العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الكهف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م, 02:07 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي تفسير سورة الكهف [ من الآية (78) إلى الآية (82) ]

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (78) إلى الآية (82) ]

{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م, 10:25 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر، ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه، حدّثني أبيّ بن كعبٍ: أنّه سمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم، فقال: أنا، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا ربّ فكيف لي به، قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو، ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} [الكهف: 61] ، وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطّاق، فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد، قال موسى {لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوزا المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: (أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا) ، قال: فكان للحوت سربًا، ولموسى ولفتاه عجبًا، فقال موسى: (ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا) ، قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا، قال: (إنّك لن تستطيع معي صبرًا) ، يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه، فقال موسى: {ستجدني إن شاء اللّه صابرًا، ولا أعصي لك أمرًا} [الكهف: 69] ، فقال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} [الكهف: 70] ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نولٍ، فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلّا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم، فقال له موسى: قومٌ قد حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها (لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا) "، قال: وقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: (أقتلت نفسًا زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا) . (قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا) قال: وهذه أشدّ من الأولى، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني، قد بلغت من لدنّي عذرًا، فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما، فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} [الكهف: 77]- قال: مائلٌ - فقام الخضر فأقامه بيده، فقال موسى: قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا، {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] ، قال: {هذا فراق بيني وبينك} [الكهف: 78] إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} [الكهف: 82] فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما " قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ (وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا) وكان يقرأ: (وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) ). [صحيح البخاري: 6/88-89] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله زاكيةً مسلمةً كقولك غلامًا زاكيًا هو تفسيرٌ من الرّاوي ويشير إلى القراءتين أي أن قراءة بن عبّاسٍ بصيغة المبالغة والقراءة الأخرى باسم الفاعل بمعنى مسلمة وإنّما أطلق ذلك موسى على حسب ظاهر حال الغلام لكن اختلف في ضبط مسلمةً فالأكثر بسكون السّين وكسر اللّام ولبعضهم بفتح السّين وتشديد اللّام المفتوحة وزاد سفيان في روايته هنا ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا قال وهذه أشدّ من الأولى زاد مسلمٌ من رواية أبي إسحاق عن سعيد بن جبيرٍ في هذه القصّة فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رحمة اللّه علينا وعلى موسى لولا أنّه عجل لرأى العجب ولكنّه أخذته ذمامةٌ من صاحبه فقال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني ولابن مردويه من طريق عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ عن سعيد بن جبيرٍ فاستحيا عند ذلك موسى وقال إن سألتك عن شيءٍ بعدها وهذه الزّيادة وقع مثلها في رواية عمرو بن دينارٍ من رواية سفيان في آخر الحديث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من أمرهما زاد الإسماعيليّ من طريق عثمان بن أبي شيبة عن سفيان أكثر ممّا قصّ). [فتح الباري: 8/419-420] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ قال: قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه حدّثني أبيّ بن كعبٍ أنّه سمع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى: يا ربّ فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتّخذ سبيله في البحر سربًا وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطّاق فلمّا استيقظ نسى صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان، أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا قال: فكان للحوت سربًا ولموسى ولفتاه عجبًا فقال موسى: ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام قال: أنا موسى قال موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قال: إنّك لن تستطيع معي صبرًا يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمك اللّه لا أعلمه فقال موسى: ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا فقال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نولٍ فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلاّ والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا»، قال: وقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى أقتلت نفسًا زاكيةً؟ بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: وهذا أشدّ من الأولى قال: إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ قال: مائلٌ فقام الخضر فأقامه بيده فقال موسى قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال: هذا فراق بيني وبينك إلى قوله {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا}» [الكهف: 82] فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما» قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ {وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 85].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي) بفتح النون وسكون الواو وبالفاء المفتوحة والبكالي بكسر الموحدة وتخفيف الكاف وتشدّد وهو الذي في اليونينية وغيرها ابن فضالة بفتح الفاء والمعجمة ابن امرأة كعب ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة (يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل) وإنما هو موسى بن ميشا بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب (فقال ابن عباس: كذب عدوّ الله) نوف خرج منه مخرج الزجر والتحذير لا القدح في نوف لأن ابن عباس قال ذلك في حال غضبه وألفاظ الغضب تقع على غير الحقيقة غالبًا وتكذيبه له لكونه قال غير الواقع ولا يلزم منه تعمده (حدّثني) بالإفراد (أبي بن كعب) الأنصاري (أنه سمع رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول): (إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل) نص في أن موسى صاحب بني إسرائيل ففيه رد على نوف البكالي (فسئل أي الناس أعلم) أي منهم (فقال أنا) أي أعلم الناس قاله بحسب اعتقاده لأنه نبي ذلك الزمان ولا أحد في زمانه أعلم منه فهو خبر صادق على المذهبين على قول من قال صدق الخبر مطابقته لاعتقاد الخبر ولو أخطأ وهذا في غاية الظهور وعلى قول من قال صدق الخبر مطابقته للواقع فهو إخبار عن ظنه الواقع له إذ معناه أنا أعلم في ظني واعتقادي وهو كان يظن ذلك قطعًا فهو مطابق للواقع وهذا الذي قالوه هنا أبلغ من قوله في باب الخروج في طلب العلم هل تعلم أن أحدًا أعلم منك فقال لا فإنه نفي هناك علمه وهنا على البت (فعتب الله عليه إذ) بسكون الذال للتعليل (لم يردّ العلم إليه) فيقول نحو الله أعلم كما قالت الملائكة لا علم لنا إلا ما علمتنا وعتب الله عليه لئلا يقتدي به فيه من لم يبلغ كماله في تزكية نفسه وعلوّ درجته من أمته فيهلك لما تضمنه من مدح الإنسان نفسه ويورثه ذلك من الكبر والعجب والدعوى وإن نزه عن هذه الرذائل الأنبياء فغيرهم بمدرجة سيلها ودرك ليلها إلا من عصمه الله فالتحفظ منها أولى لنفسه وليقتدى به، ولهذا قال نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- تحفظًا من مثل هذا مما قد علم به أنا سيد ولد آدم ولا فخر ووجه الرد عليه فيما ظنه كما ظن نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه لم يقع منه نسيان في قصة ذي اليدين (فأوحى الله) عز وجل (إليه) إلى موسى (إن لي عبدًا بمجمع البحرين) هو الخضر عليه السلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عند مجمع البحرين (هو أعلم منك) بشيء مخصوص لا يقتضي أفضليته به على موسى كيف وموسى عليه السلام جمع له بين الرسالة والتكليم والتوراة وأنبياء بني إسرائيل داخلون كلهم تحت شريعته وغاية الخضر أن يكون كواحد منهم (قال موسى: يا رب فكيف لي به؟) أي كيف يتهيّأ ويتيسر لي أن أظفر به (قال: تأخذ معك حوتًا) من السمك (فتجعله في مكتل) بكسر الميم وفتح الفوقية الزنبيل الكبير ويجمع على مكاتل (فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف أي تغيب عن عينيك (فهو) أي الخضر (ثم) بفتح المثلثة أي هناك (فأخذ) موسى (حوتًا فجعله في مكتل) كما وقع الأمر به (ثم انطلق وانطلق معه بفتاه) ولأبي ذر عن الكشميهني معه فتاه (يوشع بن نون) بالصرف كنوح (حتى إذا أتيا الصخرة) التي عند مجمع البحرين (وضعا رؤوسهما فناما) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وناما (واضطرب الحوت) أي تحرّك (في المكتل) لأنه أصابه من ماء عين الحياة الكائنة في أصل الصخرة شيء إذ إصابتها مقتضية للحياة (فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله) أي طريقه (في البحر سربًا) أي مسلكًا (وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق) أي مثل عقد البناء وعند مسلم من رواية أبي إسحاق فاضطرب الحوت في الماء فجعل يلتئم عليه حتى صار مثل الكوّة (فلما استيقظ) موسى (نسي صاحبه) يوشع (أن يخبره بالحوت) أي بما كان من أمره (فانطلقا) سائرين (بقية يومهما وليلتهما) بنصب الفوقية (حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه) يوشع (آتنا غداءنا) بفتح الغين ممدود أي طعامنا الذي نأكله أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) أي تعبًا ومراده السير بقية اليوم والذي يليه وفي الإشارة بهذا إشعار بأن هذا المسير كان أتعب لهما مما سبق فإن رجاء المطلوب يقرب البعيد والخيبة تبعد القريب ولذا (قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به) فألقى عليه الجوع والنصب (فقال له فتاه) يوشع (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي فإني نسيت أن أخبرك بخبر الحوت ونسب النسيان لنفسه لأن موسى كان نائمًا إذ ذاك، وكره يوشع أن يوقظه ونسي أن يعلمه بعد لما قدره الله تعالى عليهما من الخطى.
ومن كتبت عليه خطى مشاها.
(وما أنسانيه) أي وما أنساني ذكره (إلا الشيطان أن أذكره) نسبه للشيطان تأدّبًا مع الباري تعالى إذ نسبة النقص للنفس والشيطان أليق بمقام الأدب (واتخذ سبيله في البحر عجبًا) يجوز أن يكون عجبًا مفعولًا ثانيًا لاتّخذ أي واتّخذ سبيله في البحر سبيلًا عجبًا وهو كونه كالسرب والجار والمجرور متعلق باتّخذ وفاعل اتخذ قيل الحوت وقيل موسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا (قال فكان) دخول الحوت في الماء (للحوت سربًا) مسلكًا (ولموسى ولفتاه عجبًا) وهو أن أثره بقي إلى حيث سار أو جمد الماء تحته أو صار صخرًا أو ضرب بذنبه فصار المكان يبسًا وعند ابن أبي حاتم من طريق قتادة قال: عجب موسى أن تسرب حوت مملح في مكتل (فقال موسى) ليوشع (ذلك) الذي ذكرته من حياة الحوت ودخوله في البحر (ما كنا نبغي) أي الذي نطلبه إذ هو آية على المطلوب (فارتدا على آثارهما قصصًا قال رجعا) في الطريق الذي جاءا فيه (يقصان آثارهما) قصصًا أي يتبعان آثار سيرهما اتباعًا. قال صاحب الكشف فيما حكاه الطيبي عنه قصصًا مصدر لفعل مضمر يدل عليه فارتدا على آثارهما إذ معنى فارتدا على آثارهما واقتصا الأثر واحد (حتى انتهيا إلى الصخرة) أي التي فعل فيها الحوت ما فعل كما عند النسائي في روايته فذهبا يلتمسان الخضر (فإذا رجل) نائم (مسجّى ثوبًا) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منوّنة ولأبي ذر عن الكشميهني بثوب أي مغطى كله به، ولمسلم مسجى ثوبًا مستلقيًا على القفا ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية فوجده نائمًا في جزيرة من جزائر البحر ملتفًا بكساء (فسلّم عليه موسى فقال الخضر) أي بعد أن كشف وجهه كما في الرواية الآتية هنا إن شاء الله تعالى (وأني) بفتح الهمزة والنون المشدّدة أي وكيف (بأرضك السلام) وفي الرواية الآتية وهل بأرضي من سلام وفيه دلالة على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا مسلمين أو كانت تحيتهم غيره (قال أنا موسى) في الآتية قال: من أنت؟ قال: أنا موسى (قال): أي الخضر أنت (موسى بني إسرائيل قال): أي موسى (نعم أتيتك لتعلمني) وفي الرواية الآتية قال: ما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني (مما علمت رشدًا) قال أبو البقاء: رشدًا مفعول لتعلمني ولا يجوز أن يكون مفعول علمت لأنه لا عائد إذن على الموصول أي علمًا ذا رشد (قال): أي الخضر لموسى (إنك لن تستطيع معي صبرًا) نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد وهو علة لمنعه من اتّباعه فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال هل أتبعك على أن تعلمني كأنه قال: لا لأنك لن تستطيع معي صبرًا وعبّر بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع لمكان عصمته. قال الخضر عليه الصلاة والسلام: (يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه) جميعه (أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله) ولأبي ذر عن الكشميهني علمكه الله (لا أعلمه) جميعه وهذا التقدير أو نحوه واجب لا بدّ منه، وقد غفل بعضهم عن ذلك فقال في مجموع له لطيف في الخصائص النبوية أن من خصائص نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء إلا إحداهما بدليل قصة موسى مع الخضر، وقوله: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه وهذا الذي قاله يلزم منه خلوّ أولي العزم عليهم الصلاة والسلام غير نبينا من علم الحقيقة الذي لا ينبغي خلو بعض آحاد الأولياء عنه وإخلاء الخضر عليه الصلاة والسلام من علم الشريعة الذي لا يجوز لآحاد المكلفين الخلوّ عنه، وهذا لا يخفى ما فيه من الخطر العظيم، واحتج لذلك بقوله: إنه أراد الجمع في الحكم والقضاء تمسكًا بحديث السارق في زمنه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال اقتلوه فقيل: إنما سرق فقال اقطعوه إلى أن أتى على قوائمه الأربع ثم سرق في زمن الصديق بفيه فأمر بقتله. قلت: وهو مروي عند الدارقطني من حديث جابر بلفظ: إن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أتي بسارق فقطع يده ثم أتي به ثانيًا فقطع رجله ثم أتي به ثالثًا فقطع يده ثم أتي به رابعًا فقطع رجله ثم أتي به خامسًا فقتله، وفيه محمد بن يزيد بن سبأ، وقال الدارقطني فيما حكاه الحافظ ابن حجر في أمالي الرافعي أنه ضعيف قال: ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: جيء بسارق إلى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه فقطع ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال: اقطعوه فذكره كذلك قال: فجيء به الخامسة فقال: اقتلوه. قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد النعم فاستلقى على ظهره فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة، وفي إسناده مصعب بن ثابت، وقد قال النسائي ليس بالقوي، وهذا الحديث منكر ولا أعلم فيه حديثًا صحيحًا. ورواه النسائي والحاكم عن الحارث بن حاطب الجمحي وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن زيد الجهني، وقال ابن عبد البر: حديث القتل منكر لا أصل له، وقال الشافعي: منسوخ لا خلاف فيه عند أهل العلم اهـ.
وهذا لا دلالة فيه أصلًا على ما ادّعاه من مراده على ما لا يخفى، ولئن سلمنا ذلك كان عليه أن يلحق ذلك في مجموعه المذكور عقب قوله ذلك ليسلم من وصمة الإطلاق إذ المراد لا يدفع الإيراد لكنا لا نسلمه فتأمله.
(فقال موسى: ستجدني إن شاء الله صابرًا) على ما أرى منك غير منكر عليك وعلق الوعد بالمشيئة للتيمن أو علمًا منه بشدّة الأمر وصعوبته فإن مشاهدة الفساد شيء لا يطاق. (ولا أعصي لك أمرًا) أي ولا أخالفك في شيء (فقال له الخضر فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) تنكره مني ولم تعلم وجه صحته (حتى أحدث لك منه ذكرًا) حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني (فانطلقا) لما توافقا واشترط عليه أن لا يسأله عن شيء أنكره عليه حتى يبدأ به (يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم) أي موسى والخضر ويوشع كلموا أصحاب السفينة (أن يحملوهم فعرفوا) أي أصحاب السفينة (الخضر فحملوه) أي الخضر ومن معه ولأبي ذر فحملوهم، وله أيضًا فحملوا أي الثلاثة وهو مبني لما لم يسم فاعله (بغير نول) بفتح النون بغير أجر إكرامًا للخضر (فلما ركبا) موسى والخضر (في السفينة) لم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالإصالة (لم يفجأ) موسى عليه الصلاة والسلام بعد أن صارت السفينة في لجّة البحر (إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدوم) بفتح القاف وضم الدال المهملة المخففة فانخرقت (فقال له موسى) منكرًا عليه بلسان الشريعة هؤلاء (قوم حملونا) ولأبي ذر: قد حملونا (بغير نول عمدت) بفتح الميم (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها) قيل اللام في لتغرق للعلة ورجح كونها للعاقبة كقوله:
لدوا للموت وابنوا للخراب
(لقد جئت شيئًا إمرًا) عظيمًا أو منكرًا (قال) الخضر مذكرًا لما مر من الشرط (ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرًا) استفهام إنكاري. (قال) موسى للخضر (لا تؤاخذني بما نسيت) من وصيتك.
وفي هذا النسيان أقوال:
أحدها: أنه على حقيقته لما رأى فعله المؤدي إلى إهلاك الأموال والأنفس فلشدة غضبه لله نسي ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث قريبًا وكانت الأولى من موسى نسيانًا.
الثاني: أنه لم ينس ولكنه من المعاريض وهو مروي عن ابن عباس لأنه إنما رأى العهد في أن يسأل لا في إنكار هذا الفعل فلما عاتبه الخضر بقوله: إنك لن تستطيع قال: لا تؤاخذني بما نسيت أي في الماضي ولم يقل أني نسيت وصيتك.
الثالث: أن النسيان بمعنى الترك وأطلقه عليه لأن النسيان سبب للترك إذ هو من ثمراته أي لا تؤاخذني بما تركته مما عاهدتك عليه فإن المرة الواحدة معفوّ عنها ولا سيما إذا كان لها سبب ظاهر.
(ولا ترهقني من أمري عسرًا) لا تضايقني بهذا القدر فتعسر مصاحبتك أو لا تكلفني ما لا أقدر عليه (قال) أبي بن كعب (وقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكانت الأولى) ولأبي ذر عن الكشميهني وكانت في الأولى (من موسى نسيانًا. قال وجاء عصفور) بضم العين (فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له) أي لموسى (الخضر ما علمي وعلمك من علم الله) أي من معلومه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في علم الله (إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر) ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا ولا ريب أن علم الله لا يدخله نقص (ثم خرجا من السفينة) بعد أن اعتذر موسى له وسأله أن لا يرهقه من أمره عسرًا وقبل عذره وأجاب سؤاله وأدامه على الصحبة (فبينا) بغير ميم (ما يمشيان على الساحل إذ بصر الخضر) بفتح الموحدة وضم الصاد المهملة (غلامًا يلعب مع الغلمان) قيل اسمه جيسور وقيل حيسور وقيل حنسور وقيل حيسون وقيل شمعون وقيل غير ذلك مما لم يثبت ولعل المفسرين نقلوه من كتب أهل الكتاب (فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني برأسه فاقتلعه (فقتله فقال له موسى) لما شاهد ذلك منه منكرًا عليه أشد من الأول (أقتلت نفسًا زاكية) بالألف والتخفيف وهي قراءة الحرميين وأبي عمرو واسم فاعل من زكا أي طاهرة من الذنوب ووصفها بهذا الوصف لأنه لم يرها أذنبت أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث لكن قوله (بغير نفس) يردّه إذ لو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف أخرجوه إلى فعيلة للمبالغة لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة. وحكى القرطبي عن صاحب العروس والعرائس أن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال للخضر أقتلت نفسًا زاكية غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه وإذا في عظم كتفه مكتوب كافر لا يؤمن بالله أبدًا. (لقد جئت شيئًا نكرًا) منكرًا تنكره العقول وتنفر عنه النفوس وهو أبلغ في تقبيح الشيء من الأمر وقيل بالعكس لأن الأمر هو الداهية العظيمة (قال) الخضر (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا) قال في الكشاف: فإن قلت: ما معنى زيادة لك قلت زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية. (قال) أبي سفيان بن عيينة كما في كتاب العلم (وهذا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي هذه (أشد من الأولى) لما فيها من زيادة لك (قال) موسى له (إن سألتك عن شيء بعدها) أي بعد هذه المرة أو بعد هذه القصة فأعاد الضمير عليها وإن كانت لم يتقدم لها ذكر صريح حيث كانت في ضمن القول (فلا تصاحبني) وإن طلبت صحبتك (قد بلغت من لدني عذرًا) أي قد أعذرت إليّ مرة بعد أخرى فلم يبق موضع للاعتذار (فانطلقا) بعد المرتين الأوليين (حتى إذا أتيا أهل قرية) قيل هي أنطاكية أو أذربيجان أو الأبلّة أو بوقة أو ناصرة أو جزيرة الأندلس. قال في الفتح وهذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين وشدّة التباين في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشيء من ذلك وعند مسلم من رواية أبي إسحاق أهل قرية لئامًا أي بخلاء فطافا المجالس (استطعما أهلها) واستضافوهم (فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا) عرضه خمسون ذراعًا في مائة ذراع بذراعهم قاله الثعلبي وقال غيره سمكه مائتا ذراع وظله على وجه الأرض خمسمائة ذراع وعرضه خمسون (يريد أن ينقض) إسناده الإرادة إلى الجدار على سبيل الاستعارة فإن الإرادة للجدار لا حقيقة لها وقد كان أهل القرية يمرون تحته خائفين (قال) في معنى ينقض أنه (مائل فقام الخضر فأقامه بيده) أي فردّه إلى حالة الاستقامة وهذا خارق ولأبي ذر فقال الخضر بيده فأقامه (فقال موسى) لما رأى من شدة الحاجة والاضطرار والافتقار إلى المطعم وحرمان أصحاب الجدار لهم (قوم أتيناهم) فاستطعمناهم واستضفناهم (فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وفتح الخاء وهي قراءة غير أبي عمرو وابن كثير (عليه أجرًا) أي جعلًا نستعين به في عشائنا (قال) الخضر له (هذا فراق بيني وبينك) بإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع (إلى قوله ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرًا) أي هذا التفسير أي المذكور في الآية ما ضقت به ذرعًا ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء (فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: وددنا) بفتح الواو وكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما) إذ لو صبر لرأى أعجب الأعاجيب. (قال سعيد بن جبير) بالسند السابق (فكان ابن عباس يقرأ: {وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين}) [الكهف: 80] وهذه قراءة شاذة لمخالفتها المصحف العثماني لكنها كالتفسير.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم وأخرجه المؤلّف في أكثر من عشرة مواضع من كتابه الجامع). [إرشاد الساري: 7/216-221] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر، قال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه أنّ عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ، فكيف لي به؟ فقال له: احمل حوتًا في مكتلٍ فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نونٍ فجعل موسى حوتًا في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى إذا أتيا الصّخرة، فرقد موسى وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر، قال: وأمسك اللّه عنه جرية الماء، حتّى كان مثل الطّاق وكان للحوت سربًا.
وكان لموسى ولفتاه عجبًا، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما ونسّي صاحب موسى أن يخبره، فلمّا أصبح موسى {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال موسى {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} قال: فكانا يقصّان آثارهما، قال سفيان: يزعم ناسٌ أنّ تلك الصّخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميّتًا إلاّ عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلمّا قطر عليه الماء عاش، قال: فقصّا آثارهما حتّى أتيا الصّخرة، فرأى رجلاً مسجًّى عليه بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، فقال: أنّى بأرضك السّلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه لا تعلمه، فقال موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا (66) قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا (67) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا (68) قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} قال: نعم، فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ فكلّماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نولٍ فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا (71) قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا (72) قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل وإذا غلامٌ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده، فقتله، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا (74) قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا (76) فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} يقول: مائلٌ، فقال الخضر بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: قومٌ أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا (77) قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يرحم اللّه موسى لوددنا أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما. قال: وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: الأولى كانت من موسى نسيانٌ. وقال: وجاء عصفورٌ حتّى وقع على حرف السّفينة ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال سعيد بن جبيرٍ: وكان يعني ابن عبّاسٍ، يقرأ: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافرًا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورواه الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد رواه أبو إسحاق الهمدانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو مزاحمٍ السّمرقنديّ: سمعت عليّ بن المدينيّ يقول: حججت حجّةً وليس لي همّةٌ إلاّ أن أسمع من سفيان يذكر في هذا الحديث الخبر حتّى سمعته يقول: حدّثنا عمرو بن دينارٍ، وقد كنت سمعت هذا من سفيان من قبل ذلك، ولم يذكر فيه الخبر). [سنن الترمذي: 5/160-163] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا}.
يقول تعالى ذكره: قال صاحب موسى لموسى: هذا القول الّذي قلته وهو قوله {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} {فراق بيني وبينك} يقول: فرقةٌ ما بيني وبينك: أي مفرّق بيني وبينك. {سأنبّئك} يقول: سأخبرك {بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} يقول: بما يئول إليه عاقبة أفعالي الّتي فعلتها، فلم تستطع عليّ ترك المسألة عنها، وعن النّكير عليّ فيها صبرًا). [جامع البيان: 15/352-353]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) سعيد بن جبير -رحمه الله -: قال: قلت لابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما: إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى - صاحب بني إسرائيل - ليس هو صاحب الخضر.
فقال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قام موسى -عليه السلام -خطيباً في بني إسرائيل»، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، قال: فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنّ عبداً من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى، أي ربّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مكتلٍ، فحيث تفقد الحوت، فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نونٍ، فحمل موسى حوتاً في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان، حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى وفتاه، فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر، قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطّاق فكان للحوت سرباً وكان لموسى وفتاه عجباً، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} [الكهف: 62] قال: ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجباً} قال موسى: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصاً} [الكهف: 63، 64] قال: يقصّان آثارهما، حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجّى عليه بثوب، فسلّم عليه موسى، فقال له الخضر: أنّى بأرضك السلام ؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، قال له موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمني مما علّمت رشداً. قال إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً. قال ستجدني إن شاء اللّه صابراً ولا أعصي لك أمراً} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً} [الكهف: 66 - 70] قال: نعم، فانطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ، فكلّموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر، فحملوهما بغير نولٍ، فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السفينة، فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ، عمدت إلى سفينتهم، فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً. قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً. قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً} [الكهف: 71، 73]، ثمّ خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل، إذا غلامٌ يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله، فقال موسى: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً. قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً} [الكهف: 74، 75] قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لّدنّي عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ} يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا {فأقامه قال} له موسى: قومٌ أتيناهم، فلم يضيفونا، ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجراً. قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً} [الكهف: 76 - 78] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر، حتى كان يقصّ علينا من أخبارهما» قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانت الأولى من موسى نسياناً» قال: وجاء عصفورٌ حتى وقع على حرف السّفينة، ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله، إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر.
زاد في رواية: «وعلم الخلائق» ثم ذكر نحوه.
قال سعيد بن جبير: وكان يقرأ «وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصباً» وكان يقرأ «وأما الغلام فكان كافراً».
وفي رواية قال: «بينما موسى- عليه السلام - في قومه يذكّرهم بأيّام الله، وأيّام الله: نعماؤه وبلاؤه، إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلاً خيراً أو أعلم منّي» قال:... وذكر الحديث.
وفيه «حوتاً مالحاً».
وفيه: «مسجّى ثوباً، مستلقياً على القفا، أو على حلاوة القفا».
وفيه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنّه عجّل لرأى العجب، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامةٌ، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً} ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه، ثم قال: {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ} لئامٍ، فطافا في المجلس، فاستطعما أهلها {فأبوا أن يضيّفوهما} إلى قوله: {هذا فراق بيني وبينك} قال: وأخذ بثوبه، ثم تلا إلى قوله: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} إلى آخر الآية [الكهف: 79]، فإذا جاء الذي يسخّرها وجدها منخرقةً، فتجاوزها، فأصلحوها بخشبةٍ وأما الغلام فطبع يوم طبع كافراً، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك {أرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً} ».
وفي رواية قال: «وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها: الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرّك، وانسلّ من المكتل». وذكر نحوه.
وفي رواية: «أنه قيل له: خذ حوتاً، حتى تنفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً، فجعله في مكتل، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، فقال: ما كلّفت كبيراً»... وذكر الحديث.
وفيه «فوجدا خضراً على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر، وأن الخضر قال لموسى: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك، يا موسى، إنّ لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه ».
وفيه في صفة قتل الغلام «فأضجعه فذبحه بالسّكين».
وفيه «كان أبواه مؤمنين، وكان كافراً {فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً} يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً - لقوله: {قتلت نفساً زكية} - وأقرب رحماً} أرحم بهما من الأول الذي قتل الخضر».
وفي رواية «أنهما أبدلا جارية».
وفي رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ ابن عباسٍ تمارى هو والحرّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريّ في صاحب موسى عليه السلام، فقال ابن عباس: هو الخضر، فمرّ بهما أبيّ بن كعبٍ، فدعاه ابن عباسٍ فقال: يا أبا الطّفيل، هلمّ إلينا فإنّي قد تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيّه، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ فقال أبيٌّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا موسى في ملأٍ من بني إسرائيل، إذ جاءه رجلٌ، فقال له: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى، عبدنا الخضر، فسأل موسى السبيل إلى لقيّه، فجعل الله له الحوت آية... وذكر الحديث إلى قوله: {فارتدّا على آثارهما قصصاً} فوجدا خضراً، فكان من شأنهما ما قصّ الله في كتابه». هذه روايات البخاري، ومسلم.
ولمسلم رواية أخرى بطولها، وفيها فانطلقا، حتى إذا لقيا غلماناً يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي، فقتله، قال: فذعر عندها موسى ذعرة منكرة، قال: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند هذا المكان: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجّل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامةٌ».
وعند البخاري فيه ألفاظ غير مسندة، منها: «يزعمون أن الملك كان اسمه: هدد بن بدد، وأنّ الغلام المقتول: كان اسمه فيما يزعمون: حيسور».
وفي رواية في قوله قال: {ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً} قال: «كانت الأولى نسياناً، والوسطى: شرطاً، والثالثة عمداً».
وأخرجه الترمذي مثل الرواية الأولى بطولها.
(وفيها قال سفيان: «يزعم ناسٌ أنّ تلك الصخرة عندها عين الحياة، لا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش. قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش»... وذكر الحديث إلى آخره).
وفي رواية لمسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {لتخذت عليه أجراً}.
وعنده قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
وفي رواية الترمذي أيضاً: قال «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً... لم يزد».
وأخرج أبو داود من الحديث طرفين مختصرين عن أبيّ بن كعبٍ:
الأول، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
والثاني: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الصبيان، فتناول رأسه فقلعه، فقال موسى: {أقتلت نفساً زكيّةً... } الآية».
وحيث اقتصر أبو داود على هذين الطرفين من الحديث بطوله لم أعلم علامته.
[شرح الغريب]
(مكتل) المكتل: شبه الزنبيل، يسع خمسة عشر صاعاً.
(سرباً) السرب: المسلك.
(نصباً) النصب، التعب.
(أوينا) أي: يأوي إلى المنزل: إذا انضم إليه ورجع.
(فارتدا) افتعلا من الارتداد: وهو الرجوع.
(قصصاً) القصص: تتبع الأثر شيئاً بعد شيء، والمعنى: رجعا من حيث جاءا، يقصان الأثر.
(مسجى) المسجى: المغطى.
(رشداً) الرّشد والرّشد: الهدى.
(نول) النّول: العطية والجعل. تقول: نلت الرجل أنوله نولاً: إذا أعطيته، ونلت الشيء أناله نيلاً: وصلت إليه.
(إمراً) الإمر: الأمر العظيم المنكر.
(حلاوة القفا) قال الجوهري: حلاوة القفا بالضم: وسطه، وكذلك حلاوى القفا: فإن مددت، فقلت: حلاواء القفا: فتحت.
(ذمامة) الذمامة بالذال المعجمة: الحياء والإشفاق من الذم، وبالدال غير المعجمة: قبح الوجه، والمراد الأول.
(أرهقهما طغياناً) يقال: رهقه - بالكسر، يرهقه رهقاً، أي: غشيه وأرهقه طغياناً وكفراً، أي أغشاه أياه، ويقال: أرهقني فلان إثماً حتى رهقته، أي: حملني إثماً حتى حملته له، والطغيان: الزيادة في المعاصي.
(طنفسه) الطنفسة: واحدة الطنافس: وهي البسط التي لها خمل رقيق.
(كبد البحر) كبد كل شيء: وسطه. وكأنه أراد به ها هنا: جانبه.
(تمارى) المماراة: المجادلة والمخاصمة). [جامع الأصول: 2/220-230] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا (70) فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا (72) قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا (74) قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا (76) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الروياني، وابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه فأوحى الله إليه: أني قد علمت ما حدثت به نفسك فإن من عبادي رجلا أعلم منك، يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزود به فأينما فقدته فهناك مكانه، ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتا مالحا في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتا حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ثم جرى حتى وقع في البحر، فذلك قوله تعالى: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلق حتى لحق موسى فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ففقد الحوت فقال: {فإني نسيت الحوت} الآية، يعني فتى موسى {واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ} إلى {قصصا} فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئا ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم فسلم عليه موسى فرفع رأسه فقال: أنى السلام بهذا المكان، من أنت قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما كان لك في قومك شغل عني قال: أني أمرت بك، فقال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} الآية، {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة {قال أخرقتها لتغرق أهلها} الآية، {قال ألم أقل} الآية، {قال لا تؤاخذني} الآية، {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} فوجدا صبيانا يلعبون يريدون القرية فأخذ الخضر غلاما منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى: {أقتلت نفسا زكية} الآية، {قال ألم أقل لك} الآية، {قال إن سألتك} الآية، فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم فرأى الجدار مائلا فمسحه الخضر بيده فاستوى فقال: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال له موسى: قد ترى جهدنا وحاجتنا لو سألتهم عليه أجرا أعطوك فنتعشى به {قال هذا فراق بيني وبينك}، قال: فأخذ موسى بثوبه فقال: أنشدك الصحبة إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت قال: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} الآية، خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها وأما الغلام فإن الله جعله كافرا وكان أبواه مؤمنين فلو عاش لأرهقهما {طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} الآية). [الدر المنثور: 9/592-595] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن كعب القرظي قال: قال عمر بن الخطاب ورسول الله يحدثهم بهذا الحديث حتى فرغ من القصة: يرحم الله موسى وددنا أنه لو صبر حتى يقص علينا من حديثهما). [الدر المنثور: 9/615]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه، وابن مردويه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: رحمة الله علينا وعلى موسى - فبدأ بنفسه - لو كان صبر لقص علينا من خبره ولكن قال: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني} ). [الدر المنثور: 9/616]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن عساكر عن يوسف بن أسباط قال: بلغني أن الخضر قال لموسى لما أراد أن يفارقه: يا موسى تعلم العلم لتعمل به ولا تعلمه لتحدث به، وبلغني أن موسى قال للخضر: ادع لي، فقال الخضر: يسر الله عليك طاعته). [الدر المنثور: 9/623]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر عن أبي عبد الله - أظنه الملطي - قال: أراد موسى أن يفارق الخضر فقال له موسى: أوصني، قال: كن نفاعا ولا تكن ضرارا كن بشاشا ولا تكن غضبانا ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة ولا تعير امرأ بخطيئته وابك على خطيئتك يا ابن عمران). [الدر المنثور: 9/624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن وهب أن الخضر قال لموسى: يا موسى إن الناس يعذبون في الدنيا على قدر همومهم بها). [الدر المنثور: 9/624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن بقية قال: حدثني أبو سعيد قال: سمعت أن آخر كلمة أوصى بها الخضر موسى حين فارقه: إياك أن تعير مسيئا بإساءته فتبتلى). [الدر المنثور: 9/626]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا (68) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623] (م)

تفسير قوله تعالى: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن عباس قال لما اقتص موسى أثر الحوت انتهى إلى رجل راقد وقد سجى عليه ثوبه فسلم عليه موسى فكشف الرجل عن وجهه فرد عليه السلام ثم قال له من أنت قال أنا موسى قال صاحب بني إسرائيل قال نعم قال أو ما كان لك في بني إسرائيل شغل قال بلى ولكن أمرت أن آتيك وأصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} كما قص الله حتى بلغ {إذا ركبا في السفينة خرقها} قال موسى {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} يقول نكرا {قال لا تأخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} {فانطلقا حتى إذا لقيا غلما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} قال معمر قال الحسن تائبة قال أبو إسحاق في حديثه لقد جئت شيئا نكرا حتى بلغ {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا}). [تفسير عبد الرزاق: 1/406] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (وقال معمر وقال قتادة أمامهم ألا ترى أنه يقول {من ورائهم جهنم} وهي بين يديه وفي حرف ابن مسعود (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) وأما الغلام فكان كافرا وفي حرف أبي بن كعب: وكان أبواه مؤمنين فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحماً أبر بوالديه
{وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزا لهما} قال مال لهما). [تفسير عبد الرزاق: 1/407]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال عمرو كان ابن عباس يقرأ (أما الغلام فكان كافرا) وكان يقرأ (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)). [تفسير عبد الرزاق: 1/410]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أنّ ابن جريجٍ أخبرهم، قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، وعمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيد بن جبيرٍ، قال: إنّا لعند ابن عبّاسٍ في بيته، إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عبّاسٍ، جعلني اللّه فداءك، بالكوفة رجلٌ قاصٌّ يقال له: نوفٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل، أمّا عمرٌو فقال لي: قال: قد كذب عدوّ اللّه، وأمّا يعلى فقال لي: قال ابن عبّاسٍ، حدّثني أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " موسى رسول اللّه عليه السّلام، قال: ذكّر النّاس يومًا حتّى إذا فاضت العيون، ورقّت القلوب، ولّى فأدركه رجلٌ فقال: أي رسول اللّه، هل في الأرض أحدٌ أعلم منك؟ قال: لا، فعتب عليه إذ لم يردّ العلم إلى اللّه، قيل: بلى، قال: أي ربّ، فأين؟ قال: بمجمع البحرين، قال: أي ربّ، اجعل لي علمًا أعلم ذلك به - فقال لي عمرٌو - قال: حيث يفارقك الحوت - وقال لي يعلى - قال: خذ نونًا ميّتًا، حيث ينفخ فيه الرّوح، فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلّا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلّفت كثيرًا فذلك قوله جلّ ذكره: {وإذ قال موسى لفتاه} [الكهف: 60] يوشع بن نونٍ - ليست عن سعيدٍ - قال: فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان، إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ، فقال فتاه: لا أوقظه حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبره، وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر، فأمسك اللّه عنه جرية البحر، حتّى كأنّ أثره في حجرٍ - قال لي عمرٌو: هكذا كأنّ أثره في حجرٍ، وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما - {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ، قال: قد قطع اللّه عنك النّصب - ليست هذه عن سعيدٍ أخبره - فرجعا فوجدا خضرًا - قال لي عثمان بن أبي سليمان - على طنفسةٍ خضراء، على كبد البحر - قال سعيد بن جبيرٍ - مسجًّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضي من سلامٍ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا، قال: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك يا موسى، إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه، فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر، وقال: واللّه ما علمي وما علمك في جنب علم اللّه إلّا كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر، حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغارًا، تحمل أهل هذا السّاحل إلى أهل هذا السّاحل الآخر، عرفوه فقالوا: عبد اللّه الصّالح - قال: قلنا لسعيدٍ: خضرٌ؟ قال: نعم - لا نحمله بأجرٍ، فخرقها ووتد فيها وتدًا، قال موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئًا إمرًا} [الكهف: 71]- قال مجاهدٌ: منكرًا - (قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا) ، كانت الأولى نسيانًا والوسطى شرطًا، والثّالثة عمدًا، {قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} [الكهف: 73] ، لقيا غلامًا فقتله - قال يعلى: قال سعيدٌ: وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين - {قال: أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ} [الكهف: 74] لم تعمل بالحنث - وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً (زاكيةً) : مسلمةً كقولك غلامًا زكيًّا - فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقضّ، فأقامه - قال سعيدٌ بيده هكذا، ورفع يده فاستقام، قال يعلى: حسبت أنّ سعيدًا قال: فمسحه بيده فاستقام - {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77]- قال سعيدٌ: أجرًا نأكله - {وكان وراءهم} [الكهف: 79] وكان أمامهم - قرأها ابن عبّاسٍ: أمامهم ملكٌ، يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بدد، والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ - {ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} [الكهف: 79] ، فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها، فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها - ومنهم من يقول: سدّوها بقارورةٍ، ومنهم من يقول بالقار - {كان أبواه مؤمنين} وكان كافرًا {فخشينا أن يرهقهما طغيانًا، وكفرًا} [الكهف: 80] أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه، (فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً) لقوله: {أقتلت نفسًا زكيّةً} [الكهف: 74] {وأقرب رحمًا} [الكهف: 81] هما به أرحم منهما بالأوّل، الّذي قتل خضرٌ - وزعم غير سعيدٍ: أنّهما أبدلا جاريةً، وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال: عن غير واحدٍ: إنّها جاريةٌ - "). [صحيح البخاري: 6/89-91] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وكان وراءهم ملك وكان أمامهم قرأها بن عبّاسٍ أمامهم ملكٌ وفي رواية سفيان وكان بن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وقد تقدّم الكلام في وراء في تفسير إبراهيم قوله يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بددٍ القائل ذلك هو بن جريجٍ ومراده أنّ تسمية الملك الّذي كان يأخذ السّفن لم تقع في رواية سعيدٍ قلت وقد عزاه بن خالويه في كتابٍ ليس لمجاهدٍ قال وزعم بن دريدٍ أنّ هدد اسم ملكٍ من ملوك حمير زوّجه سليمان بن داود بلقيس قلت إن ثبت هذا حمل على التّعدّد والاشتراك في الاسم لبعد ما بين مدّة موسى وسليمان وهدد في الرّوايات بضمّ الهاء وحكى بن الأثير فتحها والدّال مفتوحةٍ اتّفاقًا ووقع عند بن مردويه بالميم بدل الهاء وأبوه بددٌ بفتح الموحّدة وجاء في تفسير مقاتلٍ أنّ اسمه منولة بن الجلنديّ بن سعيدٍ الأزديّ وقيل هو الجلنديّ وكان بجزيرة الأندلس). [فتح الباري: 8/412]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أنّ ابن جريج أخبرهم قال أخبرني يعلى بن مسلمٍ وعمرو بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيدٍ قال إنّا لعند بن عبّاسٍ في بيته إذ قال سلوني قلت أي أبا عباسٍ جعلني الله فداءك بالكوفة رجلٌ قاص يقال له نوفٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل أمّا عمروٌ فقال لي قال قد كذب عدوّ الله وأمّا يعلى فقال لي قال ابن عبّاس حدّثني أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى رسول الله عليه السّلام قال ذكّر النّاس يوماً حتّى إذا فاضت العيون ورقّت القلوب ولّى فأدركه رجلٌ فقال أي رسول الله هل في الأرض أحدٌ أعلم منك قال لا فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله قيل بلى قال أي ربّ فأين قال بمجمع البحرين قال أي ربّ اجعل لي أعلم علماً ذالك به فقال لي عمروٌ قال حيث يفارقك الحوت وقال لي يعلى خذ نوناً ميّتاً حيث ينفخ فيه الرّوح فأخذ حوتاً فجعله في مكتلٍ فقال لفتاه لا أكلّفك إلاّ أن تخبرني حيث يفارقك الحوت قال ما كلّفت كثيراً فذالك قوله جلّ ذكره وإذ قال موسى لفتاه يوشع بن نونٍ ليست عن سعيدٍ قال فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ فقال فتاه لا أوقظه حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبرة وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتّى كأنّ أثره في حجر قال لي عمروٌ هاكذا كأنّ أثره في حجرٍ وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما لقد لقينا من سفرنا هاذا نصباً قال قد قطع الله عنك النّصب ليست هاذه عن سعيدٍ أخبره فرجعا فوًّجدا خضراً قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر قال سعيد بن جبيرٍ مسجّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال هل بأرضي من سلامٍ من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم قال فما شأنك قال جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشداً قال أما يكفيك أن التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك يا موسى إنّ علماً لا ينبغي لك أن تعلمه وإنّ لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر وقال والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلاّ كما أخذ هاذا الطّائر بمنقاره من البحر حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغاراً تحمل أهل هاذا السّاحل إلى أهل هاذا السّاحل الآخر عرفوه فقالوا عبد الله الصّالح قال قلنا لسعيدٍ خضرٌ قال نعم لا نحمله بأجرٍ فخرقها ووتد فيها وتداً قال موسى أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال مجاهدٌ منكراً قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً كانت الأولى نسياناً والوسطى شرطاً والثّانية عمداً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً لقيا غلاماً فقتله قال يعلى قال سعيدٌ وجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين قال أقتلت نفساً زكيّةً بغير نفسٍ لم تعمل بالحنث وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً زاكيةً مسلمةً كقولك غلاماً زاكياً فانطلقا فوجدا جداراً يريد أن ينقضّ فأقامه قال سعيدٌ بيده هاكذا ورفع يده فاستقام قال يعلى حسبت أنّ سعيداً قال فمسحه بيده فاستقام لو شئت لاتّخذت عليه أجراً قال سعيدٌ أجراً نأكله وكان وراءهم وكان أمامهم قرأها ابن عبّاسٍ أمامهم ملكٌ يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بدد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصباً فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدّوها بقارورةٍ ومنهم من يقول بالقار كان أبواه مؤمنين وكان كافراً فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً لقوله أقتلت نفساً زكيّةً وأقرب رحماً هما به أرحم منهما بالأوّل الّذي قتل خضرٌ وزعم غير سعيدٍ أنّهما أبدلا جاريةً وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحدٍ إنّها جاريةٌ..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة لأنّه في توضيحها، وهو طريق آخر برواية آخرين وبزيادة ونقصان في المتن أخرجه عن إبراهيم بن موسى أبو إسحاق الفراء الرّازيّ المعروف بالصغير، عن هشام بن يوسف الصّنعانيّ قضينها عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن يعلى، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللّام وبالقصر: ابن مسلم بلفظ إسم الفاعل من الإسلام ابن هرمز إلى آخره.
قوله: (يزيد أحدهما على صاحبه) أي: أحد المذكورين وهما: يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار فقط، وهو أحد شيخي ابن جريج فيه، وهنا ابن جريج يروي عن يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار. قوله: (وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد) ، هذا من كلام ابن جريج، أي: غير يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار قد سمعته يحدث هذا الحديث عن سعيد بن جبير، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه في قوله: (وغيرهما) وهو: عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم القرشي المكّيّ رضي الله عنه، فإن قلت: كيف إعراب هذا؟ قلت: (غيرهما) مبتدأ، وقوله: (قد سمعته) جملة وقعت خبرا، والضّمير المنصوب فيه يرجع إلى لفظ: غير، وقوله: (يحدثه) جملة وقعت حالا، ووقع في رواية الكشميهني: يحدث، بحذف الضّمير المنصوب. قوله: (عن سعيد) ، أي: سعيد بن جبير رضي الله عنه. قوله: (لعند ابن عبّاس) ، اللّام فيه مفتوحة للتّأكيد أي: قال سعيد بن جبير: أنا كنت عند عبد الله بن عبّاس حال كونه في بيته. قوله: (أي أبا عبّاس) ، أي: يا أبا عبّاس! وأبو عبّاس كنية عبد الله بن عبّاس. قوله: (بالكوفة رجل قاص) ، هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: إن بالكوفة رجلا قاصا، والقاص بتشديد الصّاد الّذي يقص النّاس الأخبار من المواعظ وغيرها. قوله: (أما عمرو فقال لي: كذب عدو الله) أراد أن ابن جريج قال: أما عمرو بن دينار فإنّه قال لي في روايته، قال ابن عبّاس: كذب عدو الله، وأشار بهذا إلى أن هذه الكلمة لم تقع في رواية يعلى ابن مسلم، ولهذا قال: وأما يعلى، أي ابن مسلم الرّاوي، فإنّه قال لي: قال ابن عبّاس إلى آخره. قوله: (ذكر النّاس) ، بتشديد الكاف من التّذكير. قوله: (ولى) ، أي: رجع إلى حاله. قوله: (فقال: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: يا رسول الله، قاله لموسى عليه الصّلاة والسّلام. قوله: (قيل: بلى) ، أي: بلى في الأرض أحد أعلم منك، وفي رواية مسلم: (إن في الأرض رجلا هو أعلم منك) ، ووقع في رواية سفيان: فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وعلم من هاتين الروايتن أن القائل في قوله: بلى، هو الله تعالى فأوحى الله إليه بذلك. قوله: (أي رب، فأين؟) يعني: يا رب أين هو؟ في أي مكان؟ وفي رواية سفيان: يا رب، فكيف لي به؟ وفي رواية النّسائيّ: فأدلني على هذا الرجل حتّى أتعلم منه. قوله: (علما) ، بفتح العين واللّام، أي: علامة. قوله: (أعلم ذلك به) ، أي: أعلم المكان الّذي أطلبه بالعلم. قوله: (فقال لي عمرو) ، القائل هو ابن جريج الرّاوي، أي: قال لي عمرو بن دينار. قوله: (حيث يفارقك الحوت) ، أي: العلم على ذلك المكان الّذي يفارقك فيه الحوت، ووقع ذلك مفسرًا في رواية سفيان عن عمرو، وقال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثمّ. قوله: (قال لي) ، يعني: القائل هو ابن جريج، أي: قال لي يعلى بن مسلم في روايته: خذ نوناً أي حوتاً، ولفظ: نوناً، وقع في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: حوتاً، وفي رواية مسلم: تزود حوتاً مالحاً فإنّه حيث تفقد الحوت. قوله: (حيث ينفخ فيه) ، أي: في النّون (الرّوح) يعني حيث تفقده في المكان الّذي يحيى الحوت. قوله: (فأخذ نوناً) أي: فأخذ موسى حوتاً، ووقع في رواية ابن أبي حاتم أن موسى ويوشع فتاه اصطاداه. قوله: (فقال لفتاه) ، وهو يوشع بن نون. قوله: (ما كلفت كثيرا) بالثاء المثلّثة، وفي رواية الكشميهني بالباء الموحدة. قوله: (ليست عن سعيد، القائل به هو ابن جريج، أراد بذلك أن تسمية الفتى ليست عن رواية سعيد ابن جبير. قوله: (ثريان) ، بفتح الثّاء المثلّثة وسكون الرّاء وتخفيف الياء آخر الحروف على وزن فعلان من الثرى، وهو التّراب الّذي فيه نداوة. قوله: (تضرب) أي: اضطرب، وفي رواية سفيان: واضطرب الحوت في المكتل فسقط في البحر وفي رواية مسلم فاضطرب الحوت في الماء. قوله: (وموسى نائم) جملة حالية. قوله: (حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبره) ، فيه حذف تقديره: حتّى إذا استيقظ سار فنسي. قوله: (في حجر) ، بفتح الحاء المهملة والجيم ويروى بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، وهو أوضح، قوله: (قال لي عمرو) ، القائل هو ابن جريج، أي: قال لي عمرو بن دينار. قوله: (واللتين تليانهما) ، يعني: السبابتين، وهكذا وقع في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: وحلق بين إبهاميه فقط. قوله: (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) ، وقع هنا مختصرا، وفي رواية سفيان: فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لقينا من فرنا هذا نصبا. قوله: قال: قد قطع الله عنك النصب، هذا من قول ابن جريج وليست هذه اللّفظة عن سعيد بن جبير. قوله: (أخبره) ، بفتح الهمزة وسكون الخاء وفتح الباء الموحدة والرّاء وهاء الضّمير، هكذا في رواية من الإخبار، قال بعضهم: أي: أخبر الفتى موسى بالقصة قلت: ما أظن أن هذا المعنى صحيح، والّذي يظهر لي أن المعنى نفي الإخبار عن سعيد بهذه اللّفظة لمن روى عنه، وفي رواية لأبي ذر آخره بهمزة ومعجمة وراء وهاء، وفي أخرى بمد الهمزة وكسر الخاء وفتح الرّاء بعدها هاء الضّمير أي: إلى آخر الكلام. وفي أخرى بفتحات وتاء تأنيث منونة منصوبة، قال لي عثمان بن أبي سليمان: القائل ابن جريج، يقول: قال لي عثمان، وقد مرت ترجمته عن قريب. قوله: (على طنفسة) ، وهي فرش صغير، وقيل: بساط له خمل، وفيها لغات كسر الطّاء والفاء بينهما نون ساكنة، وضم الطّاء والفاء وكسر الطّاء وفتح الفاء. قوله: (على كبد البحر) ، أي: على وسطه، وهذه الرّواية القائلة بأنّه كان في وسط البحر، غريبة. قوله: (هل بأرضي من سلام) ، وفي رواية الكشميهني: (هل بأرض) . قوله: (ما شأنك؟) أي: ما الّذي تطلب ولما جئت؟ قوله: (رشدا) ، قرأ أبو عمرو بفتحتين والباقون كلهم بضم أوله وسكون ثانيه، والجمهور على أنّهما بمعنى. قوله: (معابر) ، جمع معبرة وهي السفن الصغار. قوله: (خضرًا) ، أي: هو خضر. قوله: (قالوا: هذا لسعيد بن جبير، قال: نعم، قيل: القائل بذلك يعلى بن مسلم، والله أعلم. قوله: (ووتدها) بفتح الواو وتشديد التّاء المثنّاة من فوق أي: جعل فيها وتداً، وفي رواية سفيان: قلع لوحاً بالقدوم، والجمع بين الرّوايتين أنه: قلع اللّوح وجعل مكانه وتداً، وروى عبد بن حميد من رواية ابن المبارك عن ابن جريج عن يعلى بن مسلم: جاء بودحين خرقها، والود بفتح الواو وتشديد الدّال لغة في: الوتد قلت: الوتد إنّما كان للإصلاح ودفع نفوذ الماء، وفي رواية أبي العالية: فحرق السّفينة فلم يره أحد إلاّ موسى. ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين ذلك. قوله: (قال مجاهد منكرا) ، وصل ابن المنذر: هذا التّعليق عن عليّ بن المبارك عن زيد بن ثور عن ابن جريج عن مجاهد. قوله: (نسيانا) ، حيث قال: لا تؤاخذوني بما نسيت، وشرطاً حيث قال: إن سألتك عن شيء بعدها، وعمدا حيث قال: لو شئت لاتخذت عليه أجرا، قوله: (لقيا غلاما) في رواية سفيان: فبينما هما يمشيان على ساحل البحر إذا أبصر الخضر غلاما. قوله: (قال يعلى) ، هو يعلى بن مسلم الرّاوي وسعيد هو ابن جبير. قوله: (ثمّ ذبحه بالسكين) ، فإن قلت: قال أولا: فقتله، ثمّ قال: فذبحه، وفي رواية سفيان: فاقتلعه بيده. قلت: لا منافاة بينهما لأنّه لعلّه قطع بعضه بالسكين ثمّ قلع الباقي والقتل يشملهما. قوله: (لم يعمل بالحنث) ، بكسر الحاء المهملة وسكون النّون وبالثاء المثلّثة وهو الإثم والمعصية. قوله: (قرأها) كذا هو في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: وكان ابن عبّاس يقرؤها: زكية، وهي قراءة الجمهور، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: زاكية. قوله: (مسلمة) ، بضم الميم وسكون السّين وكسر اللّام عند الأكثرين، ولبعضهم بفتح السّين وتشديد اللّام المفتوحة. قوله: (فانطلقا) ، أي: موسى وخضر عليهما السّلام. قوله: (يزعمون عن غير سعيد) ، القائل بهذا هو ابن جريج، ومراده أن إسم الملك الّذي كان يأخذ السفن لم يقع في رواية سعيد بن جبير، وعزاه ابن خالويه في كتاب: (ليس) لمجاهد. قوله: (هدد) بضم الهاء وحكى ابن الأثير فتحها والدّال مفتوحة بلا خلاف. قوله: (بدد) ، بفتح الباء الموحدة، وقال الكرماني بضم الباء والدّال مفتوحة، وزعم ابن دريد أن هدد اسم ملك من ملوك حمير زوجه سليمان بن داود عليهما السّلام، بلقيس. قيل: إن ثبت هذا حمل على التّعدّد والاشتراك في الإسم لبعد ما بين مدّة سليمان وموسى عليهما السّلام، وجاء في تفسير مقاتل: أن اسمه منولة بن الجلندي بن سعيد الأزديّ، وقيل: هو الجلندي، وكان بجزيرة الأندلس. قوله: (والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور) ، القائل بذلك هو ابن جريج، وجيسور، بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وضم السّين المهملة، كذا هو في رواية عن أبي ذر، وفي رواية أخرى له عن الكشميهني بفتح الهاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف، وكذا في رواية ابن السكن، وفي رواية القابسيّ بنون بدل الياء آخر الحروف، وعند عبدوس بنون بدل الرّاء، وعن السّهيلي أنه رآه في نسخة بفتح المهملة والموحّدة ونونين الأولى مضمومة بينهما الواو الساكنة، وفي تفسير الضّحّاك: اسمه حشرد، وفي تفسير الكلبيّ: اسم الغلام شمعون. قوله: (يأخذ كل سفينة غصبا) ، وفي رواية النّسائيّ: كل سفينة صالحة، وفي رواية إبراهيم بن بشار عن سفيان، وكان ابن مسعود يقرأ: كل سفينة صحيحة غصبا. قوله: (فأردت إذا هي مرت به أن يدعها) ، أي: أن يتركها لأجل عيبها، وفي رواية النّسائيّ: فأردت أن أعيبها حتّى لا يأخذها. قوله: (فإذا جاوزوا) أي: عدوا عن الملك أصلحوها، وفي رواية النّسائيّ: فإذا جاوزوه رقعوها. قوله: (بقارورة) ، بالقاف وهي: الزّجاج، وقال الكرماني: كيفيّة السد بالقارورة غير معلومة، ثمّ وجهه بوجهين: أحدهما: أن تكون قارورة بقدر الموضع المخروق فتوضع فيه، والآخر: يسحق الزّجاج ويخلط بشيء كالدقيق فيسد به، وقال بعضهم، بعد أن ذكر الوجه الثّاني: فيه بعد. قلت: لا بعد فيه، لأنّه غير متعذر ولا متعسر، والبعد في الّذي قاله هو أن القارورة فاعولة من القار. قوله: (بالقار) ، بالقاف والرّاء وهو الزفت، وهذا أقرب من القول الأول. قوله: (كان أبواه) أي: أبوا الغلام. قوله: (أن يرهقهما) أي: يلحقهما. وقوله: (فخشينا) إلى قوله: (من دينه) من تفسير ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير. انتهى. قوله: (أن يحملهما) ، يجوز أن يكون بدلا من قوله: (أن يرهقهما) ويجوز أن يكون التّقدير: بأن يحملهما. وقوله: (حبه) بالرّفع فاعله. قوله: (خيرا منه) أي: من الغلام المقتول. قوله: (زكاة) نصب على التميز، وإنّما ذكرها للمناسبة بينها وبين قوله: (نفسا زكية) أشار إلى ذلك بقوله: {أقتلت نفسا زكية} (الكهف: 74) ولما وصف موسى نفس الغلام بالزكية وذكر الله تعالى بقوله: {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} (الكهف: 81) وفي التّفسير قوله: (زكاة) أي صلاحاً وإسلاماً ونماء. قوله: (وأقرب رحما) قال الثّعلبيّ: من الرّحم والقرابة، وقيل: هو من الرّحمة، وعن ابن عبّاس: أوصل للرحم وأبر بوالديه، وعن الفراء: أقرب أن يرحماه، وقيل: من الرّحم، بكسر الحاء أشد مبالغة من الرّحمة الّتي هي رقة القلب والتعطف لاستلزام القرابة، الرقة غالبا من غير عكس، وقال الكرماني: وظن بعضهم أنه مشتقّ من الرّحم الّذي هو الرّحمة، وغرضه أنه يعني القرابة لا الرقة، وعند البعض بالعكس. قوله: (هما به أرحم منهما بالأول) ، أي: الأبوان المذكوران به أي: بالّذي يبدل من المقتول أرحم منهما بالأول، وهو المقتول. قوله: (وزعم غير سعيد من قول ابن جريج) ، أي: زعم غير سعيد بن جبير أنّهما أي الأبوين أبدلا جارية بدل المقتول، وروي عن سعيد أيضا: أنّها جارية، على ما جاء وفي رواية النّسائيّ من طريق ابن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس: أبدلهما جارية فولدت نبيا من الأنبياء، وفي رواية الطّبرانيّ: ببنين، وعن السّديّ: ولدت جارية، فولدت نبيا، وهو الّذي كان بعد موسى، فقالوا له: إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، واسم هذا النّبي شمعون، واسم أمه حنة. فإن قلت: روى ابن مردويه من حديث أبي بن كعب أنّها ولدت غلاما. قلت: إسناده ضعيف، وفي تفسير ابن الكلبيّ: ولدت جارية ولدت عدّة أنبياء فهدى الله بهم أمماً، وقيل: عدّة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيا. قوله: (وأما داود بن أبي عاصم) إلى آخره من قول ابن جريج أيضا، وداود بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود الثّقفيّ ثقة من صغار التّابعين، وله أخ يسمى: يعقوب، هو أيضا ثقة من التّابعين). [عمدة القاري: 19/43-47] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أنّ ابن جريجٍ، أخبرهم قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، وعمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيدٍ قال: إنّا لعند ابن عبّاسٍ في بيته إذ قال: سلوني؟ قلت: أي أبا عبّاسٍ -جعلنى اللّه فداك- بالكوفة رجلٌ قاصٌّ يقال له نوقٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل أمّا عمرٌو فقال لي قال: قد كذب عدوّ اللّه وأمّا يعلى فقال لي قال ابن عبّاسٍ: حدّثني أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- «موسى رسول اللّه - عليه السّلام - قال: ذكّر النّاس يومًا حتّى إذا فاضت العيون ورقّت القلوب ولّى فأدركه رجلٌ فقال: أي رسول اللّه هل في الأرض أحدٌ أعلم منك؟ قال: لا، فعتب عليه إذ لم يردّ العلم إلى اللّه قيل: بلى، قال: أي ربّ فأين؟ قال بمجمع البحرين، قال: أي ربّ اجعل لي علمًا أعلم ذلك به -فقال لي عمرٌو:- فقال لي عمروٌ: حيث يفارقك الحوت -وقال لي يعلى: قال: «خذ نونًا ميّتًا حيث ينفخ فيه الرّوح فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ فقال: لفتاه لا أكلّفك إلاّ أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت قال: ما كلّفت كثيرًا؟ فذلك قوله جلّ ذكره {وإذ قال موسى} لفتاه يوشع بن نونٍ" ليست عن سعيدٍ قال: "فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ فقال فتاه: لا أوقظه حتّى إذا استيقظ فنسى أن يخبره وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر فأمسك اللّه عنه جرية البحر حتّى كأنّ أثره في حجرٍ- قال لي عمرٌو هكذا كأنّ أثره في حجرٍ وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما "لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، قال: قد قطع اللّه عنك النّصب" -ليست هذه عن سعيدٍ أخبره- "فرجعا فوجدا خضرًا" قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر -قال سعيد بن جبيرٍ- "مسجًّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضي من سلامٍ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم. قال: فما شأنك؟ قال جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قال: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك يا موسى إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر وقال: واللّه ما علمي وما علمك في جنب علم اللّه إلاّ كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغارًا تحمل أهل هذا السّاحل إلى أهل هذا السّاحل الآخر عرفوه فقالوا: عبد اللّه الصّالح قال: قلنا لسعيدٍ خضرٌ قال: نعم لا نحمله بأجرٍ فخرقها ووتد فيها وتدًا قال موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا} "قال مجاهدٌ: منكرًا، " {قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا} كانت الأولى نسيانًا والوسطى شرطًا والثّالثة عمدًا، " {قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} {لقيا غلامًا فقتله} قال يعلى قال سعيدٌ: "وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين قال: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ} [الكهف: 74] لم تعمل بالحنث؟ وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً. زاكيةً - مسلمةً " {فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقضّ فأقامه} " [الكهف: 77] قال سعيدٌ بيده هكذا ورفع يده فاستقام قال يعلى: حسبت أنّ سعيدًا قال "فمسحه بيده فاستقام {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] قال سعيدٌ أجرًا نأكله {وكان وراءهم} وكان أمامهم قرأها ابن عبّاسٍ أمامهم ملكٌ يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بددٍ والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ {ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا فأردت} [الكهف: 79] إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول: سدّوها بقارورةٍ ومنهم من يقول: بالقار كان أبواه مؤمنين وكان كافرًا فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا لقوله: {أقتلت نفسًا زكيّةً} [الكهف: 74] وأقرب رحمًا هما به أرحم منهما بالأوّل الّذي قتل خضرٌ وزعم غير سعيدٍ أنّهما أبدلا جاريةً وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحدٍ إنّها جاريةٌ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الصغير الرازي قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) اليماني قاضيها (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى بن مسلم) بن هرمز المكي البصري الأصل (وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه) قال الحافظ ابن حجر: فتستفاد زيادة أحدهما على الآخر من الإسناد الذي قبله فإن الأوّل من رواية سفيان عن عمرو بن دينار فقط وهو أحد شيخي ابن جريج فيه (وغيرهما) هو من كلام ابن جريج أي وغير يعلى وعمرو (قد سمعته) حال كونه (يحدثه) أي يحدث الحديث المذكور (عن سعيد) وكان الأصل أن يقول يحدث به لكنه عداه بغير الباء، ولأبي ذر عن الكشميهني يحدث بحذف الضمير المنصوب، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه في قوله وغيرهما كعثمان بن أبي سليمان، وروى شيئًا من هذه القصة عن سعيد بن جبير من مشايخ ابن جريج عبد الله بن عثمان بن خثيم وعبد الله بن هرمز وعبد الله بن عبيد بن عمير، وممن روى هذا الحديث عن سعيد بن جبير أبو إسحاق السبيعي وروايته عند مسلم وأبي داود وغيرهما والحكم بن عتيبة وروايته في السيرة الكبرى لابن إسحاق كما نبه على ذلك في الفتح وفي رواية أبي ذر عن سعيد بن جبير أنه (قال: إنا لعند ابن عباس) حال كونه (في بيته) واللام في لعند للتأكيد (إذ قال: سلوني) قال سعيد بن جبير (قلت أي أبا عباس) يعني يا أبا عباس وهي كنية عبد الله بن عباس (جعلني الله فداك بالكوفة رجل قاص) بتشديد الصاد المهملة يقص على الناس الأخبار من المواعظ وغيرها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن بالكوفة رجلًا قاصًّا (يقال له نوف) بفتح النون وسكون الواو آخره فاء منونًا منصرفًا في الفصحى بطن من العرب وعلى تقدير أن يكون أعجميًّا فمنصرف نوح لسكون وسطه واسمه فضالة وهو ابن امرأة كعب الأحبار (يزعم أنه) أي موسى صاحب الخضر (ليس بموسى بن إسرائيل) المرسل إليهم والباء زائدة للتوكيد وأضيف إلى بني إسرائيل مع العلمية لأنه نكر بأن أول بواحد من الأمة المسماة به ثم أضيف إليه قال ابن جريج (أما عمرو) يعني ابن دينار (فقال لي) في تحديثه لي عن سعيد (قال) أي ابن عباس (قد كذب عدوّ الله) يعني نوفًا وسقط لأبي ذر قال قد (وأما يعلى) بن مسلم (فقال لي) في تحديثه لي عن سعيد (قال ابن عباس حدثني) بالإفراد (أبي بن كعب قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-): هو (موسى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) وفي الفرع أصله عليه السلام (قال ذكر الناس يومًا) بتشديد الكاف من التذكير أي وعظهم (حتى إذا فاضت العيون) بالدموع (ورقت القلوب) لتأثير وعظه في قلوبهم (ولى) تخفيفًا لئلا يملوا وهذا ليس في رواية سفيان فظهر أنه من رواية يعلى بن مسلم عن عمرو وقال العوفي عن ابن عباس فيما ذكره ابن كثير لما ظهر موسى وقومه على مصر أمره الله أن يذكرهم بأيام الله فخطبهم فذكرهم إذ أنجاهم الله من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوّهم وقال كلم الله موسى نبيكم تكليمًا واصطفاه لنفسه وأنزل عليه محبة منه وآتاكم من كل ما سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض (فأدركه رجل) لم يسم (فقال) موسى (أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا).
فإن قلت: هل بين هذا وبين قوله في رواية سفيان السابقة هنا فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فرق؟ أجيب بأن بينهما فرقًا لأن رواية سفيان تقتضي الجزم بالأعلمية له وهذه تنفي الأعلمية عن غيره عليه فيبقى احتمال المساواة قاله في الفتح.
(فعتب) بفتح العين (عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله) في الرواية السابقة وغيرها فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه على التقديم والتأخير (قيل بلى) زاد في رواية الحر بن قيس عبدنا خضر ولمسلم من رواية أبي إسحاق أن في الأرض رجلًا هو أعلم منك (قال) موسى (أي رب فأين) أي فأين أجده أو فأين هو وللنسائي فادللني على هذا الرجل حتى أتعلم منه ولأبي ذر وأين (قال بمجمع البحرين) بحري فارس والروم أو بحري الشرق والمغرب المحيطين بالأرض أو العذب والملح (قال) موسى (أي رب اجعل لي علمًا أعلم ذلك) المطلوب (منه) وفي نسخة به قال ابن جريج (فقال) ولأبي ذر قال (لي عمرو) هو ابن دينار (قال): العلم على ذلك المكان (حيث يفارقك الحوت) فإنك تلقاه (وقال لي يعلى) بن مسلم (قال: خذ نونًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي خذ حوتًا (ميتًا) ولمسلم في رواية أبي إسحاق فقيل له تزود حوتًا مالحًا فإنه حيث يفقد الحوت (حيث ينفخ فيه) أي في الحوت (الروح) بيان لقوله حيث يفارقك الحوت (فأخذ) موسى (حوتًا) ميتًا مملوحًا وقيل شق حوت مملح ولابن أبي حاتم أن موسى وفتاه اصطاداه (فجعله في مكتل فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت قال) فتاه (ما كلفت) أي ما كلفتني (كثيرًا) بالمثلثة ولأبي ذر عن الكشميهني كبيرًا بالموحدة (فذلك قوله جل ذكره {وإذ قال موسى لفتاه} يوشع بن نون) بالصرف قال ابن جريج (ليست) تسمية الفتى (عن سعيد) هو ابن جبير (قال فبينما) بالميم (هو) أي موسى وفتاه تبع له (في ظل صخرة) حال كونه (في مكان ثريان) بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة فتحتية مفتوحة وبعد الألف نون صفة لمكان مجرور بالفتحة لا ينصرف لأنه من باب فعلان فعلى أو منصوب حالًا من الضمير المستتر في الجار والمجرور ويجوز ثريانًا بالنصب حالًا كما مر وبالتنوين منصرفًا على لغة بني أسد لأنهم يصرفون كل صفة على فعلان ويؤنثونه بالتاء ويستغنون فيه بفعلاته عن فعلى فيقولون سكرانة وغضبانة فلم تكن الزيادة عندهم في فعلان شبيهة بألفي حمراء فلم تمنع من الصرف وفي بعض الأصول ثريان بالجر صفة لمكان وبالتنوين ما مر وهو من الثرى قال: في النهاية يقال مكان ثريان وأرض ثريى إذا كان في ترابهما بلل وندى (إذ تضرب الحوت) بضاد معجمة وراء مشددة تفعل أي اضطرب وتحرك إذ حيي في المكتل (و) الحال إن (موسى نائم) عند الصخرة (فقال فتاه) يوشع (لا أوقظه حتى إذا استيقظ) سار (فنسي) بالفاء ولغير أبي ذر نسي بحذفها (أن يخبره) بحياة الحوت (وتضرب الحوت) أي اضطرب سائرًا من المكتل (حتى دخل البحر) وفي نسخة في البحر (فأمسك الله عنه) عن الحوت (جرية البحر حتى كأن أثره) نصب بكأن (في حجر) بفتح الحاء والجيم خبرها.
قال ابن جريج: (قال لي عمرو) هو ابن دينار (هكذا كأن أثره في حجر) بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء المفتوحة على كشط في الفرع مصححًا عليها وفي اليونينية وغيرها بتقديم المهملة وفتحهما وفي نسخة بالفرع وأصله حجر بجيم مضمومة فمهملة ساكنة قال ابن حجر وهي أوضح (وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما) يعني الوسطى والتي بعدها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والتي ولأبي ذر أيضًا أخرة تليانهما بفتح الهمزة والخاء المعجمة والراء يعني الوسطي (لقد لقينا) فيه حذف اختصره وقع مبينًا في رواية سفيان فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا (من سفرنا هذا نصبًا) تعبًا ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به (قال) فتى موسى له: (فد قطع الله عنك النصب).
قال ابن جريج: (ليست هذه عن سعيد) هو ابن جبير (أخبره) بسكون المعجمة وموحدة مفتوحة من الإخبار أي أخبر يوشع موسى بقصة تضرب الحوت وفقده الذي هو علامة على وجود الخضر (فرجعا) في الطريق الذي جاءا فيه يقصان آثارهما قصصًا حتى انتهيا إلى الصخرة التي حيي الحوت عندها (فوجدا خضرًا) نائمًا في جزيرة من جزائر البحر.
قال ابن جريج: (قال لي عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم وهو ممن أخذ هذا الحديث عن سعيد بن جبير (على طنفسة خضراء) بكسر الطاء المهملة والفاء بينهما نون ساكنة ولأبي ذر طنفسة بفتح الفاء ويجوز ضم الطاء والفاء وكلها لغات أي فرش صغير أو بساط له خمل (على كبد البحر) أي وسطه وعند عبد بن حميد من طريق ابن المبارك عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان قال: رأى موسى الخضر على طنفسة خضراء على وجه الماء وعند ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس أنه وجده في جزيرة في البحر (قال) ولأبي ذر فقال: (سعيد بن جبير) بالإسناد السابق (مسجى) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منونة أي مغطى كله (بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه) الآخر (تحت رأسه) وعند ابن أبي حاتم عن السدي فرأى الخضر وعليه جبة من صوف وكساء من صوف ومعه عصا قد ألقى عليها طعامه (فسلم عليه موسى فكشف) الثوب (عن وجهه) زاد مسلم في رواية أبي إسحاق وقال وعليكم السلام (وقال: هل بأرضي من سلام) لأنهم كانوا كفارًا أو كانت تحيتهم غير السلام ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني هل بأرض بالتنوين ثم قال الخضر لموسى (من أنت؟ قال: أنا موسى قال) له: (أموسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: فما شأنك)؟ أي ما الذي تطلب (قال: جئت) إليك (لتعلمني مما علمت رشدًا) أي علمًا ذا رشد (قال) الخضر يا موسى (أما يكفيك أن التوراة بيديك) بالتثنية (وأن الوحي يأتيك) من الله على لسان جبريل وهذه الزيادة ليست في رواية سفيان فالظاهر أنها من رواية يعلى بن مسلم (يا موسى إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه) أي كله (وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه) أي كله وتقدير هذا ونحوه متعين كما قال في الفتح لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى للمكلف عنه وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي. وقال البرماوي كالكرماني: وإنما قال لا ينبغي لي أن أعلمه لأنه إن كان نبيًا فلا يجب عليه تعلم شريعة نبي آخر وإن كان وليًا فلعله مأمور بمتابعة نبي غيره وقوله يا موسى ثابت لأبي ذر عن الحموي ساقط لغيره (فأخذ طائر) عصفور (بمنقاره من البحر) ماء (وقال) بالواو ولأبي ذر فقال أي الخضر: (والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر).
وفي الرواية السابقة ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ولفظ النقص ليس على ظاهره، وإنما معناه أن علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله تعالى كنسبة ما أخذه العصفور بمنقاره إلى ماء البحر وهذا على التقريب إلى الإفهام وإلاّ فنسبة علمهما إلى علم الله أقل.
وروى النسائي من وجه آخر عن ابن عباس أن الخضر قال لموسى أتدري ما يقول هذا الطائر؟ قال: لا. قال: يقول ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا مثل ما نقص منقاري من جميع هذا البحر وظاهر هذه الرواية كما في الفتح أن الطائر نقر في البحر عقب قول الخضر لموسى يا موسى إن لي علمًا. وفي رواية سفيان أن ذلك وقع بعد ما خرق السفينة فيجمع بأن قوله فأخذ طائر بمنقاره معقب بمحذوف وهو ركوبهما السفينة لتصريح سفيان بذكر السفينة.
(حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر) بفتح الميم والعين المهملة وبعد الألف موحدة مكسورة فراء غير منصرف أي سفنًا (صغارًا) قال في الفتح وجدا معابر تفسير لقوله ركبا في السفينة لا جواب إذا لأن وجودهما المعابر كان قبل ركوبهما السفينة وقال ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس فيما ذكره ابن كثير في تفسيره فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها (تحمل أهل هذا الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر عرفوه) أي أهل السفينة عرفوا الخضر (فقالوا) هو (عبد الله الصالح قال): يحتمل أن يكون القائل يعلى بن مسلم (قلنا لسعيد) هو ابن جبير (خضر) أي هو خضر (قال: نعم) هو خضر (لا نحمله بأجر) أي بأجرة (فخرقها) بأن قلع لوحًا من ألواحها بالقدوم (ووتد فيها وتدًا) بتخفيف الفوقية الأولى مفتوحة وكسر الثانية مخففة ولأبي ذر وتد فيها بإسقاط الواو الأولى أي جعل فيها وتدًا مكان اللوح الذي قلعه (قال موسى) له: (أخرقتها لتغرق أهلها) اللام للعاقبة (لقد جئت شيئًا إمرًا).
(قال مجاهد) فيما رواه ابن جريج عنه في قوله إمرًا (منكرًا) ووصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه مثله قيل ولم يسمع ابن جريج من مجاهد (قال) الخضر: ({ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا}) أي لما ترى مني من الأفعال المخالفة لشريعتك لأني على علم من علم الله ما علمكه الله وأنت على علم من علم الله ما علمنيه الله فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه قاله ابن كثير (كانت الأولى) في رواية سفيان قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكانت بإثبات الواو (نسيانا) أي من موسى حيث قال لا تؤاخذني بما نسيت (والوسطى) حيث قال إن سألتك عن شيء بعدها (شرطًا، والثالثة) حيث قال لو شئت لاتخذت عليه أجرًا (عمدًا قال) موسى (لا تؤاخذني بما نسيت) أي تركت من وصيتك (ولا ترهقني من أمري عسرًا) أي لا تشدد علي ({لقيا غلامًا) في رواية سفيان السابقة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا ({فقتله}) الفاء للدلالة على أنه لما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال فالقتل تعقب اللقاء.
(قال يعلى) بن مسلم بالإسناد السابق (قال سعيد) هو ابن جبير (وجد) أي الخضر (غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا) منهم (كافرًا ظريفًا) بالظاء المعجمة (فأضجعه ثم ذبحه بالسكين) بكسر المهملة (قال) موسى منكرًا عليه أشد من الأولى (أقتلت نفسًا زكية) بحذف الألف والتشديد وهي قراءة ابن عامر والكوفيين (بغير نفس لم تعمل بالحنث) بالحاء المهملة المكسورة والنون الساكنة لأنها لم تبلغ الحلم وهو تفسير لقوله زكية أي أقتلت نفسًا زكية لم تعمل الحنث بغير نفس ولأبي ذر لم تعمل الخبث بخاء معجمة وموحدة مفتوحتين.
(وكان ابن عباس) ولأبي ذر وابن عباس (قرأها زكية) بالتشديد (زاكية) بالتخفيف والمشددة أبلغ لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة كما مر (زاكية) أي (مسلمة) بضم الميم وكسر اللام (كقولك غلامًا زكيًّا) بالتشديد وهذا تفسير من الراوي وأطلق ذلك موسى على حسب ظاهر حال الغلام لكن قال البرماوي وفي بعضها مسلمة بفتح المهملة واللام المشددة قال السفاقسي وهو أشبه لأنه كان كافرًا (فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقض) أن يسقط والإرادة هنا على سبيل المجاز (فأقامه) الخضر (قال سعيد) من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار عنه (بيده) بالإفراد أي أقامه الخضر بيده (هكذا ورفع يده فاستقام. قال يعلى) بن مسلم (حسبت أن سعيدًا) يعني ابن جبير (قال فمسحه بيده) بالإفراد أيضًا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بيديه بالتثنية (فاستقام)، وقيل دعمه بدعامة تمنعه من السقوط أو هدمه وبل طينًا وأخذ في بنائه إلى أن كمل وعاد كما كان وكلها حكايات حال لا تثبت إلا بنقل صحيح والذي دل عليه القرآن الإقامة لا الكيفية وأحسن هذه الأقوال أنه مسحه أو دفعه بيده فاعتدل لأن ذلك أليق بحال الأنبياء وكرامات الأولياء إلا أن يصح عن الشارع أنه هدمه وبناه فيصار إليه (لو شئت) أي قال موسى للخضر: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا كما في رواية سفيان لو شئت (لاتخذت) بتشديد التاء بعد وصل الهمزة (عليه) أي على تسوية الجدار (أجرًا قال سعيد أجرًا نأكله) أي جعلا نأكل به وإنما قال موسى: ذلك لأنه كان حصل له جهد كبير من فقد الطعام وخشى أن يختلط قوام البنية البشرية (وكان وراءهم) أي (وكان) ولأبي ذر وكان وراءهم ملك وكان (أمامهم قرأها ابن عباس أمامهم ملك) وهي قراءة شاذة مخالفة للمصحف لكنها مفسرة كقوله من ورائه جهنم وقول لبيد:
أليس ورائي إن تراخت منيتي = لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
قال أبو عليّ: إنما جاز استعمال وراء بمعنى أمام على الاتساع لأنها جهة مقابلة لجهة وكانت كل واحدة من الجهتين وراء الأخرى إذا لم يرد معنى المواجهة والآية دالة على أن معنى وراء أمام لأنه لو كان بمعنى خلف كانوا قد جاوزوه فلا يأخذ سفينتهم قال ابن جريج: (يزعمون عن غير سعيد) يعني ابن جبير (أنه) أي الملك الذي كان يأخذ السفن غصبًا اسمه (هدد بن بدد) بضم الهاء وفتح الدال الأولى وبدد بضم الموحدة وفتح الدال الأولى أيضًا مصروف ولأبي ذر بدد غير مصروف. وحكى ابن الأثير فتح هاء هدد وباء بدد قال الحافظ ابن كثير: وهو مذكور في التوراة في ذرية العيص بن إسحاق وهو من الملوك المنصوص عليهم في التوراة (الغلام) بغير واو وفي اليونينية والغلام (المقتول اسمه يزعمون جيسور) بجيم مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة وبعد الواو الساكنة راء، ولأبي ذر عن الكشميهني حيسور بالحاء بدل الجيم وعند القابسي حنسور بنون بدل التحتية وعند عبدوس حيسون بنون بدل الراء ({ملك يأخذ كل سفينة غصبًا}) وفي قراءة أبي كل سفينة صالحة غصبًا رواه النسائي وكان ابن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصبًا (فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا) أي جاوزوا الملك (أصلحوها فانتفعوا بها) وبقيت لهم (ومنهم من يقول سدوها بقارورة ومنهم من يقول بالقار) وهو الزفت واستشكل التعبير بالقارورة إذ هي من الزجاج وكيف يمكن السد به فقيل يحتمل أن توضع قارورة بقدر الموضع المخروق فيه أو يسحق الزجاج ويخلط بشيء كالدقيق فيسد به وهذا قاله الكرماني. قال في الفتح: ولا يخفى بعده قال: وقد وجهت بأنها فاعولة من القار (كان أبواه) يعني الغلام المقتول (مؤمنين) بالتثنية للتغليب يريد أباه وأمه فغلب المذكر كالقمرين (وكان) هو (كافرًا) طبع على الكفر وهذا موافق لمصحف أبيّ وقوّة الكلام تشعر به لأنه لو لم يكن الولد كافرًا لم يكن لقوله وكان أبواه مؤمنين فائدة إذ لا مدخل لذلك في القصة لولا هذه الفائدة والمطبوع على الكفر الذي لا يرجى إيمانه كان قتله في تلك الشريعة واجبًا لأن أخذ الجزية لم يشرع إلا في شريعتنا وكان أبواه قد عطفا عليه.
(فخشينا أن يرهقهما) أي أن يغشاهما وعظم نفسه لأنه اختص من عند الله بموهبة لا يختص بها إلا من هو من خواص الحضرة وقال بعضهم لما ذكر العيب أضافه إلى نفسه وأضاف الرحمة في
قوله أراد ربك إلى الله تعالى وعند القتل عظم نفسه تنبيهًا على أنه من العظماء في علوم الحكمة، ويجوز أن يكون فخشينا حكاية لقول الله تعالى، والمعنى أن الله تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سره وقال له اقتل الغلام لأنا نكره كراهية من خاف سوء العاقبة أن يغشى الغلام الوالدين المؤمنين (طغيانًا وكفرًا) قال ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير معناه (أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه) فإن حب الشيء يعمي ويصم، وقال أبو عبيدة في قوله يرهقهما أي يغشاهما.
وقال قتادة فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل ولو بقي كان فيه هلاكهما فليرض المرء بقضاء الله فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب وصح في الحديث "لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له" (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرًا منه) أي أن يرزقهما بدله ولذا خيرًا منه (زكاة) طهارة من الذنوب والأخلاق الرديئة (وأقرب رحمًا) وذكر هذا مناسبة (لقوله: {أقتلت نفسًا زكية}) بالتشديد (وأقرب رحمًا) أي (هما) أي الأبوان (به) أي بالولد الذي سيرزقانه (أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر). وقيل رحمة وعطفًا على والديه، وسقط لأبي ذر وأقرب رحمًا واقتصر على واحدة منهما. قال ابن جريج (وزعم غير سعيد) أي ابن جبير (أنهما أبدلا جارية) مكان المقتول فولدت نبيًّا من الأنبياء رواه النسائي ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال: ولدت جارية فولدت نبيًّا وهو الذي كان بعد موسى فقالوا له ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله واسم هذا النبي شمعون واسم أمه حنة. وفي تفسير ابن الكلبي فولدت جارية ولدت عدة أنبياء فهدى الله بهم أممًا وقيل عدة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيًّا وعند ابن مردويه من حديث أبيّ بن كعب أنها ولدت غلامًا لكن إسناده ضعيف كما قاله في الفتح قال ابن جريج.
(وأما داود بن أبي عاصم) أي ابن عروة الثقفي التابعي الصغير (فقال: عن غير واحد أنها جارية) وهذا هو المشهور وروي مثله عن يعقوب أخي داود مما رواه الطبري، وقال ابن جريج لما قتله الخضر كانت أمه حاملًا بغلام مسلم ذكره ابن كثير وغيره ويستنبط من الحديث فوائد لا تخفى على متأمل فلا نطيل بها). [إرشاد الساري: 7/221-226] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا}.
يقول: أمّا فعلي ما فعلت بالسّفينة، فلأنّها كانت لقومٍ مساكين {يعملون في البحر فأردت أن أعيبها} بالخرق الّذي خرقتها، كما؛
- حدّثني ابن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {فأردت أن أعيبها} قال: أخرقها.
- حدّثنا الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، مثله.
وقوله: {وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} وكان أمامهم وقدّامهم ملكٌ. كما؛
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {وكان وراءهم ملكٌ} قال قتادة: أمامهم، ألا ترى أنّه يقول: {من ورائهم جهنّم} وهي بين أيديهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان في بعض القراءة: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صحيحةٍ غصبًا.
- وقد ذكر عن ابن عيينة، عن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاس أنّه قرأ ذلك: " وكان أمامهم ملكٌ ".
قال أبو جعفرٍ: وقد جعل بعض أهل المعرفة بكلام العرب وراء من حروف الأضداد، وزعم أنّه يكون لما هو أمامه ولما خلفه، واستشهد لصحّة ذلك بقول الشّاعر:
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميمٌ والفلاة ورائيا
بمعنى أمامي، وقد أغفل وجه الصّواب في ذلك. وإنّما قيل لما بين يديك: هو ورائي، لأنّك من ورائه، فأنت ملاقيه كما هو ملاقيك، فصار: إذ كان ملاقيك، كأنّه من ورائك وأنت أمامه.
وكان بعض أهل العربيّة من أهل الكوفة لا يجيز أن يقال لرجلٍ بين يديك: هو ورائي، ولا إذا كان وراءك أن يقال: هو أمامي، ويقول: إنّما يجوز ذلك في المواقيت من الأيّام والأزمنة كقول القائل: وراءك بردٌ شديدٌ، وبين يديك حرٌّ شديدٌ، لأنّك أنت وراءه، فجاز لأنّه شيءٌ يأتي، فكأنّه إذا لحقك صار من ورائك، وكأنّك إذا بلغته صار بين يديك. قال: فلذلك جاز الوجهان.
وقوله: {يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} فيقول القائل: فما أغنى خرق هذا العالم السّفينة الّتي ركبها عن أهلها، إذ الذي كان من أجله خرقها يأخذ السّفن كلّها، معيبها وغير معيبها، وما كان وجه اعتلاله في خرقها بأنّه خرقها، لأنّ وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا؟
قيل: إنّ معنى ذلك، أنّه يأخذ كلّ سفينةٍ صحيحةٍ غصبًا، ويدع منها كلّ معيبةٍ، لا أنّه كان يأخذ صحاحها وغير صحاحها. فإن قال: وما الدّليل على أنّ ذلك كذلك؟ قيل: قوله: {فأردت أن أعيبها} فأبان بذلك أنّه إنّما عابها، لأنّ المعيبة منها لا يعرض لها، فاكتفى بذلك من أن يقال: وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صحيحةٍ غصبًا، على أنّ ذلك في بعض القراءات كذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: هي في حرف ابن مسعودٍ: " وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني الحسن بن دينارٍ، عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: في قراءة أبي: " وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا ". وإنّما عبتها لأردّه عنها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، {وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} فإذا خلّفوه أصلحوها بزفتٍ فاستمتعوا بها.
- قال ابن جريجٍ: أخبرني وهب بن سليمان، عن شعيبٍ الجبائيّ، أنّ اسم الرّجل الّذي كان يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا: هدد بن بددٍ). [جامع البيان: 15/353-356]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فأردت أن أعيبها قال أخرقها). [تفسير مجاهد: 379]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) سعيد بن جبير -رحمه الله -: قال: قلت لابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما: إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى - صاحب بني إسرائيل - ليس هو صاحب الخضر.
فقال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قام موسى -عليه السلام -خطيباً في بني إسرائيل»، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، قال: فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنّ عبداً من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى، أي ربّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مكتلٍ، فحيث تفقد الحوت، فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نونٍ، فحمل موسى حوتاً في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان، حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى وفتاه، فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر، قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطّاق فكان للحوت سرباً وكان لموسى وفتاه عجباً، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} [الكهف: 62] قال: ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجباً} قال موسى: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصاً} [الكهف: 63، 64] قال: يقصّان آثارهما، حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجّى عليه بثوب، فسلّم عليه موسى، فقال له الخضر: أنّى بأرضك السلام ؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، قال له موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمني مما علّمت رشداً. قال إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً. قال ستجدني إن شاء اللّه صابراً ولا أعصي لك أمراً} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً} [الكهف: 66 - 70] قال: نعم، فانطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ، فكلّموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر، فحملوهما بغير نولٍ، فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السفينة، فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ، عمدت إلى سفينتهم، فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً. قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً. قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً} [الكهف: 71، 73]، ثمّ خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل، إذا غلامٌ يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله، فقال موسى: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً. قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً} [الكهف: 74، 75] قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لّدنّي عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ} يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا {فأقامه قال} له موسى: قومٌ أتيناهم، فلم يضيفونا، ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجراً. قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً} [الكهف: 76 - 78] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر، حتى كان يقصّ علينا من أخبارهما» قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانت الأولى من موسى نسياناً» قال: وجاء عصفورٌ حتى وقع على حرف السّفينة، ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله، إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر.
زاد في رواية: «وعلم الخلائق» ثم ذكر نحوه.
قال سعيد بن جبير: وكان يقرأ «وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصباً» وكان يقرأ «وأما الغلام فكان كافراً».
وفي رواية قال: «بينما موسى- عليه السلام - في قومه يذكّرهم بأيّام الله، وأيّام الله: نعماؤه وبلاؤه، إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلاً خيراً أو أعلم منّي» قال:... وذكر الحديث.
وفيه «حوتاً مالحاً».
وفيه: «مسجّى ثوباً، مستلقياً على القفا، أو على حلاوة القفا».
وفيه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنّه عجّل لرأى العجب، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامةٌ، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً} ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه، ثم قال: {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ} لئامٍ، فطافا في المجلس، فاستطعما أهلها {فأبوا أن يضيّفوهما} إلى قوله: {هذا فراق بيني وبينك} قال: وأخذ بثوبه، ثم تلا إلى قوله: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} إلى آخر الآية [الكهف: 79]، فإذا جاء الذي يسخّرها وجدها منخرقةً، فتجاوزها، فأصلحوها بخشبةٍ وأما الغلام فطبع يوم طبع كافراً، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك {أرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً} ».
وفي رواية قال: «وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها: الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرّك، وانسلّ من المكتل». وذكر نحوه.
وفي رواية: «أنه قيل له: خذ حوتاً، حتى تنفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً، فجعله في مكتل، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، فقال: ما كلّفت كبيراً»... وذكر الحديث.
وفيه «فوجدا خضراً على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر، وأن الخضر قال لموسى: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك، يا موسى، إنّ لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه ».
وفيه في صفة قتل الغلام «فأضجعه فذبحه بالسّكين».
وفيه «كان أبواه مؤمنين، وكان كافراً {فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً} يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً - لقوله: {قتلت نفساً زكية} - وأقرب رحماً} أرحم بهما من الأول الذي قتل الخضر».
وفي رواية «أنهما أبدلا جارية».
وفي رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ ابن عباسٍ تمارى هو والحرّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريّ في صاحب موسى عليه السلام، فقال ابن عباس: هو الخضر، فمرّ بهما أبيّ بن كعبٍ، فدعاه ابن عباسٍ فقال: يا أبا الطّفيل، هلمّ إلينا فإنّي قد تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيّه، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ فقال أبيٌّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا موسى في ملأٍ من بني إسرائيل، إذ جاءه رجلٌ، فقال له: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى، عبدنا الخضر، فسأل موسى السبيل إلى لقيّه، فجعل الله له الحوت آية... وذكر الحديث إلى قوله: {فارتدّا على آثارهما قصصاً} فوجدا خضراً، فكان من شأنهما ما قصّ الله في كتابه». هذه روايات البخاري، ومسلم.
ولمسلم رواية أخرى بطولها، وفيها فانطلقا، حتى إذا لقيا غلماناً يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي، فقتله، قال: فذعر عندها موسى ذعرة منكرة، قال: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند هذا المكان: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجّل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامةٌ».
وعند البخاري فيه ألفاظ غير مسندة، منها: «يزعمون أن الملك كان اسمه: هدد بن بدد، وأنّ الغلام المقتول: كان اسمه فيما يزعمون: حيسور».
وفي رواية في قوله قال: {ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً} قال: «كانت الأولى نسياناً، والوسطى: شرطاً، والثالثة عمداً».
وأخرجه الترمذي مثل الرواية الأولى بطولها.
(وفيها قال سفيان: «يزعم ناسٌ أنّ تلك الصخرة عندها عين الحياة، لا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش. قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش»... وذكر الحديث إلى آخره).
وفي رواية لمسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {لتخذت عليه أجراً}.
وعنده قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
وفي رواية الترمذي أيضاً: قال «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً... لم يزد».
وأخرج أبو داود من الحديث طرفين مختصرين عن أبيّ بن كعبٍ:
الأول، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
والثاني: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الصبيان، فتناول رأسه فقلعه، فقال موسى: {أقتلت نفساً زكيّةً... } الآية».
وحيث اقتصر أبو داود على هذين الطرفين من الحديث بطوله لم أعلم علامته.
[شرح الغريب]
(مكتل) المكتل: شبه الزنبيل، يسع خمسة عشر صاعاً.
(سرباً) السرب: المسلك.
(نصباً) النصب، التعب.
(أوينا) أي: يأوي إلى المنزل: إذا انضم إليه ورجع.
(فارتدا) افتعلا من الارتداد: وهو الرجوع.
(قصصاً) القصص: تتبع الأثر شيئاً بعد شيء، والمعنى: رجعا من حيث جاءا، يقصان الأثر.
(مسجى) المسجى: المغطى.
(رشداً) الرّشد والرّشد: الهدى.
(نول) النّول: العطية والجعل. تقول: نلت الرجل أنوله نولاً: إذا أعطيته، ونلت الشيء أناله نيلاً: وصلت إليه.
(إمراً) الإمر: الأمر العظيم المنكر.
(حلاوة القفا) قال الجوهري: حلاوة القفا بالضم: وسطه، وكذلك حلاوى القفا: فإن مددت، فقلت: حلاواء القفا: فتحت.
(ذمامة) الذمامة بالذال المعجمة: الحياء والإشفاق من الذم، وبالدال غير المعجمة: قبح الوجه، والمراد الأول.
(أرهقهما طغياناً) يقال: رهقه - بالكسر، يرهقه رهقاً، أي: غشيه وأرهقه طغياناً وكفراً، أي أغشاه أياه، ويقال: أرهقني فلان إثماً حتى رهقته، أي: حملني إثماً حتى حملته له، والطغيان: الزيادة في المعاصي.
(طنفسه) الطنفسة: واحدة الطنافس: وهي البسط التي لها خمل رقيق.
(كبد البحر) كبد كل شيء: وسطه. وكأنه أراد به ها هنا: جانبه.
(تمارى) المماراة: المجادلة والمخاصمة). [جامع الأصول: 2/220-230] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا (70) فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا (72) قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا (74) قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا (76) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق آخر عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عباس جعلني الله فداءك بالكوفة رجل قاص يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل، قال: كذب عدو الله حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى، قيل: بلى، قال: أي رب فأين قال: بمجمع البحرين، قال: أي رب اجعل لي علما أعلم به ذلك، قال: خذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ حوتا فجعله في مكتل فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت كثيرا، قال: فبينا هو في ظل صخرة في مكان سريان أن تضرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه: لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره.
وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر، قال موسى {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: قد قطع الله عنك النصب فرجعا فوجدا خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى ثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلم عليه موسى فكسف عن وجهه وقال: هل بأرض من سلام، من أنت قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم، قال: فما شأنك قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك يا موسى إن لي علما لا ينبغي أن تعلمه وإن لك علما لا ينبغي لي أعلمه، فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ الطير منقاره من البحر، حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارا تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر فعرفوه فقالوا: عبد الله الصالح لا نحمله بأجر فخرقها ووتد فيها وتدا، قال موسى {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا (71) قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} كانت الأولى نسيانا والوسطة والثالثة عمدا {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا (73) فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله} ووجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين فقال: {أقتلت نفسا زكية} لم تعمل الحنث، قال ابن عباس قرأها: {زكية} زاكية مسلمة كقولك: غلاما زكيا، {فانطلقا} {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال: بيده هكذا ورفع يده فاستقام {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال: أجر تأكله {وكان وراءهم ملك} قرأها ابن عباس وكان أمامهم ملك يزعمون مدد بن ندد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور {ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدوها بالقار (فكان أبواه مؤمنين) وكان كافرا {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر، وزعم غير سعيد أنهما أبدلا جارية). [الدر المنثور: 9/580-583] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم: إن نوفا يزعم عن أبي بن كعب أن موسى النّبيّ الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني، قال: نعم في عبادي من هو أعلم منك فنعت له مكانه فأذن له في لقيه فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل: إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلقا {فلما جاوزا قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال الفتى وذكر {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي أن ما تعرف ظاهرا ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها فقال له موسى - ورأى أمرا أفظع به - {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرا} ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرآى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له، {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي صغيرة {لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد عذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفوهما ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك، {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} - في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علما). [الدر المنثور: 9/586-590] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام موسى خطيبا لنبي إسرائيل فأبلغ في الخطبة وعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي وعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له: يا موسى إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك، قال: فادللني عليه حتى أتعلم منه، قال: يدلك عليه بعض زادك، فقال لفتاه يوشع {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} قال: فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر فلما جاوز أحضر الغداء فقال: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} فذكر الفتى {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} فذكر موسى ما كان عهد إليه إنه يدلك عليه بعض زادك، {قال ذلك ما كنا نبغ} أي هذه حاجتنا {فارتدا على آثارهما قصصا} يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} فأقر له بالعلم {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} يقول: حتى أكون أنا أحدث ذلك لك {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها} إلى قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما} على ساحل البحر في غلمان يلعبون فعهد إلى أجودهم وأصبحهم {فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}، قال ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} إلى قوله: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} قال: وهي في قراءة أبي بن كعب يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} قال: فجاء طائر هذه الحمرة فبلغ فجعل بغمس منقاره في البحر فقال له: يا موسى ما يوق هذا الطائر قال: لا أدري، قال: هذا يقول: ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر). [الدر المنثور: 9/590-592] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الروياني، وابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه فأوحى الله إليه: أني قد علمت ما حدثت به نفسك فإن من عبادي رجلا أعلم منك، يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزود به فأينما فقدته فهناك مكانه، ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتا مالحا في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتا حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ثم جرى حتى وقع في البحر، فذلك قوله تعالى: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلق حتى لحق موسى فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ففقد الحوت فقال: {فإني نسيت الحوت} الآية، يعني فتى موسى {واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ} إلى {قصصا} فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئا ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم فسلم عليه موسى فرفع رأسه فقال: أنى السلام بهذا المكان، من أنت قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما كان لك في قومك شغل عني قال: أني أمرت بك، فقال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} الآية، {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة {قال أخرقتها لتغرق أهلها} الآية، {قال ألم أقل} الآية، {قال لا تؤاخذني} الآية، {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} فوجدا صبيانا يلعبون يريدون القرية فأخذ الخضر غلاما منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى: {أقتلت نفسا زكية} الآية، {قال ألم أقل لك} الآية، {قال إن سألتك} الآية، فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم فرأى الجدار مائلا فمسحه الخضر بيده فاستوى فقال: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال له موسى: قد ترى جهدنا وحاجتنا لو سألتهم عليه أجرا أعطوك فنتعشى به {قال هذا فراق بيني وبينك}، قال: فأخذ موسى بثوبه فقال: أنشدك الصحبة إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت قال: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} الآية، خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها وأما الغلام فإن الله جعله كافرا وكان أبواه مؤمنين فلو عاش لأرهقهما {طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} الآية). [الدر المنثور: 9/592-595] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فأردت أن أعيبها} قال: أخرقها). [الدر المنثور: 9/616]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا). [الدر المنثور: 9/616]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قرأ يأخذ كل سفينة صالحة غصبا). [الدر المنثور: 9/616]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: كانت تقرأ في الحرف الأول كل سفينة صالحة غصبا قال: وكان لا يأخذ إلا خيار السفن). [الدر المنثور: 9/616]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن أبي الزاهرية قال: كتب عثمان وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا). [الدر المنثور: 9/616-617]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا (68) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (وقال معمر وقال قتادة أمامهم ألا ترى أنه يقول {من ورائهم جهنم} وهي بين يديه وفي حرف ابن مسعود (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) وأما الغلام فكان كافرا وفي حرف أبي بن كعب: وكان أبواه مؤمنين فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحماً أبر بوالديه
{وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزا لهما} قال مال لهما). [تفسير عبد الرزاق: 1/407] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال عمرو كان ابن عباس يقرأ (أما الغلام فكان كافرا) وكان يقرأ (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)). [تفسير عبد الرزاق: 1/410] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أنّ ابن جريجٍ أخبرهم، قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، وعمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيد بن جبيرٍ، قال: إنّا لعند ابن عبّاسٍ في بيته، إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عبّاسٍ، جعلني اللّه فداءك، بالكوفة رجلٌ قاصٌّ يقال له: نوفٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل، أمّا عمرٌو فقال لي: قال: قد كذب عدوّ اللّه، وأمّا يعلى فقال لي: قال ابن عبّاسٍ، حدّثني أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " موسى رسول اللّه عليه السّلام، قال: ذكّر النّاس يومًا حتّى إذا فاضت العيون، ورقّت القلوب، ولّى فأدركه رجلٌ فقال: أي رسول اللّه، هل في الأرض أحدٌ أعلم منك؟ قال: لا، فعتب عليه إذ لم يردّ العلم إلى اللّه، قيل: بلى، قال: أي ربّ، فأين؟ قال: بمجمع البحرين، قال: أي ربّ، اجعل لي علمًا أعلم ذلك به - فقال لي عمرٌو - قال: حيث يفارقك الحوت - وقال لي يعلى - قال: خذ نونًا ميّتًا، حيث ينفخ فيه الرّوح، فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلّا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلّفت كثيرًا فذلك قوله جلّ ذكره: {وإذ قال موسى لفتاه} [الكهف: 60] يوشع بن نونٍ - ليست عن سعيدٍ - قال: فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان، إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ، فقال فتاه: لا أوقظه حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبره، وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر، فأمسك اللّه عنه جرية البحر، حتّى كأنّ أثره في حجرٍ - قال لي عمرٌو: هكذا كأنّ أثره في حجرٍ، وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما - {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ، قال: قد قطع اللّه عنك النّصب - ليست هذه عن سعيدٍ أخبره - فرجعا فوجدا خضرًا - قال لي عثمان بن أبي سليمان - على طنفسةٍ خضراء، على كبد البحر - قال سعيد بن جبيرٍ - مسجًّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضي من سلامٍ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا، قال: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك يا موسى، إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه، فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر، وقال: واللّه ما علمي وما علمك في جنب علم اللّه إلّا كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر، حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغارًا، تحمل أهل هذا السّاحل إلى أهل هذا السّاحل الآخر، عرفوه فقالوا: عبد اللّه الصّالح - قال: قلنا لسعيدٍ: خضرٌ؟ قال: نعم - لا نحمله بأجرٍ، فخرقها ووتد فيها وتدًا، قال موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئًا إمرًا} [الكهف: 71]- قال مجاهدٌ: منكرًا - (قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا) ، كانت الأولى نسيانًا والوسطى شرطًا، والثّالثة عمدًا، {قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} [الكهف: 73] ، لقيا غلامًا فقتله - قال يعلى: قال سعيدٌ: وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين - {قال: أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ} [الكهف: 74] لم تعمل بالحنث - وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً (زاكيةً) : مسلمةً كقولك غلامًا زكيًّا - فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقضّ، فأقامه - قال سعيدٌ بيده هكذا، ورفع يده فاستقام، قال يعلى: حسبت أنّ سعيدًا قال: فمسحه بيده فاستقام - {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77]- قال سعيدٌ: أجرًا نأكله - {وكان وراءهم} [الكهف: 79] وكان أمامهم - قرأها ابن عبّاسٍ: أمامهم ملكٌ، يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بدد، والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ - {ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} [الكهف: 79] ، فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها، فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها - ومنهم من يقول: سدّوها بقارورةٍ، ومنهم من يقول بالقار - {كان أبواه مؤمنين} وكان كافرًا {فخشينا أن يرهقهما طغيانًا، وكفرًا} [الكهف: 80] أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه، (فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً) لقوله: {أقتلت نفسًا زكيّةً} [الكهف: 74] {وأقرب رحمًا} [الكهف: 81] هما به أرحم منهما بالأوّل، الّذي قتل خضرٌ - وزعم غير سعيدٍ: أنّهما أبدلا جاريةً، وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال: عن غير واحدٍ: إنّها جاريةٌ - "). [صحيح البخاري: 6/89-91] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الغلام المقتول اسمه يزعمون حيسور القائل ذلك هو بن جريجٍ وحيسور في رواية أبي ذرٍّ عن الكشميهنيّ بفتح المهملة أوّله ثمّ تحتانيّةٍ ساكنةٍ ثمّ مهملة مضمومة وكذا في رواية بن السّكن وفي روايته عن غيره بجيمٍ أوّله وعند القابسيّ بنونٍ بدل التّحتانيّة وعند عبدوسٍ بنونٍ بدل الرّاء وذكر السّهيليّ أنّه رآه في نسخةٍ بفتح المهملة والموحّدة ونونين الأولى مضمومةٌ بينهما الواو السّاكنة وعند الطّبريّ من طريق شعيبٍ الجبّائيّ كالقابسيّ وفي تفسير الضّحّاك بن مزاحمٍ اسمه حشرد ووقع في تفسير الكلبيّ اسم الغلام شمعون قوله ملكٌ يأخذ كل سفينة غصبا في رواية النّسائيّ وكان أبيٌّ يقرأ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وفي رواية إبراهيم بن يسارٍ عن سفيان وكان بن مسعودٍ يقرأ كلّ سفينةٍ صحيحةٍ غصبًا قوله فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها في رواية النّسائيّ فأردت أن أعيبها حتّى لا يأخذها قوله فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها في رواية النّسائيّ فإذا جاوزوه رقّعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم قوله ومنهم من يقول سدّوها بقارورةٍ ومنهم من يقول بالقار أمّا القار فهو بالقاف وهو الزّفت وأمّا قارورةٌ فضبطت في الرّوايات بالقاف لكن في رواية بن مردويه ما يدلّ على أنّها بالفاء لأنّه وقع في روايته ثارورةٌ بالمثلّثة والمثلّثة تقع في موضع الفاء في كثيرٍ من الأسماء ولا تقع بدل القاف قال الجوهريّ يقال فار فورةً مثل ثار ثورةً فإن كان محفوظًا فلعلّه فاعولةٌ من ثوران القدر الّذي يغلي فيها القار أو غيره وقد وجّهت رواية القارورة بالقاف بأنّها فاعولةٌ من القار وأمّا الّتي من الزّجاج فلا يمكن السّدّ بها وجوّز الكرمانيّ احتمال أن يسحق الزّجاج ويلتّ بشيءٍ ويلصق به ولا يخفى بعده ووقع في رواية مسلمٍ وأصلحوها بخشبةٍ ولا إشكال فيها قوله كان أبواه مؤمنين وكان كافرًا يعني الغلام المقتول في رواية سفيان وأمّا الغلام فطبع يوم طبع كافرًا وكان أبواه قد عطفا عليه وفي المبتدأ لوهب بن منبّهٍ كان اسم أبيه ملّاس واسم أمّه رحما وقيل اسم أبيه كاردي واسم أمّه سهوى قوله فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرا أن يحملها حبّه على أن يتابعاه على دينه هذا من تفسير بن جريجٍ عن يعلى بن مسلمٍ عن سعيد بن جبير وأخرج بن المنذر من طريق سالمٍ الأفطس عن سعيد بن جبيرٍ مثله وقال أبو عبيدة في قوله يرهقهما أي يغشاهما قوله خيرًا منه زكاة وأقرب رحما لقوله أقتلت نفسا زكية يعني أنّ قوله زكاةً ذكر للمناسبة المذكورة وروى بن المنذر من طريق حجّاج بن محمّد عن بن جريج في قوله خيرا منه زكاة قال إسلامًا ومن طريق عطيّة العوفيّ قال دينًا قوله وأقرب رحمًا هما به أرحم منهما بالأول الّذي قتل خضر وروى بن المنذر من طريق إدريس الأوديّ عن عطيّة نحوه وعن الأصمعيّ قال الرّحم بكسر الحاء القرابة وبسكونها فرج الأنثى وبضمّ الرّاء ثمّ السّكون الرّحمة وعن أبي عبيد القاسم بن سلّامٍ الرّحم والرّحم يعني بالضّمّ والفتح مع السّكون فيهما بمعنًى وهو مثل العمر والعمر وسيأتي قوله رحمًا في الباب الّذي بعده أيضًا قوله وزعم غير سعيد أنّهما أبدلا جارية هو قول بن جريج وروى بن مردويه من وجه آخر عن بن جريجٍ قال وقال يعلى بن مسلمٍ أيضًا عن سعيد بن جبيرٍ إنّها جاريةٌ وفي رواية الإسماعيليّ من هذا الوجه قال ويقال أيضًا عن سعيد بن جبيرٍ إنّها جاريةٌ وللنّسائيّ من طريق أبي إسحاق عن سعيد بن جبيرٍ عن بن عبّاسٍ فأبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً قال أبدلهما جاريةً فولدت نبيًّا من الأنبياء وللطّبريّ من طريق عمرو بن قيسٍ نحوه ولابن المنذر من طريق بسطام بن حميل قال أبدلهما مكان الغلام جاريةً ولدت نبيّين ولعبد بن حميدٍ من طريق الحكم بن أبانٍ عن عكرمة ولدت جاريةً ولابن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ قال ولدت جاريةً فولدت نبيًّا وهو الّذي كان بعد موسى فقالوا له ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله واسم هذا النّبيّ شمعون واسم أمّه حنة وعند بن مردويه من حديث أبيّ بن كعبٍ أنّها ولدت غلاما لكن إسناده ضعيف وأخرجه بن المنذر بإسناد حسن عن عكرمة عن بن عبّاس نحوه وفي تفسير بن الكلبيّ ولدت جاريةً ولدت عدّة أنبياء فهدى اللّه بهم أممًا وقيل عدّة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيًّا قوله وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحد إنّها جارية هو قول بن جريجٍ أيضًا وروى الطّبريّ من طريق حجّاج بن محمّد عن بن جريجٍ أخبرني إسماعيل بن أميّة عن يعقوب بن عاصمٍ أنّهما أبدلا جاريةً قال وأخبرني عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ عن سعيد بن جبير إنّها جارية قال بن جريجٍ وبلغني أنّ أمّه يوم قتل كانت حبلى بغلامٍ ويعقوب بن عاصمٍ هو أخو داود وهما ابنا عاصم بن عروة بن مسعودٍ الثّقفيّ وكلٌّ منهما ثقةٌ من صغار التّابعين وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدّم استحباب الحرص على الازدياد من العلم والرّحلة فيه ولقاء المشايخ وتجشّم المشاقّ في ذلك والاستعانة في ذلك بالأتباع وإطلاق الفتى على التّابع واستخدام الحرّ وطواعية الخادم لمخدومه وعذر النّاسي وقبول الهبة من غير المسلم واستدلّ به على أنّ الخضر نبيٌّ لعدّة معانٍ قد نبّهت عليها فيما تقدّم كقوله وما فعلته عن أمرى وكاتّباع موسى رسول اللّه له ليتعلّم منه وكإطلاق أنّه أعلم منه وكإقدامه على قتل النّفس لما شرحه بعد وغير ذلك وأمّا من استدلّ به على جواز دفع أغلظ الضّررين بأخفّهما والإغضاء على بعض المنكرات مخافة أن يتولّد منه ما هو أشدّ وإفساد بعض المال لإصلاح معظمه كخصاء البهيمة للسّمن وقطع أذنها لتتميّز ومن هذا مصالحة وليّ اليتيم السّلطان على بعض مال اليتيم خشية ذهابه بجميعه فصحيحٌ لكن فيما لا يعارض منصوص الشّرع فلا يسوغ الإقدام على قتل النّفس ممّن يتوقّع منه أن يقتل أنفسًا كثيرةً قبل أن يتعاطى شيئًا من ذلك وإنّما فعل الخضر ذلك لاطّلاع اللّه تعالى عليه وقال بن بطّالٍ قول الخضر وأمّا الغلام فكان كافرًا هو باعتبار ما يئول إليه أمره أن لو عاش حتّى يبلغ واستحباب مثل هذا القتل لا يعلمه إلّا اللّه وللّه أن يحكم في خلقه بما يشاء قبل البلوغ وبعده انتهى ويحتمل أن يكون جواز تكليف المميّز قبل أن يبلغ كان في تلك الشّريعة فيرتفع الإشكال وفيه جواز الإخبار بالتّعب ويلحق به الألم من مرضٍ ونحوه ومحلّ ذلك إذا كان على غير سخطٍ من المقدور وفيه أنّ المتوجّه إلى ربّه يعان فلا يسرع إليه النّصب والجوع بخلاف المتوجّه إلى غيره كما في قصّة موسى في توجّهه إلى ميقات ربّه وذلك في طاعة ربّه فلم ينقل عنه أنّه تعب ولا طلب غداءً ولا رافق أحدًا وأمّا في توجّهه إلى مدين فكان في حاجة نفسه فأصابه الجوع وفي توجّهه إلى الخضر لحاجة نفسه أيضًا فتعب وجاع وفيه جواز طلب القوت وطلب الضّيافة وفيه قيام العذر بالمرّة الواحدة وقيام الحجّة بالثّانية قال بن عطيّة يشبه أن يكون هذا أصل مالكٍ في ضرب الآجال في الأحكام إلى ثلاثة أيّامٍ وفي التّلوّم ونحو ذلك وفيه حسن الأدب مع اللّه وأن لا يضاف إليه ما يستهجن لفظه وإن كان الكلّ بتقديره وخلقه لقول الخضر عن السّفينة فأردت أن أعيبها وعن الجدار فأراد ربك ومثل هذا قوله صلّى اللّه عليه وسلّم والخير بيدك والشّر ليس إليك). [فتح الباري: 8/420-422]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أنّ ابن جريج أخبرهم قال أخبرني يعلى بن مسلمٍ وعمرو بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيدٍ قال إنّا لعند بن عبّاسٍ في بيته إذ قال سلوني قلت أي أبا عباسٍ جعلني الله فداءك بالكوفة رجلٌ قاص يقال له نوفٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل أمّا عمروٌ فقال لي قال قد كذب عدوّ الله وأمّا يعلى فقال لي قال ابن عبّاس حدّثني أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى رسول الله عليه السّلام قال ذكّر النّاس يوماً حتّى إذا فاضت العيون ورقّت القلوب ولّى فأدركه رجلٌ فقال أي رسول الله هل في الأرض أحدٌ أعلم منك قال لا فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله قيل بلى قال أي ربّ فأين قال بمجمع البحرين قال أي ربّ اجعل لي أعلم علماً ذالك به فقال لي عمروٌ قال حيث يفارقك الحوت وقال لي يعلى خذ نوناً ميّتاً حيث ينفخ فيه الرّوح فأخذ حوتاً فجعله في مكتلٍ فقال لفتاه لا أكلّفك إلاّ أن تخبرني حيث يفارقك الحوت قال ما كلّفت كثيراً فذالك قوله جلّ ذكره وإذ قال موسى لفتاه يوشع بن نونٍ ليست عن سعيدٍ قال فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ فقال فتاه لا أوقظه حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبرة وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتّى كأنّ أثره في حجر قال لي عمروٌ هاكذا كأنّ أثره في حجرٍ وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما لقد لقينا من سفرنا هاذا نصباً قال قد قطع الله عنك النّصب ليست هاذه عن سعيدٍ أخبره فرجعا فوًّجدا خضراً قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر قال سعيد بن جبيرٍ مسجّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال هل بأرضي من سلامٍ من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم قال فما شأنك قال جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشداً قال أما يكفيك أن التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك يا موسى إنّ علماً لا ينبغي لك أن تعلمه وإنّ لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر وقال والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلاّ كما أخذ هاذا الطّائر بمنقاره من البحر حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغاراً تحمل أهل هاذا السّاحل إلى أهل هاذا السّاحل الآخر عرفوه فقالوا عبد الله الصّالح قال قلنا لسعيدٍ خضرٌ قال نعم لا نحمله بأجرٍ فخرقها ووتد فيها وتداً قال موسى أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال مجاهدٌ منكراً قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً كانت الأولى نسياناً والوسطى شرطاً والثّانية عمداً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً لقيا غلاماً فقتله قال يعلى قال سعيدٌ وجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين قال أقتلت نفساً زكيّةً بغير نفسٍ لم تعمل بالحنث وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً زاكيةً مسلمةً كقولك غلاماً زاكياً فانطلقا فوجدا جداراً يريد أن ينقضّ فأقامه قال سعيدٌ بيده هاكذا ورفع يده فاستقام قال يعلى حسبت أنّ سعيداً قال فمسحه بيده فاستقام لو شئت لاتّخذت عليه أجراً قال سعيدٌ أجراً نأكله وكان وراءهم وكان أمامهم قرأها ابن عبّاسٍ أمامهم ملكٌ يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بدد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصباً فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدّوها بقارورةٍ ومنهم من يقول بالقار كان أبواه مؤمنين وكان كافراً فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً لقوله أقتلت نفساً زكيّةً وأقرب رحماً هما به أرحم منهما بالأوّل الّذي قتل خضرٌ وزعم غير سعيدٍ أنّهما أبدلا جاريةً وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحدٍ إنّها جاريةٌ..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة لأنّه في توضيحها، وهو طريق آخر برواية آخرين وبزيادة ونقصان في المتن أخرجه عن إبراهيم بن موسى أبو إسحاق الفراء الرّازيّ المعروف بالصغير، عن هشام بن يوسف الصّنعانيّ قضينها عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن يعلى، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللّام وبالقصر: ابن مسلم بلفظ إسم الفاعل من الإسلام ابن هرمز إلى آخره.
قوله: (يزيد أحدهما على صاحبه) أي: أحد المذكورين وهما: يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار فقط، وهو أحد شيخي ابن جريج فيه، وهنا ابن جريج يروي عن يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار. قوله: (وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد) ، هذا من كلام ابن جريج، أي: غير يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار قد سمعته يحدث هذا الحديث عن سعيد بن جبير، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه في قوله: (وغيرهما) وهو: عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم القرشي المكّيّ رضي الله عنه، فإن قلت: كيف إعراب هذا؟ قلت: (غيرهما) مبتدأ، وقوله: (قد سمعته) جملة وقعت خبرا، والضّمير المنصوب فيه يرجع إلى لفظ: غير، وقوله: (يحدثه) جملة وقعت حالا، ووقع في رواية الكشميهني: يحدث، بحذف الضّمير المنصوب. قوله: (عن سعيد) ، أي: سعيد بن جبير رضي الله عنه. قوله: (لعند ابن عبّاس) ، اللّام فيه مفتوحة للتّأكيد أي: قال سعيد بن جبير: أنا كنت عند عبد الله بن عبّاس حال كونه في بيته. قوله: (أي أبا عبّاس) ، أي: يا أبا عبّاس! وأبو عبّاس كنية عبد الله بن عبّاس. قوله: (بالكوفة رجل قاص) ، هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: إن بالكوفة رجلا قاصا، والقاص بتشديد الصّاد الّذي يقص النّاس الأخبار من المواعظ وغيرها. قوله: (أما عمرو فقال لي: كذب عدو الله) أراد أن ابن جريج قال: أما عمرو بن دينار فإنّه قال لي في روايته، قال ابن عبّاس: كذب عدو الله، وأشار بهذا إلى أن هذه الكلمة لم تقع في رواية يعلى ابن مسلم، ولهذا قال: وأما يعلى، أي ابن مسلم الرّاوي، فإنّه قال لي: قال ابن عبّاس إلى آخره. قوله: (ذكر النّاس) ، بتشديد الكاف من التّذكير. قوله: (ولى) ، أي: رجع إلى حاله. قوله: (فقال: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: يا رسول الله، قاله لموسى عليه الصّلاة والسّلام. قوله: (قيل: بلى) ، أي: بلى في الأرض أحد أعلم منك، وفي رواية مسلم: (إن في الأرض رجلا هو أعلم منك) ، ووقع في رواية سفيان: فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وعلم من هاتين الروايتن أن القائل في قوله: بلى، هو الله تعالى فأوحى الله إليه بذلك. قوله: (أي رب، فأين؟) يعني: يا رب أين هو؟ في أي مكان؟ وفي رواية سفيان: يا رب، فكيف لي به؟ وفي رواية النّسائيّ: فأدلني على هذا الرجل حتّى أتعلم منه. قوله: (علما) ، بفتح العين واللّام، أي: علامة. قوله: (أعلم ذلك به) ، أي: أعلم المكان الّذي أطلبه بالعلم. قوله: (فقال لي عمرو) ، القائل هو ابن جريج الرّاوي، أي: قال لي عمرو بن دينار. قوله: (حيث يفارقك الحوت) ، أي: العلم على ذلك المكان الّذي يفارقك فيه الحوت، ووقع ذلك مفسرًا في رواية سفيان عن عمرو، وقال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثمّ. قوله: (قال لي) ، يعني: القائل هو ابن جريج، أي: قال لي يعلى بن مسلم في روايته: خذ نوناً أي حوتاً، ولفظ: نوناً، وقع في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: حوتاً، وفي رواية مسلم: تزود حوتاً مالحاً فإنّه حيث تفقد الحوت. قوله: (حيث ينفخ فيه) ، أي: في النّون (الرّوح) يعني حيث تفقده في المكان الّذي يحيى الحوت. قوله: (فأخذ نوناً) أي: فأخذ موسى حوتاً، ووقع في رواية ابن أبي حاتم أن موسى ويوشع فتاه اصطاداه. قوله: (فقال لفتاه) ، وهو يوشع بن نون. قوله: (ما كلفت كثيرا) بالثاء المثلّثة، وفي رواية الكشميهني بالباء الموحدة. قوله: (ليست عن سعيد، القائل به هو ابن جريج، أراد بذلك أن تسمية الفتى ليست عن رواية سعيد ابن جبير. قوله: (ثريان) ، بفتح الثّاء المثلّثة وسكون الرّاء وتخفيف الياء آخر الحروف على وزن فعلان من الثرى، وهو التّراب الّذي فيه نداوة. قوله: (تضرب) أي: اضطرب، وفي رواية سفيان: واضطرب الحوت في المكتل فسقط في البحر وفي رواية مسلم فاضطرب الحوت في الماء. قوله: (وموسى نائم) جملة حالية. قوله: (حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبره) ، فيه حذف تقديره: حتّى إذا استيقظ سار فنسي. قوله: (في حجر) ، بفتح الحاء المهملة والجيم ويروى بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، وهو أوضح، قوله: (قال لي عمرو) ، القائل هو ابن جريج، أي: قال لي عمرو بن دينار. قوله: (واللتين تليانهما) ، يعني: السبابتين، وهكذا وقع في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: وحلق بين إبهاميه فقط. قوله: (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) ، وقع هنا مختصرا، وفي رواية سفيان: فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لقينا من فرنا هذا نصبا. قوله: قال: قد قطع الله عنك النصب، هذا من قول ابن جريج وليست هذه اللّفظة عن سعيد بن جبير. قوله: (أخبره) ، بفتح الهمزة وسكون الخاء وفتح الباء الموحدة والرّاء وهاء الضّمير، هكذا في رواية من الإخبار، قال بعضهم: أي: أخبر الفتى موسى بالقصة قلت: ما أظن أن هذا المعنى صحيح، والّذي يظهر لي أن المعنى نفي الإخبار عن سعيد بهذه اللّفظة لمن روى عنه، وفي رواية لأبي ذر آخره بهمزة ومعجمة وراء وهاء، وفي أخرى بمد الهمزة وكسر الخاء وفتح الرّاء بعدها هاء الضّمير أي: إلى آخر الكلام. وفي أخرى بفتحات وتاء تأنيث منونة منصوبة، قال لي عثمان بن أبي سليمان: القائل ابن جريج، يقول: قال لي عثمان، وقد مرت ترجمته عن قريب. قوله: (على طنفسة) ، وهي فرش صغير، وقيل: بساط له خمل، وفيها لغات كسر الطّاء والفاء بينهما نون ساكنة، وضم الطّاء والفاء وكسر الطّاء وفتح الفاء. قوله: (على كبد البحر) ، أي: على وسطه، وهذه الرّواية القائلة بأنّه كان في وسط البحر، غريبة. قوله: (هل بأرضي من سلام) ، وفي رواية الكشميهني: (هل بأرض) . قوله: (ما شأنك؟) أي: ما الّذي تطلب ولما جئت؟ قوله: (رشدا) ، قرأ أبو عمرو بفتحتين والباقون كلهم بضم أوله وسكون ثانيه، والجمهور على أنّهما بمعنى. قوله: (معابر) ، جمع معبرة وهي السفن الصغار. قوله: (خضرًا) ، أي: هو خضر. قوله: (قالوا: هذا لسعيد بن جبير، قال: نعم، قيل: القائل بذلك يعلى بن مسلم، والله أعلم. قوله: (ووتدها) بفتح الواو وتشديد التّاء المثنّاة من فوق أي: جعل فيها وتداً، وفي رواية سفيان: قلع لوحاً بالقدوم، والجمع بين الرّوايتين أنه: قلع اللّوح وجعل مكانه وتداً، وروى عبد بن حميد من رواية ابن المبارك عن ابن جريج عن يعلى بن مسلم: جاء بودحين خرقها، والود بفتح الواو وتشديد الدّال لغة في: الوتد قلت: الوتد إنّما كان للإصلاح ودفع نفوذ الماء، وفي رواية أبي العالية: فحرق السّفينة فلم يره أحد إلاّ موسى. ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين ذلك. قوله: (قال مجاهد منكرا) ، وصل ابن المنذر: هذا التّعليق عن عليّ بن المبارك عن زيد بن ثور عن ابن جريج عن مجاهد. قوله: (نسيانا) ، حيث قال: لا تؤاخذوني بما نسيت، وشرطاً حيث قال: إن سألتك عن شيء بعدها، وعمدا حيث قال: لو شئت لاتخذت عليه أجرا، قوله: (لقيا غلاما) في رواية سفيان: فبينما هما يمشيان على ساحل البحر إذا أبصر الخضر غلاما. قوله: (قال يعلى) ، هو يعلى بن مسلم الرّاوي وسعيد هو ابن جبير. قوله: (ثمّ ذبحه بالسكين) ، فإن قلت: قال أولا: فقتله، ثمّ قال: فذبحه، وفي رواية سفيان: فاقتلعه بيده. قلت: لا منافاة بينهما لأنّه لعلّه قطع بعضه بالسكين ثمّ قلع الباقي والقتل يشملهما. قوله: (لم يعمل بالحنث) ، بكسر الحاء المهملة وسكون النّون وبالثاء المثلّثة وهو الإثم والمعصية. قوله: (قرأها) كذا هو في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: وكان ابن عبّاس يقرؤها: زكية، وهي قراءة الجمهور، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: زاكية. قوله: (مسلمة) ، بضم الميم وسكون السّين وكسر اللّام عند الأكثرين، ولبعضهم بفتح السّين وتشديد اللّام المفتوحة. قوله: (فانطلقا) ، أي: موسى وخضر عليهما السّلام. قوله: (يزعمون عن غير سعيد) ، القائل بهذا هو ابن جريج، ومراده أن إسم الملك الّذي كان يأخذ السفن لم يقع في رواية سعيد بن جبير، وعزاه ابن خالويه في كتاب: (ليس) لمجاهد. قوله: (هدد) بضم الهاء وحكى ابن الأثير فتحها والدّال مفتوحة بلا خلاف. قوله: (بدد) ، بفتح الباء الموحدة، وقال الكرماني بضم الباء والدّال مفتوحة، وزعم ابن دريد أن هدد اسم ملك من ملوك حمير زوجه سليمان بن داود عليهما السّلام، بلقيس. قيل: إن ثبت هذا حمل على التّعدّد والاشتراك في الإسم لبعد ما بين مدّة سليمان وموسى عليهما السّلام، وجاء في تفسير مقاتل: أن اسمه منولة بن الجلندي بن سعيد الأزديّ، وقيل: هو الجلندي، وكان بجزيرة الأندلس. قوله: (والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور) ، القائل بذلك هو ابن جريج، وجيسور، بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وضم السّين المهملة، كذا هو في رواية عن أبي ذر، وفي رواية أخرى له عن الكشميهني بفتح الهاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف، وكذا في رواية ابن السكن، وفي رواية القابسيّ بنون بدل الياء آخر الحروف، وعند عبدوس بنون بدل الرّاء، وعن السّهيلي أنه رآه في نسخة بفتح المهملة والموحّدة ونونين الأولى مضمومة بينهما الواو الساكنة، وفي تفسير الضّحّاك: اسمه حشرد، وفي تفسير الكلبيّ: اسم الغلام شمعون. قوله: (يأخذ كل سفينة غصبا) ، وفي رواية النّسائيّ: كل سفينة صالحة، وفي رواية إبراهيم بن بشار عن سفيان، وكان ابن مسعود يقرأ: كل سفينة صحيحة غصبا. قوله: (فأردت إذا هي مرت به أن يدعها) ، أي: أن يتركها لأجل عيبها، وفي رواية النّسائيّ: فأردت أن أعيبها حتّى لا يأخذها. قوله: (فإذا جاوزوا) أي: عدوا عن الملك أصلحوها، وفي رواية النّسائيّ: فإذا جاوزوه رقعوها. قوله: (بقارورة) ، بالقاف وهي: الزّجاج، وقال الكرماني: كيفيّة السد بالقارورة غير معلومة، ثمّ وجهه بوجهين: أحدهما: أن تكون قارورة بقدر الموضع المخروق فتوضع فيه، والآخر: يسحق الزّجاج ويخلط بشيء كالدقيق فيسد به، وقال بعضهم، بعد أن ذكر الوجه الثّاني: فيه بعد. قلت: لا بعد فيه، لأنّه غير متعذر ولا متعسر، والبعد في الّذي قاله هو أن القارورة فاعولة من القار. قوله: (بالقار) ، بالقاف والرّاء وهو الزفت، وهذا أقرب من القول الأول. قوله: (كان أبواه) أي: أبوا الغلام. قوله: (أن يرهقهما) أي: يلحقهما. وقوله: (فخشينا) إلى قوله: (من دينه) من تفسير ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير. انتهى. قوله: (أن يحملهما) ، يجوز أن يكون بدلا من قوله: (أن يرهقهما) ويجوز أن يكون التّقدير: بأن يحملهما. وقوله: (حبه) بالرّفع فاعله. قوله: (خيرا منه) أي: من الغلام المقتول. قوله: (زكاة) نصب على التميز، وإنّما ذكرها للمناسبة بينها وبين قوله: (نفسا زكية) أشار إلى ذلك بقوله: {أقتلت نفسا زكية} (الكهف: 74) ولما وصف موسى نفس الغلام بالزكية وذكر الله تعالى بقوله: {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} (الكهف: 81) وفي التّفسير قوله: (زكاة) أي صلاحاً وإسلاماً ونماء. قوله: (وأقرب رحما) قال الثّعلبيّ: من الرّحم والقرابة، وقيل: هو من الرّحمة، وعن ابن عبّاس: أوصل للرحم وأبر بوالديه، وعن الفراء: أقرب أن يرحماه، وقيل: من الرّحم، بكسر الحاء أشد مبالغة من الرّحمة الّتي هي رقة القلب والتعطف لاستلزام القرابة، الرقة غالبا من غير عكس، وقال الكرماني: وظن بعضهم أنه مشتقّ من الرّحم الّذي هو الرّحمة، وغرضه أنه يعني القرابة لا الرقة، وعند البعض بالعكس. قوله: (هما به أرحم منهما بالأول) ، أي: الأبوان المذكوران به أي: بالّذي يبدل من المقتول أرحم منهما بالأول، وهو المقتول. قوله: (وزعم غير سعيد من قول ابن جريج) ، أي: زعم غير سعيد بن جبير أنّهما أي الأبوين أبدلا جارية بدل المقتول، وروي عن سعيد أيضا: أنّها جارية، على ما جاء وفي رواية النّسائيّ من طريق ابن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس: أبدلهما جارية فولدت نبيا من الأنبياء، وفي رواية الطّبرانيّ: ببنين، وعن السّديّ: ولدت جارية، فولدت نبيا، وهو الّذي كان بعد موسى، فقالوا له: إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، واسم هذا النّبي شمعون، واسم أمه حنة. فإن قلت: روى ابن مردويه من حديث أبي بن كعب أنّها ولدت غلاما. قلت: إسناده ضعيف، وفي تفسير ابن الكلبيّ: ولدت جارية ولدت عدّة أنبياء فهدى الله بهم أمماً، وقيل: عدّة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيا. قوله: (وأما داود بن أبي عاصم) إلى آخره من قول ابن جريج أيضا، وداود بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود الثّقفيّ ثقة من صغار التّابعين، وله أخ يسمى: يعقوب، هو أيضا ثقة من التّابعين). [عمدة القاري: 19/43-47] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أنّ ابن جريجٍ، أخبرهم قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، وعمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيدٍ قال: إنّا لعند ابن عبّاسٍ في بيته إذ قال: سلوني؟ قلت: أي أبا عبّاسٍ -جعلنى اللّه فداك- بالكوفة رجلٌ قاصٌّ يقال له نوقٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل أمّا عمرٌو فقال لي قال: قد كذب عدوّ اللّه وأمّا يعلى فقال لي قال ابن عبّاسٍ: حدّثني أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- «موسى رسول اللّه - عليه السّلام - قال: ذكّر النّاس يومًا حتّى إذا فاضت العيون ورقّت القلوب ولّى فأدركه رجلٌ فقال: أي رسول اللّه هل في الأرض أحدٌ أعلم منك؟ قال: لا، فعتب عليه إذ لم يردّ العلم إلى اللّه قيل: بلى، قال: أي ربّ فأين؟ قال بمجمع البحرين، قال: أي ربّ اجعل لي علمًا أعلم ذلك به -فقال لي عمرٌو:- فقال لي عمروٌ: حيث يفارقك الحوت -وقال لي يعلى: قال: «خذ نونًا ميّتًا حيث ينفخ فيه الرّوح فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ فقال: لفتاه لا أكلّفك إلاّ أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت قال: ما كلّفت كثيرًا؟ فذلك قوله جلّ ذكره {وإذ قال موسى} لفتاه يوشع بن نونٍ" ليست عن سعيدٍ قال: "فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ فقال فتاه: لا أوقظه حتّى إذا استيقظ فنسى أن يخبره وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر فأمسك اللّه عنه جرية البحر حتّى كأنّ أثره في حجرٍ- قال لي عمرٌو هكذا كأنّ أثره في حجرٍ وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما "لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، قال: قد قطع اللّه عنك النّصب" -ليست هذه عن سعيدٍ أخبره- "فرجعا فوجدا خضرًا" قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر -قال سعيد بن جبيرٍ- "مسجًّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضي من سلامٍ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم. قال: فما شأنك؟ قال جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قال: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك يا موسى إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر وقال: واللّه ما علمي وما علمك في جنب علم اللّه إلاّ كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغارًا تحمل أهل هذا السّاحل إلى أهل هذا السّاحل الآخر عرفوه فقالوا: عبد اللّه الصّالح قال: قلنا لسعيدٍ خضرٌ قال: نعم لا نحمله بأجرٍ فخرقها ووتد فيها وتدًا قال موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا} "قال مجاهدٌ: منكرًا، " {قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا} كانت الأولى نسيانًا والوسطى شرطًا والثّالثة عمدًا، " {قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} {لقيا غلامًا فقتله} قال يعلى قال سعيدٌ: "وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين قال: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ} [الكهف: 74] لم تعمل بالحنث؟ وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً. زاكيةً - مسلمةً " {فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقضّ فأقامه} " [الكهف: 77] قال سعيدٌ بيده هكذا ورفع يده فاستقام قال يعلى: حسبت أنّ سعيدًا قال "فمسحه بيده فاستقام {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] قال سعيدٌ أجرًا نأكله {وكان وراءهم} وكان أمامهم قرأها ابن عبّاسٍ أمامهم ملكٌ يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بددٍ والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ {ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا فأردت} [الكهف: 79] إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول: سدّوها بقارورةٍ ومنهم من يقول: بالقار كان أبواه مؤمنين وكان كافرًا فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا لقوله: {أقتلت نفسًا زكيّةً} [الكهف: 74] وأقرب رحمًا هما به أرحم منهما بالأوّل الّذي قتل خضرٌ وزعم غير سعيدٍ أنّهما أبدلا جاريةً وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحدٍ إنّها جاريةٌ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الصغير الرازي قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) اليماني قاضيها (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى بن مسلم) بن هرمز المكي البصري الأصل (وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه) قال الحافظ ابن حجر: فتستفاد زيادة أحدهما على الآخر من الإسناد الذي قبله فإن الأوّل من رواية سفيان عن عمرو بن دينار فقط وهو أحد شيخي ابن جريج فيه (وغيرهما) هو من كلام ابن جريج أي وغير يعلى وعمرو (قد سمعته) حال كونه (يحدثه) أي يحدث الحديث المذكور (عن سعيد) وكان الأصل أن يقول يحدث به لكنه عداه بغير الباء، ولأبي ذر عن الكشميهني يحدث بحذف الضمير المنصوب، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه في قوله وغيرهما كعثمان بن أبي سليمان، وروى شيئًا من هذه القصة عن سعيد بن جبير من مشايخ ابن جريج عبد الله بن عثمان بن خثيم وعبد الله بن هرمز وعبد الله بن عبيد بن عمير، وممن روى هذا الحديث عن سعيد بن جبير أبو إسحاق السبيعي وروايته عند مسلم وأبي داود وغيرهما والحكم بن عتيبة وروايته في السيرة الكبرى لابن إسحاق كما نبه على ذلك في الفتح وفي رواية أبي ذر عن سعيد بن جبير أنه (قال: إنا لعند ابن عباس) حال كونه (في بيته) واللام في لعند للتأكيد (إذ قال: سلوني) قال سعيد بن جبير (قلت أي أبا عباس) يعني يا أبا عباس وهي كنية عبد الله بن عباس (جعلني الله فداك بالكوفة رجل قاص) بتشديد الصاد المهملة يقص على الناس الأخبار من المواعظ وغيرها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن بالكوفة رجلًا قاصًّا (يقال له نوف) بفتح النون وسكون الواو آخره فاء منونًا منصرفًا في الفصحى بطن من العرب وعلى تقدير أن يكون أعجميًّا فمنصرف نوح لسكون وسطه واسمه فضالة وهو ابن امرأة كعب الأحبار (يزعم أنه) أي موسى صاحب الخضر (ليس بموسى بن إسرائيل) المرسل إليهم والباء زائدة للتوكيد وأضيف إلى بني إسرائيل مع العلمية لأنه نكر بأن أول بواحد من الأمة المسماة به ثم أضيف إليه قال ابن جريج (أما عمرو) يعني ابن دينار (فقال لي) في تحديثه لي عن سعيد (قال) أي ابن عباس (قد كذب عدوّ الله) يعني نوفًا وسقط لأبي ذر قال قد (وأما يعلى) بن مسلم (فقال لي) في تحديثه لي عن سعيد (قال ابن عباس حدثني) بالإفراد (أبي بن كعب قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-): هو (موسى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) وفي الفرع أصله عليه السلام (قال ذكر الناس يومًا) بتشديد الكاف من التذكير أي وعظهم (حتى إذا فاضت العيون) بالدموع (ورقت القلوب) لتأثير وعظه في قلوبهم (ولى) تخفيفًا لئلا يملوا وهذا ليس في رواية سفيان فظهر أنه من رواية يعلى بن مسلم عن عمرو وقال العوفي عن ابن عباس فيما ذكره ابن كثير لما ظهر موسى وقومه على مصر أمره الله أن يذكرهم بأيام الله فخطبهم فذكرهم إذ أنجاهم الله من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوّهم وقال كلم الله موسى نبيكم تكليمًا واصطفاه لنفسه وأنزل عليه محبة منه وآتاكم من كل ما سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض (فأدركه رجل) لم يسم (فقال) موسى (أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا).
فإن قلت: هل بين هذا وبين قوله في رواية سفيان السابقة هنا فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فرق؟ أجيب بأن بينهما فرقًا لأن رواية سفيان تقتضي الجزم بالأعلمية له وهذه تنفي الأعلمية عن غيره عليه فيبقى احتمال المساواة قاله في الفتح.
(فعتب) بفتح العين (عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله) في الرواية السابقة وغيرها فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه على التقديم والتأخير (قيل بلى) زاد في رواية الحر بن قيس عبدنا خضر ولمسلم من رواية أبي إسحاق أن في الأرض رجلًا هو أعلم منك (قال) موسى (أي رب فأين) أي فأين أجده أو فأين هو وللنسائي فادللني على هذا الرجل حتى أتعلم منه ولأبي ذر وأين (قال بمجمع البحرين) بحري فارس والروم أو بحري الشرق والمغرب المحيطين بالأرض أو العذب والملح (قال) موسى (أي رب اجعل لي علمًا أعلم ذلك) المطلوب (منه) وفي نسخة به قال ابن جريج (فقال) ولأبي ذر قال (لي عمرو) هو ابن دينار (قال): العلم على ذلك المكان (حيث يفارقك الحوت) فإنك تلقاه (وقال لي يعلى) بن مسلم (قال: خذ نونًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي خذ حوتًا (ميتًا) ولمسلم في رواية أبي إسحاق فقيل له تزود حوتًا مالحًا فإنه حيث يفقد الحوت (حيث ينفخ فيه) أي في الحوت (الروح) بيان لقوله حيث يفارقك الحوت (فأخذ) موسى (حوتًا) ميتًا مملوحًا وقيل شق حوت مملح ولابن أبي حاتم أن موسى وفتاه اصطاداه (فجعله في مكتل فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت قال) فتاه (ما كلفت) أي ما كلفتني (كثيرًا) بالمثلثة ولأبي ذر عن الكشميهني كبيرًا بالموحدة (فذلك قوله جل ذكره {وإذ قال موسى لفتاه} يوشع بن نون) بالصرف قال ابن جريج (ليست) تسمية الفتى (عن سعيد) هو ابن جبير (قال فبينما) بالميم (هو) أي موسى وفتاه تبع له (في ظل صخرة) حال كونه (في مكان ثريان) بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة فتحتية مفتوحة وبعد الألف نون صفة لمكان مجرور بالفتحة لا ينصرف لأنه من باب فعلان فعلى أو منصوب حالًا من الضمير المستتر في الجار والمجرور ويجوز ثريانًا بالنصب حالًا كما مر وبالتنوين منصرفًا على لغة بني أسد لأنهم يصرفون كل صفة على فعلان ويؤنثونه بالتاء ويستغنون فيه بفعلاته عن فعلى فيقولون سكرانة وغضبانة فلم تكن الزيادة عندهم في فعلان شبيهة بألفي حمراء فلم تمنع من الصرف وفي بعض الأصول ثريان بالجر صفة لمكان وبالتنوين ما مر وهو من الثرى قال: في النهاية يقال مكان ثريان وأرض ثريى إذا كان في ترابهما بلل وندى (إذ تضرب الحوت) بضاد معجمة وراء مشددة تفعل أي اضطرب وتحرك إذ حيي في المكتل (و) الحال إن (موسى نائم) عند الصخرة (فقال فتاه) يوشع (لا أوقظه حتى إذا استيقظ) سار (فنسي) بالفاء ولغير أبي ذر نسي بحذفها (أن يخبره) بحياة الحوت (وتضرب الحوت) أي اضطرب سائرًا من المكتل (حتى دخل البحر) وفي نسخة في البحر (فأمسك الله عنه) عن الحوت (جرية البحر حتى كأن أثره) نصب بكأن (في حجر) بفتح الحاء والجيم خبرها.
قال ابن جريج: (قال لي عمرو) هو ابن دينار (هكذا كأن أثره في حجر) بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء المفتوحة على كشط في الفرع مصححًا عليها وفي اليونينية وغيرها بتقديم المهملة وفتحهما وفي نسخة بالفرع وأصله حجر بجيم مضمومة فمهملة ساكنة قال ابن حجر وهي أوضح (وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما) يعني الوسطى والتي بعدها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والتي ولأبي ذر أيضًا أخرة تليانهما بفتح الهمزة والخاء المعجمة والراء يعني الوسطي (لقد لقينا) فيه حذف اختصره وقع مبينًا في رواية سفيان فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا (من سفرنا هذا نصبًا) تعبًا ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به (قال) فتى موسى له: (فد قطع الله عنك النصب).
قال ابن جريج: (ليست هذه عن سعيد) هو ابن جبير (أخبره) بسكون المعجمة وموحدة مفتوحة من الإخبار أي أخبر يوشع موسى بقصة تضرب الحوت وفقده الذي هو علامة على وجود الخضر (فرجعا) في الطريق الذي جاءا فيه يقصان آثارهما قصصًا حتى انتهيا إلى الصخرة التي حيي الحوت عندها (فوجدا خضرًا) نائمًا في جزيرة من جزائر البحر.
قال ابن جريج: (قال لي عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم وهو ممن أخذ هذا الحديث عن سعيد بن جبير (على طنفسة خضراء) بكسر الطاء المهملة والفاء بينهما نون ساكنة ولأبي ذر طنفسة بفتح الفاء ويجوز ضم الطاء والفاء وكلها لغات أي فرش صغير أو بساط له خمل (على كبد البحر) أي وسطه وعند عبد بن حميد من طريق ابن المبارك عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان قال: رأى موسى الخضر على طنفسة خضراء على وجه الماء وعند ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس أنه وجده في جزيرة في البحر (قال) ولأبي ذر فقال: (سعيد بن جبير) بالإسناد السابق (مسجى) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منونة أي مغطى كله (بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه) الآخر (تحت رأسه) وعند ابن أبي حاتم عن السدي فرأى الخضر وعليه جبة من صوف وكساء من صوف ومعه عصا قد ألقى عليها طعامه (فسلم عليه موسى فكشف) الثوب (عن وجهه) زاد مسلم في رواية أبي إسحاق وقال وعليكم السلام (وقال: هل بأرضي من سلام) لأنهم كانوا كفارًا أو كانت تحيتهم غير السلام ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني هل بأرض بالتنوين ثم قال الخضر لموسى (من أنت؟ قال: أنا موسى قال) له: (أموسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: فما شأنك)؟ أي ما الذي تطلب (قال: جئت) إليك (لتعلمني مما علمت رشدًا) أي علمًا ذا رشد (قال) الخضر يا موسى (أما يكفيك أن التوراة بيديك) بالتثنية (وأن الوحي يأتيك) من الله على لسان جبريل وهذه الزيادة ليست في رواية سفيان فالظاهر أنها من رواية يعلى بن مسلم (يا موسى إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه) أي كله (وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه) أي كله وتقدير هذا ونحوه متعين كما قال في الفتح لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى للمكلف عنه وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي. وقال البرماوي كالكرماني: وإنما قال لا ينبغي لي أن أعلمه لأنه إن كان نبيًا فلا يجب عليه تعلم شريعة نبي آخر وإن كان وليًا فلعله مأمور بمتابعة نبي غيره وقوله يا موسى ثابت لأبي ذر عن الحموي ساقط لغيره (فأخذ طائر) عصفور (بمنقاره من البحر) ماء (وقال) بالواو ولأبي ذر فقال أي الخضر: (والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر).
وفي الرواية السابقة ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ولفظ النقص ليس على ظاهره، وإنما معناه أن علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله تعالى كنسبة ما أخذه العصفور بمنقاره إلى ماء البحر وهذا على التقريب إلى الإفهام وإلاّ فنسبة علمهما إلى علم الله أقل.
وروى النسائي من وجه آخر عن ابن عباس أن الخضر قال لموسى أتدري ما يقول هذا الطائر؟ قال: لا. قال: يقول ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا مثل ما نقص منقاري من جميع هذا البحر وظاهر هذه الرواية كما في الفتح أن الطائر نقر في البحر عقب قول الخضر لموسى يا موسى إن لي علمًا. وفي رواية سفيان أن ذلك وقع بعد ما خرق السفينة فيجمع بأن قوله فأخذ طائر بمنقاره معقب بمحذوف وهو ركوبهما السفينة لتصريح سفيان بذكر السفينة.
(حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر) بفتح الميم والعين المهملة وبعد الألف موحدة مكسورة فراء غير منصرف أي سفنًا (صغارًا) قال في الفتح وجدا معابر تفسير لقوله ركبا في السفينة لا جواب إذا لأن وجودهما المعابر كان قبل ركوبهما السفينة وقال ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس فيما ذكره ابن كثير في تفسيره فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها (تحمل أهل هذا الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر عرفوه) أي أهل السفينة عرفوا الخضر (فقالوا) هو (عبد الله الصالح قال): يحتمل أن يكون القائل يعلى بن مسلم (قلنا لسعيد) هو ابن جبير (خضر) أي هو خضر (قال: نعم) هو خضر (لا نحمله بأجر) أي بأجرة (فخرقها) بأن قلع لوحًا من ألواحها بالقدوم (ووتد فيها وتدًا) بتخفيف الفوقية الأولى مفتوحة وكسر الثانية مخففة ولأبي ذر وتد فيها بإسقاط الواو الأولى أي جعل فيها وتدًا مكان اللوح الذي قلعه (قال موسى) له: (أخرقتها لتغرق أهلها) اللام للعاقبة (لقد جئت شيئًا إمرًا).
(قال مجاهد) فيما رواه ابن جريج عنه في قوله إمرًا (منكرًا) ووصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه مثله قيل ولم يسمع ابن جريج من مجاهد (قال) الخضر: ({ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا}) أي لما ترى مني من الأفعال المخالفة لشريعتك لأني على علم من علم الله ما علمكه الله وأنت على علم من علم الله ما علمنيه الله فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه قاله ابن كثير (كانت الأولى) في رواية سفيان قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكانت بإثبات الواو (نسيانا) أي من موسى حيث قال لا تؤاخذني بما نسيت (والوسطى) حيث قال إن سألتك عن شيء بعدها (شرطًا، والثالثة) حيث قال لو شئت لاتخذت عليه أجرًا (عمدًا قال) موسى (لا تؤاخذني بما نسيت) أي تركت من وصيتك (ولا ترهقني من أمري عسرًا) أي لا تشدد علي ({لقيا غلامًا) في رواية سفيان السابقة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا ({فقتله}) الفاء للدلالة على أنه لما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال فالقتل تعقب اللقاء.
(قال يعلى) بن مسلم بالإسناد السابق (قال سعيد) هو ابن جبير (وجد) أي الخضر (غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا) منهم (كافرًا ظريفًا) بالظاء المعجمة (فأضجعه ثم ذبحه بالسكين) بكسر المهملة (قال) موسى منكرًا عليه أشد من الأولى (أقتلت نفسًا زكية) بحذف الألف والتشديد وهي قراءة ابن عامر والكوفيين (بغير نفس لم تعمل بالحنث) بالحاء المهملة المكسورة والنون الساكنة لأنها لم تبلغ الحلم وهو تفسير لقوله زكية أي أقتلت نفسًا زكية لم تعمل الحنث بغير نفس ولأبي ذر لم تعمل الخبث بخاء معجمة وموحدة مفتوحتين.
(وكان ابن عباس) ولأبي ذر وابن عباس (قرأها زكية) بالتشديد (زاكية) بالتخفيف والمشددة أبلغ لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة كما مر (زاكية) أي (مسلمة) بضم الميم وكسر اللام (كقولك غلامًا زكيًّا) بالتشديد وهذا تفسير من الراوي وأطلق ذلك موسى على حسب ظاهر حال الغلام لكن قال البرماوي وفي بعضها مسلمة بفتح المهملة واللام المشددة قال السفاقسي وهو أشبه لأنه كان كافرًا (فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقض) أن يسقط والإرادة هنا على سبيل المجاز (فأقامه) الخضر (قال سعيد) من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار عنه (بيده) بالإفراد أي أقامه الخضر بيده (هكذا ورفع يده فاستقام. قال يعلى) بن مسلم (حسبت أن سعيدًا) يعني ابن جبير (قال فمسحه بيده) بالإفراد أيضًا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بيديه بالتثنية (فاستقام)، وقيل دعمه بدعامة تمنعه من السقوط أو هدمه وبل طينًا وأخذ في بنائه إلى أن كمل وعاد كما كان وكلها حكايات حال لا تثبت إلا بنقل صحيح والذي دل عليه القرآن الإقامة لا الكيفية وأحسن هذه الأقوال أنه مسحه أو دفعه بيده فاعتدل لأن ذلك أليق بحال الأنبياء وكرامات الأولياء إلا أن يصح عن الشارع أنه هدمه وبناه فيصار إليه (لو شئت) أي قال موسى للخضر: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا كما في رواية سفيان لو شئت (لاتخذت) بتشديد التاء بعد وصل الهمزة (عليه) أي على تسوية الجدار (أجرًا قال سعيد أجرًا نأكله) أي جعلا نأكل به وإنما قال موسى: ذلك لأنه كان حصل له جهد كبير من فقد الطعام وخشى أن يختلط قوام البنية البشرية (وكان وراءهم) أي (وكان) ولأبي ذر وكان وراءهم ملك وكان (أمامهم قرأها ابن عباس أمامهم ملك) وهي قراءة شاذة مخالفة للمصحف لكنها مفسرة كقوله من ورائه جهنم وقول لبيد:
أليس ورائي إن تراخت منيتي = لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
قال أبو عليّ: إنما جاز استعمال وراء بمعنى أمام على الاتساع لأنها جهة مقابلة لجهة وكانت كل واحدة من الجهتين وراء الأخرى إذا لم يرد معنى المواجهة والآية دالة على أن معنى وراء أمام لأنه لو كان بمعنى خلف كانوا قد جاوزوه فلا يأخذ سفينتهم قال ابن جريج: (يزعمون عن غير سعيد) يعني ابن جبير (أنه) أي الملك الذي كان يأخذ السفن غصبًا اسمه (هدد بن بدد) بضم الهاء وفتح الدال الأولى وبدد بضم الموحدة وفتح الدال الأولى أيضًا مصروف ولأبي ذر بدد غير مصروف. وحكى ابن الأثير فتح هاء هدد وباء بدد قال الحافظ ابن كثير: وهو مذكور في التوراة في ذرية العيص بن إسحاق وهو من الملوك المنصوص عليهم في التوراة (الغلام) بغير واو وفي اليونينية والغلام (المقتول اسمه يزعمون جيسور) بجيم مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة وبعد الواو الساكنة راء، ولأبي ذر عن الكشميهني حيسور بالحاء بدل الجيم وعند القابسي حنسور بنون بدل التحتية وعند عبدوس حيسون بنون بدل الراء ({ملك يأخذ كل سفينة غصبًا}) وفي قراءة أبي كل سفينة صالحة غصبًا رواه النسائي وكان ابن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصبًا (فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا) أي جاوزوا الملك (أصلحوها فانتفعوا بها) وبقيت لهم (ومنهم من يقول سدوها بقارورة ومنهم من يقول بالقار) وهو الزفت واستشكل التعبير بالقارورة إذ هي من الزجاج وكيف يمكن السد به فقيل يحتمل أن توضع قارورة بقدر الموضع المخروق فيه أو يسحق الزجاج ويخلط بشيء كالدقيق فيسد به وهذا قاله الكرماني. قال في الفتح: ولا يخفى بعده قال: وقد وجهت بأنها فاعولة من القار (كان أبواه) يعني الغلام المقتول (مؤمنين) بالتثنية للتغليب يريد أباه وأمه فغلب المذكر كالقمرين (وكان) هو (كافرًا) طبع على الكفر وهذا موافق لمصحف أبيّ وقوّة الكلام تشعر به لأنه لو لم يكن الولد كافرًا لم يكن لقوله وكان أبواه مؤمنين فائدة إذ لا مدخل لذلك في القصة لولا هذه الفائدة والمطبوع على الكفر الذي لا يرجى إيمانه كان قتله في تلك الشريعة واجبًا لأن أخذ الجزية لم يشرع إلا في شريعتنا وكان أبواه قد عطفا عليه.
(فخشينا أن يرهقهما) أي أن يغشاهما وعظم نفسه لأنه اختص من عند الله بموهبة لا يختص بها إلا من هو من خواص الحضرة وقال بعضهم لما ذكر العيب أضافه إلى نفسه وأضاف الرحمة في
قوله أراد ربك إلى الله تعالى وعند القتل عظم نفسه تنبيهًا على أنه من العظماء في علوم الحكمة، ويجوز أن يكون فخشينا حكاية لقول الله تعالى، والمعنى أن الله تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سره وقال له اقتل الغلام لأنا نكره كراهية من خاف سوء العاقبة أن يغشى الغلام الوالدين المؤمنين (طغيانًا وكفرًا) قال ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير معناه (أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه) فإن حب الشيء يعمي ويصم، وقال أبو عبيدة في قوله يرهقهما أي يغشاهما.
وقال قتادة فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل ولو بقي كان فيه هلاكهما فليرض المرء بقضاء الله فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب وصح في الحديث "لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له" (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرًا منه) أي أن يرزقهما بدله ولذا خيرًا منه (زكاة) طهارة من الذنوب والأخلاق الرديئة (وأقرب رحمًا) وذكر هذا مناسبة (لقوله: {أقتلت نفسًا زكية}) بالتشديد (وأقرب رحمًا) أي (هما) أي الأبوان (به) أي بالولد الذي سيرزقانه (أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر). وقيل رحمة وعطفًا على والديه، وسقط لأبي ذر وأقرب رحمًا واقتصر على واحدة منهما. قال ابن جريج (وزعم غير سعيد) أي ابن جبير (أنهما أبدلا جارية) مكان المقتول فولدت نبيًّا من الأنبياء رواه النسائي ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال: ولدت جارية فولدت نبيًّا وهو الذي كان بعد موسى فقالوا له ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله واسم هذا النبي شمعون واسم أمه حنة. وفي تفسير ابن الكلبي فولدت جارية ولدت عدة أنبياء فهدى الله بهم أممًا وقيل عدة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيًّا وعند ابن مردويه من حديث أبيّ بن كعب أنها ولدت غلامًا لكن إسناده ضعيف كما قاله في الفتح قال ابن جريج.
(وأما داود بن أبي عاصم) أي ابن عروة الثقفي التابعي الصغير (فقال: عن غير واحد أنها جارية) وهذا هو المشهور وروي مثله عن يعقوب أخي داود مما رواه الطبري، وقال ابن جريج لما قتله الخضر كانت أمه حاملًا بغلام مسلم ذكره ابن كثير وغيره ويستنبط من الحديث فوائد لا تخفى على متأمل فلا نطيل بها). [إرشاد الساري: 7/221-226] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا (80) فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا}.
يقول تعالى ذكره: وأمّا الغلام، فإنّه كان كافرًا، وكان أبواه مؤمنين، فعلمنا أنّه يرهقهما. يقول: يغشيهما طغيانًا، وهو الاستكبار على اللّه، وكفرًا به.
وقد ذكر ذلك في بعض الحروف. وأمّا الغلام فكان كافرًا
ذكر من قال ذلك وقال نحو الّذي قلنا فيه من التّأويل:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: " وأمّا الغلام فكان كافرًا " في حرف أبيٍّ، {فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانًا} وكفرًا فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين} وكان كافرًا في بعض القراءة. وقوله: {فخشينا} وهي في مصحف عبد اللّه: " فخاف ربّك أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا ".
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبو قتيبة، قال: حدّثنا عبد الجبّار بن عبّاسٍ الهمدانيّ، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " الغلام الّذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرًا ".
والخشية والخوف توجّههما العرب إلى معنى الظّنّ، وتوجّه هذه الحروف إلى معنى العلم بالشّيء الّذي يدرك من غير جهة الحسّ والعيان. وقد بيّنّا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته.
وكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: معنى قوله {خشينا} في هذا الموضع: كرهنا، لأنّ اللّه لا يخشى. وقال في بعض القراءات: " فخاف ربّك "، قال: وهو مثل خفت الرّجلين أن يعوّلا، وهو لا يخاف من ذلك أكثر من أنّه يكرهه لهما). [جامع البيان: 15/356-358]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) سعيد بن جبير -رحمه الله -: قال: قلت لابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما: إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى - صاحب بني إسرائيل - ليس هو صاحب الخضر.
فقال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قام موسى -عليه السلام -خطيباً في بني إسرائيل»، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، قال: فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنّ عبداً من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى، أي ربّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مكتلٍ، فحيث تفقد الحوت، فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نونٍ، فحمل موسى حوتاً في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان، حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى وفتاه، فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر، قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطّاق فكان للحوت سرباً وكان لموسى وفتاه عجباً، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} [الكهف: 62] قال: ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجباً} قال موسى: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصاً} [الكهف: 63، 64] قال: يقصّان آثارهما، حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجّى عليه بثوب، فسلّم عليه موسى، فقال له الخضر: أنّى بأرضك السلام ؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، قال له موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمني مما علّمت رشداً. قال إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً. قال ستجدني إن شاء اللّه صابراً ولا أعصي لك أمراً} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً} [الكهف: 66 - 70] قال: نعم، فانطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ، فكلّموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر، فحملوهما بغير نولٍ، فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السفينة، فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ، عمدت إلى سفينتهم، فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً. قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً. قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً} [الكهف: 71، 73]، ثمّ خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل، إذا غلامٌ يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله، فقال موسى: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً. قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً} [الكهف: 74، 75] قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لّدنّي عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ} يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا {فأقامه قال} له موسى: قومٌ أتيناهم، فلم يضيفونا، ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجراً. قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً} [الكهف: 76 - 78] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر، حتى كان يقصّ علينا من أخبارهما» قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانت الأولى من موسى نسياناً» قال: وجاء عصفورٌ حتى وقع على حرف السّفينة، ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله، إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر.
زاد في رواية: «وعلم الخلائق» ثم ذكر نحوه.
قال سعيد بن جبير: وكان يقرأ «وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصباً» وكان يقرأ «وأما الغلام فكان كافراً».
وفي رواية قال: «بينما موسى- عليه السلام - في قومه يذكّرهم بأيّام الله، وأيّام الله: نعماؤه وبلاؤه، إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلاً خيراً أو أعلم منّي» قال:... وذكر الحديث.
وفيه «حوتاً مالحاً».
وفيه: «مسجّى ثوباً، مستلقياً على القفا، أو على حلاوة القفا».
وفيه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنّه عجّل لرأى العجب، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامةٌ، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً} ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه، ثم قال: {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ} لئامٍ، فطافا في المجلس، فاستطعما أهلها {فأبوا أن يضيّفوهما} إلى قوله: {هذا فراق بيني وبينك} قال: وأخذ بثوبه، ثم تلا إلى قوله: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} إلى آخر الآية [الكهف: 79]، فإذا جاء الذي يسخّرها وجدها منخرقةً، فتجاوزها، فأصلحوها بخشبةٍ وأما الغلام فطبع يوم طبع كافراً، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك {أرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً} ».
وفي رواية قال: «وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها: الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرّك، وانسلّ من المكتل». وذكر نحوه.
وفي رواية: «أنه قيل له: خذ حوتاً، حتى تنفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً، فجعله في مكتل، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، فقال: ما كلّفت كبيراً»... وذكر الحديث.
وفيه «فوجدا خضراً على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر، وأن الخضر قال لموسى: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك، يا موسى، إنّ لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه ».
وفيه في صفة قتل الغلام «فأضجعه فذبحه بالسّكين».
وفيه «كان أبواه مؤمنين، وكان كافراً {فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً} يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً - لقوله: {قتلت نفساً زكية} - وأقرب رحماً} أرحم بهما من الأول الذي قتل الخضر».
وفي رواية «أنهما أبدلا جارية».
وفي رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ ابن عباسٍ تمارى هو والحرّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريّ في صاحب موسى عليه السلام، فقال ابن عباس: هو الخضر، فمرّ بهما أبيّ بن كعبٍ، فدعاه ابن عباسٍ فقال: يا أبا الطّفيل، هلمّ إلينا فإنّي قد تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيّه، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ فقال أبيٌّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا موسى في ملأٍ من بني إسرائيل، إذ جاءه رجلٌ، فقال له: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى، عبدنا الخضر، فسأل موسى السبيل إلى لقيّه، فجعل الله له الحوت آية... وذكر الحديث إلى قوله: {فارتدّا على آثارهما قصصاً} فوجدا خضراً، فكان من شأنهما ما قصّ الله في كتابه». هذه روايات البخاري، ومسلم.
ولمسلم رواية أخرى بطولها، وفيها فانطلقا، حتى إذا لقيا غلماناً يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي، فقتله، قال: فذعر عندها موسى ذعرة منكرة، قال: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند هذا المكان: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجّل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامةٌ».
وعند البخاري فيه ألفاظ غير مسندة، منها: «يزعمون أن الملك كان اسمه: هدد بن بدد، وأنّ الغلام المقتول: كان اسمه فيما يزعمون: حيسور».
وفي رواية في قوله قال: {ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً} قال: «كانت الأولى نسياناً، والوسطى: شرطاً، والثالثة عمداً».
وأخرجه الترمذي مثل الرواية الأولى بطولها.
(وفيها قال سفيان: «يزعم ناسٌ أنّ تلك الصخرة عندها عين الحياة، لا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش. قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش»... وذكر الحديث إلى آخره).
وفي رواية لمسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {لتخذت عليه أجراً}.
وعنده قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
وفي رواية الترمذي أيضاً: قال «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً... لم يزد».
وأخرج أبو داود من الحديث طرفين مختصرين عن أبيّ بن كعبٍ:
الأول، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
والثاني: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الصبيان، فتناول رأسه فقلعه، فقال موسى: {أقتلت نفساً زكيّةً... } الآية».
وحيث اقتصر أبو داود على هذين الطرفين من الحديث بطوله لم أعلم علامته.
[شرح الغريب]
(مكتل) المكتل: شبه الزنبيل، يسع خمسة عشر صاعاً.
(سرباً) السرب: المسلك.
(نصباً) النصب، التعب.
(أوينا) أي: يأوي إلى المنزل: إذا انضم إليه ورجع.
(فارتدا) افتعلا من الارتداد: وهو الرجوع.
(قصصاً) القصص: تتبع الأثر شيئاً بعد شيء، والمعنى: رجعا من حيث جاءا، يقصان الأثر.
(مسجى) المسجى: المغطى.
(رشداً) الرّشد والرّشد: الهدى.
(نول) النّول: العطية والجعل. تقول: نلت الرجل أنوله نولاً: إذا أعطيته، ونلت الشيء أناله نيلاً: وصلت إليه.
(إمراً) الإمر: الأمر العظيم المنكر.
(حلاوة القفا) قال الجوهري: حلاوة القفا بالضم: وسطه، وكذلك حلاوى القفا: فإن مددت، فقلت: حلاواء القفا: فتحت.
(ذمامة) الذمامة بالذال المعجمة: الحياء والإشفاق من الذم، وبالدال غير المعجمة: قبح الوجه، والمراد الأول.
(أرهقهما طغياناً) يقال: رهقه - بالكسر، يرهقه رهقاً، أي: غشيه وأرهقه طغياناً وكفراً، أي أغشاه أياه، ويقال: أرهقني فلان إثماً حتى رهقته، أي: حملني إثماً حتى حملته له، والطغيان: الزيادة في المعاصي.
(طنفسه) الطنفسة: واحدة الطنافس: وهي البسط التي لها خمل رقيق.
(كبد البحر) كبد كل شيء: وسطه. وكأنه أراد به ها هنا: جانبه.
(تمارى) المماراة: المجادلة والمخاصمة). [جامع الأصول: 2/220-230] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا (70) فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا (72) قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا (74) قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا (76) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق آخر عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عباس جعلني الله فداءك بالكوفة رجل قاص يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل، قال: كذب عدو الله حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى، قيل: بلى، قال: أي رب فأين قال: بمجمع البحرين، قال: أي رب اجعل لي علما أعلم به ذلك، قال: خذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ حوتا فجعله في مكتل فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت كثيرا، قال: فبينا هو في ظل صخرة في مكان سريان أن تضرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه: لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره.
وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر، قال موسى {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: قد قطع الله عنك النصب فرجعا فوجدا خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى ثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلم عليه موسى فكسف عن وجهه وقال: هل بأرض من سلام، من أنت قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم، قال: فما شأنك قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك يا موسى إن لي علما لا ينبغي أن تعلمه وإن لك علما لا ينبغي لي أعلمه، فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ الطير منقاره من البحر، حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارا تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر فعرفوه فقالوا: عبد الله الصالح لا نحمله بأجر فخرقها ووتد فيها وتدا، قال موسى {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا (71) قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} كانت الأولى نسيانا والوسطة والثالثة عمدا {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا (73) فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله} ووجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين فقال: {أقتلت نفسا زكية} لم تعمل الحنث، قال ابن عباس قرأها: {زكية} زاكية مسلمة كقولك: غلاما زكيا، {فانطلقا} {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال: بيده هكذا ورفع يده فاستقام {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال: أجر تأكله {وكان وراءهم ملك} قرأها ابن عباس وكان أمامهم ملك يزعمون مدد بن ندد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور {ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدوها بالقار (فكان أبواه مؤمنين) وكان كافرا {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر، وزعم غير سعيد أنهما أبدلا جارية). [الدر المنثور: 9/580-583] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم: إن نوفا يزعم عن أبي بن كعب أن موسى النّبيّ الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني، قال: نعم في عبادي من هو أعلم منك فنعت له مكانه فأذن له في لقيه فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل: إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلقا {فلما جاوزا قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال الفتى وذكر {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي أن ما تعرف ظاهرا ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها فقال له موسى - ورأى أمرا أفظع به - {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرا} ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرآى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له، {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي صغيرة {لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد عذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفوهما ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك، {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} - في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علما). [الدر المنثور: 9/586-590] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الروياني، وابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه فأوحى الله إليه: أني قد علمت ما حدثت به نفسك فإن من عبادي رجلا أعلم منك، يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزود به فأينما فقدته فهناك مكانه، ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتا مالحا في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتا حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ثم جرى حتى وقع في البحر، فذلك قوله تعالى: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلق حتى لحق موسى فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ففقد الحوت فقال: {فإني نسيت الحوت} الآية، يعني فتى موسى {واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ} إلى {قصصا} فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئا ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم فسلم عليه موسى فرفع رأسه فقال: أنى السلام بهذا المكان، من أنت قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما كان لك في قومك شغل عني قال: أني أمرت بك، فقال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} الآية، {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة {قال أخرقتها لتغرق أهلها} الآية، {قال ألم أقل} الآية، {قال لا تؤاخذني} الآية، {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} فوجدا صبيانا يلعبون يريدون القرية فأخذ الخضر غلاما منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى: {أقتلت نفسا زكية} الآية، {قال ألم أقل لك} الآية، {قال إن سألتك} الآية، فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم فرأى الجدار مائلا فمسحه الخضر بيده فاستوى فقال: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال له موسى: قد ترى جهدنا وحاجتنا لو سألتهم عليه أجرا أعطوك فنتعشى به {قال هذا فراق بيني وبينك}، قال: فأخذ موسى بثوبه فقال: أنشدك الصحبة إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت قال: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} الآية، خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها وأما الغلام فإن الله جعله كافرا وكان أبواه مؤمنين فلو عاش لأرهقهما {طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} الآية). [الدر المنثور: 9/592-595] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال: كان اسم الغلام الذي قتله الخضر جيسور). [الدر المنثور: 9/617]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري عن ابن عباس أنه كان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/617]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة قال: في حرف أبي وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/617]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {فخشينا} قال: فأشفقنا). [الدر المنثور: 9/617]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: هي في مصحف عبد الله فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرا). [الدر المنثور: 9/617]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} قال: خشينا أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مطر في الآية قال: لو بقي كان فيه بوارهما واستئصالهما). [الدر المنثور: 9/617-618]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا (68) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623] (م)

تفسير قوله تعالى: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (وقال معمر وقال قتادة أمامهم ألا ترى أنه يقول {من ورائهم جهنم} وهي بين يديه وفي حرف ابن مسعود (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) وأما الغلام فكان كافرا وفي حرف أبي بن كعب: وكان أبواه مؤمنين فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحماً أبر بوالديه
{وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزا لهما} قال مال لهما). [تفسير عبد الرزاق: 1/407] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أنّ ابن جريجٍ أخبرهم، قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، وعمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيد بن جبيرٍ، قال: إنّا لعند ابن عبّاسٍ في بيته، إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عبّاسٍ، جعلني اللّه فداءك، بالكوفة رجلٌ قاصٌّ يقال له: نوفٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل، أمّا عمرٌو فقال لي: قال: قد كذب عدوّ اللّه، وأمّا يعلى فقال لي: قال ابن عبّاسٍ، حدّثني أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " موسى رسول اللّه عليه السّلام، قال: ذكّر النّاس يومًا حتّى إذا فاضت العيون، ورقّت القلوب، ولّى فأدركه رجلٌ فقال: أي رسول اللّه، هل في الأرض أحدٌ أعلم منك؟ قال: لا، فعتب عليه إذ لم يردّ العلم إلى اللّه، قيل: بلى، قال: أي ربّ، فأين؟ قال: بمجمع البحرين، قال: أي ربّ، اجعل لي علمًا أعلم ذلك به - فقال لي عمرٌو - قال: حيث يفارقك الحوت - وقال لي يعلى - قال: خذ نونًا ميّتًا، حيث ينفخ فيه الرّوح، فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلّا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلّفت كثيرًا فذلك قوله جلّ ذكره: {وإذ قال موسى لفتاه} [الكهف: 60] يوشع بن نونٍ - ليست عن سعيدٍ - قال: فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان، إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ، فقال فتاه: لا أوقظه حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبره، وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر، فأمسك اللّه عنه جرية البحر، حتّى كأنّ أثره في حجرٍ - قال لي عمرٌو: هكذا كأنّ أثره في حجرٍ، وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما - {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ، قال: قد قطع اللّه عنك النّصب - ليست هذه عن سعيدٍ أخبره - فرجعا فوجدا خضرًا - قال لي عثمان بن أبي سليمان - على طنفسةٍ خضراء، على كبد البحر - قال سعيد بن جبيرٍ - مسجًّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضي من سلامٍ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا، قال: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك يا موسى، إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه، فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر، وقال: واللّه ما علمي وما علمك في جنب علم اللّه إلّا كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر، حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغارًا، تحمل أهل هذا السّاحل إلى أهل هذا السّاحل الآخر، عرفوه فقالوا: عبد اللّه الصّالح - قال: قلنا لسعيدٍ: خضرٌ؟ قال: نعم - لا نحمله بأجرٍ، فخرقها ووتد فيها وتدًا، قال موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئًا إمرًا} [الكهف: 71]- قال مجاهدٌ: منكرًا - (قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا) ، كانت الأولى نسيانًا والوسطى شرطًا، والثّالثة عمدًا، {قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} [الكهف: 73] ، لقيا غلامًا فقتله - قال يعلى: قال سعيدٌ: وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين - {قال: أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ} [الكهف: 74] لم تعمل بالحنث - وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً (زاكيةً) : مسلمةً كقولك غلامًا زكيًّا - فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقضّ، فأقامه - قال سعيدٌ بيده هكذا، ورفع يده فاستقام، قال يعلى: حسبت أنّ سعيدًا قال: فمسحه بيده فاستقام - {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77]- قال سعيدٌ: أجرًا نأكله - {وكان وراءهم} [الكهف: 79] وكان أمامهم - قرأها ابن عبّاسٍ: أمامهم ملكٌ، يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بدد، والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ - {ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} [الكهف: 79] ، فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها، فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها - ومنهم من يقول: سدّوها بقارورةٍ، ومنهم من يقول بالقار - {كان أبواه مؤمنين} وكان كافرًا {فخشينا أن يرهقهما طغيانًا، وكفرًا} [الكهف: 80] أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه، (فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً) لقوله: {أقتلت نفسًا زكيّةً} [الكهف: 74] {وأقرب رحمًا} [الكهف: 81] هما به أرحم منهما بالأوّل، الّذي قتل خضرٌ - وزعم غير سعيدٍ: أنّهما أبدلا جاريةً، وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال: عن غير واحدٍ: إنّها جاريةٌ - "). [صحيح البخاري: 6/89-91] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وأقرب رحمًا هما به أرحم منهما بالأول الّذي قتل خضر وروى بن المنذر من طريق إدريس الأوديّ عن عطيّة نحوه وعن الأصمعيّ قال الرّحم بكسر الحاء القرابة وبسكونها فرج الأنثى وبضمّ الرّاء ثمّ السّكون الرّحمة وعن أبي عبيد القاسم بن سلّامٍ الرّحم والرّحم يعني بالضّمّ والفتح مع السّكون فيهما بمعنًى وهو مثل العمر والعمر وسيأتي قوله رحمًا في الباب الّذي بعده أيضًا قوله وزعم غير سعيد أنّهما أبدلا جارية هو قول بن جريج وروى بن مردويه من وجه آخر عن بن جريجٍ قال وقال يعلى بن مسلمٍ أيضًا عن سعيد بن جبيرٍ إنّها جاريةٌ وفي رواية الإسماعيليّ من هذا الوجه قال ويقال أيضًا عن سعيد بن جبيرٍ إنّها جاريةٌ وللنّسائيّ من طريق أبي إسحاق عن سعيد بن جبيرٍ عن بن عبّاسٍ فأبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً قال أبدلهما جاريةً فولدت نبيًّا من الأنبياء وللطّبريّ من طريق عمرو بن قيسٍ نحوه ولابن المنذر من طريق بسطام بن حميل قال أبدلهما مكان الغلام جاريةً ولدت نبيّين ولعبد بن حميدٍ من طريق الحكم بن أبانٍ عن عكرمة ولدت جاريةً ولابن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ قال ولدت جاريةً فولدت نبيًّا وهو الّذي كان بعد موسى فقالوا له ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله واسم هذا النّبيّ شمعون واسم أمّه حنة وعند بن مردويه من حديث أبيّ بن كعبٍ أنّها ولدت غلاما لكن إسناده ضعيف وأخرجه بن المنذر بإسناد حسن عن عكرمة عن بن عبّاس نحوه وفي تفسير بن الكلبيّ ولدت جاريةً ولدت عدّة أنبياء فهدى اللّه بهم أممًا وقيل عدّة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيًّا قوله وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحد إنّها جارية هو قول بن جريجٍ أيضًا وروى الطّبريّ من طريق حجّاج بن محمّد عن بن جريجٍ أخبرني إسماعيل بن أميّة عن يعقوب بن عاصمٍ أنّهما أبدلا جاريةً قال وأخبرني عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ عن سعيد بن جبير إنّها جارية قال بن جريجٍ وبلغني أنّ أمّه يوم قتل كانت حبلى بغلامٍ ويعقوب بن عاصمٍ هو أخو داود وهما ابنا عاصم بن عروة بن مسعودٍ الثّقفيّ وكلٌّ منهما ثقةٌ من صغار التّابعين وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدّم استحباب الحرص على الازدياد من العلم والرّحلة فيه ولقاء المشايخ وتجشّم المشاقّ في ذلك والاستعانة في ذلك بالأتباع وإطلاق الفتى على التّابع واستخدام الحرّ وطواعية الخادم لمخدومه وعذر النّاسي وقبول الهبة من غير المسلم واستدلّ به على أنّ الخضر نبيٌّ لعدّة معانٍ قد نبّهت عليها فيما تقدّم كقوله وما فعلته عن أمرى وكاتّباع موسى رسول اللّه له ليتعلّم منه وكإطلاق أنّه أعلم منه وكإقدامه على قتل النّفس لما شرحه بعد وغير ذلك وأمّا من استدلّ به على جواز دفع أغلظ الضّررين بأخفّهما والإغضاء على بعض المنكرات مخافة أن يتولّد منه ما هو أشدّ وإفساد بعض المال لإصلاح معظمه كخصاء البهيمة للسّمن وقطع أذنها لتتميّز ومن هذا مصالحة وليّ اليتيم السّلطان على بعض مال اليتيم خشية ذهابه بجميعه فصحيحٌ لكن فيما لا يعارض منصوص الشّرع فلا يسوغ الإقدام على قتل النّفس ممّن يتوقّع منه أن يقتل أنفسًا كثيرةً قبل أن يتعاطى شيئًا من ذلك وإنّما فعل الخضر ذلك لاطّلاع اللّه تعالى عليه وقال بن بطّالٍ قول الخضر وأمّا الغلام فكان كافرًا هو باعتبار ما يئول إليه أمره أن لو عاش حتّى يبلغ واستحباب مثل هذا القتل لا يعلمه إلّا اللّه وللّه أن يحكم في خلقه بما يشاء قبل البلوغ وبعده انتهى ويحتمل أن يكون جواز تكليف المميّز قبل أن يبلغ كان في تلك الشّريعة فيرتفع الإشكال وفيه جواز الإخبار بالتّعب ويلحق به الألم من مرضٍ ونحوه ومحلّ ذلك إذا كان على غير سخطٍ من المقدور وفيه أنّ المتوجّه إلى ربّه يعان فلا يسرع إليه النّصب والجوع بخلاف المتوجّه إلى غيره كما في قصّة موسى في توجّهه إلى ميقات ربّه وذلك في طاعة ربّه فلم ينقل عنه أنّه تعب ولا طلب غداءً ولا رافق أحدًا وأمّا في توجّهه إلى مدين فكان في حاجة نفسه فأصابه الجوع وفي توجّهه إلى الخضر لحاجة نفسه أيضًا فتعب وجاع وفيه جواز طلب القوت وطلب الضّيافة وفيه قيام العذر بالمرّة الواحدة وقيام الحجّة بالثّانية قال بن عطيّة يشبه أن يكون هذا أصل مالكٍ في ضرب الآجال في الأحكام إلى ثلاثة أيّامٍ وفي التّلوّم ونحو ذلك وفيه حسن الأدب مع اللّه وأن لا يضاف إليه ما يستهجن لفظه وإن كان الكلّ بتقديره وخلقه لقول الخضر عن السّفينة فأردت أن أعيبها وعن الجدار فأراد ربك ومثل هذا قوله صلّى اللّه عليه وسلّم والخير بيدك والشّر ليس إليك). [فتح الباري: 8/420-422] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أنّ ابن جريج أخبرهم قال أخبرني يعلى بن مسلمٍ وعمرو بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيدٍ قال إنّا لعند بن عبّاسٍ في بيته إذ قال سلوني قلت أي أبا عباسٍ جعلني الله فداءك بالكوفة رجلٌ قاص يقال له نوفٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل أمّا عمروٌ فقال لي قال قد كذب عدوّ الله وأمّا يعلى فقال لي قال ابن عبّاس حدّثني أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى رسول الله عليه السّلام قال ذكّر النّاس يوماً حتّى إذا فاضت العيون ورقّت القلوب ولّى فأدركه رجلٌ فقال أي رسول الله هل في الأرض أحدٌ أعلم منك قال لا فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله قيل بلى قال أي ربّ فأين قال بمجمع البحرين قال أي ربّ اجعل لي أعلم علماً ذالك به فقال لي عمروٌ قال حيث يفارقك الحوت وقال لي يعلى خذ نوناً ميّتاً حيث ينفخ فيه الرّوح فأخذ حوتاً فجعله في مكتلٍ فقال لفتاه لا أكلّفك إلاّ أن تخبرني حيث يفارقك الحوت قال ما كلّفت كثيراً فذالك قوله جلّ ذكره وإذ قال موسى لفتاه يوشع بن نونٍ ليست عن سعيدٍ قال فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ فقال فتاه لا أوقظه حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبرة وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتّى كأنّ أثره في حجر قال لي عمروٌ هاكذا كأنّ أثره في حجرٍ وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما لقد لقينا من سفرنا هاذا نصباً قال قد قطع الله عنك النّصب ليست هاذه عن سعيدٍ أخبره فرجعا فوًّجدا خضراً قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر قال سعيد بن جبيرٍ مسجّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال هل بأرضي من سلامٍ من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم قال فما شأنك قال جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشداً قال أما يكفيك أن التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك يا موسى إنّ علماً لا ينبغي لك أن تعلمه وإنّ لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر وقال والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلاّ كما أخذ هاذا الطّائر بمنقاره من البحر حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغاراً تحمل أهل هاذا السّاحل إلى أهل هاذا السّاحل الآخر عرفوه فقالوا عبد الله الصّالح قال قلنا لسعيدٍ خضرٌ قال نعم لا نحمله بأجرٍ فخرقها ووتد فيها وتداً قال موسى أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال مجاهدٌ منكراً قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً كانت الأولى نسياناً والوسطى شرطاً والثّانية عمداً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً لقيا غلاماً فقتله قال يعلى قال سعيدٌ وجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين قال أقتلت نفساً زكيّةً بغير نفسٍ لم تعمل بالحنث وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً زاكيةً مسلمةً كقولك غلاماً زاكياً فانطلقا فوجدا جداراً يريد أن ينقضّ فأقامه قال سعيدٌ بيده هاكذا ورفع يده فاستقام قال يعلى حسبت أنّ سعيداً قال فمسحه بيده فاستقام لو شئت لاتّخذت عليه أجراً قال سعيدٌ أجراً نأكله وكان وراءهم وكان أمامهم قرأها ابن عبّاسٍ أمامهم ملكٌ يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بدد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصباً فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدّوها بقارورةٍ ومنهم من يقول بالقار كان أبواه مؤمنين وكان كافراً فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً لقوله أقتلت نفساً زكيّةً وأقرب رحماً هما به أرحم منهما بالأوّل الّذي قتل خضرٌ وزعم غير سعيدٍ أنّهما أبدلا جاريةً وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحدٍ إنّها جاريةٌ..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة لأنّه في توضيحها، وهو طريق آخر برواية آخرين وبزيادة ونقصان في المتن أخرجه عن إبراهيم بن موسى أبو إسحاق الفراء الرّازيّ المعروف بالصغير، عن هشام بن يوسف الصّنعانيّ قضينها عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن يعلى، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللّام وبالقصر: ابن مسلم بلفظ إسم الفاعل من الإسلام ابن هرمز إلى آخره.
قوله: (يزيد أحدهما على صاحبه) أي: أحد المذكورين وهما: يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار فقط، وهو أحد شيخي ابن جريج فيه، وهنا ابن جريج يروي عن يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار. قوله: (وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد) ، هذا من كلام ابن جريج، أي: غير يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار قد سمعته يحدث هذا الحديث عن سعيد بن جبير، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه في قوله: (وغيرهما) وهو: عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم القرشي المكّيّ رضي الله عنه، فإن قلت: كيف إعراب هذا؟ قلت: (غيرهما) مبتدأ، وقوله: (قد سمعته) جملة وقعت خبرا، والضّمير المنصوب فيه يرجع إلى لفظ: غير، وقوله: (يحدثه) جملة وقعت حالا، ووقع في رواية الكشميهني: يحدث، بحذف الضّمير المنصوب. قوله: (عن سعيد) ، أي: سعيد بن جبير رضي الله عنه. قوله: (لعند ابن عبّاس) ، اللّام فيه مفتوحة للتّأكيد أي: قال سعيد بن جبير: أنا كنت عند عبد الله بن عبّاس حال كونه في بيته. قوله: (أي أبا عبّاس) ، أي: يا أبا عبّاس! وأبو عبّاس كنية عبد الله بن عبّاس. قوله: (بالكوفة رجل قاص) ، هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: إن بالكوفة رجلا قاصا، والقاص بتشديد الصّاد الّذي يقص النّاس الأخبار من المواعظ وغيرها. قوله: (أما عمرو فقال لي: كذب عدو الله) أراد أن ابن جريج قال: أما عمرو بن دينار فإنّه قال لي في روايته، قال ابن عبّاس: كذب عدو الله، وأشار بهذا إلى أن هذه الكلمة لم تقع في رواية يعلى ابن مسلم، ولهذا قال: وأما يعلى، أي ابن مسلم الرّاوي، فإنّه قال لي: قال ابن عبّاس إلى آخره. قوله: (ذكر النّاس) ، بتشديد الكاف من التّذكير. قوله: (ولى) ، أي: رجع إلى حاله. قوله: (فقال: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: يا رسول الله، قاله لموسى عليه الصّلاة والسّلام. قوله: (قيل: بلى) ، أي: بلى في الأرض أحد أعلم منك، وفي رواية مسلم: (إن في الأرض رجلا هو أعلم منك) ، ووقع في رواية سفيان: فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وعلم من هاتين الروايتن أن القائل في قوله: بلى، هو الله تعالى فأوحى الله إليه بذلك. قوله: (أي رب، فأين؟) يعني: يا رب أين هو؟ في أي مكان؟ وفي رواية سفيان: يا رب، فكيف لي به؟ وفي رواية النّسائيّ: فأدلني على هذا الرجل حتّى أتعلم منه. قوله: (علما) ، بفتح العين واللّام، أي: علامة. قوله: (أعلم ذلك به) ، أي: أعلم المكان الّذي أطلبه بالعلم. قوله: (فقال لي عمرو) ، القائل هو ابن جريج الرّاوي، أي: قال لي عمرو بن دينار. قوله: (حيث يفارقك الحوت) ، أي: العلم على ذلك المكان الّذي يفارقك فيه الحوت، ووقع ذلك مفسرًا في رواية سفيان عن عمرو، وقال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثمّ. قوله: (قال لي) ، يعني: القائل هو ابن جريج، أي: قال لي يعلى بن مسلم في روايته: خذ نوناً أي حوتاً، ولفظ: نوناً، وقع في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: حوتاً، وفي رواية مسلم: تزود حوتاً مالحاً فإنّه حيث تفقد الحوت. قوله: (حيث ينفخ فيه) ، أي: في النّون (الرّوح) يعني حيث تفقده في المكان الّذي يحيى الحوت. قوله: (فأخذ نوناً) أي: فأخذ موسى حوتاً، ووقع في رواية ابن أبي حاتم أن موسى ويوشع فتاه اصطاداه. قوله: (فقال لفتاه) ، وهو يوشع بن نون. قوله: (ما كلفت كثيرا) بالثاء المثلّثة، وفي رواية الكشميهني بالباء الموحدة. قوله: (ليست عن سعيد، القائل به هو ابن جريج، أراد بذلك أن تسمية الفتى ليست عن رواية سعيد ابن جبير. قوله: (ثريان) ، بفتح الثّاء المثلّثة وسكون الرّاء وتخفيف الياء آخر الحروف على وزن فعلان من الثرى، وهو التّراب الّذي فيه نداوة. قوله: (تضرب) أي: اضطرب، وفي رواية سفيان: واضطرب الحوت في المكتل فسقط في البحر وفي رواية مسلم فاضطرب الحوت في الماء. قوله: (وموسى نائم) جملة حالية. قوله: (حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبره) ، فيه حذف تقديره: حتّى إذا استيقظ سار فنسي. قوله: (في حجر) ، بفتح الحاء المهملة والجيم ويروى بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، وهو أوضح، قوله: (قال لي عمرو) ، القائل هو ابن جريج، أي: قال لي عمرو بن دينار. قوله: (واللتين تليانهما) ، يعني: السبابتين، وهكذا وقع في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: وحلق بين إبهاميه فقط. قوله: (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) ، وقع هنا مختصرا، وفي رواية سفيان: فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لقينا من فرنا هذا نصبا. قوله: قال: قد قطع الله عنك النصب، هذا من قول ابن جريج وليست هذه اللّفظة عن سعيد بن جبير. قوله: (أخبره) ، بفتح الهمزة وسكون الخاء وفتح الباء الموحدة والرّاء وهاء الضّمير، هكذا في رواية من الإخبار، قال بعضهم: أي: أخبر الفتى موسى بالقصة قلت: ما أظن أن هذا المعنى صحيح، والّذي يظهر لي أن المعنى نفي الإخبار عن سعيد بهذه اللّفظة لمن روى عنه، وفي رواية لأبي ذر آخره بهمزة ومعجمة وراء وهاء، وفي أخرى بمد الهمزة وكسر الخاء وفتح الرّاء بعدها هاء الضّمير أي: إلى آخر الكلام. وفي أخرى بفتحات وتاء تأنيث منونة منصوبة، قال لي عثمان بن أبي سليمان: القائل ابن جريج، يقول: قال لي عثمان، وقد مرت ترجمته عن قريب. قوله: (على طنفسة) ، وهي فرش صغير، وقيل: بساط له خمل، وفيها لغات كسر الطّاء والفاء بينهما نون ساكنة، وضم الطّاء والفاء وكسر الطّاء وفتح الفاء. قوله: (على كبد البحر) ، أي: على وسطه، وهذه الرّواية القائلة بأنّه كان في وسط البحر، غريبة. قوله: (هل بأرضي من سلام) ، وفي رواية الكشميهني: (هل بأرض) . قوله: (ما شأنك؟) أي: ما الّذي تطلب ولما جئت؟ قوله: (رشدا) ، قرأ أبو عمرو بفتحتين والباقون كلهم بضم أوله وسكون ثانيه، والجمهور على أنّهما بمعنى. قوله: (معابر) ، جمع معبرة وهي السفن الصغار. قوله: (خضرًا) ، أي: هو خضر. قوله: (قالوا: هذا لسعيد بن جبير، قال: نعم، قيل: القائل بذلك يعلى بن مسلم، والله أعلم. قوله: (ووتدها) بفتح الواو وتشديد التّاء المثنّاة من فوق أي: جعل فيها وتداً، وفي رواية سفيان: قلع لوحاً بالقدوم، والجمع بين الرّوايتين أنه: قلع اللّوح وجعل مكانه وتداً، وروى عبد بن حميد من رواية ابن المبارك عن ابن جريج عن يعلى بن مسلم: جاء بودحين خرقها، والود بفتح الواو وتشديد الدّال لغة في: الوتد قلت: الوتد إنّما كان للإصلاح ودفع نفوذ الماء، وفي رواية أبي العالية: فحرق السّفينة فلم يره أحد إلاّ موسى. ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين ذلك. قوله: (قال مجاهد منكرا) ، وصل ابن المنذر: هذا التّعليق عن عليّ بن المبارك عن زيد بن ثور عن ابن جريج عن مجاهد. قوله: (نسيانا) ، حيث قال: لا تؤاخذوني بما نسيت، وشرطاً حيث قال: إن سألتك عن شيء بعدها، وعمدا حيث قال: لو شئت لاتخذت عليه أجرا، قوله: (لقيا غلاما) في رواية سفيان: فبينما هما يمشيان على ساحل البحر إذا أبصر الخضر غلاما. قوله: (قال يعلى) ، هو يعلى بن مسلم الرّاوي وسعيد هو ابن جبير. قوله: (ثمّ ذبحه بالسكين) ، فإن قلت: قال أولا: فقتله، ثمّ قال: فذبحه، وفي رواية سفيان: فاقتلعه بيده. قلت: لا منافاة بينهما لأنّه لعلّه قطع بعضه بالسكين ثمّ قلع الباقي والقتل يشملهما. قوله: (لم يعمل بالحنث) ، بكسر الحاء المهملة وسكون النّون وبالثاء المثلّثة وهو الإثم والمعصية. قوله: (قرأها) كذا هو في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: وكان ابن عبّاس يقرؤها: زكية، وهي قراءة الجمهور، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: زاكية. قوله: (مسلمة) ، بضم الميم وسكون السّين وكسر اللّام عند الأكثرين، ولبعضهم بفتح السّين وتشديد اللّام المفتوحة. قوله: (فانطلقا) ، أي: موسى وخضر عليهما السّلام. قوله: (يزعمون عن غير سعيد) ، القائل بهذا هو ابن جريج، ومراده أن إسم الملك الّذي كان يأخذ السفن لم يقع في رواية سعيد بن جبير، وعزاه ابن خالويه في كتاب: (ليس) لمجاهد. قوله: (هدد) بضم الهاء وحكى ابن الأثير فتحها والدّال مفتوحة بلا خلاف. قوله: (بدد) ، بفتح الباء الموحدة، وقال الكرماني بضم الباء والدّال مفتوحة، وزعم ابن دريد أن هدد اسم ملك من ملوك حمير زوجه سليمان بن داود عليهما السّلام، بلقيس. قيل: إن ثبت هذا حمل على التّعدّد والاشتراك في الإسم لبعد ما بين مدّة سليمان وموسى عليهما السّلام، وجاء في تفسير مقاتل: أن اسمه منولة بن الجلندي بن سعيد الأزديّ، وقيل: هو الجلندي، وكان بجزيرة الأندلس. قوله: (والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور) ، القائل بذلك هو ابن جريج، وجيسور، بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وضم السّين المهملة، كذا هو في رواية عن أبي ذر، وفي رواية أخرى له عن الكشميهني بفتح الهاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف، وكذا في رواية ابن السكن، وفي رواية القابسيّ بنون بدل الياء آخر الحروف، وعند عبدوس بنون بدل الرّاء، وعن السّهيلي أنه رآه في نسخة بفتح المهملة والموحّدة ونونين الأولى مضمومة بينهما الواو الساكنة، وفي تفسير الضّحّاك: اسمه حشرد، وفي تفسير الكلبيّ: اسم الغلام شمعون. قوله: (يأخذ كل سفينة غصبا) ، وفي رواية النّسائيّ: كل سفينة صالحة، وفي رواية إبراهيم بن بشار عن سفيان، وكان ابن مسعود يقرأ: كل سفينة صحيحة غصبا. قوله: (فأردت إذا هي مرت به أن يدعها) ، أي: أن يتركها لأجل عيبها، وفي رواية النّسائيّ: فأردت أن أعيبها حتّى لا يأخذها. قوله: (فإذا جاوزوا) أي: عدوا عن الملك أصلحوها، وفي رواية النّسائيّ: فإذا جاوزوه رقعوها. قوله: (بقارورة) ، بالقاف وهي: الزّجاج، وقال الكرماني: كيفيّة السد بالقارورة غير معلومة، ثمّ وجهه بوجهين: أحدهما: أن تكون قارورة بقدر الموضع المخروق فتوضع فيه، والآخر: يسحق الزّجاج ويخلط بشيء كالدقيق فيسد به، وقال بعضهم، بعد أن ذكر الوجه الثّاني: فيه بعد. قلت: لا بعد فيه، لأنّه غير متعذر ولا متعسر، والبعد في الّذي قاله هو أن القارورة فاعولة من القار. قوله: (بالقار) ، بالقاف والرّاء وهو الزفت، وهذا أقرب من القول الأول. قوله: (كان أبواه) أي: أبوا الغلام. قوله: (أن يرهقهما) أي: يلحقهما. وقوله: (فخشينا) إلى قوله: (من دينه) من تفسير ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير. انتهى. قوله: (أن يحملهما) ، يجوز أن يكون بدلا من قوله: (أن يرهقهما) ويجوز أن يكون التّقدير: بأن يحملهما. وقوله: (حبه) بالرّفع فاعله. قوله: (خيرا منه) أي: من الغلام المقتول. قوله: (زكاة) نصب على التميز، وإنّما ذكرها للمناسبة بينها وبين قوله: (نفسا زكية) أشار إلى ذلك بقوله: {أقتلت نفسا زكية} (الكهف: 74) ولما وصف موسى نفس الغلام بالزكية وذكر الله تعالى بقوله: {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} (الكهف: 81) وفي التّفسير قوله: (زكاة) أي صلاحاً وإسلاماً ونماء. قوله: (وأقرب رحما) قال الثّعلبيّ: من الرّحم والقرابة، وقيل: هو من الرّحمة، وعن ابن عبّاس: أوصل للرحم وأبر بوالديه، وعن الفراء: أقرب أن يرحماه، وقيل: من الرّحم، بكسر الحاء أشد مبالغة من الرّحمة الّتي هي رقة القلب والتعطف لاستلزام القرابة، الرقة غالبا من غير عكس، وقال الكرماني: وظن بعضهم أنه مشتقّ من الرّحم الّذي هو الرّحمة، وغرضه أنه يعني القرابة لا الرقة، وعند البعض بالعكس. قوله: (هما به أرحم منهما بالأول) ، أي: الأبوان المذكوران به أي: بالّذي يبدل من المقتول أرحم منهما بالأول، وهو المقتول. قوله: (وزعم غير سعيد من قول ابن جريج) ، أي: زعم غير سعيد بن جبير أنّهما أي الأبوين أبدلا جارية بدل المقتول، وروي عن سعيد أيضا: أنّها جارية، على ما جاء وفي رواية النّسائيّ من طريق ابن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس: أبدلهما جارية فولدت نبيا من الأنبياء، وفي رواية الطّبرانيّ: ببنين، وعن السّديّ: ولدت جارية، فولدت نبيا، وهو الّذي كان بعد موسى، فقالوا له: إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، واسم هذا النّبي شمعون، واسم أمه حنة. فإن قلت: روى ابن مردويه من حديث أبي بن كعب أنّها ولدت غلاما. قلت: إسناده ضعيف، وفي تفسير ابن الكلبيّ: ولدت جارية ولدت عدّة أنبياء فهدى الله بهم أمماً، وقيل: عدّة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيا. قوله: (وأما داود بن أبي عاصم) إلى آخره من قول ابن جريج أيضا، وداود بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود الثّقفيّ ثقة من صغار التّابعين، وله أخ يسمى: يعقوب، هو أيضا ثقة من التّابعين). [عمدة القاري: 19/43-47] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أنّ ابن جريجٍ، أخبرهم قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، وعمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيدٍ قال: إنّا لعند ابن عبّاسٍ في بيته إذ قال: سلوني؟ قلت: أي أبا عبّاسٍ -جعلنى اللّه فداك- بالكوفة رجلٌ قاصٌّ يقال له نوقٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل أمّا عمرٌو فقال لي قال: قد كذب عدوّ اللّه وأمّا يعلى فقال لي قال ابن عبّاسٍ: حدّثني أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- «موسى رسول اللّه - عليه السّلام - قال: ذكّر النّاس يومًا حتّى إذا فاضت العيون ورقّت القلوب ولّى فأدركه رجلٌ فقال: أي رسول اللّه هل في الأرض أحدٌ أعلم منك؟ قال: لا، فعتب عليه إذ لم يردّ العلم إلى اللّه قيل: بلى، قال: أي ربّ فأين؟ قال بمجمع البحرين، قال: أي ربّ اجعل لي علمًا أعلم ذلك به -فقال لي عمرٌو:- فقال لي عمروٌ: حيث يفارقك الحوت -وقال لي يعلى: قال: «خذ نونًا ميّتًا حيث ينفخ فيه الرّوح فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ فقال: لفتاه لا أكلّفك إلاّ أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت قال: ما كلّفت كثيرًا؟ فذلك قوله جلّ ذكره {وإذ قال موسى} لفتاه يوشع بن نونٍ" ليست عن سعيدٍ قال: "فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ فقال فتاه: لا أوقظه حتّى إذا استيقظ فنسى أن يخبره وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر فأمسك اللّه عنه جرية البحر حتّى كأنّ أثره في حجرٍ- قال لي عمرٌو هكذا كأنّ أثره في حجرٍ وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما "لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، قال: قد قطع اللّه عنك النّصب" -ليست هذه عن سعيدٍ أخبره- "فرجعا فوجدا خضرًا" قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر -قال سعيد بن جبيرٍ- "مسجًّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضي من سلامٍ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم. قال: فما شأنك؟ قال جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قال: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك يا موسى إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر وقال: واللّه ما علمي وما علمك في جنب علم اللّه إلاّ كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغارًا تحمل أهل هذا السّاحل إلى أهل هذا السّاحل الآخر عرفوه فقالوا: عبد اللّه الصّالح قال: قلنا لسعيدٍ خضرٌ قال: نعم لا نحمله بأجرٍ فخرقها ووتد فيها وتدًا قال موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا} "قال مجاهدٌ: منكرًا، " {قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا} كانت الأولى نسيانًا والوسطى شرطًا والثّالثة عمدًا، " {قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} {لقيا غلامًا فقتله} قال يعلى قال سعيدٌ: "وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين قال: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ} [الكهف: 74] لم تعمل بالحنث؟ وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً. زاكيةً - مسلمةً " {فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقضّ فأقامه} " [الكهف: 77] قال سعيدٌ بيده هكذا ورفع يده فاستقام قال يعلى: حسبت أنّ سعيدًا قال "فمسحه بيده فاستقام {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] قال سعيدٌ أجرًا نأكله {وكان وراءهم} وكان أمامهم قرأها ابن عبّاسٍ أمامهم ملكٌ يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بددٍ والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ {ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا فأردت} [الكهف: 79] إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول: سدّوها بقارورةٍ ومنهم من يقول: بالقار كان أبواه مؤمنين وكان كافرًا فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا لقوله: {أقتلت نفسًا زكيّةً} [الكهف: 74] وأقرب رحمًا هما به أرحم منهما بالأوّل الّذي قتل خضرٌ وزعم غير سعيدٍ أنّهما أبدلا جاريةً وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحدٍ إنّها جاريةٌ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الصغير الرازي قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) اليماني قاضيها (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى بن مسلم) بن هرمز المكي البصري الأصل (وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه) قال الحافظ ابن حجر: فتستفاد زيادة أحدهما على الآخر من الإسناد الذي قبله فإن الأوّل من رواية سفيان عن عمرو بن دينار فقط وهو أحد شيخي ابن جريج فيه (وغيرهما) هو من كلام ابن جريج أي وغير يعلى وعمرو (قد سمعته) حال كونه (يحدثه) أي يحدث الحديث المذكور (عن سعيد) وكان الأصل أن يقول يحدث به لكنه عداه بغير الباء، ولأبي ذر عن الكشميهني يحدث بحذف الضمير المنصوب، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه في قوله وغيرهما كعثمان بن أبي سليمان، وروى شيئًا من هذه القصة عن سعيد بن جبير من مشايخ ابن جريج عبد الله بن عثمان بن خثيم وعبد الله بن هرمز وعبد الله بن عبيد بن عمير، وممن روى هذا الحديث عن سعيد بن جبير أبو إسحاق السبيعي وروايته عند مسلم وأبي داود وغيرهما والحكم بن عتيبة وروايته في السيرة الكبرى لابن إسحاق كما نبه على ذلك في الفتح وفي رواية أبي ذر عن سعيد بن جبير أنه (قال: إنا لعند ابن عباس) حال كونه (في بيته) واللام في لعند للتأكيد (إذ قال: سلوني) قال سعيد بن جبير (قلت أي أبا عباس) يعني يا أبا عباس وهي كنية عبد الله بن عباس (جعلني الله فداك بالكوفة رجل قاص) بتشديد الصاد المهملة يقص على الناس الأخبار من المواعظ وغيرها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن بالكوفة رجلًا قاصًّا (يقال له نوف) بفتح النون وسكون الواو آخره فاء منونًا منصرفًا في الفصحى بطن من العرب وعلى تقدير أن يكون أعجميًّا فمنصرف نوح لسكون وسطه واسمه فضالة وهو ابن امرأة كعب الأحبار (يزعم أنه) أي موسى صاحب الخضر (ليس بموسى بن إسرائيل) المرسل إليهم والباء زائدة للتوكيد وأضيف إلى بني إسرائيل مع العلمية لأنه نكر بأن أول بواحد من الأمة المسماة به ثم أضيف إليه قال ابن جريج (أما عمرو) يعني ابن دينار (فقال لي) في تحديثه لي عن سعيد (قال) أي ابن عباس (قد كذب عدوّ الله) يعني نوفًا وسقط لأبي ذر قال قد (وأما يعلى) بن مسلم (فقال لي) في تحديثه لي عن سعيد (قال ابن عباس حدثني) بالإفراد (أبي بن كعب قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-): هو (موسى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) وفي الفرع أصله عليه السلام (قال ذكر الناس يومًا) بتشديد الكاف من التذكير أي وعظهم (حتى إذا فاضت العيون) بالدموع (ورقت القلوب) لتأثير وعظه في قلوبهم (ولى) تخفيفًا لئلا يملوا وهذا ليس في رواية سفيان فظهر أنه من رواية يعلى بن مسلم عن عمرو وقال العوفي عن ابن عباس فيما ذكره ابن كثير لما ظهر موسى وقومه على مصر أمره الله أن يذكرهم بأيام الله فخطبهم فذكرهم إذ أنجاهم الله من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوّهم وقال كلم الله موسى نبيكم تكليمًا واصطفاه لنفسه وأنزل عليه محبة منه وآتاكم من كل ما سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض (فأدركه رجل) لم يسم (فقال) موسى (أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا).
فإن قلت: هل بين هذا وبين قوله في رواية سفيان السابقة هنا فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فرق؟ أجيب بأن بينهما فرقًا لأن رواية سفيان تقتضي الجزم بالأعلمية له وهذه تنفي الأعلمية عن غيره عليه فيبقى احتمال المساواة قاله في الفتح.
(فعتب) بفتح العين (عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله) في الرواية السابقة وغيرها فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه على التقديم والتأخير (قيل بلى) زاد في رواية الحر بن قيس عبدنا خضر ولمسلم من رواية أبي إسحاق أن في الأرض رجلًا هو أعلم منك (قال) موسى (أي رب فأين) أي فأين أجده أو فأين هو وللنسائي فادللني على هذا الرجل حتى أتعلم منه ولأبي ذر وأين (قال بمجمع البحرين) بحري فارس والروم أو بحري الشرق والمغرب المحيطين بالأرض أو العذب والملح (قال) موسى (أي رب اجعل لي علمًا أعلم ذلك) المطلوب (منه) وفي نسخة به قال ابن جريج (فقال) ولأبي ذر قال (لي عمرو) هو ابن دينار (قال): العلم على ذلك المكان (حيث يفارقك الحوت) فإنك تلقاه (وقال لي يعلى) بن مسلم (قال: خذ نونًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي خذ حوتًا (ميتًا) ولمسلم في رواية أبي إسحاق فقيل له تزود حوتًا مالحًا فإنه حيث يفقد الحوت (حيث ينفخ فيه) أي في الحوت (الروح) بيان لقوله حيث يفارقك الحوت (فأخذ) موسى (حوتًا) ميتًا مملوحًا وقيل شق حوت مملح ولابن أبي حاتم أن موسى وفتاه اصطاداه (فجعله في مكتل فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت قال) فتاه (ما كلفت) أي ما كلفتني (كثيرًا) بالمثلثة ولأبي ذر عن الكشميهني كبيرًا بالموحدة (فذلك قوله جل ذكره {وإذ قال موسى لفتاه} يوشع بن نون) بالصرف قال ابن جريج (ليست) تسمية الفتى (عن سعيد) هو ابن جبير (قال فبينما) بالميم (هو) أي موسى وفتاه تبع له (في ظل صخرة) حال كونه (في مكان ثريان) بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة فتحتية مفتوحة وبعد الألف نون صفة لمكان مجرور بالفتحة لا ينصرف لأنه من باب فعلان فعلى أو منصوب حالًا من الضمير المستتر في الجار والمجرور ويجوز ثريانًا بالنصب حالًا كما مر وبالتنوين منصرفًا على لغة بني أسد لأنهم يصرفون كل صفة على فعلان ويؤنثونه بالتاء ويستغنون فيه بفعلاته عن فعلى فيقولون سكرانة وغضبانة فلم تكن الزيادة عندهم في فعلان شبيهة بألفي حمراء فلم تمنع من الصرف وفي بعض الأصول ثريان بالجر صفة لمكان وبالتنوين ما مر وهو من الثرى قال: في النهاية يقال مكان ثريان وأرض ثريى إذا كان في ترابهما بلل وندى (إذ تضرب الحوت) بضاد معجمة وراء مشددة تفعل أي اضطرب وتحرك إذ حيي في المكتل (و) الحال إن (موسى نائم) عند الصخرة (فقال فتاه) يوشع (لا أوقظه حتى إذا استيقظ) سار (فنسي) بالفاء ولغير أبي ذر نسي بحذفها (أن يخبره) بحياة الحوت (وتضرب الحوت) أي اضطرب سائرًا من المكتل (حتى دخل البحر) وفي نسخة في البحر (فأمسك الله عنه) عن الحوت (جرية البحر حتى كأن أثره) نصب بكأن (في حجر) بفتح الحاء والجيم خبرها.
قال ابن جريج: (قال لي عمرو) هو ابن دينار (هكذا كأن أثره في حجر) بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء المفتوحة على كشط في الفرع مصححًا عليها وفي اليونينية وغيرها بتقديم المهملة وفتحهما وفي نسخة بالفرع وأصله حجر بجيم مضمومة فمهملة ساكنة قال ابن حجر وهي أوضح (وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما) يعني الوسطى والتي بعدها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والتي ولأبي ذر أيضًا أخرة تليانهما بفتح الهمزة والخاء المعجمة والراء يعني الوسطي (لقد لقينا) فيه حذف اختصره وقع مبينًا في رواية سفيان فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا (من سفرنا هذا نصبًا) تعبًا ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به (قال) فتى موسى له: (فد قطع الله عنك النصب).
قال ابن جريج: (ليست هذه عن سعيد) هو ابن جبير (أخبره) بسكون المعجمة وموحدة مفتوحة من الإخبار أي أخبر يوشع موسى بقصة تضرب الحوت وفقده الذي هو علامة على وجود الخضر (فرجعا) في الطريق الذي جاءا فيه يقصان آثارهما قصصًا حتى انتهيا إلى الصخرة التي حيي الحوت عندها (فوجدا خضرًا) نائمًا في جزيرة من جزائر البحر.
قال ابن جريج: (قال لي عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم وهو ممن أخذ هذا الحديث عن سعيد بن جبير (على طنفسة خضراء) بكسر الطاء المهملة والفاء بينهما نون ساكنة ولأبي ذر طنفسة بفتح الفاء ويجوز ضم الطاء والفاء وكلها لغات أي فرش صغير أو بساط له خمل (على كبد البحر) أي وسطه وعند عبد بن حميد من طريق ابن المبارك عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان قال: رأى موسى الخضر على طنفسة خضراء على وجه الماء وعند ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس أنه وجده في جزيرة في البحر (قال) ولأبي ذر فقال: (سعيد بن جبير) بالإسناد السابق (مسجى) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منونة أي مغطى كله (بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه) الآخر (تحت رأسه) وعند ابن أبي حاتم عن السدي فرأى الخضر وعليه جبة من صوف وكساء من صوف ومعه عصا قد ألقى عليها طعامه (فسلم عليه موسى فكشف) الثوب (عن وجهه) زاد مسلم في رواية أبي إسحاق وقال وعليكم السلام (وقال: هل بأرضي من سلام) لأنهم كانوا كفارًا أو كانت تحيتهم غير السلام ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني هل بأرض بالتنوين ثم قال الخضر لموسى (من أنت؟ قال: أنا موسى قال) له: (أموسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: فما شأنك)؟ أي ما الذي تطلب (قال: جئت) إليك (لتعلمني مما علمت رشدًا) أي علمًا ذا رشد (قال) الخضر يا موسى (أما يكفيك أن التوراة بيديك) بالتثنية (وأن الوحي يأتيك) من الله على لسان جبريل وهذه الزيادة ليست في رواية سفيان فالظاهر أنها من رواية يعلى بن مسلم (يا موسى إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه) أي كله (وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه) أي كله وتقدير هذا ونحوه متعين كما قال في الفتح لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى للمكلف عنه وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي. وقال البرماوي كالكرماني: وإنما قال لا ينبغي لي أن أعلمه لأنه إن كان نبيًا فلا يجب عليه تعلم شريعة نبي آخر وإن كان وليًا فلعله مأمور بمتابعة نبي غيره وقوله يا موسى ثابت لأبي ذر عن الحموي ساقط لغيره (فأخذ طائر) عصفور (بمنقاره من البحر) ماء (وقال) بالواو ولأبي ذر فقال أي الخضر: (والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر).
وفي الرواية السابقة ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ولفظ النقص ليس على ظاهره، وإنما معناه أن علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله تعالى كنسبة ما أخذه العصفور بمنقاره إلى ماء البحر وهذا على التقريب إلى الإفهام وإلاّ فنسبة علمهما إلى علم الله أقل.
وروى النسائي من وجه آخر عن ابن عباس أن الخضر قال لموسى أتدري ما يقول هذا الطائر؟ قال: لا. قال: يقول ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا مثل ما نقص منقاري من جميع هذا البحر وظاهر هذه الرواية كما في الفتح أن الطائر نقر في البحر عقب قول الخضر لموسى يا موسى إن لي علمًا. وفي رواية سفيان أن ذلك وقع بعد ما خرق السفينة فيجمع بأن قوله فأخذ طائر بمنقاره معقب بمحذوف وهو ركوبهما السفينة لتصريح سفيان بذكر السفينة.
(حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر) بفتح الميم والعين المهملة وبعد الألف موحدة مكسورة فراء غير منصرف أي سفنًا (صغارًا) قال في الفتح وجدا معابر تفسير لقوله ركبا في السفينة لا جواب إذا لأن وجودهما المعابر كان قبل ركوبهما السفينة وقال ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس فيما ذكره ابن كثير في تفسيره فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها (تحمل أهل هذا الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر عرفوه) أي أهل السفينة عرفوا الخضر (فقالوا) هو (عبد الله الصالح قال): يحتمل أن يكون القائل يعلى بن مسلم (قلنا لسعيد) هو ابن جبير (خضر) أي هو خضر (قال: نعم) هو خضر (لا نحمله بأجر) أي بأجرة (فخرقها) بأن قلع لوحًا من ألواحها بالقدوم (ووتد فيها وتدًا) بتخفيف الفوقية الأولى مفتوحة وكسر الثانية مخففة ولأبي ذر وتد فيها بإسقاط الواو الأولى أي جعل فيها وتدًا مكان اللوح الذي قلعه (قال موسى) له: (أخرقتها لتغرق أهلها) اللام للعاقبة (لقد جئت شيئًا إمرًا).
(قال مجاهد) فيما رواه ابن جريج عنه في قوله إمرًا (منكرًا) ووصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه مثله قيل ولم يسمع ابن جريج من مجاهد (قال) الخضر: ({ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا}) أي لما ترى مني من الأفعال المخالفة لشريعتك لأني على علم من علم الله ما علمكه الله وأنت على علم من علم الله ما علمنيه الله فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه قاله ابن كثير (كانت الأولى) في رواية سفيان قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكانت بإثبات الواو (نسيانا) أي من موسى حيث قال لا تؤاخذني بما نسيت (والوسطى) حيث قال إن سألتك عن شيء بعدها (شرطًا، والثالثة) حيث قال لو شئت لاتخذت عليه أجرًا (عمدًا قال) موسى (لا تؤاخذني بما نسيت) أي تركت من وصيتك (ولا ترهقني من أمري عسرًا) أي لا تشدد علي ({لقيا غلامًا) في رواية سفيان السابقة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا ({فقتله}) الفاء للدلالة على أنه لما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال فالقتل تعقب اللقاء.
(قال يعلى) بن مسلم بالإسناد السابق (قال سعيد) هو ابن جبير (وجد) أي الخضر (غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا) منهم (كافرًا ظريفًا) بالظاء المعجمة (فأضجعه ثم ذبحه بالسكين) بكسر المهملة (قال) موسى منكرًا عليه أشد من الأولى (أقتلت نفسًا زكية) بحذف الألف والتشديد وهي قراءة ابن عامر والكوفيين (بغير نفس لم تعمل بالحنث) بالحاء المهملة المكسورة والنون الساكنة لأنها لم تبلغ الحلم وهو تفسير لقوله زكية أي أقتلت نفسًا زكية لم تعمل الحنث بغير نفس ولأبي ذر لم تعمل الخبث بخاء معجمة وموحدة مفتوحتين.
(وكان ابن عباس) ولأبي ذر وابن عباس (قرأها زكية) بالتشديد (زاكية) بالتخفيف والمشددة أبلغ لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة كما مر (زاكية) أي (مسلمة) بضم الميم وكسر اللام (كقولك غلامًا زكيًّا) بالتشديد وهذا تفسير من الراوي وأطلق ذلك موسى على حسب ظاهر حال الغلام لكن قال البرماوي وفي بعضها مسلمة بفتح المهملة واللام المشددة قال السفاقسي وهو أشبه لأنه كان كافرًا (فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقض) أن يسقط والإرادة هنا على سبيل المجاز (فأقامه) الخضر (قال سعيد) من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار عنه (بيده) بالإفراد أي أقامه الخضر بيده (هكذا ورفع يده فاستقام. قال يعلى) بن مسلم (حسبت أن سعيدًا) يعني ابن جبير (قال فمسحه بيده) بالإفراد أيضًا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بيديه بالتثنية (فاستقام)، وقيل دعمه بدعامة تمنعه من السقوط أو هدمه وبل طينًا وأخذ في بنائه إلى أن كمل وعاد كما كان وكلها حكايات حال لا تثبت إلا بنقل صحيح والذي دل عليه القرآن الإقامة لا الكيفية وأحسن هذه الأقوال أنه مسحه أو دفعه بيده فاعتدل لأن ذلك أليق بحال الأنبياء وكرامات الأولياء إلا أن يصح عن الشارع أنه هدمه وبناه فيصار إليه (لو شئت) أي قال موسى للخضر: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا كما في رواية سفيان لو شئت (لاتخذت) بتشديد التاء بعد وصل الهمزة (عليه) أي على تسوية الجدار (أجرًا قال سعيد أجرًا نأكله) أي جعلا نأكل به وإنما قال موسى: ذلك لأنه كان حصل له جهد كبير من فقد الطعام وخشى أن يختلط قوام البنية البشرية (وكان وراءهم) أي (وكان) ولأبي ذر وكان وراءهم ملك وكان (أمامهم قرأها ابن عباس أمامهم ملك) وهي قراءة شاذة مخالفة للمصحف لكنها مفسرة كقوله من ورائه جهنم وقول لبيد:
أليس ورائي إن تراخت منيتي = لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
قال أبو عليّ: إنما جاز استعمال وراء بمعنى أمام على الاتساع لأنها جهة مقابلة لجهة وكانت كل واحدة من الجهتين وراء الأخرى إذا لم يرد معنى المواجهة والآية دالة على أن معنى وراء أمام لأنه لو كان بمعنى خلف كانوا قد جاوزوه فلا يأخذ سفينتهم قال ابن جريج: (يزعمون عن غير سعيد) يعني ابن جبير (أنه) أي الملك الذي كان يأخذ السفن غصبًا اسمه (هدد بن بدد) بضم الهاء وفتح الدال الأولى وبدد بضم الموحدة وفتح الدال الأولى أيضًا مصروف ولأبي ذر بدد غير مصروف. وحكى ابن الأثير فتح هاء هدد وباء بدد قال الحافظ ابن كثير: وهو مذكور في التوراة في ذرية العيص بن إسحاق وهو من الملوك المنصوص عليهم في التوراة (الغلام) بغير واو وفي اليونينية والغلام (المقتول اسمه يزعمون جيسور) بجيم مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة وبعد الواو الساكنة راء، ولأبي ذر عن الكشميهني حيسور بالحاء بدل الجيم وعند القابسي حنسور بنون بدل التحتية وعند عبدوس حيسون بنون بدل الراء ({ملك يأخذ كل سفينة غصبًا}) وفي قراءة أبي كل سفينة صالحة غصبًا رواه النسائي وكان ابن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصبًا (فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا) أي جاوزوا الملك (أصلحوها فانتفعوا بها) وبقيت لهم (ومنهم من يقول سدوها بقارورة ومنهم من يقول بالقار) وهو الزفت واستشكل التعبير بالقارورة إذ هي من الزجاج وكيف يمكن السد به فقيل يحتمل أن توضع قارورة بقدر الموضع المخروق فيه أو يسحق الزجاج ويخلط بشيء كالدقيق فيسد به وهذا قاله الكرماني. قال في الفتح: ولا يخفى بعده قال: وقد وجهت بأنها فاعولة من القار (كان أبواه) يعني الغلام المقتول (مؤمنين) بالتثنية للتغليب يريد أباه وأمه فغلب المذكر كالقمرين (وكان) هو (كافرًا) طبع على الكفر وهذا موافق لمصحف أبيّ وقوّة الكلام تشعر به لأنه لو لم يكن الولد كافرًا لم يكن لقوله وكان أبواه مؤمنين فائدة إذ لا مدخل لذلك في القصة لولا هذه الفائدة والمطبوع على الكفر الذي لا يرجى إيمانه كان قتله في تلك الشريعة واجبًا لأن أخذ الجزية لم يشرع إلا في شريعتنا وكان أبواه قد عطفا عليه.
(فخشينا أن يرهقهما) أي أن يغشاهما وعظم نفسه لأنه اختص من عند الله بموهبة لا يختص بها إلا من هو من خواص الحضرة وقال بعضهم لما ذكر العيب أضافه إلى نفسه وأضاف الرحمة في
قوله أراد ربك إلى الله تعالى وعند القتل عظم نفسه تنبيهًا على أنه من العظماء في علوم الحكمة، ويجوز أن يكون فخشينا حكاية لقول الله تعالى، والمعنى أن الله تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سره وقال له اقتل الغلام لأنا نكره كراهية من خاف سوء العاقبة أن يغشى الغلام الوالدين المؤمنين (طغيانًا وكفرًا) قال ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير معناه (أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه) فإن حب الشيء يعمي ويصم، وقال أبو عبيدة في قوله يرهقهما أي يغشاهما.
وقال قتادة فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل ولو بقي كان فيه هلاكهما فليرض المرء بقضاء الله فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب وصح في الحديث "لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له" (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرًا منه) أي أن يرزقهما بدله ولذا خيرًا منه (زكاة) طهارة من الذنوب والأخلاق الرديئة (وأقرب رحمًا) وذكر هذا مناسبة (لقوله: {أقتلت نفسًا زكية}) بالتشديد (وأقرب رحمًا) أي (هما) أي الأبوان (به) أي بالولد الذي سيرزقانه (أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر). وقيل رحمة وعطفًا على والديه، وسقط لأبي ذر وأقرب رحمًا واقتصر على واحدة منهما. قال ابن جريج (وزعم غير سعيد) أي ابن جبير (أنهما أبدلا جارية) مكان المقتول فولدت نبيًّا من الأنبياء رواه النسائي ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال: ولدت جارية فولدت نبيًّا وهو الذي كان بعد موسى فقالوا له ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله واسم هذا النبي شمعون واسم أمه حنة. وفي تفسير ابن الكلبي فولدت جارية ولدت عدة أنبياء فهدى الله بهم أممًا وقيل عدة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيًّا وعند ابن مردويه من حديث أبيّ بن كعب أنها ولدت غلامًا لكن إسناده ضعيف كما قاله في الفتح قال ابن جريج.
(وأما داود بن أبي عاصم) أي ابن عروة الثقفي التابعي الصغير (فقال: عن غير واحد أنها جارية) وهذا هو المشهور وروي مثله عن يعقوب أخي داود مما رواه الطبري، وقال ابن جريج لما قتله الخضر كانت أمه حاملًا بغلام مسلم ذكره ابن كثير وغيره ويستنبط من الحديث فوائد لا تخفى على متأمل فلا نطيل بها). [إرشاد الساري: 7/221-226] (م)

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({رحمًا} [الكهف: 81] : «من الرّحم، وهي أشدّ مبالغةً من الرّحمة، ونظنّ أنّه من الرّحيم، وتدعى مكّة أمّ رحمٍ أي الرّحمة تنزل بها»). [صحيح البخاري: 6/91]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله رحمًا من الرّحم وهي أشدّ مبالغةٍ من الرّحمة ويظنّ أنّه من الرّحيم وتدعى مكّة أمّ رحمٍ أي الرّحمة تنزل بها هو من كلام أبي عبيدة ووقع عنده مفرّقًا وقد تقدّم في الحديث الّذي قبله وحاصل كلامه أنّ رحمًا من الرّحم الّتي هي القرابة وهي أبلغ من الرّحمة الّتي هي رقّة القلب لأنّها تستلزمها غالبًا من غير عكسٍ وقوله ويظنّ مبنيٌّ للمجهول وقوله مشتقٌّ من الرّحمة أي الّتي اشتقّ منها الرّحيم وقوله أمّ رحمٍ بضمّ الرّاء والسّكون وذلك لتنزل الرّحمة بها ففيه تقويةٌ لما اختاره من أنّ الرّحم من القرابة لا من الرّقّة). [فتح الباري: 8/424]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (رحماً من الرّحم وهي أشدّ مبالغةً من الرّحمة ويظنّ من الرّحيم وتدعى مكّة أمّ رحمٍ أي الرّحمة تنزل بها
أشار به إلى قوله تعالى: {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} (الكهف: 81) قوله: من الرّحم، بكسر الحاء إلى آخره، من كلام أبي عبيدة، ولكن وقع عنده معرفا، وقد مر الكلام فيه عن قريب. قوله: (ويظن) ، على صيغة المجهول. قوله: (أم رحم) ، بضم الرّاء وسكون الحاء). [عمدة القاري: 19/47]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({رحمًا}) بضم الراء وسكون الحاء المهملة في قوله: {وأقرب رحمًا} [الكهف: 81] (من الرحم) بضم فسكون وهو الرحمة قال رؤبة:
يا منزل الرحم على إدريسًا = ومنزل اللعن على إبليسا
وفي نسخة من الرحم بفتح فكسر (وهي أشد مبالغة من الرحمة) المفتوحة الراء التي هي رقة القلب لأنها تستلزمها غالبًا من غير عكس (ويظن) بالنون المفتوحة وضم الظاء المعجمة وفي نسخة: ويظن بالتحتية المضمومة وفتح المعجمة مبنيًّا للمفعول (أنه) أي رحمًا مشتق (من الرحيم) المشتق من الرحمة (وتدعى مكة) المشرفة (أم) بنصب الميم (رحم) بضم فسكون (أي الرحمة تنزل بها) وفي حديث ابن عباس مرفوعًا "ينزل الله في كل يوم على حجاج بيته الحرام عشرين ومائة رحمة ستين للطائفين وأربعين للمصلين وعشرين للناظرين" رواه البيهقي بإسناد حسن). [إرشاد الساري: 7/227]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {فأردنا أن يبدلهما ربّهما} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه جماعةٌ من قرّاء المكّيّين والمدنيّين والبصريّين: {" فأردنا أن يبدلهما ربّهما "} وكان بعضهم يعتلّ لصحّة ذلك بأنّه وجد ذلك مشدّدًا في عامّة القرآن، كقول اللّه عزّ وجلّ: {فبدّل الّذين ظلموا} وقوله: {وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ} فألحق قوله: {فأردنا أن يبدلهما} به، وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة: {فأردنا أن يبدلهما} بتخفيف الدّالّ. وكان بعض من قرأ ذلك كذلك من أهل العربيّة يقول: أبدل يبدل بالتّخفيف وبدّل يبدّل بالتّشديد: بمعنًى واحدٍ.
والصّواب من القول في ذلك عندي: أنّهما قراءتان متقاربتا المعنى، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما جماعةٌ من القرّاء، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ.
وقيل: إنّ اللّه عزّ وجلّ أبدل أبوي الغلام الّذي قتله صاحب موسى منه بجاريةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هاشم بن القاسم، قال: حدّثنا المبارك بن سعيدٍ، قال: حدّثنا عمرو بن قيسٍ، في قوله: {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا} قال: بلغني أنّها جاريةٌ.
- حدّثنا القاسم، قال. حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ. أخبرني سليمان بن أميّة، أنّه سمع يعقوب بن عاصمٍ، يقول: أبدلا مكان الغلام جاريةً.
- قال: ابن جريجٍ، وأخبرني عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، أنّه سمع سعيد بن جبيرٍ، يقول: أبدلا مكان الغلامٍ جاريةً.
وقال آخرون: بل أبدلهما ربّهما بغلامٍ مسلمٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، {فأردنا أن يبدلهما، ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا} قال: كانت أمّه حبلى يومئذٍ بغلامٍ مسلم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة، أنّه ذكر الغلام الّذي قتله الخضر، فقال: قد فرح به أبواه حين ولد وحزنًا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما. فرضى امرؤٌ بقضاء اللّه، فإنّ قضاء اللّه للمؤمن فيما يكره خيرٌ له من قضائه فيما يحبّ.
وقوله: {خيرًا منه زكاةً} يقول: خيرًا من الغلام الّذي قتله صلاحًا ودينًا، كما:
- حدّثنا القاسم، قال حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً} قال: الإسلام.
وقوله: {وأقرب رحمًا} اختلف أهل التّأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأقرب رحمةً بوالديه وأبرّ بهما من المقتول.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {وأقرب رحمًا} أبرّ بوالديه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {وأقرب رحمًا} أي أقرب خيرًا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأقرب أن يرحمه أبواه منهما للمقتول.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، {وأقرب رحمًا} أرحم به منهما بالّذي قتل الخضر.
وكان بعض أهل العربيّة يتأوّل ذلك: وأقرب أن يرحما به، والرّحم: مصدر رحمت، يقال: رحمته رحمةً ورحمًا.
وكان بعض البصريّين يقول: من الرّحم والقرابة. وقال: يقال: رحمٌ ورحمٌ مثل عمرٍ وعمرٍ، وهلكٍ وهلكٍ، واستشهد لقوله ذلك ببيت العجّاج:
ولم تعوّج رحم من تعوّجا
ولا وجه للرّحم في هذا الموضع. لأنّ المقتول كان والّذي أبدل اللّه منه والديه ولدًا لأبوي المقتول، فقرابتهما من والديه، وقربهما منه في الرّحم سواءٌ. وإنّما معنى ذلك: وأقرب من المقتول أن يرحم والديه فيبرّهما كما قال قتادة. وقد يتوجّه الكلام إلى أن يكون معناه. وأقرب أن يرحما به، غير أنّه لا قائل من أهل تأويلٍ تأوّله كذلك. فإذ لم يكن قال به قائلٌ، فالصّواب فيه ما قلنا لما بيّنّا). [جامع البيان: 15/358-361]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) سعيد بن جبير -رحمه الله -: قال: قلت لابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما: إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى - صاحب بني إسرائيل - ليس هو صاحب الخضر.
فقال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قام موسى -عليه السلام -خطيباً في بني إسرائيل»، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، قال: فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنّ عبداً من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى، أي ربّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مكتلٍ، فحيث تفقد الحوت، فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نونٍ، فحمل موسى حوتاً في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان، حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى وفتاه، فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر، قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطّاق فكان للحوت سرباً وكان لموسى وفتاه عجباً، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} [الكهف: 62] قال: ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجباً} قال موسى: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصاً} [الكهف: 63، 64] قال: يقصّان آثارهما، حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجّى عليه بثوب، فسلّم عليه موسى، فقال له الخضر: أنّى بأرضك السلام ؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، قال له موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمني مما علّمت رشداً. قال إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً. قال ستجدني إن شاء اللّه صابراً ولا أعصي لك أمراً} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً} [الكهف: 66 - 70] قال: نعم، فانطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ، فكلّموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر، فحملوهما بغير نولٍ، فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السفينة، فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ، عمدت إلى سفينتهم، فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً. قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً. قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً} [الكهف: 71، 73]، ثمّ خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل، إذا غلامٌ يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله، فقال موسى: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً. قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً} [الكهف: 74، 75] قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لّدنّي عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ} يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا {فأقامه قال} له موسى: قومٌ أتيناهم، فلم يضيفونا، ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجراً. قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً} [الكهف: 76 - 78] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر، حتى كان يقصّ علينا من أخبارهما» قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانت الأولى من موسى نسياناً» قال: وجاء عصفورٌ حتى وقع على حرف السّفينة، ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله، إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر.
زاد في رواية: «وعلم الخلائق» ثم ذكر نحوه.
قال سعيد بن جبير: وكان يقرأ «وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصباً» وكان يقرأ «وأما الغلام فكان كافراً».
وفي رواية قال: «بينما موسى- عليه السلام - في قومه يذكّرهم بأيّام الله، وأيّام الله: نعماؤه وبلاؤه، إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلاً خيراً أو أعلم منّي» قال:... وذكر الحديث.
وفيه «حوتاً مالحاً».
وفيه: «مسجّى ثوباً، مستلقياً على القفا، أو على حلاوة القفا».
وفيه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنّه عجّل لرأى العجب، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامةٌ، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً} ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه، ثم قال: {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ} لئامٍ، فطافا في المجلس، فاستطعما أهلها {فأبوا أن يضيّفوهما} إلى قوله: {هذا فراق بيني وبينك} قال: وأخذ بثوبه، ثم تلا إلى قوله: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} إلى آخر الآية [الكهف: 79]، فإذا جاء الذي يسخّرها وجدها منخرقةً، فتجاوزها، فأصلحوها بخشبةٍ وأما الغلام فطبع يوم طبع كافراً، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك {أرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً} ».
وفي رواية قال: «وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها: الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرّك، وانسلّ من المكتل». وذكر نحوه.
وفي رواية: «أنه قيل له: خذ حوتاً، حتى تنفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً، فجعله في مكتل، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، فقال: ما كلّفت كبيراً»... وذكر الحديث.
وفيه «فوجدا خضراً على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر، وأن الخضر قال لموسى: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك، يا موسى، إنّ لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه ».
وفيه في صفة قتل الغلام «فأضجعه فذبحه بالسّكين».
وفيه «كان أبواه مؤمنين، وكان كافراً {فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً} يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً - لقوله: {قتلت نفساً زكية} - وأقرب رحماً} أرحم بهما من الأول الذي قتل الخضر».
وفي رواية «أنهما أبدلا جارية».
وفي رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ ابن عباسٍ تمارى هو والحرّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريّ في صاحب موسى عليه السلام، فقال ابن عباس: هو الخضر، فمرّ بهما أبيّ بن كعبٍ، فدعاه ابن عباسٍ فقال: يا أبا الطّفيل، هلمّ إلينا فإنّي قد تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيّه، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ فقال أبيٌّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا موسى في ملأٍ من بني إسرائيل، إذ جاءه رجلٌ، فقال له: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى، عبدنا الخضر، فسأل موسى السبيل إلى لقيّه، فجعل الله له الحوت آية... وذكر الحديث إلى قوله: {فارتدّا على آثارهما قصصاً} فوجدا خضراً، فكان من شأنهما ما قصّ الله في كتابه». هذه روايات البخاري، ومسلم.
ولمسلم رواية أخرى بطولها، وفيها فانطلقا، حتى إذا لقيا غلماناً يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي، فقتله، قال: فذعر عندها موسى ذعرة منكرة، قال: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند هذا المكان: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجّل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامةٌ».
وعند البخاري فيه ألفاظ غير مسندة، منها: «يزعمون أن الملك كان اسمه: هدد بن بدد، وأنّ الغلام المقتول: كان اسمه فيما يزعمون: حيسور».
وفي رواية في قوله قال: {ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً} قال: «كانت الأولى نسياناً، والوسطى: شرطاً، والثالثة عمداً».
وأخرجه الترمذي مثل الرواية الأولى بطولها.
(وفيها قال سفيان: «يزعم ناسٌ أنّ تلك الصخرة عندها عين الحياة، لا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش. قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش»... وذكر الحديث إلى آخره).
وفي رواية لمسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {لتخذت عليه أجراً}.
وعنده قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
وفي رواية الترمذي أيضاً: قال «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً... لم يزد».
وأخرج أبو داود من الحديث طرفين مختصرين عن أبيّ بن كعبٍ:
الأول، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
والثاني: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الصبيان، فتناول رأسه فقلعه، فقال موسى: {أقتلت نفساً زكيّةً... } الآية».
وحيث اقتصر أبو داود على هذين الطرفين من الحديث بطوله لم أعلم علامته.
[شرح الغريب]
(مكتل) المكتل: شبه الزنبيل، يسع خمسة عشر صاعاً.
(سرباً) السرب: المسلك.
(نصباً) النصب، التعب.
(أوينا) أي: يأوي إلى المنزل: إذا انضم إليه ورجع.
(فارتدا) افتعلا من الارتداد: وهو الرجوع.
(قصصاً) القصص: تتبع الأثر شيئاً بعد شيء، والمعنى: رجعا من حيث جاءا، يقصان الأثر.
(مسجى) المسجى: المغطى.
(رشداً) الرّشد والرّشد: الهدى.
(نول) النّول: العطية والجعل. تقول: نلت الرجل أنوله نولاً: إذا أعطيته، ونلت الشيء أناله نيلاً: وصلت إليه.
(إمراً) الإمر: الأمر العظيم المنكر.
(حلاوة القفا) قال الجوهري: حلاوة القفا بالضم: وسطه، وكذلك حلاوى القفا: فإن مددت، فقلت: حلاواء القفا: فتحت.
(ذمامة) الذمامة بالذال المعجمة: الحياء والإشفاق من الذم، وبالدال غير المعجمة: قبح الوجه، والمراد الأول.
(أرهقهما طغياناً) يقال: رهقه - بالكسر، يرهقه رهقاً، أي: غشيه وأرهقه طغياناً وكفراً، أي أغشاه أياه، ويقال: أرهقني فلان إثماً حتى رهقته، أي: حملني إثماً حتى حملته له، والطغيان: الزيادة في المعاصي.
(طنفسه) الطنفسة: واحدة الطنافس: وهي البسط التي لها خمل رقيق.
(كبد البحر) كبد كل شيء: وسطه. وكأنه أراد به ها هنا: جانبه.
(تمارى) المماراة: المجادلة والمخاصمة). [جامع الأصول: 2/220-230] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق آخر عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عباس جعلني الله فداءك بالكوفة رجل قاص يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل، قال: كذب عدو الله حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى، قيل: بلى، قال: أي رب فأين قال: بمجمع البحرين، قال: أي رب اجعل لي علما أعلم به ذلك، قال: خذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ حوتا فجعله في مكتل فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت كثيرا، قال: فبينا هو في ظل صخرة في مكان سريان أن تضرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه: لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره.
وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر، قال موسى {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: قد قطع الله عنك النصب فرجعا فوجدا خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى ثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلم عليه موسى فكسف عن وجهه وقال: هل بأرض من سلام، من أنت قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم، قال: فما شأنك قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك يا موسى إن لي علما لا ينبغي أن تعلمه وإن لك علما لا ينبغي لي أعلمه، فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ الطير منقاره من البحر، حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارا تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر فعرفوه فقالوا: عبد الله الصالح لا نحمله بأجر فخرقها ووتد فيها وتدا، قال موسى {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا (71) قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} كانت الأولى نسيانا والوسطة والثالثة عمدا {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا (73) فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله} ووجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين فقال: {أقتلت نفسا زكية} لم تعمل الحنث، قال ابن عباس قرأها: {زكية} زاكية مسلمة كقولك: غلاما زكيا، {فانطلقا} {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال: بيده هكذا ورفع يده فاستقام {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال: أجر تأكله {وكان وراءهم ملك} قرأها ابن عباس وكان أمامهم ملك يزعمون مدد بن ندد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور {ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدوها بالقار (فكان أبواه مؤمنين) وكان كافرا {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر، وزعم غير سعيد أنهما أبدلا جارية). [الدر المنثور: 9/580-583] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن قتادة قال: قال مطرف بن الشخير: إنا لنعلم أنهما قد فرحا به يوم ولد وحزنا عليه يوم قتل ولو عاش لكان فيه هلاكهما، فرضي رجل بما قسم الله له فإن قضاء الله للمؤمن خير من قضائه لنفسه وقضاء الله لك فيما تكره خير من قضائه لك فيما تحب). [الدر المنثور: 9/618]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {خيرا منه زكاة} قال: إسلاما). [الدر المنثور: 9/618]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطية في قوله: {خيرا منه زكاة} قال: دينا {وأقرب رحما} قال: مودة، فأبدلا جارية ولدت نبيا). [الدر المنثور: 9/618]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر من طريق بسطام بن جميل عن عمر بن يوسف في الآية قال: أبدلهما جارية مكان الغلام ولدت نبيين). [الدر المنثور: 9/619]

تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا مسعرٌ، عن عبد الملك بن ميسرة، عن سعيد، عن ابن عباس، في قوله: {وكان أبوهما صالحًا} [سورة الكهف:82]، قال: حفظا بصلاح أبيهما، لم يذكر منهما صلاحًا). [الزهد لابن المبارك: 2/149]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني عبد الله بن عياش القتباني، عن عمر مولى غفرة أن الكنز الذي قال الله في سورة التي يذكر فيها الكهف: {وكان تحته كنزٌ لهما}، قال: كان لوحٌ من ذهبٍ مصمتٌ مكتوبٌ فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، عجبٌ ممن عرف الموت، ثم ضحك، وعجبٌ ممن أيقن بالقدر، ثم نصب، وعجبٌ ممن أيقن بالموت، ثم أمن، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله). [الجامع في علوم القرآن: 1/57-58]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (وقال معمر وقال قتادة أمامهم ألا ترى أنه يقول {من ورائهم جهنم} وهي بين يديه وفي حرف ابن مسعود (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) وأما الغلام فكان كافرا وفي حرف أبي بن كعب: وكان أبواه مؤمنين فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحماً أبر بوالديه
{وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزا لهما} قال مال لهما). [تفسير عبد الرزاق: 1/407] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة أحل الكنز لمن كان قبلنا وحرم علينا وحرمت الغنيمة على من كان قبلنا وأحلت لنا). [تفسير عبد الرزاق: 1/407]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن حميد عن مجاهد في قوله تعالى وكان تحته كنزا لهما قال صحف من علم). [تفسير عبد الرزاق: 1/407]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي حصينٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {وكان تحته كنز لهما} قال: علما [الآية: 82].
سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ مثله.
سفيان [الثوري] عن أبي حصينٍ عن عكرمة: {وكان تحته كنز لهما} قال: مالا). [تفسير الثوري: 178]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن العلاء، عن خيثمة، قال: قال عيسى ابن مريم عليه السّلام: طوبى لولد المؤمن، طوبى له يحفظون من بعده، وقرأ خيثمة: {وكان أبوهما صالحًا}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 25]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا حسين بن عليٍّ، عن أبي موسى، قال: قرأ الحسن هذه الآية {وكان أبوهما صالحًا} قال: ما أسمعه ذكر في ولدهما خيرًا، حفظهما اللّه بحفظ أبيهما). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 396-397]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر، ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه، حدّثني أبيّ بن كعبٍ: أنّه سمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم، فقال: أنا، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا ربّ فكيف لي به، قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو، ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} [الكهف: 61] ، وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطّاق، فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد، قال موسى {لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوزا المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: (أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا) ، قال: فكان للحوت سربًا، ولموسى ولفتاه عجبًا، فقال موسى: (ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا) ، قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا، قال: (إنّك لن تستطيع معي صبرًا) ، يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه، فقال موسى: {ستجدني إن شاء اللّه صابرًا، ولا أعصي لك أمرًا} [الكهف: 69] ، فقال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} [الكهف: 70] ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نولٍ، فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلّا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم، فقال له موسى: قومٌ قد حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها (لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا) "، قال: وقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: (أقتلت نفسًا زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا) . (قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا) قال: وهذه أشدّ من الأولى، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني، قد بلغت من لدنّي عذرًا، فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما، فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} [الكهف: 77]- قال: مائلٌ - فقام الخضر فأقامه بيده، فقال موسى: قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا، {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] ، قال: {هذا فراق بيني وبينك} [الكهف: 78] إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} [الكهف: 82] فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما " قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ (وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا) وكان يقرأ: (وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) ). [صحيح البخاري: 6/88-89] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب قوله تعالى قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة إلخ
ثبتت هذه التّرجمة لأبي ذرٍّ وذكر فيه قصّة موسى والخضر عن قتيبة عن سفيان بن عيينة وقد تقدّمت عن عبد اللّه بن محمّدٍ عن سفيان بن عيينة في كتاب العلم وقوله في آخرها قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ اللّه علينا أمرهما تقدم في العلم بلفظ يرحم الله موسى لوددنا لو صبر وتقدم في أحاديث الأنبياء عن عليّ بن عبد اللّه بن المدينيّ عن سفيان كرواية قتيبة لكن قال بعدها قال سفيان قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يرحم الله موسى الخ فهذا يحتمل أن تكون هذه الزّيادة وهو يرحم الله موسى لم تكن عند بن عيينة بهذا الإسناد ولكنه أرسلها ويحتمل أن يكون على سمعه منه مرّتين مرّة بإثباتها ومرّة بحذفها وهو أولى فقد أخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعمرو بن محمّد النّاقد وبن أبي عمر وعبيد الله بن سعيد والتّرمذيّ عن بن أبي عمر والنّسائيّ عن بن أبي عمر كلهم عن سفيان بلفظ يرحم الله موسى الخ متّصلا بالخبر وأخرجه مسلم من طريق رقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبيرٍ بزيادة ولفظه ولو صبر لرأي العجب وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخي كذا وأخرجه التّرمذيّ والنّسائيّ من طريق حمزة الزيات عن أبي إسحاق مختصرا وأبو داود من هذا الوجه مطولا ولفظه وكان إذا دعا بدأ بنفسه وقال رحمة الله علينا وعلى موسى وقد ترجم المصنّف في الدّعوات من خص أخاه بالدّعاء دون نفسه وذكر فيه عدّة أحاديث وكأنّه أشار إلى أن هذه الزّيادة وهي كان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه لم تثبت عنده وقد سئل أبو حاتم الرّازيّ عن زيادة وقعت في قصّة موسى والخضر من رواية بن إسحاق هذه عن سعيد بن جبير وهي قوله في صفة أهل القرية أتيا أهل القرية لئامًا فطافا في المجالس فأنكرها وقال هي مدرجة في الخبر فقد يقال وهذه الزّيادة مدرجة فيه أيضا والمحفوظ رواية بن عيينة المذكورة والله أعلم). [فتح الباري: 8/424-425] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ قال: قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه حدّثني أبيّ بن كعبٍ أنّه سمع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى: يا ربّ فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتّخذ سبيله في البحر سربًا وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطّاق فلمّا استيقظ نسى صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان، أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا قال: فكان للحوت سربًا ولموسى ولفتاه عجبًا فقال موسى: ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام قال: أنا موسى قال موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قال: إنّك لن تستطيع معي صبرًا يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمك اللّه لا أعلمه فقال موسى: ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا فقال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نولٍ فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلاّ والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا»، قال: وقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى أقتلت نفسًا زاكيةً؟ بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: وهذا أشدّ من الأولى قال: إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ قال: مائلٌ فقام الخضر فأقامه بيده فقال موسى قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال: هذا فراق بيني وبينك إلى قوله {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا}» [الكهف: 82] فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما» قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ {وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 85].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي) بفتح النون وسكون الواو وبالفاء المفتوحة والبكالي بكسر الموحدة وتخفيف الكاف وتشدّد وهو الذي في اليونينية وغيرها ابن فضالة بفتح الفاء والمعجمة ابن امرأة كعب ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة (يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل) وإنما هو موسى بن ميشا بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب (فقال ابن عباس: كذب عدوّ الله) نوف خرج منه مخرج الزجر والتحذير لا القدح في نوف لأن ابن عباس قال ذلك في حال غضبه وألفاظ الغضب تقع على غير الحقيقة غالبًا وتكذيبه له لكونه قال غير الواقع ولا يلزم منه تعمده (حدّثني) بالإفراد (أبي بن كعب) الأنصاري (أنه سمع رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول): (إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل) نص في أن موسى صاحب بني إسرائيل ففيه رد على نوف البكالي (فسئل أي الناس أعلم) أي منهم (فقال أنا) أي أعلم الناس قاله بحسب اعتقاده لأنه نبي ذلك الزمان ولا أحد في زمانه أعلم منه فهو خبر صادق على المذهبين على قول من قال صدق الخبر مطابقته لاعتقاد الخبر ولو أخطأ وهذا في غاية الظهور وعلى قول من قال صدق الخبر مطابقته للواقع فهو إخبار عن ظنه الواقع له إذ معناه أنا أعلم في ظني واعتقادي وهو كان يظن ذلك قطعًا فهو مطابق للواقع وهذا الذي قالوه هنا أبلغ من قوله في باب الخروج في طلب العلم هل تعلم أن أحدًا أعلم منك فقال لا فإنه نفي هناك علمه وهنا على البت (فعتب الله عليه إذ) بسكون الذال للتعليل (لم يردّ العلم إليه) فيقول نحو الله أعلم كما قالت الملائكة لا علم لنا إلا ما علمتنا وعتب الله عليه لئلا يقتدي به فيه من لم يبلغ كماله في تزكية نفسه وعلوّ درجته من أمته فيهلك لما تضمنه من مدح الإنسان نفسه ويورثه ذلك من الكبر والعجب والدعوى وإن نزه عن هذه الرذائل الأنبياء فغيرهم بمدرجة سيلها ودرك ليلها إلا من عصمه الله فالتحفظ منها أولى لنفسه وليقتدى به، ولهذا قال نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- تحفظًا من مثل هذا مما قد علم به أنا سيد ولد آدم ولا فخر ووجه الرد عليه فيما ظنه كما ظن نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه لم يقع منه نسيان في قصة ذي اليدين (فأوحى الله) عز وجل (إليه) إلى موسى (إن لي عبدًا بمجمع البحرين) هو الخضر عليه السلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عند مجمع البحرين (هو أعلم منك) بشيء مخصوص لا يقتضي أفضليته به على موسى كيف وموسى عليه السلام جمع له بين الرسالة والتكليم والتوراة وأنبياء بني إسرائيل داخلون كلهم تحت شريعته وغاية الخضر أن يكون كواحد منهم (قال موسى: يا رب فكيف لي به؟) أي كيف يتهيّأ ويتيسر لي أن أظفر به (قال: تأخذ معك حوتًا) من السمك (فتجعله في مكتل) بكسر الميم وفتح الفوقية الزنبيل الكبير ويجمع على مكاتل (فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف أي تغيب عن عينيك (فهو) أي الخضر (ثم) بفتح المثلثة أي هناك (فأخذ) موسى (حوتًا فجعله في مكتل) كما وقع الأمر به (ثم انطلق وانطلق معه بفتاه) ولأبي ذر عن الكشميهني معه فتاه (يوشع بن نون) بالصرف كنوح (حتى إذا أتيا الصخرة) التي عند مجمع البحرين (وضعا رؤوسهما فناما) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وناما (واضطرب الحوت) أي تحرّك (في المكتل) لأنه أصابه من ماء عين الحياة الكائنة في أصل الصخرة شيء إذ إصابتها مقتضية للحياة (فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله) أي طريقه (في البحر سربًا) أي مسلكًا (وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق) أي مثل عقد البناء وعند مسلم من رواية أبي إسحاق فاضطرب الحوت في الماء فجعل يلتئم عليه حتى صار مثل الكوّة (فلما استيقظ) موسى (نسي صاحبه) يوشع (أن يخبره بالحوت) أي بما كان من أمره (فانطلقا) سائرين (بقية يومهما وليلتهما) بنصب الفوقية (حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه) يوشع (آتنا غداءنا) بفتح الغين ممدود أي طعامنا الذي نأكله أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) أي تعبًا ومراده السير بقية اليوم والذي يليه وفي الإشارة بهذا إشعار بأن هذا المسير كان أتعب لهما مما سبق فإن رجاء المطلوب يقرب البعيد والخيبة تبعد القريب ولذا (قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به) فألقى عليه الجوع والنصب (فقال له فتاه) يوشع (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي فإني نسيت أن أخبرك بخبر الحوت ونسب النسيان لنفسه لأن موسى كان نائمًا إذ ذاك، وكره يوشع أن يوقظه ونسي أن يعلمه بعد لما قدره الله تعالى عليهما من الخطى.
ومن كتبت عليه خطى مشاها.
(وما أنسانيه) أي وما أنساني ذكره (إلا الشيطان أن أذكره) نسبه للشيطان تأدّبًا مع الباري تعالى إذ نسبة النقص للنفس والشيطان أليق بمقام الأدب (واتخذ سبيله في البحر عجبًا) يجوز أن يكون عجبًا مفعولًا ثانيًا لاتّخذ أي واتّخذ سبيله في البحر سبيلًا عجبًا وهو كونه كالسرب والجار والمجرور متعلق باتّخذ وفاعل اتخذ قيل الحوت وقيل موسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا (قال فكان) دخول الحوت في الماء (للحوت سربًا) مسلكًا (ولموسى ولفتاه عجبًا) وهو أن أثره بقي إلى حيث سار أو جمد الماء تحته أو صار صخرًا أو ضرب بذنبه فصار المكان يبسًا وعند ابن أبي حاتم من طريق قتادة قال: عجب موسى أن تسرب حوت مملح في مكتل (فقال موسى) ليوشع (ذلك) الذي ذكرته من حياة الحوت ودخوله في البحر (ما كنا نبغي) أي الذي نطلبه إذ هو آية على المطلوب (فارتدا على آثارهما قصصًا قال رجعا) في الطريق الذي جاءا فيه (يقصان آثارهما) قصصًا أي يتبعان آثار سيرهما اتباعًا. قال صاحب الكشف فيما حكاه الطيبي عنه قصصًا مصدر لفعل مضمر يدل عليه فارتدا على آثارهما إذ معنى فارتدا على آثارهما واقتصا الأثر واحد (حتى انتهيا إلى الصخرة) أي التي فعل فيها الحوت ما فعل كما عند النسائي في روايته فذهبا يلتمسان الخضر (فإذا رجل) نائم (مسجّى ثوبًا) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منوّنة ولأبي ذر عن الكشميهني بثوب أي مغطى كله به، ولمسلم مسجى ثوبًا مستلقيًا على القفا ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية فوجده نائمًا في جزيرة من جزائر البحر ملتفًا بكساء (فسلّم عليه موسى فقال الخضر) أي بعد أن كشف وجهه كما في الرواية الآتية هنا إن شاء الله تعالى (وأني) بفتح الهمزة والنون المشدّدة أي وكيف (بأرضك السلام) وفي الرواية الآتية وهل بأرضي من سلام وفيه دلالة على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا مسلمين أو كانت تحيتهم غيره (قال أنا موسى) في الآتية قال: من أنت؟ قال: أنا موسى (قال): أي الخضر أنت (موسى بني إسرائيل قال): أي موسى (نعم أتيتك لتعلمني) وفي الرواية الآتية قال: ما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني (مما علمت رشدًا) قال أبو البقاء: رشدًا مفعول لتعلمني ولا يجوز أن يكون مفعول علمت لأنه لا عائد إذن على الموصول أي علمًا ذا رشد (قال): أي الخضر لموسى (إنك لن تستطيع معي صبرًا) نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد وهو علة لمنعه من اتّباعه فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال هل أتبعك على أن تعلمني كأنه قال: لا لأنك لن تستطيع معي صبرًا وعبّر بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع لمكان عصمته. قال الخضر عليه الصلاة والسلام: (يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه) جميعه (أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله) ولأبي ذر عن الكشميهني علمكه الله (لا أعلمه) جميعه وهذا التقدير أو نحوه واجب لا بدّ منه، وقد غفل بعضهم عن ذلك فقال في مجموع له لطيف في الخصائص النبوية أن من خصائص نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء إلا إحداهما بدليل قصة موسى مع الخضر، وقوله: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه وهذا الذي قاله يلزم منه خلوّ أولي العزم عليهم الصلاة والسلام غير نبينا من علم الحقيقة الذي لا ينبغي خلو بعض آحاد الأولياء عنه وإخلاء الخضر عليه الصلاة والسلام من علم الشريعة الذي لا يجوز لآحاد المكلفين الخلوّ عنه، وهذا لا يخفى ما فيه من الخطر العظيم، واحتج لذلك بقوله: إنه أراد الجمع في الحكم والقضاء تمسكًا بحديث السارق في زمنه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال اقتلوه فقيل: إنما سرق فقال اقطعوه إلى أن أتى على قوائمه الأربع ثم سرق في زمن الصديق بفيه فأمر بقتله. قلت: وهو مروي عند الدارقطني من حديث جابر بلفظ: إن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أتي بسارق فقطع يده ثم أتي به ثانيًا فقطع رجله ثم أتي به ثالثًا فقطع يده ثم أتي به رابعًا فقطع رجله ثم أتي به خامسًا فقتله، وفيه محمد بن يزيد بن سبأ، وقال الدارقطني فيما حكاه الحافظ ابن حجر في أمالي الرافعي أنه ضعيف قال: ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: جيء بسارق إلى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه فقطع ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال: اقطعوه فذكره كذلك قال: فجيء به الخامسة فقال: اقتلوه. قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد النعم فاستلقى على ظهره فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة، وفي إسناده مصعب بن ثابت، وقد قال النسائي ليس بالقوي، وهذا الحديث منكر ولا أعلم فيه حديثًا صحيحًا. ورواه النسائي والحاكم عن الحارث بن حاطب الجمحي وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن زيد الجهني، وقال ابن عبد البر: حديث القتل منكر لا أصل له، وقال الشافعي: منسوخ لا خلاف فيه عند أهل العلم اهـ.
وهذا لا دلالة فيه أصلًا على ما ادّعاه من مراده على ما لا يخفى، ولئن سلمنا ذلك كان عليه أن يلحق ذلك في مجموعه المذكور عقب قوله ذلك ليسلم من وصمة الإطلاق إذ المراد لا يدفع الإيراد لكنا لا نسلمه فتأمله.
(فقال موسى: ستجدني إن شاء الله صابرًا) على ما أرى منك غير منكر عليك وعلق الوعد بالمشيئة للتيمن أو علمًا منه بشدّة الأمر وصعوبته فإن مشاهدة الفساد شيء لا يطاق. (ولا أعصي لك أمرًا) أي ولا أخالفك في شيء (فقال له الخضر فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) تنكره مني ولم تعلم وجه صحته (حتى أحدث لك منه ذكرًا) حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني (فانطلقا) لما توافقا واشترط عليه أن لا يسأله عن شيء أنكره عليه حتى يبدأ به (يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم) أي موسى والخضر ويوشع كلموا أصحاب السفينة (أن يحملوهم فعرفوا) أي أصحاب السفينة (الخضر فحملوه) أي الخضر ومن معه ولأبي ذر فحملوهم، وله أيضًا فحملوا أي الثلاثة وهو مبني لما لم يسم فاعله (بغير نول) بفتح النون بغير أجر إكرامًا للخضر (فلما ركبا) موسى والخضر (في السفينة) لم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالإصالة (لم يفجأ) موسى عليه الصلاة والسلام بعد أن صارت السفينة في لجّة البحر (إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدوم) بفتح القاف وضم الدال المهملة المخففة فانخرقت (فقال له موسى) منكرًا عليه بلسان الشريعة هؤلاء (قوم حملونا) ولأبي ذر: قد حملونا (بغير نول عمدت) بفتح الميم (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها) قيل اللام في لتغرق للعلة ورجح كونها للعاقبة كقوله:
لدوا للموت وابنوا للخراب
(لقد جئت شيئًا إمرًا) عظيمًا أو منكرًا (قال) الخضر مذكرًا لما مر من الشرط (ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرًا) استفهام إنكاري. (قال) موسى للخضر (لا تؤاخذني بما نسيت) من وصيتك.
وفي هذا النسيان أقوال:
أحدها: أنه على حقيقته لما رأى فعله المؤدي إلى إهلاك الأموال والأنفس فلشدة غضبه لله نسي ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث قريبًا وكانت الأولى من موسى نسيانًا.
الثاني: أنه لم ينس ولكنه من المعاريض وهو مروي عن ابن عباس لأنه إنما رأى العهد في أن يسأل لا في إنكار هذا الفعل فلما عاتبه الخضر بقوله: إنك لن تستطيع قال: لا تؤاخذني بما نسيت أي في الماضي ولم يقل أني نسيت وصيتك.
الثالث: أن النسيان بمعنى الترك وأطلقه عليه لأن النسيان سبب للترك إذ هو من ثمراته أي لا تؤاخذني بما تركته مما عاهدتك عليه فإن المرة الواحدة معفوّ عنها ولا سيما إذا كان لها سبب ظاهر.
(ولا ترهقني من أمري عسرًا) لا تضايقني بهذا القدر فتعسر مصاحبتك أو لا تكلفني ما لا أقدر عليه (قال) أبي بن كعب (وقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكانت الأولى) ولأبي ذر عن الكشميهني وكانت في الأولى (من موسى نسيانًا. قال وجاء عصفور) بضم العين (فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له) أي لموسى (الخضر ما علمي وعلمك من علم الله) أي من معلومه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في علم الله (إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر) ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا ولا ريب أن علم الله لا يدخله نقص (ثم خرجا من السفينة) بعد أن اعتذر موسى له وسأله أن لا يرهقه من أمره عسرًا وقبل عذره وأجاب سؤاله وأدامه على الصحبة (فبينا) بغير ميم (ما يمشيان على الساحل إذ بصر الخضر) بفتح الموحدة وضم الصاد المهملة (غلامًا يلعب مع الغلمان) قيل اسمه جيسور وقيل حيسور وقيل حنسور وقيل حيسون وقيل شمعون وقيل غير ذلك مما لم يثبت ولعل المفسرين نقلوه من كتب أهل الكتاب (فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني برأسه فاقتلعه (فقتله فقال له موسى) لما شاهد ذلك منه منكرًا عليه أشد من الأول (أقتلت نفسًا زاكية) بالألف والتخفيف وهي قراءة الحرميين وأبي عمرو واسم فاعل من زكا أي طاهرة من الذنوب ووصفها بهذا الوصف لأنه لم يرها أذنبت أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث لكن قوله (بغير نفس) يردّه إذ لو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف أخرجوه إلى فعيلة للمبالغة لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة. وحكى القرطبي عن صاحب العروس والعرائس أن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال للخضر أقتلت نفسًا زاكية غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه وإذا في عظم كتفه مكتوب كافر لا يؤمن بالله أبدًا. (لقد جئت شيئًا نكرًا) منكرًا تنكره العقول وتنفر عنه النفوس وهو أبلغ في تقبيح الشيء من الأمر وقيل بالعكس لأن الأمر هو الداهية العظيمة (قال) الخضر (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا) قال في الكشاف: فإن قلت: ما معنى زيادة لك قلت زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية. (قال) أبي سفيان بن عيينة كما في كتاب العلم (وهذا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي هذه (أشد من الأولى) لما فيها من زيادة لك (قال) موسى له (إن سألتك عن شيء بعدها) أي بعد هذه المرة أو بعد هذه القصة فأعاد الضمير عليها وإن كانت لم يتقدم لها ذكر صريح حيث كانت في ضمن القول (فلا تصاحبني) وإن طلبت صحبتك (قد بلغت من لدني عذرًا) أي قد أعذرت إليّ مرة بعد أخرى فلم يبق موضع للاعتذار (فانطلقا) بعد المرتين الأوليين (حتى إذا أتيا أهل قرية) قيل هي أنطاكية أو أذربيجان أو الأبلّة أو بوقة أو ناصرة أو جزيرة الأندلس. قال في الفتح وهذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين وشدّة التباين في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشيء من ذلك وعند مسلم من رواية أبي إسحاق أهل قرية لئامًا أي بخلاء فطافا المجالس (استطعما أهلها) واستضافوهم (فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا) عرضه خمسون ذراعًا في مائة ذراع بذراعهم قاله الثعلبي وقال غيره سمكه مائتا ذراع وظله على وجه الأرض خمسمائة ذراع وعرضه خمسون (يريد أن ينقض) إسناده الإرادة إلى الجدار على سبيل الاستعارة فإن الإرادة للجدار لا حقيقة لها وقد كان أهل القرية يمرون تحته خائفين (قال) في معنى ينقض أنه (مائل فقام الخضر فأقامه بيده) أي فردّه إلى حالة الاستقامة وهذا خارق ولأبي ذر فقال الخضر بيده فأقامه (فقال موسى) لما رأى من شدة الحاجة والاضطرار والافتقار إلى المطعم وحرمان أصحاب الجدار لهم (قوم أتيناهم) فاستطعمناهم واستضفناهم (فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وفتح الخاء وهي قراءة غير أبي عمرو وابن كثير (عليه أجرًا) أي جعلًا نستعين به في عشائنا (قال) الخضر له (هذا فراق بيني وبينك) بإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع (إلى قوله ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرًا) أي هذا التفسير أي المذكور في الآية ما ضقت به ذرعًا ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء (فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: وددنا) بفتح الواو وكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما) إذ لو صبر لرأى أعجب الأعاجيب. (قال سعيد بن جبير) بالسند السابق (فكان ابن عباس يقرأ: {وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين}) [الكهف: 80] وهذه قراءة شاذة لمخالفتها المصحف العثماني لكنها كالتفسير.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم وأخرجه المؤلّف في أكثر من عشرة مواضع من كتابه الجامع). [إرشاد الساري: 7/216-221] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا جعفر بن محمّد بن فضيلٍ الجزريّ، وغير واحدٍ قالوا: حدّثنا صفوان بن صالحٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن يزيد بن يوسف الصّنعانيّ، عن مكحولٍ، عن أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {وكان تحته كنزٌ لهما} قال: ذهبٌ وفضّةٌ.
حدّثنا الحسن بن عليٍّ الخلاّل، قال: حدّثنا صفوان بن صالحٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن يزيد بن يوسف الصّنعانيّ، عن يزيد بن يزيد بن جابرٍ، عن مكحولٍ، بهذا الإسناد نحوه). [سنن الترمذي: 5/164]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأمّا الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزٌ لهما وكان أبوهما صالحًا فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما رحمةً من ربّك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قول صاحب موسى: وأمّا الحائط الّذي أقمته، فإنّه كان لغلامين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنزٌ لهما.
اختلف أهل التّأويل في ذلك الكنز، فقال بعضهم: كان صحفًا فيها علمٌ مدفونةً
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {وكان تحته كنزٌ لهما} قال: كان تحته كنز علمٍ.
- حدّثنا يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن سعيد بن جبيرٍ: {وكان تحته كنزٌ لهما} قال: علمٍ.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ " {وكان تحته كنزٌ لهما} " قال: علمٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد {وكان تحته كنزٌ لهما} قال: علمٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال الحسن: قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله {وكان تحته كنزٌ لهما} قال: صحفٌ لغلامين فيها علمٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين قال حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: صحف علمٍ.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، قال: حدّثنا هنّادة ابنة مالكٍ الشّيبانيّة، قالت: سمعت صاحبي حمّاد بن الوليد الثّقفيّ يقول: سمعت جعفر بن محمّدٍ، يقول في قول اللّه عزّ وجلّ: {وكان تحته كنزٌ لهما} قال سطران ونصفٌ، لم يتمّ الثّالث: " عجبت للموقن بالرّزق كيف يتعب وعجبت للموقن بالحساب كيف يغفل وعجبت للموقن بالموت كيف يفرح " وقد قال: {وإن كان مثقال حبّةٍ من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} قالت: وذكر أنّهما حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاحٌ، وكان بينهما وبين الأب الّذي حفظا به سبعة آباءٍ، كان نسّاجًا.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا الحسن بن حبيب بن ندبة، قال: حدّثنا مسلمة بن محمّدٍ، عن نعيمٍ العنبريّ، وكان من جلساء الحسن، قال: سمعت الحسن يقول في قوله: {وكان تحته كنزٌ لهما} قال: لوحٌ من ذهبٍ مكتوبٍ فيه: " بسم اللّه الرّحمن الرّحيم: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يعرف الدّنيا وتقلّبها بأهلها، كيف يطمئنّ إليها لا إله إلاّ اللّه، محمّدٌ رسول اللّه ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول: ما كان الكنز إلاّ علمًا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن حميدٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {وكان تحته كنزٌ لهما} قال: صحفٌ من علمٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عبد اللّه بن عيّاشٍ، عن عمر، مولى غفرة، قال: إنّ الكنز الّذي قال اللّه في السّورة الّتي يذكر فيها الكهف {وكان تحته كنزٌ لهما} قال: كان لوحًا من ذهبٍ مصمتٍ، مكتوبًا فيه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم: عجبٌ ممّن عرف الموت ثمّ ضحك، عجبٌ ممّن أيقن بالقدر ثمّ نصب، عجبٌ ممّن أيقنّ بالموت ثمّ أمن، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله.
وقال آخرون: بل كان مالاً مكنوزًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشامٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن عكرمة، {وكان تحته كنزٌ لهما} قال: كنز مالٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي حصينٍ، عن عكرمة، مثله.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو داود، عن شعبة، قال: أخبرني أبو حصينٍ، عن عكرمة، مثله، قال شعبة: ولم نسمعه منه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {وكان تحته كنزٌ لهما} قال: مالٌ لهما، قال قتادة: أحلّ الكنز لمن كان قبلنا، وحرّم علينا، وحرمت الغنيمة على من كان قبلنا وأحلت لنا.
- حدّثنا بشر، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيد، عن قتادة {وكان تحته كنزٌ لهما} فلا يعجبني الجل يقول: ما شأن الكنز؟ أحل لمن كان قبلنا وحرم علينا فإنّ اللّه يحلّ من أمره ما يشاء، ويحرّم، وهي السّنن والفرائض، ويحلّ لأمّةٍ، ويحرّم على أخرى، لكنّ اللّه لا يقبل من أحدٍ مضى إلاّ الإخلاص والتّوحيد له.
وأولى التّأويلين في ذلك بالصّواب: القول الّذي قاله عكرمة، لأنّ المعروف من كلام العرب أنّ الكنز اسمٌ لما يكنز من مالٍ، وأنّ كلّ ما كنز فقد وقع عليه اسم كنزٍ، فإنّ التّأويل مصروفٌ إلى الأغلب من استعمال المخاطبين بالتّنزيل، ما لم يأت دليلٌ يجب من أجله صرفه إلى غير ذلك، لعللٍ قد بيّنّاها في غير موضعٍ
وقوله: {وكان أبوهما صالحًا فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما} يقول: فأراد ربّك أن يدركا ويبلغا قوّتهما وشدّتهما ويستخرجا حينئذٍ كنزهما المكنوز تحت الجدار الّذي أقمته رحمةً من ربّك بهما، يقول: فعلت فعلى هذا بالجدار، رحمةً من ربّك لليتيمين.
وكان ابن عبّاسٍ يقول في ذلك ما؛
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن مسعرٍ، عن عبد الملك بن ميسرة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، في قوله {وكان أبوهما صالحًا} قال: حفظا بصلاح أبيهما، وما ذكر منهما صلاحٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن مسعرٍ، عن عبد الملك بن ميسرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، بمثله.
وقوله: {وما فعلته عن أمري} يقول: وما فعلت يا موسى جميع الّذي رأيتني فعلته عن رأيي ومن تلقاء نفسي، وإنّما فعلته عن أمر اللّه إيّاي به، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وما فعلته عن أمري،} كان عبدًا مأمورًا، فمضى لأمر اللّه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وما فعلته عن أمري} ما رأيت أجمع ما فعلته عن نفسي.
وقوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} يقول: هذا الّذي ذكرت لك من الأسباب الّتي من أجلها فعلت الأفعال الّتي استنكرتها منّي، تأويلٌ. يقول: ما تئول إليه وترجع الأفعال الّتي لم تستطع على ترك مسألتك إيّاي عنها، وإنكاركها صبرًا.
وهذه القصص الّتي أخبر اللّه عزّ وجلّ نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بها عن موسى وصاحبه، تأديبٌ منه له، وتقدّم إليه بترك الاستعجال بعقوبة المشركين الّذين كذّبوه واستهزءوا به وبكتابه، وإعلامٌ منه له أنّ أفعاله بهم وإن جرت فيما ترى الأعين بما قد يجري مثله أحيانًا لأوليائه، فإنّ تأويله صائرٌ بهم إلى أحوال أعدائه فيها، كما كانت أفعال صاحب موسى واقعةً بخلاف الصّحّة في الظّاهر عند موسى، إذ لم يكن عالمًا بعواقبها، وهي ماضيةٌ على الصّحّة في الحقيقة وآئلةٌ إلى الصّواب في العاقبة، ينبئ عن صحّة ذلك قوله: {وربّك الغفور ذو الرّحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجّل لهم العذاب بل لهم موعدٌ لن يجدوا من دونه موئلاً} ثمّ عقّب ذلك بقصّة موسى وصاحبه، يعلّم نبيّه أنّ تركه جلّ جلاله تعجيل العذاب لهؤلاء المشركين، لغير نظرٍ منه لهم، وإن كان ذلك فيما يحسب من لا علم له بما اللّه مدبرٌ فيهم، نظرًا منه لهم، لأنّ تأويل ذلك صائرٌ إلى هلاكهم وبوارهم بالسّيف في الدّنيا واستحقاقهم من اللّه في الآخرة الخزي الدّائم). [جامع البيان: 15/362-367]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وكان تحته كنز لهما يعني صحفا فيها علم). [تفسير مجاهد: 379]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني عليّ بن حمشاذ العدل، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميديّ، ثنا سفيان، عن مسعرٍ، عن عبد الملك بن ميسرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: {وكان أبوهما صالحًا} [الكهف: 82] قال: «حفظًا لصلاح أبيهما وما ذكر عنهما صلاحًا» صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/400]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الصّفّار، ثنا أحمد بن مهران، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا عليّ بن صالحٍ، عن ميسرة بن حبيبٍ النّهديّ، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، {وكان تحته كنزٌ لهما} [الكهف: 82] قال: «ما كان ذهبًا ولا فضّةً كان صحفًا علمًا» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد صحّت الرّواية بضدّه عن أبي الدّرداء "). [المستدرك: 2/400]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا الأستاذ الإمام أبو الوليد رضي اللّه عنه، إملاءً، ثنا حسام بن بشرٍ، والحسن بن سفيان بن عامرٍ الشّيبانيّ، قالا: ثنا صفوان بن صالحٍ الدّمشقيّ، ثنا الوليد بن مسلمٍ، ثنا يزيد بن يوسف، عن يزيد بن يزيد بن جابرٍ، عن مكحولٍ، عن أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قول اللّه عزّ وجلّ: {وكان تحته كنزٌ لهما} [الكهف: 82] قال: «ذهبٌ وفضّةٌ»). [المستدرك: 2/401]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا عليّ بن حمشاذ العدل، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا أبو الوليد، ثنا نافع بن عمر الجمحيّ، عن ابن أبي مليكة، قال: سئل ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، عن الولدان أفي الجنّة هم؟ قال: «حسبك ما اختصم فيه موسى والخضر» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/401]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيّوب، ثنا أبو حاتمٍ الرّازيّ، ثنا عبد اللّه بن صالح بن مسلمٍ العجليّ، ثنا عبد الرّحمن بن ثابت بن ثوبان، عن عطاء بن قرّة، عن عبد اللّه بن ضمرة، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ ذراريّ المؤمنين في الجنّة يكفلهم إبراهيم عليه السّلام» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه " وقد اتّفق الشّيخان على إخراج حديث سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل عن أطفال المشركين فقال: «اللّه أعلم بما كانوا عاملين»). [المستدرك: 2/401]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو الدرداء - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان الكنز ذهباً وفضّة». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/230]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وكان تحته كنزٌ لهما} [الكهف: 82].
- عن أبي ذرٍّ رفعه قال: " الكنز الّذي ذكر اللّه في كتابه لوحٌ من ذهبٍ مصمتٍ، عجبت لمن أيقن بالقدر ثمّ نصب، وعجبت لمن ذكر النّار ثمّ ضحك، وعجبت لمن ذكر الموت ثمّ غفل. لا إله إلّا اللّه محمّدٌ رسول اللّه ".
رواه البزّار من طريق بشر بن المنذر عن الحارث بن عبد اللّه اليحصبيّ، ولم أعرفهما، وبقيّة رجاله ثقاتٌ.
- وعن أبي الدّرداء في قوله تعالى: {وكان تحته كنزٌ لهما} [الكهف: 82] قال: قال: أحلّت لهم الكنوز وحرّمت عليهم الغنائم، وأحلّت لنا الغنائم وحرّمت علينا الكنوز. قلت: روى له التّرمذيّ حديثًا غير هذا.
رواه الطّبرانيّ، وفيه إسحاق بن عبد اللّه بن أبي فروة وهو متروكٌ). [مجمع الزوائد: 7/53-54]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، ثنا بشر بن المنذر، ثنا الحارث بن عبد اللّه اليحصبيّ، عن عيّاش بن عبّاسٍ القتبانيّ، عن ابن حجيرة، عن أبي ذرٍّ رفعه، قال: إنّ الكنز الّذي ذكر اللّه في كتابه لوحٌ من ذهبٍ مصمتٍ، عجبت لمن أيقن بالقدر ثمّ نصب، وعجبت لمن ذكر النّار ثمّ ضحك، وعجبت لمن ذكر الموت ثمّ غفل لا إله إلا اللّه محمّدٌ رسول اللّه.
قال البزّار: لا نعلمه يروى عن أبي ذرٍّ إلا بهذا الإسناد). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/56-57]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم: إن نوفا يزعم عن أبي بن كعب أن موسى النّبيّ الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني، قال: نعم في عبادي من هو أعلم منك فنعت له مكانه فأذن له في لقيه فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل: إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلقا {فلما جاوزا قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال الفتى وذكر {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي أن ما تعرف ظاهرا ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها فقال له موسى - ورأى أمرا أفظع به - {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرا} ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرآى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له، {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي صغيرة {لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد عذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفوهما ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك، {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} - في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علما). [الدر المنثور: 9/586-590] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام موسى خطيبا لنبي إسرائيل فأبلغ في الخطبة وعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي وعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له: يا موسى إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك، قال: فادللني عليه حتى أتعلم منه، قال: يدلك عليه بعض زادك، فقال لفتاه يوشع {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} قال: فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر فلما جاوز أحضر الغداء فقال: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} فذكر الفتى {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} فذكر موسى ما كان عهد إليه إنه يدلك عليه بعض زادك، {قال ذلك ما كنا نبغ} أي هذه حاجتنا {فارتدا على آثارهما قصصا} يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} فأقر له بالعلم {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} يقول: حتى أكون أنا أحدث ذلك لك {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها} إلى قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما} على ساحل البحر في غلمان يلعبون فعهد إلى أجودهم وأصبحهم {فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}، قال ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} إلى قوله: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} قال: وهي في قراءة أبي بن كعب يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} قال: فجاء طائر هذه الحمرة فبلغ فجعل بغمس منقاره في البحر فقال له: يا موسى ما يوق هذا الطائر قال: لا أدري، قال: هذا يقول: ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر). [الدر المنثور: 9/590-592] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي والبزار وحسنه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه والحاكم وصححه عن أبي الدرداء في قوله: {وكان تحته كنز لهما} قال: أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم وأحلت لنا الغنائم وحرمت علينا الكنوز). [الدر المنثور: 9/600]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والبزار عن أبي ذر رفعه قال: إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من ذهب مضمن عجبت لمن أيقن بالقدر ثم نصب وعجبت لمن ذكر النار ثم ضحك وعجبت لمن ذكر الموت ثم غفل، لا إله إلا الله، محمد رسول الله). [الدر المنثور: 9/600-601]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الشيرازي في الألقاب عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: كان اللوح الذي ذكر الله تعالى في كتابه {وكان تحته كنز لهما} حجر منقورا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم عجبا لمن يعلم أن القدر حق كيف يحزن، وعجبا لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح، وعجبا لمن يرى الدنيا وغرورها وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله). [الدر المنثور: 9/601]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخرائطي في قمع الحرص، وابن عساكر من طريق أبي حازم عن ابن عباس في قوله تعالى: {وكان تحته كنز لهما} قال: لوح من ذهب مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم عجبا لمن يعرف الموت كيف يفرح، وعجبا لمن يعرف النار كيف يضحك، وعجبا لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، وعجبا لمن أيقن بالقضاء والقدر كيف ينصب في طلب الرزق، وعجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يعمل الخطايا، لا إله إلا الله محمد رسول الله). [الدر المنثور: 9/601-602]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن علي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وكان تحته كنز لهما} قال: لوح من ذهب مكتوب فيه: شهدت أن لا إله إلا الله شهدت أن محمدا رسول الله عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، عجبت لمن تفكر في تقلب الليل والنهار ويأمن فجأتهما حالا فحالا). [الدر المنثور: 9/602]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وكان تحته كنز لهما} قال: ما كان ذهبا ولا فضة كان صحفا عليها). [الدر المنثور: 9/602]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب في قول الله عز وجل: {وكان تحته كنز لهما} قال: كان لوح من ذهب مكتوب فيه: لا إله الله إلا الله محمد رسول الله، عجبا لمن يذكر الموت حق كيف يفرح، وعجبا لمن يذكر أن النار حق كيف يضحك، وعجبا لمن يذكر أن القدر حق كيف يحزن، وعجبا لمن يرى الدنيا وتصرفها بأهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها). [الدر المنثور: 9/602-603]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {وكان أبوهما صالحا} قال: كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها). [الدر المنثور: 9/603]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وأحمد في الزهد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {وكان أبوهما صالحا} قال: حفظ الصلاح لأبيهما وما ذكر عنهما صلاحا). [الدر المنثور: 9/603-604]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده ويحفظه في ذريته والدويرات حوله فما يزالون في ستر من الله وعافية). [الدر المنثور: 9/604]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يصلح بصلاح الرجل الصالح ولده وولد ولده وأهل دويرات حوله فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم.
وأخرج ابن المبارك، وابن أبي شيبة عن محمد بن المنكدر موقوفا). [الدر المنثور: 9/604]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن كعب قال: إن الله يخلف العبد المؤمن في ولده ثمانين عاما). [الدر المنثور: 9/604]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: بينما موسى يخاطب الخضر يقول: ألست نبي بني إسرائيل فقد أوتيت من العلم ما تكتفي به وموسى يقول له: إني قد أمرت باتباعك، والخضر يقول: {إنك لن تستطيع معي صبرا} فبينما هو يخاطبه إذ جاء عصفور فوقع على شاطئ البحر، فنقر منه نقرة ثم طار فذهب فقال الخضر لموسى: يا موسى هل رأيت الطير أصاب من البحر قال: نعم، قال: ما أصبت أنا وأنت من العلم في علم الله إلا بمنزلة ما أصاب هذا الطير من هذا البحر). [الدر المنثور: 9/604-605]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وكان تحته كنز لهما} قال: كان الكنز لمن قبلنا وحرم علينا وحرمت الغنيمة على ما كان قبلنا وأحلت لنا فلا تعجبن للرجل يقول: ما شأن الكنز أحل لمن قبلنا وحرم علينا فإن الله يحل من أمره ما يشاء ويحرم ما يشاء وهي السنن والفرائض، تحل لأمة وتحرم على أخرى). [الدر المنثور: 9/619]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وابن أبي حاتم عن خيثمة قال: قال عيسى ابن مريم عليه السلام: طوبى لذرية مؤمن ثم طوبى لهم كيف يحفظون من بعده، وتلا خيثمة {وكان أبوهما صالحا} ). [الدر المنثور: 9/619]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن وهب قال: إن الله يصلح بالعبد الصالح القبيل من الناس). [الدر المنثور: 9/619]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق شيبة عن سليمان بن سليم بن سلمة قال: مكتوب في التوراة إن الله ليحفظ القرن إلى القرن إلى سبعة قرون وإن الله يهلك القرن إلى القرن إلى سبعة قرون). [الدر المنثور: 9/619-620]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال: إن الرب تبارك وتعالى قال في بعض ما يقول لنبي إسرائيل: إني إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت وليس لبركتي ناهية وإذا عصيت غضبت ولعنت ولعنتي تبلغ السابع من الولد). [الدر المنثور: 9/620]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن وهب قال: يقول الله: اتقوا غضبي فإن غضبي يدرك إلى ثلاثة آباء وأحبوا رضاي فإن رضاي يدرك في الأمة). [الدر المنثور: 9/620]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما فعلته عن أمري} قال: كان عبدا مأمورا مضى لأمر الله). [الدر المنثور: 9/620]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا (68) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623] (م)


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 رجب 1434هـ/31-05-2013م, 05:43 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} يعني: عاقبته.
وتفسيره هذا تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/199]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {هذا فراق بيني وبينك...}

[ولو نصبت الثانية كان صوابا، يتوهم أنه كان (فراق ما بيني وبينك)] ). [معاني القرآن: 2/156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}
زعم سيبويه أن معنى مثل هذا التوكيد، والمعنى هذا فراق بيننا أي هذا فراق اتصالنا، قال: ومثل هذا أمر الكلام: أخزى اللّه الكاذب مني ومنك، فذكر بيني وبينك ثانية توكيد، وهذا لا يكون إلا بالواو ولا يجوز: " هذا فراق بيني فبينك " لأن معنى الواو الاجتماع، ومعنى الفاء أن يأتي الثاني في إثر الأول). [معاني القرآن: 3/304]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال هذا فراق بيني وبينك} سيبويه يذهب إلى أن إعادة بين في مثل هذا على التوكيد أي فراق بيننا كما يقال أخزى الله الكاذب مني ومنك أي منا). [معاني القرآن: 4/274]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها} ابن مجاهدٍ، عن أبيه قال: أن أخرقها.
قال: {وكان وراءهم} أي: أمامهم.
{ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} سعيدٌ، عن قتادة، قال: في بعض القراءة: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا.
قال قتادة: ولعمري لو عمّ السّفن ما انفلتت، ولكن كان يأخذ خيار السّفن). [تفسير القرآن العظيم: 1/199]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وكان وراءهم مّلكٌ...}

يقول: أمامهم ملك. وهو كقوله: {من ورائه جهنّم} أي أنها بين يديه. ولا يجوز أن تقول لرجل وراءك: هو بين يديك، ولا لرجل هو بين يديك: هو وراءك، إنما يجوز ذلك في المواقيت من الأيّام والليالي والدهر أن تقول: وراءك برد شديد: وبين يديك برد شديد؛ لأنك أنت وراءه فجاز لأنه شيء يأتي، فكأنه إذا لحقك صار من ورائك، وكأنك إذا بلغته صار بين يديك. فلذلك جاز الوجهان). [معاني القرآن: 2/157]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وكان وراءهم ملكٌ} أي بين أيديهم وأمامهم، قال:
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي= وقومي تميمٌ والفلاة ورائيا
أي أمامي). [مجاز القرآن: 1/412]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وكان من وراءهم ملك}: بين أيديهم وأمامهم، كما تقول الموت من ورائك أي بين يديك). [غريب القرآن وتفسيره: 233]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وكان وراءهم ملكٌ} أمامهم). [تفسير غريب القرآن: 270]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(وراء) تكون بمعنى (خلف) وبمعنى (قدّام).
ومنها المواراة والتّواري. فكلّ ما غاب عن عينك فهو وراء، كان قدّامك أو خلفك.
قال الله عز وجل: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}، أي أمامهم.
وقال: {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ}، أي أمامهم.
وقال: {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}). [تأويل مشكل القرآن: 189]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا}
مساكين: لا ينصرف لأنه جمع لا يكون على مثال الواحد، وكذلك كل جمع نحو مساجد ومفاتيح وطوامير، لا ينصرف كما ذكرنا.
وقد بيّنّا ذلك فيما تقدم في باب ما لا ينصرف.
وقوله: {وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا}.
كان يأخذ كل سفينة لا عيب فيها غصبا، فإن كانت عائبة لم يعرض لها. ووراءهم: خلفهم، هذا الأجود الوجهين.
ويجوز أن يكون: كان رجوعهم في طريقهم عليه ولم يكونوا يعلمون بخبره فأعلم اللّه الخضر خبره.
وقيل: {كان وراءهم} معناه كان قدّامهم.
وهذا جاء في العربية، لأنه ما بين يديك وما قدّامك إذا توارى عنك فقد صار وراءك.
قال الشاعر:
أليس ورائي إن تراخت منيّتي= لزوم العصا تثنى عليها الأصابع).
[معاني القرآن: 3/305-304]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر}
أهل اللغة جميعا لا نعلم بينهم اختلافا يقولون المسكين الذي لا شيء له والفقير الذي له الشيء اليسير وأكثر الفقهاء على ضد هذا فيهما ويحتجون بهذه الآية قال أبو جعفر قيل وليس قوله: {كانت لمساكين يعملون في البحر} يدل على أنهم كانوا يملكونها ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من باع عبدا له مال فماله للبائع))
فليس قوله له مال مما يوجب أنه يملكه وهذا كثير جدا منه قول الله جل وعز: {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت}
ومنه قولهم باب الدار وجل الدابة والأشياء تضاف إلى الأشياء ولا يوجب ذلك ملكا فأضيفت إليهم لأنهم كانوا يعملون فيها كما أضيف المال إلى العبد لأنه معه
والاشتقاق يوجب ما قال أهل اللغة لأن مسكينا مأخوذ من السكون وهو عدم الحركة فكأنه بمنزلة الميت
والفقير كأنه الذي كسر فقاره فقد بقيت له بقية ويدل على هذا أيضا حديث النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا أحمد بن منصور الحاسب قال حدثنا علي بن الجعد قال أنبأنا حماد ابن سلمة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة يقول سمعت أبا القاسم عليه السلام يقول إن المسكين ليس بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان والأكلة والأكلتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ويسأل الناس إلحافا) [معاني القرآن: 4/276-274]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس أنه قرأ وكان أمامهم ملك قال أبو جعفر في وراء ههنا قولان: أحدهما أنه بمعنى أمام والآخر أنه بمعنى خلف على بابه كأنه قال على طريقهم إذا رجعوا
والقول الأول أحسن لقراءة ابن عباس رحمه الله به وأن اللغة تجيزه لأن ما توارى عنك فهو وراء فهذا يقع لما كان أماما ثم قال يأخذ كل سفينة غصبا،
وقرأ عثمان رحمه الله كل سفينة صالحة غصبا). [معاني القرآن: 4/277-276]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وراءهم ملك} أي أمامهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 145]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَراءَهم}: قدامهم). [العمدة في غريب القرآن: 192]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين}
- سعيدٌ، عن قتادة، قال: في بعض القراءة: وكان أبواه مؤمنين وكان كافرًا.

قال قتادة: ولعمري ما قتله إلا على علمٍ كان عنده.
قوله: {فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا}
- سعيدٌ، عن قتادة، قال: هي في مصحف عبد اللّه: (فخاف ربّك أن يرهقهما
طغيانًا وكفرًا).
قال يحيى: تفسير فخاف ربّك: فكره ربّك، مثل قوله: {ولكن كره اللّه انبعاثهم} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/199-200]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {فخشينا...}:
فعلمنا.
وهي في قراءة أبيّ (فخاف ربّك أن يرهقهما) على معنى: علم ربّك. وهو مثل قوله: {إلاّ أن يخافا} قال: إلا أن يعلما ويظنّا. والخوف والظنّ يذهب بهما مذهب العلم). [معاني القرآن: 2/157]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أن يرهقهما} أي يغشيهما). [مجاز القرآن: 1/412]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ( {وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً}
وأما {فخشينا} فمعناه: كرهنا، لأنّ الله لا يخشى. وهو في بعض القراءات {فخاف ربّك} وهو مثل "خفت الرّجلين أن يقولا" وهو لا يخاف من ذلك أكثر من أنه يكرهه لهما). [معاني القرآن: 2/80-79]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(خشيت) بمعنى: (علمت). قال عز وجل: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}، أي علمنا.
وفي قراءة أبيّ: فخاف ربك.
ومثله: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. وقوله: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا}، أي علم.
وقوله: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ}، لأنّ في الخشية والمخافة طرفا من العلم). [تأويل مشكل القرآن: 190-191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا}
{يرهقهما} يحملهما على الرهق وهو الجهل.
وقوله {فخشينا} من كلام الخضر، وقال قوم لا يجوز أن يكون فخشينا عن اللّه، وقالوا دليلنا على أن فخشينا من كلام الخضر قوله {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرا}
وهذا جائز أن يكون عن اللّه عزّ وجلّ: (فخشينا) لأن الخشية من اللّه عزّ وجلّ معناه الكراهة، ومعناها من الآدميين الخوف). [معاني القرآن: 3/305]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين}
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ وكان أبواه مؤمنين وكان كافرا
وروى أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال طبع على الكفر فألقى على أبويه محبته). [معاني القرآن: 4/278-277]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} فخشينا أن يرهقهما {فأردنا أن يبدلهما}
قال أبو حاتم هذا من كلام صاحب موسى يعني الخضر وقال غيره هو من قول الله جل وعز فإن قال قائل كيف يجوز أن يكون فخشينا إخبارا عن الله
فالجواب عنه أن الفراء قال: {فخشينا} بمعنى فعلمنا كما يقال ظننا بمعنى علمنا
وقال البصريون: يقال خشيت الشيء بمعنى كرهته وبمعنى فزعت منه كما يقال للرجل أخشى أن يكون كذا وكذا أي أكره
وقال الأخفش: وفي قراءة أبي فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرا
وقال غيره وكذلك هو في مصحف عبد الله والكلام في خفت وخشيت واحد حكى الأخفش خفت أن تقولا بمعنى كرهت أن تقولا
ومعنى {أن يرهقهما} أن يلحقهما أي أن يحملهما على الرهق وهو الجهل
وقال أبو زيد: أرهقته كلفته.). [معاني القرآن: 4/280-278]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً} [الكهف: 81] في التّقوى.
{وأقرب رحمًا} يعني: برًّا في قول الحسن.
وقال قتادة: وأقرب خيرًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/200]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {خيراً مّنه زكاةً...}

صلاحاً {وأقرب رحماً} يقول: أقرب أن يرحما به. وهو مصدر رحمت). [معاني القرآن: 2/157]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {وأقرب رحماً} معناها معنى رحماً مثل عمر وعمر وهلك وهلك، قال الشاعر:
فلا ومنزّل الفرقا= ن مالك عندها ظلم
وكيف بظلم جاريةٍ= ومنها اللّين والرّحم

قال العجّاج:
ولم تعوّج رحم من تعوّجا). [مجاز القرآن: 1/413-412]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وعاصم وابن محيصن {أن يبدلهما} من أبدل.
أبو عمرو والأعرج وأبو جعفر {يبدلهما} من بدل.
قراءة أبي عمرو {وأقرب رحما} بالإشباع والتخيف؛ لا بأس في اللغة {أقرب رحما}؛ أي رحمة.
قال أبو علي: وحدثنا بعض أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في كلامه: "أبخله الرحم والجود".
[معاني القرآن لقطرب: 858]
وقال الهذلي:
ولم يك فظا قاطعا لقرابة = ولكن وصولا للقرابة ذا رحم
وقال الآخر:
طريد تلافاه يزيد برحمه = فلم يلف من نعمائه يتعذر
وقال: والرحم هاهنا العطف عليه، وما أشبهه.
وقال بعضهم: الرحم بالإشباع؛ يريد الرحم.
{أقرب رحما} أي رحمًا في اللغة، لا في التفسير.
وقال الراجز:
ولم تعوج رحم من تعوجا = .............. ). [معاني القرآن لقطرب: 859]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {خيرا منه زكاة} فالزكاة: صفوة الشيء وخيرته، وقد فسرت في سورة البقرة). [معاني القرآن لقطرب: 878]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({رحما}: عطفا). [غريب القرآن وتفسيره: 233]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وأقرب رحماً} أي رحمة وعطفا.
{فأتبع سبباً} أي طريقا). [تفسير غريب القرآن: 270]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما}
{فأردنا} بمعنى أراد اللّه - جلّ وعزّ - لأن لفظ الإخبار عن اللّه كذا أكثر من أن يحصى.
ومعنى: {وأقرب رحما} أي أقرب عطفا وأمسّ بالقرابة، والرّحم والرّحم في اللغة العطف والرحمة
قال الشاعر:
وكيف بظلم جارية= ومنها اللين والرّحم
وقوله: {فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما}
وتقرأ أن يضيفوهما. يقال: ضفت الرجل نزلت عليه، وأضفته وضيّفته، إذا أنزلته وقربته
وقوله {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه}.
أي فأقامه الخضر، ومعنى جدارا يريد - والإرادة إنما تكون في الحيوان المبين، والجدار لا يريد إرادة حقيقية، إلّا أن هيئته في التهيؤ للسقوط قد ظهرت كما تظهر أفعال المريدين القاصدين، فوصف بالإرادة إذ الصورتان واحدة، وهذا كثير في الشعر واللغة.
قال الراعي يصف الإبل:
في مهمة قلقت به هاماتها = قلق الفؤوس إذا أردن نضولا
وقال الآخر:
يريد الرمح صدر أبي براء= ويعدل عن دماء بني عقيل
ويقرأ: أن ينقضّ، وأن ينقاضّ، فينقض يسقط بسرعة. وينقاضّ: ينشق طولا.
يقال: "انقاضّ سنّه" إذا انشقت طولا
وقوله: {قال لو شئت لاتّخذت عليه أجرا}.
ويروى: لتخذت، وذلك أنهما لما نزلا القرية لم يضيفهما أهلها، ولا أنزلوهما فقال موسى لو شئت لأخذت أجرة إقامتك هذا الحائط، ويقرأ لتخذت عليه أجرا،
يقال تخذ يتخذ في اتّخذ يتخذ، وأصل تخذ من أخذت وأصل اتخذت ائتخذت). [معاني القرآن: 3/307-305]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} قال ابن جريج زكاة أي إسلاما
وقال الفراء إصلاحا قال ابن جريج وحدثني عبد الله بن عثمان بن خشم عن سعيد بن جبير قال أبدلا منه جارية قال ابن جريج وهما بها أرحم
قال ابن عباس: أبدلا منه جارية فولدت نبيا.
وحكى الفراء رحمته رحمة ورحمة. وحكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء رحمة الله رحما.
ويجوز على مذهب الخليل رحما بالفتح). [معاني القرآن: 4/281-280]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رحما} رحمة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 145]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رُحْماً}: عطفاً). [العمدة في غريب القرآن: 192]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وأمّا الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزٌ لهما} [الكهف: 82] سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: علمٌ.
سفيان، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: علمٌ.
سفيان، عن أبي حصينٍ، عن عكرمة، قال: مالٌ.
وهو قول الحسن.
سعيدٌ، عن قتادة قال: مالٌ.
فلا يقولنّ رجلٌ: ما شأن الكنز أحلّ لمن قبلنا وحرّم علينا، فإنّ اللّه يحلّ من أمره ما شاء لأمّةٍ ويحرّم ما يشاء على أمّةٍ.
قال: {وكان أبوهما صالحًا} [الكهف: 82] يعني: كان ذا أمانةٍ في تفسير السّدّيّ.
قال: {فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما رحمةً من ربّك} [الكهف: 82] لهما.
{وما فعلته} أي ما فعلت ما فعلت.
{عن أمري} إنّما فعلته عن أمر اللّه.
{ذلك تأويل} تبيانٌ.
{ما لم تسطع عليه صبرًا}
[تفسير القرآن العظيم: 1/200]
بلغني أنّهما لم يفترقا حتّى بعث اللّه طيرًا فطار إلى المشرق، ثمّ طار إلى المغرب، ثمّ طار نحو السّماء، ثمّ هبط إلى البحر فتناول من ماء البحر بمنقاره وهما ينظران.
فقال الخضر لموسى: أتعلم ما يقول هذا الطّير؟ يقول: وربّ المشرق، وربّ المغرب، وربّ السّماء السّابعة، وربّ الأرض السّابعة ما علمك يا خضر وعلم موسى في علم اللّه إلا قدر هذا الماء الّذي تناولته من البحر في البحر). [تفسير القرآن العظيم: 1/201]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كنزٌ لّهما...}

يقال: علم.
وقوله: {رحمةً مّن رّبّك} نصب: فعل ذلك رحمة منه. وكلّ فعل رأيته مفسّراً للخبر الذي قبله فهو منصوب. وتعرفه بأن ترى هو وهي تصلحان قبل المصدر. فإذا ألقيتا اتّصل المصدر بالكلام الذي قبله فنصب، كقوله: {فضلاً من ربّك} وكقوله: {إنّك لمن المرسلين على صراطٍ مستقيم تنزيل العزيز الرّحيم} معناه: إنك من المرسلين وهو تنزيل العزيز {وهذا تنزيل العزيز الرحيم} وكذلك قوله: {فيها يفرق كلّ أمرٍ حكيمٍ أمراً من عندنا} معناه: الفرق فيها أمر من عندنا. فإذا ألقيت ما يرفع المصدر اتّصل بما قبله فنصب). [معاني القرآن: 2/157]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأمّا الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربّك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا }
{وكان تحته كنز لهما}.
قيل كان الكنز علما، وقيل كان الكنز مالا، والمعروف في اللغة أن الكنز إذا أفرد فمعناه المال المدفون والمدّخر فإذا لم يكن المال قيل: عنده علم وله كنز فهم، والكنز ههنا بالمال أشبه، لأن العلم لا يكاد يتعدم إلا بمعلّم، والمال لا يحتاج أن ينتفع فيه بغيره، وجائز أن يكون الكنز كان مالا مكتوبا فيه علم، لأنه قد روي أنه كان لوحا من ذهب عليه مكتوب:
" لا إله إلا الله محمد رسول الله "، فهذا مال وعلم عظيم، هو توحيد اللّه عزّ وجلّ وإعلام أن محمدا مبعوث.
وقوله {رحمة من ربّك}.
{رحمة} منصوب على وجهين:
أحدهما: قوله {فأراد ربك} وأردنا ما ذكرنا رحمة أي للرحمة، أي فعلنا ذلك رحمة كما تقول: أنقذتك من الهلكة رحمة بك.
ويجوز أن يكون (رحمة) منصوبا على المصدر.
لأن معنى {فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما}: رحمهما الله بذلك.
وجميع ما ذكر من قوله: {فأردت أن أعيبها}.
ومن قوله {فأردنا أن يبدلهما ربّهما}، معناه رحمهما اللّه رحمة.
وقوله: {وما فعلته عن أمري}.
يدل على أنه فعله بوحي الله عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 3/307]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} قال سعيد بن جبير ومجاهد علم
وقال قتادة وعكرمة مال
وهذا القول أولى من جهة اللغة لأنه إذا قيل عند فلان كنز فإنما يراد به المال المدفون والمدخر فإن أراد غير ذلك بين فقال عنده كنز علم وكنز فهم ويحتمل أن يكون كما روى أنه لوح من ذهب مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله فهذا يجمع المال والعلم). [معاني القرآن: 4/281]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} يدل على أن ذلك كان بوحي). [معاني القرآن: 4/282]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 رجب 1434هـ/31-05-2013م, 05:51 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) }

تفسير قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: الوراء يا هذا: الخلف. والوراء: القدام. قال الله عز وجل: {ومن ورائه عذاب غليظ}، أي: من قدامه. وقال:
{وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة}، أي: قدامهم). [الأضداد:105- 106] (م)
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : ( *ورى* ووراء خلف ووراء قدام، قال الله جل ثناؤه: {وكان وراءهم ملك} أي: قدامهم، وقال الشاعر وهو سوار بن المضرب السعدي :

أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميم والقلاص ورائيا
أي: قدامي). [كتاب الأضداد: 20]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وراء يكون خلف وقدام). [الغريب المصنف: 2/629]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وكان أحد من هرب من الحجاج سوّار بن المضرّب ففي ذلك يقول:


أقاتلي الحجاج إن لم أزر له = دراب وأترك عند هند فؤاديا
فإن كان لا يرضيك حتى تردني = إلى قطري ما إخالك راضيا
إذا جاوزت درب المجيزين ناقتي = فباست أبي الحجاج لما ثنانيا
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميم والفلاة ورائيا
وورائي هنا بمعنى: أمامي، قال الله عز وجل: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي}. وقال جل ثناؤه: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} ). [الكامل: 2/628] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ووراء من الأضداد. يقال للرجل: وراءك، أي خلفك، ووراءك أي أمامك، قال الله عز وجل: {من ورائهم جهنم}، فمعناه (من أمامهم). وقال تعالى: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا}، فمعناه (وكان أمامهم). وقال الشاعر:
ليس على طول الحياة ندم = ومن وراء المرء ما يعلم
أي من أمامه، وقال الآخر:
أترجو بنوا مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميم والفلاة ورائيا
أراد قدامي. وقال الآخر:

أليس ورائي إن تراخت منيتي = لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
وقال الآخر:
أليس ورائي أن أدب على العصا = فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي
والوراء ولد الولد، قال حيان بن أبجر: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل من هذيل، فقال له: ما فعل فلان؟ لرجل منهم، فقال: مات وترك كذا وكذا من الولد، وثلاثة من الوراء؛ يريد من لود الولد.
وحكى الفراء عن بعض المشيخة، قال: أقبل الشعبي ومعه ابن ابن له، فقيل له: أهذا ابنك؟ فقال: هذا ابني من الوراء، يريد من ولد الولد.
وقال الله عز وجل: {ومن وراء إسحاق يعقوب}، يريد من ولد ولده. والورى مقصور: الخلق، يقال: ما أدري أي الورى هو؟ يراد: أي الناس هو؟ قال ذو الرمة:
وكائن ذعرنا من مهاة ورامح = بلاد الورى ليست له ببلاد
والورى داء يفسد الجوف، من قول النبي صلى الله عليه
وسلم: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا))، أي حتى يفسد جوفه منه، قال الشاعر:
هلم إلى أمية إن فيها = شفاء الواريات من الغليل
وقال الآخر:
وراهن ربي مثل ما قد ورينني = وأحمي على أكبادهن المكاويا
وقال آخر:
قالت له وريا إذا تنحنح = يا ليته يسقى على الذرحرح
الذرحرح: واحد الذراريح. ويقال في دعاء للعرب: به الورى، وحمى خيبري، وشر ما يرى، فإنه خيسرى.
وقال أبو العباس: الورى المصدر، بتسكين الراء، والورى، بفتح الراء الاسم، وأنشد قطرب للنابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة = وليس وراء الله للمرء مذهب
أراد: وليس قدامه، ويقال: معناه وليس سواء الله؛ كما قال جل اسمه: {ويكفرون بما وراءه}، أي بما سواءه، ويقال للرجل إذا تكلم: ليس وراء هذا الكلام
شيء، أي ليس يحسن سواءه. وأنشد قطرب أيضا:
أتوعدني وراء بني رياح = كذبت لتقصرن بذاك عني).
[كتاب الأضداد: 68-71] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ):
(ليس على طول الحياة ندم = ومن وراء المرء ما يعلم
قال الأصمعي: أراد ليس على فوت طول الحياة ندم. وقوله: ومن وراء المرء ما يعلم، يقول من عمل شيئًا وجده ووراء ههنا أمام وهو من الأضداد، قال الله جل ذكره: {ومن ورائه عذاب غليظ} أي: من أمامه وقال الشاعر:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميم والفلاة ورائيا
أي: أمامي، قال أبو عبيدة ومنه قول الله عز ذكره: {وكان وراءهم ملك}، أي: أمامهم). [شرح المفضليات: 488] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا} قال: ظننا أن يلقيهما في شر). [مجالس ثعلب: 271]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (والرُّحُم الرحمة، قال الأصمعي: كان أبو عمرو بن العلاء ينشد بيت زهير:

ومن ضريبته والتقوى ويعصمه = من سيء العثرات الله بالرحم
قال: ولم أسمع هذا الحرف إلا في هذا البيت، قال: وكان يقرأ: (وأقرب رُحُما) ). [الغريب المصنف: 3/830]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
وفيك إذا لاقيتنا عجرفية = مرارا وما نستيع من يتعجرف
...
ويقال: هو يستطيع ويسطيع ويستتيع ويستيع بمعنى واحد). [رواية أبي سعيد السكري لديوان جران العود: 17] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 11:33 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 11:33 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 11:36 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قال الخضر لموسى بحسب شرطهما: {هذا فراق بيني وبينك}، واشترط الخضر، وأعطاه موسى ألا يقع سؤال عن شيء، والسؤال أقل وجوه الاعتراضات، فالإنكار والتخطئة أعظم منه، وقوله: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} -وإن لم يكن سؤالا- ففي ضمنه الإنكار لفعله والقول بتصويب أخذ الأجر، وفي ذلك تخطئة ترك الأجر، وأما فصله وتكريره بيني وبينك وعدوله عن "بيننا" فلمعنى التأكيد، والسين في قوله: "سأنبئك" مفرقة بين المحاورتين والصحبتين، ومؤذنة بأن الأولى قد انقطعت). [المحرر الوجيز: 5/645]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا}
قرأ الجمهور: "لمساكين" بتخفيف السين، جمع مسكين، واختلف في صفتهم -فقالت فرقة: كانت لقوم تجار، ولكنهم من حيث هم مسافرون على قلت وفي لجة بحر وبحال ضعف عن مدافعة غصب جائر، عبر عنهم بـ "مساكين"؛ إذ هم في حالة يشفق عليهم بسببها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كما تقول لرجل غني -إذا وقع في وهلة أو خطب-: مسكين. وقالت
[المحرر الوجيز: 5/645]
فرقة: كانوا عشرة إخوة أهل عاهات، خمسة منهم عاملون في السفينة، وخمسة لا قدرة بهم على العمل.
وقرأت فرقة: "لمساكين" بتشد السين، واختلف في تأويل ذلك -فقالت فرقة: أراد بالمساكين ملاحي السفينة، وذلك أن المساك هو الذي يمسك رجل المركب، وكل الخدمة يصلح لإمساكه، فسمي الجميع مساكين، وقالت فرقة: أراد بالمساكين دبغة المسوك وهي الجلود واحدها مسك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأظهر في ذلك القراءة الأولى، وأن معناها أن السفينة لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق عليهم، واحتج الناس بهذه الآية في أن المسكين الذي له البلغة من العيش، كالسفينة لهؤلاء، وأنه أصلح حالا من الفقير، واحتج من يرى خلاف هذا بقول الشاعر:
أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتحرير هذا عندي أنهما لفظان يدلان على ضعف الحال جدا، ومع المسكنة انكشاف وذل بسؤال، ولذلك جعلهما الله تعالى صنفين في قسم الصدقات، فأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو: "ليس المسكين بهذا الطواف" فجعل المساكين في اللغة أهل الحاجة الذين قد كشفوا وجوههم، وأما قوله تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} فجعل الفقراء الذين لم يكشفوا وجوههم. وقد تقدم القول في هذه المسألة بأوعب من هذا.
[المحرر الوجيز: 5/646]
وقوله تعالى: {وكان وراءهم ملك}، قال قوم: معناه: أمامهم، وقالوا: "وراء" من الأضداد. وقال ابن جبير، وابن عباس: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة، وقرأ عثمان بن عفان رضي الله عنه: "وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقوله: "وراءهم" هو عندي على بابه، وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعى بها الزمن، وذلك أن الحادث المقدم الوجود هو الإمام، وبين اليد لما يأتي بعده في الزمن، والذي يأتي بعد هو الوراء وهو ما خلف، وذلك بخلاف ما يظهر ببادئ الرأي، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد، فهذه الآية معناها: إن هؤلاء وعملهم وسعيهم يلي بعده في الزمن غصب من الملك، ومن قرأ: "أمامهم" أراد: في المكان، أي أنهم كانوا يسيرون إلى بلده. وقوله تعالى في التوراة والإنجيل إنهما "بين يدي القرآن" مطرد على ما قلنا في الزمان، وقوله سبحانه: {من ورائهم جهنم} مطرد كما قلنا مراعاة الزمان، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة أمامك" يريد في المكان، وإلا فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمن، فتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ. ووقع لقتادة في كتاب الطبري: وكان وراءهم ملك، قال قتادة: أمامهم، ألا ترى أنه يقول: من ورائهم جهنم وهي بين أيديهم.
[المحرر الوجيز: 5/647]
وهذا القول غير مستقيم، وهذه هي العجمة التي كان الحسن بن أبي الحسن يضج منها. قاله الزجاج. ويجوز أن كان رجوعهم في طريقهم على الغاصب فكان وراءهم حقيقة. وقيل: اسم هذا الغاصب هدد بن بدد، وقيل: اسمه الجلندي، وهذا كله غير ثابت. وقوله تعالى: {كل سفينة} عموم معناه الخصوص في الجياد منها الصحاح المارة به). [المحرر الوجيز: 5/648]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا}
تقدم القول في الغلام والخلاف في بلوغه أو صغره، وفي الحديث أن ذلك الغلام طبع يوم طبع كافرا، وهذا يؤيد ظاهره أنه كان غير بالغ، ويحتمل أن يكون خبرا عنه مع كونه بالغا، وقيل: اسم الغلام جيسور بالراء، وقيل: جيسون بالنون، وهذا أمر كله غير ثابت. وقرأ أبي بن كعب: "فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين"، وقرأ أبو سعيد الخدري: "فكان أبواه مؤمنان"، فجعلها "كان" التي فيها الأمر والشأن.
وقوله: "فخشينا" قيل: هو في جهة الخضر، فهذا متخلص، والضمير عندي للخضر وأصحابه الصالحين الذين أهمهم الأمر وتكلموا فيه، وقيل: هو في جهة الله تعالى وعبر عنه الخضر. قال الطبري: معناه: فعلمنا، وقال غيره: فكرهنا.
[المحرر الوجيز: 5/648]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأظهر عندي في توجيه هذا التأويل -وإن كان اللفظ يدافعه- أنها استعارة، أي: على ظن المخلوقين والمخاطبين لو علموا حاله لوقعت منهم خشية الرهق للأبوين. وقرأ ابن مسعود: "فخاف ربك"، وهذا بين في الاستعارة، وهذا نظير ما يقع في القرآن في جهة الله تعالى من "لعل وعسى"، فإن جميع ما في هذا كله من ترج وتوقع وخوف وخشية إنما هو بحسبكم أيها المخاطبون. و"يرهقهما" معناه: يحثهما ويكلفهما بشدة، والمعنى أن يلقيهما حبهما في اتباعه). [المحرر الوجيز: 5/649]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "أن يبدلهما" بفتح الباء وشد الدال، وقرأ ابن محيصن، والحسن، وعاصم: "أن يبدلهما" بسكون الباء وتخفيف الدال. و"الزكاة": شرف الخلق والوقار والسكينة المنطوية على خير، و"الرحم": الرحمة، والمراد -عند فرقة- أي: يرحمهما، وقيل: أي: يرحمانه، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
يا منزل الرحم على إدريسا ... ومنزل اللعن على إبليس
وقرأ ابن عامر: "رحما" بضم الحاء، وقرأ الباقون: "رحما" بسكونها، واختلف عن أبي عمرو. وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: "ربهما أزكى منه وأقرب رحما"، وروي عن ابن جريج "أنهما بدلا غلاما مسلما"، وروي عن ابن جريج "أنهما بدلا جارية"، وحكى النقاش أنها ولدت هي وذريتها سبعين نبيا، وذكره المهدوي عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو بعيد، ولا تعرف كثرة الأنبياء إلا في بني إسرائيل وهذه المرأة لم تكن فيهم، وروي عن ابن جريج أن أم الغلام يوم قتل كانت حاملا بغلام مسلم). [المحرر الوجيز: 5/649]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وأما الجدار فكان لغلامين}. هذان الغلامان صغيران بقرينة وصفهما باليتم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتم بعد بلوغ"، هذا الظاهر، وقد يحتمل أن يبقى
[المحرر الوجيز: 5/649]
عليهما اليتم بعد البلوغ، أي: كانا يتيمين، على معنى التشفيق عليهما. واختلف الناس في الكنز، فقال قتادة وعكرمة: كان مالا جسيما، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان علما في صحف مدفونة، وقال عمر مولى غفرة: كان لوحا من ذهب قد كتب فيه: "عجبا للموقن بالرزق يتعب، وعجبا للموقن بالحساب كيف يغفل، وعجبا للموقن بالموت كيف يفرح"، وروي نحو هذا مما هو في معناه.
وقوله تعالى: {وكان أبوهما صالحا}، ظاهر اللفظ والسابق منه أنه والدهما دنية، وقيل: الأب السابع، وقيل: العاشر فحفظا فيه وإن لم يذكرا بصلاح، وفي الحديث: "إن الله تعالى يحفظ الرجل الصالح في ذريته".
وجاء في أنباء الخضر عليه السلام في أول قصة فأردت أن أعيبها، وفي الثانية فأردنا أن يبدلهما، وفي الثالثة فأراد ربك أن يبلغا، وإنما انفرد أولا في الإرادة لأنها لفظة عيب فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا لنفسه، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله: {وإذا مرضت فهو يشفين}، فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى، وأسند المرض إلى نفسه؛ إذ هو معنى نقص ومصيبة، وهذا المنزع يطرد في فصاحة القرآن كثيرا، ألا ترى إلى تقديم فعل البشر في قوله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}، وتقديم فعل الله تبارك تعالى في قوله: {ثم تاب عليهم ليتوبوا}، وإنما قال الخضر في الثانية: "فأردنا" لأنه أمل قد كان رواه هو وأصحابه الصالحون،
[المحرر الوجيز: 5/650]
وتكلم فيه في معنى الخشية على الوالدين وتمنى التبديل لهما، وإنما أسند الإرادة في الثالثة إلى الله تعالى لأنها في أمر مستأنف في الزمن طويل غيب من الغيوب، فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله تعالى، وإن كان الخضر قد أراد أيضا ذلك الذي أعلمه الله تعالى أنه يريده، وهذا توجيه فصاحة هذه العبارة بحسب فهمنا المقصر، والله أعلم.
و "الأشد": كمال الخلق والعقل، واختلف الناس في قدر ذلك من السنين، فقيل: خمسة وثلاثون، وقيل: ستة وثلاثون، وقيل: أربعون، وقيل غير هذا مما فيه ضعف. وقول الخضر: وما فعلته عن أمري يقتضي أن الخضر نبي، وقد اختلف الناس فيه فقيل: هو نبي، وقيل: هو عبد صالح وليس بنبي. وكذلك جمهور الناس على أن الخضر مات، وتقول فرقة: إنه حي لأنه شرب من عين الحياة، وهو باق في الأرض، وأنه يحج البيت وغير هذا، وقد أطنب النقاش في هذا المعنى، وذكر في كتابه أشياء كثيرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، كلها لا تقوم على ساق، ولو كان الخضر عليه السلام حيا يحج لكان له في ملة الإسلام ظهور، والله العليم بتفاصيل الأشياء لا رب غيره. ومما يقضي بموت الخضر الآن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنه لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد".
وقوله: {ذلك تأويل} أي مآل، وقرأت فرقة: "تستطع"، وقرأ الجمهور: "تسطع"، قال أبو حاتم: كذا نقرأ، نتبع المصحف.
وانتزع الطبري من اتصال هذه القصة بقوله تبارك وتعالى: {وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا} أن هذه القصة إنما جلبت على معنى المثل للنبي صلى الله عليه وسلم في قومه، أي: لا تهتم بإملاء الله لهم، وإجراء النعم لهم على ظاهرها، فإن البواطن سائرة إلى الانتقام منهم، ونحو هذا مما هو محتمل لكن بتعسف ما، فتأمله). [المحرر الوجيز: 5/651]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 07:06 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 07:10 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({قال هذا فراق بيني وبينك} [أي: لأنّك شرطت عند قتل الغلام أنّك إن سألتني عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني، فهو فراق بيني وبينك]، {سأنبّئك بتأويل} أي: بتفسير {ما لم تستطع عليه صبرًا}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 184]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا (79)}.
هذا تفسير ما أشكل أمره على موسى، عليه السلام، وما كان أنكر ظاهره وقد أظهر الله الخضر، عليه السلام، على باطنة فقال إن: السفينة إنما خرقتها لأعيبها؛ [لأنهم كانوا يمرون بها على ملك من الظلمة {يأخذ كلّ سفينةٍ} صالحة، أي: جيدة {غصبًا} فأردت أن أعيبها] لأرده عنها لعيبها، فينتفع بها أصحابها المساكين الذين لم يكن لهم شيء ينتفعون به غيرها. وقد قيل: إنهم أيتام.
و [قد] روى ابن جريجٍ عن وهب بن سليمان، عن شعيب الجبائي؛ أن اسم ذلك الملك هدد بن بدد، وقد تقدم أيضًا في رواية البخاري، وهو مذكور في التوراة في ذرية "العيص بن إسحاق" وهو من الملوك المنصوص عليهم في التوراة، والله أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 184]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا (80) فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا (81)}
قد تقدّم أنّ هذا الغلام كان اسمه جيسور. وفي الحديث عن ابن عباسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "الغلام الّذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرًا". رواه ابن جريرٍ من حديث ابن إسحاق، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ، به؛ ولهذا قال: {فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا} أي: يحملهما حبّه على متابعته على الكفر.
قال قتادة: قد فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فليرض امرؤٌ بقضاء اللّه، فإنّ قضاء اللّه للمؤمن فيما يكره خيرٌ له من قضائه فيما يحبّ.
وصحّ في الحديث: "لا يقضي اللّه للمؤمن قضاءً إلّا كان خيرًا له". وقال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم} [البقرة:216]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 184-185]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله [تعالى] {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا} أي: ولدًا أزكى من هذا، وهما أرحم به منه، قاله ابن جريجٍ.
وقال قتادة: أبرّ بوالديه.
وقد تقدّم أنّهما بدّلا جاريةً. وقيل لـمّا قتله الخضر كانت أمّه حاملًا بغلامٍ مسلمٍ. قاله ابن جريجٍ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 185]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأمّا الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحًا فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما رحمةً من ربّك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا (82)}.
في هذه الآية دليلٌ على إطلاق القرية على المدينة؛ لأنّه قال أوّلًا {حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ} [الكهف:77] وقال هاهنا: {فكان لغلامين يتيمين في المدينة} كما قال تعالى: {وكأيّن من قريةٍ هي أشدّ قوّةً من قريتك الّتي أخرجتك} [محمّدٍ:13]، {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيمٍ} [الزّخرف:31] يعني: مكّة والطّائف.
ومعنى الآية: أنّ هذا الجدار إنّما أصلحه لأنّه كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزٌ لهما.
قال عكرمة، وقتادة، وغير واحدٍ: كان تحته مالٌ مدفونٌ لهما. وهذا ظاهر السّياق من الآية، وهو اختيار ابن جريرٍ، رحمه اللّه.
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: كان تحته كنز علمٍ. وكذا قال سعيد بن جبيرٍ، وقال مجاهدٌ: صحفٌ فيها علمٌ، وقد ورد في حديثٍ مرفوعٍ ما يقوّي ذلك، قال الحافظ أبو بكرٍ أحمد بن عمرٍو بن عبد الخالق البزّار في مسنده المشهور: حدّثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، حدّثنا بشر بن المنذر، حدّثنا الحارث بن عبد اللّه اليحصبيّ عن عيّاش بن عبّاسٍ القتبانيّ عن ابن حجيرة، عن أبي ذرٍّ رضي اللّه عنه، [رفعه] قال: "إنّ الكنز الّذي ذكر اللّه في كتابه: لوحٌ من ذهبٍ مصمتٍ مكتوبٍ فيه: عجبت لمن أيقن بالقدر لم نصب ؟ وعجبت لمن ذكر النّار لم ضحك ؟ وعجبت لمن ذكر الموت لم غفل؟ لا إله إلّا اللّه، محمّدٌ رسول اللّه".
بشر بن المنذر هذا يقال له: قاضي المصّيصة. قال الحافظ أبو جعفرٍ العقيليّ: في حديثه وهمٌ.
وقد روي في هذا آثارٌ عن السّلف، فقال ابن جريرٍ في تفسيره: حدّثني يعقوب، حدّثنا الحسن بن حبيب بن ندبة حدّثنا سلمة، عن نعيمٍ العنبريّ -وكان من جلساء الحسن-قال: سمعت الحسن -يعني البصريّ-يقول في قوله: {وكان تحته كنز لهما} قال: لوحٌ من ذهبٍ مكتوبٍ فيه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لمن يعرف الدّنيا وتقلّبها بأهلها كيف يطمئنّ إليها؟ لا إله إلّا اللّه، محمّدٌ رسول اللّه.
وحدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عبد اللّه بن عيّاشٍ عن عمر مولى غفرة قال: إنّ الكنز الّذي قال اللّه في السّورة الّتي يذكر فيها الكهف: {وكان تحته كنز لهما} قال: كان لوحًا من ذهبٍ مصمت مكتوبًا فيه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، عجبٌ لمن عرف النّار ثمّ ضحك! عجبٌ لمن أيقن بالقدر ثمّ نصب! عجبٌ لمن أيقن بالموت ثمّ أمن! أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.
وحدّثني أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، حدّثنا هنّادة بنت مالكٍ الشيبانيّة قالت: سمعت صاحبي حمّاد بن الوليد الثّقفيّ يقول: سمعت جعفر بن محمّدٍ يقول في قول اللّه تعالى {وكان تحته كنز لهما} قال: سطران ونصفٌ لم يتمّ الثّالث: عجبت للموقن بالرّزق كيف يتعب وعجبت للموقن بالحساب كيف يغفل؟ وعجبت للموقن بالموت كيف يفرح؟ وقد قال تعالى: {وإن كان مثقال حبّةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء:47] قالت: وذكر أنّهما حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاحٌ، وكان بينهما وبين الأب الّذي حفظا به سبعة آباءٍ، وكان نسّاجًا.
وهذا الّذي ذكره هؤلاء الأئمّة، وورد به الحديث المتقدّم وإن صحّ، لا ينافي قول عكرمة: أنّه كان مالًا لأنّهم ذكروا أنّه كان لوحًا من ذهبٍ، وفيه مالٌ جزيلٌ، أكثر ما زادوا أنّه كان مودعًا فيه علمٌ، وهو حكمٌ ومواعظ، واللّه أعلم.
وقوله: {وكان أبوهما صالحًا} فيه دليلٌ على أنّ الرّجل الصّالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدّنيا والآخرة، بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجةٍ في الجنّة لتقرّ عينه بهم، كما جاء في القرآن ووردت السّنّة به. قال سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاحٌ، وتقدّم أنّه كان الأب السّابع. [فاللّه أعلم]
وقوله: {فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما}: هاهنا أسند الإرادة إلى اللّه تعالى؛ لأنّ بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلّا اللّه؛ وقال في الغلام: {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه} وقال في السّفينة: {فأردت أن أعيبها}، فاللّه أعلم.
وقوله: {رحمةً من ربّك وما فعلته عن أمري} أي: هذا الّذي فعلته في هذه الأحوال الثّلاثة، إنّما هو من رحمة اللّه بمن ذكرنا من أصحاب السّفينة، ووالدي الغلام، وولدي الرّجل الصّالح، {وما فعلته عن أمري} لكنّي أمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالةٌ لمن قال بنبوّة الخضر، عليه السّلام، مع ما تقدّم من قوله: {فوجدا عبدًا من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلّمناه من لدنّا علمًا}.
وقال آخرون: كان رسولًا. وقيل بل كان ملكًا. نقله الماورديّ في تفسيره.
وذهب كثيرون إلى أنّه لم يكن نبيًّا. بل كان وليًّا. فاللّه أعلم.
وذكر ابن قتيبة في المعارف أنّ اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوحٍ، عليه السّلام
قالوا: وكان يكنّى أبا العبّاس، ويلقّب بالخضر، وكان من أبناء الملوك، ذكره النّوويّ في تهذيب الأسماء، وحكى هو وغيره في كونه باقيًا إلى الآن ثمّ إلى يوم القيامة قولين، ومال هو وابن الصّلاح إلى بقائه، وذكروا في ذلك حكاياتٍ وآثارًا عن السّلف وغيرهم وجاء ذكره في بعض الأحاديث. ولا يصحّ شيءٌ من ذلك، وأشهرها أحاديث التّعزية وإسناده ضعيفٌ.
ورجّح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك، واحتجّوا بقوله تعالى: {وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد} [الأنبياء:34] وبقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ: "اللّهمّ إنّ تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض"، وبأنّه لم ينقل أنّه جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [ولا حضر عنده، ولا قاتل معه. ولو كان حيًّا لكان من أتباع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم] وأصحابه؛ لأنّه عليه السّلام كان مبعوثًا إلى جميع الثّقلين: الجنّ والإنس، وقد قال: "لو كان موسى وعيسى حيّين ما وسعهما إلّا اتّباعي" وأخبر قبل موته بقليلٍ: أنّه لا يبقى ممّن هو على وجه الأرض إلى مائة سنةٍ من ليلته تلك عينٌ تطرف، إلى غير ذلك من الدلائل.
قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن آدم، حدّثنا ابن المبارك، عن معمر، عن همّام بن منبّه، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم [في الخضر قال] إنّما سمّي "خضرًا"؛ لأنّه جلس على فروةٍ بيضاء، فإذا هي تحته [تهتزّ] خضراء".
ورواه أيضًا عن عبد الرّزّاق. وقد ثبت أيضًا في صحيح البخاريّ، عن همّامٍ، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّما سمّي الخضر؛ لأنّه جلس على فروة، فإذا هي تهتزّ [من خلفه] خضراء"
والمراد بالفروة هاهنا الحشيش اليابس، وهو الهشيم من النّبات، قاله عبد الرّزّاق. وقيل: المراد بذلك وجه الأرض.
وقوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} أي: هذا تفسير ما ضقت به ذرعًا، ولم تصبر حتّى أخبرك به ابتداءً، ولمّا أن فسّره له وبيّنه ووضّحه وأزال المشكل قال: {[ما لم] تسطع} وقبل ذلك كان الإشكال قويًّا ثقيلًا فقال: {سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} فقابل الأثقل بالأثقل، والأخفّ بالأخفّ، كما قال تعالى: {فما اسطاعوا أن يظهروه} وهو الصّعود إلى أعلاه، {وما استطاعوا له نقبًا} [الكهف:97]، وهو أشقّ من ذلك، فقابل كلًّا بما يناسبه لفظًا ومعنى واللّه أعلم.
فإن قيل: فما بال فتى موسى ذكر في أوّل القصّة ثمّ لم يذكر بعد ذلك؟
فالجواب: أنّ المقصود بالسّياق إنّما هو قصّة موسى مع الخضر وذكر ما كان بينهما، وفتى موسى معه تبعٌ، وقد صرّح في الأحاديث المتقدّمة في الصّحاح وغيرها أنّه يوشع بن نونٍ، وهو الّذي كان يلي بني إسرائيل بعد موسى، عليهما السّلام. وهذا يدلّ على ضعف ما أورده ابن جريرٍ في تفسيره حيث قال: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا سلمة، حدّثني ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن أبيه، عن عكرمة قال: قيل لابن عبّاسٍ: لم نسمع لفتى موسى بذكرٍ من حديثٍ وقد كان معه؟ فقال ابن عبّاس فيما يذكر من حديث الفتى قال: شرب الفتى من الماء [فخلد، فأخذه] العالم، فطابق به سفينةً ثمّ أرسله في البحر، فإنّها تموج به إلى يوم القيامة؛ وذلك أنّه لم يكن له أن يشرب منه فشرب
إسنادٌ ضعيفٌ، والحسن متروك، وأبوه غير معروف). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 185-188]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:46 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة