علل الاختلاف في عدّ الآي
قَال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (باب ذكر البيان عن معرفة رؤوس آي السور وشرح علل العادّين فيما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه من ذلك:
- حدثنا أبو الفتح شيخنا، قال: أنا أحمد بن محمد، قال: أنا أحمد بن عثمان، قال: أنا الفضل بن شاذان، قال: أنا أحمد بن يزيد، قال: أنا هارون، عن ابن أبي حماد، عن حمزة، قال: قلت للأعمش: ما لكم لم تعدوا {ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين} ؟
قال: (إنها في قراءتنا خيّفا)
- هذا الخبر أصل في معرفة رؤوس آي السور وفي تمييز فواصلها، وذلك أن قوله (خيفا) لما لم يكن متشاكلا لما قبله وما بعده من رؤوس الآي في وقوع حرف المد الزائد قبل الحرف المتحرك الذي هو آخر الكلمة التي هي الفاصلة، ولا مشبها لذلك، ولا مساويا له في الزِّنَة والبُنْية لم يكن رأس آية في سورةٍ رؤوسُ آيها مبنية على ما ذكرنا، كما لا يكون مثله رأس قافية في قصيدة مردفة مبنية على ياء وواو قبل حرف الروي الذي هو آخر حرف من البيت؛ لأن رؤوس الآي والفواصل مشبهات لرؤوس القوافي من حيث اجتمعن في الانقطاع والانفصال، واشتركن في لحاق التغيير بالزيادة والنقصان.
وعلى نحو ما قلنا يجري سائر ما يرد من مثل تلك الكلمة في جميع سور القرآن في أنه غير معدود، ولا رأس آية لمخالفته ما تقدمه أو أتى بعده من طريق التشاكل والتساوي وجهة الزنة والبنية وكون الكلام جملة مستقلة وكلاما تاما منفصلا.
ولأجل ذلك انعقد اجماع العادين على ترك عد قوله في النساء: {ولا الملائكة المقربون} وقوله في سبحان: {إلا أن كذب بها الأولون} وقوله في مريم: {لتبشر به المتقين}، وقوله في طه: {لعلهم يتقون}، وقوله: {وعنت الوجوه للحي القيوم}، وقوله في الطلاق: {من الظلمات إلى النور}، وقوله: {أن الله على كل شيء قدير} لكونه مخالفا لما قبله وما بعده، من رؤوس آي تلك السور وغير مشبه ولا مشاكل له، ولا عدّوا أيضا قوله تعالى في آل عمران: {أفغير دين الله يبغون} وقوله في المائدة: {أفحكم الجاهلية يبغون} وقوله في الأنعام: {إنما يستجيب الذين يسمعون} وقوله في الأعراف: {فدلاهما بغرور}، وقوله في الأنفال: {إن أولياؤه إلا المتقون} وقوله في الفرقان: {قوم آخرون} وقوله: {وهم يخلقون} وقوله: {أساطير الأولين}، وقوله: {التي وعد المتقون} من حيث لم يشبه ما قبله ولا ما بعده ولم يشاكله ولا ساواه في القدر والطول.
ولا عدّوا أيضا قوله في المائدة: {إن فيها قوما جبارين}، وقوله: {لقوم آخرين} وقوله في الأنعام وهود: {فسوف تعلمون} وقوله في الأعراف: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} وقوله في الأنفال: {أولئك هم المؤمنون} وقوله في يوسف: {ودخل معه السجن فتيان} وقوله في إبراهيم: {ربنا أخرنا إلى أجل قريب} لما لم يكن كلاما تاما منقطعا، وكان كلاما ناقصا متصلا.
ولا عدّوا أيضا قوله في يوسف: {وآتت كل واحدة منهن سكينا}، وقوله: {عبرة لأولي الألباب}، وقوله في إبراهيم: {الشمس والقمر دائبين} وقوله في سبحان: {عميا وبكما وصما} وقوله في الكهف: {إلا مراء ظاهرا} وقوله في مريم: {واشتعل الرأس شيبا} وقوله: {الذين اهتدوا هدى} لمّا خالف ما قبله وما بعده في البنية والتشاكل والتساوي.
وقد عدّوا نظائر ذلك في سور شتى شاكلت فيهن ما قبلها وما بعدها بالمعاني المذكورة). [البيان: 109-110]