تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد مكنّاهم فيما إن مكنّاكم فيه وجعلنا لهم سمعًا وأبصارًا وأفئدةً فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيءٍ إذ كانوا يجحدون بآيات اللّه وحاق بهم مّا كانوا به يستهزءون}.
يقول تعالى ذكره لكفّار قريشٍ: ولقد مكّنّا أيّها القوم عادًا الّذين أهلكناهم بكفرهم فيما لم نمكّنكم فيه من الدّنيا، وأعطيناهم منها الّذي لم نعطكم منهم من كثرة الأموال، وبسطة الأجسام، وشدّة الأبدان.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: ثني أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولقد مكّنّاهم فيما إن مكّنّاكم فيه} يقول: لم نمكّنكم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولقد مكّنّاهم فيما إن مكّنّاكم فيه}: أنبأكم أنّه أعطى القوم ما لم يعطكم.
وقوله: {وجعلنا لهم سمعًا} يسمعون به مواعظ ربّهم، وأبصارًا يبصرون بها حجج اللّه، وأفئدةً يعقلون بها ما يضرّهم وينفعهم {فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيءٍ} يقول: فلم ينفعهم ما أعطاهم من السّمع والبصر والفؤاد إذ لم يستعملوها فيما أعطوها له، ولم يعملوها فيما ينجيهم من عقاب اللّه، ولكنّهم استعملوها فيما يقرّبهم من سخطه {إذ كانوا يجحدون بآيات الله} يقول: إذ كانوا يكذّبون بحجج اللّه وهم رسله، وينكرون نبوّتهم {وحاق بهم مّا كانوا به يستهزئون} يقول: وعاد عليهم ما استهزءوا به، ونزل بهم ما سخروا به، فاستعجلوا به من العذاب، وهذا وعيدٌ من اللّه جلّ ثناؤه لقريشٍ، يقول لهم: فاحذروا أن يحلّ بكم من العذاب على كفركم باللّه وتكذيبكم رسله، ما حلّ بعادٍ، وبادروا بالتّوبة قبل النّقمة). [جامع البيان: 21/160]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 26 - 28.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه} يقول: لم نمكنكم فيه). [الدر المنثور: 13/339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ولقد مكناهم} الآية قال: عاد مكنوا في الأرض أفضل مما مكنت فيه هذه الأمة وكانوا أشد قوة وأكثر أولادا وأطول أعمارا). [الدر المنثور: 13/339-340]
تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) )
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو أسامة، عن زائدة، عن منصورٍ، عن إبراهيم {لعلّهم يرجعون} قال: يتوبون). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 420-421]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرّفنا الآيات لعلّهم يرجعون (27) فلولا نصرهم الّذين اتّخذوا من دون اللّه قربانًا آلهةً بل ضلّوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون}.
يقول تعالى ذكره لكفّار قريشٍ محذّرهم بأسه وسطوته، أن يحلّ بهم على كفرهم {ولقد أهلكنا} أيّها القوم من القرى ما حول قريتكم، كحجر ثمود وأرض سدوم ومأرب ونحوها، فأنذرنا أهلها بالمثلات، وخرّبنا ديارها، فجعلناها خاويةً على عروشها.
وقوله: {وصرّفنا الآيات} يقول: ووعظناهم بأنواع العظات، وذكّرناهم بضروبٍ من الذّكر والحجج، وبيّنّا لهم ذلك.
- كما: حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وصرّفنا الآيات} قال بيّنّاها.
{لعلّهم يرجعون} يقول ليرجعوا عمّا كانوا عليه مقيمين من الكفر باللّه وآياته وفي الكلام متروكٌ ترك ذكره استغناءً بدلالة الكلام عليه، وهو: فأبوا إلاّ الإقامة على كفرهم، والتّمادي في غيّهم، فأهلكناهم، فلن ينصرهم منّا ناصرٌ يقول جلّ ثناؤه: فلولا نصر هؤلاء الّذين أهلكناهم من الأمم الخالية قبلهم أوثانهم وآلهتهم الّتي اتّخذوا عبادتها قربانًا يتقرّبون بها فيما زعموا إلى ربّهم منّا إذ جاءهم بأسنا، فتنقذهم من عذابنا إن كانت تشفع لهم عند ربّهم كما يزعمون.
وهذا احتجاجٌ من اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على مشركي قومه، يقول لهم: لو كانت آلهتكم الّتي تعبدون من دون اللّه تغني عنكم شيئًا، أو تنفعكم عند اللّه كما تزعمون أنّكم إنّما تعبدونها لتقرّبكم إلى اللّه زلفى، لأغنت عمّن كان قبلكم من الأمم الّتي أهلكتها بعبادتهم إيّاها، فدفعت عنها العذاب إذا نزل، أو لشفعت لهم عند ربّهم، فقد كانوا من عبادتها على مثل الّذي عليه أنتم، ولكنّها ضرّتهم ولم تنفعهم: يقول تعالى ذكره: {بل ضلّوا عنهم} يقول: بل تركتهم آلهتهم الّتي كانوا يعبدونها، فأخذت غير طريقهم، لأنّ عبدتها هلكت، وكانت هي حجارةً أو نحاسًا، فلم يصبها ما أصابهم ودعوها، فلم تجبهم، ولم تغثهم، وذلك ضلالها عنهم، وذلك إفكهم، يقول عزّ وجلّ هذه الآلهة الّتي ضلّت عن هؤلاء الّذين كانوا يعبدونها من دون اللّه عند نزول بأس اللّه بهم، وفي حال طمعهم فيها أن تغيثهم، فخذلتهم، هو إفكهم: يقول: هو كذبهم الّذي كانوا يكذبون، ويقولون به هؤلاء آلهتنا وما كانوا يفترون، يقول: وهو الّذي كانوا يفترون، فيقولون: هي تقرّبنا إلى اللّه زلفى، وهي شفعاؤنا عند اللّه وأخرج الكلام مخرج الفعل، والمعني المفعول به، فقيل: وذلك إفكهم، والمعني فيه: المأفوك به لأنّ الإفك إنّما هو فعل الآفك، والآلهة مأفوكٌ بها وقد مضى البيان عن نظائر ذلك قبل، قال: وكذلك قوله: {وما كانوا يفترون}.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله {وذلك إفكهم} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: {وذلك إفكهم} بكسر الألف وسكون الفاء وضمّ الكاف بالمعنى الّذي بيّنّا.
- وروي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما في ذلك ما: حدّثني أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عوفٍ، عمّن حدّثه، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرأها وذلك أفكهم يعني بفتح الألف والكاف وقال: أضلّهم.
فمن قرأ القراءة الأولى الّتي عليها قرّاء الأمصار، فالهاء والميم في موضع خفضٍ ومن قرأ هذه القراءة الّتي ذكرناها عن ابن عبّاسٍ فالهاء والميم في موضع نصبٍ، وذلك أنّ معنى الكلام على ذلك، وذلك صرفهم عن الإيمان باللّه.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا القراءة الّتي عليها قرأة الأمصار لإجماع الحجّة عليها). [جامع البيان: 21/161-163]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى} ههنا وههنا شيئا باليمن واليمامة والشام). [الدر المنثور: 13/340]
تفسير قوله تعالى: (فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرّفنا الآيات لعلّهم يرجعون (27) فلولا نصرهم الّذين اتّخذوا من دون اللّه قربانًا آلهةً بل ضلّوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون}.
يقول تعالى ذكره لكفّار قريشٍ محذّرهم بأسه وسطوته، أن يحلّ بهم على كفرهم {ولقد أهلكنا} أيّها القوم من القرى ما حول قريتكم، كحجر ثمود وأرض سدوم ومأرب ونحوها، فأنذرنا أهلها بالمثلات، وخرّبنا ديارها، فجعلناها خاويةً على عروشها.
وقوله: {وصرّفنا الآيات} يقول: ووعظناهم بأنواع العظات، وذكّرناهم بضروبٍ من الذّكر والحجج، وبيّنّا لهم ذلك.
- كما: حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وصرّفنا الآيات} قال بيّنّاها.
{لعلّهم يرجعون} يقول ليرجعوا عمّا كانوا عليه مقيمين من الكفر باللّه وآياته وفي الكلام متروكٌ ترك ذكره استغناءً بدلالة الكلام عليه، وهو: فأبوا إلاّ الإقامة على كفرهم، والتّمادي في غيّهم، فأهلكناهم، فلن ينصرهم منّا ناصرٌ يقول جلّ ثناؤه: فلولا نصر هؤلاء الّذين أهلكناهم من الأمم الخالية قبلهم أوثانهم وآلهتهم الّتي اتّخذوا عبادتها قربانًا يتقرّبون بها فيما زعموا إلى ربّهم منّا إذ جاءهم بأسنا، فتنقذهم من عذابنا إن كانت تشفع لهم عند ربّهم كما يزعمون.
وهذا احتجاجٌ من اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على مشركي قومه، يقول لهم: لو كانت آلهتكم الّتي تعبدون من دون اللّه تغني عنكم شيئًا، أو تنفعكم عند اللّه كما تزعمون أنّكم إنّما تعبدونها لتقرّبكم إلى اللّه زلفى، لأغنت عمّن كان قبلكم من الأمم الّتي أهلكتها بعبادتهم إيّاها، فدفعت عنها العذاب إذا نزل، أو لشفعت لهم عند ربّهم، فقد كانوا من عبادتها على مثل الّذي عليه أنتم، ولكنّها ضرّتهم ولم تنفعهم: يقول تعالى ذكره: {بل ضلّوا عنهم} يقول: بل تركتهم آلهتهم الّتي كانوا يعبدونها، فأخذت غير طريقهم، لأنّ عبدتها هلكت، وكانت هي حجارةً أو نحاسًا، فلم يصبها ما أصابهم ودعوها، فلم تجبهم، ولم تغثهم، وذلك ضلالها عنهم، وذلك إفكهم، يقول عزّ وجلّ هذه الآلهة الّتي ضلّت عن هؤلاء الّذين كانوا يعبدونها من دون اللّه عند نزول بأس اللّه بهم، وفي حال طمعهم فيها أن تغيثهم، فخذلتهم، هو إفكهم: يقول: هو كذبهم الّذي كانوا يكذبون، ويقولون به هؤلاء آلهتنا وما كانوا يفترون، يقول: وهو الّذي كانوا يفترون، فيقولون: هي تقرّبنا إلى اللّه زلفى، وهي شفعاؤنا عند اللّه وأخرج الكلام مخرج الفعل، والمعني المفعول به، فقيل: وذلك إفكهم، والمعني فيه: المأفوك به لأنّ الإفك إنّما هو فعل الآفك، والآلهة مأفوكٌ بها وقد مضى البيان عن نظائر ذلك قبل، قال: وكذلك قوله: {وما كانوا يفترون}.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله {وذلك إفكهم} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: {وذلك إفكهم} بكسر الألف وسكون الفاء وضمّ الكاف بالمعنى الّذي بيّنّا.
- وروي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما في ذلك ما: حدّثني أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عوفٍ، عمّن حدّثه، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرأها وذلك أفكهم يعني بفتح الألف والكاف وقال: أضلّهم.
فمن قرأ القراءة الأولى الّتي عليها قرّاء الأمصار، فالهاء والميم في موضع خفضٍ ومن قرأ هذه القراءة الّتي ذكرناها عن ابن عبّاسٍ فالهاء والميم في موضع نصبٍ، وذلك أنّ معنى الكلام على ذلك، وذلك صرفهم عن الإيمان باللّه.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا القراءة الّتي عليها قرأة الأمصار لإجماع الحجّة عليها). [جامع البيان: 21/161-163] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن ابن الزبير رضي الله عنه أنه قرأ وتلك إفكهم). [الدر المنثور: 13/340]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه كان يقرأها وذلك أفكهم يعني بفتح الألف والكاف وقال: أصلهم). [الدر المنثور: 13/340]