سورة النجم
[ من الآية (50) إلى الآية (62) ]
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى (56) أَزِفَتْ الآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (60) وَأَنتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}
قوله تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى (50)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأنّه أهلك عادًا الأولى (50)
[معاني القراءات وعللها: 3/38]
قرأ نافع وأبو عمرو والحضرمي "عادًا لّولى" مدغمة التنوين، موصولة الألف.
وروى عن نافع " لؤلى " بالهمز.
وأما أبو عمرو فإنه لم يهمز.
وقرأ الباقون (عادًا الأولى) منونًا.
قال أبو منصور: أما قراءة نافع وأبو عمرو (عادًا لّولى) فإنهما حذفا همزة (الأولى)، وأدغما التنوين في اللام وهذا كقول كثير من العرب، هذا الاحمر جاء، ثم يحذفون الهمزة فيقولون: هذا لحمر قد جاء.
وأما همز نافع (لؤلى) فإني أظنه نقل همزة (الأولى) من أولها إلى الواو، وليست بجيدة، ولا أرى أن يقرأ بها؛ لأنها شاذة.
وقال الزجاج: (الأولى) فيها ثلاث لغات، يقال: الأولى بسكون اللام، وإثبات الهمزة، وهي أجود اللغات.
والتي تليها في الجودة (الاولى) بضم اللام، وطرح الهمزة.
وكان يجب في القياس إذا تحركت اللام أن يسقط ألف الوصل؛ لأن الف الوصل اجتلبت لسكون اللام، ولكنه جاز ثبوتها لأن ألف لام المعرفة لا يسقط مع ألف الاستفهام فخالفت ألفات الوصل.
قال: ومن العرب من
[معاني القراءات وعللها: 3/39]
يقول: لولى. يريد: الأولى، فيطرح الهمزة لتحرك اللام.
وقد قرئ (عادًا لّولى) على هذه اللغة، وأدغم التنوين في اللام.
والأكثر (عادًا الأولى) بكسر التنوين). [معاني القراءات وعللها: 3/40]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: عادا الأولى [النجم/ 50] منوّنة.
وقرأ نافع وأبو عمرو: وعادا لولى موصولة مدغمة.
واختلف عن نافع في الهمز فروى لنا إسماعيل القاضي عن قالون وأحمد بن صالح عن أبي بكر بن أبي أويس، وقالون وإبراهيم القورسي عن أبي بكر بن أبي أويس عن نافع: عادا لؤلى. وقال ابن جماز وإسماعيل بن جعفر، ومحمد بن إسحاق عن أبيه، وورش عن نافع: عادا لولى مثل أبي عمرو.
قال أبو عثمان: أساء عندي أبو عمرو في قراءته: وأنه أهلك عادا لولى لأنّه أدغم النون في لام المعرفة، واللّام إنّما تحركت
[الحجة للقراء السبعة: 6/237]
بحركة الهمزة، وليست بحركة لازمة، والدّليل على ذلك أنّك تقول: الحمر، فإذا طرحت حركة الهمزة على اللّام لم تحذف ألف الوصل، لأنّها ليست بحركة لازمة.
وقال أبو عثمان: ولكن كان أبو الحسن روى عن بعض العرب أنّه يقول: هذا الحمر قد جاء، فيحذف ألف الوصل لحركة اللّام.
قال أبو علي: القول في عادا الأولى أنّ من حقق الهمزة من الأولى، سكنت لام المعرفة، فإذا سكنت لام المعرفة والتنوين من قولك: عادا المنصوب ساكن التقى ساكنان: النون التي في عادا ولام المعرفة، فحرّكت التنوين بالكسر لالتقاء الساكنين، فهذا وجه قول من لم يدغم، وقياس من قال: أحد الله [الإخلاص/ 1، 2] فحذف التنوين لالتقاء الساكنين أن يحذفه هنا أيضا، كما حذفه من أحد الله، وكما حذفه من قوله: ولا ذاكر الله إلّا قليلا إلّا أن ذا لا يدخل في القراءة، وإن كان قياسا، وجاء في الشعر كثيرا، وجاء في بعض القراءة، ويجوز في قول من خفّف الهمزة من الأولى على قول من قال: الحمر، فلم يحذف الهمزة التي للوصل أن يحرّك التنوين فيقول: عادن لولى كما يقول ذلك إذا حقّق الهمزة، لأنّ اللّام على هذا في تقدير السكون، فكما يكسر التنوين لالتقاء الساكنين، كذلك يكسرها في هذا القول، لأنّ التنوين في تقدير الالتقاء مع
[الحجة للقراء السبعة: 6/238]
ساكن، ومن حرّك لام المعرفة، وحذف همزة الوصل، فقياسه أن يسكن النون من عادن فيقول: عادن لولى لأنّ اللّام ليس في تقدير سكون كما كان في الوجه الأوّل كذلك، ألا ترى أنه حذف همزة الوصل؟ فإذا كان كذلك ترك النون على سكونها، كما تركه في نحو: عاد ذاهب. ولو أدخلت الخفيفة في فعل الواحد وأوقعته على نحو الاثنين والابنين لقلت: اضرب اثنين، وأكرم ابنين، فحذفت الخفيفة من هذا، كما تحذفها في نحو: اضرب البوم، لأنّ اللّام من الاثنين والابنين في تقدير السكون، فتحذف الخفيفة مع لام المعرفة إذا تحركت بهذه الحركة، كما تحذفها إذا لقيت ساكنا، ولم يكن ذلك كقولك: اضربا لحمر، في قول من حذف معه همزة الوصل.
فأمّا قول أبي عمرو: عادا لولي فإنه لما خفّف الهمزة التي هي منقلبة عن الفاء لاجتماع الواوين أوّلا ألقى حركتها على اللّام الساكنة، فإذا ألقى حركتها على اللّام الساكنة، تحرّكت وقبلها نون ساكنة، فأدغمها في اللّام كما يدغمها في الرّاء في نحو: من راشد، وذلك بعد أن يقلبها لاما أو راء، فإذا أدغمها فيها صار عاد لولي، وخرج من الإساءة التي نسبها إليه أبو عثمان من وجهين: أحدهما أن يكون تخفيف الهمزة من قوله: الأولى على قول من قال: لحمر كأنه يقول في التخفيف للهمز قبل الإدغام لولى فيحذف همزة الوصل كما يقول: لحمر فيحذفها، فإذا كان على هذا القول كانت اللّام في حكم التّحرّك، وخرجت من حكم السكون بدلالة حذف همزة الوصل معه، وإذا خرجت من حكم السكون حسن الإدغام معه كما حسن في: من لك ومن لوه، فهذا كأنّ الإدغام كان في حرف متحرك غير ساكن كما أنّ عامّة ما يدغم فيه من الحروف تكون متحركة. والوجه الآخر: أن
[الحجة للقراء السبعة: 6/239]
يكون أدغم على قول من قال: الولى* الحمر فلم يحذف الهمزة التي للوصل مع إلقاء الحركة على لام المعرفة، لأنّه في تقدير السكون فلا يمتنع أن يدغم فيه وإن كان في حكم السكون كما لم يمتنع أن يدغم.
في نحو: ردّ وفرّ وعضّ، وإن كانت لاماتهنّ سواكن، ويحرّكها للإدغام، كما يحرك السواكن التي ذكرنا للإدغام. فإذا لم يخل الإدغام في عادا لولى من أن يكون الولى* على قول من قال: الحمر أو قول من قال: لحمر وجاز في الوجهين جميعا ثبت صحته.
فأمّا ما روي عن نافع من أنّه همز فقال: عادا لؤلى فإنّه كما روي عن ابن كثير في قوله: سؤقه [الفتح/ 29]. ووجهه أنّ الضّمّة لقربها من الواو وأنّه لم يحجز بينهما شيء، صارت كأنّها عليها، فهمزها كما يهمز الواوات إذا كانت مضمومة نحو: أدؤر والغئور، والسؤوق، وما أشبه ذلك، وهذه لغة قد حكيت ورويت، وإن لم تكن بتلك الفاشية.
وقوله: إنا إذا لمن الاثمين [المائدة/ 106] في قياس عادا لولى يجوز فيه ما جاز فيه، قال أبو عثمان: ومن قرأ عادا لولى فأظهر النون فقد أخطأ، لأنّ النون لا تظهر على اللسان الّا مع حروف الحلق). [الحجة للقراء السبعة: 6/240]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأنه أهلك عادا الأولى * وثمود فما أبقى} 50 و51
قرأ نافع وأبو عمرو عاد لولى موصولة مدغمة وقرأ الباقون {عادا الأولى} منونة
قال أبو عثمان أساء عندي أبو عمرو في قراءته لأنّه أدغم النّون في لام المعرفة واللّام إنّما تحركت بحركة الهمزة وليس بحركة لازمة والدّليل على ذلك أنّك تقول الأحمر فإذا طرحت حركة الهمزة على اللّام تقول الأحمر الحمر ولم تحذف ألف الوصل لأنّها ليست بحركة لازمة قال أبو عثمان ولكن كان أبو الحسن روى عن بعض العرب أنه يقول هذا لحمر قد جاء فتحذف ألف الوصل لحركة اللّام فهذا حجّة لقراءة أبي عمرو لأن الحركة قد صارت لازمة لأنّك حذفت ألف الوصل ولو لم تكن لازمة لما حذفت
قال الزّجاج أما {الأولى} ففيها ثلاث لغات الأولى بسكون اللّام وإثبات الهمزة وهي أجود اللّغات والّتي تليها في الجودة الولى بضم اللّام وطرح الهمزة ومن العرب من يقول لولى فيطرح الهمز لتحرك اللّام على هذه اللّغة قرأ أبو عمرو (عاد لولى) والقول في {عادا الأولى} أن من حقق الهمزة في {الأولى} سكنت له لام المعرفة والتنوين وإذا سكنت لام العرفة والتنوين من قولك عادا ساكن التقى ساكنان النّون الّتي في {عادا} ولام المعرفة فحركة التّنوين بالكسر لالتقاء الساكنين). [حجة القراءات: 687]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {عادًا الأولى} قرأه أبو عمرو ونافع بنقل حركة الهمزة على اللام، وإدغام التنوين في اللام، غير أن قالون يأتي بهمزة ساكنة، بعد اللام، في موضع الواو، وقرأ الباقون بالهمز من غير إلقاء حركة، ويكسرون التنوين لسكونه وسكون اللام بعده، وقد ذكرنا علة ذلك وما فيه، وكيف أصله فيما تقدم فأغنانا عن الإعادة وإذا وقفت على «عاد» في قراءة أبي عمرو حسن أن تُلقى حركة الهمز على اللام، كما فعل في الوصل، وحسن أن لا تُلقى وتُرد إلى الأصل، والأصل هو الهمز، فأما إذا وقفت على «عاد» في قراءة قالون وورش، فإنك تلقي حركة الهمز على اللام وتأتي بهمزة ساكنة في موضع الواو، في قراءة قالون وقد قيل إنه يبتدأ لقالون بغير إلقاء حركة، فيجب على هذا ألا تهز الهمزة الساكنة، وأن تردها واوا، لئلا تجمع بين همزتين في كلمة والثانية ساكنة، والعرب لا تستعمل ذلك في كلامها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/296]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {عَادَا اللُّولى} [آية/ 50] موصولة بلام مشددة:-
قرأها نافع وأبو عمرو ويعقوب.
والوجه أن أصله عادًا الأولى، بتنوين عاد، وبالهمزة في الأولى، فخففت الهمزة بأن نقلت حركتها إلى اللام الساكنة التي قبلها، وحذفت الهمزة فبقي: عادًا لولى، ثم أدغم التنوين في اللام، فبقي عاد اللولى، والتنوين نون ساكنة، وإدغام النون في اللام إنما يكون بأن تقلب النون لامًا، ثم تدغم اللام في اللام.
وروى –ن- عن نافع {عَادَا للّؤْلَى} كالأول إلا أن الواو فيها مهموزة.
والوجه أنه لما كانت قبل الواو من اللولى ضمة همزت الواو لمجاورة الضمة، كموسى من قوله:
[الموضح: 1221]
166- لحب المؤقدان إليّ مؤسى
وقد ذكرناه.
وقرأ الباقون {عَادًا الْأُولَى} بالتنوين وقطع الهمزة التي بعد اللام.
والوجه أن الهمزة مجراة على أصلها من التحقيق لم تخفف، فسكنت لام التعريف لذلك، وكان التنوين قبلها ساكنًا، فكسر التنوين لالتقاء الساكنين فبقي {عَادًا الْأُولَى}، وهو الأصل). [الموضح: 1222]
قوله تعالى: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وثمودًا فما أبقى (51).
قرأ حمزة، وحفص، ويحيى عن أبي بكر، والحضرمي (وثمود فما أبقى) غير مجرى، ونونه الباقون.
قال أبو منصور: من لم ينون (ثمود) ذهب بها إلى القبيلة فترك الإجراء.
ومن نون ذهب إلى اسم الجد الأكبر، وهو عربي سمي به مذكر، فأجرى، وقد جاء في القرآن مجرى وغير مجرى.
والمواضع التي اتفق القراء على ترك إجرائه ينبغي أن تقرأ كما قرأوا.
وما اختلفوا فيه فإليك الاختيار). [معاني القراءات وعللها: 3/40]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (قرأ حمزة وعاصم {وثمود فما أبقى} بغير تنوين جعلاه اسما لقبيلة وقرأ الباقون بالتّنوين جعلوه اسما لحي). [حجة القراءات: 688]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {وثمود فما أبقى} قرأه عاصم وحمزة بغير تنوين، وقرأ الباقون بالتنوين، وقد تقدمت علته في «هود» وغيرها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/296]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} [آية/ 51] بغير تنوين:-
قرأها عاصم وحمزة ويعقوب.
والوجه أنه لم يصرف {ثَمُود} ذهابًا بها إلى معنى القبيلة، فترك صرفها للتعريف والتأنيث.
وقرأ الباقون {وَثَمُودًا} بالتنوين.
والوجه أنهم ذهبوا به إلى اسم الأب، فصرفوه؛ لأنه ليس فيه من موانع الصرف إلا التعريف فحسب، والسبب الواحد لا يمنع الصرف). [الموضح: 1222]
قوله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52)}
قوله تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)}
قوله تعالى: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)}
قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ (فبأيّ آلاء ربّك تتمارى (55).
قرأ يعقوب (تمارى). وقرأ الباقون " تتمارى " بتاءين.
قال أبو منصور: من قرأ (تتمارى) بتاءين، فإحدى التاءين تاء الخطاب، والثانية تاء التفاعل، على معنى: أيها الإنسان، بأي نعم ربك التي تدلك على أنه واحد تتشكّك؟! وهذا من المرية، وهو الشك.
ومن قرأ (تمارى) فهو على حذف إحدى التاءين، ويجوز تشديد التاء الباقية). [معاني القراءات وعللها: 3/40]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {رَبِّكَ تَّمَارَى} [آية/ 55] بتاء واحدة مشددة:-
قرأها يعقوب وحده.
[الموضح: 1222]
والوجه أن أصله تتمارى، فأدغمت التاء الأولى في الثانية، فصارت التاءان في اللفظ كتاء واحدة، وصار الإدغام فيهما بمنزلة حذف إحداهما.
وقرأ الباقون {تَتَمَارَى} بتائين.
والوجه أنه هو الأصل، والتام الذي لم يحذف منه شيء ولم يغير). [الموضح: 1223]
قوله تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى (56)}
قوله تعالى: {أَزِفَتْ الآزِفَةُ (57)}
قوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة طلحة: [ليس لها مما يدعون من دون الله كاشفة وهي على الظالمين ساءت الغاشية].
قال أبو الفتح: هذه القراءة تدل على أن المراد بقراءة الجماعة: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} - حذف مضاف بعد مضاف. ألا ترى أن تقدير: ليس لها من جزاء عبادة معبود دون الله كاشفة؟ فالعبادة على هذا مصدر مضاف إلى المفعول، كقوله: {بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ}، و {لا يَسْأَمُ الْأِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ}، ثم حذف المضاف الأول، فصار تقديره: ليس لها من عبادة معبود دون الله كاشفة، ثم حذف المضاف الثاني الذي هو "عبادة"، فصار تقديره: ليس لها من معبود دون الله كاشفة، ثم حذف المضاف الثالث، فصار إلى قوله: ليس لها من دون الله كاشفة.
وهذا على تقديرك "دون الله" اسما هنا، لا ظرفا، لأن الإضافة إليه تسلبه معنى الظرفية التي فيه، كقولهم:
يا سارق الليلة أهل الدار
[المحتسب: 2/295]
وتلك عادة سيبويه إذا أراد تجريد الظرف من معنى الظرفية، فإنه يمثله بالإضافة إليه، وذلك مما ينافي تقدير حرف الجر معه؛ لأن حرف الجر يسقط، فلا يعترض بين المضاف والمضاف إليه.
ولا تستنكر كثرة المضافات المحذوفة هناك، فإن المعنى إذا دل على شيء وقبله القياس أمضى على ذلك ولم يستوحش منه ألا ترى إلى قول الله سبحانه: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ}؟ ألا تراه أن معناه: من تراب أرض أثروطء حافر فرس الرسول، أي من تراب الأرض الحاملة لأثر وطء فرس الرسول. المعنى على هذا؛ لأنه في تصحيحه من تقريه لاستيفاء معانيه، وإذا دل الدليل كان التعجب من حيلة العاجز الذليل.
وقوله: [وهي عَلَى الظَّالِمِين ساءت الغاشية] - هذا جار مجرى قولهم: زيد بئس الرجل؛ لأن ساء بمعنى بئس، و"الغاشية" هنا جنس، والعائئد منها إلى "هي" ضمير يتجرد ويماز من معنى الجماعة، كقولهم: زيد قام بنو محمد، إذا كان محمد أباهم، فكأنه قال: زيد قام في جملة القوم، كما أن قولك: زيد نعم الرجل العائد عليه في المعنى ذكر يخصه من جماعة الرجال). [المحتسب: 2/296]
قوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)}
قوله تعالى: {وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (60)}
قوله تعالى: {وَأَنتُمْ سَامِدُونَ (61)}
قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين