تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني ابن لهيعة أن هذه الآية أنزلت في أبي لبابة بن المنذر: {يا أيها [الذين آمنوا لا] تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}، إن رسول [الله عليه السلام ........ ن] بعثه إلى بني قريظة، فلما جاءهم أشار إليهم بيده إلى حلقه إنه [ ........ المدينة]، أتى إلى المسجد فارتبط إلى سارية في المسجد لا يدخل [ ........ ] خمس عشرة ليلة حتى تاب الله عليه). [الجامع في علوم القرآن: 2/149]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (27) : قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا الله والرّسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي خالدٍ، قال: سمعت عبد اللّه بن أبي (قتادة)، يقول - في مسجد الكوفة -: نزلت هذه الآية: {لا تخونوا الله والرّسول} قال: سألوا أبا لبابة بن عبد المنذر بنو قريظة يوم قريظة: ما هذا الأمر ؟ فأشار إلى حلقه يقول: الذّبح، فنزلت هذه الآية. قال: قال سفيان: قال أبو لبابة: ما زالت قدماي حتّى علمت أنّي خنت اللّه ورسوله.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن الزّهري، عن ابن كعب بن مالكٍ، أنّ أبا لبابة بن عبد المنذر - أو كعب بن مالكٍ - قال: يا رسول اللّه، إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي، وأهجر داري الّتي أصبت فيها الذّنب، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((يجزئ عنك من ذلك الثّلث)) ). [سنن سعيد بن منصور: 5/205-207]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين باللّه ورسوله من أصحاب نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه ورسوله {لا تخونوا اللّه} وخيانتهم اللّه ورسوله كانت بإظهار من أظهر منهم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين الإيمان في الظّاهر والنّصيحة، وهو يستسرّ الكفر والغشّ لهم في الباطن، يدلّون المشركين على عورتهم، ويخبرونهم بما خفي عنهم من خبرهم.
وقد اختلف أهل التّأويل فيمن نزلت هذه الآية، وفي السّبب الّذي نزلت فيه، فقال بعضهم: نزلت في منافقٍ كتب إلى أبي سفيان يطلعه على سرّ المسلمين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم بن بشر بن معروفٍ، قال: حدّثنا شبابة بن سوّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن المحرم، قال: لقيت عطاء بن أبي رباحٍ فحدثني قال: حدّثني جابر بن عبد اللّه: أنّ أبا سفيان خرج من مكّة، فأتى جبريل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّ أبا سفيان في مكان كذا وكذا. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه: إنّ أبا سفيان في مكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا قال: فكتب رجلٌ من المنافقين إلى أبي سفيان: إنّ محمّدًا يريدكم، فخذوا حذركم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم}.
وقال آخرون: بل نزلت في أبي لبابة للّذي كان من أمره وأمر بني قريظة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني أبو سفيان، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قوله: {لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم} قال: نزلت في أبي لبابة، بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأشار إلى حلقه أنّه الذّبح. قال الزّهريّ: فقال أبو لبابة: لا واللّه لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتّى أموت أو يتوب اللّه عليّ، فمكث سبعة أيّامٍ لا يذوق طعامًا ولا شرابًا، حتّى خرّ مغشيًّا عليه، ثمّ تاب اللّه عليه، فقيل له: يا أبا لبابة قد تيب عليك قال: واللّه لا أحلّ نفسي حتّى يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هو الّذي يحلّني، فجاءه فحلّه بيده. ثمّ قال أبو لبابة: إنّ من توبتي أن أهجر دار قومي الّتي أصبت بها الذّنب وأن أنخلع من مالي قال: يجزيك الثّلث أن تصدّق به.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، قال: سمعت عبد اللّه بن أبي قتادة، يقول: نزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} في أبي لبابة.
وقال آخرون: بل نزلت في شأن عثمان رضي اللّه عنه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا يونس بن الحارث الطّائفيّ، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عونٍ الثّقفيّ، عن المغيرة بن شعبة، قال: نزلت هذه الآية في قتل عثمان رضي اللّه عنه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول} الآية.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه نهى المؤمنين عن خيانته وخيانة رسوله وخيانة أمانته. وجائزٌ أن تكون نزلت في أبي لبابة، وجائزٌ أن تكون نزلت في غيره، ولا خبر عندنا بأيّ ذلك كان يجب التّسليم له بصحّته، فمعنى الآية وتأويلها ما قدّمنا ذكره.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول} قال: نهاكم أن تخونوا اللّه والرّسول، كما صنع المنافقون.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا تخونوا اللّه والرّسول} الآية قال: كانوا يسمعون من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الحديث فيفشونه حتّى يبلغ المشركين.
واختلفوا في تأويل قوله: {وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} فقال بعضهم. لا تخونوا اللّه والرّسول، فإنّ ذلك خيانةٌ لأماناتكم وهلاكٌ لها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم} فإنّهم إذا خانوا اللّه والرّسول فقد خانوا أماناتهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} أي: لا تظهروا للّه من الحقّ ما يرضى به منكم ثمّ تخالفوه في السّرّ إلى غيره، فإنّ ذلك هلاكٌ لأماناتكم وخيانةٌ لأنفسكم.
فعلى هذا التّأويل، قوله: {وتخونوا أماناتكم} في موضع نصبٍ على الظّرف. كما قال الشّاعر:
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله = عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ويروى: وتأتي مثله.
وقال آخرون: معناه: لا تخونوا اللّه والرّسول، ولا تخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم} يقول: لا تخونوا: يعني لا تنقصوها.
فعلى هذا التّأويل: لا تخونوا اللّه والرّسول، ولا تخونوا أماناتكم. واختلف أهل التّأويل في معنى الأمانة الّتي ذكرها اللّه في قوله: {وتخونوا أماناتكم} فقال بعضهم: هي ما يخفى عن أعين النّاس من فرائض اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وتخونوا أماناتكم} والأمانة: الأعمال الّتي آمن اللّه عليها العباد، يعني: الفريضة. يقول: {لا تخونوا} يعني لا تنقصوها.
- حدّثنا عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه} يقول: بترك فرائضه {والرّسول} يقول: بترك سننه وارتكاب معصيته. قال: وقال مرّةً أخرى: {لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم} والأمانة: الأعمال. ثمّ ذكر نحو حديث المثنّى.
وقال آخرون: معنى الأمانات هاهنا: الدّين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وتخونوا أماناتكم} دينكم. {وأنتم تعلمون} قال: قد فعل ذلك المنافقون وهم يعلمون أنّهم كفّارٌ، يظهرون الإيمان. وقرأ: {وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى} الآية قال: هؤلاء المنافقون أمّنهم اللّه ورسوله على دينه فخانوا، أظهروا الإيمان وأسرّوا الكفر.
فتأويل الكلام إذن: يا أيّها الّذين آمنوا لا تنقصوا اللّه حقوقه عليكم من فرائضه ولا رسوله من واجب طاعته عليكم، ولكن أطيعوهما فيما أمراكم به ونهياكم عنه، لا تنقصوهما، وتخونوا أماناتكم، وتنقصوا أديانكم، وواجب أعمالكم، ولازمها لكم، وأنتم تعلمون أنّها لازمةٌ عليكم وواجبةٌ بالحجج الّتي قد ثبتت للّه عليكم). [جامع البيان: 11/120-126]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (27)
قوله تعالى: لا تخونوا الله
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه يقول: بترك فرائضه.
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي عمر العدنيّ ثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن عبد اللّه بن أبي قتادة أنّه سمعه في مسجد الكوفة يقول: فنزلت هذه الآية يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم نزلت في ابن لبابة بن عبد المنذر حين أشار إلى بني قريظة أنّ الذّبح.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ أنبأ ابن زيدٍ في قول اللّه تعالى يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول قال: نهاهم أن يخونو اللّه والرّسول، كما صنع المنافقون.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا عبد الرّحمن بن الضّحّاك ثنا الوليد ثنا مسلمة بن عليٍّ عن يزيد بن أبي حبيبٍ في قول اللّه: لا تخونوا اللّه والرّسول قال: الإخلال بالسّلاح في البعوث.
قوله تعالى والرّسول
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول قال: والرّسول يقول:
بترك سنّته وارتكاب معصيته.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس حدّثنا أبو غسّان محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال: وحدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير عن عروة بن الزّبير يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول أي لا تظهر وله من الحقّ ما يرضى به منكم، ثمّ تخالفونه في السّرّ إلى غيره، فإنّ ذلك هلاكٌ لأماناتكم وخيانةٌ لأنفسكم.
قوله تعالى وتخونوا أماناتكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: وتخونوا أماناتكم والأمانة: الأعمال الّتي ائتمن اللّه عليها العباد يعني: الفريضة، يقول: لا تخونوا: يعني: لا تنقصوها.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ أنبأ ابن زيدٍ في قول الله: وتخونوا أماناتكم قال: أماناتكم: دينكم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا الوليد ثنا مسلمة بن عليٍّ عن يزيد بن أبي حبيبٍ في قوله: يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم قال: هذا الإخلال بالسّلاح في البعوث.
قوله تعالى: وأنتم تعلمون
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- ثنا أصبغ بن زيدٍ في قول اللّه وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون قال: قد فعل ذلك المنافقون، وهم يعلمون أنّهم كفّارٌ يظهرون الإيمان). [تفسير القرآن العظيم: 5/1683-1685]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 27 - 28.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا، فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان: إن محمدا صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم فأنزل الله {لا تخونوا الله والرسول} الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن قتادة رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية {لا تخونوا الله والرسول} في أبي لبابة بن عبد المنذر سألوه يوم قريظة ما هذا الأمر فأشار إلى حلقه أنه الذبح فنزلت قال أبو لبابة رضي الله عنه: ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله.
وأخرج سنيد، وابن جرير عن الزهري رضي الله عنه في قوله {لا تخونوا الله والرسول} الآية، قال نزلت في أبي لبابة رضي الله عنه بعثه رسول الله فأشار إلى حلقه أنه الذبح فقال أبو لبابة رضي الله عنه: لا والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب علي فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه فقيل له: يا أبا لبابة قد تيب عليك، قال: لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني، فجاءه فحله بيده.
وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا لبابة رضي الله عنه إلى قريظة وكان حليفا لهم فأومأ بيده أي الذبح فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} فقال رسول الله لأمرأة أبي لبابة، أيصلي ويصوم ويغتسل من الجنابة فقالت: إنه ليصلي ويصوم ويغتسل من الجنابة ويحب الله ورسوله، فبعث إليه فأتاه فقال: يا رسول الله والله أني لأصلي وأصوم وأغتسل من الجنابة، وإنما نهست إلى النساء والصبيان فوقعت لهم ما زالت في قلبي حتى عرفت أني خنت الله ورسوله.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول} قال: نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه نسختها الآية التي في براءة (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) (التوبة الآية 102).
وأخرج ابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه قال لما كان شأن بني قريظة بعث إليهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه فيمن كان عنده من الناس انتهى إليهم وقعوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس أبلق فقالت عائشة رضي الله عنها: فلكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح الغبار عن وجه جبريل عليه السلام فقلت: هذا دحية يا رسول الله قال: هذا جبريل، فقال: يا رسول الله ما يمنعك من بني قريظة أن تأتيهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف لي بحصنهم فقال جبريل عليه السلام: إني أدخل فرسي هذا عليهم فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا معرورا فلما رآه علي رضي الله عنه قال: يا رسول الله لا عليك أن لا تأتيهم فإنهم يشتمونك، فقال: كلا إنها ستكون تحية فأتاهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا أخوة القردة والخنازير، فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فحاشا، فقالوا: لا ننزل على حكم محمد صلى الله عليه وسلم ولكننا ننزل على حكم سعد بن معاذ فنزلوا فحكم فيهم: أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بذلك طرقني الملك سحرا فنزل فيهم {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} نزلت في أبي لبابة رضي الله عنه أشار إلى بني قريظة حين قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه لا تفعلوا فإنه الذبح وأشار بيده إلى حلقه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لا تخونوا الله} قال: بترك فرائضه {والرسول} بترك سنته وارتكاب معصيته {وتخونوا أماناتكم} يقول: لا تنقضوها والأمانة التي ائتمن الله عليها العباد.
وأخرج ابن جرير عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية في قتل عثمان رضي الله عنه.
وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه في قوله {لا تخونوا الله والرسول} هو الإخلال بالسلاح في المغازي). [الدر المنثور: 7/89-93]
تفسير قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واعلموا أنّما أموالكم وأولادكم فتنةٌ وأنّ اللّه عنده أجرٌ عظيمٌ}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين: واعلموا أيّها المؤمنون أنّما أموالكم الّتي خوّلكموها اللّه وأولادكم الّتي وهبها اللّه لكم اختبارٌ وبلاءٌ أعطاكموها ليختبركم بها ويبتليكم لينظر كيف أنتم عاملون من أداء حقّ اللّه عليكم فيها والانتهاء إلى أمره ونهيه فيها {وأنّ اللّه عنده أجرٌ عظيمٌ} يقول: واعلموا أنّ اللّه عنده خيرٌ وثوابٌ عظيمٌ على طاعتكم إيّاه فيما أمركم ونهاكم في أموالكم وأولادكم الّتي اختبركم بها في الدّنيا، وأطيعوا اللّه فيما لكم فيها تنالوا به الجزيل من ثوابه في معادكم.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا المسعوديّ، عن القاسم، عن عبد الرّحمن، عن ابن مسعودٍ، في قوله: {أنّما أموالكم وأولادكم فتنةٌ} قال: ما منكم من أحدٍ إلاّ وهو مشتملٌ على فتنةٍ، فمن استعاذ منكم فليستعذ باللّه من مضلاّت الفتن.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {واعلموا أنّما أموالكم وأولادكم فتنةٌ} قال: فتنة الاختبار، اختبارهم. وقرأ: {ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً وإلينا ترجعون}). [جامع البيان: 11/126-127]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (واعلموا أنّما أموالكم وأولادكم فتنةٌ وأنّ اللّه عنده أجرٌ عظيمٌ (28)
قوله تعالى واعلموا أنّما أموالكم وأولادكم فتنةٌ
- حدّثنا أبي ثنا مقاتل بن محمّدٍ ثنا وكيعٌ عن المسعوديّ عن القاسم قال: قال عبد اللّه: ما منكم من أحدٍ إلا وهو مشتملٌ على فتنةٍ، لأنّ الله تعالى يقول إنّما أموالكم وأولادكم فتنةٌ
فمن استعاذ منكم فليستعذ باللّه من مضلات الفتن.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- أنبأ أصبغ أنبأ عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قول اللّه: إنّما أموالكم وأولادكم فتنةٌ
قال: اختبارًا لهم وقرأ قول اللّه: ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً وإلينا ترجعون
قوله تعالى وأنّ اللّه عنده أجرٌ عظيمٌ
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد اللّه بن نميرٍ ثنا أبو خالدٍ الأحمر عن داود بن أبي هند عن عليّ بن زيدٍ عن أبي عثمان عن أبي هريرة أجرٌ عظيمٌ
قال: الجنّة.
وروي عن الحسن وسعيد بن جبيرٍ وعكرمة والضّحّاك وقتادة نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا ابن لهيعة ثنا عطيّة بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه أجرٌ عظيمٌ
يعني: جزاءً وافرًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/1685]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ رضي الله عنه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما منكم من أحد إلا وهو يشتمل على فتنة لأن الله يقول {أنما أموالكم وأولادكم فتنة} فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مضلات الفتن.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة} قال: فتنة الاختبار اختبرهم وقرأ قول الله تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) (الأنبياء الآية 35) ). [الدر المنثور: 7/93]
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني الحارث عن غالب عن مجاهد وعطاء في قول الله: {يجعل لكم فرقانا}، قالا: يجعل لكم مخرجا). [الجامع في علوم القرآن: 1/45]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسألت مالكا عن قول الله: {يجعل لكم فرقاناً}، قال: مخرجاً، ثم قرأ: {من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه}). [الجامع في علوم القرآن: 2/138]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد في قوله تعالى {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} قال نجاة). [تفسير عبد الرزاق: 1/258]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن مجاهد في قوله تعالى {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} قال مخرجا). [تفسير عبد الرزاق: 1/258]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن مجاهدٍ {إن تتّقوا اللّه يجعل لكم فرقانًا} قال: مخرجا [الآية: 29]). [تفسير الثوري: 118]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (29) : قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إن تتّقوا الله يجعل لكم فرقانًا... } الآية]
- حدّثنا سعيدٌ؛ قال: نا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجلّ: {إن تتّقوا الله يجعل لكم فرقانًا} -: مخرجًا). [سنن سعيد بن منصور: 5/210]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إن تتّقوا اللّه يجعل لكم فرقانًا ويكفّر عنكم سيّئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم}.
يقول تعالى ذكره: {يا أيّها الّذين آمنوا} صدّقوا اللّه ورسوله {إن تتّقوا اللّه} بطاعته، وأداء فرائضه واجتناب معاصيه، وترك خيانته، خيانة رسوله وخيانة أماناتكم {يجعل لكم فرقانًا} يقول: يجعل لكم فصلاً وفرقًا بين حقّكم وباطل من يبغيكم السّوء من أعدائكم المشركين بنصره إيّاكم عليهم، وإعطائكم الظّفر بهم. {ويكفّر عنكم سيّئاتكم} يقول: ويمحو عنكم ما سلف من ذنوبكم بينكم وبينه. {ويغفر لكم} يقول: ويغطّيها، فيسترها عليكم، فلا يؤاخذكم بها. {والله ذو الفضل العظيم} يقول: واللّه الّذي يفعل ذلك بكم، له الفضل العظيم عليكم وعلى غيركم من خلقه بفعله ذلك وفعل أمثاله، وإنّ فعله جزاءٌ منه لعبده على طاعته إيّاه؛ لأنّه الموفّق عبده لطاعته الّتي اكتسبها حتّى استحقّ من ربه الجزاء الّذي وعده عليها.
وقد اختلف أهل التّأويل في العبارة عن تأويل قوله: {يجعل لكم فرقانًا} فقال بعضهم: مخرجًا، وقال بعضهم: نجاةً، وقال بعضهم: فصلاً.
وكلّ ذلك متقارب المعنى وإن اختلفت العبارات عنها، وقد بيّنت صحّة ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.
ذكر من قال: معناه المخرج:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ: عن مجاهدٍ: {إن تتّقوا اللّه يجعل لكم فرقانًا} قال: مخرجًا.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {إنّ تتّقوا اللّه يجعل لكم فرقانًا} قال: مخرجًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا حكّام عن عنبسة، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ: {فرقانًا} مخرجًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فرقانًا} قال: مخرجًا في الدّنيا والآخرة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا هانئ بن سعيدٍ، عن حجّاجٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فرقانًا} قال: الفرقان المخرج.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فرقانًا} يقول: مخرجًا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {فرقانًا} مخرجًا.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ البصريّ قال: حدّثنا زائدة، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {فرقانًا} قال: مخرجًا.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: سمعت عبيدًا، يقول: سمعت الضّحّاك، يقول: {فرقانًا} مخرجًا.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حميدٌ، عن زهيرٍ، عن جابرٍ: عن عكرمة، قال: الفرقان: المخرج.
ذكر من قال: معناه النّجاة:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن جابرٍ، عن عكرمة: {إنّ تتّقوا اللّه يجعل لكم فرقانًا} قال: نجاةً.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا إسرائيل، عن رجلٍ، عن عكرمة، ومجاهدٍ، في قوله: {يجعل لكم فرقانًا} قال عكرمة: المخرج، وقال مجاهدٌ: النّجاة.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يجعل لكم فرقانًا} قال: نجاةً..
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {يجعل لكم فرقانًا} يقول: يجعل لكم نجاةً.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {يجعل لكم فرقانًا} أي: نجاةً.
ذكر من قال فصلاً:
- .......................... {يا أيّها الّذين آمنوا إن تتّقوا اللّه يجعل لكم فرقانًا} قال: فرقانٌ يفرّق في قلوبهم بين الحقّ والباطل، حتّى يعرفوه ويهتدوا بذلك الفرقان.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {يا أيّها الّذين آمنوا إن تتّقوا اللّه يجعل لكم فرقانًا} أي: فصلاً بين الحقّ الباطل، يظهر به حقّكم ويخفي به باطل من خالفكم.
والفرقان في كلام العرب مصدرٌ، من قولهم: فرّقت بين الشّيء والشّيء أفرّق بينهما فرقًا وفرقانًا). [جامع البيان: 11/127-131]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا إن تتّقوا اللّه يجعل لكم فرقانًا ويكفّر عنكم سيّئاتكم ويغفر لكم واللّه ذو الفضل العظيم (29)
قوله تعالى يجعل لكم فرقانا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: يجعل لكم فرقانا يقول: نصرًا.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: يا أيّها الّذين آمنوا إن تتّقوا اللّه يجعل لكم فرقانًا والفرقان: المخرج.
وروي عن مجاهدٍ وعكرمة والضّحّاك وقتادة والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان- غير أنّ مجاهدًا قال: مخرجًا في الدّنيا والآخرة، وفي أحد قولي ابن عبّاسٍ والسّدّيّ: نجاةً يوم القيامة.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق ثنا محمّد بن جعفر بن الزّبير عن عروة بن الزبير يجعل لكم فرقانًا أي فصلاً بين الحقّ والباطل، يظهر اللّه به حقّكم ويطفئ به باطل من خالفكم.
قوله تعالى ويكفّر عنكم سيّئاتكم
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم بن مهديٍّ ثنا يحيى بن يعلى عن منصورٍ أو ليثٍ عن مجاهدٍ في قوله يغفر الكثير من الذّنوب لمن يشاء. وروي عن الثّوريّ مثل ذلك
قوله تعالى: واللّه ذو الفضل العظيم
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن صالح بن مسلمٍ أنبأ فضيل بن مرزوقٍ عن عطيّة حدّثني ابن عبّاسٍ قال: إذا قال اللّه للشّيء عظيمٍ فهو عظيمٌ.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا ابن بكيرٍ ثنا ابن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: العظيم يعني: وافرًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/1686]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {يجعل لكم فرقانا} قال مخرجا لكم في الدنيا والآخرة). [تفسير مجاهد: 261]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 29.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يجعل لكم فرقانا} قال: نجاة.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يجعل لكم فرقانا} قال: نصرا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {يجعل لكم فرقانا} يقول: مخرجا في الدنيا والآخرة). [الدر المنثور: 7/94]