تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره إن أنتم إلاّ مفترون}.
يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى قوم عادٍ أخاهم هودًا، فقال لهم: يا قوم اعبدوا اللّه وحده لا شريك له دون ما تعبدون من دونه من الآلهة والأوثان. {ما لكم من إلهٍ غيره} يقول: ليس لكم معبودٌ يستحقّ العبادة عليكم غيره، فأخلصوا له العبادة، وأفردوه بالألوهة {إنّ أنتم إلاّ مفترون} يقول: ما أنتم في إشراككم معه الآلهة والأوثان إلاّ أهل فريةٍ مكذّبون، تختلقون الباطل، لأنّه لا إله سواه). [جامع البيان: 12/442]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره إن أنتم إلّا مفترون (50) يا قوم لا أسألكم عليه أجرًا إن أجري إلّا على الّذي فطرني أفلا تعقلون (51)
قوله تعالى: وإلى عادٍ أخاهم هودًا
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال: يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره: إنّ عادًا كانوا باليمن والأحقاف هي الرّمال فأتاهم فوعظهم وذكّرهم بما قصّ اللّه في القرآن فكذّبوه وكفروا وسألوه أن يأتيهم بالعذاب.
قوله تعالى: قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة حدّثني سلمة حدّثني محمّد بن إسحاق، وكان من حديث عاد فيها بلغني واللّه أعلم أنّهم كانوا قومًا عربًا فبعث اللّه إليهم هوداً وهو من أوسطهم نسبًا وأفضلهم موضعًا فأمرهم أن يوحّدوا اللّه عزّ وجلّ.
تفسير قوله تعالى: (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا قوم لا أسألكم عليه أجرًا إن أجري إلاّ على الّذي فطرني أفلا تعقلون}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هودٍ لقومه: يا قوم لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من إخلاص العبادة للّه، وخلع الأوثان، والبراءة منها جزاءً وثوابًا {إن أجري إلاّ على الّذي فطرني} يقول: إن ثوابي وجزائي على نصيحتي لكم، ودعائكم إلى اللّه، إلاّ على الّذي خلقني {أفلا تعقلون} يقول: أفلا تعقلون أنّي لو كنت أبتغي بدعايتكم إلى اللّه غير النّصيحة لكم وطلب الحظّ لكم في الدّنيا والآخرة للتمست منكم على ذلك بعض أعراض الدّنيا، وطلبت منكم الأجر والثّواب؟.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن أجري إلاّ على الّذي فطرني} أي خلقني). [جامع البيان: 12/443]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: يا قوم لا أسئلكم عليه أجرًا
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، ثنا بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: لا أسئلكم عليه أجرًا قال: لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرًا يقول عرضًا من عرض الدّنيا.
- وأخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، ثنا ابن وهبٍ أخبرني سعيد بن أبي أيّوب، عن عطاء بن دينارٍ في قول اللّه: لا أسئلكم على ما جئتكم به أجرًا.
قوله تعالى: إن أجري إلا على الّذي فطرني
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الجماهر ثنا سعيد، بن بشيرٍ، عن قتادة، إن أجري إلا على الّذي فطرني أي خلقني). [تفسير القرآن العظيم: 6/2044]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 50 - 60.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه {إلا على الذي فطرني} أي خلقني). [الدر المنثور: 8/84]
تفسير قوله تعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويا قوم استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يرسل السّماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوّةً إلى قوّتكم ولا تتولّوا مجرمين}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هودٍ لقومه: {ويا قوم استغفروا ربّكم} يقول: آمنوا به حتّى يغفر لكم ذنوبكم.
والاستغفار: هو الإيمان باللّه في هذا الموضع، لأنّ هودًا صلّى اللّه عليه وسلّم، إنّما دعا قومه إلى توحيد اللّه ليغفر لهم ذنوبهم، كما قال نوحٌ لقومه: {اعبدوا اللّه واتّقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخّركم إلى أجلٍ مسمًّى} وقوله: {ثمّ توبوا إليه} يقول: ثمّ توبوا إلى اللّه من سالف ذنوبكم وعبادتكم غيره بعد الإيمان به {يرسل السّماء عليكم مدرارًا} يقول: فإنّكم إن آمنتم باللّه، وتبتم من كفركم به، أرسل قطر السّماء عليكم يدرّ لكم الغيث في وقت حاجتكم إليه، وتحيا بلادكم من الجدب والقحط.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {مدرارًا} يقول: يتبع بعضها بعضًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {يرسل السّماء عليكم مدرارًا} قال: يدرّ ذلك عليهم قطرًا ومطرًا.
وأمّا قوله: {ويزدكم قوّةً إلى قوّتكم} فإنّ مجاهدًا كان يقول في ذلك ما:
- حدّثني به، محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ويزدكم قوّةً إلى قوّتكم} قال: شدّةً إلى شدّتكم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ وإسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين: قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ، فذكر مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ويزدكم قوّةً إلى قوّتكم} قال: جعل لهم قوّةً، فلو أنّهم أطاعوه، زادهم قوّةً إلى قوّتهم. وذكر لنا أنّه إنّما قيل لهم: {ويزدكم قوّةً إلى قوّتكم} قال: إنّه قد كان انقطع النّسل عنهم سنين، فقال هودٌ لهم: إن آمنتم باللّه أحيا اللّه بلادكم ورزقكم المال والولد، لأنّ ذلك من القوّة.
وقوله: {ولا تتولّوا مجرمين} يقول: ولا تدبروا عمّا أدعوكم إليه من توحيد اللّه، والبراءة من الأوثان والأصنام مجرمين، يعني كافرين باللّه). [جامع البيان: 12/443-445]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ويا قوم استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يرسل السّماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوّةً إلى قوّتكم ولا تتولّوا مجرمين (52)
قوله تعالى: ويا قوم استغفروا ربّكم
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا سفيان بن عيينة، عن مطرّفٍ، عن الشّعبيّ قال: خرج عمر بن الخطاب يستغفر فما زاد على الاستغفار حتّى رجع قالوا: ما رأيناك استسقيت قال: لقد طلبت المطر بمجاديح السّماء الّتي يستنزل بها المطر ثمّ قرأ: ويا قوم استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يرسل السّماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوّةً إلى قوّتكم.
قوله تعالى: يرسل السّماء عليكم مدرارًا
- حدّثنا سليمان بن داود القزّاز، ثنا إسحاق، بن سليمان قال: سمعت أبا عيشٍ، عن هارون التّيميّ في قوله: يرسل السّماء عليكم مدرارًا قال: المطر.
قوله تعالى: مدرارًا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: مدرارًا قال يتبع بعضه بعضًا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن يزيد بن أسلم يقول في قول اللّه: يرسل السّماء عليكم مدرارًا قال: يدرّ ذلك عليهم مطرًا مطرًا.
قوله تعالى: ويزدكم قوّةً إلى قوّتكم الآية
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: ويزدكم قوّةً إلى قوّتكم قال: شدّةٌ إلى شدّتكم.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: ويزدكم قوّةً إلى قوّتكم قال جعل لهم قوّةً فلو أنّهم أطاعوه زادهم قوّةً إلى قوّتهم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن الجعفيّ، أخي حسينٍ الجعفيّ، ثنا طلق بن غنّامٍ، عن قيس بن الرّبيع، عن خصيفٍ، عن عكرمة، في قوله: إلى قوّتكم قال: ولد الولد). [تفسير القرآن العظيم: 6/2045]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ويزدكم قوة إلى قوتكم قال شدة على شدتكم). [تفسير مجاهد: 2/305]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن الضحاك رضي الله عنه قال: أمسك عن عاد القطر ثلاث سنين فقال لهم هود {استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا} فأبوا إلا تماديا). [الدر المنثور: 8/84]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد في الطبقات وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر وأبن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في "سننه" عن الشعبي رضي الله عنه قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى يرجع، فقيل له: ما رأيناك استسقيت قال: لقد طلبت المطر بمخاديج السماء التي يستنزل بها المطر ثم قرأ {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا} و(استغفروا ربكم إنه كان غفارا) (يرسل السماء عليكم مدرارا) (سورة نوح الآية 10 - 11) ). [الدر المنثور: 8/84]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن هرون التيمي في قوله {يرسل السماء عليكم مدرارا} قال: يدر ذلك عليهم مطرا ومطرا). [الدر المنثور: 8/85]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ويزدكم قوة إلى قوتكم} قال: ولد الولد). [الدر المنثور: 8/85]
تفسير قوله تعالى: (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا يا هود ما جئتنا ببيّنةٍ وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين}.
يقول تعالى ذكره: قال قوم هودٍ لهودٍ: يا هود ما أتيتنا ببيانٍ، ولا برهانٍ على ما تقول، فنسلّم لك، ونقرّ بأنّك صادقٌ فيما تدعونا إليه من توحيد اللّه والإقرار بنبوّتك. {وما نحن بتاركي آلهتنا} يقول: وما نحن بتاركي آلهتنا يعني لقولك: أو من أجل قولك {وما نحن لك بمؤمنين} يقول: قالوا: وما نحن لك بما تدّعي من النّبوّة والرّسالة من اللّه إلينا بمصدّقين). [جامع البيان: 12/445-446]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قالوا يا هود ما جئتنا ببيّنةٍ وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين (53) إن نقول إلّا اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ قال إنّي أشهد اللّه واشهدوا أنّي بريءٌ ممّا تشركون (54) من دونه فكيدوني جميعًا ثمّ لا تنظرون (55)
قوله تعالى: قالوا يا هود ما جئتنا ببيّنةٍ وما نحن بتاركي آلهتنا، عن قولك وما نحن لك بمؤمنين.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد، بن جبيرٍ قوله: بمؤمنين قال: بمصدّقين). [تفسير القرآن العظيم: 6/2046]
تفسير قوله تعالى: (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى إن تقول إلا اعترك بعض آلهتنا بسوء قال ما يحملك على ذم آلهتنا إلا أنه قد أصابك منها سوء). [تفسير عبد الرزاق: 1/304]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة قال ذكر لنا أن الغراب بعث لينظر إلى الأرض فرأى جيفة فوقع عليها فبعثت الحمامة فجاءت بورق الزيتون فأعطيت الطوق الذي في عنقها وخضاب رجليها). [تفسير عبد الرزاق: 1/304]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} قال: أصابك بعض آلهتنا بجنونٍ [الآية: 54]). [تفسير الثوري: 131]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({اعتراك} [هود: 54] : «افتعلك، من عروته أي أصبته، ومنه يعروه واعتراني»). [صحيح البخاري: 6/73]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله اعترك افتعلك من عروبة أي أصبته ومنه يعروه واعتراني هو كلام أبي عبيدة وقد تقدّم شرحه في فرض الخمس وثبت هنا للكشميهنيّ وحده ووقع في بعض النّسخ اعتراك افتعلت بمثنّاةٍ في آخره وهو كذلك عند أبي عبيدة واعترى افتعل من عراه يعروه إذا أصابه وقوله إن نقول إلّا اعتراك ما بعد إلّا مفعولٌ بالقول قبله ولا يحتاج إلى تقدير محذوفٍ كما قدّره بعضهم أي ما نقول إلّا هذا اللّفظ فالجملة محكيّةٌ نحو ما قلت إلّا زيدٌ قائمٌ). [فتح الباري: 8/353-354]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (اعتراك افتعلك من عروته أي أصبته ومنه يعروه واعتراني) أشار به إلى قوله تعالى أن نقول إلّا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ولم يثبت هذا هنا إلّا في رواية الكشميهني وحده قوله " اعتراك افتعلك " أراد به أنه من باب الافتعال ولكن قوله اعتراك افتعلك بكاف الخطاب ليس باصطلاح أحد من أهل العلوم الآلية وقال بعضهم وإنّما يقال اعتراك افتعلت بتاء مثناة من فوق وهو كذلك عند أبي عبيدة قلت كذا وقع في بعض النّسخ والصّواب أن يقال اعترى افتعل فلا يحتاج إلى ذكر كاف الخطاب في الوزن قوله " من عروته " إشارة إلى أن أصله من عرا يعرو عروا وفي الصّحاح عروت الرجل أعروه عروا إذا ألممت به وأتيته طالبا فهو معرو وفلان تعروه الأضياف وتعتريه أي تغشاه قوله ومنه يعروه واعتراني أي ومن هذا الأصل قولهم فلان يعروه أي يصيبه وقال الجوهري أعراني هذا الأمر واعتراني تغشاني وفيه معنى الإصابة). [عمدة القاري: 18/294]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({اعتراك}) [هود: 54] من باب (افتعلت) وفي رواية عن الكشميهني أيضًا افتعلك بكاف الخطاب من باب الافتعال. قال العيني: والصواب أن يقال اعترى افتعل فلا يحتاج لكاف الخطاب في الوزن (من عروته أي أصبته). قال الجوهري: عروت الرجل أعروه عروًا إذا ألممت به وأتيته طالبًا فهو معروّ وفلان تعروه الأضياف وتعتر به أي تغشاه (ومنه) أي ومن هذا الأصل قولهم فلان (يعروه) أي يصيبه (واعتراني) أي تغشاني). [إرشاد الساري: 7/169]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن نقول إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ قال إنّي أشهد اللّه واشهدوا أنّي بريءٌ ممّا تشركون (54) من دونه فكيدوني جميعًا ثمّ لا تنظرون}.
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره، عن قول قوم هودٍ أنّهم قالوا له، إذ نصح لهم ودعاهم إلى توحيد اللّه وتصديقه، وخلع الأوثان، والبراءة منها: لا نترك عبادة آلهتنا، وما نقول إلاّ أنّ الّذي حملك على ذمّها والنّهي عن عبادتها أنّه أصابك منها خبلٌ من جنونٍ فقال هودٌ لهم: إنّي أشهد اللّه على نفسي وأشهدكم أيضًا أيّها القوم أنّي بريءٌ ممّا تشركون في عبادة اللّه من آلهتكم وأوثانكم من دونه، {فكيدوني جميعًا} يقول: فاحتالوا أنتم جميعًا وآلهتكم في ضرّي ومكروهي، {ثمّ لا تنظرون} يقول: ثمّ لا تؤخّرون ذلك، فانظروا هل تنالونني أنتم وهم بما زعمتم أنّ آلهتكم نالتني به من السّوء.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} قال: أصابتك الأوثان بجنونٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} قال: أصابك الأوثان بجنونٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا ابن دكينٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن عيسى، عن مجاهدٍ: {إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} قال: سببت آلهتنا وعبتها فأجنّتك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} أصابك بعض آلهتنا بسوءٍ؛ يعنون الأوثان.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إن نقول إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} قال: تصيبك آلهتنا بالجنون.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} قال: ما يحملك على ذمّ آلهتنا، إلاّ أنّه أصابك منها سوءٌ.
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إن نقول إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} قال: أصابك الأوثان بجنونً.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن نقول إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} قال: إنّما تصنع هذا بآلهتنا أنّها أصابتك بسوءٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عبد اللّه بن كثيرٍ: أصابتك آلهتنا بشرٍّ.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {إن نقول إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} يقولون: نخشى أن يصيبك من آلهتنا سوءٌ، ولا نحبّ أن تعتريك، يقولون: يصيبك منها سوءٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {إن نقول إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} يقولون: اختلط عقلك فأصابك هذا ممّا صنعت بك آلهتنا.
وقوله: {اعتراك} افتعل، من عراني الشّيء يعروني: إذا أصابك، كما قال الشّاعر:
من القوم يعروه اجتراءٌ ومأثم). [جامع البيان: 12/446-449]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: اعتراك بعض آلهتنا بسوء أصابوك الأوثان بجنونٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد، بن أبي عروبة، عن قتادة، قوله: إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ قالوا: إنّما تصنع هذا من أجل أنّ بعض آلهتنا أصابك بسوءٍ.
قوله تعالى: قال إنّي أشهد اللّه واشهدوا أنّي بريءٌ ممّا تشركون (54) من دونه
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، قال إنّي أشهد اللّه واشهدوا أنّي بريءٌ مما تشركون من دونه أي إنّي قد كفّرت بآلهتكم الّتي تزعمون أنّها أصابتني بالجنون فلتصبني بما هو أعظم من ذلك إنّي قد كفّرت بها). [تفسير القرآن العظيم: 6/2046]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال أصابتك الأوثان بجنون). [تفسير مجاهد: 2/305]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} قال: أصابتك بالجنون). [الدر المنثور: 8/85]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه {اعتراك بعض آلهتنا بسوء} قال: أصابتك الأوثان بجنون). [الدر المنثور: 8/85]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: ما يحملك على ذم آلهتنا إلا أنه قد أصابك منها سوء). [الدر المنثور: 8/85]
تفسير قوله تعالى: (مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن نقول إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ قال إنّي أشهد اللّه واشهدوا أنّي بريءٌ ممّا تشركون (54) من دونه فكيدوني جميعًا ثمّ لا تنظرون}.
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره، عن قول قوم هودٍ أنّهم قالوا له، إذ نصح لهم ودعاهم إلى توحيد اللّه وتصديقه، وخلع الأوثان، والبراءة منها: لا نترك عبادة آلهتنا، وما نقول إلاّ أنّ الّذي حملك على ذمّها والنّهي عن عبادتها أنّه أصابك منها خبلٌ من جنونٍ فقال هودٌ لهم: إنّي أشهد اللّه على نفسي وأشهدكم أيضًا أيّها القوم أنّي بريءٌ ممّا تشركون في عبادة اللّه من آلهتكم وأوثانكم من دونه، {فكيدوني جميعًا} يقول: فاحتالوا أنتم جميعًا وآلهتكم في ضرّي ومكروهي، {ثمّ لا تنظرون} يقول: ثمّ لا تؤخّرون ذلك، فانظروا هل تنالونني أنتم وهم بما زعمتم أنّ آلهتكم نالتني به من السّوء). [جامع البيان: 12/446]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قال إنّي أشهد اللّه واشهدوا أنّي بريءٌ ممّا تشركون (54) من دونه
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، قال إنّي أشهد اللّه واشهدوا أنّي بريءٌ مما تشركون من دونه أي إنّي قد كفّرت بآلهتكم الّتي تزعمون أنّها أصابتني بالجنون فلتصبني بما هو أعظم من ذلك إنّي قد كفّرت بها). [تفسير القرآن العظيم: 6/2046] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فكيدوني جميعًا ثمّ لا تنظرون
- حدّثنا أبي ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيمٌ، ثنا أيّوب بن حسّان أبو حسّان الجرسيّ، عن محمّد بن مهاجرٍ قال: كان عمر جالسًا وهو يشقّ عليه الجلوس فكان متّكئًا وعنده يومئذٍ سعيد، بن خالدٍ، وعنبسة بن سعيدٍ، وأناسٌ من بني عمّه فقال: يا بني عمّ أسألكم صنع أما لكم كذا قالوا بلى قال سعيد، بن خالدٍ، وكانت فيه أعرابيّةٌ واللّه إنّك لتريد أمرًا لا تناله حتّى تنال السّماء قال: فاستوى قاعدًا ثمّ قال: فكيدوني جميعًا ثمّ لا تنظرون قال: فقال عنبسة بن سعيدٍ، يا أمير المؤمنين أما لنا قرابةٌ أما لنا حقٌّ قال: بلى ولكنّي واللّه ما لكم فيه إلا كالرّجل في حضرموت راعي غنمٍ قال: فلمّا سمعوها افترقوا ولحقوا بمنازلهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قوله: فكيدوني جميعًا أي فكيدوني أنتم ومن معكم جميعًا). [تفسير القرآن العظيم: 6/2046-2047]
تفسير قوله تعالى: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({آخذٌ بناصيتها} [هود: 56] : «أي في ملكه وسلطانه»). [صحيح البخاري: 6/73]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله آخذٌ بناصيتها في ملكه وسلطانه هو كلام أبي عبيدة أيضًا وقد تقدّم في بدء الخلق وثبت هنا للكشميهنيّ وحده). [فتح الباري: 8/354]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (آخذ بناصيتها أي في ملكه وسلطانه) أشار به إلى قوله تعالى {ما من دابّة إلّا هو آخذ بناصيتها إن ربّي على صراط مستقيم} وتفسيره بقوله أي في ملكه وسلطانه تفسير بالمعنى الغائي لأن من أخذ بناصيته يكون تحت قهر الآخذ وحكمه وهذا التّفسير بمفسره لم يثبت إلّا في رواية الكشميهني وحده). [عمدة القاري: 18/294]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({آخذ بناصيتها}) [هود: 56] (أي في ملكه) بضم الميم في الفرع وفي اليونينية بكسرها (وسلطانه) فهو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها وهذا كله من قوله اعتراك إلى هنا ثابت في رواية الكشميهني فقط). [إرشاد الساري: 7/169]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّي توكّلت على اللّه ربّي وربّكم ما من دابّةٍ إلاّ هو آخذٌ بناصيتها إنّ ربّي على صراطٍ مّستقيمٍ}.
يقول: إنّي على اللّه الّذي هو مالكي ومالككم والقيّم على جميع خلقه {توكلت} من أن تصيبوني أنتم وغيركم من الخلق بسوءٍ، فإنّه ليس من شيءٍ يدبّ على الأرض إلاّ واللّه مالكه وهو في قبضته وسلطانه ذليلٌ له خاضعٌ.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: هو آخذٌ بناصيتها، فخصّ بالأخذ النّاصية دون سائر أماكن الجسد؟
قيل: لأنّ العرب كانت تستعمل ذلك في وصفها من وصفته بالذّلّة والخضوع، فتقول: ما ناصية فلانٌ إلاّ بيد فلانٍ، أي أنّه له مطيعٌ يصرّفه كيف شاء؛ وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا إطلاقه والمنّ عليه جزّوا ناصيته ليعتدّوا بذلك عليه فخرًا عند المفاخرة. فخاطبهم اللّه بما يعرفون في كلامهم، والمعنى ما ذكرت.
وقوله: {إنّ ربّي على صراطٍ مستقيمٍ} يقول: إنّ ربّي على طريقٍ الحقّ، يجازي المحسن من خلقه بإحسانه والمسيء بإساءته، لا يظلم أحدًا منهم شيئًا، ولا يقبل منهم إلاّ الإسلام والإيمان به.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إنّ ربّي على صراطٍ مستقيمٍ} الحقّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله). [جامع البيان: 12/449-450]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّي توكّلت على اللّه ربّي وربّكم ما من دابّةٍ إلّا هو آخذٌ بناصيتها إنّ ربّي على صراطٍ مستقيمٍ (56) فإن تولّوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربّي قومًا غيركم ولا تضرّونه شيئًا إنّ ربّي على كلّ شيءٍ حفيظٌ (57) ولمّا جاء أمرنا نجّينا هودًا والّذين آمنوا معه برحمةٍ منّا ونجّيناهم من عذابٍ غليظٍ (58) وتلك عادٌ جحدوا بآيات ربّهم وعصوا رسله واتّبعوا أمر كلّ جبّارٍ عنيدٍ (59)
قوله تعالى: ما من دابّةٍ إلا هو آخذٌ بناصيتها
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صفوان بن صالحٍ المؤذّن، ثنا الوليد بن مسلمٍ، عن صفوان بن عمرٍو، عن يفع بن عبد الكلاعيّ أنّه قال في قوله: ما من دابّةٍ إلا هو آخذٌ بناصيتها إنّ ربّي على صراطٍ مستقيمٍ قال: فيأخذ بنواصي عباده فيلين للمؤمن حتّى يكون لهم ألين من الوالد بولده، ويقال للكافر: ما غرك بربك الكريم.
قوله تعالى: صراط مستقيم
قد تقدّم تفسير الصّراط المستقيم غير مرّةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 6/2047]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم ثنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إن ربي على صراط مستقيم يعني على الحق). [تفسير مجاهد: 2/305]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن سعيد قال: ما من أحد يخاف لصا عاديا أو سبعا ضاريا أو شيطانا ماردا فيتلو هذه الآية {إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم} إلا صرفه الله عنه). [الدر المنثور: 8/85-86]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه {إن ربي على صراط مستقيم} قال: الحق). [الدر المنثور: 8/86]
تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن تولّوا فقد أبلغتكم مّا أرسلت به إليكم ويستخلف ربّي قومًا غيركم ولا تضرّونه شيئًا إنّ ربّي على كلّ شيءٍ حفيظٌ}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هودٍ لقومه: {فإن تولّوا} يقول: فإن أدبروا معرضين عمّا أدعوهم إليه من توحيد اللّه، وترك عبادة الأوثان {فقد أبلغتكم} أيّها القوم {ما أرسلت به إليكم} وما على الرّسول إلاّ البلاغ {ويستخلف ربّي قومًا غيركم} يهلككم ربّي، ثمّ يستبدل ربّي منكم قومًا غيركم يوحّدونه ويخلصون له العبادة {ولا تضرّونه شيئًا} يقول: ولا تقدرون له على ضرٍّ إذا أراد إهلاككم أو أهلككم.
وقد قيل: لا يضرّه هلاككم إذا أهلككم لا تنقصونه شيئًا، لأنّه سواءٌ عنده كنتم أو لم تكونوا {إنّ ربّي على كلّ شيءٍ حفيظٌ} يقول: إنّ ربّي على جميع خلقه ذو حفظٍ وعلمٍ، يقول: هو الّذي يحفظني من أن تنالوني بسوءٍ). [جامع البيان: 12/450-451]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فإن تولّوا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن طلحة، عن ابن عبّاسٍ فإن تولّوا يعني الكفّار.
قوله تعالى: ويستخلف ربّي الآية
- حدّثنا يحيى بن عبدكٍ القزوينيّ، ثنا سعيد، بن أيّوب، حدّثني بشير بن أبي عمرٍو الخولانيّ، عن الوليد بن قيسٍ، عن أبي سعيدٍ، الخدريّ قال: الخلف من بعد ستّين سنةً). [تفسير القرآن العظيم: 6/2047]