنفال).
قد قدمنا أن السلم بكسر السين في معنى الإسلام شائع، وأن الفتح فيه غريب، وقد جاء في السلم بمعنى الصلح الكسر والفتح معًا، إلا أن الكسر فيه أيضًا أكثر وأشهر، وإن كان الفتح أيضًا كثيرًا). [الموضح: 321]

قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي السمال: [فإن زَلِلْتُمْ] بكسر اللام.
قال أبو الفتح: هما لغتان: زلَلْت وزلِلْت، بمنزلة ضلَلْت وضلِلْت، إلا أن الفتح فيهما أعلى اللغتين، واسم الفاعل منهما ضال، ولو جاء ضليل لكان قياسًا على ما جاء عنهم من فعيل في فَعَل من المضاعف، نحو: خَفَّ فهو خفيف، وعز فهو عزيز، وقل فهو قليل، وجد فهو جديد، وذلك أنه قد جاء فعيل في فعل من غير المضاعف، وذلك كسد البيع فهو كسيد، وفسد فهو فسيد، فلما جاء ذلك في غير المضاعف كان المضاعف أولى به؛ لثقل الإدغام في ضال وفار، وقد ذكرنا ذلك مشروحًا في غير هذا الموضع من كلامنا). [المحتسب: 1/122]

قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإلى اللّه ترجع الأمور (210).
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب: (ترجع) بفتح التاء في كل القرآن.
وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم (ترجع).
قال أبو منصور: من قرأ (ترجع الأمور) فالفعل للأمور، ويكون (ترجع) لازمًا.
ومن قرأ (ترجع الأمور) فهو على ما لم يسم فاعله، وجعله متعديا.
والعرب تقول: رجعته فرجع، لفظ اللازم والمتعدي سواء: كقولك: نقصته فنقص، وهبطه فهبط). [معاني القراءات وعللها: 1/199]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح التاء وضمها من قوله جل وعز: ترجع الأمور [البقرة/ 210] ويرجع الأمر [هود/ 123].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرٍو ونافعٌ وعاصمٌ: وإلى اللّه ترجع الأمور بضم التاء.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: ترجع الأمور بفتح التاء.
وكلّهم قرأ: وإليه يرجع الأمر كلّه بفتح الياء، غير نافعٍ وحفص عن عاصم فإنّهما قرآ: يرجع الأمر برفع الياء.
وروى خارجة عن نافع أنّه قرأ: وإلى الله يرجع الأمور بالياء مضمومة في سورة البقرة. ولم يروه غيره.
قال أبو علي: حجة من بنى الفعل للمفعول به قوله تعالى: ثمّ ردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ [الأنعام/ 62].
وقال: ولئن رددت إلى ربّي [الكهف/ 36] والمعنى في بناء
[الحجة للقراء السبعة: 2/304]
الفعل للمفعول كالمعنى في بناء الفعل للفاعل.
وحجة من بنى الفعل للفاعل قوله عز وجل: ألا إلى اللّه تصير الأمور [الشورى/ 53] وقوله جلّ وعز: إنّ إلينا إيابهم [الغاشية/ 25] وقوله: إليّ مرجعكم. ألا ترى أنّ المصدر مضافٌ إلى الفاعل، والمعنى: إلينا رجوع أمرهم في الجزاء على الخير والشر، وقوله: وإنّا إليه راجعون [البقرة/ 156]، وقوله: كما بدأكم تعودون [الأعراف/ 29] وقال: ويوم يرجعون إليه [النور/ 64] وإليه يرجع الأمر كلّه [هود/ 123].
وأما يرجع وترجع بالياء والتاء فجميعاً حسنان، فالياء لأن الفعل متقدم، فذكّر كما قال: وقال نسوةٌ في المدينة [يوسف/ 30]، فالتأنيث تأنيث من أجل الجمع، وتأنيث الجمع ليس بتأنيث حقيقي، ألا ترى أن الجمع بمنزلة الجماعة. والتاء في ترجع لأن الكلمة تؤنث في نحو: هي الأمور، و: قالت الأعراب [الحجرات/ 14]). [الحجة للقراء السبعة: 2/305]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رُوي عن قتادة في قول الله سبحانه: [فِي ظِلَالٍ مِنَ الْغَمَامِ].
قال ابن مجاهد: هو جمع ظِل.
قال أبو الفتح: الوجه أن يكون جمع ظُلة، كجُلة وجِلال، وقُلة وقِلال؛ وذلك أن الظل ليس بالغيم، وإنما الظُّلة الغيم، فأما الظل فهو عدم الشمس في أول النهار، وهو عرَض والغيم جسم). [المحتسب: 1/122]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإلى الله ترجع الأمور}
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ {وإلى الله ترجع الأمور} بفتح التّاء في جميع القرآن وحجتهم قوله {ألا إلى الله تصير الأمور}
[حجة القراءات: 130]
ولم يقل تصار فلمّا أسند الفعل إليها بإجماع ردوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
وقرأ الباقون {ترجع} بضم التّاء وفتح الجيم أي ترد الأمور وحجتهم قوله {إليه تحشرون} و{تقلبون} فجعلوا الأمور داخلة في هذا المعنى والمعنيان يتداخلان وذلك أن الله هو الّذي يرجع الأمور فإذا رجعها رجعت فهي مرجوعة وراجعة). [حجة القراءات: 131]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (128- قوله: {ترجع الأمور} قرأه ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح التاء وكسر الجيم، حيث وقع، بنوا الفعل للفاعل؛ لأنه المقصود، ويقوي ذلك إجماعهم على: {ألا إلى الله تصير الأمور} «الشورى 53» وقوله: {إلى الله مرجعكم} «المائدة 48» فبنى الفعل للفاعل، فحمل هذا على ذلك، وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم، بنوا الفعل للمفعول، ويقوي ذلك إجماعهم على قوله: {ثم ردوا إلى الله} «الأنعام 62» و{لئن رددت إلى ربي} «الكهف 36» فبني الفعل للمفعول، وهو إجماع، فألحق هذا به، لأنه مثله، فالقراءتان حسنتان بمعنى، والأصل أن يُبنى الفعل للفاعل، لأنه محدثه بقدرة الله جل ذكره، وبناؤه للمفعول توسع وفرع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/289]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (71- {تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [آية/ 210]:-
بضم التاء وفتح الجيم، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في جميع القرآن، على أن الفعل مبني للمفعول به، وأن رجع متعدٍ؛ لأن رجع قد جاء لازمًا ومتعديًا معًا، وأما تأنيث الأمور فللجماعة نحو {قَالَتِ الأعْرابُ}.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {تَرْجِعُ الأُمُورُ} بفتح التاء وكسر الجيم في جميع القرآن، على كون الفعل مبنيًا للفاعل، وأن رجع لازم، وتأنيث الأمور على ما تقدم. وقرأ يعقوب {يَرْجِعُ} بالياء مفتوحة وكسر الجيم.
وذلك لأن الفعل متقدم، فتذكيره جائز نحو قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ}؛
[الموضح: 323]
لأن التأنيث تأنيث جمعٍ، وتأنيث الجمع ليس بحقيقيٍ.
وأما كسرة الجيم؛ فلأنه أسند الفعل إلى الفعل، وجعل رجع لازمًا على ما مضى، وكذلك يفعل يعقوب في باب الرجوع في جميع القرآن). [الموضح: 324]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:09 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (211) إلى الآية (212) ]

{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}

قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)}

قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:10 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (213) إلى الآية (215) ]

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}


قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)}

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حتّى يقول الرّسول... (214).
قال الفراء قرأها القراء بالنصب إلا مجاهد، ونافعا فإنهما رفعا (حتّى يقول).
قال الفراء: وكان الكسائي يقرأها دهرًا: (حتّى يقول) ثم رجع إلى النصب.
وقرأ سائر القراء: (حتّى يقول الرّسول) نصبا.
وقال الفراء: من قرأ بالنصب فلأن الفعل الذي قبل (حتى) مما يتطاول، وإذا كان الفعل على هذا المعنى نصب بـ (حتّى)، وإن كان في المعني ماضيا.
قال: وإذا كان الفعل الذي قبل (حتى) لا يتطاول وهو ماض رفع الفعل الذي بعد (حتى) إذا كان ماضيا.
قال أبو منصور: العرب تنصب ب (حتى) الفعل المستقبل وهو أكثر كلام العرب.
ومن العرب من يرفع الفعل المستقبل بعد (حتى) إذا تضمن معنيين:
أحدهما: أن يحسن (فعل) في موضع (يفعل)، كقوله: (حتّى يقول الرّسول) معناه: حتى قال الرسول.
والمعنى الثاني: تطاول الفعل الذي قبل (حتى) كقولك: سرت نهاري أجمع حتى أدخلها، بمنزلة: سرت فدخلتها، فصارت (حتى) غير عاملة في الفعل، وعلى هذا يؤيد قراءة من قرأ (يقول) ). [معاني القراءات وعللها: 1/200]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في نصب اللام ورفعها من قوله جلّ وعز: حتّى يقول الرّسول [البقرة/ 214].
فقرأ نافع وحده: حتّى يقول الرّسول برفع اللام.
وقرأ الباقون: حتّى يقول الرّسول نصباً. وقد كان
[الحجة للقراء السبعة: 2/305]
الكسائي يقرؤها دهراً رفعاً، ثم رجع إلى النصب.
وروى ذلك عنه الفرّاء، قال: حدثني به وعنه محمد بن الجهم عن الكسائي.
قال أبو علي: قوله عز وجلّ: وزلزلوا حتّى يقول الرّسول من نصب فالمعنى: وزلزلوا إلى أن قال الرسول.
وما ينتصب بعد حتى من الأفعال المضارعة على ضربين: أحدهما: أن يكون بمعنى إلى، وهو الّذي تحمل عليه الآية. والآخر: أن يكون بمعنى كي، وذلك قولك:
أسلمت حتى أدخل الجنة، فهذا تقديره: أسلمت كي أدخل الجنة. فالإسلام قد كان، والدخول لم يكن، والوجه الأول من النصب قد يكون الفعل الذي قبل حتى مع ما حدث عنه قد مضيا جميعاً. ألا ترى أن الأمرين في الآية كذلك.
وأما قراءة من قرأ: حتّى يقول الرّسول بالرفع، فالفعل الواقع بعد حتى إذا كان مضارعاً لا يكون إلّا فعل حالٍ، ويجيء أيضاً على ضربين:
أحدهما: أن يكون السبب الذي أدّى الفعل الذي بعد حتى قد مضى، والفعل المسبّب لم يمض، مثال ذلك قولهم:
«مرض حتى لا يرجونه» و: «شربت الإبل حتى يجيء البعير يجرّ بطنه». وتتّجه على هذا الوجه الآية، كأن المعنى: وزلزلوا
[الحجة للقراء السبعة: 2/306]
فيما مضى، حتى أن الرسول يقول الآن: متى نصر الله، وحكيت الحال التي كانوا عليها، كما حكيت الحال في قوله: هذا من شيعته وهذا من عدوّه [القصص/ 15] وفي قوله:
وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد [الكهف/ 18].
والوجه الآخر من وجهي الرفع: أن يكون الفعلان جميعاً قد مضيا، نحو: سرت حتى أدخلها، فالدخول متصلٌ بالسّير بلا فصل بينهما، كما كان في الوجه الأول بينهما فصلٌ. والحال في هذا الوجه أيضاً محكيّة، كما كانت محكية في الوجه الآخر، ألا ترى أنّ ما مضى لا يكون حالًا؟. وحتى إذا رفع الفعل بعدها، حرفٌ؛ يصرف الكلام بعدها إلى الابتداء، وليست العاطفة ولا الجارّة، وهي- إذا انتصب الفعل بعدها- الجارّة للاسم، وينتصب الفعل بعدها بإضمار أن، كما ينتصب بعد اللام بإضمارها). [الحجة للقراء السبعة: 2/307]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر الله}
قرأ نافع {حتّى يقول الرّسول} بالرّفع وحجته أنّها بمعنى قال الرّسول على الماضي وليست على المستقبل وإنّما ينصب من هذا الباب ما كان مستقبلا مثل قوله {أفأنت تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين} {حتّى يأتي وعد الله} فرفع يقول ليعلم أنه ماض
وقرأ الباقون {حتّى يقول} بالنّصب وحجتهم أنّها بمعنى الانتظار وهو حكاية حال المعنى وزلزلوا إلى أن يقول الرّسول
واعلم أن حتّى إذا دخلت على الفعل فلها أربعة أوجه وجهان في الرّفع ووجهان في النصب
فأما وجها الرّفع فأحدهما كقولك سرت حتّى أدخلها فيكون
[حجة القراءات: 131]
السّير واقعا والدّخول في الحال موجودا كأنّه قال سرت حتّى أنا داخل السّاعة وعلى هذا قوله {حتّى يقول الرّسول} أي حتّى الرّسول قائل
والوجه الثّاني أن يكون الفعل الّذي قبل حتّى والّذي بعدها واقعين جميعًا فيقول القائل سرت أمس نحو المدينة حتّى أدخلها ويكون السّير والدّخول وقعا ومضيا كأنّه قال سرت أمس فدخلت وعلى هذا أيضا قوله {حتّى يقول الرّسول} معناه حتّى قال الرّسول فرفع الفعل على المعنى لأن حتّى وأن لا يعملان في الماضي وإنّما يعملان في المستقبل
وأما وجها النصب فأحدهما كقولك سرت حتّى أدخلها لم يكن الفعل واقعا معناه سرت طلبا إلى أن أدخلها فالسير واقع والدّخول لم يقع فعلى هذا نصب الآية وتنصب الفعل بعد حتّى بإضمار أن وهي تكون الجارة كقولك أقعد حتّى تخرج المعنى إلى أن تخرج
والوجه الثّاني أن تكون حتّى بمعنى اللّام الّتي هي علّة وذلك مثل قولك أسلمت حتّى أدخل الجنّة ليس المراد إلى أن أدخل الجنّة إنّما المراد لأدخل الجنّة وليس هذا وجه نصب الآية). [حجة القراءات: 132]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (129- قوله: {حتى يقول الرسول} قرأه نافع بالرفع، وقرأه الباقون بالنصب، ووجه القراءة بالرفع أن الفعل دال على الحال التي كان عليها الرسول، ولا تعمل «حتى» في حال، فلما كان ما بعدها للحال لم تعمل فيه، والتقدير: وزلزلوا فيما مضى حتى إن الرسول يقول: متى نصر الله، فحكى الحال، التي عليها الرسول قبل، كما حيكت الحال في قوله: {هذا من شيعته وهذا من عدوه} «القصص 15» وفي قوله: {وكلبهم باسط ذراعيه} «الكهف 18» فإنما حكى حالًا كانوا عليها ليست حالًا هم الآن عليها، فكذلك «حتى يقول الرسول» حكى حالًا كان عليها الرسول فيما مضى، والرفع بعد حتى على وجهين: أحدهما أن يكون السبب الذي أدى الفعل، الذي قبل «حتى» قد مضى، والفعل المسبب لم يمض، ولم ينقطع، نحو قولك: مرض حتى لا يرجونه، أي:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/289]
مرض فيما مضى حتى هو الآن لا يُرجى فيحى، الحال التي هم عليها آلان، فيرفع ولا تحمل الآية على هذا المعنى؛ لأنها لحال قد مضى فحكي والوجه الآخر أن يكون الفعلان جميعًا قد مضيا، نحو قولك: سرت حتى أدخلها، أي: سرت فدخلت، فالدخول متصل بالسر، وقد مضيا، فحكيت الحال التي كانت لأن ما مضى لا يكون حالًا، إلا على الحكاية، فعلى هذا تحمل الآية في الرفع لا على الوجه الأول من وجهي الرفع و«حتى» هذه التي يرتفع الفعل بعدها ليست العاطفة ولا الجارة، إنما هي التي تدخل على الجمل فلا تعمل، وتدخل على الابتداء والخبر، فإذا كان ما بعد «حتى» محكيًا دالًا على حال، قد انقضت أو على حال في الوقت لم ينقض، فلا سبيل إلى النصب بها؛ لأنها لا تنصب إلا غير حال، تنصبه بمعنى «كي» أو بمعنى «إلى أن».
130- ووجه القراءة بالنصب أن «حتى» جعلت غاية للزلزلة، فنصبت بمعنى «إلى أن» والتقدير: وزلزلوا إلى أن قال الرسول، فجعل «قول الرسول» غاية لخوف أصحابه، أي: لم يزالوا خائفين إلى أن قال الرسول، فالفعلان قد مضيا جميعًا، وينصب بـ «حتى» في الكلام بمعنى «كي» كقولك: أسملت حتى أدخل الجنة، أي: كي أدخل الجنة، فالإسلام كان والدخول لم يكن، وهي إذا نصبت الأفعال الجارة في الأسماء، إذا كانت بمعنى «إلى أن» أو تكون هي العاطفة في الأسماء، إذا نصبت بمعنى «كي» فإذا ارتفع الفعل بعد «حتى» على معنى حال مضت محكية، فالفعل لما مضى، وإذا ارتفع على معنى حال، لم تنقض، فالفعل للحال، وإذا انتصب على معنى «إلى أن» فالفعل ماض، وإذا انتصب على معنى «كي» فالفعل مستقبل، فافهم هذا فإنه مشكل، وعليه مدار أحكام «حتى» وبالرفع قرأ الأعرج ومجاهد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/290]
وابن محيصن وشيبة، وبالنصب قرأ الحسن وابو جعفر، وابن أبي إسحاق، وشبل وغيرهم، وهو الاختيار لأن عليه جماعة القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/291]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (72- {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [آية/ 214]:-
برفع {يَقُولُ}، قرأها نافع وحده.
وذلك لأن الفعل الواقع بعد {حَتَّى} فعل حالٍ، وذلك لأن الفعل المضارع يرتفع بعد حتى إذا كان للحال، وما كان من ذلك فلا يخلو إما أن يكون حالاً في حين الإخبار نحو: مرض حتى لا يرجونه وأمثاله، وإما أن يكون حالاً قد مضت فيحكيها على ما وقعت، وذلك من هذا النوع.
وقرأ الباقون {يَقُولَ} بالنصب.
وذلك لأن الفعل المضارع قد انتصب بعد حتى بإضمار أن؛ لأن المعنى إلى أن يقول، والفعل المنتصب بعد حتى إما أن يكون بمعنى إلى أن، كما ذكرنا، أو يكون بمعنى كي نحو: أسلمت حتى أدخل الجنة، أي كي أدخل). [الموضح: 324]

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:57 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة

[من الآية (216) إلى الآية (218) ]

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}

قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة