العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:36 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (40) إلى الآية (43) ]

{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:24 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن في قوله تعالى: {حتى يلج الجمل في سم الخياط}؛ قال: حتى يدخل البعير في خرق الإبرة). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 228]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري، عن أبي حصين أو حصين يشك أبو بكر، عن إبراهيم، عن ابن مسعود في قوله تعالى: {حتى يلج الجمل في سم الخياط} قال: زوج الناقة يعني الجمل). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 229]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {لا تفتح لهم أبواب السماء} لقول ولا عمل.
سفيان [الثوري] قال: قال ابن عبّاسٍ: {حتّى يلج الجمل في سم الخياط}، قال: حبال السفينة في ثقب الإبرة). [تفسير الثوري: 112]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن ابن مسعودٍ، أنّه كان يقرأ: {حتى يلج الجمل}، قال: زوج النّاقة.

- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، عن مغيرة، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرأ: {حتّى يلج الجمّل}، قال: حبال السّفن هذه القلوس .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عمرو بن ثابتٍ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان يقرأ: {حتّى يلج الجمّل}، قال: حبال السّفن.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عمرو بن ثابتٍ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن مسعود، قال: زوج الناقة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن خالدٍ الحذّاء، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرأ: {الجمّل}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عمر بن سالمٍ الأفطس، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ أنّه كان يقرأ: {الجمل}، يعني حبل سفينةٍ غليظًا). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 138-142]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا حسين بن عليٍّ، عن زائدة، عن عاصمٍ، عن شقيقٍ، عن أبي موسى، قال: تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحًا من المسك، قال: فيصعد بها الملائكة الّذين يتوفّونها فتلقّاهم ملائكةٌ دون السّماء فيقولون: من هذا معكم؟ فيقولون: فلانٌ ويذكرونه بأحسن عمله، فيقولون: حيّاكم اللّه وحيّا من معكم، قال: فتفتح له أبواب السّماء، قال: فيشرق وجهه فيأتي الرّبّ ولوجهه برهانٌ مثل الشّمس،

قال: وأمّا الآخر فتخرج نفسه وهي أنتن من الجيفة، فيصعد بها الملائكة الّذين يتوفّونها فتلقّاهم ملائكةٌ دون السّماء فيقولون: من هذا؟ فيقولون: فلانٌ، ويذكرونه بأسوء عمله، قال: فيقولون: ردّوه فما ظلمه اللّه شيئًا، قال: وقرأ أبو موسى: {ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 258]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... ومشاقّ الإنسان والدّابّة كلّها يسمّى سمومًا، واحدها سمٌّ، وهي: عيناه ومنخراه وفمه وأذناه ودبره وإحليله "). [صحيح البخاري: 6/ 58]


- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله ومشاقّ الإنسان والدّابّة كلّها تسمّى سمومًا واحدها سمٌّ وهي عيناه ومنخراه وفمه وأذناه ودبره وإحليله قال أبو عبيدة في قوله تعالى في سمّ الخياط أي ثقب الإبرة وكلّ ثقبٍ من عينٍ أو أنفٍ أو أذنٍ أو غير ذلك فهو سمٌّ والجمع سمومٌ ووقع في بعض النّسخ مسامّ الإنسان بدل مشاقّ وهي بمعناه). [فتح الباري: 8/ 299]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (مشاقّ الإنسان والدّابة كلّهم يسمّى سموما واحدها سمٌّ وهي عيناه ومنخراه وفمه واذناه ودبره وإحليلهأشار به إلى تفسير لفظ سم، في قوله تعالى: {ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سم الخياط}، قوله: (مشاق الإنسان) ، وفي بعض النّسخ مسام الإنسان، وكلاهما بمعنى واحد وهي سموم الإنسان جمع سم، وهي عيناه إلى آخر ما ذكر قال الجوهري: السم الثقب ومنه سم الخياط ومسام الجسد ثقبه، وفي (المغرب) المسام المنافذ من عبارات الأطبّاء، وفي السم ثلاث لغات فتح السّين وهي قراءة الأكثرين، وضمّها وبه قرأ ابن مسعود وقتادة، وكسرها وبه قرأ أبو عمران الجوني، والخياط ما يخاط به ويقال: مخيط أيضا وبه قرأ ابن مسعود وأبو رزين). [عمدة القاري: 18/ 234]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (ومشاق الإنسان) بتشديد القاف، وفي نسخة ومسام الإنسان بالسين المهملة والميم المشددة بدل المعجمة والقاف وهما بمعنى واحد (و) مسام (الدابة كلهم) وللأبوين كلها (يسمى سمومًا) بضم السين المهملة (واحدها سم وهي) تسعة (عيناه ومنخراه وفمه وأذناه ودبره وإحليله) قاله أبو عبيدة. وقال الراغب: السم والسم كل ثقب ضيق كخرم الإبرة وثقب الأنف وجمعه سموم وقد سمه أدخله فيه، وفي السم ثلاث لغات فتح سينه وضمها وكسرها، ومراد المؤلّف بذلك تفسير قوله تعالى: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}، ودخل تحت عموم قوله تعالى: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء} الدهرية منكرو دلائل الذات والصفات ومنكرو دلائل التوحيد وهم المشركون والبراهمة منكرو صحة النبوّات ومنكرو صحة المعاد الذين استكبروا عن الإيمان بها لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم ولا لأدعيتهم كما تفتح لأرواح المؤمنين وأعمالهم، والولوج الدخول وسم الخياط ثقب الإبرة، فإذا علق على محال كان محالًا لأن الجمل أعظم الحيوانات عند العرب وثقب الإبرة أضيق الثقب). [إرشاد الساري: 7/ 125]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين كذّبوا بحججنا وأدلّتنا فلم يصدّقوا بها ولم يتّبعوا رسلنا، {واستكبروا عنها} يقول: وتكبّروا عن التّصديق بها وأنفوا من اتّباعها والانقياد لها تكبّرًا، لا تفتّح لهم لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب السّماء، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى اللّه قولٌ ولا عملٌ، لأنّ أعمالهم خبيثةٌ. وإنّما يرفع الكلم الطّيّب والعمل الصّالح، كما قال جلّ ثناؤه: {إليه يصعد الكلم الطّيّب والعمل الصّالح يرفعه}.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}، فقال بعضهم: معناه: لا تفتّح لأرواح هؤلاء الكفّار أبواب السّماء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يعلى، عن أبي سنانٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء} قال: عنى بها الكفّار، أنّ السّماء لا تفتّح لأرواحهم وتفتّح لأرواح المؤمنين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو معاوية، عن أبي سنانٍ، عن الضّحّاك قال: قال ابن عبّاسٍ: تفتّح السّماء لروح المؤمن، ولا تفتّح لروح الكافر.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء} قال: إنّ الكافر إذا أخذ روحه ضربته ملائكة الأرض حتّى يرتفع إلى السّماء، فإذا بلغ السّماء الدّنيا ضربته ملائكة السّماء فهبط، فضربته ملائكة الأرض فارتفع، فإذا بلغ السّماء الدّنيا ضربته ملائكة السّماء الدّنيا، فهبط إلى أسفل الأرضين، وإذا كان مؤمنًا أخذ روحه، وفتح له أبواب السّماء، فلا يمرّ بملكٍ إلاّ حيّاه وسلّم عليه، حتّى ينتهي إلى اللّه، فيعطيه حاجته، ثمّ يقول اللّه: ردّوا روح عبدي فيه إلى الأرض، فإنّي قضيت من التّراب خلقه، وإلى التّراب يعود، ومنه يخرج.
وقال آخرون: معنى ذلك: أنّه لا يصعد لهم عملٌ صالحٌ ولا دعاءٌ إلى اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن سفيان، عن ليثٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}: لا يصعد لهم قولٌ ولا عملٌ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء} يعني: لا يصعد إلى اللّه من عملهم شيءٌ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}، يقول: لا تفتّح لخيرٍ يعملون.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}، قال: لا يصعد لهم كلامٌ ولا عملٌ.
- حدّثنا مطر بن محمّدٍ الضّبّيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن داود، قال: حدّثنا شريكٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، في قوله: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}، قال: لا يرتفع لهم عملٌ ولا دعاءٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}، قال: لا يرتفع لهم عملٌ ولا دعاءٌ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحمّانيّ قال: حدّثنا شريكٌ، عن سعيدٍ: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}، قال: لا يرفع لهم عملٌ صالحٌ ولا دعاءٌ.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تفتّح أبواب السّماء لأرواحهم ولا لأعمالهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء} قال: لأرواحهم ولا لأعمالهم.
وإنّما اخترنا في تأويل ذلك ما اخترنا من القول لعموم خبر اللّه جلّ ثناؤه أنّ أبواب السّماء لا تفتّح لهم، ولم يخصّص الخبر بأنّه يفتّح لهم في شيءٍ، فذلك على ما عمّه خبر اللّه تعالى بأنّها لا تفتّح لهم في شيءٍ مع تأييد الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما قلنا في ذلك.
- وذلك ما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر قبض روح الفاجر، وأنّه يصعد بها إلى السّماء، قال: «فيصعدون بها فلا يمرّون على ملإٍ من الملائكة إلاّ قالوا: ما هذا الرّوح الخبيث، فيقولون: فلانٌ، بأقبح أسمائه الّتي كان يدعى بها في الدّنيا، حتّى ينتهوا بها إلى السّماء فيستفتحون له فلا يفتح له». ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن عبد الرّحمن، عن ابن أبي ذئبٍ، عن محمّد بن عمرو بن عطاءٍ، عن سعيد بن يسارٍ، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الميّت تحضره الملائكة، فإذا كان الرّجل الصّالح قالوا: اخرجي أيّتها النّفس الطّيّبة كانت في الجسد الطّيّب، اخرجي حميدةً، وأبشري بروحٍ وريحانٍ وربٍّ غير غضبان، قال: فيقولون ذلك حتّى يعرج بها إلى السّماء فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلانٌ، فيقال: مرحبًا بالنّفس الطّيّبة الّتي كانت في الجسد الطّيب، ادخلي حميدةً، وأبشري بروحٍ وريحانٍ وربٍّ غير غضبان، فيقال لها ذلك حتّى تنتهي إلى السّماء الّتي فيها اللّه. وإذا كان الرّجل السّوء قال: اخرجي أيّتها النّفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمةً، وأبشري بحميمٍ وغسّاقٍ وآخر من شكله أزواجٌ، فيقولون ذلك حتّى تخرج ثمّ يعرج بها إلى السّماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلانٌ، فيقولون: لا مرحبًا بالنّفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمةً فإنّه لا تفتح لك أبواب السّماء، فترسل بين السّماء والأرض فتصير إلى القبر».
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم قال: حدّثنا ابن أبي فديكٍ قال: حدّثني ابن أبي ذئبٍ، عن محمّد بن عمرو بن عطاءٍ، عن سعيد بن يسارٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الكوفة: (لا يفتح لهم أبواب السّماء) بالياء من (يفتح) وتخفيف التّاء منها، بمعنى: لا يفتح لهم جميعها بمرّةٍ واحدةٍ وفتحةٍ واحدةٍ.
وقرأ ذلك بعض المدنيّين وبعض الكوفيّين: {لا تفتّح} بالتّاء وتشديد التّاء الثّانية، بمعنى: لا يفتح لهم بابٌ بعد بابٍ، وشيءٌ بعد شيءٍ.
والصّواب في ذلك عندي من القول أن يقال: إنّهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى، وذلك أنّ أرواح الكفّار لا تفتح لها ولا لأعمالهم الخبيثة أبواب السّماء بمرّةٍ واحدةٍ، ولا مرّةٌ بعد مرّةٍ، وبابٌ بعد بابٍ، فكلا المعنيين في ذلك صحيحٌ، وكذلك الياء والتّاء في (يفتّح) و(تفتح)، لأنّ الياء بناءٌ على فعل الواحد للتّوحيد، والتّاء لأنّ الأبواب جماعةٌ، فيخبر عنها خبر الجماعة.
القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط وكذلك نجزي المجرمين}.
يقول جلّ ثناؤه: ولا يدخل هؤلاء الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها الجنّة الّتي أعدّها اللّه لأوليائه المؤمنين أبدًا، كما لا يلج الجمل في سمّ الخياط أبدًا، وذلك ثقب الإبرة.
وكلّ ثقبٍ في عينٍ أو أنفٍ أو غير ذلك، فإنّ العرب تسمّيه سمًّا وتجمعه سمومًا وسمامًا، والسّمام في جمع السّمّ القاتل أشهر وأفصح من السّموم، وهو في جمع السّمّ الّذي هو بمعنى الثّقب أفصح، وكلاهما في العرب مستفيضٌ، وقد يقال لواحد السّموم الّتي هي الثّقوب: سمٌّ وسمٌّ بفتح السّين وضمّها، ومن السّمّ الّذي بمعنى الثّقب قول الفرزدق:
فنفّست عن سمّيه حتّى تنفّسا ....... وقلت له لا تخش شيئًا ورائيا
يعني بسمّيه: ثقبي أنفه.
وأمّا الخياط: فإنّه المخيط وهي الإبرة، قيل لها: خياطٌ ومخيطٌ، كما قيل: قناعٌ ومقنعٌ، وإزارٌ ومئزرٌ، وقرامٌ ومقرمٌ، ولحافٌ وملحفٌ.
وأمّا القرّاء من جميع الأمصار، فإنّها قرأت قوله: {في سمّ الخياط} بفتح السّين، وأجمعت على قراءة (الجمل) بفتح الجيم والميم وتخفيف ذلك.
وأمّا ابن عبّاسٍ وعكرمة وسعيد بن جبيرٍ، فإنّه حكي عنهم أنّهم كانوا يقرءون ذلك: (الجمّل) بضمّ الجيم وتشديد الميم، على اختلافٍ في ذلك عن سعيدٍ وابن عبّاسٍ.
فأمّا الّذين قرءوه بالفتح من الحرفين والتّخفيف، فإنّهم وجّهوا تأويله إلى الجمل المعروف وكذلك فسّروه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه، في قوله: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}، قال: الجمل: ابن النّاقة، أو زوج النّاقة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن أبي حصينٍ، عن إبراهيم، عن عبد اللّه: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط} قال: الجمل: زوج النّاقة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصينٍ، عن إبراهيم، عن عبد اللّه، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن هشيمٍ، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه قال: الجمل: زوج النّاقة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ قال: أخبرنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه، مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا قرّة، قال: سمعت الحسن، يقول: الجمل الّذي يقوم في المربد.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}، قال: حتّى يدخل البعير في خرق الإبرة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن هشيمٍ، عن عبّاد بن راشدٍ، عن الحسن، قال: هو الجمل فلمّا أكثروا عليه قال: هو الأشتر.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عبّاد بن راشدٍ، عن الحسن، مثله.
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا الحجّاج قال: حدّثنا حمّادٌ، عن يحيى قال: كان الحسن يقرؤها: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}، قال: فذهب بعضهم يستفهمه قال: أشتر أشتر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو النّعمان عارمٌ قال: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن شعيب بن الحبحاب، عن أبي العالية: {حتّى يلج الجمل}، قال: الجمل: الّذي له أربع قوائم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا الثّوريّ، عن أبي حصينٍ، أو حصينٍ، عن إبراهيم، عن ابن مسعودٍ في قوله: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}، قال: زوج النّاقة، يعني الجمل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، أنّه كان يقرأ: {الجمل}: وهو الّذي له أربع قوائم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو تميلة، عن عبيدٍ، عن الضّحّاك: {حتّى يلج الجمل}: الّذي له أربع قوائم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا زيد بن الحباب، عن قرّة، عن الحسن: {حتّى يلج الجمل}، قال: الّذي بالمربد.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن مسعودٍ، أنّه كان يقرأ: (حتّى يلج الجمل الأصفر).
- حدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا يحيى بن سليمٍ، قال: حدّثنا عبد الكريم بن أبي المخارق، عن الحسن، في قوله: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}، قال: الجمل: ابن النّاقة، أو بعل النّاقة.
وأمّا الّذين خالفوا هذه القراءة فإنّهم اختلفوا، فروي عن ابن عبّاسٍ في ذلك روايتان: إحداهما الموافقة لهذه القراءة وهذا التّأويل.
ذكر الرّواية بذلك عنه:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط} والجمل: ذو القوائم.
وذكر أنّ ابن مسعودٍ قال ذلك أيضًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}: هو الجمل العظيم لا يدخل في خرق الإبرة من أجل أنّه أعظم منها.
والرّواية الأخرى ما:
- حدّثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {حتّى يلج الجمّل في سمّ الخياط}؛ قال: هو قلس السّفينة.
- حدّثني عبد الأعلى بن واصلٍ، قال: حدّثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل، عن خالد بن عبد اللّه الواسطيّ، عن حنظلة السّدوسيّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرأ: {حتّى يلج الجمّل في سمّ الخياط}؛ يعني: الحبل الغليظ فذكرت ذلك للحسن، فقال: {حتّى يلج الجمل}.
قال عبد الأعلى: قال أبو غسّان: قال خالدٌ: يعني البعير.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أسامة، عن فضيلٍ، عن مغيرة، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه قرأ: (الجمّل) مثقّلةً، وقال: هو حبل السّفينة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن هشيمٍ، عن مغيرة، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: (الجمّل): حبال السّفن.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن ابن المبارك، عن حنظلة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ:
{حتّى يلج الجمّل في سمّ الخياط}؛ قال: الحبل الغليظ.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ:
{حتّى يلج الجمّل في سمّ الخياط}، قال: هو الحبل الّذي يكون على السّفينة.
- واختلف عن سعيد بن جبيرٍ أيضًا في ذلك، فروي عنه روايتان إحداهما مثل الّذي ذكرنا عن ابن عبّاسٍ بضمّ الجيم وتثقيل الميم.
ذكر الرّواية بذلك عنه:
- حدّثنا عمران بن موسى القزّار، قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، قال: حدّثنا حسينٌ المعلّم، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه قرأها: {حتّى يلج الجمّل}، يعني: قلوس السّفن، يعني الحبال الغلاظ.
والأخرى منهما بضمّ الجيم وتخفيف الميم.
ذكر الرّواية بذلك عنه:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عمرٌو، عن سالم بن عجلان الأفطس، قال: قرأت على أبي:
{حتّى يلج الجمّل}، فقال: {حتّى يلج الجمّل} خفيفةً: هو حبل السّفينة هكذا أقرأنيها سعيد بن جبيرٍ.
وأمّا عكرمة، فإنّه كان يقرأ ذلك: (الجمّل) بضمّ الجيم وتشديد الميم، وبتأوّله.
- كما حدّثني ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو تميلة، عن عيسى بن عبيدة، قال: سمعت عكرمة، يقرأ (الجمّل) مثقّلةً، ويقول: هو الحبل الّذي يصعد به إلى النّخل.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدّثنا كعب بن فرّوخ قال: حدّثنا قتادة، عن عكرمة، في قوله: {حتّى يلج الجمّل في سمّ الخياط}، قال: الحبل الغليظ في خرق الإبرة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله:
{حتّى يلج الجمّل في سمّ الخياط}، قال: حبل السّفينة في سمّ الخياط.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ قال: قال عبد اللّه بن كثيرٍ: سمعت مجاهدًا يقول: الحبل من حبال السّفن.
وكأنّ من قرأ ذلك بتخفيف الميم وضمّ الجيم على ما ذكرنا عن سعيد بن جبيرٍ على مثال الصّرد والجعل وجّهه إلى جماع جملةٍ من الحبال جمعت جملاً، كما تجمع الظّلمة ظلمًا والخربة خربًا.
وكان بعض أهل العربيّة ينكر التّشديد في الميم، ويقول: إنّما أراد الرّاوي (الجمل) بالتّخفيف، فلم يفهم ذلك منه، فشدّده.
وحدّثت عن الفرّاء، عن الكسائيّ أنّه قال: الّذي رواه عن ابن عبّاسٍ كان أعجميًّا.
وأمّا من شدّد الميم وضمّ الجيم، فإنّه وجّهه إلى أنّه اسمٌ واحدٌ: وهو الحبل أو الخيط الغليظ.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار وهو:
{حتّى يلج الجمّل في سمّ الخياط}؛ بفتح الجيم والميم من (الجمل) وتخفيفها، وفتح السّين من (السّمّ)، لأنّها القراءة المستفيضة في قرّاء الأمصار، وغير جائزٍ مخالفة ما جاءت به الحجّة متّفقةً عليه من القرّاء.
وكذلك ذلك في فتح السّين في قوله: {سمّ الخياط} إذ كان الصّواب من القراءة ذلك، فتأويل الكلام: ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج، والولوج: الدّخول من قولهم: ولج فلانٌ الدّار يلج ولوجًا، بمعنى: دخل الجمل في سمّ الإبرة وهو ثقبها.
{وكذلك نجزي المجرمين} يقول وكذلك نثيب الّذين أجرموا في الدّنيا ما استحقّوا به من اللّه العذاب الأليم في الآخرة.
وبمثل الّذي قلنا في تأويل قوله: {سمّ الخياط} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، وابن مهديٍّ، وسويدٌ الكلبيّ، عن حمّاد بن زيدٍ، عن يحيى بن عتيقٍ، قال: سألت الحسن عن قوله: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}، قال: ثقب الإبرة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا كعب بن فرّوخ، قال: حدّثنا قتادة، عن عكرمة: {في سمّ الخياط} قال: ثقب الإبرة.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن، مثله.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {في سمّ الخياط}، قال: جحر الإبرة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {في سمّ الخياط}، يقول: جحر الإبرة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثني عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {في سمّ الخياط} قال: في ثقبه). [جامع البيان: 10/ 182-196]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط وكذلك نجزي المجرمين (40)}
قوله تعالى: {إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء}
الوجه الأول:
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى ثنا أبو سنانٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: في قوله: { لا تفتح لهم أبواب السّماء}، قال: عنى بها الكفّار بأنّ السّماء لا تفتح لأرواحهم، وهي تفتح لأرواح المؤمنين وروي عن الضحاك نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء}؛ يعني: لا يصعد إلى اللّه من عملهم شيءٌ.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: قوله: {إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السّماء} لا تفتّح لهم لخيرٍ يعملون.
- حدّثنا أبي ثنا قبيصة ثنا سفيان عن ليثٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ: لا تفتّح لهم أبواب السّماء قال: لا تفتّح لهم لعملٍ ولا دعاءٍ. وروي عن إبراهيم النّخعيّ ومجاهدٍ مثل ذلك.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: {لا تفتّح لهم أبواب السماء} قال: الكافر إذا أخذوا روحه ضربته ملائكة الأرض حتّى يرتفع في السّماء، فإذا بلغ السّماء ضربته ملائكة السّماء فهبط، فضربته ملائكة الأرض فارتفع، فضربته ملائكة السّماء الدّنيا فهبط إلى أسفل الأرضين.
- حدّثنا أبي ثنا عصام بن روّادٍ ثنا أبي ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة، في قول اللّه: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}، يقول: ليس لهم عملٌ صالحٌ يفتح لهم أبواب السّماء.
قوله تعالى: {ولا يدخلون الجنّة}
- أخبرنا الحسن بن عليّ بن عفّان فيما كتب إلينا، أنبأ ابن نميرٍ عن الأعمش عن المنهال عن زاذان أبي عمر قال: سمعت البراء بن عازبٍ يقول: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في جنازة رجلٍ من الأنصار فجلس وجلسنا معه، ثمّ قال:« وإنّ الكافر إذا كان في انقطاعٍ من الدّنيا وإقبالٍ من الآخرة، جاء ملك الموت فجلس عند رأسه فيقول: اخرجي أيّتها النّفس الخبيثة إلى سخطٍ من اللّه وغضبٍ. قال: فتتفرّق في جسده فينتزعها يقطع معها العروق والعصب كما يستخرج السّفّود من الصّوف المبلول، قال: فيأخذونها ولا يدعونها في يده طرفة عينٍ. قال: ويخرج منها من أنتن ريح جيفةٍ وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون به، فلا يمرّون على ملإٍ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الرّوح المنتن؟ قال: فيقولون: فلانٌ، بأسوإ أسمائه الّتي كان يدعى بها، فإذا انتهي به إلى السّماء الدّنيا أغلقت دونها أبواب السّماء»، ثمّ قرأ: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سم الخياط}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1476-1478]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال حدثنا حماد بن زيد عن شعيب بن الحبحاب عن أبي العالية الرياحي في قوله حتى يلج الجمل قال هو الجمل الذي على أربع قوائم وكان يقرؤها الحمل).[تفسير مجاهد: 236]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هو حبل السفينة). [تفسير مجاهد: 236]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {في سم الخياط}، قال هو ثقب الإبرة). [تفسير مجاهد: 237]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}.
- عن ابن مسعودٍ أنّه كان يقرأ: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}؛ قال: زوج النّاقة.
رواه الطّبرانيّ من طريقين ورجال إحداهما رجال الصّحيح، إلّا أنّ إبراهيم النّخعيّ لم يدرك ابن مسعودٍ، والأخرى ضعيفةٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 23]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لا تفتح لهم أبواب السماء}؛ يعني لا يصعد إلى الله من عملهم شيء.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس: {لا تفتح لهم أبواب السماء}؛ قال: لا تفتح لهم لعمل ولا دعاء.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {لا تفتح لهم أبواب السماء}، قال: عيرتها الكفار إن السماء لا تفتح لأرواحهم وهي تفتح لأرواح المؤمنين.
- وأخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتح لهم بالياء.
- وأخرج أحمد والنسائي، وابن ماجة، وابن جرير، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل صالحا قال: أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب أخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء السابعة فإذا كان الرجل السوء قال: أخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث أخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال: من هذا فيقال: فلان، فيقال: لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فإنها لا تفتح لك أبواب السماء، فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر».
- وأخرج الطيالسي، وابن أبي شيبة في المصنف واللالكائي في السنة والبيهقي في البعث عن أبي موسى الأشعري قال: تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحا من المسك فيصعد بها الملائكة الذين يتوفونها فتلقاهم ملائكة دون السماء فيقولون: من هذا معكم فيقولون: فلان ويذكرونه بأحسن عمله، فيقولون: حياكم الله وحيا من معكم فيفتح له أبواب السماء فيصعد به من الباب الذي كان يصعد عمله منه فيشرق وجهه فيأتي الرب ولوجهه برهان مثل الشمس، قال: وأما الكافر فتخرج نفسه وهي أنتن من الجيفة فيصعد بها الملائكة الذين يتوفونها فتلقاهم ملائكة دون السماء فيقولون: من هذا فيقولون فلان ويذكرونه بأسوأ [ هجاء الهمزة ] عمله فيقولون: ردوه فما ظلمه الله شيئا، فيرد إلى أسفل الأرضين إلى الثرى وقرأ أبو موسى: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}.
- وأخرج الطيالسي، وابن أبي شيبة وأحمد وهناد بن السري، وعبد بن حميد وأبو داود في "سننه"، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في كتاب عذاب القبر عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وجلسنا حوله وكان على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكث به في الأرض فرفع رأسه فقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوهم الشمس معهم أكفان من كفن الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء وإن كنتم ترون غير ذلك فيأخذها فإذا لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعة فيقول الله: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما عملك فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول: أنا عملك الصالح فيقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي، قال: وإن العبد الكافر إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تفتح لهم أبواب السماء} فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} [الحج: 31]، فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك فيقول: هاه هاه، فيقولان له: ما دينك فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء: إن كذب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة
».
- وأخرج ابن جرير عن مجاه، {لا تفتح لهم أبواب السماء} قال: لا يصعد لهم كلام ولا عمل.
- وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير، {لا تفتح لهم أبواب السماء} قال: لا يرفع لهم عمل ولا دعاء.
- وأخرج ابن جرير عن ابن جريج، {لا تفتح لهم أبواب السماء} قال: لأرواحهم ولا لأعمالهم.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لا تفتح لهم أبواب السماء} قال: الكافر إذا أخذ روحه ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط فضربته ملائكة الأرض فارتفع فضربته ملائكة السماء الدنيا فهبط إلى أسفل الأرضين وإذا كان مؤمنا روح روحه وفتحت له أبواب السماء فلا يمر بملك إلا حياه وسلم عليه حتى ينتهي إلى الله فيعطيه حاجته ثم يقول الله: ردوا روح عبدي فيه إلى الأرض فإني قضيت من التراب خلقه وإلى التراب يعود ومنه يخرج، قوله تعالى: {حتى يلج الجمل في سم الخياط}.
- أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {حتى يلج الجمل}، قال: ذو القوائم {في سم الخياط}، قال: في خرق الإبرة.
- وأخرج سعيد بن منصور والفريابي وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ والطبراني في الكبير عن ابن مسعود في قوله: {حتى يلج الجمل} قال: زوج الناقة.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {حتى يلج الجمل}؛ قال: ابن الناقة الذي يقوم في المربد على أربع قوائم
- وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد وأبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس، أنه كان يقرأ (الجمل) يعني بضم الجيم وتشديد الميم وقال: الجمل الحبل الغليظ وهو من حبال السفن.
- وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف وأبو الشيخ عن مجاهد قال: في قراءة ابن مسعود حتى يلج الجمل الأصفر في سم الخياط.
- وأخرج ابن المنذر عن مصعب قال: إن قرئت الجمل فإنا طيرا يقال له الجمل.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد: {حتى يلج الجمل في سم الخياط}، قال: الجمل حبل السفينة وسم الخياط ثقبة.
- وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال: الجمل الحبل الذي يصعد به إلى النخل الميم مرفوعة مشددة.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال: حتى يدخل البعير في خرق الإبرة
- وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر، أنه سئل عن سم الخياط قال: الجمل في ثقب الإبرة). [الدر المنثور: 6/ 384-392]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)}
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، قال: حدّثنا عبد السّلام، عن يزيد بن عبد الرّحمن، عن المنهال، عن خيثمة، عن سويد بن غفلة، قال: إذا أراد اللّه أن ينسى أهل النّار جعل لكلّ إنسانٍ منهم تابوتًا من نارٍ على قدره، ثمّ أقفل عليه بأقفالٍ من نارٍ فلا يضرب منه عرقٌ إلاّ وفيه مسمارٌ من نارٍ، ثمّ جعل ذلك التّابوت في تابوتٍ آخر من نارٍ، ثمّ أقفل عليه بأقفالٍ من نارٍ، ثمّ يضرم بينهما نارٌ، فلا يرى أحدٌ منهم، أنّ في النّار أحدًا غيره، فذلك قوله تعالى: {لهم من فوقهم ظللٌ من النّار ومن تحتهم ظللٌ} وذلك قوله تعالى: {لهم من جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ وكذلك نجزي الظّالمين}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 423-424]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {غواشٍ} : «ما غشّوا به»). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله:{غواشٍ}؛ ما غشّوا به قال أبو عبيدة في قوله: {ومن فوقهم غواش} واحدتها غاشيةٌ وهي ما غشّاهم فغطّاهم من فوقهم وروى بن جريرٍ من طريق السّدّيّ قال المهاد لهم كهيئة الفراش والغواش يتغشّاهم من فوقهم ومن طريق محمّد بن كعبٍ قال المهاد الفرش، {ومن فوقهم غواشٍ} قال: اللّحف). [فتح الباري: 8/ 299]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({غواشٍ} ما غشوا به
أشار به إلى قوله تعالى: {لهم من جهنّم مهاد ومن فوقهم غواش} وفسّر لفظ غواش، بقوله: ما غشوا به. أي: ما غطوا به وهو جمع غاشية وهي كل ما يغشاك أي يسترك من اللحف، وقيل: من اللباس، والمراد بذلك أن النّار من فوقهم ومن تحتهم بالمهاد وعماد فوقهم بالغواشي، وروى ابن جرير من طريق محمّد بن كعب قال: المهاد الفرش. وقال: {ومن فوقهم غواش}: اللحف). [عمدة القاري: 18/ 234]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: {ومن فوقهم غواش} أي (ما غشوا) أي غطوا (به). قال محمد بن كعب القرظي: {لهم من جهنم مهاد}: الفرش، {ومن فوقهم غواش}: اللحف). [إرشاد الساري: 7/ 125]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لهم من جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ وكذلك نجزي الظّالمين}.
يقول جلّ ثناؤه: لهؤلاء الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها {من جهنّم مهادٌ}: وهو ما امتهدوه ممّا يقعد عليه ويضطجع كالفراش الّذي يفرش والبساط الّذي يبسط. {ومن فوقهم غواشٍ}: وهو جمع غاشيةٍ، وذلك ما غشّاهم فغطّاهم من فوقهم.
وإنّما معنى الكلام: لهم من جهنّم مهادٌ، من تحتهم فرشٌ، ومن فوقهم منها لحفٌ، وإنّهم بين ذلك.
وبنحو ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ: {لهم من جهنّم مهادٌ}؛ قال: الفراش، {ومن فوقهم غواشٍ}؛ قال: اللّحف.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك: {لهم من جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ}، قال: المهاد: الفرش، والغواشي: اللّحف.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لهم من جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ}، أمّا المهاد: لهم كهيئة الفراش، والغواشي: تتغشّاهم من فوقهم.
وأمّا قوله: {وكذلك نجزي الظّالمين}، فإنّه يقول: وكذلك نثيب ونكافئ من ظلم نفسه فأكسبها من غضب اللّه ما لا قبل لها به بكفره بربّه وتكذيبه أنبياءه). [جامع البيان: 10/ 196-197]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {لهم من جهنم مهاد}، قال: الفرش، {ومن فوقهم غواش}؛ قال: اللحف.
- وأخرج هناد، وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي، مثله.
- وأخرج أبو الحسن القطان في الطوالات وأبو الشيخ، وابن مردويه عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكسى الكافر لوحين من نار في قبره فذلك قوله: {لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش}».
- وأخرج ابن مردويه عن عائشة أن النّبيّ [صلى الله عليه وسلم] تلا هذه الآية: {لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش} قال: هي طبقات من فوقه وطبقات من تحته لا يدري ما فوقه أكثر أو ما تحته غير أنه ترفعه الطبقات السفلى وتضعه الطبقات العليا ويضيق فيما بينهما حتى يكون بمنزلة الزج في القدح). [الدر المنثور: 6/ 392]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لا نكلّف نفسًا إلاّ وسعها أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون}.
يقول جلّ ثناؤه: والّذين صدقوا اللّه ورسوله وأقرّوا بما جاءهم به من وحي اللّه وتنزيله وشرائع دينه، وعملوا ما أمرهم اللّه به فأطاعوه وتجنّبوا ما نهاهم عنه. {لا نكلّف نفسًا إلاّ وسعها}، يقول: لا نكلّف نفسًا من الأعمال إلاّ ما يسعها فلا تحرج فيه، {أولئك} يقول: هؤلاء الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، {أصحاب الجنّة}، يقول: هم أهل الجنّة الّذين هم أهلها دون غيرهم ممّن كفر باللّه، وعمل بسيّئاتهم، {فيها خالدون} يقول: هم في الجنّة ماكثون، دائمٌ فيها مكثهم لا يخرجون منها ولا يسلبون نعيمهم). [جامع البيان: 10/ 197]

تفسير قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي أنه تلا هذه الآية: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرًا حتى إذا جاءوها} [ سورة الزمر: 73] وجدوا عينًا بالجنة تنفجر تخرج من عند ساقها عينان، فعمدوا إلى إحداهما كأنما أمروا بها، فاغتسلوا بها، فلم تشعث رؤسهم بعدها أبدًا، ولم تغير جلودهم بعدها أبدًا، كأنما دهنوا بالدهن، ثم عمدوا إلى الأخرى فشربوا منها فطهرت أجوافهم، وغسلت كل قذر فيها، وتتلقاهم على كل باب من أبواب الجنة ملائكة: {سلامٌ عليكم طبتم فادخلوها خالدين}، ثم يتلقاهم الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان الدنيا بالحميم يجيء من الغيبة يقول: أبشر أعد الله لك كذا، وأعد لك كذا، ثم يذهب الغلام منهم إلى الزوجة من أزواجه فيقول: قد جاء فلان باسمه الذي كان يدعا في الدنيا، فتقول: أنت رأيته؟ فيستخفها الفرح، حتى تقوم على أسكفة بابها، ثم يرجع فيجيء فينظر إلى تأسيس بنيانه من جندل اللؤلؤ، أخضر، وأصفر، وأحمر من كل لون، ثم يجلس فينظر، فإذا زرابي مبثوثة وأكواب موضوعة، ثم يرفع رأسه إلى سقف بنيانه فلولا أن الله قدر ذلك لأذهب ببصره، إنما هو مثل البرق، ثم يقول: {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} [سورة الأعراف: 43] ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 572-573]
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، قال: حدثني الأغر، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قال: ينادي منادٍ: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وتصحوا فلا تسقموا أبدًا، وتشبوا فلا تهرموا أبدًا، وتنعموا فلا تبؤسوا أبدًا، فذلك قوله: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} [سورة الأعراف: 43] ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 772-773]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}، قال: قال علي بن أبي طالب: «إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله [تعالى]: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 229]


قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن عيينة عن إسرائيل أبي موسى قال سمعت الحسن يقول قال علي فينا والله أهل بدر نزلت {ونزعنا ما في صدورهم من غل} الآية). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 229]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري، عن أبي إسحاق، أن الأغر حدثه عن أبي سعيد الخدري، وعن أبي هريرة أن النبي قال: «ثم ينادي مناد أن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وأن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وأن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وأن لكم أن تنعموا فلا تبتئسوا أبدا فذلك قوله تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}»). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 176-177]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأودي، عن ابن مسعود، قال: إن المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم ومن تحت سبعين حلة كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 177]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون}
- أخبرنا محمّد بن إدريس، حدّثنا عبيد بن يعيش، حدّثنا يحيى بن آدم، عن حمزة بن حبيبٍ، عن أبي إسحاق، عن الأغرّ، عن أبي هريرة، وأبي سعيدٍ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: {ونودوا أن تلكم الجنّة} قال: «نودوا أن صحّوا فلا تسقموا، وانعموا فلا تبؤسوا، وشبّوا فلا تهرموا»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 99]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ تجري من تحتهم الأنهار}.
يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الّذين وصف صفتهم وأخبر أنّهم أصحاب الجنّة، ما فيها من حقدٍ وغلٍّ وعداوةٍ كان من بعضهم في الدّنيا على بعضٍ، فجعلهم في الجنّة إذ أدخلهموها على سررٍ متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيءٍ خصّ اللّه به بعضهم وفضّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنّة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ} قال: العداوة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن، عن سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ} قال: هي الإحن.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن إسرائيل أبي موسى، عن الحسن، عن عليٍّ، قال: فينا واللّه أهل بدرٍ نزلت: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخوانًا على سررٍ متقابلين}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا ابن عيينة، عن إسرائيل قال: سمعته يقول: قال عليٌّ عليه السّلام: فينا واللّه أهل بدرٍ نزلت: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخوانًا على سررٍ متقابلين}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: قال عليّ رضي اللّه عنه: إنّي لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزّبير من الّذين قال اللّه تعالى فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ تجري من تحتهم الأنهار}، قال: إنّ أهل الجنّة إذا سيقوا إلى الجنّة، فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرةً في أصل ساقها عينان، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غلٍّ، فهو الشّراب الطّهور. واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم نضرة النّعيم، فلم يشعثوا ولم يتّسخوا بعدها أبدًا.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن الجريريّ، عن أبي نضرة، قال: يحبس أهل الجنّة دون الجنّة حتّى يقضى لبعضهم من بعضٍ، حتّى يدخلوا الجنّة حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقلامة ظفرٍ ظلمها إيّاه، ويحبس أهل النّار دون النّار حتّى يقضى لبعضهم من بعضٍ، فيدخلون النّار حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقلامة ظفرٍ ظلمها إيّاه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه}.
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الّذين وصف جلّ ثناؤه، وهم الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات حين أدخلوا الجنّة، ورأوا ما أكرمهم اللّه به من كرامته، وما صرف عنهم من العذاب المهين الّذي ابتلي به أهل النّار بكفرهم بربّهم وتكذيبهم رسله: {الحمد للّه الّذي هدانا لهذا}؛ يقول: الحمد للّه الّذي وفّقنا للعمل الّذي أكسبنا هذا الّذي نحن فيه من كرامة اللّه وفضله وصرف عذابه عنّا. {وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه} يقول: وما كنّا لنرشد لذلك لولا أن أرشدنا اللّه له ووفّقنا بمنّه وطوله.
- كما حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، قال: حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلّ أهل النّار يرى منزله من الجنّة، فيقولون: لو هدانا اللّه، فتكون عليهم حسرةً. وكلّ أهل الجنّة يرى منزله من النّار، فيقولون: لولا أن هدانا اللّه. فهذا شكرهم».
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدّث عن عاصم بن ضمرة، عن عليٍّ، قال: ذكر لعمر شيءٌ لا أحفظه، ثمّ ذكر الجنّة، فقال: يدخلون فإذا شجرةٌ يخرج من تحت ساقها عينان، قال: فيغتسلون من إحداهما، فتجري عليهم نضرة النّعيم، فلا تشعث أشعارهم ولا تغبّر أبشارهم، ويشربون من الأخرى، فيخرج كلّ قذًى وقذرٍ، أو شيءٍ في بطونهم. قال: ثمّ يفتح لهم باب الجنّة، فيقال لهم: {سلامٌ عليكم طبتم فادخلوها خالدين}، قال: فتستقبلهم الولدان، فيحفّون بهم كما تحفّ الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته. ثمّ يأتون فيبشّرون أزواجهم، فيسمّونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، فيقلن: أنت رأيته؟ قال: فيستخفّهنّ الفرح، قال: فيجئن حتّى يقفن على أسكفّة الباب. قال: فيجيئون فيدخلون، فإذا أسّ بيوتهم بجندل اللّؤلؤ، وإذا صروحٌ صفرٌ وخضرٌ وحمرٌ ومن كلّ لونٍ، وسررٌ مرفوعةٌ، وأكوابٌ موضوعةٌ، ونمارق مصفوفةٌ، وزرابيّ مبثوثةٌ، فلولا أنّ اللّه قدّرها لالتمعت أبصارهم ممّا يرون فيها. فيعانقون الأزواج، ويقعدون على السّرر ويقولون: {الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ} الآية.
القول في تأويل قوله تعالى: {لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ ونودوا أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون}؛
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن هؤلاء الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أنّهم يقولون عند دخولهم الجنّة ورؤيتهم كرامة اللّه الّتي أكرمهم بها، وهو أنّ أعداء اللّه في النّار: واللّه لقد جاءتنا في الدّنيا وهؤلاء الّذين في النّار رسل ربّنا بالحقّ من الأخبار، عن وعد اللّه أهل طاعته والإيمان به وبرسله ووعيده أهل معاصيه والكفر به.
وأمّا قوله: {ونودوا أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون}؛
فإنّ معناه: ونادى منادٍ هؤلاء الّذين وصف اللّه صفتهم وأخبر عمّا أعدّ لهم من كرامته، أن يا هؤلاء هذه تلكم الجنّة الّتي كانت رسلي في الدّنيا تخبركم عنها، أورثكموها اللّه عن الّذين كذّبوا رسله، لتصديقكم إيّاهم، وطاعتكم ربّكم. وذلك هو معنى قوله: {بما كنتم تعملون}.

وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ونودوا أن تلكم الجنّة، أورثتموها بما كنتم تعملون}، قال: ليس من كافرٍ ولا مؤمنٍ إلاّ وله في الجنّة والنّار منزلٌ. فإذا دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار، ودخلوا منازلهم، رفعت الجنّة لأهل النّار فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل لهم: هذه منازلكم لو عملتم بطاعة اللّه، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، رثوهم بما كنتم تعملون، فيقسم بين أهل الجنّة منازلهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمر بن سعدٍ أبو داود الحفريّ، عن سعيد بن بكرٍ، عن سفيان الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن الأغرّ: {ونودوا أن تلكم الجنّة، أورثتموها بما كنتم تعملون}، قال: نودوا أن صحّوا فلا تسقموا، واخلدوا فلا تموتوا، وانعموا فلا تبأسوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأغرّ، عن أبي سعيدٍ: {ونودوا أن تلكم الجنّة،} الآية، قال: ينادي منادٍ: إنّ لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدًا.
واختلف أهل العربيّة في (أن) الّتي مع (تلكم)، فقال بعض نحويّي البصرة: هي (أنّ) الثّقيلة خفّفت، وأضمر فيها، ولا يستقيم أن نجعلها الخفيفة لأنّ بعدها اسمًا، والخفيفة لا تليها الأسماء، وقد قال الشّاعر:
في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا ....... أن هالكٌ كلّ من يحفى وينتعل
وقال آخر:
أكاشره وأعلم أن كلانا ....... على ما ساء صاحبه حريص
قال: فمعناه: أنّه كلانا قال، ويكون كقوله: {أن قد وجدنا} في موضع أي وجدنا.
وقوله: {أن أقيموا}. ولا تكون (أن) الّتي تعمل في الأفعال، لأنّك تقول: غاظني أن قام، وأن ذهب، فتقع على الأفعال وإن كانت لا تعمل فيها، وفي كتاب اللّه: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} أي امشوا.
وأنكر ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة، فقال: غير جائزٍ أن يكون مع (أن) في هذا الموضع (هاءٌ) مضمرةٌ، لأنّ (أن) دخلت في الكلام لتقي ما بعدها قال: و(أن) هذه الّتي مع (تلكم) هي الدّائرة الّتي يقع فيها ما ضارع الحكاية، وليس بلفظ الحكاية، نحو: ناديت أنّك قائمٌ، وأن زيدٌ قائمٌ، وأن قمت، فتلي كلّ الكلام، وجعلت (أن) وقايةً، لأنّ النّداء يقع على ما بعده، وسلم ما بعد (أن) كما سلم ما بعد القول، ألا ترى أنّك تقول: قلت: زيدٌ قائمٌ، وقلت: قام، فتليها ما شئت من الكلام؟ فلمّا كان النّداء بمعنى الظّنّ وما أشبهه من القول سلم ما بعد (أن)، ودخلت (أن) وقايةً. قال: وأمّا (أي) فإنّها لا تكون على أن لا يكون: أي جواب الكلام، وأن تكفي من الاسم). [جامع البيان: 10/ 197-204]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ ونودوا أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون (43)}
قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ ابن عيينة عن إسرائيل قال: سمعت الحسن يقول: قال عليّ بن أبي طالبٍ: «فينا واللّه نزلت أهل بدرٍ: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ}».
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة: ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ قال: قال عليّ بن أبي طالبٍ: «إنّي لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزّبير من الّذين قال اللّه فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}».
قوله: {من غل}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا خالدٌ، عن عوفٍ عن الحسن قال: بلغني أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يحبس أهل الجنّة بعد ما يجوزون الصّراط حتّى يؤخذ لبعضهم من بعضٍ ظلامتهم في الدّنيا، فيدخلون الجنّة وليس في قلوب بعضهم على بعضٍ غلٌّ».
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكرٍ وعثمان أنبأ أبي شيبة قالا: ثنا مروان ابن معاوية عن جويبرٍ عن الضّحّاك، في قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ} قال: العداوة.
قوله تعالى: {تجري من تحتهم الأنهار}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ تجري من تحتهم الأنهار}: قال: إنّ أهل الجنّة إذا سبقوا إلى الجنّة فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرةً في أصل ساقها عينان، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غلٍّ، فهو الشّراب الطّهور، واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم نضرة النّعيم، فلن يشعثوا ولن يشحبوا بعدها أبدًا.
قوله تعالى: {وقالوا الحمد للّه الّذي هدانا لهذا}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو معمرٍ القطيعيّ حدّثني حفصٌ عن حجّاجٍ عن ابن أبي مليكة عن ابن عبّاسٍ: قال عمر رضي اللّه عنه: قد علمنا سبحان اللّه، ولا إله إلا اللّه، فما الحمد للّه؟ فقال عليٌّ رضي اللّه عنه: كلمةٌ رضيها اللّه لنفسه.
- حدّثنا أبي ثنا أبو معمرٍ المنقريّ ثنا عبد الوارث ثنا عليّ بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران قال: قال ابن عبّاسٍ: الحمد للّه كلمة الشّكر، فإذا قال: الحمد للّه. قال: شكرني عبدي.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ ثنا محمّد بن العلا ثنا عثمان بن سعيدٍ ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: الحمد للّه هو الشّكر للّه الاستحذاء له والإقرار له بنعمه وابتدائه، وغير ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيبٌ ثنا سهيل بن أبي صالحٍ عن أبيه عن السّلوليّ عن كعبٍ قال: الحمد للّه ثناءٌ على اللّه.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الرّحمن العزرميّ ثنا بزيعٌ- يعني اللّحّام ثنا أبو حازمٍ عن يحيى بن عبد الرّحمن- يعني أبا بسطامٍ- عن الضّحّاك قال: الحمد للّه رداء الرّحمن.
قوله تعالى: {وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه}
- حدّثنا أبي ثنا مالك بن إسماعيل أنبأ إسرائيل عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن عليّ بن أبي طالبٍ قال: وتلقاهم الملائكة على أبواب الجنّة: سلامٌ عليكم طبتم فادخلوها خالدين، ويلقى كلّ غلمان صاحبهم يطوفون به فعل الولدان بالحميم جاء من الغيبة: أبشر قد أعدّ اللّه لك من الكرامة كذا وكذا، فينطلق من غلمانه إلى أزواجه من الحور العين فيقول: هذا فلانٌ، باسمه في الدّنيا. فيقلن:
أنت رأيته؟ فيقول: نعم. فيستخفّهنّ الفرح حتّى يخرجن إلى أسكفة الباب فيجيء فإذا هو بنمارقٍ مصفوفةٍ وأكوابٍ موضوعةٍ وزرابيٍّ مبثوثةٍ، ثمّ نظر إلى تأسيس بنائه فإذا هو قد أسّس على جندل اللّؤلؤ بين أخضر وأحمر وأصفر وأبيض ومن كلّ لونٍ ثمّ يرفع طرفه إلى سقفه فلولا أنّ اللّه قدّر له لألمّ أن يذهب ببصره، ثمّ ينظر إلى أزواجه من الحور العين، ثمّ يتّكئ على أريكةٍ من أرائكه ثمّ يقول: {الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه، لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ} إلى آخر الآية.

قوله تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنة}
- حدّثنا أبي ثنا عبيد بن يعيشٍ ثنا يحيى بن آدم عن حمزة الزّيّات، عن أبي إسحاق عن الأغرّ أبي مسلمٍ عن أبي هريرة وأبي سعيدٍ رضي اللّه عنهما عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ونودوا أن تلكم الجنّة} قال: نودوا أن صحّوا فلا تسقموا، وانعموا فلا تبأسوا، وشبّوا فلا تهرموا، واخلدوا فلا تموتوا.
قوله تعالى: {أورثتموها بما كنتم تعملون}
- حدّثنا أبي ثنا أبو غسّان النّهديّ ثنا مسلمة بن جعفرٍ البجليّ قال: سمعت أبا معاذٍ البصريّ قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إنّهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون، أو يؤتون، بنوقٍ بيضٍ لها أجنحةٌ، عليها رجالٌ الذّهب، شرك نعالهم نورٌ تلألأ، كلّ خطوةٍ منها مدّ البصر، فينتهون إلى شجرةٍ ينبع من أصلها عينان، فيشربون من إحداهما فيغسل ما في بطونهم من دنسٍ، ويغتسلون من الأخرى فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبدًا، ويجري عليهم نضرة النّعيم، فينتهون أو فيأتون باب الجنّة، فإذا حلقةٌ من ياقوتةٍ حمراء على صفائح الذّهب، فيضربون بالحلقة على الصّفحة فيسمع لها طنينٌ فيبلغ كلّ حوراء أنّ زوجها قد أقبل فتبعث قيمها فيفتح فإذا رآه خرّ له، قال مسلمةٌ: أراه قال: ساجدًا، فيقول: ارفع رأسك إنّما أنا قيّمك وكّلت بأمرك، فيتبعه ويقفو أثره، فتستخف الحوراء العجلة فتخرج من خيام الدّرّ والياقوت حتّى تعتنقه ثمّ تقول: أنت حبّي وأنا حبّك، وأنا الخالدة الّتي لا أموت، وأنا النّاعمة الّتي لا أبؤس، وأنا الرّاضية الّتي لا أسخط، وأنا المقيمة الّتي لا أظعن، فيدخل بيتًا من أسسه إلى سقفه مائة ألف ذراعٍ بناه على جندلٍ اللّؤلؤ طرائق أصفر وأحمر وأخضر ليس منها طريقةٌ تشاكل صاحبتها، في البيت سبعون سريرًا على كلّ سريرٍ سبعون حشيةً على كلّ حشيةٍ سبعون زوجةٌ على كلّ زوجةٍ سبعون حلّةً، يرى مخّ ساقها من باطن الحلل، فيقضي جماعها في مقدار ليلةٍ من لياليكم، هذه الأنهار من تحتهم تطّرد، أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ، فإن شاء أكل قائمًا وإن شاء أكل قاعدًا وإن شاء أكل متّكئًا ثمّ تلا ودانيةً عليهم ظلالها وذلّلت قطوفها تذليلاً فيشتهي الطّعام فيأتيه طيرٌ أبيض. قال: وربّما قال: أخضر. فترفع أجنحتها فيأكل من جنوبها أيّ الألوان شاء، ثمّ تطير فتذهب، فيدخل الملك فيقول: سلامٌ عليكم... تلكم الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون»
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: {ونودوا أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون} قال: ليس من مؤمنٍ ولا كافرٍ إلا وله في الجنّة والنّار منزلٌ، فإذا دخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار، النّار، فدخلوا منازلهم، رفعت الجنّة لأهل النّار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم، هذه منازلكم لو عملتم بطاعة اللّه. ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، أورثتموها بما كنتم تعملون). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1478-1481]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: فينا والله أهل بدر نزلت هذه الآية {ونزعنا ما في صدورهم من غل}.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} قال: هي العداوة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: بلغني أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يحبس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا فيدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غل.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فيشربون من إحداهما فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلن يشعثوا ولن يشحبوا بعدها أبدا.
- وأخرج ابن جرير عن أبي نضرة قال: يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يقتص لبعضهم من بعض حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحد أحدا بقلامة ظفر ظلمها إياه ويحبس أهل النار دون النار حتى يقتص لبعضهم من بعض فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحد منهم أحدا بقلامة ظفر ظلمها إياه، أما قوله تعلى: {وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا}.
- أخرج النسائي، وابن أبي الدنيا، وابن جرير في ذكر الموت، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كل أهل النار يرى منزله من الجنة يقول: لو هدانا الله فيكون حسرة عليهم وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول: لولا أن هدانا الله، فهذا شكرهم».
- وأخرج سعيد بن منصور وأبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي هاشم قال: كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز أن من قبلنا من أهل البصرة قد أصابهم من الخير خير حتى خفت عليهم، فكتب إليه عمر: قد فهمت كتابك وإن الله لما أدخل أهل الجنة الجنة رضي منهم بأن قالوا: {الحمد لله الذي هدانا لهذا} فمر من قبلك أن يحمدوا الله.
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد والدارمي ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}؛ قال نودوا: أن صحوا فلا تسقموا وأنعموا فلا تبأسوا وشبوا فلا تهرموا وأخلدوا فلا تموتوا.
- وأخرج هناد، وابن جرير، وعبد بن حميد عن أبي سعيد قال: إذا أدخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا فذلك قوله: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} قال: ليس من مؤمن ولا كافر إلا وله في الجنة والنار منزل مبين فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ودخلوا منازلهم رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل: هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ثم يقال: يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون، فيقتسم أهل الجنة منازلهم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي معاذ البصري قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«والذي نفسي بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون بنوق بيض لها أجنحة عليها رحال الذهب شرك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مد البصر فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان فيشربون من إحداهما فتغسل ما في بطونهم من دنس ويغتسلون من الأخرى فلا تشعث أبصارهم ولا أشعارهم بعدها أبدا وتجري عليهم نضرة النعيم فينتهون إلى باب الجنة فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب فيضربون بالحلقة على الصفحة فيسمع لها طنين فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل فتبعث قيمها فيفتح له فإذا رآه خر له ساجدا فيقول: ارفع رأسك إنما أنا قيمك وكلت بأمرك فيتبعه ويقفوا أثره فيستخف الحوراء العجلة فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه ثم ثقول: أنت حبي وأنا حبك وأنا الخالدة التي لا أموت وأنا الناعمة التي لا أباس وأنا الراضية التي لا أسخط وأنا المقيمة التي لا أظعن، فيدخل بيتا من رأسه إلى سقفه مائة ألف ذراع بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق أصفر وأحمر وأخضر ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها في البيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون حشية على كل حشية سبعون زوجة على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من باطن الحلل يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه الأنهار من تحتهم تطرد أنهارا من ماء غير آسن فإن شاء أكل قائما وإن شاء أكل قاعدا وإن شاء أكل متكئا، ثم تلا: {ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا} [الأعراف: 8 - 9] فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض فترفع أجنحتها فيأكل من جنوبها أي الألوان شاء ثم تطير فتذهب فيذهب الملك فيقول: سلام عليكم {تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}»). [الدر المنثور: 6/ 392-397]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 10:31 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تفتّح لهم...}
ولا يفتّح وتفتّح. وإنما يجوز التذكير والتأنيث في الجمع لأنه يقع عليه التأنيث فيجوز فيه الوجهان؛ كما قال: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم} و"يشهد" فمن ذكّر قال: واحد الألسنة ذكر فأبني على الواحد إذ كان الفعل يتوحد إذا تقدّم الأسماء المجموعة، كما تقول ذهب القوم.
وربما آثرت القراء أحد الوجهين، أو يأتي ذلك في الكتاب بوجه فيرى من لا يعلم أنه لا يجوز غيره وهو جائز. ومما آثروا من التأنيث قوله: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} فآثروا التأنيث. ومما آثروا فيه التذكير قوله: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} والذي أتى في الكتاب بأحد الوجهين قوله: {فتحت أبوابها} ولو أتى بالتذكير كان صوابا.
ومعنى قوله: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}: لا تصعد أعمالهم. ويقال: إن أعمال الفجار لا تصعد ولكنها مكتوبة في صخرة تحت الأرض، وهي التي قال الله تبارك وتعالى: {كلا إن كتاب الفجار لفي سجين}.
وقوله: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط} الجمل هو زوج الناقة. وقد ذكر عن ابن عباس الجمّل يعني الحبال المجموعة. ويقال الخياط والمخيط ويراد الإبرة. وفي قراءة عبد الله (المخيط) ومثله يأتي على هذين المثالين يقال: إزار ومئزر، ولحاف وملحف، وقناع ومقنع، وقرام ومقرم). [معاني القرآن: 1/ 379-380]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {في سمّ الخياط}؛ أي في ثقب الإبرة وكل ثقب من عين أو أنف أو أذن أو غير ذلك فهو سمّ والجميع سموم.
{لهم من جهنّم مهادٌ}؛ أي فراش وبساط ولا تنصرف جهنم لأنه اسم مؤنثة على أربعة أحرف.
{ومن فوقهم غواشٍ}؛ واحدتها غاشية وهي ما غشاهم فغطاهم من فوقهم). [مجاز القرآن: 1/ 214]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط وكذلك نجزي المجرمين}
وقال: {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط} من"ولج" "يلج" "ولوجاً"). [معاني القرآن: 2/ 5]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قال: وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {لا يفتح لهم} بالياء مخففة.
الحسن وأهل المدينة وعاصم بن أبي النجود {لا تفتح لهم} بالتثقيل والتاء؛ وكلتاهما حسن، وقد فسرناها في صدر الكتاب.
قراءة ابن مسعود والحسن وأبي عمرو {حتى يلج الجمل في سم الخياط}.
وقراءة ابن عباس: "حتى يلج الجمل في سم الخياط" مثل: النغر، في التقدير، وحكي عن ابن عباس: "الجمل" بالتثقيل أيضًا.
وأما الجمل بالتخفيف فهو: الحبل الغليظ، وكذلك "الجمل" مثقل.
وحكي عن عبد الله وأبي "حتى يلج الجمل في سم المخيط" ). [معاني القرآن لقطرب: 564]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {في سم الخياط} فالسم: الثقب النافذ، وبعض العرب يقول: السم، وقالوا: سممت الشيء أسمه؛ إذا ثقته فأنفذته). [معاني القرآن لقطرب: 586]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حتى يلج الجمل في سم الخياط}: يدخل في ثقب
الإبرة والثقوب كلها سموم: المنخران والقبل والدبر. وقرؤوا {الجمل} وهي قلوس البحر. وهو القلس الغليظ). [غريب القرآن وتفسيره: 145-146]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}؛ أي ليس لهم عمل صالح تفتح لهم به أبواب السماء، ويقال: لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء إذا ماتوا.
{حتّى يلج الجمل} أي يدخل البعير. {في سمّ الخياط} أي في
ثقب الإبرة. وهذا كما يقال: لا يكون ذاك حتى يشيب الغراب. وحتى يبيضّ القار). [تفسير غريب القرآن: 167-168]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط وكذلك نجزي المجرمين (40)
أي كذبوا بحججنا وأعلامنا التي تدل على نبوة الأنبياء وتوحيد اللّه.
{لا تفتّح لهم أبواب السّماء}؛
أي لا تصعد أرواحهم ولا أعمالهم، لأن أعمال المؤمنين وأرواحهم تصعد إلى السماء، قال اللّه عزّ وجلّ: {إليه يصعد الكلم الطّيّب}.
ويجوز لا تفتح ولا تفتّح بالتخفيف والتشديد، وبالياء والتاء.
وقال بعضهم: لا تفتح لهم أبواب السماء، أي أبواب الجنة، لأن الجنة في السماء، والدليل على ذلك قوله: {ولا يدخلون الجنّة}.
فكأنه لا تفتح لهم أبواب الجنة ولا يدخلونها {حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}؛
فالخياط الإبرة، وسمها ثقبها.
المعنى لا يدخلون الجنة أبدا.
وسئل ابن مسعود عن الجمل فقال هو زوج الناقة. كأنه استجهل من سأله عن الجمل.
وقرأ بعضهم الجمل، وفسّروه فقالوا قلس السفينة.
وقوله عزّ وجلّ: {وكذلك نجزي المجرمين}؛أي ومثل ذلك الذي وصفنا نجزي المجرمين.
والمجرمون - واللّه أعلم - ههنا الكافرون، لأن الذي ذكر من قصتهم التكذيب بآيات اللّه، والاستكبار عنها). [معاني القرآن: 2/ 337-338]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}
والمعنى لا يدخلون الجنة ألبتة والعرب تستعمل أمثال هذا كثيرا.
وسئل عبد الله بن مسعود عن الجمل فقال هو زوج الناقة، كأنه استجهل من سأله عما يعرفه الناس جميعا
ويروى عن ابن عباس أنه قرأ حتى يلج الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وقال هو القلس من حبال السفن
وقال أحمد بن يحيى هي الحبال المجموعة جمع جملة
وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ: {حتى يلج الجمل} بضم الجيم وتخفيف الميم قيل: هو القلس أيضا، والسم والسم ثقب الإبرة وقرا ابن سيرين بضم السين.
والخياط والمخيط الإبرة ونظيره قناع ومقنع.
ثم قال جل وعز: {وكذلك نجزي المجرمين}؛ يعني الكافرين لأنه قد تقدم ذكرهم). [معاني القرآن: 3/ 35-36]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} أي ليس لهم عمل صالح يفتح لهم أبواب السماء، وقيل: لأرواحهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَلِجَ} يدخل، {سَمِّ الْخِيَاطِ}: ثقب الإبرة). [العمدة في غريب القرآن: 134]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لهم مّن جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ وكذلك نجزي الظّالمين}
وقال: {لهم مّن جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ} فإنما انكسر قوله (غواشٍ) لأن هذه الشين في موضع عين "فواعل" فهي مكسورة. وأما موضع اللام منه فالياء، والياء والواو إذا كانت بعد كسرة وهما في موضع تحرك برفع أو جرّ صارتا ياء ساكنة في الرفع وانجرّ ونصبا في النصب. فلما صارتا ياء ساكنة وأدخلت عليها التنوين وهو ساكن ذهبت الياء لاجتماع الساكنين). [معاني القرآن: 2/ 5-6]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({مهاد}: بساط.
{غواش}: ما غشوا به من فوق). [غريب القرآن وتفسيره: 146]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لهم من جهنّم مهادٌ} أي فراش {ومن فوقهم غواشٍ} أي ما يغشاهم من النار). [تفسير غريب القرآن: 168]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لهم من جهنّم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظّالمين (41)أي فراش من نار.
{ومن فوقهم غواش)}؛ أي غاشية فوق غاشية من النار.
وقوله: {وكذلك نجزي الظّالمين}؛والظالمون ههنا الكافرون.
وقوله: {غواش}؛ زعم سيبويه والخليل جميعا أن النون هنا عوض من الياء لأن غواشي لا تنصرف، والأصل فيها غواشي، بإسكان الياء.
فإذا ذهبت الضمة أدخلت التنوين عوضا منها، كذلك فسر أصحاب سيبويه، وكان سيبويه يذهب إلى أن التنوين عوض من ذهاب حركة الياء، والياء سقطت لسكونها وسكون التنوين. فإذا وقفت فالاختيار أن تقف بغير ياء، فتقول
غواش، لتدل أن الياء كانت تحذف في الوصل.
وبعض العرب إذا وقف قال غواشي، بإثبات الياء.
ولا أرى ذلك في القرآن لأن الياء محذوفة في المصحف، والكتاب على الوقف). [معاني القرآن: 2/ 338-339]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لهم من جهنم مهاد}؛أي فراش
{ومن فوقهم غواش}؛ أي غاشية فوق غاشية من العذاب
{وكذلك نجزي الظالمين}؛ قيل: يعني الكفار والله أعلم). [معاني القرآن: 3/ 36-37]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِهَادٌ}: فراش
{غوَاشٍ}: أغطية). [العمدة في غريب القرآن: 134-135]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)}

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا نكلّف نفساً إلاّ وسعها} : طاقتها، يقال لا أسع ذلك). [مجاز القرآن: 1/ 215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لا نكلّف نفسا إلّا وسعها أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (42)أي عملوا الصالحات بقدر طاقتهم، لأن معنى الوسع ما يقدر عليه.
وقوله: {أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون}؛
أولئك رفع بالابتداء، وأصحاب خبر، وهم والجملة خبر الذين، ويرجع على الذين أسماء الإشارة، أعني أولئك). [معاني القرآن: 2/ 339]

تفسير قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) }

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ونزعنا ما في صدورهم مّن غلٍّ تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ ونودوا أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون ونادى أصحاب الجنّة أصحاب النّار أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً فهل وجدتّم مّا وعد ربّكم حقّاً قالوا نعم فأذّن مؤذّنٌ بينهم أن لّعنة اللّه على الظّالمين}
وقال: {ونزعنا ما في صدورهم مّن غلٍّ} وهو ما يكون في الصدور، وأما الذي يغلّ به الموثق فهو "الغلّ".
وقال: {الحمد للّه الّذي هدانا لهذا} كما قال: {اللّه يهدي للحقّ} وتقول العرب: "هو لا يهتدي لهذا" أي: لا يعرفه. وتقول: "هديت العروس إلى بعلها". وتقول أيضاً: أهديتها إليه" و"هديت له" وتقول: "أهديت له هديّةً". وبنو تميم يقولون "هديت العروس إلى زوجها" جعلوه في معنى "دللتها" وقيس تقول: "أهديتها" جعلوها بمنزلة الهدية.
وقال: {ونودوا أن تلكم الجنّة} و{أن لّعنة اللّه على الظّالمين} وقال في موضع آخر {أن الحمد للّه} و{أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً} فهذه "أنّ" الثقيلة خفّفت وأضمر فيها [و] ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة لأن بعدها اسما. والخفيفة لا يليها الأسماء. وقال الشاعر:
في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا ....... أن هالكٌ كلّ من يخفى وينتعل
وقال الشاعر:
أكاشره واعلم أن كلانا ....... على ما ساء صاحبه حريص
فمعناه: أنه كلانا. وتكون {أن قد وجدنا} في معنى: "أي"). [معاني القرآن: 2/ 6-7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( (الغلّ)، الحسد والعداوة). [تفسير غريب القرآن: 168]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («اللام» مكان «إلى»
قال الله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: 5]، أي أوحى إليها.
قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} ، أي إلى هذا.
يدلك على ذلك قوله في موضع آخر: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68]، وقوله: {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 121]). [تأويل مشكل القرآن: 572]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غلّ تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ ونودوا أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون (43)}
قال بعضهم: ذهبت الأحقاد التي كانت في قلوبهم، وحقيقته – والله أعلم - أنه لا يحسد بعض أهل الجنّة بعضا في علو الرتبة، لأن الحسد غل.
وقوله تعالى: {تجري من تحتهم الأنهار}؛
في معنى الحال، المعنى ونزعنا ما في صدورهم من غل في هذه الحال، ويجوز أن يكون " تجري " إخبارا عن صفة حالهم، فيكون تجري مستأنفا.
ومعنى {هدانا لهذا}؛
أي هدانا لما صيرنا إلى هذا، يقال: هديت الرجل هداية وهدى وهديا.
وأهديت الهدية فهي مهداة، وأهديت العروس إلى زوجها وهديتها.
وقوله جلّ وعز: {ونودوا أن تلكم الجنّة}؛
في موضع نصب، وههنا الهاء مضمرة، وهي مخففة من الثقيلة.
والمعنى نودوا بأنه تلكم الجنّة.
والأجود - عندي - أن تكون أن في موضع تفسير النداء، كان المعنى، ونودوا أن تلكم الجنة، أي قيل لهم،: تلكم الجنة، وإنما قال: تلكم، لأنهم وعدوا بها في الدنيا، فكأنه قيل: هذه تلكم التي وعدتم بها.
وجائز أن يكون عاينوها فقيل لهم من قبل دخولها إشارة إلى ما يرونه: تلكم الجنة، كما تقول لما تراه: ذلك الرجل أخوك. ولو قلت: هذا الرجل لأنه يراك جاز، لأن هذا وهؤلاء لما قرب منك، وذاك وتلك لما بعد عنك.
رأيته أو لم تره). [معاني القرآن: 2/ 339-340]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}
الغل في اللغة الحقد المعنى إن بعضهم لا يحقد على بعض بما كان بينه وبينه في الدنيا ويجوز أن يكون المعنى أنه لا يحسد بعضهم على علو المرتبة
ويدل على أن القول هو الأول أنه روي عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم {ونزعنا ما في صدورهم من غل}
وقوله جل وعز: {وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا}؛
أي لما صيرنا إلى هذا
وقوله جل وعز: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}؛
ويجوز أن يكون المعنى بأنه تلكم الجنة.
ويجوز أن تكون أن مفسرة للنداء .
والبصريون يعتبرونها بأي والكوفيون يعتبرونها بالقول والمعنى واحد كأنه ونودوا قيل لهم تلكم الجنة أي هذه تلكم الجنة التي وعدتموها في الدنيا
ويجوز أن يكون لما رأوها قيل لهم قبل أن يدخلوها تلكم الجنة والقول في معنى أن قد وجدنا وأن لعنة الله على الظالمين على ما قلنا في أن تلكم الجنة). [معاني القرآن: 3/ 37-38]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {من غل}؛ أي: من حقد). [ياقوتة الصراط: 229]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:49 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) }

قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): («البعير» ذكر وأنثى، و«الجمل» لا يقع إلا على الذكر). [المذكور والمؤنث: 111] (م)
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
يلجون بيت مجاشع وإذا احتبوا ....... برزوا كأنهم الجبال المثل
يلجون: يدخلون وهو من قول الله عز وجل: {حتى يلج الجمل في سم الخياط} ولج يلج ولوجا). [نقائض جرير والفرزدق: 1]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (أبو زيد يقال سمُّ الخياط وسُمُّ للثقب والسَّم القاتل مثلهما وجمعه سِمَام قال وقال العدوي: {حتى يلج الجمل في سُمِّ الخياط} وقال يونس: أهل العالية يقولون السُّم والشُّهد وتميم تقول السَّم والشَّهد). [إصلاح المنطق: 91]


تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) }

قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
لقد لاح وسم من غواش كأنها ....... الثريا تجلت من غيوم نجومها
غواش: ما غشيته من الشدائد ويروى في غواش). [نقائض جرير والفرزدق: 122]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

غداة المليح حيث نحن كأننا ....... غواشي مضر تحت ريح ووابل
و(الغواشي) السحاب). [شرح أشعار الهذليين: 1/ 162]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) }


تفسير قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 10:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 10:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 10:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 10:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط وكذلك نجزي المجرمين (40) لهم من جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ وكذلك نجزي الظّالمين (41) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لا نكلّف نفساً إلاّ وسعها أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (42)}
هذه الآية عامة في جميع الكفرة قديمهم وحديثهم، وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر «لا تفتّح» بضم التاء الأولى وتشديد الثانية، وقرأ أبو عمرو «تفتح» بضم التاء وسكون الفاء وتخفيف الثانية، وقرأ حمزة والكسائي «يفتح» بالياء من أسفل وتخفيف التاء، وقرأ أبو حيوة وأبو إبراهيم «يفتّح» بالياء وفتح الفاء وشد التاء، ومعنى الآية لا يرتفع لهم عمل ولا روح ولا دعاء، فهي عامة في نفي ما يوجب للمؤمنين بالله تعالى، قاله ابن عباس وغيره، وذكر الطبري في كيفية قبض روح المؤمن والكافر آثارا اختصرتها إذ ليست بلازمة في الآية، وللين أسانيدها أيضا، ثم نفى الله عز وجل عنهم دخول الجنة وعلق كونه بكون محال لا يكون، وهو أن يدخل الجمل في ثقب الإبرة حيث يدخل الخيط، والجمل كما عهد وال سمّ كما عهد، وقرأ جمهور المسلمين: «الجمل»، واحد الجمال، وقال الحسن هو الجمل الذي يقوم بالمديد ومرة لما أكثروا عليه قال هو الأشتر وهو الجمل بالفارسية، ومرة قال هو الجمل ولد الناقة وقاله ابن مسعود.
- قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه عبارة تدل على حرج السائل لارتياب السائلين لا شك باللفظة من أجل القراءات المختلفة، وذكر الطبري عن مجاهد عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: «حتى يلج الجمل الأصفر»، وقرأ أبو السمال «الجمل» بسكون الميم وقرأ ابن عباس وعكرمة ومجاهد وابن جبير والشعبي ومالك بن الشخير وأبو رجاء: «الجمل» بضم الجيم وتشديد الميم وهو حبل السفينة، وقرأ سالم الأفطس وابن خير وابن عامر أيضا: «الجمل» بتخفيف الميم من الجمل وقالوا هو حبل السفن، وروى الكسائي أن الذي روى تثقيل الميم عن ابن عباس كان أعجميا فشدد الميم لعجمته.
- قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف لكثرة أصحاب ابن عباس على القراءة المذكورة وقرأ سعيد بن جبير فيما روي عنه: «الجمل» بضم الجيم وسكون الميم، وقرأ ابن عباس أيضا: «الجمل» بضم الجيم والميم، و «السم»: الثقب من الإبرة وغيرها يقال سم وسم بفتح السين وكسرها وضمها، وقرأ الجمهور بفتح السين، وقرأ ابن سيرين بضمها، وقرأ أبو حيوة بضمها وبكسرها، وروي عنه الوجهان، والخياط والمخيط الإبرة، وقرأ ابن مسعود: «في سم المخيط» بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الياء، وقرأ طلحة «في سم المخيط» بفتح الميم، وكذلك أبى على هذه الصفة وبمثل هذا الحتم وغيره يجزى الكفرة وأهل الجرائم على الله تعالى). [المحرر الوجيز: 3/ 562-564]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {لهم من جهنّم مهادٌ ... الآية}، المعنى أن جهنم فراش لهم ومسكن ومضجع يتمهدونه وهي لهم غواش جمع غاشية وهي ما يغشى الإنسان أي يغطيه ويستره من جهة فوق، قال الضحاك «المهاد» الفراش، و «الغواشي» اللحف ودخل التنوين في غواشٍ عند سيبويه لنقصانه عن بناء مفاعل فلما زال البناء المانع من الصرف بأن حذفت الياء حذفا لا للالتقاء بل كما حذفت من قوله: {واللّيل إذا يسر} [الفجر: 4] {وذلك ما كنّا نبغ} [الكهف: 64] ومن قول الشاعر: [زهير]
ولأنت تفري ما خلقت وبع ....... ض القوم يخلق ثم لا يفر
زال الامتناع، وهذا كقولهم ذلذل بالتنوين وهم يريدون: الذلاذل لما زال البناء، قال الزجاج:
والتنوين في غواشٍ عند سيبويه عوض من الياء المنقوصة ورد أبو علي أن يكون هذا هو مذهب سيبويه، ويجوز الوقوف ب «يا» وبغير «يا» والاختيار بغير «يا»). [المحرر الوجيز: 3/ 564]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ... الآية}، هذه آية وعد مخبرة أن جميع المؤمنين هم أصحاب الجنة ولهم الخلد فيها، ثم اعترض أثناء القول بعقب الصفة، التي شرطها في المؤمنين باعتراض يخفف الشرط ويرجى في رحمة الله ويعلم أن دينه يسر وهذه الآية نص في أن الشريعة لا يتقرر من تكاليفها شيء لا يطاق، وقد تقدم القول في جواز تكليف ما لا يطاق وفي وقوعه بمغن عن الإعادة، و «الوسع» معناه الطاقة وهو القدر الذي يتسع له قدر البشر). [المحرر الوجيز: 3/ 564-565]


تفسير قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ ونودوا أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون (43)}
هذا إخبار من الله عز وجل أنه ينقي قلوب ساكني الجنة من الغل والحقد، وذلك أن صاحب الغل متعذب به ولا عذاب في الجنة، وورد في الحديث: «الغل على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين».
- قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومعنى هذا الحديث إذا حمل على حقيقته، أن الله عز وجل يخلق جوهرا يجعله حيث يرى كمبارك الإبل، لأن الغل عرض لا يقوم بنفسه، وإن قيل إن هذه استعارة وعبر عن سقوطه عن نفوسهم فهذه الألفاظ على جهة التمثيل كما تقول فلان إذا دخل على الأمير ترك نخوته بالباب ملقاة فله وجه، والأول أصوب وأجرى مع الشرع في أشياء كثيرة، مثل قوله يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش فيذبح وغير ذلك، وروى الحسن عن علي بن أبي طالب قال:«فينا والله أهل بدر، نزلت: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سررٍ متقابلين}» [الحجر: 47] وروي عنه أيضا أنه قال: فينا والله نزلت: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ}، وذكر قتادة: أن عليا قال:«إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ}».
- قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا هو المعنى الصحيح، فإن الآية عامة في أهل الجنة، و «الغل» الحقد والإحنة الخفية في النفس وجمعه غلال ومنه الغلول أخذ في خفاء ومنه الانغلال في الشيء، ومنه المغل بالأمانة، ومنه قول علقمة بن عبدة:
سلاءة كعصا الهندي غل لها ....... ذو فيئة من نوى قران معجوم
وقوله: {من تحتهم الأنهار}؛ بين لأن ما كان لاطئا بالأرض فهو تحت ما كان منتصبا آخذا في سماء، وهدانا بمعى أرشدنا، والإشارة بهذا تتجه أن تكون إلى الإيمان والأعمال الصالحة المؤدية إلى دخول الجنة، ويحتمل أن تكون إلى الجنة نفسها، أي أرشدنا إلى طرقها ولكل واحد من الوجهين أمثلة في القرآن، وقرأ ابن عامر وحده «ما كنا لنهتدي» بسقوط الواو من قوله: وما كنّا، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام، قال أبو علي: وجه سقوط الواو أن الكلام متصل مرتبط بما قبله، ولما رأوا تصديق ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى وعاينوا إنجاز المواعيد قالوا: لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ فقضوا بأن ذلك حق قضاه من يحس وكانوا في الدنيا يقضون بأن ذلك حق قضاه من يستدل ونودوا أي قيل لهم بصياح، وهذا النداء من قبل الله عز وجل، وأن يحتمل أن تكون مفسرة لمعنى النداء بمعنى أي، ويحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة وفيها ضمير مستتر تقديره أنه تلكم الجنة، ونحو هذا قول الأعشى: [البسيط]
في فتية كسيوف الهند قد علموا ....... أن هالك كل من يحفى وينتعل
تقديره أنه هالك، ومنه قول الآخر: [الوافر]
أكاشره ويعلم أن كلانا ....... على ما ساء صاحبه حريص
وتلكم الجنّة ابتداء وصفه وأورثتموها الخبر وتلكم إشارة فيها غيبة فإما لأنهم كانوا وعدوا بها في الدنيا فالإشارة إلى تلك، أي تلكم هذه الجنة، وحذفت هذه، وإما قبل أن يدخلوها وإما بعد الدخول وهم مجتمعون في موضع منها، فكل غائب عن منزله، وقوله: بما كنتم تعملون لا على طريق وجوب ذلك على الله، لكن بقرينة رحمته وتغمده، والأعمال أمارة من الله وطريق إلى قوة الرجاء، ودخول الجنة إنما هو بمجرد رحمة الله تعالى، والقسم فيها على قدر العمل، و «أورثتم» مشيرة إلى الأقسام، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر «أورثتموها» وكذلك الزخرف، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي» أورتموها» بإدغام الثاء في التاء وكذلك في الزخرف). [المحرر الوجيز: 3/ 565-567]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 10:36 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 10:36 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط وكذلك نجزي المجرمين (40) لهم من جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ وكذلك نجزي الظّالمين (41)}
قوله: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}؛ قيل: المراد: لا يرفع لهم منها عملٌ صالحٌ ولا دعاءٌ.
قاله مجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ. ورواه العوفي وعليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ. وكذا رواه الثّوريّ، عن ليث، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ.
وقيل: المراد: لا تفتح لأرواحهم أبواب السّماء.
رواه الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ. وقاله السّدّي وغير واحدٍ، ويؤيّده ما قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن الأعمش، عن المنهال -هو ابن عمرٍو -عن زاذان، عن البراء؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر قبض روح الفاجر، وأنّه يصعد بها إلى السّماء، قال: «فيصعدون بها، فلا تمرّ على ملأٍ من الملائكة إلّا قالوا: ما هذه الرّوح الخبيثة؟ فيقولون: فلانٌ، بأقبح أسمائه الّتي كان يدعى بها في الدّنيا، حتّى ينتهوا بها إلى السّماء، فيستفتحون بابها له فلا يفتح له». ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط} الآية.
هكذا رواه، وهو قطعةٌ من حديثٍ طويلٍ رواه أبو داود والنّسائيّ وابن ماجه، من طرقٍ، عن المنهال بن عمرٍو، به وقد رواه الإمام أحمد بطوله فقال:
حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش عن منهال بن عمرٍو، عن زاذان، عن البراء بن عازبٍ [رضي اللّه عنه] قال: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في جنازة رجلٍ من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولمّا يلحد. فجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وجلسنا حوله كأنّ على رءوسنا الطّير، وفي يده عودٌ ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: «استعيذوا باللّه من عذاب القبر.» مرّتين أو ثلاثًا ثمّ قال: «إنّ العبد المؤمن إذا كان في انقطاعٍ من الدّنيا، وإقبالٍ إلى الآخرة نزل إليه ملائكةٌ من السّماء بيض الوجوه، كأنّ وجوههم الشّمس، معهم كفنٌ من أكفان الجنّة، وحنوط من حنوط الجنّة، حتّى يجلسوا منه مدّ بصره. ثمّ يجيء ملك الموت، حتّى يجلس عند رأسه فيقول: أيّتها النّفس الطّيّبة اخرجي إلى مغفرةٍ من اللّه ورضوانٍ».
قال:«فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السّقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عينٍ، حتّى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط. ويخرج منها كأطيب نفحة مسكٍ وجدت على وجه الأرض. فيصعدون بها فلا يمرّون -يعني-بها على ملأٍ من الملائكة إلّا قالوا: ما هذا الرّوح الطّيّب؟ فيقولون: فلانٌ بن فلانٍ، بأحسن أسمائه الّتي كانوا يسمّونه بها في الدّنيا، حتّى ينتهوا به إلى السّماء الدّنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيّعه من كلّ سماءٍ مقرّبوها إلى السّماء الّتي تليها، حتّى ينتهي بها إلى السّماء السّابعة، فيقول اللّه، عزّ وجلّ: اكتبوا كتاب عبدي في عليّين، وأعيدوه إلى الأرض، فإنّي منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى».
قال: «فتعاد روحه، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربّك؟ فيقول: ربّي اللّه. فيقولان له ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرّجل الّذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب اللّه فآمنت به وصدّقت. فينادي منادٍ من السّماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنّة، وألبسوه من الجنّة، وافتحوا له بابًا إلى الجنّة". "فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مدّ بصره».
قال:«ويأتيه رجلٌ حسن الوجه، حسن الثّياب، طيّب الرّيح، فيقول: أبشر بالّذي يسرك، هذا يومك الّذي كنت توعد. فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير. فيقول: أنا عملك الصّالح. فيقول: ربّ أقم السّاعة، ربّ أقم السّاعة، حتّى أرجع إلى أهلي ومالي».
قال: «وإنّ العبد الكافر، إذا كان في انقطاعٍ من الدّنيا وإقبالٍ من الآخرة نزل إليه من السّماء ملائكةٌ سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون منه مدّ البصر، ثمّ يجيء ملك الموت حتّى يجلس عند رأسه، فيقول: أيّتها النّفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط اللّه وغضبٍ". قال: "فتفرّق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السّفّود من الصّوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عينٍ حتّى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفةٍ وجدت على وجه الأرض. فيصعدون بها، فلا يمرّون بها على ملأٍ من الملائكة إلّا قالوا: ما هذا الرّوح الخبيث؟ فيقولون: فلانٌ ابن فلانٍ، بأقبح أسمائه الّتي كان يسمّى بها في الدّنيا، حتّى ينتهي به إلى السّماء الدّنيا، فيستفتح له، فلا يفتح ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط} فيقول اللّه، عزّ وجلّ: اكتبوا كتابه في سجّينٍ في الأرض السّفلى. فتطرح روحه طرحًا. ثمّ قرأ: {ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ} [الحجّ:31]
فتعاد روحه في جسده. ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربّك؟ فيقول: هاه هاه! لا أدري. فيقولان ما دينك؟ فيقول: هاه هاه! لا أدري فيقولان ما هذا الرّجل الّذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه! لا أدري. فينادي منادٍ من السّماء: أن كذب، فأفرشوه من النّار، وافتحوا له بابًا إلى النّار. فيأتيه من حرّها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتّى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجلٌ قبيح الوجه، قبيح الثّياب، منتن الرّيح، فيقول: أبشر بالّذي يسوؤك؛ هذا يومك الّذي كنت توعد فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشّرّ. فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: ربّ لا تقم الساعة»
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن يونس بن خبّاب، عن المنهال بن عمرٍو، عن زاذان، عن البراء بن عازبٍ قال: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى جنازةٍ، فذكر نحوه.
وفيه: «حتّى إذا خرج روحه صلّى عليه كل ملك من السّماء والأرض، وكلّ ملكٍ في السّماء، وفتحت له أبواب السّماء، ليس من أهل بابٍ إلّا وهم يدعون اللّه، عزّ وجلّ، أن يعرج بروحه من قبلهم».
وفي آخره: «ثمّ يقيّض له أعمى أصمّ أبكم، في يده مرزبّة لو ضرب بها جبلٌ كان ترابًا، فيضربه ضربةً فيصير ترابًا، ثمّ يعيده اللّه، عزّ وجلّ، كما كان، فيضربه ضربةً أخرى فيصيح صيحةً يسمعها كلّ شيءٍ إلّا الثّقلين". قال البراء: "ثمّ يفتح له بابٌ من النّار، ويمهّد له فرشٌ من النّار»
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد، والنّسائيّ، وابن ماجه وابن جريرٍ -واللّفظ له -من حديث محمّد بن عمرو بن عطاءٍ، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة [رضي اللّه عنه] أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الميّت تحضره الملائكة، فإذا كان الرّجل الصّالح قالوا: اخرجي أيّتها النّفس المطمئنّة كانت في الجسد الطّيّب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحانٍ، وربٍّ غير غضبان، فيقولون ذلك حتّى يعرج بها إلى السّماء، فيستفتح لها، فيقولون: من هذا؟ فيقولون: فلانٌ. فيقال: مرحبًا بالنّفس الطّيّبة الّتي كانت في الجسد الطّيّب، ادخلي حميدةً، وأبشري بروح وريحانٍ، وربٍّ غير غضبان، فيقال لها ذلك حتّى ينتهى به إلى السّماء الّتي فيها اللّه، عزّ وجلّ. وإذا كان الرّجل السّوء قالوا: اخرجي أيّتها النّفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمةً، وأبشري بحميمٍ وغسّاق، وآخر من شكله أزواجٌ، فيقولون ذلك حتّى تخرج، ثمّ يعرج بها إلى السّماء فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلانٌ. فيقولون: لا مرحبًا بالنّفس الخبيثة الّتي كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمةً، فإنّه لم تفتح لك أبواب السّماء، فترسل بين السّماء والأرض، فتصير إلى القبر».
وقد قال ابن جريج في قوله: {لا تفتّح لهم أبواب السّماء}؛ قال: لا تفتّح لأعمالهم، ولا لأرواحهم.
وهذا فيه جمعٌ بين القولين، واللّه أعلم.
وقوله: {ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط}؛ هكذا قرأه الجمهور، وفسّروه بأنّه البعير. قال ابن مسعودٍ: هو الجمل ابن النّاقة. وفي روايةٍ: زوج النّاقة. وقال الحسن البصريّ: حتّى يدخل البعير في خرق الإبرة. وكذا قال أبو العالية، والضّحّاك. وكذا روى عليّ بن أبي طلحة، والعوفي عن ابن عباس.
وقال مجاهدٌ، وعكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّه كان يقرؤها: " [حتّى] يلج الجمّل في سمّ الخياط" بضمّ الجيم، وتشديد الميم، يعني: الحبل الغليظ في خرم الإبرة.
وهذا اختيار سعيد بن جبيرٍ. وفي روايةٍ أنّه قرأ: "حتّى يلج الجمّل" يعني: قلوس السّفن، وهي الحبال الغلاظ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 411-415]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لهم من جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ} قال محمّد بن كعبٍ القرظي: {لهم من جهنّم مهادٌ}؛ قال: الفرش، {ومن فوقهم غواشٍ}؛ قال: اللحف.
وكذا قال الضّحّاك بن مزاحم، والسّدّي، {وكذلك نجزي الظّالمين}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 415]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لا نكلّف نفسًا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (42) ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ ونودوا أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون (43)}
لمّا ذكر تعالى حال الأشقياء عطف بذكر حال السّعداء، فقال: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} أي: آمنت قلوبهم وعملوا الصّالحات بجوارحهم، ضدّ أولئك الّذين كفروا بآيات اللّه، واستكبروا عنها.
وينبّه تعالى على أنّ الإيمان والعمل به سهلٌ؛ لأنّه تعالى قال: {لا نكلّف نفسًا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 415]

تفسير قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ}؛ أي: من حسدٍ وبغضاء، كما جاء في الصّحيح للبخاريّ، من حديث قتادة، عن أبي المتوكّل النّاجي، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا خلص المؤمنون من النّار حبسوا على قنطرةٍ بين الجنّة والنّار، فاقتصّ لهم مظالم كانت بينهم في الدّنيا، حتّى إذا هذبوا ونقّوا، أذن لهم في دخول الجنّة؛ فوالّذي نفسي بيده، إنّ أحدهم بمنزله في الجنّة أدلّ منه بمسكنه كان في الدّنيا»
وقال السّدّي في قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ تجري من تحتهم الأنهار} الآية: إنّ أهل الجنّة إذا سبقوا إلى الجنّة فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرةً في أصل ساقها عينان، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غلٍّ، فهو "الشّراب الطّهور"، واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم "نضرة النّعيم" فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبدًا.
وقد روى أبو إسحاق، عن عاصمٍ، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ نحوًا من ذلك كما سيأتي في قوله تعالى: {وسيق الّذين اتّقوا ربّهم إلى الجنّة زمرًا} [الزّمر: 73] إن شاء اللّه، وبه الثّقة وعليه التّكلان.
وقال قتادة: قال عليٌّ، رضي اللّه عنه: إنّي لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزّبير من الّذين قال اللّه تعالى فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ} رواه ابن جريرٍ.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا ابن عيينة، عن إسرائيل قال: سمعت الحسن يقول: قال عليٌّ: فينا واللّه أهل بدرٍ نزلت: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ}
وروى النّسائيّ وابن مردويه -واللّفظ له -من حديث أبي بكر بن عيّاشٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلّ أهل الجنّة يرى مقعده من النّار فيقول: لولا أنّ اللّه هداني، فيكون له شكرًا. وكلّ أهل النّار يرى مقعده من الجنّة فيقول: لو أنّ اللّه هداني فيكون له حسرةً»
ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النّار من الجنّة نودوا: {أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم تعملون} أي: بسبب أعمالكم نالتكم الرّحمة فدخلتم الجنّة، وتبوّأتم منازلكم بحسب أعمالكم. وإنّما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصّحيحين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «واعلموا أنّ أحدكم لن يدخله عمله الجنّة». قالوا: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: «ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل»). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 415-416]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة