تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({استعمركم} [هود: 61] : «جعلكم عمّارًا، أعمرته الدّار فهي عمرى جعلتها له»). [صحيح البخاري: 6/73]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله استعمركم جعلكم عمّارًا أعمرته الدّار فهي عمرى سقط هذا لغير أبي ذرٍّ وقد تقدّم شرحه في كتاب الهبة). [فتح الباري: 8/351]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (استعمركم جعلكم عمارا أعمرته الدّار فهي عمرى جعلتها له) أشار إلى قوله تعالى {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه} الآية وفسره بقوله جعلكم عمارا وهكذا روى عن مجاهد قوله " أعمرته الدّار " إلى آخره مر في كتاب الهبة قوله " جعلتها له " أي هبة وهذا لم يثبت إلّا في رواية أبي ذر). [عمدة القاري: 18/291-292]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({استعمركم}) [هود: 61] (جعلكم عمارًا) يقال (يعمرته الدار فهي عمرى) أي (جعلتها له) ملكًا مدة عمره وهذا تفسير أبي عبيدة وقيل استعمركم فيها أقدركم على عمارتها وأمركم بها). [إرشاد الساري: 7/170]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثمّ توبوا إليه إنّ ربّي قريبٌ مّجيبٌ}.
يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا، فقال لهم: يا قوم اعبدوا اللّه وحده لا شريك له، وأخلصوا له العبادة دون ما سواه من الآلهة، فما لكم من إلهٍ غيره يستوجب عليكم العبادة، ولا تجوز الألوهة إلاّ له {هو أنشأكم من الأرض} يقول: هو ابتدأ خلقكم من الأرض. وإنّما قال ذلك لأنّه خلق آدم من الأرض، فخرج الخطاب لهم إذ كان ذلك فعله بمن هم منه {واستعمركم فيها} يقول: وجعلكم عمّارًا فيها، فكان المعنى فيه: أسكنكم فيها أيّام حياتكم، من قولهم: أعمر فلانٌ فلانًا داره، وهي له عمرى.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {واستعمركم فيها} قال: أعمركم فيها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {واستعمركم فيها} يقول: أعمركم.
وقوله: {فاستغفروه} يقول: اعملوا عملاً يكون سببًا لستر اللّه عليكم ذنوبكم، وذلك الإيمان به، وإخلاص العبادة له دون ما سواه واتّباع رسوله صالحٍ.
{ثمّ توبوا إليه} يقول: ثمّ اتركوا من الأعمال ما يكرهه ربّكم إلى ما يرضاه ويحبّه {إنّ ربّي قريبٌ مجيبٌ} يقول: إنّ ربّي قريبٌ ممّن أخلص له العبادة ورغب إليه في التّوبة، مجيبٌ له إذا دعاه). [جامع البيان: 12/452-454]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وإلى ثمود أخاهم صالحًا
- أخبرنا سلمة بن عليٍّ، عن سعيد، بن بشيرٍ، عن قتادة، أنّ صالحًا بعث من الحجر.
قوله تعالى: هو أنشأكم من الأرض
- حدّثنا عبد اللّه، ثنا الحسين، ثنا عبّاسٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، أنشأكم من الأرض يقول: خلقكم من الأرض.
قوله تعالى: واستعمركم فيها
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: واستعمركم فيها قال: أعمركم فيها.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم واستعمركم فيها قال: استخلفكم فيها.
قوله تعالى: فاستغفروه ثمّ توبوا إليه
تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 6/2048]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها يعني أعمركم فيها). [تفسير مجاهد: 2/305-306]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 61 - 68.
أخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه {هو أنشأكم من الأرض} قال: خلقكم من الأرض). [الدر المنثور: 8/87]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه {واستعمركم فيها} قال: أعمركم فيها). [الدر المنثور: 8/87]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه {واستعمركم فيها} قال: استخلفكم فيها). [الدر المنثور: 8/87]
تفسير قوله تعالى: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوًّا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإنّنا لفي شكٍّ ممّا تدعونا إليه مريبٍ}.
يقول تعالى ذكره: قالت ثمود لصالحٍ نبيّهم: {يا صالح قد كنت فينا مرجوًّا} أي كنّا نرجو أن تكون فينا سيّدًا {قبل هذا} القول الّذي قلته لنا من أنّه مالنا من إلهٍ غير اللّه {أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا} يقول: أتنهانا أن نعبد الآلهة الّتي كانت آباؤنا تعبد {وإنّنا لفي شكٍّ ممّا تدعونا إليه مريبٍ} يعنون أنّهم لا يعلمون صحّة ما يدعوهم إليه من توحيد اللّه، وأنّ الألوهة لا تكون إلاّ له خالصًا.
وقوله {مريبٍ} أي يوجب التّهمة من أربته فأنا أريبه إرابةً، إذا فعلت به فعلاً يوجب له الرّيبة، ومنه قول الهذليّ:
كنت إذا أتوته من غيب = يشمّ عطفي ويبزّ ثوبي
كأنّما أربته بريب). [جامع البيان: 12/454]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوًا قبل هذا
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد، بن أبي عروبة، عن قتادة، قوله: وإننا لفي شكٍّ ممّا تدعونا إليه مريبٍ وكذبوا واللّه ما في اللّه شكٌّ في من فطر السّماء والأرض وأنزل من السّماء ماء فأخرج به من الثّمرات رزقًا لكم وأظهر لكم من الآلاء والنّعم المتظاهرة ما لا يشكّ في اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 6/2048]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي وآتاني منه رحمةً فمن ينصرني من اللّه إن عصيته فما تزيدونني غير تخسيرٍ}.
يقول تعالى ذكره: قال صالحٌ لقومه من ثمود: {يا قوم أرأيتم إن كنت على} برهانٍ وبيانٍ من اللّه قد علمته وأيقنته {وآتاني منه رحمةً} يقول: وآتاني منه النّبوّة والحكمة والإسلام، {فمن ينصرني من اللّه إن عصيته} يقول: فمن الّذي يدفع عنّي عقابه إذا عاقبني إن أنا عصيته، فيخلّصني منه، فما تزيدونني بعذركم الّذي تعتذرون به من أنّكم تعبدون ما كان يعبد آباؤكم غير تخسيرٍ لكم يخسركم حظوظكم من رحمة اللّه.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فما تزيدونني غير تخسيرٍ} يقول: ما تزدادون أنتم إلاّ خسارًا). [جامع البيان: 12/455]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي وآتاني منه رحمةً فمن ينصرني من اللّه إن عصيته فما تزيدونني غير تخسيرٍ (63) ويا قوم هذه ناقة اللّه لكم آيةً فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابٌ قريبٌ (64) فعقروها فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّامٍ ذلك وعدٌ غير مكذوبٍ (65)
قوله تعالى: أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربي
تقدّم تفسيره.
قوله تعالى: وآتاني منه رحمةً فمن ينصرني من اللّه إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً، ثنا محمّد بن شعيب بن شابور حدّثني عثمان بن عطاءٍ، عن عطاء الخراسانيّ فما تزيدونني غير تخسيرٍ فقال: ما يزيدونني إلا شرًّا وخسرانًا تخسرونه). [تفسير القرآن العظيم: 6/2049]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد {فما تزيدونني غير تخسير} يقول: ما تزدادون أنتم إلا خسارا). [الدر المنثور: 8/87]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء الخراساني {فما تزيدونني غير تخسير} قال: ما تزيدونني بما تصنعون إلا شرا لكم وخسرانا تخسرونه). [الدر المنثور: 8/87-88]