تفسير قوله تعالى:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أفأمن الّذين مكروا السّيّئات} عملوا السّيّئات.
والسّيّئات هاهنا: الشّرك، وكذلك ذكر سعيدٌ عن قتادة.
قال: {أن يخسف اللّه بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون}. [تفسير القرآن العظيم: 1/66]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفأمن الّذين مكروا السّيّئات أن يخسف اللّه بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون}
أي أفأمنوا أن يفعل بهم ما فعل بقوم لوط، والذين أهلكوا من الأمم السالفة بتعجيل العذاب في الدنيا.
{أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون} عطف على: {أن يخسف}.
{أو يأخذهم في تقلبهم} أي في تصرفهم في أسفارهم، وسائر ما ينقلبون فيه). [معاني القرآن: 3/201]
تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {أو يأخذهم في تقلّبهم} تفسير الحسن: في البلاد في أسفارهم في غير قرارٍ.
{فما هم بمعجزين} بسابقين). [تفسير القرآن العظيم: 1/66]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين} روى معمر عن قتادة قال في أسفارهم وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال بالليل والنهار). [معاني القرآن: 4/69]
تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {أو يأخذهم على تخوّفٍ} يهلك القرية، يخوّف بهلاكها القرية الأخرى لعلّهم يرجعون، لعلّ من بقي ممّن هو على دينهم، الشّرك، أن يرجعوا إلى الإيمان.
وتفسير الكلبيّ: أو يأخذهم في تقلّبهم في البلاد باللّيل والنّهار.
{أو يأخذهم على تخوّفٍ} على تنقّصٍ.
وهو تفسير السّدّيّ.
أن يبتليهم بالجهد حتّى يرقّوا ويقلّ عددهم، فإن تابوا وأصلحوا كشف عنهم.
فذلك قوله: {فإنّ ربّكم لرءوفٌ رحيمٌ}، أي: إن تابوا وأصلحوا.
وتفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه من قوله: {مكروا السّيّئات} إلى قوله: {على تخوّفٍ} بعض ما أوعدهم من هذا، وهو نمرود بن كنعان وقومه). [تفسير القرآن العظيم: 1/67]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أو يأخذهم على تخوّفٍ...}
جاء التفسير بأنه التنقّص. والعرب تقول: تحوّفته بالحاء: تنقّصته من حافاته. فهذا الذي سمعت. وقد أتى التفسير بالخاء و(هو معنى). ومثله ممّا قرئ بوجهين
قوله: {إنّ لك في النّهار سبحاً طويلاً} و(سبخاً) بالحاء والخاء. والسّبخ: السعة. وسمعت العرب تقول: سبّخى صوفك وهو شبيه بالندف، والسّبح نحو من ذلك،
وكلّ صواب بحمد الله). [معاني القرآن: 2/102-101]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أو يأخذهم على تخوّفٍ} مجازه: على تنقّص قال:
ألام على الهجاء وكل يوم= يلاقيني من الجيران غول
تخوّف غدرهم مالي وأهدي= سلاسل في الحلوق لها صليل
أي تنقّص غدرهم مالي. سلاسل يريد القوافي تنشد فهو صليلها وهو قلائد في أعناقهم
وقال طرفة:
وجاملٍ خوّف من نيبه= زجر المعلّى أصلاً والسفيح
خوّف من نيبه أي لا يدعه يزيد). [مجاز القرآن: 1/360]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {على تخوف} فإنهم يقولون: تخوفته السنة تخوفًا بالخاء؛ وتحوفته تحوفًا بالحاء؛ أي تنقصته.
وحكي لنا: أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال: "ما كنت أدري ما {تخوف} بالخاء حتى سمعت هذا البيت:
تخوف السير منها تامكًا قردًا = كما تخوف عود النبعة السفن
قال أبو علي: وزعم من يخبرنا عن حماد الرواية أن البيت لأبي مزاحم الثمالي، ثمالة من الأزد.
والتخوف بالخاء: التنقص في لغة أزد شنوءة، في قول ابن عباس أيضًا.
أنشدنا الثقة:
تخوف غدرهم مالي وأهدى = سلاسل في الحلوق لها صليل
[معاني القرآن لقطرب: 811]
أي تنقص، يعني: تخوف). [معاني القرآن لقطرب: 812]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أو يأخذهم على تخوف}: تنقص يقال تخوف فلان مالي تخوفا أي نقصة). [غريب القرآن وتفسيره: 207-206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أو يأخذهم على تخوّفٍ} أي: على تنقص ومثله الثخون يقال: تخوفته الدهور وتخونثه إذا نقصته وأخذت من ماله أو جسمه.
تدور ظلاله وترجع من جانب إلى جانب. والفي: الرجوع. ومنه قيل للظل بالعشي: فيء، لأنه فاء عن المغرب إلى المشرق). [تفسير غريب القرآن: 243]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ}.
تفيؤ الظّلال: رجوعها من جانب إلى جانب، فهي مرة تجاه الشّخص، ومرة وراءه، ومرة عن يمينه، ومرة عن شماله.
وأصل الفيء: الرّجوع، ومنه قيل للظل في العشيّ: فيء، لأنه فاء، أي رجع من جانب إلى جانب. ومنه الفيء في الإيلاء إنما هو: الرّجوع إلى المرأة.
وأصل السجود: التطأطؤ والميل، يقال: سجد البعير وأسجد: إذا طؤطئ ليركب، وسجدت النّخلة: إذا مالت.
قال: لبيد يصف نخلا:
غلب سواجد لم يدخل بها الحصر
فالغلب: الغلاظ الأعناق. والسّواجد: الموائل.
ومن هذا قيل لمن وضع جبهته بالأرض: ساجد، لأنه تطامن في ذلك. ثم قد يستعار السجود فيوضع موضع الاستسلام والطاعة والذّل، كما يستعار التطأطؤ والتّطامن فيوضعان موضع الخشوع والخضوع والانقياد والذل، فيقال: تطامن للحق، أي أخضع له، وتطأطأ لها تخطّك، أي تذلّل لها ولا تعزّز.
ومن الأمثال المبتذلة: اسجد للقرد في زمانه. يراد: اخضع للسّفلة واللئيم في دولته، ولا يراد معنى سجود الصلاة. قال الشاعر:
بجمع تضلّ البلق في حجراته ترى الأكم فيها سجّدا للحوافر
يريد أن حوافر الخيل قد قلعت الأكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضت. ومن خلق الله عز وجل: المسخّر المقصور على فعل واحد، كالنّار شأنها الإحراق، والشمس والقمر شأنهما المسير الليل والنّهار دائبين، والفلك المسخّر للدّوران.
ومنه المسخّر لمعنيين، ثم هو مخيّر بينهما، كالإنسان في الكلام والسكوت، والقيام والقعود، والحركة والسكون. والشمس والظلّ، خلقان مسخّران لأن يعاقب كلّ واحد منهما صاحبه بغير فصل.
والظلّ في أول النهار قبل طلوع الشمس يعمّ الأرض كما تعمّها ظلمة الليل، ثم تطلع الشمس فتعمّ الأرض إلا ما سترته الشّخوص، فإذا ستر الشّخص شيئا عاد الظّل.
فرجوع الظلّ بعد أن كان شمسا، ودورانه من جانب إلى جانب- هو سجوده، لأنه مستسلم منقاد مطيع بالتّسخير، وهو في ذلك يميل، والميل: سجود.
وكذلك قوله: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}، أي يستسلمان لله بالتّسخير.
وقوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}، أي يستسلم من في السموات من الملائكة، ومن في الأرض من المؤمنين طوعا، ويستسلم من في الأرض من الكافرين كرها من خوف السيف.
{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} مستسلمة.
وهو مثل قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} ). [تأويل مشكل القرآن: 418-416]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أو يأخذهم في تقلّبهم فما هم بمعجزين}
أي أو يأخذهم بعد أن يخيفهم، بأن يهلك فرقة فتخاف التي تليها.
وقيل على تخوف على تنقص، ومعنى التنقص أن ينتقصهم في أموالهم وثمارهم حتى يهلكهم.
ويروى عن عمر قال: ما كنت أدري ما معنى أو يأخذهم على تخوف حتى سمعت قول الشاعر:
تخوّف السّير منها تامكا قردا= كما تخوّف عود النّبعة السّفن
يصف ناقة وأن السير تنقص سنامها بعد تمكنه واكتنازه). [معاني القرآن: 3/202-201]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أو يأخذهم على تخوّف فإنّ ربّكم لرءوف رحيم }أي من رحمته أن أمهل فجعل فسحة للتوبة). [معاني القرآن: 3/202]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {أو يأخذهم على تخوف} قال الضحاك آخذ طائفة وادع طائفة فتخاف الطائفة الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس أو يأخذهم على تخوف قال على تنقص وتفزع وروى ابن جريج عن ابن كثير عن مجاهد قال تنقصا قال أبو جعفر وهذا القول هو المعروف عند أهل اللغة يقال أخذهم على خوف وعلى تخوف إذا تنقصهم كما قال ابن عباس ومجاهد
ومعنى التنقص أن ينقصهم في أموالهم وفي زروعهم وفي خيرهم شيئا بعد شيء حتى يهلكهم وقال الليث على تخوف سمعت أنه على عجل وقول الضحاك على تخوف أي يأخذ هذه القرية ويدع هذه عندها أي فتخاف).
[معاني القرآن: 4/70-69]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {على تخوف} أي: على تنقص من الأموال والأنفس والثمرات، حتى أهلكهم كلهم). [ياقوتة الصراط: 294]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {على تخوف} أي تنقص، ومثله التخون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 130]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَخَوُّفٍ}: تنقّص وهلاك معه هلاك). [العمدة في غريب القرآن: 177]
تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أولم يروا إلى ما خلق اللّه من شيءٍ يتفيّأ ظلاله} ، يعني: ظلّ كلّ شيءٍ، من الفيء.
{عن اليمين والشّمائل} والفيء: الظّلّ.
قال الحسن: ربّما كان الفيء عن اليمين، وربّما كان عن الشّمال.
وقال الكلبيّ: وهذا يكون قبل طلوع الشّمس وبعد غروبها، فعند ذلك يكون الظّلّ عن اليمين والشّمال، ولا يكون ذلك في ساعةٍ إلا قبل طلوع الشّمس وبعد غروبها.
سعيدٌ عن قتادة، قال: {عن اليمين والشّمائل} أمّا اليمين فأوّل النّهار، وأمّا الشّمائل فآخر النّهار.
قوله: {سجّدًا للّه} فظلّ كلّ شيءٍ سجوده.
{وهم داخرون} قال قتادة: وهم صاغرون.
فسجد ظلّ الكافر كرهًا، يسجد ظلّه والكافر كارهٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/67]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يتفيّأ ظلاله...}
الظّلّ يرجع على كلّ شيء من جوانبه، فذلك تفيّؤه. ثم فسّر فقال: {عن اليمين والشّمائل} فوحّد اليمين وجمع الشمائل. وكل ذلك جائز في العربيّة.
قال الشاعر:
بفي الشامتين الصخر إن كان هدّني = رزيّة شبلي مخدر في الضراغم
ولم يقل: بأفواه الشامتين.
وقال الآخر:
الواردون وثيم في ذرا سبأ = قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس
وقال الآخر:
فباست بني عبس وأستاه طيّء = وباست بني دودان حاشا بني نصر
فجمع ووحّد.
وقال الآخر:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا = فإنّ زمانكم زمنٌ خميص
فجاء التوحيد لأن أكثر الكلام يواجه به الواحد، فيقال: خذ عن يمينك وعن شمالك لأن المكلّم واحد والمتكلّم كذلك، فكأنه إذا وحّد ذهب إلى واحد من القوم، وإذا جمع فهو الذي لا مسألة فيه.
وكذلك قوله:
بني عقيل ماذه الخنافق = المال هدىٌ والنساء طالق
* وجبل يأوي إليه السارق *
فقال: طالق لأن أكثر ما يجرى الاستحلاف بين الخصم والخصم، فجرى في الجمع على كثرة المجرى في الأصل. ومثله (بفي الشامتين) وأشباهه). [معاني القرآن: 2/103-102]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وهم داخرون} أي صاغرون، يقال: فلان دخر لله، أي ذل وخضع). [مجاز القرآن: 1/360]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أولم يروا إلى ما خلق اللّه من شيءٍ يتفيّؤا ظلاله عن اليمين والشّمائل سجّداً للّه وهم داخرون}
وإذا وقفت على {يتفيّؤا} قلت "يتفيّأ" كما تقول بالعين "تتفّيع" جزما وإن شئت أشممتها الرفع ورمته كما تفعل ذلك في "هذا حجر".
وقال: {عن اليمين والشّمائل سجّداً للّه وهم داخرون} فذكروهم غير الإنس لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا ما يعقل وجعل اليمين للجماعة مثل {ويولّون الدّبر} ). [معاني القرآن: 2/65]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عبد الرحمن وأصحاب عبد الله والأعمش ويحيى بن وثاب {أو لم تروا إلى ما خلق الله} بالتاء.
الحسن وأهل المدينة وأبو عمرو {أو لم يروا} بالياء.
الحسن والأعرج {يتفيأ ظلاله} فاء يفيء فيئًا؛ أي رجع.
أبو عمرو {تتفيأ ظلاله} بالتاء؛ وقد فسر في سورة البقرة). [معاني القرآن لقطرب: 807]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله فيه {يتفيأ ظلاله} فهو التنفل والتقلب من الظل بالغداة والعشي؛ قال أبو علي هو عندنا من: فاء يفيء فيئًا.
وقوله عز وجل {داخرون} الفعل: دخر الرجل يدخر دخورًا؛ وهو الصاغر.
وقال ذو الرمة:
فلم يبق إلا داخر في مخيس = ومنجحر في غير أرضك في جحر). [معاني القرآن لقطرب: 812]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {داخرون}: صاغرون. دخر لله يدخر أي خضع). [غريب القرآن وتفسيره: 207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يتفيّؤا ظلاله عن اليمين والشّمائل} أي تدور ظلاله وترجع من جانب إلى جانب. والفيء: الرجوع.
ومنه قيل للظل بالعشي: فيء، لأنه فاء عن المغرب إلى المشرق.
{سجّداً للّه} أي مستسلمة منقادة. وقد بينت هذا في كتاب «المشكل» {وهم داخرون} أي صاغرون. يقال: دخر اللّه). [تفسير غريب القرآن: 243]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أولم يروا إلى ما خلق اللّه من شيء يتفيّأ ظلاله عن اليمين والشّمائل سجّدا للّه وهم داخرون}
وتقرأ تتفيأ ظلاله.
{سجّدا} منصوب على الحال.
{وهم داخرون}.
ومعنى {داخرون} صاغرون، وهذه الآية فيها نظر، وتأويلها – واللّه أعلم - أن كل ما خلق اللّه من جسم وعظم ولحم ونجم وشجر خاضع لله ساجد، والكافر إن كفر بقلبه ولسانه وقصده فنفس جسمه وعظمه ولحمه وجميع الشجر والحيوان خاضعة للّه ساجدة.
والدليل على ذلك قوله: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّماوات ومن في الأرض والشّمس والقمر والنّجوم والجبال والشّجر والدّوابّ وكثير من النّاس وكثير حقّ عليه العذاب}.
روي عن ابن عباس أنه قال: الكافر يسجد لغير الله، وظلّه يسجد للّه.
وتأويل الظلّ تأويل الجسم الذي عنه الظل.
وقوله: {وهم داخرون} أي هذه الأشياء مجبولة على الطاعة). [معاني القرآن: 3/202]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله} قال قتادة الفيء الظل وقال غيره التفيؤ رجوعه من موضع إلى موضع خاضعا منقادا وكذلك معنى السجود وقال قتادة عن اليمين بالغداة وقوله: {والشمائل} بالعشي). [معاني القرآن: 4/70]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال الله جل وعز: {وهم داخرون} قال قتادة أي صاغرون). [معاني القرآن: 4/70]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يتفيأ} أي يدور ويرجع من جانب إلى جانب والفيء: الرجوع، وهو اسم الظل من الزوال إلى الليل.
{وهم داخرون} أي صاغرون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 130]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {دَاخِرونَ}: صاغرون). [العمدة في غريب القرآن: 177]
تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وللّه يسجد ما في السّموات} الملائكة.
{وما في الأرض من دابّةٍ والملائكة وهم لا يستكبرون} عن عبادة اللّه يعني الملائكة). [تفسير القرآن العظيم: 1/68]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وللّه يسجد ما في السّماوات وما في الأرض من دآبّةٍ...}
فقال: (من دابة) لأن (ما) وإن كانت قد تكون على مذهب (الذي) فإنها غير مؤقّتة، وإذا أبهمت غير موقّتة أشبهت الجزاء. والجزاء تدخل (من) فيما جاء من اسم بعده من النكرة. فيقال: من ضربه من رجل فاضربوه.
ولا تسقط من في هذا الموضع. وهو كثير في كتاب الله عزّ وجلّ. قال الله تبارك وتعالى: {ما أصابك من حسنةٍ فمن الله} وقال {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثي وهو مؤمنٌ} وقال {أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء}
ولم يقل في شيء منه بطرح (من) كراهية أن تشبه أن تكون حالا لمن وما، فجعلوه بمن ليدلّ على أنه تفسير لما ومن لأنهما غير مؤقّتتين، فكان دخول (من) فيما بعدهما تفسيراً لمعناهما، وكان دخول (من) أدلّ على ما لم يوقّت من من وما، فلذلك لم تلقيا.
ومثله قول الشاعر:
حاز لك الله ما آتاك من حسنٍ = وحيثما يقض أمراً صالحاً تكن
وقال آخر.
عمرا حييت ومن يشناك من أحد = يلق الهوان ويلق الذلّ والغيرا
فدلّ مجيء أحدها هنا على أنه لم يرد أن يكون ما جاء من النكرات حالا للأسماء التي قبلها، ودلّ على أنه مترجم عن معنى من وما. وممّا يدلّ أيضاً قول الله عزّ وجلّ: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} لأن الشيء لا يكون حالاً، ولكنه اسم مترجم. وإنما ذكرت هذا لأن العرب تقول: لله درّه من رجل، ثم يلقون (من) فيقولون لله درّه. رجلاً. فالرجل مترجم (لما قبله) وليس بحال، إنّما الحال التي تنتقل؛ مثل القيام والقعود، ولم ترد لله درّه في حال رجوليّته فقط، ولو أردت ذلك لم تمدحه كلّ المدح؛ لأنك إذا قلت: لله درّك قائماً، فإنما تمدحه في القيام وحده.
فإن قلت: فكيف جاز سقوط من في هذا الموضع؟ قلت من قبل أن الذي قبله مؤقت فلم أبل أن يخرج بطرح من كالحال، وكان في الجزاء غير موقت فكرهوا أن تفسّر حال عن اسم غير موقّت فألزموها من. فإن قلت: قد قالت العرب: ما أتاني من أحدٍ وما أتاني أحد فاستجازوا إلقاء من. قلت: جاز ذلك إذ لم يكن قبل أحد وما أتى مثله شيء يكون الأحد له حالا فلذلك قالوا: ما جاءني من رجل وما جاءني رجل). [معاني القرآن: 2/104-103]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وللّه يسجد ما في السّماوات وما في الأرض من دآبّةٍ والملائكة وهم لا يستكبرون}
وقال: {وللّه يسجد ما في السّماوات وما في الأرض من دآبّةٍ} يريد: من الدواب واجتزأ بالواحد كما تقول: "ما أتاني من رجلٍ" أي: ما أتاني من الرجال مثله). [معاني القرآن: 2/65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وللّه يسجد ما في السّماوات وما في الأرض من دابّة والملائكة وهم لا يستكبرون}
المعنى ولله يسجد ما في السّماوات من الملائكة وما في الأرض من دابة والملائكة، أي وتسجد ملائكة الأرض، والدليل على أن الملائكة في الأرض
أيضا قوله تعالي: {ما يلفظ من قول إلّا لديه رقيب عتيد}.
وقوله: {له معقّبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه}.
وقوله: {وإنّ عليكم لحافظين *كراما} ). [معاني القرآن: 3/203-202]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة} قيل المعنى ولله يسجد ما في السموات من الملائكة وما في الأرض من دابة والملائكة
أي والملائكة الذين في الأرض والله أعلم بما أراد وقال الضحاك كل شيء فيه روح دابة يسجد لله عز وجل). [معاني القرآن: 4/71]
تفسير قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وهم لا يستكبرون * يخافون ربّهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون }أي يخافون ربهم خوف مخلدين معظمين.
{ويفعلون ما يؤمرون} وصفهم بالطاعة وأنهم لا يجاوزون أمرا له ولا يتقدمونه). [معاني القرآن: 3/203]