العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:42 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (97) إلى الآية (99) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (97) إلى الآية (99) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:30 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني عبد الرحمن بن مهدي، عن الثوري، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن سعيد بن جبير في قول الله: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}، قال: إذا عمل فيها بالمعاصي فاخرجوا). [الجامع في علوم القرآن: 1/88]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة، عن أبي الأسود أنّه سمع مولًى لابن عبّاسٍ يقول عن ابن عبّاسٍ: إنّ ناسًا مسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على النّبيّ فيأتيهم السّهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل، فأنزل اللّه فيهم هذه الآية: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيهم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}). [الجامع في علوم القرآن: 1/114-115]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة قال لما نزلت إن الذين توفهم الملائكة ظالمي أنفسهم قال رجل من المسلمين وهو مريض يومئذ والله مالي من عذر إني لدليل بالطريق وإني لموسر فاحملوني فحملوه فأدركه الموت في الطريق فنزل فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله). [تفسير عبد الرزاق: 1/170]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو قال سمعت عكرمة يقول كان الناس من أهل مكة قد شهدوا أن لا إله إلا الله قال فلما خرج المشركون إلى بدر أخرجوهم معهم فقتلوا فنزلت فيهم إن الذين توفهم الملائكة ظالمي أنفسهم إلى فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا قال فكتب بها المسلمين الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة قال فخرج ناس من المسلمين حتى إذا كانوا ببعض الطريق طلبهم المشركون فأدركوهم فمنهم من أعطى الفتنة فأنزل الله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة فقال رجل من بني ضمرة وكان مريضا أخرجوني إلى الروح فأخرجوه حتى إذا كان بالحصحاص مات فأنزل الله فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله الآية وأنزل في أولئك الذين كانوا أعطوا الفتنة ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا إلى رحيم). [تفسير عبد الرزاق: 1/171]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال ابن عيينة وأخبرني محمد بن إسحاق في قوله تعالى إن الذين توفهم الملائكة قال هم خمسة فتية من قريش علي بن أمية و أبو قيس بن الفاكه وزمعة بن الأسود وأبو العاص بن منبه قال ونسيت الخامس). [تفسير عبد الرزاق: 1/172]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت عكرمة يقول كان ناس بمكة قد شهدوا أن لا إله إلا الله فلما خرج المشركون إلى بدر أخرجوهم معهم فقتلوا قال فنزلت فيهم الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم إلى قوله عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا قال فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة فخرج ناس من المسلمين حتى إذا كانوا ببعض الطريق طلبهم المشركون فأدركوهم فمنهم من أعطى الفتنة فأنزل الله ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة فقال رجل من بني ضمرة لأهله وكان مريضا أخرجوني إلى الروح فأخرجوه حتى إذا كان بالحصحاص فمات فأنزل الله عز و جل ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله إلى آخر الآية ونزل في أولئك الذين كانوا أعطوا الفتنة ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم). [تفسير عبد الرزاق: 2/95-96] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها} الآية
- حدّثنا عبد اللّه بن يزيد المقرئ، حدّثنا حيوة، وغيره، قالا: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن أبو الأسود، قال: قطع على أهل المدينة بعثٌ، فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة، مولى ابن عبّاسٍ فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشدّ النّهي، ثمّ قال: أخبرني ابن عبّاسٍ: «أنّ ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثّرون سواد المشركين، على عهد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، يأتي السّهم فيرمى به فيصيب أحدهم، فيقتله - أو يضرب فيقتل» - فأنزل اللّه: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] الآية رواه اللّيث، عن أبي الأسود). [صحيح البخاري: 6/48]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم الآية)
كذا لأبي ذرٍّ وساق غيره إلى فتهاجروا فيها وليس عند الجميع لفظ باب

[4596] قوله حدّثنا حيوة بفتح المهملة وسكون التّحتانيّة وفتح الواو وهو بن شريحٍ المصريّ يكنّى أبا زرعة قوله وغيره هو بن لهيعة أخرجه الطّبرانيّ وقد أخرجه إسحاق بن راهويه عن المقرئ عن حيوة وحده وكذا أخرجه النّسائيّ عن زكريّا بن يحيى عن إسحاق والإسماعيليّ من طريق يوسف بن موسى عن المقرئ كذلك قوله قالا حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن هو أبو الأسود الأسديّ يتيم عروة بن الزّبير قوله قطع بضمّ أوّله قوله بعث أي جيش والمعنى أنّهم ألزموا بإخراج جيشٍ لقتال أهل الشّام وكان ذلك في خلافة عبد اللّه بن الزّبير على مكّة قوله فاكتتبت بضمّ المثنّاة الأولى وكسر الثّانية بعدها موحّدةٌ ساكنةٌ على البناء للمجهول قوله أنّ ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثّرون سواد المشركين سمّي منهم في رواية أشعث بن سوّارٍ عن عكرمة عن بن عبّاسٍ قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والوليد بن عتبة بن ربيعة وعمرو بن أميّة بن سفيان وعليّ بن أميّة بن خلفٍ وذكر في شأنهم أنّهم خرجوا إلى بدرٍ فلمّا رأوا قلّة المسلمين دخلهم شكٌّ وقالوا غرّ هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر أخرجه بن مردويه ولابن أبي حاتم من طريق بن جريجٍ عن عكرمة نحوه وذكر فيهم الحارث بن زمعة بن الأسود والعاص بن منبّه بن الحجّاج وكذا ذكرهما بن إسحاق قوله يرمى به بضمّ أوّله على البناء للمجهول قوله فأنزل اللّه هكذا جاء في سبب نزولها وفي رواية عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عبّاس عند بن المنذر والطّبريّ كان قومٌ من أهل مكّة قد أسلموا وكانوا يخفون الإسلام فأخرجهم المشركون معهم يوم بدرٍ فأصيب بعضهم فقال المسلمون هؤلاء كانوا مسلمين فأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت فكتبوا بها إلى من بقي بمكّة منهم وأنّهم لا عذر لهم فخرجوا فلحقهم المشركون ففتنوهم فرجعوا فنزلت ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب الله فكتب إليهم المسلمون بذلك فحزنوا فنزلت ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا الآية فكتبوا إليهم بذلك فخرجوا فلحقوهم فنجا من نجا وقتل من قتل قوله رواه اللّيث عن أبي الأسود وصله الإسماعيليّ والطّبرانيّ في الأوسط من طريق أبي صالحٍ كاتب اللّيث عن اللّيث عن أبي الأسود عن عكرمة فذكره بدون قصّة أبي الأسود قال الطّبرانيّ لم يروه عن أبي الأسود إلّا اللّيث وبن لهيعة قلت ورواية البخاريّ من طريق حيوة ترد عليه ورواية بن لهيعة أخرجها بن أبي حاتمٍ أيضًا وفي هذه القصّة دلالةٌ على براءة عكرمة ممّا ينسب إليه من رأي الخوارج لأنّه بالغ في النّهي عن قتال المسلمين وتكثير سواد من يقاتلهم وغرض عكرمة أنّ اللّه ذمّ من كثّر سواد المشركين مع أنّهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم قال فكذلك أنت لا تكثّر سواد هذا الجيش وإن كنت لا تريد موافقتهم لأنّهم لا يقاتلون في سبيل اللّه وقوله فيم كنتم سؤال توبيخٍ وتقريعٍ واستنبط سعيد بن جبيرٍ من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض الّتي يعمل فيها بالمعصية). [فتح الباري: 8/263]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا حيوة وغيره قالا ثنا محمّد بن عبد الرّحمن أبو الأسود قال قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة مولى ابن عبّاس فأخبرته فنهاني عن ذلك أشد النّهي
قال أخبرني ابن عبّاس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين الحديث رواه اللّيث عن أبي الأسود
قرأت على فاطمة بنت محمّد بن عبد الهادي أخبركم نصر بن الشرازي إجازة عن عبد الحميد بن عبد الرشيد أن الحافظ أبا العلاء العطّار أخبره أنا أبو علّي الحداد أنا أبو نعيم ثنا سليمان بن أحمد ثنا مطلب بن شعيب ثنا عبد الله بن صالح حدثني اللّيث عن أبي الأسود عن عكرمة أخبرني ابن عبّاس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فيأتي السهم يرقى به أحدهم فيقتل فأنزل الله فيهم {إن الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} وقال لم يروه عن أبي الأسود إلّا اللّيث وابن لهيعة
قلت فتعين أن الرجل الّذي اتهمه البخاريّ هو ابن لهيعة مع أن الطّبرانيّ وهم في الحصر لإغفاله رواية حيوة المتقدّمة
وقد رواه الإسماعيليّ عن القاسم بن زكريّا عن يوسف بن موسى عن المقرئ عن حيوة وحده به
وعن القاسم عن الرّمادي عن أبي صالح به). [تغليق التعليق: 4/198-199]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {إنّ الّذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها} (النّساء: 97) الآية)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {إن الّذين توفيهم الملائكة} الآية، وليس عند جميع الرواة لفظ: باب إلاّ أنه وقع في بعض النّسخ وعند الأكثرين: {وأن الّذين توفيهم الملائكة} إلى قوله: {فتهاجروا فيها} كما هو هنا كذلك، وعند أبي ذر إلى {فيم كنتم} الآية. وقال الواحدي: نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكّة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا، وأظهروا الإيمان وأسرّوا النّفاق، فلمّا كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقتلوا فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم. وقال مقاتل: كانوا نفرا أسلموا بمكّة منهم: الوليد بن المغيرة وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والوليد بن عتبة بن ربيعة وعمرو بن أميّة بن سفيان بن أميّة بن عبد شمس والعلاء بن أميّة بن خلف ثمّ إنّهم أقاموا عن الهجرة وخرجوا مع المشركين إلى بدر، قلما رأوا قلّة المؤمنين شكوا إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا غر هؤلاء دينهم وكان بعضهم نافق بمكّة، فلمّا قتلوا ببدر قالت لهم الملائكة وهو ملك الموت وحده فيم كنتم؟ يقول: في أي شيء كنتم؟ قالوا: كنّا مستضعفين في الأرض يعني: كنّا مقهورين بأرض مكّة لا نطيق أن نظهر الإيمان، فقال ملك الموت: ألم تكون أرض واسعة؟ يعني المدينة، فتهاجروا فيها؟ يعني: إليها قوله: (إن الّذين توفيهم الملائكة) ذكر في (تفسير ابن النّقيب) التوفي هنا بمعنى قبض الرّوح، وقال الحسن: هو الحشر إلى النّار، والملائكة هنا ملك الموت وأعوانه وهم ستّة: ثلاثة لأرواح المؤمنين، وثلاثة لأرواح الكافرين، وظلم النّفس هنا ترك الهجرة وخروجهم مع قومهم إلى بدر، وقيل: ظلموا أنفسهم برجوعهم إلى الكفر، وقيل: ظلموا أنفسهم بالشّكّ الّذي حصل في قلوبهم حين رأوا قلّة المسلمين، وقال الثّعلبيّ: الملائكة هنا ملك الموت وحده لأنّه مجمل يحتمل أن يراد هو ويحتمل غيره في قلوبهم حين رأوا قلّة المسلمين، وقال الثّعلبيّ: الملائكة هنا ملك الموت وحده، لأنّه مجمل يحتمل أن يراد هو ويحتمل غيره فحمل المجمل على المفسّر، وهو قول تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت} (النّساء: 97) وجمع كقوله تعالى: {إنّا نحن نحيي ونميت} (ق: 43) والله تعالى واحد. قوله: (ظالمي أنفسهم) نصب على الحال. قوله: (قالوا: فيم كنتم) ؟ سؤال توبيخ وتفريع أي: أكنتم في أصحاب محمّد أم كنتم مشركين؟ قوله: (كنّا مستضعفين) ، أي: كنّا لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذّهاب في الأرض. قوله: (في الأرض) أرادوا بها مكّة، والأرض اسم لبلد الرجل وموضعه. قوله: (قالوا) أي: الملائكة (ألم تكن أرض الله واسعة) ؟ محاججة الملائكة. قوله: (فتهاجروا فيها) أي: إليها. أي: المدينة مع المسلمين؟ .

- حدّثنا عبد الله بن يزيد المقرئ حدّثنا حيوة وغيره قالا حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمان أبو الأسود قال قطع على أهل المدينة بعثٌ فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة مولى ابن عباسٍ فأخبرته فنهاني عن ذلك أشدّ النّهي ثمّ قال أخبرني ابن عبّاسٍ أنّ ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثّرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السّهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله {إنّ الّذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} .

الآية.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وعبد الله بن يزيد من الزّيادة المقرىء من الإفراء، وحيوة، بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف ابن شريح، بضم الشين المعجمة وفتح الرّاء وسكون الياء آخر الحروف وبحاء مهملة يكنى بأبي زرعة التجيبي، بضم التّاء المثنّاة من فوق وكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالياء الموحدة.
قوله: (وغيره) أي: حدثني غير حيوة وهو عبد الله بن لهيعة المصريّ وأبو الأسود ضد الأبيض، الأسدي المدني.
والحديث رواه البخاريّ أيضا في الفتن عن عبد الله بن يزيد المذكور. وأخرجه النّسائيّ في التّفسير عن زكريّا بن يحيى عن إسحاق بن إبراهيم عن المقرىء عن حيوة به، ورواية ابن لهيعة أخرجها الطّبرانيّ وابن أبي حاتم رواه عن يونس بن عبد الأعلى، أن عبد الله بن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود فذكره.
قوله: (قطع) ، على صيغة المجهول. قوله: (بعث) بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وبالتاء المثلّثة وهو الجيش، والمعنى أنهم ألزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشّام، وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير على مكّة. قوله: (فاكتتبت) ، على صيغة المجهول من الاكتتاب، وهو من باب الافتعال. قوله: (أن ناسا من المسلمين) ، وهم الّذين ذكرناهم عن مقاتل عن قريب. قوله: (يكثرون) من التكثير. قوله: (فيصيب) عطف على قوله: (يأتي السهم) وكان غرض عكرمة من نهيه أبا الأسود أن الله تعالى ذمهم بتكثير سوادهم مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم، فكذلك أنت لأنّك تكثر سواد هذا الجيش المأمور بذهابهم لقتال أهل الشّام ولا تريد موافقتهم لأنهم لا يقاتلون في سبيل الله. قوله: (فأنزل الله تعالى) هكذا جاء هنا في سبب نزول هذه الآية، وقد ذكرنا عن قريب وجوهًا أخرى في ذلك مع تفسير الآية.
رواه اللّيث عن أبي الأسود
أي: روى الحديث المذكور اللّيث بن سعد عن أبي الأسود المذكور، ورواه الإسماعيليّ عن أحمد بن منصور الرّمادي. قال: حدثنا أبو صالح. قال: حدثني اللّيث عن أبي الأسود، ورواه الطّبرانيّ في الأوسط، وقال: ولم يروه عن أبي الأسود إلاّ اللّيث وابن لهيعة انتهى، ورواية البخاريّ من طريق حيوة بن شريح ترد عليه). [عمدة القاري: 18/187-189]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها} [النساء: 97] الآية
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({إن الذين توفاهم الملائكة}) ملك الموت وأعوانه وهم ستة ثلاثة لقبض أرواح المؤمنين وثلاثة للكفار أو المراد ملك الموت وحده وذكر بلفظ الجمع للتعظيم أي توفاهم الملائكة بقبض أرواحهم حال كونهم ({ظالمي أنفسهم}) ويصلح توفاهم أن يكون للماضي وذكر الفعل لأنه فعل جمع وللاستقبال أي الذين تتوفاهم حذفت التاء الثانية لاجتماع المثلين. قال في فتوح الغيب: إذا حمل على الاستقبال يكون من باب حكاية الحال الماضية ({قالوا}) أي الملائكة لهم ({فيم كنتم}) من أمر الدين في فريق المسلمين أو المشركين؟ والسؤال للتوبيخ يعني لم تركتم الجهاد والهجرة والنصرة؟ ({قالوا كنا مستضعفين}) أي عاجزين ({في الأرض}) لا نقدر على الخروج من مكة ({قالوا}) أي الملائكة ({ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} [النساء: 97] الآية). أي إلى المدينة وتخرجوا من بين أظهر المشركين وسقط لأبي ذر قوله: كنا الخ وسقط الباب من أكثر النسخ وثبت في بعضها.
- حدّثنا عبد اللّه بن يزيد المقرئ، حدّثنا حيوة وغيره قالا: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن أبو الأسود، قال: قطع على أهل المدينة بعثٌ فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة مولى ابن عبّاسٍ فأخبرته فنهاني عن ذلك أشدّ النّهي ثمّ قال: أخبرني ابن عبّاسٍ أنّ ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثّرون سواد المشركين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأتي السّهم فيرمي به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل اللّه {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية. رواه اللّيث عن أبي الأسود. [الحديث 4596 - طرفه في: 7085].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد المقرئ) بالهمزة أبو عبد الرحمن المكي أصله من البصرة أو الأهواز أقرأ القرآن نيفًا وسبعين سنة وهو من كبار شيوخ البخاري قال: (حدّثنا حيوة) بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح الواو ابن شريح بالشين المعجمة المضمومة والراء المفتوحة وبعد التحتية الساكنة مهملة أبو زرعة التجيبي بضم الفوقية وكسر الجيم المصري (وغيره) هو ابن لهيعة المصري كما أخرجه الطبراني في الصغير (قالا: حدّثنا محمد بن عبد الرحمن) بن نوفل الأسدي (أبو الأسود) يتيم عروة بن الزبير (قال: قطع على أهل المدينة بعث) بضم القاف وكسر الطاء مبنيًّا للمفعول أي الزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة (فاكتتبت فيه) بضم المثناة الفوقية الأولى وكسر الثانية وسكون الموحدة مبنيًّا للمفعول (فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته) بأني اكتتبت في ذلك البعث (فنهاني عن ذلك أشد النهي ثم قال: أخبرني ابن عباس أن ناسًا من المسلمين) سمى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق ابن جريج عن عكرمة. ومن طريق ابن عيينة عن ابن إسحاق عمرو بن أمية بن خلف والعاص بن منبه بن الحجاج والحارث بن زمعة وأبا قيس بن الفاكه، وعند ابن جريج أبا قيس بن الوليد بن المغيرة، وعند ابن مردويه من طريق أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس الوليد بن عتبة بن ربيعة والعلاء بن أمية بن خلف (كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم) ولأبى ذر عن الكشميهني على عهد رسول الله (صلّى اللّه عليه وسلّم) وفي رواية أشعث المذكورة أنهم خرجوا إلى بدر فلما رأوا قلة المسلمين دخلهم شك وقالوا غرّ هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر (يأتي السهم فيرمى به) بضم التحتية وفتح الميم مبنيًّا للمفعول وفي نسخة يرمى بإسقاط الفاء ولأبي ذر: يدمى بالدال بدل الراء (فيصيب أحدهم) نصب على المفعولية (فيقتله أو يضرب فيقتل) بضم حرف المضارعة من الفعلين وفتح ثالثهما. قال في الكواكب الدراري: وغرض عكرمة أن الله ذم من كثر سواد المشركين مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم فكذلك أنت لا تكثر سواد هذا الجيش وإن كنت لا تريد موافقتهم لأنهم لا يقاتلون في سبيل الله (فأنزل الله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية) أي بخروجهم مع المشركين وتكثير سوادهم حتى قتلوا معهم.
(رواه) أي الحديث المذكور (الليث) بن سعد مما وصله الإسماعيلي والطبراني في الأوسط من طريق أبي صالح كاتب الليث عن الليث (عن أبي الأسود) عن عكرمة لكن بدون قصة أبي الأسود، وعند الطبراني وابن أبي حاتم من طريق عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يخفون بالإسلام فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم فقال المسلمون: هؤلاء كانوا مسلمين فأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت فكتبوا بها إلى من بقي من المسلمين وأنه لا عذر لهم فخرجوا فلحقهم المشركون ففتنوهم فرجعوا فنزلت: {ومن الناس من يقول آمنا بالله} [البقرة: 8] الآية فكتب إليهم بذلك فخرجوا فلحقوهم فنجا من نجا وقتل من قتل وعن سمرة قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله" رواه أبو داود). [إرشاد الساري: 7/93-95]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها}
قوله: (قطع على أهل المدينة بعث) بضم القاف، وكسر الطاء مبنياً للمفعول، أي: ألزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام في خلافة عبدالله بن الزبير على مكة في غير سبيل الله، وغرض عكرمة أن الله ذم من كثر سواد المشركين مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم فكذلك أنت لا تكثر سواد هذا الجيش، وإن كنت تريد موافقتهم، لأنهم لا يقاتلون في سبيل الله اهـ قسطلاني). [حاشية السندي على البخاري: 3/48]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا (97) إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً (98) فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة} إنّ الّذين تقبض أرواحهم الملائكة {ظالمي أنفسهم} يعني: مكسبي أنفسهم غضب اللّه وسخطه. وقد بيّنّا معنى الظّلم فيما مضى قبل. {قالوا فيم كنتم} يقول: قالت الملائكة لهم: فيم كنتم، في أيّ شيءٍ كنتم من دينكم. {قالوا كنّا مستضعفين في الأرض} يعني: قال الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم: كنّا مستضعفين في الأرض، يستضعفنا أهل الشّرك باللّه في أرضنا وبلادنا بكثرة عددهم وقوّتهم، فيمنعونا من الإيمان باللّه واتّباع رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، معذرةٌ ضعيفةٌ وحجّةٌ واهيةٌ. {قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها} يعنى قالت لهم الملائكه الذين يتوفونهم{قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها} يقول: فتخرجوا من أرضكم ودوركم، وتفارقوا من يمنعكم بها من الإيمان باللّه واتّباع رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الأرض الّتي يمنعكم أهلها من سلطان أهل الشّرك باللّه، فتوحّدوا اللّه فيها وتعبدوه، وتتّبعوا نبيّه؟ يقول اللّه جلّ ثناؤه: {فأولئك مأواهم جهنّم}: أي فهؤلاء الّذين وصفت لكم صفتهم، الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، {مأواهم جهنّم}، يقول: مصيرهم في الآخرة جهنّم، وهي مسكنهم. {وساءت مصيرًا} يعني: وساءت جهنّم لأهلها الّذين صاروا إليها مصيرًا ومسكنًا ومأوًى.
ثمّ استثنى جلّ ثناؤه المستضعفين الّذين استضعفهم المشركون من الرّجال والنّساء والولدان وهم العجزة عن الهجرة بالعسرة وقلّة الحيلة وسوء البصر والمعرفة بالطّريق من أرضهم أرض الشّرك إلى أرض الإسلام من القوم الّذين أخبر جلّ ثناؤه أنّ مأواهم جهنّم أن تكون جهنّم مأواهم، للعذر الّذي هم فيه، على ما بيّنه تعالى ذكره.
ونصب المستضعفين على الاستثناء من الهاء والميم اللّتين في قوله: {فأولئك مأواهم جهنّم}، يقول اللّه جلّ ثناؤه: {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم} يعني: هؤلاء المستضعفين، يقول: لعلّ اللّه أن يعفو عنهم للعذر الّذي هم فيه وهم مؤمنون، فيتفضّل عليهم بالصّفح عنهم في تركهم الهجرة، إذ لم يتركوها اختيارًا ولا إيثارًا منهم لدار الكفر على دار الإسلام، ولكن للعجز الّذي هم فيه عن النّقلة عنها. {وكان اللّه عفوًّا غفورًا} يقول: ولم يزل اللّه عفوًّا، يعني ذا صفحٍ بفضله عن ذنوب عبادة بتركه العقوبة عليها، غفورًا ساترًا عليهم ذنوبهم بعفوه لهم عنها.
وذكر أنّ هاتين الآيتين والّتي بعدهما نزلت في أقوامٍ من أهل مكّة كانوا قد أسلموا وآمنوا باللّه وبرسوله، وتخلّفوا عن الهجرة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين هاجر، وعرض بعضهم على الفتنة فافتتن، وشهد مع المشركين حرب المسلمين، فأبى اللّه قبول معذرتهم الّتي اعتذروا بها، الّتي بيّنها في قوله خبرًا عنهم: {قالوا كنّا مستضعفين في الأرض}.
ذكر الأخبار الواردة بصحّة ما ذكرنا من نزول الآية في الّذين ذكرنا أنّها نزلت فيهم:
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، قال: حدّثنا أشعث، عن عكرمة: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} قال: كان ناسٌ من أهل مكّة أسلموا، فمن مات منهم بها هلك قال اللّه: {فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} إلى قوله: {عفوًّا غفورًا} قال ابن عبّاسٍ: فأنا منهم وأمّي منهم قال عكرمة: وكان العبّاس منهم.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا محمّد بن شريكٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان قومٌ من أهل مكّة أسلموا، وكانوا يستخفّون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدرٍ معهم، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا، فاستغفروا لهم. فنزلت: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} الآية قال: فكتب إلى من بقي بمكّة من المسلمين بهذه الآية وأنّه لا عذر لهم. قال: فخرجوا، فلحقهم المشركون، فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه} إلى آخر الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك، فخرجوا وأيسوا من كلّ خيرٍ، ثمّ نزلت فيهم: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ} فكتبوا إليهم بذلك: إنّ اللّه قد جعل لكم مخرجًا. فخرجوا، فأدركهم المشركون، فقاتلوهم حتّى نجا من نجا وقتل من قتل.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني حيوة أو ابن لهيعة، - الشّكّ من يونس، عن أبي الأسود، أنّه سمع مولًى لابن عبّاسٍ يقول عن ابن عبّاسٍ: إنّ ناسًا مسلمين كانوا مع المشركين يكثّرون سواد المشركين على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيأتي السّهم يرمى به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل، فأنزل اللّه فيهم: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}، حتّى بلغ: {فتهاجروا فيها}.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم،ومحمد بن سنان القزاز قالا: حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، قال: أخبرنا حيوة، قال: أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن بن نوفلٍ الأسديّ، قال: قطع على أهل المدينة بعثٌ، فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة مولى ابن عبّاسٍ، فنهاني عن ذلك أشدّ النّهي. ثمّ قال: أخبرني ابن عبّاسٍ أنّ ناسًا مسلمين كانوا مع المشركين؛ ثمّ ذكر مثل حديث يونس عن ابن وهبٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} هم قومٌ تخلّفوا بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وتركوا أن يخرجوا معه، فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ضربت الملائكة وجهه ودبره.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} إلى قوله: {وساءت مصيرًا} قال: نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن زمعة بن الأسود وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبي العاص بن منبّه بن الحجّاج وعليّ بن أميّة بن خلفٍ.
قال: لمّا خرج المشركون من قريشٍ وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حربٍ وعير قريشٍ من رسول اللّه وأصحابه، وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة، خرجوا معهم بشبّاب كارهين كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدرٍ على غير موعدٍ، فقتلوا ببدرٍ كفّارًا، ورجعوا عن الإسلام، وهم هؤلاء الّذين سمّيناهم.
قال ابن جريجٍ: وقال مجاهدٌ: نزلت هذه الآية فيمن قتل يوم بدرٍ من الضّعفاء من كفّار قريشٍ.
قال ابن جريجٍ: وقال عكرمة: لمّا نزل القرآن في هؤلاء النّفر، إلى قوله: {وساءت مصيرًا * إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} قال: يعني: الشّيخ الكبير، والعجوز والجواري والصّغار والغلمان.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله: {وساءت مصيرًا} قال: لمّا أسر العبّاس وعقيلٌ ونوفلٌ قال النبي اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للعبّاس: افد نفسك وابن أخيك قال: يا رسول اللّه، ألم نصلّ إلى قبلتك، ونشهد شهادتك؟
قال: يا عبّاس، إنّكم خاصمتم فخصمتم ثمّ تلا عليه هذه الآية: {ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا} فيوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافرٌ حتّى يهاجر، إلاّ المستضعفين الّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً، حيلةً في المال، والسّبيل: الطّريق إلى المدينة قال ابن عبّاسٍ: كنت أنا منهم من الولدان.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت عكرمة، يقول: كان ناسٌ بمكّة قد شهدوا أنّ لا إله إلاّ اللّه، فلمّا خرج المشركون إلى بدرٍ خرجوا معهم، فقتلوا، فنزلت: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله: {أولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا} فكتب بها المسلمون الّذين بالمدينة إلى المسلمين الّذين بمكّة. قال: فخرج ناسٌ من المسلمين حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق طلبهم المشركون فأدركوهم، فمنهم من أعطى الفتنة، فأنزل اللّه فيهم: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه} فكتب بها المسلمون الّذين بالمدينة إلى المسلمين بمكّة، وأنزل اللّه في أولئك الّذين أعطوا الفتنة: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا} إلى {غفورٌ رحيمٌ}.
قال ابن عيينة: أخبرني محمّد بن إسحاق، في قوله {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة} قال: هم خمسة فتيةٍ من قريشٍ: عليّ بن أميّة، وأبو قيس بن الفاكه، وزمعة بن الأسود، وأبو العاص بن منبّهٍ، ونسيت الخامس.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية، حدّثنا أنّ هذه الآية نزلت في أناسٍ تكلّموا بالإسلام من أهل مكّة، فخرجوا مع عدوّ اللّه أبي جهلٍ، فقتلوا يوم بدرٍ، فاعتذروا بغير عذرٍ، فأبى اللّه أن يقبل منهم.

وقوله {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً} أناسٌ من أهل مكّة عذرهم اللّه، فاستثناهم فقال: {أولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا} قال: وكان ابن عبّاسٍ يقول: كنت أنا وأمّي من الّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية قال: أناسٌ من المنافقين تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يخرجوا معه إلى المدينة، وخرجوا مع مشركي قريشٍ إلى بدرٍ، فأصيبوا يومئذٍ فيمن أصيب، فأنزل اللّه فيهم هذه الآية.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سألته، يعني ابن زيدٍ، عن قول اللّه: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} فقرأ حتّى بلغ: {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} فقال: لمّا بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وظهر ونبع الإيمان نبع النّفاق معه، فأتى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجالٌ، فقالوا: يا رسول اللّه، لولا أنّا نخاف هؤلاء القوم يعذّبوننا ويفعلون ويفعلون لأسلمنا، ولكنّا نشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّك رسول اللّه. فكانوا يقولون ذلك له. فلمّا كان يوم بدرٍ قام المشركون، فقالوا: لا يتخلّف عنّا أحدٌ إلاّ هدمنا داره واستبحنا ماله. فخرج أولئك الّذين كانوا يقولون ذلك القول للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم معهم، فقتلت طائفةٌ منهم وأسرت طائفةٌ. قال: فأمّا الّذين قتلوا فهم الّذين قال اللّه: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية كلّها {ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها} وتتركوا هؤلاء الّذين يستضعفونكم {أولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا} قال: ثمّ عذر اللّه أهل الصّدق فقال: {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً} يتوجّهون له لو خرجوا لهلكوا، فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم إقامتهم بين ظهري المشركين. وقال الّذين أسروا: يا رسول اللّه، إنّك تعلم أنّا كنّا نأتيك فنشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه، وأنّ هؤلاء القوم أخرجونا معهم خوفًا. فقال اللّه: {يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا ممّا أخذ منكم ويغفر لكم} صنيعكم الّذي صنعتم خروجكم مع المشركين على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا اللّه من قبل} خرجوا مع المشركين {فأمكن منهم واللّه عليمٌ حكيمٌ}.
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني أبي عن حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ: أنّه قال: كنت أنا وأمّي، ممّن عذر اللّه {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} قال ابن عبّاسٍ: أنا من المستضعفين.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} قال من قتل من ضعفاء كفّار قريشٍ يوم بدرٍ.
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عبد اللّه بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: كنت أنا وأمّي من المستضعفين من النّساء والولدان.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن عبد اللّه أو إبراهيم بن عبد اللّه القرشيّ، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يدعو في دبر صلاة الظّهر: اللّهمّ خلّص الوليد وسلمة بن هشامٍ وعيّاش بن أبي ربيعة وضعفة المسلمين من أيدي المشركين الّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً} قال: مؤمنون مستضعفون بمكّة، فقال فيهم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: هم بمنزلة هؤلاء الّذين قتلوا ببدرٍ ضعفاء مع كفّار قريشٍ. فأنزل اللّه فيهم: {لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا} الآية.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوه.
وأمّا قوله: {لا يستطيعون حيلةً} فإنّ معناه كما:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة، في قوله: {لا يستطيعون حيلةً} مخرجا{ولا يهتدون سبيلاً} طريقًا إلى المدينة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا يهتدون سبيلاً} طريقًا إلى المدينة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن الحسن، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: الحيلة: المال، والسّبيل: الطّريق إلى المدينة
- حدثنا سعيد ابن الربيع قال حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة: {ولا يهتدون سبيلا} طريقا إليهما يعني إلى المدينة.
وأمّا قوله {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة} ففيه وجهان: أحدهما أن يكون {توفّاهم} في موضع نصبٍ بمعنى المضيّ، لأنّ فعل منصوبةٌ في كلّ حالٍ والآخر أن يكون في موضع رفعٍ بمعنى الاستقبال، يراد به: إنّ الّذين تتوفّاهم الملائكة فتكون إحدى التّاءين من توفّاهم محذوفةً، وهي مرادةٌ في الكلمة، لأنّ العرب تفعل ذلك إذا اجتمعت تاءان في أوّل الكلمة ربّما حذفت إحداهما وأثبتت الأخرى، وربّما أثبتتهما جميعًا). [جامع البيان: 7/379-391]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا (97)
قوله تعالى: إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم
[الوجه الأول]
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني ابن لهيعة، عن أبي الأسود، أنّه سمع مولى ابن عبّاسٍ يقول: عن ابن عبّاسٍ، أن أناساً مسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيأتي السّهم يرمي به، فتصيب أحدهم فيقتله أو يضرب، فيقتل، فأنزل اللّه تعالى فيهم:
إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة الآية.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا أبو أحمد يعني الزبيري، ثنا محمد ابن شريكٍ المكّيّ عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان قومٌ من أهل مكّة أسلموا وكانوا يستخفّون بالإسلام، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدرٍ، فأصيب بعضهم وقتل بعضٌ، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين، وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت: إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم إلى آخر الآية.
قال: فكتب إليّ من بقي من المسلمين بهذه الآية، وأنّه لا عذر لهم قال: فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية: ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه الآية.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق قال: قال ابن عيينة:
أخبرني محمّد بن إسحاق في قوله: إنّ الّذين توفّاهم الملائكة قال: هم خمسة فتيةٍ من قريشٍ: عليّ بن أميّة، وأبو قيسٍ الفاكه، وزمعة بن الأسود، وأبو العبّاس بن منبّهٍ، ونسيت الخامس.
- حدّثني أبي، ثنا هارون بن محمّد بن بكّارٍ الدّمشقيّ، ثنا محمّد بن عيسى ابن سميعٍ، ثنا روحٌ يعني ابن القاسم، عن ابن جريجٍ عن عكرمة أنّه قال: في هذه الآية: إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم هم شبابٌ من قريشٍ كانوا تكلّموا بالإسلام بمكّة منهم: عليّ بن أميّة، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو العاص بن منبّه بن الحجّاج والحارث بن زمعة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ النّحويّ، ثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك قوله: إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قال: هم أناسٌ من المنافقين تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة، فلم يخرجوا معه إلى المدينة وخرجوا مع مشركي قريشٍ إلى بدرٍ، فأصيبوا يومئذٍ فيمن أصيب، فأنزل اللّه تعالى فيهم هذه الآية.
قوله تعالى: قالوا فيم كنتم الآية. [5867]
حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا كنّا مستضعفين بمكّة، قيل لهم أصحاب محمّدٍ هم بمنزلة هؤلاء الّذين قتلوا ببدرٍ ضعفاء كفّار قريشٍ.
قوله تعالى: قالوا: ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها. [5868]
أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهب، حدثني عبد الرحمن ابن مهديٍّ، عن الثّوريّ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ أنّ سعيد بن جبيرٍ قال: في قول اللّه تعالى: قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها قالوا: إذا عمل فيها بالمعاصي فاخرجوا.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: لمّا أسر العبّاس وعقيلٌ ونوفلٌ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للعبّاس: افد نفسك وابني أخيك. قال: يا رسول اللّه، ألم نصلّ قبلتك ونشهد شهادتك؟ قال: يا عبّاس إنّكم خاصمتم فخصمتم، ثمّ تلا عليه هذه الآية ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيراً.
قوله تعالى: مأواهم جهنّم وساءت مصيراً. [5870]
وبه عن السّدّيّ قوله: فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيراً، فيوم نزلت هذه الآية كان كلّ من أسلم ولم يهاجر فهو كافرٌ حتّى يهاجر). [تفسير القرآن العظيم: 3/1045-1047]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) محمد بن عبد الرحمن [وهو أبو الأسود من تبع التابعين]- رحمه الله - قال: قطع على أهل المدينة بعثٌ فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة مولى ابن عباسٍ فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشدّ النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباسٍ - رضي الله عنهما- أنّ ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين، يكثّرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي السّهم يرمى به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل، فأنزل الله {إنّ الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم...} [النساء: 97]. أخرجه البخاري). [جامع الأصول: 2/103-104]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة} [النساء: 97])
- عن ابن عبّاسٍ - رضي اللّه عنهما - قال: «لمّا نزلت {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] إلى آخر الآية، قال: كان قومٌ بمكّة قد أسلموا، فلمّا هاجر رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - إلى المدينة كرهوا أن يهاجروا وخافوا، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ - {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] إلى قوله {إلّا المستضعفين} [النساء: 98]».
رواه الطّبرانيّ، وفيه قيس بن الرّبيع، وثّقه شعبة وغيره، وضعّفه جماعةٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ - رضي اللّه عنهما - قال: «كان ناسٌ من أهل مكّة قد أسلموا، وكانوا مستخفّين بالإسلام، فلمّا خرج المشركون إلى بدرٍ أخرجوهم مكرهين، فأصيب بعضهم يوم بدرٍ مع المشركين، فقال المسلمون: أصحابنا هؤلاء مسلمون أخرجوهم مكرهين فاستغفروا لهم، فنزلت هذه الآية: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97]- الآية. فكتب المسلمون إلى من بقي منهم بمكّة بهذه الآية، فخرجوا حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق ظهر عليهم المشركون وعلى خروجهم، فلحقوهم فردّوهم، فرجعوا معهم، فنزلت هذه الآية {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه} [العنكبوت: 10]. فكتب المسلمون إليهم بذلك فحزنوا، فنزلت هذه الآية {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ} [النحل: 110] فكتبوا إليهم بذلك». قلت: روى البخاريّ بعضه.
رواه البزّار، ورجاله رجال الصّحيح غير محمّد بن شريكٍ، وهو ثقةٌ). [مجمع الزوائد: 7/9-10]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا عبدة بن عبد اللّه، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا محمّد بن شريكٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان ناسٌ من أهل مكّة أسلموا، وكانوا مستخفين بالإسلام، فلمّا خرج المشركون إلى بدرٍ أخرجوهم مكرهين، فأصيب بعضهم يوم بدرٍ مع المشركين، فقال المسلمون: أصحابنا هؤلاء مسلمون أخرجوهم مكرهين، فاستغفروا لهم، فنزلت هذه الآية: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] الآية، فكتب المسلمون إلى من بقي منهم بمكّة بهذه الآية، فخرجوا، حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق ظهر عليهم المشركون وعلى خروجهم، فلحقوهم فردّوهم، فرجعوا معهم، فنزلت هذه الآية: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه} [العنكبوت: 10] فكتب المسلمون إليهم بذلك فحزنوا، فنزلت هذه الآية: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ} [النحل: 110] فكتبوا إليهم بذلك.
قلت: عند البخاريّ بعضه.
قال البزّار: لا نعلم أحدًا يرويه عن عمرٍو إلا محمّد بن شريكٍ). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/46]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج البخاري والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والطبراني والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي السهم يرمي به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل، فأنزل الله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم وقتل بعض فقال المسلمون: قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت هذه الآية {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى آخر الآية، قال فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية وأنه لا عذر لهم فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة فأنزلت فيهم هذه الآية (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) (العنكبوت الآية 10) إلى آخر الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك فحزنوا وأيسوا من كل خير فنزلت فيهم (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) (النحل الآية 110) فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجا فاخرجوا فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن جرير عن عكرمة في قوله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} إلى قوله {وساءت مصيرا} قال: نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن زمعة بن الأسود وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبي العاص بن منية بن الحجاج وعلي بن أمية بن خلف، قال: لما خرج المشركون من قريش وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وعير قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة خرجوا معهم بشبان كارهين كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدر على غير موعد فقتلوا ببدر كفار ورجعوا عن الإسلام وهم هؤلاء الذين سميناهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق في قوله {إن الذين توفاهم الملائكة} قال: هم خمسة فتية من قريش: علي بن أمية وأبو قيس بن الفاكه وزمعة بن الأسود وأبو العاصي بن منية بن الحجاج، قال: ونسيت الخامس.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: هم قوم تخلفوا بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وتركوا أن يخرجوا معه فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ضربت الملائكة وجهه ودبره.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كان قوم بمكة قد أسلموا فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا فأنزل الله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله {إلا المستضعفين}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: هم أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلم يخرجوا معه إلى المدينة وخرجوا مع مشركي قريش إلى بدر فأصيبوا يوم بدر فيمن أصيب، فأنزل الله فيهم هذه الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما أسر العباس وعقيل ونوفل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افد نفسك، وابن أخيك، قال: يا رسول الله ألم نصل قبلتك ونشهد شهادتك قال: يا عباس إنكم خاصمتم فخصمتم ثم تلا عليه هذه الآية {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} فيوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر {إلا المستضعفين} الذين {لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا} حيلة في المال والسبيل الطريق، قال ابن عباس: كنت أنا منهم من الولدان.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في الآية قال: حدثت أن هذه الآية أنزلت في أناس تكلموا بالإسلام من أهل مكة فخرجوا مع عدو الله أبي جهل فقتلوا يوم بدر فاعتذروا بغير عذر فأبى الله أن يقبل منهم وقوله {إلا المستضعفين} قال: أناس من أهل مكة عذرهم الله فاستثناهم، قال: وكان ابن عباس يقول: كنت أنا وأمي من الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية: نزلت هذه الآية فيمن قتل يوم بدر من الضعفاء في كفار قريش.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: لما بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم وظهروا ونبع الإيمان نبع النفاق معه فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال فقالوا: يا رسول الله لولا أنا نخاف هؤلاء القوم يعذبونا ويفعلون ويفعلون لأسلمنا ولكنا نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فكانوا يقولون ذلك له فلما كان يوم بدر قام المشركون فقالوا: لا يتخلف عنا أحد إلا هدمنا داره واستبحنا ماله، فخرج أولئك الذين كانوا يقولون ذلك القول للنبي صلى الله عليه وسلم معهم فقتلت طائفة منهم وأسرت طائفة قال: فأما الذين قتلوا فهم الذين قال الله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية كلها {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} وتتركوا هؤلاء الذين يستضعفونكم {فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} ثم عذر الله أهل الصدق فقال {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا} يتوجهون له لو خرجوا لهلكوا {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم} إقامتهم بين ظهري المشركين، وقال الذين أسروا: يا رسول الله إنك تعلم أنا كنا نأتيك فنشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأن هؤلاء القوم خرجنا معهم خوفا فقال الله (يا أيها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم) (الأنفال الآية 70) صنيعكم الذي صنعتم خروجكم مع المشركين على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل) (الأنفال الآية 71) خرجوا مع المشركين فأمكن منهم، واخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والبخاري، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان وأمي من النساء). [الدر المنثور: 4/635-639]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة في قوله تعالى لا يستطيعون حيلة قال مخرجا ولا يهتدون سبيلا قال طريقا إلى المدينة). [تفسير عبد الرزاق: 1/170]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن عيينة عن عبد الله بن أبي يزيد قال سمعت ابن عباس يقول كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان). [تفسير عبد الرزاق: 1/172]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا} [النساء: 98]
- حدّثنا أبو النّعمان، حدّثنا حمّادٌ، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: {إلّا المستضعفين} [النساء: 98] قال: «كانت أمّي ممّن عذر اللّه»). [صحيح البخاري: 6/48]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء الآية)
فيه معذرة من اتّصف بالاستضعاف من المذكورين وقد ذكروا في الآية الأخرى في سياق الحث على القتال عنهم وتقدم حديث بن عبّاسٍ المذكور والكلام عليه قبل ستّة أبوابٍ). [فتح الباري: 8/264]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب: {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً} (النّساء: 98)
في بعض النّسخ: باب {إلّا المستضعفين} الآية. فإن صحّ هذا عن أحد من رواة البخاريّ فالتقدير: هذا باب في قوله تعالى: {إلّا المستضعفين} الآية وهذا الاستثناء من أهل الوعيد، المذكور قبله وهو قوله تعالى: {فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا} (النّساء: 97) وهذا عذر من الله تعالى لهؤلاء في ترك الهجرة، وذلك لأنهم لا يقدرون على التّخلّص من أيدي المشركين، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطّريق وهو معنى قوله: {ولا يهتدون سبيلا} وقال عكرمة: في قوله: {ولا يهتدون سبيلا} يعني: نهوضا إلى المدينة، وقال السّديّ: يعني مالا. وقال مجاهد: يعني طريقا). [عمدة القاري: 18/189]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا} [النساء: 98]
({إلا المستضعفين}) وفي بعض النسخ باب بالتنوين أي في قوله تعالى: {إلا المستضعفين}
استثناء من قوله: {فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا} فيكون الاستثناء متصلًا كأنه قيل فأولئك في جهنم إلا المستضعفين، والصحيح أنه منقطع لأن الضمير في مأواهم عائد على أن الذين توفاهم وهؤلاء المتوفون إما كفارًا أو عصاة بالتخلف وهم قادرون على الهجرة فلم يندرج فيهم المستضعفون فكان منقطعًا ({من الرجال والنساء والولدان}) الذين ({لا يستطيعون حيلة}) في الخروج من مكة لعجزهم وفقرهم ({ولا يهتدون سبيلا}) [النساء: 98]. ولا معرفة لهم بالمسالك من مكة إلى المدينة. واستشكل إدخال الولدان في جملة المستثنين من أهل الوعيد لأنه يوهم دخول الولدان فيه إذا استطاعوا واهتدوا، وأجيب: بأن العجز متمكن من الولدان لا ينفك عنهم فكانوا خارجين من جملتهم في الوعيد ضرورة فإذا لم يدخلوا فيه لم يخرجوا بالاستثناء.
فإن قلت: فإذا لم يخرجوا بالاستثناء كيف قرنهم في جملة المستثنين؟ أجيب: ليبين أن الرجال والنساء الذين لا يستطيعون صاروا في انتفاء الذنب كالولدان مبالغة لأن المعطوف عليه يكتسب من معنى المعطوف لمشاركتهما في الحكم أو المراد بالولدان العبيد أو البالغون وهو أولى من إرادة المراهقين لعدم توبيخ نحوهم، وكذا هو أولى من حمل البيضاوي ذلك على المبالغة في الأمر باعتبار أنهم على صدد وجوب الهجرة فإنهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة فلا محيص لهم عنها فإن قوّامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت. قال الطيبي: وعلى هذا المبالغة راجعة إلى وجوب الهجرة وأنها خارجة عن حكم سائر التكاليف حيث أوجبت على من لم يجب عليه شيء.
- حدّثنا أبو النّعمان، حدّثنا حمّادٌ عن أيّوب عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- {إلاّ المستضعفين} قال: كانت أمّي ممّن عذر اللّه.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله تعالى: ({إلا المستضعفين} قال: كانت أمي) أي أم الفضل لبابة بنت الحارث (ممن عذر الله) أي ممن جعله الله من المعذورين.
وسبق هذا الحديث في هذه السورة). [إرشاد الساري: 7/95]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (بابٌ قوله: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ـ إلى ـ الظالم أهلها}
قوله: (ممن عذر الله) أي: جعلهم الله تعالى من المعذورين المستضعفين). [حاشية السندي على البخاري: 3/47]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين من الرّجال والنّساء} [النساء: 75] الآية
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا سفيان، عن عبيد اللّه، قال: سمعت ابن عبّاسٍ، قال: «كنت أنا وأمّي من المستضعفين من الرّجال والنّساء»
- حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، أنّ ابن عبّاسٍ، تلا {إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} [النساء: 98] ، قال: «كنت أنا وأمّي ممّن عذر اللّه» ويذكر عن ابن عبّاسٍ {حصرت} [النساء: 90]:ضاقت، {تلووا} [النساء: 135]:ألسنتكم بالشّهادة وقال غيره: " المراغم: المهاجر، راغمت: هاجرت قومي. {موقوتًا} [النساء: 103]:موقّتًا وقته عليهم "). [صحيح البخاري: 6/46-47] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه إلى الظّالم أهلها ولأبي ذر والمستضعفين من الرّجال والنّساء الآية والأظهر أنّ المستضعفين مجرورٌ بالعطف على اسم اللّه أي وفي سبيل المستضعفين أو على سبيل اللّه أي وفي خلاص المستضعفين وجوّز الزّمخشريّ أن يكون منصوبًا على الاختصاص

[4587] قوله عن عبيد الله هو بن أبي يزيد وفي مسند أحمد عن سفيان حدّثني عبيد اللّه بن أبي يزيد قوله كنت أنا وأمّي من المستضعفين كذا للأكثر زاد أبو ذرٍّ من المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان وأراد حكاية الآية وإلّا فهو من الولدان وأمّه من المستضعفين ولم يذكر في هذا الحديث من الرّجال أحدًا وقد أخرجه الإسماعيليّ من طريق إسحاق بن موسى عن بن عيينة بلفظ كنت أنا وأمّي من المستضعفين أنا من الولدان وأمّي من النّساء
قوله في الطّريق الأخرى أن ابن عبّاس تلا في رواية المستملى عن بن عبّاسٍ أنّه تلا قوله كنت أنا وأمّي ممّن عذر اللّه أي في الآية المذكورة وفي روايةٍ لأبي نعيمٍ في المستخرج من طريق محمّد بن عبيد عن حمّاد بن زيدٍ كنت أنا وأمّي من المستضعفين قلت واسم أمّه لبابة بنت الحارث الهلاليّة أمّ الفضل أخت ميمونة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم
قال الدّاوديّ فيه دليلٌ لمن قال إنّ الولد يتبع المسلم من أبويه). [فتح الباري: 8/255-256] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا سليمان بن حربٍ حدّثنا حمّاد بن زيدٍ عن أيّوب عن ابن أبي مليكة أنّ ابن عباسٍ تلا {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} (النّساء: 98) قال كنت أنا وأمّي ممّن عذر الله.

هذا طريق آخر لحديث ابن عبّاس أخرجه عن سليمان بن حرب ضد الصّلح. عن حمّاد بن زيد عن أيّوب السّختيانيّ عن عبد الله عن عبيد الله بن أبي مليكة، بضم الميم، واسمه زهير الأحول القاضي المكّيّ. قوله: (أن ابن عبّاس تلا) ، وفي رواية المستملي، عن ابن عبّاس أنه تلا يعني: قرأ. قوله: (إلّا المستضعفين) ، إلى آخره. قوله: (ممّن عذر الله) أي: ممّن جعلهم من المعذورين المستضعفين). [عمدة القاري: 18/179]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب عن ابن أبي مليكة، أنّ ابن عبّاسٍ تلا {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} قال: كنت أنا وأمّي ممّن عذر اللّه. ويذكر عن ابن عبّاسٍ حصرت: ضاقت. تلووا ألسنتكم بالشّهادة. وقال غيره المراغم: المهاجر. راغمت: هاجرت قومي. موقوتًا: موقّتًا وقته عليهم.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بشين معجمة وحاء مهملة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي الأزدي (عن أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبد الرحمن (أن ابن عباس) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- (تلا) قرأ قوله تعالى: ({إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله) بالذال المعجمة أي ممن جعلهم الله تعالى من المعذورين المستضعفين). [إرشاد الساري: 7/88]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال: كان ناسٌ بمكّة فلم يستطيعوا أن يخرجوا منها فعذّروا بذلك). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 104]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إلّا المستضعفين من الرّجال}
- أخبرنا زكريّا بن يحيى، حدّثنا إسحاق، حدّثنا المقرئ، حدّثنا حيوة بن شريحٍ، أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن، قال: قطع على أهل المدينة بعثٌ إلى اليمن، فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة فأخبرته فنهاني عن ذلك أشدّ النّهي، وقال: أخبرني ابن عبّاسٍ: " أنّ ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثّرون سواد المشركين، فيأتي أحدهم السّهم يرمى به فيصيبه فيقتله، أو يضرب فيقتل فنزلت {الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين} [النساء: 97] الآية). [السنن الكبرى للنسائي: 10/71]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا (97) إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً (98) فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة} إنّ الّذين تقبض أرواحهم الملائكة {ظالمي أنفسهم} يعني: مكسبي أنفسهم غضب اللّه وسخطه. وقد بيّنّا معنى الظّلم فيما مضى قبل. {قالوا فيم كنتم} يقول: قالت الملائكة لهم: فيم كنتم، في أيّ شيءٍ كنتم من دينكم. {قالوا كنّا مستضعفين في الأرض} يعني: قال الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم: كنّا مستضعفين في الأرض، يستضعفنا أهل الشّرك باللّه في أرضنا وبلادنا بكثرة عددهم وقوّتهم، فيمنعونا من الإيمان باللّه واتّباع رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، معذرةٌ ضعيفةٌ وحجّةٌ واهيةٌ. {قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها} يعنى قالت لهم الملائكة الذين يتوفونهم{قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها} يقول: فتخرجوا من أرضكم ودوركم، وتفارقوا من يمنعكم بها من الإيمان باللّه واتّباع رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الأرض الّتي يمنعكم أهلها من سلطان أهل الشّرك باللّه، فتوحّدوا اللّه فيها وتعبدوه، وتتّبعوا نبيّه؟ يقول اللّه جلّ ثناؤه: {فأولئك مأواهم جهنّم}: أي فهؤلاء الّذين وصفت لكم صفتهم، الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، {مأواهم جهنّم}، يقول: مصيرهم في الآخرة جهنّم، وهي مسكنهم. {وساءت مصيرًا} يعني: وساءت جهنّم لأهلها الّذين صاروا إليها مصيرًا ومسكنًا ومأوًى.
ثمّ استثنى جلّ ثناؤه المستضعفين الّذين استضعفهم المشركون من الرّجال والنّساء والولدان وهم العجزة عن الهجرة بالعسرة وقلّة الحيلة وسوء البصر والمعرفة بالطّريق من أرضهم أرض الشّرك إلى أرض الإسلام من القوم الّذين أخبر جلّ ثناؤه أنّ مأواهم جهنّم أن تكون جهنّم مأواهم، للعذر الّذي هم فيه، على ما بيّنه تعالى ذكره.
ونصب المستضعفين على الاستثناء من الهاء والميم اللّتين في قوله: {فأولئك مأواهم جهنّم}، يقول اللّه جلّ ثناؤه: {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم} يعني: هؤلاء المستضعفين، يقول: لعلّ اللّه أن يعفو عنهم للعذر الّذي هم فيه وهم مؤمنون، فيتفضّل عليهم بالصّفح عنهم في تركهم الهجرة، إذ لم يتركوها اختيارًا ولا إيثارًا منهم لدار الكفر على دار الإسلام، ولكن للعجز الّذي هم فيه عن النّقلة عنها. {وكان اللّه عفوًّا غفورًا} يقول: ولم يزل اللّه عفوًّا، يعني ذا صفحٍ بفضله عن ذنوب عبادة بتركه العقوبة عليها، غفورًا ساترًا عليهم ذنوبهم بعفوه لهم عنها.
وذكر أنّ هاتين الآيتين والّتي بعدهما نزلت في أقوامٍ من أهل مكّة كانوا قد أسلموا وآمنوا باللّه وبرسوله، وتخلّفوا عن الهجرة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين هاجر، وعرض بعضهم على الفتنة فافتتن، وشهد مع المشركين حرب المسلمين، فأبى اللّه قبول معذرتهم الّتي اعتذروا بها، الّتي بيّنها في قوله خبرًا عنهم: {قالوا كنّا مستضعفين في الأرض}.
ذكر الأخبار الواردة بصحّة ما ذكرنا من نزول الآية في الّذين ذكرنا أنّها نزلت فيهم:
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، قال: حدّثنا أشعث، عن عكرمة: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} قال: كان ناسٌ من أهل مكّة أسلموا، فمن مات منهم بها هلك قال اللّه: {فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} إلى قوله: {عفوًّا غفورًا} قال ابن عبّاسٍ: فأنا منهم وأمّي منهم قال عكرمة: وكان العبّاس منهم.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا محمّد بن شريكٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان قومٌ من أهل مكّة أسلموا، وكانوا يستخفّون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدرٍ معهم، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا، فاستغفروا لهم. فنزلت: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} الآية قال: فكتب إلى من بقي بمكّة من المسلمين بهذه الآية وأنّه لا عذر لهم. قال: فخرجوا، فلحقهم المشركون، فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه} إلى آخر الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك، فخرجوا وأيسوا من كلّ خيرٍ، ثمّ نزلت فيهم: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ} فكتبوا إليهم بذلك: إنّ اللّه قد جعل لكم مخرجًا. فخرجوا، فأدركهم المشركون، فقاتلوهم حتّى نجا من نجا وقتل من قتل.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني حيوة أو ابن لهيعة، - الشّكّ من يونس، عن أبي الأسود، أنّه سمع مولًى لابن عبّاسٍ يقول عن ابن عبّاسٍ: إنّ ناسًا مسلمين كانوا مع المشركين يكثّرون سواد المشركين على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيأتي السّهم يرمى به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل، فأنزل اللّه فيهم: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}، حتّى بلغ: {فتهاجروا فيها}.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم،ومحمد بن سنان القزاز قالا: حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، قال: أخبرنا حيوة، قال: أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن بن نوفلٍ الأسديّ، قال: قطع على أهل المدينة بعثٌ، فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة مولى ابن عبّاسٍ، فنهاني عن ذلك أشدّ النّهي. ثمّ قال: أخبرني ابن عبّاسٍ أنّ ناسًا مسلمين كانوا مع المشركين؛ ثمّ ذكر مثل حديث يونس عن ابن وهبٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} هم قومٌ تخلّفوا بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وتركوا أن يخرجوا معه، فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ضربت الملائكة وجهه ودبره.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} إلى قوله: {وساءت مصيرًا} قال: نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن زمعة بن الأسود وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبي العاص بن منبّه بن الحجّاج وعليّ بن أميّة بن خلفٍ.
قال: لمّا خرج المشركون من قريشٍ وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حربٍ وعير قريشٍ من رسول اللّه وأصحابه، وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة، خرجوا معهم بشبّاب كارهين كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدرٍ على غير موعدٍ، فقتلوا ببدرٍ كفّارًا، ورجعوا عن الإسلام، وهم هؤلاء الّذين سمّيناهم.
قال ابن جريجٍ: وقال مجاهدٌ: نزلت هذه الآية فيمن قتل يوم بدرٍ من الضّعفاء من كفّار قريشٍ.
قال ابن جريجٍ: وقال عكرمة: لمّا نزل القرآن في هؤلاء النّفر، إلى قوله: {وساءت مصيرًا * إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} قال: يعني: الشّيخ الكبير، والعجوز والجواري والصّغار والغلمان.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله: {وساءت مصيرًا} قال: لمّا أسر العبّاس وعقيلٌ ونوفلٌ قال النبي اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للعبّاس: افد نفسك وابن أخيك قال: يا رسول اللّه، ألم نصلّ إلى قبلتك، ونشهد شهادتك؟
قال: يا عبّاس، إنّكم خاصمتم فخصمتم ثمّ تلا عليه هذه الآية: {ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا} فيوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافرٌ حتّى يهاجر، إلاّ المستضعفين الّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً، حيلةً في المال، والسّبيل: الطّريق إلى المدينة قال ابن عبّاسٍ: كنت أنا منهم من الولدان.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت عكرمة، يقول: كان ناسٌ بمكّة قد شهدوا أنّ لا إله إلاّ اللّه، فلمّا خرج المشركون إلى بدرٍ خرجوا معهم، فقتلوا، فنزلت: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله: {أولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا} فكتب بها المسلمون الّذين بالمدينة إلى المسلمين الّذين بمكّة. قال: فخرج ناسٌ من المسلمين حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق طلبهم المشركون فأدركوهم، فمنهم من أعطى الفتنة، فأنزل اللّه فيهم: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه} فكتب بها المسلمون الّذين بالمدينة إلى المسلمين بمكّة، وأنزل اللّه في أولئك الّذين أعطوا الفتنة: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا} إلى {غفورٌ رحيمٌ}.
قال ابن عيينة: أخبرني محمّد بن إسحاق، في قوله {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة} قال: هم خمسة فتيةٍ من قريشٍ: عليّ بن أميّة، وأبو قيس بن الفاكه، وزمعة بن الأسود، وأبو العاص بن منبّهٍ، ونسيت الخامس.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية، حدّثنا أنّ هذه الآية نزلت في أناسٍ تكلّموا بالإسلام من أهل مكّة، فخرجوا مع عدوّ اللّه أبي جهلٍ، فقتلوا يوم بدرٍ، فاعتذروا بغير عذرٍ، فأبى اللّه أن يقبل منهم.

وقوله {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً} أناسٌ من أهل مكّة عذرهم اللّه، فاستثناهم فقال: {أولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا} قال: وكان ابن عبّاسٍ يقول: كنت أنا وأمّي من الّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية قال: أناسٌ من المنافقين تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يخرجوا معه إلى المدينة، وخرجوا مع مشركي قريشٍ إلى بدرٍ، فأصيبوا يومئذٍ فيمن أصيب، فأنزل اللّه فيهم هذه الآية.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سألته، يعني ابن زيدٍ، عن قول اللّه: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} فقرأ حتّى بلغ: {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} فقال: لمّا بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وظهر ونبع الإيمان نبع النّفاق معه، فأتى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجالٌ، فقالوا: يا رسول اللّه، لولا أنّا نخاف هؤلاء القوم يعذّبوننا ويفعلون ويفعلون لأسلمنا، ولكنّا نشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّك رسول اللّه. فكانوا يقولون ذلك له. فلمّا كان يوم بدرٍ قام المشركون، فقالوا: لا يتخلّف عنّا أحدٌ إلاّ هدمنا داره واستبحنا ماله. فخرج أولئك الّذين كانوا يقولون ذلك القول للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم معهم، فقتلت طائفةٌ منهم وأسرت طائفةٌ. قال: فأمّا الّذين قتلوا فهم الّذين قال اللّه: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية كلّها {ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها} وتتركوا هؤلاء الّذين يستضعفونكم {أولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا} قال: ثمّ عذر اللّه أهل الصّدق فقال: {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً} يتوجّهون له لو خرجوا لهلكوا، فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم إقامتهم بين ظهري المشركين. وقال الّذين أسروا: يا رسول اللّه، إنّك تعلم أنّا كنّا نأتيك فنشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه، وأنّ هؤلاء القوم أخرجونا معهم خوفًا. فقال اللّه: {يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا ممّا أخذ منكم ويغفر لكم} صنيعكم الّذي صنعتم خروجكم مع المشركين على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا اللّه من قبل} خرجوا مع المشركين {فأمكن منهم واللّه عليمٌ حكيمٌ}.
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني أبي عن حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ: أنّه قال: كنت أنا وأمّي، ممّن عذر اللّه {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} قال ابن عبّاسٍ: أنا من المستضعفين.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} قال من قتل من ضعفاء كفّار قريشٍ يوم بدرٍ.
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عبد اللّه بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: كنت أنا وأمّي من المستضعفين من النّساء والولدان.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن عبد اللّه أو إبراهيم بن عبد اللّه القرشيّ، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يدعو في دبر صلاة الظّهر: اللّهمّ خلّص الوليد وسلمة بن هشامٍ وعيّاش بن أبي ربيعة وضعفة المسلمين من أيدي المشركين الّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً} قال: مؤمنون مستضعفون بمكّة، فقال فيهم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: هم بمنزلة هؤلاء الّذين قتلوا ببدرٍ ضعفاء مع كفّار قريشٍ. فأنزل اللّه فيهم: {لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا} الآية.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوه.
وأمّا قوله: {لا يستطيعون حيلةً} فإنّ معناه كما:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة، في قوله: {لا يستطيعون حيلةً} مخرجا {ولا يهتدون سبيلاً} طريقًا إلى المدينة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا يهتدون سبيلاً} طريقًا إلى المدينة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن الحسن، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: الحيلة: المال، والسّبيل: الطّريق إلى المدينة
- حدثنا سعيد ابن الربيع قال حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة: {ولا يهتدون سبيلا} طريقا إليهما يعني إلى المدينة.
وأمّا قوله {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة} ففيه وجهان: أحدهما أن يكون {توفّاهم} في موضع نصبٍ بمعنى المضيّ، لأنّ فعل منصوبةٌ في كلّ حالٍ والآخر أن يكون في موضع رفعٍ بمعنى الاستقبال، يراد به: إنّ الّذين تتوفّاهم الملائكة فتكون إحدى التّاءين من توفّاهم محذوفةً، وهي مرادةٌ في الكلمة، لأنّ العرب تفعل ذلك إذا اجتمعت تاءان في أوّل الكلمة ربّما حذفت إحداهما وأثبتت الأخرى، وربّما أثبتتهما جميعًا). [جامع البيان: 7/379-391] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا (98)
قوله تعالى: إلا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ ابن عيينة عن عبيد اللّه ابن أبي يزيد قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: كنت أنا وأمّي من المستضعفين من النّساء والولدان.
قوله تعالى: لا يستطيعون حيلةً. [5872]
حدّثنا أبي، ثنا أبو معمرٍ المنقريّ، ثنا عبد الوارث، ثنا عليّ بن زيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، أن ّرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رفع يده بعد ما سلّم وهو مستقبلٌ القبلة، فقال: اللّهمّ خلّص الوليد بن الوليد، وعيّاش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشامٍ، وضعفة المسلمين الّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا من أيدي الكفّار.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة في قوله: لا يستطيعون حيلةً قال: نهوضاً إلى المدينة.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: لا يستطيعون حيلةً قال: حيلةً في المال.
قوله تعالى: ولا يهتدون سبيلا. [5875]
حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن عمرٍو عن عكرمة قوله: ولا يهتدون سبيلا قال: طريقاً إليها يعني المدينة. وروي عن مجاهدٍ والسّدّيّ مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 3/1047-1048]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم يعني من قتل من ضعفاء كفار قريش يوم بدر إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا وهم مؤمنون كانوا مستضعفين بمكة فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بمنزلة الذين قتلوا ببدر من ضعفاء قريش فنزل فيهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا يعني طريقا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم). [تفسير مجاهد: 171]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد والبخاري، وابن جرير والطبراني والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس أنه تلا {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله، واخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانو يدعو في دبر كل صلاة: اللهم خلص الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة وضعفة المسلمين من أيدي المشركين الذين لا يستطيعون حلية ولا يهتدون سبيلا.
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: بينا النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال: سمع الله لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد: اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج الوليد بن الوليد اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة في قوله {إلا المستضعفين} يعني الشيخ الكبير والعجوز والجواري الصغار والغلمان.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن يحيى قال: مكث النّبيّ صلى الله عليه وسلم أربعين صباحا يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع وكان يقول في قنوته: اللهم أنج الوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة والعاصي بن هشام والمستضعفين من المؤمنين بمكة الذين {لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا}.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله {وساءت مصيرا} قال: كانوا قوما من المسلمين بمكة فخرجوا مع قومهم من المشركين في قتال فقتلوا معهم فنزلت هذه الآية {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} فعذر الله أهل العذر منهم وهلك من لا عذر له قال ابن عباس: وكنت أنا وأمي ممن كان له عذر.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {لا يستطيعون حيلة} قوة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {لا يستطيعون حيلة} قال: نهوضا إلى المدينة {ولا يهتدون سبيلا} طريقا إلى المدينة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد {ولا يهتدون سبيلا} طريقا إلى المدينة، والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 4/640-641]

تفسير قوله تعالى: (فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) )

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت عكرمة يقول كان ناس بمكة قد شهدوا أن لا إله إلا الله فلما خرج المشركون إلى بدر أخرجوهم معهم فقتلوا قال فنزلت فيهم الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم إلى قوله عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا قال فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة فخرج ناس من المسلمين حتى إذا كانوا ببعض الطريق طلبهم المشركون فأدركوهم فمنهم من أعطى الفتنة فأنزل الله ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة فقال رجل من بني ضمرة لأهله وكان مريضا أخرجوني إلى الروح فأخرجوه حتى إذا كان بالحصحاص فمات فأنزل الله عز و جل ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله إلى آخر الآية ونزل في أولئك الذين كانوا أعطوا الفتنة ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم). [تفسير عبد الرزاق: 2/95-96] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا} [النساء: 99]
- حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: بينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي العشاء إذ قال: " سمع اللّه لمن حمده، ثمّ قال قبل أن يسجد: اللّهمّ نجّ عيّاش بن أبي ربيعة، اللّهمّ نجّ سلمة بن هشامٍ، اللّهمّ نجّ الوليد بن الوليد، اللّهمّ نجّ المستضعفين من المؤمنين، اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللّهمّ اجعلها سنين كسني يوسف "). [صحيح البخاري: 6/48-49]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب قوله فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم الآية كذا لأبي ذرٍّ ولغيره فعسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا كذا وقع عند أبي نعيمٍ في المستخرج وهو خطأٌ من النّسّاخ بدليل وقوعه على الصّواب في رواية أبي ذرٍّ فأولئك عسى الله وهي التّلاوة ووقع في تنقيح الزّركشيّ هنا وكان اللّه غفورًا رحيمًا قال وهو خطأٌ أيضًا قلت لكن لم أقف عليه في رواية ثمّ ذكر فيه حديث أبي هريرة في الدّعاء للمستضعفين وقد تقدّم الكلام عليه في أوّل الاستسقاء). [فتح الباري: 8/264]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوّا غفورا} (النّساء: 99)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {فأولئك} الآية. كذا وقع في كثير من النّسخ على لفظ القرآن، ووقع بلفظ: فعسى الله أن يعفو عنهم وكان الله غفورًا رحيما، في رواية الأكثرين والصّواب ما وقع بلفظ القرآن، وكذا وقع في رواية أبي ذر: فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، الآية ووقع في جمع بعض من عاصرناه ممّن تصدى لشرح البخاريّ، وكان الله غفورًا رحيما، وهو أيضا غير صواب على ما لا يخفى. قوله: (فأولئك) ، إشارة إلى قوم أسلموا ولكن تباطؤا في الهجرة، وهذا بخلاف قوله: (فأولئك مأواهم جهنّم) قوله: (عسى الله أن يعفو عنهم) ، يعني: لا يستقصي عليهم في المحاسبة، وفي (تفسير ابن كثير) أي: يتجاوز عنهم ترك الهجرة، وعسى من الله موجبة، وفي (تفسير ابن الجوزيّ) قال مجاهد: هم قوم أسلموا وثبتوا على الإسلام ولم يكن لهم عجلة في الهجرة، فعذرهم الله تعالى بقوله: {عسى الله أن يعفو عنهم} .

- حدّثنا أبو نعيمٍ حدّثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينا النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثمّ قال قبل أن يسجد اللّهمّ نجّ عيّاش بن أبي ربيعة اللّهمّ نجّ سلمة بن هشامٍ اللّهمّ نجّ الوليد بن الوليد اللّهمّ نجّ المستضعفين من المؤمنين اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر اللّهمّ اجعلها سنين كسني يوسف.

مطابقته للتّرجمة من حيث إن الّذين عذرهم الله في الآية المترجم بها هم المستضعفون، وقد دعا لهم النّبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ودعا على من عوقهم عن الهجرة، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وشيبان هو ابن عبد الرّحمن النّحويّ، ويحيى بن أبي كثير، وأبو سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف.
وقد مر الحديث في كتاب الاستسقاء في: باب دعاء النّبي صلى الله عليه وسلم، ولكن أخرجه من حديث أبي الزّناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (وطأتك) الوطأة الدوسة والضغطة. يعني: الأخذة الشّديدة. قوله: (اجعلها سنين) ، أي: اجعل وطأتك أعواما مجدبة كسني يوسف، وهي الّتي ذكرها الله تعالى في كتابه: {ثمّ يأتي من بعد ذلك سبع شدّاد} (يوسف: 48) أي: سبع سنين فيها قحط وجدب. وقوله: (سنين) جمع سنة وهي الجدب، يقال: أخذتهم السّنة إذا أجدبوا وأقحطوا، وهي من الأسماء الغالبة نحو: الدّابّة في الفرس، والمال في الإبل، وأصل السّنة: سنهة، بوزن: جبهة، فحذفت لامها ونقلت حركتها إلى النّون، وقيل: أصلها سنوة بالواو فحذفت، وتجمع على: سنهات، فإذا جمعتها جمع الصّحّة كسرت السّين، فقلت: سنون وسنين، وبعضهم يضمها، ومنهم من يقول: سنون على كل حال في الرّفع والنّصب والجر، وتجعل الإعراب على النّون الأخيرة فإذا أضفتها على الأول حذفت نون الجمع للإضافة، وعلى الثّاني لا تحذفها فتقول: سني زيد وسنين زيد). [عمدة القاري: 18/189-190]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم} [النساء: 99] الآية
(باب قوله) تعالى: ({فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم}) أي يتجاوز عنهم بتركهم الهجرة وعسى من الله واجب لأنه إطماع والله تعالى إذا أطمع عبدًا في شيء أوصله إليه، (الآية) كذا في رواية أبي ذر، ولغيره فعسى الله أن يعفو عنهم وليس هو لفظ القرآن وكان الله عفوًّا غفورًا.
4598 - حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا شيبان عن يحيى، عن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بينا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي العشاء إذ قال: «سمع اللّه لمن حمده» ثمّ قال قبل أن يسجد:
«اللّهمّ نجّ عيّاش بن أبي ربيعة، اللّهمّ نجّ سلمة بن هشامٍ، اللّهمّ نجّ الوليد بن الوليد، اللّهمّ نجّ المستضعفين من المؤمنين، اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللّهمّ اجعلها سنين كسني يوسف».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي التميمي مولاهم البصري (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: بينا) بغير ميم (النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي العشاء إذ قال):
(سمع الله لمن حمده)، ثم قال قبل أن يسجد (اللهم نج عياش بن أبي ربيعة) أخا أبي جهل لأمه (اللهم نج سلمة بن هشام) أخا أبي جهل (اللهم نج الوليد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي أخا خالد بن الوليد وهؤلاء قوم من أهل مكة أسلموا ففتنتهم قريش وعذبوهم ثم نجوا منهم ببركته عليه الصلاة والسلام ثم هاجروا إليه (اللهم نج المستضعفين من المؤمنين) عام بعد خاص ونج بفتح النون وتشديد الجيم ثم دعا على من عوّقهم عن الهجرة فقال: (اللهم اشدد وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء أي عقوبتك (على) كفار قريش أولاد (مضر اللهم اجعلها) أي وطأتك (سنين) أعوامًا مجدبة (كسني يوسف) عليه الصلاة والسلام المذكورة في قوله تعالى: {ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد} [يوسف: 48] وأصل السنة سنهة على وزن جبهة فحذفت لامها ونقلت حركتها إلى النون فإذا أضفتها حذفت نون الجمع للإضافة جريًا على اللغة العالية فيه وهو إجراؤه مجرى جمع المذكر السالم لكنه شاذ لأنه غير عاقل ولتغييره مفرده بكسر أوله.
وقد سبق هذا الحديث في باب يهوي بالتكبير حين يسجد وفي أوائل الاستسقاء). [إرشاد الساري: 7/95-96]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا (99)
قوله تعالى: فأولئك عسى اللّه أن (يعفو) عنهم وكان اللّه عفواً غفورا
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، أنبأ يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا أناسٌ من أهل مكّة عذرهم اللّه واستثناهم، فأولئك عسى اللّه أن (يعفو) عنهم، وكان اللّه عفوًّا غفورًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/1048]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:29 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{إنّ الّذين توفّاهم الملائكة...}
إن شئت: جعلت
{توفّاهم} في موضع نصب، ولم تضمر تاء مع التاء، فيكون مثل قوله: {إن البقر تشابه علينا}.

وإن شئت: جعلتها رفعا؛ تريد: إن الذين تتوفاهم الملائكة.
وكل موضع اجتمع فيه تاءان جاز فيه إضمار إحداهما؛ مثل قوله: {لعلكم تذكرون} ومثل قوله: {فإن تولّوا فقد أبلغتكم}). [معاني القرآن: 1/284]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيراً}
[و] قال: {أولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيراً} {إلاّ المستضعفين} لأنه استثناهم منهم كما تقول: "أولئك أصحابك إلاّ زيداً" و: "كلّهم أصحابك إلاّ زيداً". وهو خارج من أول الكلام). [معاني القرآن: 1/210]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا} يعنى به: المشركون الذين تخلفوا عن الهجرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فـ
{توفاهم}، إن شئت: كان لفظها ماضيا، على معنى: إن الذين توفتهم الملائكة، وذكّر الفعل لأنه فعل صحيح.

ويجوز أن يكون: على معنى الاستقبال، على معنى: أن الذين تتوفاهم الملائكة، وحذفت التاء الثانية لاجتماع تاءين، وقد شرحنا ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب.
وقوله:
{ظالمي أنفسهم}: نصب على الحال، المعنى: تتوفاهم في حال ظلمهم أنفسهم، والأصل: ظالمين أنفسهم إلا أن النون حذفت استخفافا.
والمعنى معنى ثبوتها، كما قال جلّ وعزّ
{هديا بالغ الكعبة}.
والمعنى معنى ثبوت التنوين، معنى بالغا الكعبة.
وقوله:
{قالوا فيم كنتم} هذه الواو للملائكة، أي: قال الملائكة للمشركين {فيم كنتم} أي: أكنتم في المشركين أم في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا سؤال توبيخ قد مر نظراؤه مما قد استقصينا شرحه.
وقوله:
{كنّا مستضعفين في الأرض}فأعلم اللّه أنهم كانوا مستضعفين عن الهجرة، فقالت لهم الملائكة: {ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا * إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} ). [معاني القرآن: 2/94-95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}، وقرأ عيسى وهو ابن عمر {إن الذين يتوفاهم الملائكة} هذا على تذكير الجمع.
ومن قرأ
{توفاهم} فهو يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكون فعلا ماضيا، ويكون على تذكير الجمع أيضا.
والآخر: أن يكون مستقبلا، ويكون على تأنيث الجماعة، والمعنى: تتوفاهم ثم حذف إحدى التاءين.
قال عكرمة والضحاك: هؤلاء قوم أظهروا الإسلام ثم لم يهاجروا إلى بدر مع المشركين فقتلوا فأنزل الله جل وعز فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين، هذا سؤال توبيخ). [معاني القرآن: 2/172-173]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان}
قال مجاهد: هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الإسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم}).
[معاني القرآن: 2/173-174] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}، وقرأ عيسى وهو ابن عمر
{إن الذين يتوفاهم الملائكة} هذا على تذكير الجمع.
ومن قرأ
{توفاهم} فهو يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكون فعلا ماضيا، ويكون على تذكير الجمع أيضا.
والآخر: أن يكون مستقبلا، ويكون على تأنيث الجماعة، والمعنى: تتوفاهم ثم حذف إحدى التاءين.
قال عكرمة والضحاك: هؤلاء قوم أظهروا الإسلام ثم لم يهاجروا إلى بدر مع المشركين فقتلوا فأنزل الله جل وعز فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين، هذا سؤال توبيخ). [معاني القرآن: 2/172-173]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء...}
في موضع نصب على الاستثناء من {مأواهم جهنم}). [معاني القرآن: 1/284]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا} إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان)
{المستضعفين} نصب على الاستثناء من قوله: {مأواهم جهنّم... إلّا المستضعفين}، أي: إلا من صدق أنّه مستضعف غير مستطيع حيلة ولا مهتد سبيلا، فأعلم الله أن هؤلاء راجون العفو، كما يرجو المؤمنون فقال: {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوّا غفورا}). [معاني القرآن: 2/95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان}
قال مجاهد: هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الإسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم}، و{عسى} ترج وإذا أمر الله جل وعز أن يترجى شيء فهو واجب كذلك الظن به). [معاني القرآن: 2/173-174]


تفسير قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوّا غفورا}
و {عسى} ترج، وما أمر اللّه به أن يرجى من رحمته فبمنزلة الواقع كذلك الظن بأرحم الراحمين.

وقوله:
{وكان اللّه عفوّا غفورا}.
تأويل {كان} في هذا الموضع قد اختلف فيه الناس
:
- فقال الحسن البصري: كان غفورا لعباده، عن عباده قبل أن يخلقهم.
- وقال النحويون البصريون: كأنّ القوم شاهدوا من الله رحمة فأعلموا أن ذلك ليس بحادث، وأنّ الله لم يزل كذلك.
- وقال قوم " من النحويين:.. " كان " و" فعل " من اللّه بمنزلة ما في الحال، فالمعنى - والله أعلم - والله عفو غفور.
والذي قاله الحسن وغيره أدخل في اللغة، وأشبه بكلام العرب.
- وأما القول الثالث، فمعناه: يؤول إلى ما قاله الحسن وسيبويه، إلا أن يكون الماضي بمعنى الحال يقل.
وصاحب هذا القول له من الحجة قولنا " غفر الله لفلان " بمعنى ليغفر اللّه له فلما كان في الحال دليل على الاستقبال وقع الماضي مؤديا عنها استخفافا، لأن اختلاف ألفاظ الأفعال إنما وقع لاختلاف الأوقات، فإذا أعلمت الأحوال والأوقات استغني بلفظ بعض الأفعال عن لفظ بعض، الدليل على ذلك: قوله جلّ وعزّ
{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}
وقوله:
{ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى اللّه متابا} معناه: من يتب ومن يجئ بالحسنة يعط عشر أمثالها). [معاني القرآن: 2/95-96]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:49 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) }

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) }

تفسير قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 07:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 07:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 07:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 07:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا (97) إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا (98) فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا (99) ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعةً ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه وكان اللّه غفورًا رحيمًا (100)
المراد بهذه الآية إلى قوله مصيراً جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا مع قومهم، وفتن منهم جماعة فافتتنوا، فلما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار فقتلوا ببدر، فنزلت الآية فيهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما، كان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يستخفون بإسلامهم، فأخرجهم المشركون يوم بدر فأصيب بعضهم، فقال المسلمون كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا، فاستغفروا لهم، فنزلت إنّ الّذين توفّاهم الملائكة الآية. قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية، أن لا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية الأخرى، ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه [العنكبوت: 10] الآية فكتب إليهم المسلمون بذلك فخرجوا ويئسوا من كل خير. ثم نزلت فيهم ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ [النحل: 110] فكتبوا إليهم بذلك، أن الله قد جعل لكم مخرجا فخرجوا فلحقهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل، وقال عكرمة: نزلت هذه الآية في خمسة قتلوا ببدر، وهم قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود بن أسد، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو العاصي بن منبه بن الحجاج، وعلي بن أمية بن خلف، قال النقاش: في أناس سواهم أسلموا ثم خرجوا إلى بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: غر هؤلاء دينهم.
قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: وكان العباس ممن خرج مع الكفار لكنه نجا وأسر، وكان من المطعمين في نفير بدر، قال السدي: لما أسر العباس وعقيل ونوفل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: افد نفسك وابن أخيك، فقال له العباس: يا رسول الله، ألم نصل قبلتك ونشهد شهادتك؟ قال «يا عباس: إنكم خاصمتم فخصمتم»، ثم تلا عليه هذه الآية ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها قال السدي: فيوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر، إلا من لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلا.
قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: وفي هذا الذي قاله السدي نظر، والذي يجري مع الأصول أن من مات من أولئك بعد أن قبل الفتنة وارتد فهو كافر ومأواه جهنم على جهة الخلود، وهذا هو ظاهر أمر تلك الجماعة وإن فرضنا فيهم من مات مؤمنا وأكره على الخروج، أو مات بمكة فإنما هو عاص في ترك الهجرة، مأواه جهنم على جهة العصيان دون خلود، لكن لما لم يتعين أحد أنه مات على الإيمان لم يسغ ذكرهم في الصحابة، ولم يعتد بما كان عرف منهم قبل، ولا حجة للمعتزلة في شيء من أمر هؤلاء على تكفيرهم بالمعاصي، وأما العباس فقد ذكر ابن عبد البر رحمه الله أنه أسلم قبل بدر، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم بدر من لقي العباس فلا يقتله، فإنما أخرج كرها.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق- رحمه الله- وذكر أنه إنما أسلم مأسورا حين ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم أمر المال الذي ترك عند أم الفضل، وذكر أنه أسلم في عام خيبر، وكان يكتب إلى رسول الله بأخبار المشركين، وكان يحب أن يهاجر، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث بمكة فمقامك بها أنفع لنا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لكن عامله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسر على ظاهر أمره.
وقوله تعالى: توفّاهم يحتمل أن يكون فعلا ماضيا لم يستند بعلامة تأنيث، إذ تأنيث لفظ الملائكة غير حقيقي، ويحتمل أن يكون فعلا مستقبلا على معنى تتوفاهم، فحذفت إحدى التاءين ويكون في العبارة إشارة إلى ما يأتي من هذا المعنى في المستقبل بعد نزول الآية. وقرأ إبراهيم «توفاهم» بضم التاء، قال أبو الفتح: كأنه يدفعون إلى الملائكة ويحتسبون عليهم. و «توفاهم» بفتح التاء معناه: تقبض أرواحهم، وحكى ابن فورك عن الحسن أن المعنى: تحشرهم إلى النار وظالمي أنفسهم نصب على الحال أي ظالميها بترك الهجرة، قال الزجّاج: حذفت النون من «ظالمين» تخفيفا، كقوله تعالى: بالغ الكعبة [المائدة:
95]، وقول الملائكة فيم كنتم؟ تقرير وتوبيخ، وقول هؤلاء كنّا مستضعفين في الأرض اعتذار غير صحيح، إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبيل ثم وقفتهم الملائكة على ذنبهم بقولهم ألم تكن أرض اللّه واسعةً والأرض في قول هؤلاء هي أرض مكة خاصة، وأرض اللّه هي الأرض بالإطلاق. والمراد فتهاجروا فيها إلى موضع الأمن، وهذه المقالة إنما هي بعد توفي الملائكة لأرواح هؤلاء. وهي دالة على أنهم ماتوا مسلمين، وإلا فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شيء من هذا، وإنما أضرب عن ذكرهم في الصحابة لشدة ما واقعوه، ولعدم تعين أحد منهم بالإيمان، ولاحتمال ردته، وتوعدهم الله تعالى بأن مأواهم جهنّم). [المحرر الوجيز: 2/640-643]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم استثنى منهم من كان استضعافه على حقيقة من زمنة الرجال وضعفة النساء والولدان، كعياش بن أبي ربيعة والوليد بن هشام وغيرهما، قال ابن عباس: كنت أنا وأمي من المستضعفين، هي من النساء وأنا من الولدان، والحيلة: لفظ عام لأسباب أنواع التخلص، و «السبيل»: سبيل المدينة فيما ذكر مجاهد والسدي وغيرهما والصواب أنه عام في جميع السبل). [المحرر الوجيز: 2/643]

تفسير قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم رجّى الله تعالى هؤلاء بالعفو عنهم، وعسى من الله واجبة. أما أنها دالة على ثقل الأمر المعفو عنه، قال الحسن: عسى من الله واجبة، قال غيره: هي بمنزلة الوعد، إذ ليس يخبر ب عسى عن شك ولا توقع، وهذا يرجع إلى الوجوب، قال آخرون: هي على معتقد البشر، أي ظنكم بمن هذه حاله ترجّي عفو الله عنه). [المحرر الوجيز: 2/643]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 07:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 07:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا (97) إلا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا (98) فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا (99) ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعةً ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه وكان اللّه غفورًا رحيمًا (100)}
قال البخاريّ: حدّثنا عبد اللّه بن يزيد المقرئ، حدّثنا حيوة وغيره قالا حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن أبو الأسود قال: قطع على أهل المدينة بعثٌ، فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة مولى ابن عبّاسٍ فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشدّ النّهي، ثمّ قال: أخبرني ابن عبّاسٍ أنّ ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين، يكّثرون سواد المشركين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأتي السّهم فيرمى به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب عنقه فيقتل، فأنزل اللّه [عزّ وجلّ] {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} رواه اللّيث عن أبي الأسود.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّمادي، حدّثنا أبو أحمد -يعني الزبيري-حدثنا محمّد بن شريك المكّيّ، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: كان قومٌ من أهل مكّة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدرٍ معهم، فأصيب بعضهم بفعل بعضٍ قال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا، فاستغفروا لهم، فنزلت: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم [قالوا فيم كنتم} إلى آخر] الآية، قال: فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية: لا عذر لهم. قال: فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت هذه الآية: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه} الآية [البقرة: 8].
وقال عكرمة: نزلت هذه الآية في شبابٍ من قريشٍ، كانوا تكلّموا بالإسلام بمكّة، منهم: عليّ بن أميّة بن خلف، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو العاص بن منبّه بن الحجّاج، والحارث بن زمعة.
وقال الضّحّاك: نزلت في ناسٍ من المنافقين، تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكة، وخرجوا مع المشركين يوم بدرٍ، فأصيبوا فيمن أصيب فنزلت هذه الآية الكريمة عامّةً في كلّ من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادرٌ على الهجرة، وليس متمكّنًا من إقامة الدّين، فهو ظالمٌ لنفسه مرتكبٌ حرامًا بالإجماع، وبنصّ هذه الآية حيث يقول تعالى: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} أي: بترك الهجرة {قالوا فيم كنتم} أي: لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة؟ {قالوا كنّا مستضعفين في الأرض} أي: لا نقدر على الخروج من البلد، ولا الذّهاب في الأرض {قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً [فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا]}.
وقال أبو داود: حدّثنا محمّد بن داود بن سفيان، حدّثني يحيى بن حسّان، أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود، حدّثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة بن جندب: أما بعد، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " من جامع المشرك وسكن معه فإنّه مثله ".
وقال السّدّيّ: لمّا أسر العبّاس وعقيل ونوفل، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للعبّاس: " افد نفسك وابن أخيك " قال: يا رسول اللّه، ألم نصلّ قبلتك، ونشهد شهادتك؟ قال: " يا عبّاس، إنّكم خاصمتم فخصمتم". ثمّ تلا عليه هذه الآية: {ألم تكن أرض اللّه واسعةً [فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا]} رواه ابن أبي حاتمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/388-389]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إلا المستضعفين [من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا]} هذا عذرٌ من اللّه تعالى لهؤلاء في ترك الهجرة، وذلك أنّهم لا يقدرون على التّخلّص من أيدي المشركين، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطّريق، ولهذا قال: {لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا} قال مجاهدٌ وعكرمة، والسّدّيّ: يعني طريقًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/389-390]

تفسير قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم} أي: يتجاوز عنهم بترك الهجرة، وعسى من اللّه موجبةٌ {وكان اللّه عفوًّا غفورًا}.
قال البخاريّ: حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: بينا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي العشاء إذ قال: " سمع اللّه لمن حمده " ثمّ قال قبل أن يسجد " اللّهمّ نج عيّاش بن أبي ربيعة، اللّهمّ نجّ سلمة بن هشامٍ، اللّهمّ نجّ الوليد بن الوليد، اللّهمّ نج المستضعفين من المؤمنين، اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللّهمّ اجعلها سنين كسنيّ يوسف".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو معمرٍ المقريّ حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا عليّ بن زيدٍ، عن سعيد بن المسّيب، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رفع يده بعدما سلّم، وهو مستقبلٌ القبلة فقال: " اللّهمّ خلّص الوليد بن الوليد، وعيّاش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشامٍ، وضعفة المسلمين الّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا من أيدي الكفّار".
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا المثنّى، حدّثنا حجّاجٌ، حدّثنا حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ عن عبد اللّه -أو إبراهيم بن عبد اللّه القرشيّ-عن أبي هريرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يدعو في دبر صلاة الظّهر: " اللّهمّ خلّص الوليد، وسلمة بن هشامٍ، وعيّاش بن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين من أيدي المشركين الّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا ".
ولهذا الحديث شاهدٌ في الصّحيح من غير هذا الوجه كما تقدّم.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا ابن عيينة، عن عبيد اللّه بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: كنت أنا وأمّي من المستضعفين من النّساء والولدان
وقال البخاريّ: أنبأنا أبو النّعمان، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ: {إلا المستضعفين} قال: كانت أمّي ممّن عذر اللّه عزّ وجلّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/390]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة