العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 07:54 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف

[ من الآية (10) إلى الآية (18) ]
{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (معايش... (10).
روى خارجة عن نافع (معائش) بالهمز.
[معاني القراءات وعللها: 1/400]
قال ابن مجاهد: هذا غلط.
وقرأ الباقون (معايش) غير مهموز.
قال أبو منصور: الهمز في (معايش) لحن، لأنّ الياء فيها أصلية، الواحدة: معيشة، الهمز يكون في الياء الزائدة؛ لأنه لاحظّ لها في الحركة، وقد قربت من آخر الكلمة، ولزمتها الحركة، فأوجبوا فيها الهمزة). [معاني القراءات وعللها: 1/401]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {لكم فيها معايش} [10].
قرأ نافع في رواية خارجة {معش} بالهمزة.
وقرأ الباقون بترك الهمزة.
فقال النحويون: إن همزه لحن؛ لأن الميم زائدة والياء أصلية، واحدها معيشة، والأصل: معيشة، فنقلوا كسرة الياء إلى العين، والياء أصلية متحملة للحركة، فكسروا للجمع، وإنما يهمز من الياءات ما كان زائدة نحو قوله: {في المدائن حاشرين} [111]، والميم أصلية، من مدنت المدن، فلما وقعت الياء بعد ألف فاجتمع ساكنان لم يجدوا بدا من حركة أحدهما فقلبوا من الياء همزة؛ لأنها أجلد من الياء وأحمل للحركة، وكسرت لالتقاء الساكنين. ولا يجوز همز نظير {معايش} وإن كان من ذوات الواو إلا حرفًا واحدًا: «مصائب» وأصله مصاوب. وإنما همز تشبيهًا بصحيفة وصحائف إذ كان لفظهما يشبه لفظهما. وكذلك {معايش} من همزها شبهها بمدائن، ومدائن أجمع القراء
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/176]
على همزها. وذكر الجرمي رحمه الله في كتاب «الأبنية« أن من العرب من يدع همزها.
فإن سأل سائل فقال: قد همزوا الياء في بائع وسائر وهي أصلية؟
فالجواب في ذلك: أن اسم الفاعل مبني على الفعل فلما أعلوا الماضي والمضارع في باع يبيع أعلوا الدائم. فأما قوله تعالى: {إذ يبايعونك تحت الشجرة} فلا يجوز همز الياء؛ لأن الماضي منه غير معتل وهو بايع يبايع، فلما صح الماضي صح المستقبل. والوقف على {معايش} ثم تبتدئ {قليلاً ما تشكرون}؛ لأنه {قليلاً} ينتصب بـــ {تشكرون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/177]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وكلّهم قرأ: (معايش) [الأعراف/ 10] بغير همز.
[الحجة للقراء السبعة: 4/6]
وروى خارجة عن نافع: (معايش) ممدود مهموز، وهذا غلط.
قوله: وجعلنا لكم فيها معايش.
معايش فيه جمع معيشة، واعتل معيشة لأنه على وزن يعيش، وزيادته زيادة تختصّ الاسم دون الفعل، فلم يحتج إلى الفصل بين الاسم والفعل، كما احتيج إليه فيما كانت زيادته مشتركة نحو الهمزة في: أجاد، وهو أجود منك. وموافقة الاسم لبناء الفعل، يوجب في الاسم الاعتلال، ألا ترى أنّهم أعلّوا بابا ودارا ويوم راح لمّا كان على وزن الفعل، وصحّحوا نحو:
حول، وعيبة ولومة لما لم يكن على مثال الفعل، فمعيشة موافقة للفعل في البناء، ألا ترى أنه مثل: يعيش، في الزّنة، وتكسيرها يزيل مشابهته، في البناء؛ فقد علمت بذلك زوال المعنى الموجب للإعلال في الواحد في الجمع، فلزم التصحيح في التكسير لزوال المشابهة في اللفظ، ولأن التكسير معنى لا يكون في الفعل، إنما يختصّ به الاسم وإذا كانوا قد صححوا نحو الجولان والهيمان والغثيان، مع قيام
[الحجة للقراء السبعة: 4/7]
بناء الفعل فيه لما لحقه من الزيادة التي يختصّ بها الاسم؛ فتصحيح قولهم (معايش) الذي قد زال مشابهة الفعل عنه في اللفظ والمعنى لا إشكال في تصحيحه، وفي وجوب العدل عن إعلاله، ومن أعلّ فهمز؛ فمجازه على وجه الغلط، وهو أن معيشة على وزن: سفينة، فتوهّمهما: فعيلة؛ فهمز كما يهمز مصائب، ومثل ذلك ممّا يحمل على الغلط قولهم في جمع مسيل: أمسلة، وقد جاء ذلك في شعر هذيل. قال أبو ذؤيب:
وأمسلة مدافعها خليف فتوهموه فعيلة. وإنّما هو مفعلة؛ فالميم في أمسلة على هذا ميم مفعل، وقد حكى يعقوب وغيره مسيل ومسل، فالميم على هذا فاء، ومسيل: فعيل وليس بمفعل من سال.
ومن همز: مداين، لم يجعله: مفعلة، من دان ولكنّه
[الحجة للقراء السبعة: 4/8]
فعلية، يدل على ذلك: مدن ولا يجوز أن يكون: مفعلة، من دان يدين، ومن أخذه من ذلك، كان مدينة مفعلة عنده، وجمعها: مداين بتصحيح الياء). [الحجة للقراء السبعة: 4/9]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {مَعَائِشَ} [آية/ 10] بالهمز:-
رواها خارجة بن مصعب عن نافع.
والوجه أنه على وجه الغلط؛ لأن القياس أن تكون غير مهموزة؛ لأنها
[الموضح: 522]
جمع معيشة وهي مفعلة من العيش، فالياء عين الفعل، فوجب أن تصحح ولا تعل، وتصحيحها أن تبقى ياء، وإعلالها أن تقلب همزة، إلا أنهم شبهوها بما الياء فيه زائدة كسفينة، فهمزوها في الجمع، كما همزوا سفائن، وتشبيهها بها تشبيه غلط؛ لأن ياء معيشة أصل، وياء سفينة زائدة؛ لأنها فعيلة، ومثل هذا الغلط قولهم في جمع مصيبة مصائب فهمزوها، والقياس مصاوب، إلا أنهم أعلوها على التشبيه المذكور.
وقرأ الباقون {مَعَايِشَ} بالياء.
وهو الأصل المنقاس؛ لأنه جمع معيشة، والياء فيها عين الفعل، فلا يجوز إعلالها بالهمز في الجمع، فإن كانوا أعلوها بالإسكان في الواحد؛ لأن الإعلال في الأسماء إنما يكون لموافقة أبنية الأفعال، وجمع التكسير يزيل موافقة الفعل في البناء، فقد زال المعنى الموجب للاعتلال، فوجب التصحيح؛ لأن الجمع لا يكون في الأفعال.
وأما سفاين فإنها تهمز؛ لأن الياء في سفينة مدة زائدة، فوجب أن يقلب في الجمع همزة؛ لأن تحريك المدة همز). [الموضح: 523]

قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (من ذلك قراءة أبي جعفر: [ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا] بضم الهاء.
قال أبو الفتح: هذا مذهب ضعيف جدًّا؛ وذلك أن الملائكة مجرورة، ولا يجوز أن يكون حذَف همزة "اسجدوا" وألقى حركتها على الهاء من موضعين:
أحدهما: أن هذا التخفيف إنما هو في الوصل، والوصل يحذف هذه الهمزة أصلًا إذ كانت همزة وصل، فيا ليت شعري من أين له همزة أصلًا في الوصل حتي يُلقي حركتها للتخفيف على ما قبلها، وليست كذلك الهمزات التي تُلقى للتخفيف حركاتهن على ما قبلهن؛ لأن لك أن تثبت هذه الهمزة قبل حذفها للتخفيف؟ ألا تراك أنك إذا خففت همزة أنت من قولك: مَن أنت جاز منَ انت؛ لأن لك أن تحققها قبل التخفيف فتقول: من أنت؟ وليس لك أن تثبت همزة "اسجدوا" في الوصل فتقول: للملائكة أُسجدوا، فيجوز تخفيفها فيما بعد.
وهذا واضح، وهو أذهب في الفحش من قول الفراء: مَنْ فتح "ميم" من قوله تعالى: "ألف لام ميم الله"، إنه حذف همزة "الله" وألقى حركتها على ميمِ "ميمَ"؛ لأن له أن يقول: إن الهجاء عندنا على الوقف، فإذا وصل فإنه مع ذلك ينوِي الوقف، والوقف يجوز معه قطع همزة "الله"، وليس كذلك [ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا]؛ لأنه ليس من حروف الهجاء فيُنوَى فيه الوقف عليه ثم تخفيف همزته، وعلى أن مذهب الفراء هناك أيضًا مدفوع عندنا لأنه لا يُخَفَّفُ إلا في الوصل، والوصل يُسقط همزة اسم الله تعالى، فالطريق في الفساد واحدة وإن كان فيه في قول الفراء ذلك القدر من تلك الشبهة الضعيفة.
فإن قال الفراء: قولهم: [نون وَالْقَلَمِ] بترك إدغام النون في الواو يدل أن نية الوقف
[المحتسب: 1/240]
في هذه الحروف مع الوصل موجودة؛ إذ لو كانت موصولة ألبتة لوجب الإدغام، وأن يقال: [نووّ القلم]، كما تدغم النون في الواو من قوله عز وجل: {مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}.
قيل له: ولو كانت في وصلها على حكم الوقف ألبتة عليها لوجب إظهار النون فقيل: [نونْ والقلم] بإظهار النون؛ لقولك في الوقف: [نون] بإظهار النون، فترْك إظهار النون من قوله تعالى: [نون والقلم] يدل على نية الوصل، وإنما لم يكن هناك إدغام لعمري تعقبًا لما كان عليه من الوقف، وإلا فهو موصول لا محالة، وإذا كان موصولًا وجب حذف الهمزة أصلًا، وإذا حذفت أصلًا لم تجد هناك لفظًا تحقِّقه أو تخففه.
ويؤكد ذلك عندك قراءتهم [كاف ها يا عين صاد] بإخفاء النون من عين عند الصاد، كما تُخفى في الوصل إذا قلت: عجبت من صالح، ونحو ذلك.
فقد ترى إلى جريان هذا مع أنه حرف هجاء كجريانه في حال وصله نون عين وسين قاف من قوله: عين سين قاف، فأُخفيت النون من عين عند السين، والنون من سين عند القاف، كما تُخفيان في: عين سالم، ومن قاسم.
ويؤكد أيضًا عندك إدغام الدال من صاد في الذال من [ذِكْر] في قوله: [عين صاد ذِكْرُ رحمةِ ربِّك]، كإدغامها فيها في غير الهجاء، كقولك: تعهد ذلك الباب.
وهذا ينبهك على أن ترك إدغام النون من قوله: [نون والقلم] إنما هو لئلا يجتمع هناك ثلاث واوات، فثقل عليهم أن يقولوا: [نووَّالقلم]، ولو كان لنية الوقف ألبتة لظهرت الدال من [صاد ذكر رحمة ربك]، هذا أعلى القراءة وإن كان بعضهم قد أظهرها، إلا أن الإدغام أقوى رواية وقياسًا، فهذا أحد وجهي قبح قراءة أبي جعفر: [ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا لِآدَمَ].
والآخر: أن التخفيف في نحو هذا إنما يكون إذا كان الحرف الأول قبل الهمزة ساكنًا صحيحًا نحو: "قد أفلح"، فإذا خففت الهمزة ألقيت حركتها على الساكن قبلها فقَبِلَها لسكونه، ثم حذفت الهمزة تخفيفًا، فقلت: [قَدَ فْلَحَ]، وكذلك: مَن أبوك إذا خففته قلت: مَنَ بُوك؟
فأما إذا كان قبل الهمزة حرف متحرك وأردت تخفيفها فإنك لا تلقى حركة الهمزة عليه، ألا تراك لا تقول: فلان يضربَ خَاه، تريد: يضربُ أَخاه؟ لأن باء يضرب متحركة، فما
[المحتسب: 1/241]
فيها من حركتها لا يسوِّغُ نقل حركة أخرى إليها عوضًا من حركتها؛ ولذلك ضعفت عندنا قراءة الكسائي: [بما أُنْزِلَّيْك]؛ لأن اللام من أُنزل مفتوحة، فلا ينقل عليها كسرة همزة إليك ثم يلتقي المثلان متحركين، فيسكن الأول منهما، ويدغم في الثاني كما جُعل ذلك في قوله: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي}؛ إذ كانت النون من لكن ساكنة فساغت حذف همزة أناء وإلقاء حركتها على النون قبلها، فصارت [لكنَنَا]، فكُره التقاء المثلين متحركين، فأُسكن الأول منهما وأُدغم في الثاني، فصار لكنَّا كما ترى.
وقد ذكرنا هذا في غير هذا الموضع من كلامنا مصنفًا وغير مصنَّف.
فإن قلت: فما تصنع بما أخبركم به أبو علي عن أبي عبيدة من قول بعضهم: دعه في حِرُمِّه -بضم الراء- وهو يريد: في حرأُمه؟ ألا ترى كيف أَلقى حركة همزة "أم" على الراء وقد كانت مكسورة ثم حذف الهمزة، وإلى ما حكاه أحمد بن يحيى من قول أبي السرار في خبر ذكره عند سعيد بن سليم وابنُ الأعرابي حاضرٌ من قول امرأة رأت أبا السرار عند بناتها، فأنكرته: أفي السَّوَتَنْتُنَّه؟ وهي تريد: أفي السَّوْءةِ أَنْتُنَّه؟ فحذفت همزة "أنتنه" وألقت حركتها على تاء "السوءة" وهي مكسورة.
قيل: هذا من الشذوذ؛ بحيث لا يقاس على ضعفه، فضلًا عنه على قلته.
وأيضًا، فإنه حذف همزة ثابتة موجودة في الوصل، وليست كذلك همزة "اسجدوا"؛ لأنها بلا خلاف معدومة في الوصل أصلًا، وما هو معدوم في اللفظ لا يعْرِض فيه تخفيف ولا تحقيق.
فإن توهَّم متوهم أنه يرى قطع همزة "اسجدوا" على ضعف ذلك، ثم فعل من بعد نحوًا من حكاية أبي عبيدة: دعه في حِرُمِّه، فإن هذا أفحش، من حيث كانت همزة "اسجدوا" مما لا يجوز في القرآن قطعه أصلًا؛ لخبث ذلك في الشعر فضلًا عن التنزيل، وما يجب فيه من تخير أفصح اللغات له.
ويزيد في قبح ذلك أنه إن نوى قطع همزة "اسجدوا" فإنما ذلك للوقف قبلها، والوقف هنا قبلها لا يجوز من حيث كان قوله: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} معمولَ قوله: [قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ]، ولا يحسن الوقف على الناصب دون منصوبه؛ بل لا يجوز الوقف على العامل دون معموله؛ لاتصاله به، وكونه في بعض الأماكن كالجزء من العامل فيه، نحو: لا رجل في الدار، ومررت بي، والمال لي
[المحتسب: 1/242]
فيمن أسكن الياء، فهذا كله وما تركناه من نحوه يشهد بفساد قراءة أبي جعفر: [لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا] ). [المحتسب: 1/243]

قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)}

قوله تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)}

قوله تعالى: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)}

قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)}

قوله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)}

قوله تعالى: {ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}

قوله تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري: [مَذُومًا مَدْحُورًا].
قال أبو الفتح: هذا على تخفيف الهمزة من [مَذْءومًا]، كقولك في مسئول: مسول.
فإن قلت: أفيكون مِن ذِمتُه أَذيمة؟ قيل: لو كان منه لكان مَذِيمًا كمبيع ومكيل.
فإن قيل: فقد حكى الفراء: هذا بُرّمَكُول، ورجل مسورٌ به، وقد قالوا في مهيب: مَهوب.
قيل: هذا من الشذوذ في منزلة القُصْيا، فلا يحسن الحمل عليه؛ وإنما ذكرناه لئلا يورده من يضعف نظره وهو يظنه طائلًا، فلا تحفل به). [المحتسب: 1/243]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 07:56 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (19) إلى الآية (25) ]

{وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)}

قوله تعالى: {وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن: [من هذِي الشجرة].
قال أبو الفتح: هذا هو الأصل في هذه الكلمة، وإنما الهاء في "ذه" بدل من الياء في "ذي"، يدل على الياء الأصل قولهم في المذكر: "ذا"، فالألف في ذا بدل من الياء في ذي، وأصل ذا عندنا ذَيّ، وهو من مضاعف الياء مثل: حي، فحذفت الياء الثانية التي هي لام تخفيفًا فبقي ذَيْ. قال لي أبو علي: فكرهوا أن يشبه آخره آخر كي وأي، وأبدلوها ألف كما أبدلت في باءَس ويايَس.
ويدل على أن أصل ذا ذَيّ وأنه ثلاثي جواز تحقيره في قولك: ذَيَّا، ولو كان ثنائيًّا لما جاز تحقيره كما لا تحقر "ما"، "ومَن" لذلك. وقد شرحت هذا الموضع في كتابي الموسوم بالمنصف بما يمنع من الإطالة بذكره هنا.
فأما الياء اللاحقة بعد الهاء في [هذهِي سبيلي] ونحوه فزائدة، لحقت بعد الهاء تشبيهًا لها بهاء الإضمار في نحو: مررت بهِي، ووجه الشبه بينهما أن كل واحد من الاسمين معرفة مبهمة لا يجوز تنكيره، وإذا وَقَفْتَ قلت: هذهْ، فأسكنت الهاء، ومنهم من يدعها على سكونها في الوصل كما يسكِّنها عند الوقف عليها، كما أن منهم من يسكن الهاء المضمرة إذا وصلها فيقول: مررت بِهْ أَمس، وذكر أبو الحسن أنها لغة لأزْد السراة، وأنشد هو وغيره:
فظَلْت لدى البيت العتيق أُخليه ... ومِطْواي مشتاقان لهْ أَرِقان
وروينا عن قطرب قول الآخر:
وأَشربُ الماء ما بي نحوَه عَطَشٌ ... إلا لأَنَّ عيونَهْ سَيْلُ وادِيها). [المحتسب: 1/244]

قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وأبي جعفر وشيبة والزهري: [سَوَّاتِهما] بتشديد الواو.
قال أبو الفتح: حكى سيبويه ذلك لغة قليلة، والوجه في تخفيف نحو ذلك أن تحذف الهمزة وتلقى حركتها على الواو قبلها، فتقول في تخفيف نحو السوءة: السَّوَة، وفي تخفيف الجيئة: الجيَة، ومنهم من يقول: السَّوَّة والْجَيَّة، وهو أدون اللغتين وأضعفهما، ومنهم من يقول في المنفصل من أوْ أَنت: أوَّنت، وفي أبو أيوب: أَبوَّيُّوب، وهو في المنفصل أسهل منه في المتصل؛ لما يوهم "سَوَّة" أنه من مضاعف الواو، نحو: القُوَّة والْحُوَّة.
وقرأ: [سوْءَتِهما] واحدة مجاهد.
ووجه ذلك أن السوءَة في الأصل فَعْلَة من ساء يسوء، كالضربة والقتلة، فأَتاها التوحيد من قِبَلِ المصدرية التي فيها.
فإن قلت: إن الفَعْلَة واحدة من جنسها، والواحد مُعرَّض للتثنية والجمع.
قيل: قد يوضع الواحد موضع الجماعة، وقد مضى ذلك مشروحًا). [المحتسب: 1/243]

قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)}

قوله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري: [يُخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا] من أَخْصَفْت، و[يَخِصفان] الحسن بخلاف، وقرأ [يُخَصِّفَان] ابن بريدة والحسن والزهري والأعرج، واختلف عنهم كلهم.
قال أبو الفتح: مألوف اللغة ومستعملها خَصَفت الورق ونحوه، وما أخصفت فكأنها منقولة من خصفت؛ كأنه -والله أعلم- يُخْصِفان أنفسهما وأجسامهما من ورق الجنة، ثم حذف المفعول على عادة حذفه في كثير من المواضع، أنشد أبو علي للحطيئة:
منعَّمةٌ تصون إليك منها ... كصونك من رداءٍ شرْعبيِّ
أي: تصون الحديث ونخزنه.
وأما قراءة الحسن: [يَخِصِّفَان]، فإنه أراد بها يختصفان يفتعلان من خصفت، كقولهم: قرأت الكتاب واقترأته، وسمعت الحديث واسمتعته؛ فآثر إدغام التاء في الصاد فأسكنها، والخاء قبلها ساكنة، فكسرها لالتقاء الساكنين؛ فصارت [يَخِصِّفان].
وأما من قرأها [يَخَصِّفان]، فإنه أراد أيضًا إدغام التاء في الصاد فأسكنها على العبرة في ذلك، ثم نقل الفتحة إلى الخاء؛ فصار [يَخَصِّفان].
ويجوز [يِخِصِّفَّانِ] بكسر الياء فيمن كسر الخاء إتباعًا، كما قال أبو النجم:
تَدافُعَ الشِّيبِ ولم تِقِتِّل
أراد: تَقْتَتِل على ما ذكرت لك. ونحو من ذلك القراءة: يَهَدِّي ويَهِدِّي ويِهِدِّي، وأصله كله يَهتدي على ما مضى.
وأما من قرأ: [يُخَصِّفَان] وهو ابن بريدة والحسن أيضًا والأعرج، واختلف عنهم كلهم فهو يُفَعِّلان، كيُقَطِّعان ويكسران، وهذا واضح). [المحتسب: 1/245]

قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}

قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)}

قوله تعالى: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ومنها تخرجون (25).
قرأ حمزة والكسائي (ومنها تخرجون)، وفي الروم (وكذلك تخرجون)، وفي الزخرف (وكذلك تخرجون) بفتح التاء وضم الراء، وقرأ في آخر الجاثية (فاليوم لا يخرجون) بفتح الياء وضم الراء.
وقرأ ابن عامر هاهنا وفي الزخرف بفتح التاء وضم الراء، وفي الباقي بضم التاء والياء وفتح الراء.
[معاني القراءات وعللها: 1/401]
وقرأ يعقوب (ومنها تخرجون) بفتح التاء في هذه وحدها، وضم التاء في الباقي.
وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الراء في جميع هذه الحروف.
قال أبو منصور: من قرأ (تخرجون) أو (يخرجون) فهو من خرج يخرج خروجا، ومن قرأ (تخرجون) فهو من أخرج يخرج، أي: يخرجكم الله، وتخرجون أنتم بأمر الله خروجا). [معاني القراءات وعللها: 1/402]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- قوله تعالى: {ومنها تخرجون} [25].
وفي (الروم): {وكذلك تخرجون * ومن ءآيته} وفي (الزخرف) و(الجاثية).
قرأ حمزة والكسائي {تخرجون} كل ذلك بالفتح.
وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان في (الأعراف) بالفتح و(حَمَ) الباقي.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/177]
والباقون يضمون كل ذلك، فمن فتح الفاء جعل الفعل لهم، لأن الله إذا بعثهم يوم القيامة [وأحياهم] وأخرجهم خرجوا هم، كما تقول مات فلان، فتنسب الفعل إليه، وإنما أماته الله، ومن ضم التاء لم يسم الفاعل جعلهم مفعولين مخرجين. وأما قوله في (الروم) {إذا أنتم تخرجون} وفي (سأل سآئل) {يوم يخرجون} فاتفق القراء على فتحها فأما قوله في (الرحمن): {يخرج منهما اللؤلؤ} فيأتي في موضعه إن شاء الله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/178]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضم التاء [وفتحها من قوله]: ومنها تخرجون [الأعراف/ 25].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو، ونافع، وعاصم ومنها تخرجون، بضم التاء وفتح الراء هاهنا، وفي الروم: وكذلك تخرجون، ومن آياته [الآية/ 19] مثله. وفي الزخرف [11]:
كذلك تخرجون، مثله، وفي الجاثية [35]: فاليوم لا يخرجون منها، وقرأ في: سأل سائل: يوم يخرجون [المعارج/ 43]، وفي الروم [25]: إذا أنتم تخرجون؛ ففتح التاء والياء في هذين، ولم يختلف الناس فيهما.
وقرأ حمزة والكسائي: ومنها تخرجون في الأعراف، بفتح التاء وضم الراء، وفي الروم: وكذلك تخرجون مثله، وفي الجاثية: فاليوم لا يخرجون منها مثله وكذلك الزخرف [11] يخرجون.
وفتح ابن عامر التاء في الأعراف فقط. وضمّها في
[الحجة للقراء السبعة: 4/9]
الباقي. وأما قوله: يخرج منهما اللؤلؤ [الرحمن/ 22]؛ فقرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائيّ، وابن عامر: يخرج منهما بنصب الياء وضم الراء.
وقرأ نافع وأبو عمرو: يخرج منهما بضم الياء وفتح الراء، وروى أبو هشام عن حسين الجعفي، عن أبي عمرو (نخرج منهما) بنون مضمومة (اللّؤلؤ والمرجان) نصبهما.
حدثني محمد بن عيسى المقرئ، عن أبي هشام، عن حسين الجعفي، عن أبي عمرو: (نخرج) بنون مضمومة.
ومن قرأ: (يخرجون) بضم الياء فحجّته قوله: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون [المؤمنون/ 35]. وقوله: كذلك نخرج الموتى [الأعراف/ 57].
وحجّة من قال: (تخرجون) اتفاق الجميع في قوله: ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون [الروم/ 25] بفتح التاء.
ومن حجّته قوله: إلى ربهم ينسلون [يس/ 51]؛ فأسند الفعل إليهم.
ومن حجته أنه أشبه بما قبله من قوله: قال فيها تحيون
[الحجة للقراء السبعة: 4/10]
وفيها تموتون ومنها تخرجون [الأعراف/ 25]، ومن حجّتهم قوله: كما بدأكم تعودون [الأعراف/ 29].
فأمّا قوله: يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان [الرحمن/ 22]، فمن قال: (تخرج منهما) فعلى أنه أسند الفعل إلى الله تعالى، كما قال: فأخرجنا به من كل الثمرات [الأعراف/ 57]، ومن قال: (يخرج) جعله مطاوع أخرج، كما تقول: أخرجته فخرج، والأوّل أدخل في الحقيقة، وقال:
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، واللؤلؤ يخرج من الملح.
وزعم أبو الحسن: أن قوما قالوا: إنّه يخرج منهما جميعا، ويجوز أن يكون: يخرج منهما في المعنى: يخرج من الملح، فقال: يخرج منهما على أنه يخرج من أحدهما، فحذف المضاف، ومثل ذلك في حذف المضاف قوله: وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [الزخرف/ 31].
والرجل إنما يكون من قرية واحدة، كما أنّ اللؤلؤ يخرج من الملح، وإنما المعنى: على رجل من رجلي
[الحجة للقراء السبعة: 4/11]
القريتين عظيم، والقريتان: مكة والطائف). [الحجة للقراء السبعة: 4/12]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون}
قرأ حمزة والكسائيّ بن عامر {ومنها تخرجون} بفتح التّاء جعلوا الفعل لهم لأن الله جلّ وعز إذا بعثهم يوم القيامة فأحياهم وأخرجهم خرجوا كما تقول مات فلان فتنسب الفعل إليه وإنّما أماته الله وحجتهم قوله {فيها تحيون وفيها تموتون} على تصيير الفعل لهم فكذلك أيضا {ومنها تخرجون} على ما تقدمه من الكلام وفي التّنزيل ما يدل على قراءتهم وهو قوله {إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} بالفتح
وقرأ الباقون {تخرجون} بالضّمّ على ما لم يسم فاعله وحجتهم إجماع الجميع على قوله {ثمّ إنّكم يوم القيامة تبعثون} على أنهم مفعولون ولم يسم الفاعل والمعنيان يتداخلان لأن الله إذ أخرجهم خرجوا وإذا خرجوا ف بإخراج الله خرجوا فهم فاعلون مفعولون). [حجة القراءات: 280]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {ومنها تخرجون} قرأ ابن ذكوان وحمزة والكسائي بفتح التاء، وضم الراء، ومثله في الزخرف، أضافوا الفعل إليهم، لأنهم إذا أخرجوا خرجوا، فهم مفعولون فاعلون في المعنى، وقرأ الباقون بضم التاء، وفتح الراء فيهما، أجروه على ما لم يسم فاعله؛ لأنهم لا يخرجون حتى يخرجوا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/460]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [آية/ 25] بضم التاء وفتح الراء:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم، وكذلك في الروم، وفي الزخرف {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}، وفي الجاثية {فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ} بضم التاء والياء وفتح الراء في الأربعة الأحرف.
والوجه أن خروج الأموات من القبور، إنما هو بإخراج الله تعالى إياهم، فإذا قال يخرجون فهو على أصله وحقيقته، وحجته قوله تعالى {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ}.
وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء والياء، وضم الراء في الأربعة الأحرف.
والوجه أنه أوفق لما قبله، وهو قوله {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ}؛ لأن الفعل فيهما مسند إليهم، وكذلك في الخروج ينبغي أن يكون مسندًا إليهم ليكون مشاكلاً لهما في إسناد الفعل، وحجته قوله تعالى {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}.
وقرأ ابن عامر في الأعراف والزخرف {تَخْرُجُونَ} بفتح التاء وضم الراء، وفي الروم والجاثية بضم التاء والياء، وفتح الراء.
وقرأ يعقوب في الأعراف بفتح التاء وضم الراء، وفي الروم والزخرف
[الموضح: 524]
والجائية بضم الياء والتاء، وفتح الراء في الأحرف الثلاثة). [الموضح: 525]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 07:58 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (26) إلى الآية (30) ]

{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وريشًا ولباس التّقوى... (26).
أجمع القراء على قراءة (وريشًا) ولم يقرأ أحدٌ (ورياشًا) غير الحسن.
أخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سلام قال: سمعت سلاما أبا المنذري القارئ يقول: الريش: الزينة. والرياش: كاللباس.
قال: فسألت يونس فقال: لم يقل شيئا، هما سواء.
[معاني القراءات وعللها: 1/402]
وقال الفراء: إن شئت جعلت الرياش جمع الريش، وإن شئته مصدرا في معنى الريش، كما قالوا: لبس ولباس.
قال أبو منصور: القراءة (وريشًا) لا غير). [معاني القراءات وعللها: 1/403]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولباس التّقوى... (26).
قرأ نافع وابن عامر والكسائي (ولباس التّقوى) نصبا، وقرأ الباقون (ولباس التّقوى) رفعا.
قال أبو منصور: من قرأ (ولباس التّقوى) فرفعه على ضربين:
أحدهما: أن يكون مبتدأ، ويكون (ذلك) من صفته.
والوجه الثاني: أن يكون (خيرٌ) خبر الابتداء، المعنى: ولباس التقوى المشار إليه خير.
وفيه وجه ثالث: يجوز أن يكون (ولباس التّقوى) مرفوعا بإضمار (هو)، المعنى: هو لباس التقوى، أي: ويستر العورة لباس المتقين، ثم قال: (ذلك خيرٌ).
[معاني القراءات وعللها: 1/403]
ومن قرأ (ولباس التّقوى) فنصب. عطفه على قوله (وريشًا).
والمعنى: أنزلنا عليكم ولباس التّقوى، وهذا كله قول أبي اسحاق النحوي). [معاني القراءات وعللها: 1/404]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- قوله تعالى: {ولباس التقوى} [26].
قرأ نافع وابن عامر والكسائي: بالنصب.
والباقون: بالرفع.
فمن نصب جعله مفعول قوله: {قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءتكم} ونسق الثاني عليه و{لباس التقوى} قيل في التفسير: هو الحياء.
ومن رفعه جعله ابتداء {وخير} خبره {وذلك} نعت.
وفي قراءة أبي وابن مسعود: {ولباس التقوى خير} ليس فيها ذلك.
وأما قوله: {وريشا} فأجمع القراء على ترك الألف إلا ما حدثني به ابن مجاهد قال: حدثني أحمد بن عبيد عن أبي خلاد عن حسين عن أبي عمرو أنه قرأ {وريشا} بالألف، ورويت عن الحسن. الريش والرياش يكونان اسمين
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/178]
ومصدرين مثل قال قيلاً، ويكون رياش: جمع ريش ومعناه: الشارة والحسن، كذلك: لبس ولباس.
وأخبرني ابن دريد رحمه الله عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال: تقول العرب: أعطيته سرجا ورحلا بريشه. ويقال: قد تريش فلان: إذا حسنت حاله، وقد نبت ريشه مأخوذ من ريش الطائر؛ لأن غناه وحياته بالريش، قال جرير يمدح عبد الملك بن مروان.
ألستم خير من ركب المطايا = وأندى العالمين بطون راح
سأشكر إن رددت إلي ريشي = وأنبت القوادم في جناحي
ويقال إذا افتقر الرجل: نتف ريشه، قال رؤبة:
إليك أشكو شدة المعيش
ومر أعوام نتفن ريشي
نتف الحبارى عن قرى رهيش
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/179]
وحدثني أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا أحمد بن زهير عن أبيه، عن يونس، عن هارون: {ولباس التقوى خير} قال: لباس التقوى أفضل من الأثاث). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/180]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع السين ونصبها من قوله تعالى: ولباس التقوى [الأعراف/ 26].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة: ولباس التقوى رفعا.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائيّ: (ولباس التّقوى) نصبا.
أما النصب: فعلى أنه حمل على (أنزل) من قوله: (قد أنزلنا عليكم لباسا ولباس التّقوى) [الأعراف/ 26]، وأنزلنا هنا كقوله: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد [الحديد/ 25]، وكقوله: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر/ 6]، أي: خلق، وقوله: (ذلك) على هذا: مبتدأ، وخبره (خير).
ومن رفع فقال: ولباس التقوى ذلك خير قطع اللباس من الأول واستأنف به فجعله مبتدأ.
وقوله (ذلك) صفة أو بدل أو عطف بيان، ومن قال: إنّ (ذلك) لغو، لم يكن على قوله دلالة، لأنه يجوز أن يكون على ما
[الحجة للقراء السبعة: 4/12]
ذكرنا، و (خير) خبر للباس والمعنى: لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به وأقرب له إلى الله مما خلق له من اللباس والرياش الذي يتجمّل به، وأضيف اللباس إلى التقوى، كما أضيف في قوله: فأذاقها الله لباس الجوع والخوف [النحل/ 112] إلى الجوع). [الحجة للقراء السبعة: 4/13]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- وجماعة وعاصم بخلاف: [ورِياشًا] بالفتح.
قال أبو الفتح: يحتمل رِيَاشٌ شيئين:
أحدهما: أن يكون جمع رِيش، فيكون كشِعْب وشِعَاب ولِهْب ولِهَاب، ولِصْب ولِصَاب، وشِقْب وشِقَاب.
والآخر: أن يكونا لغتين: فِعْلٌ وفِعَال. هكذا قال أبو الحسن، قال: وقال الكلابيون: الرياش: ماكان من لباس أو حشو من فراش ألآو دثار، والريش: المتاع والأموال. وقد يكون الريش في الثياب دون المال. ويقال: هو حسن الريش؛ أي الثياب. والرياش: القشر، وهما كما ترى متداخلان). [المحتسب: 1/246]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التّقوى ذلك خير}
قرأ نافع وابن عامر والكسائيّ {وريشا ولباس التّقوى} بالنّصب عطفوا على الريش المعنى وأنزلنا عليكم لباس التّقوى
وقرأ الباقون بالرّفع قال الزّجاج ورفعه على ضربين أحده
[حجة القراءات: 280]
أن يكون مبتدأ ويكون {ذلك} من صفته ويكون خير خبر الابتداء المعنى ولباس التّقوى المشار إليه خير ويجوز أن يكون {ولباس التّقوى} مرفوعا بإضمار هو المعنى وهو لباس التّقوى أي وستر العورة لباس المتّقين وحجتهم ما جاء في التّفسير قيل ولباس التّقوى أفضل من الأثاث والكسوة وجاء أيضا ولباس التّقوى الحياء). [حجة القراءات: 281]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {ولباس التقوى} قرأه نافع وابن عامر والكسائي بالنصب ورفعه الباقون.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/460]
وحجة من نصب أنه عطفه على «لباس» في قوله: {أنزلنا عليكم لباسًا}، أي: وأنزلنا لباس التقوى، وقوله: {ذلك خير} ابتداء وخبر.
5- وحجة من قرأ بالرفع أنه استأنفه فرفعه بالابتداء، وجعل «ذلك» صفة له أو بدلًا منه أو عطف بيان، و«خير» خبر للباس والمعنى و{لباس التقوى} خير لصاحبه عند الله، مما خلق له من لباس الثياب والريش والرياش، مما يتجمل به، وأضيف «اللباس» إلى «التقوى» كما أضيف إلى «الجوع» في قوله: {لباس الجوع} «النحل 112» والرفع أحب إليّ؛ لأن عليه أكثر القراء، والنصب حسن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/461]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [آية/ 26] بالنصب:-
قرأها نافع وابن عامر والكسائي.
والوجه أنه محمول على ما عمل فيه أنزل من قوله تعالى {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا... وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى}، و{أَنْزَلْنَا} بمعنى خلقنا، و{ذَلِكَ} مبتدأ و{خَيْرٌ} خبره.
وقرأ الباقون {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} بالرفع.
والوجه أنه مقطوع من الأول ومستأنف به مما قبله، كأنه قال: أنزلنا عليكم لباسًا وريشًا، ثم قال: ولباس التقوى خير من اللباس والرياش وما يتجمل به، فـ {لِبَاسُ} مبتدأ و{خَيْرٌ} خبره، و{ذَلِكَ} صفة أو بدل أو عطف بيان، والتقدير: ولباس التقوى هو خير، ويجوز أن يكون {ذَلِكَ} فصلاً وعمادًا، ويجوز أن يكون بإضمار مبتدأ، كأنه قال: وهو لباس التقوى، أي وستر العورة لباس المتقين، ثم قال تعالى {ذَلِكَ خَيْرٌ} أي ذلك اللباس خير). [الموضح: 525]

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}

قوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)}

قوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)}

قوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:02 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (31) إلى الآية (34) ]

{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (خالصةً يوم القيامة... (32).
قرأ نافع وحده (خالصةٌ) رفعا، وقرأ الباقون (خالصةً) نصبا.
قال أبو منصور: من رفع فقال (خالصةٌ) فهي على أنه خبر بعد خبر، كما تقول: زيد عاقل لبيب، المعنى: قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة.
أراد جلّ وعزّ أنها حلالٌ للمؤمنين، يعني: الطيبات من الرزق ويشركهم فيها الكافر، وأعلم أنها تخلص للمؤمنين في الآخرة لا يشركهم فيها كافر.
ومن قرأ (خالصةً) بالنصب نصبها على الحال، على أن العامل في قوله (في الحياة الدنيا) في تأويل الحال، كأنك قلت: هي ثابتة للمؤمنين مستقرة في الحياة الدنيا (خالصةً) يوم القيامة). [معاني القراءات وعللها: 1/404]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة} [32].
قرأ نافع وحده {خالصة} بالرفع على معنى هي خالصة.
وقرأ الباقون بالنصب {خالصة} على القطع والحال؛ لأن الكلام تم دونه، قل: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا، وهي ثابتة في القيامة خالصة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/180]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع التاء ونصبها من قوله: خالصة يوم القيامة [الأعراف/ 32].
فقرأ نافع وحده (خالصة) رفعا.
وقرأ الباقون: خالصة نصبا.
قال أبو الحسن: أخرج لعباده في الحياة الدنيا، [قال أبو علي]: لا يخلو القول في قوله في الحياة الدنيا [الأعراف/ 32] من أن يتعلق ب (حرّم) أو: ب (زينة)، أو:
ب (أخرج)، أو: ب (الطيبات)، أو: ب (الرّزق) من قوله: من الرزق [الأعراف/ 32] أو بقوله: آمنوا [الأعراف/ 32]؛ فلا يمتنع من أن يتعلّق ب (حرّم) فيكون التقدير: قل من حرّم في
[الحجة للقراء السبعة: 4/13]
الحياة الدنيا، ويكون المعنى: قل من حرّم ذلك وقت الحياة الدنيا زينة، ولا يجوز أن يتعلّق بزينة لأنّه مصدر، أو جار مجراه، وقد وصفتها، فإذا وصفتها، لم يجز أن يتعلّق بها شيء بعد الوصف، كما لا يتعلق به بعد العطف عليه، ويجوز أن يتعلق بأخرج لعباده في الحياة الدنيا.
فإن قلت: فهلّا لم يجز تعلّقه بقوله: أخرج لعباده لأنّ فيه فصلا بين الصلة والموصول بقوله: قل هي للذين آمنوا [الأعراف/ 32]، وهو كلام مستأنف ليس في الصلة؟
قيل: لا يمتنع الفصل به لأنّه ممّا يسدّد القصة، وقد جاء: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وترهقهم ذلة [يونس/ 27] [فقوله: وترهقهم] معطوف على كسبوا، فكذلك: قل هي للذين آمنوا، ويجوز أيضا أن يتعلق بالطيبات، تقديره: والمباحات من الرزق. ويجوز أن يتعلق بالرزق أيضا، وإن كان موصولا، ويجوز أن يتعلق بآمنوا، الذي هو صلة الذين أي: آمنوا في الحياة الدنيا، فكلّ ما ذكرنا من هذه الأشياء يجوز أن يتعلق به هذا الظرف.
فأمّا قوله: (خالصة) فمن رفعه جعله خبرا للمبتدإ
[الحجة للقراء السبعة: 4/14]
الذي هو هي، ويكون للذين آمنوا تثبيتا للخلوص، ولا شيء فيه على هذا، ومن قال: هذا حلو حامض، أمكن أن يكون (للذين آمنوا) خبرا، و (خالصة) خبر آخر، ويكون الذكر فيه على ما تقدّم وصفه في هذا الكتاب.
ومن نصب خالصة كان: حالا ممّا في قوله: للذين آمنوا، ألا ترى أنّ فيه ذكرا يعود إلى المبتدأ الذي هو هي؟
فخالصة حال عن ذلك الذكر، والعامل في الحال ما في اللام من معنى الفعل، وهي متعلقة بمحذوف، وفيه الذكر الذي كان يكون في المحذوف، ولو ذكر ولم يحذف، وليس متعلقا بالخلوص، كما تعلق به في قول من رفع.
قال سيبويه: وقد قرءوا هذا الحرف على وجهين: (قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) بالرفع والنصب، فجعل اللام الجارّة لغوا في قول من رفع، (خالصة) ومستقرا في قول من نصب (خالصة).
والقول فيما ذهب إليه أبو الحسن من أن المعنى: التي أخرج لعباده في الحياة الدنيا، أنّه إن علّق في الحياة الدنيا، ب (حرّم)، أو (أخرج)، فلا يخلو من أن تنصب (خالصة) أو ترفعه، فإن رفعته فصلت بين الابتداء والخبر بالأجنبي، ألا
[الحجة للقراء السبعة: 4/15]
ترى أن قوله: في الحياة الدنيا إذا لم يكن متصلا ب (آمنوا) كان أجنبيا من الابتداء والخبر، وإن نصبت (خالصة)، فصلت بين الحال وذي الحال بأجنبي منهما، كما فصلت بين الابتداء والخبر؟ فإذا كان كذلك لم يحسن، وليس باعتراض فيكون فيه تسديد.
ومن حجة أبي الحسن أن يقول: إن المفصول به في هذا الموضع بين ما لا يحسن الفصل بينهما بالأجنبي، ظرف، ولا يمتنع الفصل بالظرف، وإن كان أجنبيا مما يفصل به بينهما. ألا ترى أنّهم لم يجيزوا: كانت زيدا الحمّى تأخذ؟
ولم يفصلوا بين الفاعل وفعله بالمفعول به، ولو كان مكان المفعول به ظرف، لأجازوا ذلك، وذلك قولهم: إنّ في الدار زيدا قائم، فأجازوا الفصل بالظرف، وإن كان أجنبيا من العامل والمعمول فيه، وعلى هذا جاء:
فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله
وحجة من رفع «خالصة» أنّ المعنى: هي تخلص للّذين آمنوا يوم القيامة، وإن شركهم فيها غيرهم من الكافرين في الدنيا.
[الحجة للقراء السبعة: 4/16]
ومن نصب، فالمعنى عنده: هي ثابتة للذين آمنوا في حال خلوصها يوم القيامة لهم. وانتصاب (خالصة) على الحال، وهو أشبه لقوله: إن المتقين في جنات وعيون آخذين [الذاريات/ 15 - 16]، ونحو ذلك مما انتصب فيه الاسم على الحال بعد الابتداء وخبره وما يجري مجراه إذا كان فيه معنى فعل). [الحجة للقراء السبعة: 4/17]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة}
قرأ نافع {خالصة يوم القيامة} بالرّفع أي هي خالصة للّذين آمنوا قال الزّجاج قوله {خالصة} خبر بعد خبر كما تقول زيد عاقل لبيب فالمعنى قل هي ثابتة للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة
وقرأ الباقون {خالصة} نصبا على الحال كما تقول المال لزيد خالصا). [حجة القراءات: 281]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {خالصة يوم القيامة} قرأه نافع بالرفع، ونصب الباقون.
وحجة من رفع أنه جعل «خالصة» خبرًا لـ «هي» في قوله تعالى: {قل هي للذين} تبيينًا للخلوص، أو خبرا بعد خبر، والمعنى: قل الطيبات والزينة خالصة للمؤمنين في الآخرة، فأما في الدنيا فقد شركهم فيها الكفار.
7- وحجة من نصب أنه جعل «خالصة» حالا من المضمر في قوله: {للذين آمنوا} لأنه خبر «هي»، فالظرف إذا كان خبرًا لمبتدأ أو نعتًا لنكرة أو حالًا من معرفة، ففيه ضمير مرفوع، يعود على المخبر عنه، أو على الموصوف،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/461]
أو على صاحب الحال، والنصب أحب إلي؛ لأنه أتم في المعنى، ولأن عليه جماعة القراء، وقد شرحنا إعراب هذه الآية وتعلق اللام من «للذين» في الوجهين وغير ذلك من غريب إعرابها في تفسير مشكل الإعراب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آية/ 32] بالرفع:-
قرأها نافع وحده.
[الموضح: 525]
والوجه أنه خبر المبتدأ، والمبتدأ {هِيَ} التي في قوله {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} واللام متعلقة بالخبر الذي هو {خَالِصَةً}.
ويجوز أن يكون خبرًا بعد خبر على أن يكون {لِلَّذِينَ آمَنُوا} خبرًا، وقوله {خَالِصَةً} خبرًا آخر، كما تقول: هذا حلو حامض.
وقرأ الباقون {خَالِصَةً} بالنصب.
والوجه أنه حال مما في قوله {لِلَّذِينَ آمَنُوا}؛ لأن فيه ذكرًا يعود إلى {هِيَ} التي هي مبتدأ، فالحال إنما هو عن ذلك الذكر، وقوله {هِيَ} مبتدأ، {هِيَ} خبره، و{خَالِصَةً} حال، والعامل فيه ما في اللام من معنى الفعل، والتقدير: هي تثبت للذين آمنوا خالصة). [الموضح: 526]

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حرّم ربّي الفواحش... (33).
[معاني القراءات وعللها: 1/405]
أسكن الياء حمزة وحده، وحركها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/406]

قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن سيرين: [فَإِذَا جَاءَ آجَالُهُمْ].
قال أبو الفتح: هذا هو الظاهر؛ لأن لكل إنسان أجلًا. فأما إفراد الأجل فلأنه جعله جنسًا، أو لأنه مصدر فأتته الجنسية من قِبل المصدرية، وحسن الإفراد لإضافته أيضًا إلى الجماعة، ومعلوم أن لكل إنسان أجلًا، وعليه جاء قوله:
في حَلقِكم عظْم وقد شَجينا
لأن لكل إنسان حلقًا، وتقول على هذا: رأس القوم صُلْبٌ؛ أي: رءوسهم صِلَاب. ويجوز أن تقول: رأس القوم صِلَاب؛ حملًا على المعنى.
وندع الإطالة بالشواهد إشفاقًا من الإطالة التي سئلنا اجتنابها على ما بينا في صدر الكتاب). [المحتسب: 1/246]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:03 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (35) إلى الآية (39) ]

{يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أُبي بن كعب والأعرج والحسن: [إِمَّا تَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ منكم] بالتاء.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة بعض الصنعة؛ وذلك لقوله فيما يليه: {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} . فالأشبه بتذكير يقصون التذكير بالياء في قراءة الجماعة: {يَأْتِيَنَّكُمْ}، فتقول على هذا: قامت الزيود وقام الزيدون، وتذكر لفظ قام لتذكير الزيدون، وتؤنث لفظ قامت لأن الزيود مكسر ولا يختص بالتذكير؛ لقولك: الهنود. وقد يجوز قامت الزيدون، إلا أن قام أحسن). [المحتسب: 1/247]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)}

قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)}

قوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون (38).
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (ولكن لا يعلمون) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/404]
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهو خطاب لأخراهم وأولاهم المضلّين والمضلّين من الكفار.
ومن قرأ بالياء فللغيبة.
ومعنى قوله (لكلٍّ ضعفٌ)، أي: لكل من التابع والمتبوع عذاب مضاعف؛ لأنهم دخلوا في الكفر جميعا.
وقيل في تفسير قوله (ولكن لا تعلمون) أيها المخاطبون ما لكل فريق منكم من العذاب.
وقيل في قوله (ولكن لا يعلمون): ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر). [معاني القراءات وعللها: 1/405]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {ولكن لا تعلمون} [38].
قرأ عاصم في رواية ابي بكر بالياء أخبر عن غيب.
وقرأ الباقون بالتاء. فمن قرأ بالتاء فالتقدير: يا محمد: قل لهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/181]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء والياء في قوله تعالى: ولكن لا تعلمون [الأعراف/ 38].
فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر (لكلّ ضعف، ولكن لا يعلمون) بالياء.
وروى حفص عن عاصم بالتاء. وكذلك قرأ الباقون بالتاء.
وجه القراءة بالتاء في قوله: ولكن لا تعلمون أن المعنى: لكلّ ضعف، أي: لكلّ فريق من المضلّين والمضلّين ضعف ولكن لا تعلمون أيّها المضلّون والمضلّون. ومن قرأ بالياء: حمل الكلام على كلّ، لأنّه، وإن كان للمخاطبين، فهو اسم ظاهر موضوع للغيبة، فحمل على اللفظ دون المعنى،
[الحجة للقراء السبعة: 4/17]
ومثل هذا في المعنى: قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار [ص/ 61] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/18]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رُوي عن أبي عمرو: [حَتَّى إِذَا إدَّارَكُوا]، ورُوي عنه أيضًا: "حتى إذا" يقف ثم يقول: [تَدَارَكُوا]، وظهور التاء في [تداركوا] قراءة ابن مسعود والأعمش.
وقراءة أخرى: [إذآ ادَّاركوا]، قرأ بها مجاهد وحميد ويحيى وإبراهيم.
قال أبو الفتح: قَطْعُ أبي عمرو همزة [ادَّاركوا] في الوصل مشكل؛ وذلك أنه لا مانع من حذف الهمزة؛ إذ ليست مبتدأة كقراءته الأخرى مع الجماعة. وأمثل ما يصرف إليه هذا أن يكون وقف على ألف "إذا" مُمَيِّلًا بين هذه القراءة وقراءته الأخرى التي هي [تداركوا]، فلما اطمأن على الألف لذلك القدر من التمييل بين القراءتين لزمه الابتداء بأول الحرف، فأثبت همزة الوصل مكسورة على ما يجب من ذلك في ابتدائها، فجرى هذا التمييل في التلوم عليه وتطاول الصوت به مجرى وِقفة التذكر في نحو قولك: قالوا -وأنت تتذكر- الآن من قول الله سبحانه: [قالُوا الآن]، فتثبت الواو من قالوا لتلومك عليها للاستذكار، ثم تثبت همزة الآن؛ أعني: همزة لام التعريف.
ومثله [اشْتروُوا] إذا وقفت مستذكرًا "للضلالة"، فتضم الواو من "اشتروا" على ما كانت عليه من الضم لالتقاء الساكنين، ثم تشبع الضمة لإطالة صوت وِقفة الاستذكار، فتُحدِث هناك واوًا تنشأ عن ضمة واو الضمير، ثم تبتدئ فتقول: [ألضلالة]، فتقطع همزة الوصل لابتدائك بها، فهذا أمثل ما يقال في هذا.
[المحتسب: 1/247]
ولا يحسن أن تقول: إنه قطع همزة الوصل ارتجالًا هكذا؛ لأن هذا إنما يسوغ لضرورة الشعر. فأما في القرآن فمعاذ الله وحاشا أبي عمرو، ولا سيما وهذه الهمزة هنا إنما هي في فعل، وقلما جاء في الشعر قطع همزة الوصل في الفعل؛ وإنما يجيء الشيء النزر من ذلك في الاسم، نحو قول جميل:
ألا لا أرى إثنين أحسن شيمة ... على حَدَثان الدهر مني ومن جُمْل
وقول الآخر:
يا نفس صبرًا كل حي لاق ... وكل إثنين إلى افتراق
أي: لاق منيته، فحذف المفعول، وإنما قل قطع همزة الوصل هذه في الفعل، وجاء ما جاء من ذلك في الاسم؛ حيث كان الفعل مظنة من همزة الوصل، وإنما تدخل من الأسماء ما ضارع الفعل.
وباب همزات الأسماء أن تكون قطعًا، فلما غلب القطع عليها جرت الألسن على العادة في ذلك، واستجازوا قطع همزة الوصل لما ذكرنا.
وليست حال همزة الوصل في الفعل كذلك؛ لأنها معتادة هناك، فازداد قطعها من الفعل ضِيقَ عُذْرٍ لما ذكرنا.
فأما [حتى إذآ ادَّاركوا] بإثبات ألف "إذا" مع سكون الدال من [ادَّاركوا] فإنما ذلك لأنه أجرى المنفصل مجرى المتصل، فشبهه بشابَّة ودابَّة ونحو قولهم: لاهآ الله ذا بإثبات الألف في "ها"، وترك حذفها لالتقاء الساكنين كما حذفت في قول من قال: لاها الله ذا.
وقال لي أبو علي: فيها أربع لغات: لاهَا لله ذا بحذف الألف، ولاهآ الله ذا بمدها تشبيهًا بالمتصل على ما مضى في دابة. ولاهآ ألله بإثبات ألف ها وهمزة الله بوزن لاها عَلَّاة ذا.
والرابعة: لاهَأللهِ ذا في وزن هَعَلّله ذا، تحرك ألف "ها" لالتقاء الساكنين وتقلبها همزة، كما قرأ أيوب السختياني: [ولا الضَّأَلِّين]، بوزن الضَعَلِّين. وعليه ما حكاه أبو زيد من قولهم: شأَبَّة ومأَدَّة.
ومثله أيضًا قراءة أبي عمرو، ورويناها عن قطرب عنه: [قالوا اطَّيْرنا]، وحُكي عن بعضهم: هذان عبدآ اللهِ.
[المحتسب: 1/248]
وحُكي عنهم: له ثلثآ المال وهو أشد؛ لأنه غير مدغم.
وقال بعضهم: يآ الله، وبعضهم: يا ألله، وبعضهم: يألله، وبعضهم: ياْلله، فحذف ألف يا لالتقاء الساكنين). [المحتسب: 1/249]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون}
قرأ أبو بكر (قال لكل ضعف ولكن لا يعلمون) بالياء إخبار عن غيب المعنى ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر
وقرأ الباقون بالتّاء أي ولكن لا تعلمون أيها المخاطبون ما لكل فريق منكم من العذاب ويجوز والله أعلم ولكن لا تعلمون يا أهل الدّنيا مقدار ذلك). [حجة القراءات: 281]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {ولكن لا تعلمون} قرأه أبو بكر بالياء، حمل الكلام على لفظ «كل» ولفظه لفظ غائب، وقرأ الباقون بالتاء، حملوه على معنى ما قبله من الخطاب في لأن قبله {قال لكل ضعف} أي: لكلم ضعف، فحمل «تعلمون» على معنى «كل» في الخطاب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [آية/ 38] بالياء:-
قرأها عاصم وحده -ياش-.
والوجه أن الكلام محمول على {كلٍّ}؛ لأنه اسم ظاهر موضوع للغيبة، فجعل محمولاً على اللفظ دون المعنى، والمراد لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر.
وقرأ الباقون بالتاء.
والوجه أنه على الخطاب، والمعنى لكلكم ضعف من العذاب، والخطاب
[الموضح: 526]
للتابعين والمتبوعين، وهم المضلون والمضلون، أي ولكن لا تعلمون ما لكل منكم من العذاب). [الموضح: 527]

قوله تعالى: {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:05 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف

[ من الآية (40) إلى الآية (43) ]
{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا تفتّح لهم أبواب السّماء... (40).
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم. ويعقوب (لا تفتّح) بالتاء والتشديد، وقرأ أبو عمرو (لا تفتح) بالتاء مع التخفيف، وقرأ حمزة والكسائي (لا يفتح) بالياء مع التخفيف.
قال أبو منصور: من شدد فلتكثير الفتح، وكثرة الأبواب.
ومن خفف فلتقليله، ويجوز هذا وهذا فيما يكثر ويقلّ). [معاني القراءات وعللها: 1/405]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {لا تفتح لهم أبواب السماء} [40].
قرأ أبو عمرو وحده: {لا تفتح} بالتاء والتخفيف.
وقرأ حمزة والكسائي بالياء والتخفيف.
وقرأ الباقون بالتاء والتشديد.
فمن أنث فلتأنيث الأبواب؛ لأن كل جمع خالف الآدميين فهو بالتأنيث، وشاهده قوله: {مفتحة لهم الأبواب} ومن ذكر فلأن تأنيثه غير حقيقي؛ ولأنه قد فصل بين المؤنث وبين فعله بصفة، وكلاهما حسن. فأما من شدد فإنه من التفتيح مرة بعد مرة مثل قتل وذبح. ومن خفف دل على المرة الواحدة.
ومعنى قوله: {لا تفتح لهم أبواب السماء} أي: لا يستجاب دعاؤهم، ولا يصعد إلى عملهم؛ لأن الله تعالى قال: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} وأرواح المؤمنين في الجنة، وأعمال الكافرين وأرواحهم في صخرة تحت الأرضين.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/180]
وقال آخرون: {لا تفتح لهم أبواب السماء} أي: لا تفتح لهم أبواب الجنة؛ لأن أبواب الجنة في السماء. والنار في الدرك الأسفل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/181]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتشديد في قوله تعالى: (لا تفتح لهم) [الأعراف/ 40].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر: لا تفتح بالتاء مشددة التاء الثانية.
وقرأ أبو عمرو (لا تفتح) بالتاء خفيفة ساكنة الفاء.
وقرأ حمزة والكسائيّ: (لا يفتح) بالياء خفيفة.
حجة من قال: تفتح قوله: جنات عدن مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]؛ فقياس مفتحة: تفتّح، وقوله: (وفتّحت السماء فكانت أبوابا) [النبأ/ 19]، لأن المعنى في فتّحت السماء على أبوابها، والمعنى: فكانت ذات أبواب.
وحجّة من خفف قوله: ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر [القمر/ 11]، وقوله: فتحنا عليهم أبواب كل شيء [الأنعام/ 44]، و (فتحنا) قد يقع على التكثير كما يقع (فتّحنا)، ومن قال: (لا يفتح) بالياء، فلتقدّم الفعل، ويشهد للتأنيث قوله: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]. ألا ترى أنّ
[الحجة للقراء السبعة: 4/18]
اسم الفاعل يجري مجرى الفعل، وقد أنّث، وكذلك الفعل ينبغي أن يؤنّث، وأما قوله: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج [الأنبياء/ 96] فإنّما خفّف؛ لأنّ المعنى: فتح سدّ يأجوج ومأجوج؛ فأجرى التأنيث على لفظ يأجوج، وإن كان المعنى على السدّ، أو يكون: فتحت أرض يأجوج، لأنّ فتح سدّها فتح أرضهم؛ فهو فتح واحد لا تكرير فيه، فيحسن التشديد.
ومعنى: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، أي: لا تصعد أعمالهم إليها.
وروي في تفسير قوله: فما بكت عليهم السماء والأرض [الدخان/ 29]، أنّ موضع المؤمن الذي كان يرتفع إليه عمله الصالح، يبكي عليه إذا مات، وقال [الله عزّ وجلّ]: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [فاطر/ 10] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/19]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وأبي العلاء بن الشخير ورويت عن أبي رجاء: [حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ]، وقرأ: [الْجُمَل] -بضم الجيم وفتحة الميم مخففة- ابن عباس وسعيد بن جبير بخلاف وعبد الكريم وحنظلة ومجاهد بخلاف.
وقرأ: [الْجُمْل] -بضم الجيم وسكون الميم- ابن عباس وسعيد بن جبير بخلاف عنهما.
وقرأ: [الْجُمُل] -بضمتين والميم خفيفة- ابن عباس.
وقرأ أبو السمال: [الْجَمْل] مفتوحة الجيم ساكنة الميم.
قال أبو الفتح: "أما [الْجُمَّل] بالتثقيل و[الْجُمُل] بالتخفيف فكلاهما الحبل الغليظ من القنب، ويقال: حبل السفينة، ويقال: الحبال المجموعة، وكله قريب بعضه من بعض.
وأما [الْجُمْل] فقد يجوز في القياس أن يكون جمع جَمَل كأَسَد وأُسْد ووَثَن ووُثْن، وكذلك المضموم الميم أيضًا كأُسُد.
وأما [الْجَمْل] فبعيد أن يكون مخففًا من المفتوح لخفة الفتحة، وإن كان قد جاء عنهم قوله:
وما كل مبتاع ولو سَلْف صَفْقُهُ ... براجع ما قد فاته بِرِداد). [المحتسب: 1/249]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الّذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السّماء}
قرأ أبو عمرو {لا تفتح} بالتّاء والتّخفيف وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء والتّخفيف وقرأ الباقون بالتّاء والتّشديد وحجّة التّاء قوله {وفتحت أبوابها} ذهبوا إلى جماعة الأبواب وحجّة من قرأ بالياء هي أنه لما فصل بين المؤنّث وبين فعله بفاصل صار الفاصل كالعوض من التّأنيث والتذكير والتأنيث في هذا النّوع قد جاء بهما التّنزيل فمن الأول قوله {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} ومن التّأنيث قوله {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} ولو ذكر أما وأنث فعل اللحوم كان جائزا حسنا
فأما التّشديد فإنّه من التفتيح مرّة بعد مرّة أخرى وهذا هو المختار لأنّها جماعة وحجتهم قوله {مفتحة لهم الأبواب} ولم يقل مفتوحة وقال {وغلقت الأبواب} ومن خفف دلّ على المرة الواحدة ومعنى قوله {لا تفتح لهم أبواب السّماء} أي لا يستجاب لهم دعاؤهم فتفتح لهم أبواب السّماء وقد ذكرت في تفسير القرآن). [حجة القراءات: 282]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {لا تفتح} قرأه حمزة والكسائي بالياء مضمومة؛ لأن تأنيث الأبواب غير حقيقي، ولأنه فرّق بين المؤنث وفعله، كلا العلتين يجيز التذكير، وقرأ الباقون بالتاء، على تأنيث لفظ الأبواب، كما قال: {مفتحة لهم الأبواب} «ص 50» وخفف الفعل أبو عمرو والكسائي وحمزة، على معنى أن التخفيف يقع للمرة والأكثرة، وقد أجمعوا على التخفيف في قوله: {ولو فتحنا عليهم بابًا} «الحجر 14» وشدد الباقون على معنى التكرير والتكثير مرة بعد مرة، والتاء أحب إلي؛ لتأنيث لفظ الأبواب، والتشديد أحب غلي؛ لأن عليه الحرميين وعاصمًا وابن عامر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {لا تُفَتَّحُ} [آية/ 40] بالتاء مخففة:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه أن التاء لتأنيث الأبواب؛ لأنها جماعة، وأما التخفيف فلأن الفعل المخفف قد يستفاد منه الكثرة، كما يستفاد من المشدد.
وحجة هذه القراءة قوله تعالى {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}.
وقرأ حمزة والكسائي {لا يُفَتَّحُ} بالياء مخففة.
والوجه أن الياء لتقدم الفعل مع أن تأنيث الأبواب ليس بحقيقي، وأن التخفيف لما ذكرناه.
وقرأ الباقون {لا تُفَتَّحُ} بالتاء والتشديد.
والوجه أن التاء التأنيث الأبواب كما ذكرنا، وأن التشديد لكثرة الأبواب؛ لأنه يقتضي فتحًا بعد فتح). [الموضح: 527]

قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)}

قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعز: (أورثتموها بما كنتم تعملون (43).
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب (أورثتّموها) مدغما، ومثله في الزخرف، وقرأ الباقون بإظهار الثاء في السورتين
قال أبو منصور: من أدغم فلقرب مخرجي الحرفين، أعنى: التاء والثاء.
ومن لم يدغم فلأنه أتم وأشبع). [معاني القراءات وعللها: 1/406]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما كنّا لنهتدي... (43).
قرأ ابن عامر: (ما كنّا لنهتدي) بغير واو، وكذلك هي في مصاحفهم، وقرأ الباقون بالواو.
قال أبو منصور: إخراج الواو وإدخالها لا يغير المعنى في مثل هذا الموضع، المعنى: أنهم قالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا من غير أن كنا نهتدي لما هدانا له، ومن حذف الواو أراد: يا رب ما كنا لنهتدي لهذا لولا هدى الله إيانا). [معاني القراءات وعللها: 1/407]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {وما كنا لنهتدي} [43].
وقرأ ابن عامر وحده: {ما كنا لنهتدي} بغير واو.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/184]
وكذلك هو في مصاحفهم.
والباقون بواو، وقد ذكرته في (المائدة) و(الأنعام) مع سائر الحروف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/185]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- قوله تعالى: {أن تلكم الجنة أورثتموها} [43].
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر برواية هشام بالإدغام لقرب الثاء من التاء.
وقرأ الباقون بالإظهار على الأصل؛ لأنهما مهموستان إذا أدغمته أخفيته، وفيها ضعف فكان الإظهار أحسن عندهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/185]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ: وما كنا لنهتدي [الأعراف/ 43]. بواو غير ابن عامر؛ فإنّه قرأ ما كنا بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام.
وجه الاستغناء عن حرف العطف في قوله: وما كنا لنهتدي أنّ الجملة ملتبسة بما قبلها، فأغنى التباسها به عن حرف العطف. وقد تقدّم ذكر ذلك، ومثل ذلك قوله:
سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم [الكهف/ 22]، فاستغنى عن الحرف العاطف بالتباس إحدى الجملتين بالأخرى). [الحجة للقراء السبعة: 4/25]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر أورثتموها [الأعراف/ 42] غير مدغمة وكذلك في الزخرف [72].
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ أورثتموها مدغمة، وكذلك في الزخرف.
[قال أبو علي] من ترك الإدغام فلتباين المخرجين،
[الحجة للقراء السبعة: 4/25]
وأن الحرفين في حكم الانفصال، وإن كانا في كلمة واحدة.
ألا ترى أنّهم لم يدغموا ولو شاء الله ما اقتتلوا [البقرة/ 253]، وإن كانا مثلين لمّا لم يكونا لازمين، ألا ترى أن تاء «افتعل» قد يقع بعدها غير التاء؟، فكذلك «أورث» قد يقع بعدها غير التاء فلا يجب الإدغام.
ووجه الإدغام أن الثاء والتاء مهموستان متقاربتان فاستحسن الإدغام من أدغم. وقد جعل قوم تاء المضمر بمنزلة غيرها، مما يتصل بالكلمة؛ لأنّ الفعل لا يقدّر منفصلا من الفاعل، بل يقدّر متصلا بدلالة قولهم فعلت، وإسكانهم اللام في قولهم: يفعلن ومجيئهم بالإعراب بعد الفاعل، وقد قال قوم: فحصط برجلي، فأبدلوا تاء الضمير طاء، وقالوا: فزد، فأبدلوا منها الدال كما أبدلوا في نحو: اذدكر، ونحو اصطبر؛ فعلى هذا يحسن الإدغام في أورثتموها). [الحجة للقراء السبعة: 4/26]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {وما كنا لنهتدي} قرأه ابن عامر بغير واو، استغنى عن حرف العطف لاتصال الجملة الثانية بالأولى في المعنى، وقوّى الحذف أنها في مصحف أهل الشام بغير واو، وقرأ الباقون بالواو، لعطف الجملة على الجملة، وكذلك هي بالواو في سائر المصاحف غير مصحف أهل الشام، وإثبات الواو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، ولأن فيه تأكيد ارتباط الجملة الثانية بالأولى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/464]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ} [آية/ 43] بغير واو في أوله:
قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 527]
والوجه أن التباس الجملة بما قبلها أغنى عن حرف العطف، وقد مضى مثله.
وقرأ الباقون {وَمَا كُنَّا} بواو في أوله.
والوجه أنه عطف بالواو جملة على جملة). [الموضح: 528]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {أُورِثْتُمُوهَا} [آية/ 43] مدغمة:
قرأها أبو عمرو وحمزة والكسائي.
والوجه أن التاء والثاء مهموستان متقاربتان في المخرج، ولتقاربهما حسن الإدغام.
وقرأ الباقون {أُورِثْتُمُوهَا} بالإظهار.
والوجه أن الحرفين وإن كانا في كلمة واحدة، فإنهما في حكم الانفصال؛ لأن أحدهما تاء الضمير، وقد يقع قبلها غير الثاء فلا يحصل الإدغام، فهو غير لازم، ولهذا لم يدغموا في قوله {وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلُوا}إذ كانت التاء الثانية غير لازمة). [الموضح: 528]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:08 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (44) إلى الآية (49) ]

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قالوا نعم... (44).
قرأ الكسائي وحده (قالوا نعم) بكسر العين في كل القرآن، وفتحها الباقون.
قال أبو منصور: هما لغتان: نعم، ونعم.
موقوفة الميم في اللغتين؛ لأنه حرفٌ جاء لمعنىً.
ونعم: جواب كلام فيه استفهام لا جحد فيه، فإذا كان فيما قبله من الاستفهام جحد فجوابه (بلى)، كقولك: ألم يأتك رسول؟ فتقول: بلى). [معاني القراءات وعللها: 1/406]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن لعنة اللّه على الظّالمين (44).
قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ويعقوب (أن لعنة اللّه على الظّالمين) بسكون النون. من (أن) و(لعنة) مرفوعة وكذلك روى قنبل لابن كثير، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي (أنّ لعنة اللّه) بتشديد النون، ونصب (لعنة).
قال أبو منصور: من خفف (أن) منعها عملها، ورفع ما بعدها، ومن شدد النون نصب بها الاسم، والمعنى واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/407]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعلى: {قالوا نعم} [44].
قرأ الكسائي وحده: {قالوا نعم} بفتح النون وكسر العين، وذهب إلى حديث روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رجلاً لقى النبي صلى الله عليه وسلم [بمنى] فقال: أنت الذي يزعم أنه نبي فقال: نعم». وذهب إلى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضًا: «أنه سأل رجلاً شيئًا فقال: نعم، فقال: قل: نعم، إنما النعم الإبل»
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/181]
وقرأ الباقون: {نعم} بفتح النون والعين، وهما لغتان: الفتح والكسر.
واعلم أن «نعم» جواب الاستفهام، و«بلى» جواب الجحد، كقوله تعالى: {ألست بربكم قالوا بلى} ولا يجوز نعم هاهنا، {أو لم تؤمن قال بلى} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/182]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {أن لعنة الله على الظالمين} [44].
قرأ حمزة والكسائي وابن كثير برواية البزي، وابن عامر «أن» بالتشديد، وموضعه نصب بالفعل الذي قبله.
وقرأ الباقون {أن لعنة الله} بالتخفيف، وكذلك رواه قنبل عن ابن كثير. فمن خفف له مذهبان:
أحدهما: أنه أراد أن يخفف كما قال: {أن لا يقدرون على شيء} أراد: أنهم. وكقراءة عاصم ونافع {وأن كلا} أراد: وأن كلا، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/182]
وصدر مشرق النحر = كأن ثدييه حقان
أراد: كأن فخفف، فهذا إنشاد البصريين رحمهم الله، والكوفيون إذا خففوا رفعوا فقالوا: «كأن ثدياه» إلا أن يكون الاسم مكنيا كقوله:
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني = فراقك لم أبخل وأنت صديق
أراد: فلو أنك:
والوجه الثاني: أن يكون أراد فأذن مؤذن بينهم أي: لعنة الله فـــ «أن» بمعنى «أي»، وهذا حكاه الخليل رضي الله عنه. كقوله: {أن امشوا واصبروا} أي امشوا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/183]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ: قالوا نعم [الأعراف/ 44] بفتح العين والنون في كلّ القرآن غير الكسائي؛ فإنّه قرأ: (نعم) بفتح النون وكسر العين في كلّ القرآن.
قال أبو الحسن: (نعم، ونعم) لغتان، قال: وفي القراءة: الفتح.
[الحجة للقراء السبعة: 4/19]
قال سيبويه: نعم: عدة وتصديق، قال: وإذا استفهمت أجبت بنعم، ولم يحك سيبويه فيها الكسر.
والذي يريده بقوله: عدة وتصديق أنّه يستعمل عدة، ويستعمل تصديقا، وليس يريد أن التصديق يجتمع مع العدة، ألا ترى أنّه إذا قال: أتعطيني؟، فقال: نعم، كان عدة، ولا تصديق في هذا، وإذا قال: قد كان كذا وكذا؛ فقلت:
نعم، فقد صدّقته ولا عدة في هذا.
فليس قوله في نعم أنّه عدة وتصديق؛ كقوله في إذا: إنّها جواب وجزاء، لأنّ إذا، يكون جوابا في الموضع الذي يكون فيه جزاء، يقول: أنا آتيك، فتقول: إذا أكرمك، فيكون جوابا لكلامه.
ويكون جزاء أيضا في هذا الموضع؛ فقد علمت أنّ قوله في نعم عدة وتصديق ليس كقوله في إذا: إنّها جواب وجزاء، وقوله: إذا استفهمت أجبت بنعم، تريد: استفهمت عن موجب أجبت بنعم، تقول: أيقوم زيد؟ فتقول: نعم، ولو كان مكان الإيجاب نفي لقلت: بلى، ولم تقل: نعم، كما تقول في جواب الإيجاب.
[الحجة للقراء السبعة: 4/20]
قال تعالى: ألست بربكم قالوا بلى [الأعراف/ 172] [ولم يقل: نعم]، وقال: أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى [القيامة/ 3].
ويجوز في القياس على قول من قال: شهد، أن تكسر النون من نعم في لغة من كسر العين، كما كسرت الفاء في شهد.
فإن قلت: إنّ ذلك إنّما جاء في الأسماء والأفعال، فالقول أنّ نعم، وإن كان حرفا، فإنّه: إذا كان على لفظ الأسماء جاز أن تجرى في القياس مجراها، ألا ترى أنّهم أمالوا «بلى» وإن كان حرفا لما كان على لفظ الأسماء؟). [الحجة للقراء السبعة: 4/21]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد النون وتخفيفها في قوله عز وجل: أن لعنة الله [الأعراف/ 44].
فقرأ ابن كثير في رواية قنبل، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: أن لعنة الله خفيفة النون ساكنة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/21]
حدثني نصر بن محمد القاضي عن البزّي عنهم (أنّ لعنة الله) نصبا.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائيّ: (أنّ لعنة الله) نصبا، (على الظالمين) مشددة النون.
حدثني الحسين بن بشر الصوفي، عن روح بن عبد المؤمن، عن محمد بن صالح المرّي عن شبل عن ابن كثير مثله (أنّ) مشدّدة، وكذلك روى خلف والهيثم عن عبيد عن شبل عن ابن كثير مثله (أنّ لعنة الله) نصبا.
وكلّهم قرأ التي في سورة النّور: أن لعنة الله [الآية/ 7]، وأن غضب الله [الآية/ 9] بالتشديد، غير نافع فإنّه قرأ: (أن لعنة الله)، و (وأن غضب الله) مخففتين.
[الحجة للقراء السبعة: 4/22]
أذن مؤذن [الأعراف/ 44]، بمنزلة أعلم.
قال سيبويه: أذّنت: إعلام بتصويت، فالتي تقع بعد العلم إنّما هي المشددة أو المخفّفة عنها، والتقدير: أعلم معلم أنّ لعنة الله. ومن خفّف (أن) كان على إرادة إضمار القصة والحديث، تقديره: أنّه لعنة الله، ومثل ذلك قوله: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10]، التقدير: (أنّه)، ولا تخفّف (أن) هذه إلّا وإضمار القصة والحديث يراد معها، ومن ثقّل نصب بأنّ ما بعدها، كما ينصب بالمشددة المكسورة، فالمكسورة إذا خففت لا يكون ما بعدها على إضمار القصة والحديث، كما تكون المفتوحة كذلك. والذي فصل بينهما أنّ المفتوحة موصولة، والموصولة تقتضي صلتها، فصارت لاقتضائها الصلة أشدّ اتصالا بما بعدها من المكسورة، فقدّر بعدها الضمير الذي هو من جملة صلتها، وليست المكسورة كذلك. ومن المفتوحة قول الأعشى:
في فتية كسيوف الهند قد علموا... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل
[الحجة للقراء السبعة: 4/23]
وأمّا قراءتهم في النور أن غضب الله فإنّ (أنّ) في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ؛ فأمّا تخفيف نافع أن لعنة الله فحسن، وهو بمنزلة قوله وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10].
وأمّا تخفيفه (أن غضب الله)، فإن قال قائل: فهلّا لم يستحسن هذا، لأنّ المخففة من المشدّدة لا يقع بعدها الفعل، حتى يدخل عوض من حذف أن، ومن أنّها تولى ما لا يليه من الفعل، يدلّ على ذلك قوله: علم أن سيكون منكم [المزمل/ 20]، وقوله: أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] وقوله: لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله [الحديد/ 29].
قيل: استجاز هذا، وإن لم يدخل معه شيء من هذه الحروف، لأنّه دعاء، وليس شيء من هذه الحروف يحتمل الدخول معه، ونظير هذا في أنّه لمّا كان دعاء لم يلزمه العوض. قوله: نودي أن بورك من في النار ومن حولها [النمل/ 8]؛ فولي قوله: (نودي) أن، وإن لم يدخل معها عوض، كما لم يدخل في قراءة نافع (أن غضب الله عليها)
[الحجة للقراء السبعة: 4/24]
[النور/ 9]. والدعاء قد استجيز معه ما لم يستجز مع غيره، ألا ترى أنّهم قالوا: «أما إن جزاك الله خيرا» وحمله سيبويه على إضمار القصة في «إن» المكسورة، ولم يضمر القصة مع المكسورة إلّا في هذا الموضع؟!). [الحجة للقراء السبعة: 4/25]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظّالمين}
قرأ الكسائي {قالوا نعم} بكسر العين حيث كان وحجته
[حجة القراءات: 282]
ما روي في الحديث أن رجلا لقي النّبي صلى الله عليه وسلم وآله بمنى فقال أنت الّذي يزعم أنه نبي فقال
نعم بكسر العين وروي أيضا أن عمر سأل رجلا شيئا فقال نعم فقال قل نعم إنّما النعم الإبل وقرأ الباقون نعم بالفتح وهما لغتان
قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو والقواس عن ابن كثير {أن لعنة الله} {إن} خفيفة {لعنة الله} رفع
وقرأ الباقون {إن} بالتّشديد لعنة نصب
من خفف فله مذهبان أحدهما أنه أراد أن الخفيفة عن أن الثّقيلة كما قال جلّ وعز {ألا يقدرون على شيء} أراد أنهم والثّاني بمعنى أي الّتي هي تفسير كأنّها تفسر لما أذنوا به أراد {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله} وهذا حكاه الخليل وحجّة التّخفيف قوله {ونودوا أن تلكم الجنّة} و{أن سلام عليكم} ولم يقرأ أحد أن تلكم ولا أن سلاما). [حجة القراءات: 283]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {قالوا نعم} قرأ الكسائي بكسر العين، حيث وقع وفتحها الباقون، وهما لغتان بمعنى العدة إذا استفهمت عن موجب، نحو قولك: أيقوم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
زيد، فتقول: نعم، والتصديق إذا أخبرت عما وقع، تقولك قد كان كذا، فتقول: نعم، فإذا استفهمت عن منفي فالجواب «بلى»، ولا يدخل فيه «نعم»، نحو: ألم أكرمك، فتقول: بلى، فـ «نعم» لجواب الاستفهام الداخل على الإيجاب، و«بلى» لجواب الاستفهام الداخل على النفي، ولذلك كان الجواب في قول المؤمنين للكفار: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا} بـ «نعم»؛ لأنه استفهام دخل على إيجاب، ولذلك كان الجواب في قول الله تعالى ذكره: {ألست بربكم قالوا بلى} «الأعراف 172» بـ «بلى» لأنه استفهام دخل على نفي، فاعرفه، فلست تجده مشروحًا هكذا، وكان من كسر العين في «نعم» أراد أن يفرق بين «نعم» الذي هو جواب وبين «نعم» الذي هو اسم للإبل والبقر والغنم، وقد روي عن عمر إنكار «نعم» بفتح العين في الجواب، وقال: قل نعم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/463]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {أن لعنة الله على الظالمين} قرأ البزي وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد «أن» ونصب «اللعنة» بـ «أن»، وهو الأصل، وقرأ الباقون بتخفيف «أن» ورفع «اللعنة» بالابتداء، وهي «أن» الثقيلة خففت فنقص لفظها عن شبه الفعل، فلم تعمل في اللفظ وعملت في المعنى، فرجع ما بعدها إلى أصله، وهو الابتداء، ومع «أن» إضمار القصة بخلاف المكسورة المشددة، لـ «أن» المفتوحة اسم يحتاج إلى صلة، فأضمر ما بعدها ما يكون هو الابتداء، والخبر في المعنى، وهو القصة والحديث، والمكسورة حرف لا يقتضي صلة، فلم يضمر بعدها ما يكون هو الابتداء والخبر في المعنى.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/463]
وإنما يضمر مع المكسورة الهاء، وهو اسم مفرد، وما بعد المفتوحة من الابتداء والخبر هو خبرها، وكذلك ما بعد المخففة المكسورة، إلا أن خبر المفتوحة هو اسمها في المعنى؛ لأن الجملة هي للقصة المضمرة مع المفتوحة والحديث المضمر، وليس كذلك الجملة بعد «إن» المخففة المكسورة، ليست الجملة التي هي الخبر هي الهاء المضمرة مع المكسورة، فاعرف الفرق بينهما، فإنه مشكل معدوم تفسيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/464]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {قَالُوا نَعِمْ} [آية/ 44] بكسر العين:-
قرأها الكسائي وحده في كل القرآن.
وقرأ الباقون {نَعَمْ} بفتح العين في كل القرآن.
ونعَم ونعِم بفتح العين وكسرها لغتان، وهي مبنية على الوقف في اللغتين؛ لأنها حرف جاء لمعنى، ومعناه جواب استفهام ليس فيه جحد، فإن كان في الاستفهام معنى النفي كان جوابه: بلى). [الموضح: 529]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {أَنْ لَعْنَةُ الله} [آية/ 44] بتشديد {أَنْ} ونصب {لَعْنَةُ}:-
قرأها ابن كثير في رواية البري، وابن عامر وحمزة والكسائي.
والوجه أنه على الأصل؛ لأن التشديد هو الأصل في أن، والتخفيف تغيير في هذا الباب؛ لأن التي تقع بعد العلم هي المشددة، فإذا خففت كان تغييرًا عن الأصل وكان بمعنى التشديد، ومعنى {أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ}: أعلم معلم «أن لعنة الله».
وقرأ الباقون و-ل- عن ابن كثير {أَنْ} بالتخفيف و{لَعْنَةُ} بالرفع.
[الموضح: 529]
والوجه أنها مخففة من المشددة، والأصل أن؛ لأنها خففت، وأضمر بعدها الأمر أو الشأن أو القصة، والتقدير: أذن مؤذن بينهم {أَنْ لَعْنَةُ الله}، أي أن الأمر والشأن لعنة الله، فالشأن المضمر اسم أن، وما بعده جملة هي مبتدأ وخبر، ولا تخفف أن إلا وإضمار الأمر أو القصة يراد معها). [الموضح: 530]

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45)}

قوله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)}

قوله تعالى: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {تلقاء أصحاب النار} [47].
ما اختلف القراء فيه، غير أن خلفًا روى عن الكسائي أنه كان إذا وقف على قوله {من تلقاى نفسي} قال: تلقاى فأمال، و{من نبإي المرسلين} {نبئ}، وإنما أمال هذين الحرفين طلبًا للياء. قال قوم: الياء التي هي في هجاء المصحف، لأنهما كذلك كُتبا. والصواب عندي أن الإمالة
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/188]
إنما تكون في الألفاظ لا في الخط لكن الهمزة المكسورة إذا لُينت وخففت للوقف صارت في اللفظ ياء فأمال لذلك.
وحجة الأولين ما حدثني به ابن المرزبان عن أبي الزعراء عن أبي عمرو قال: إنما أمال حمزة شاء وجاء لأنهما في مصحف أبي مكتوبين بالياء شاى وجاي.
وجمع تلقاء تلاقي. وقد كتب في المصحف {من وراى حجاب} بالياء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/189]

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)}

قوله تعالى: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (وقوله تعالى: {برحمة} [49] وقف تام ثم يبتدأ: {ادخلوا الجنة} وإنما ذكرت هذا الحرف لأن الكسائي إذا وقف على اسم مؤنث نحو الآخرة والقيامة ومرية ومعصية أمال ما قبل الألف نحو رمى وقضى وحبلى وبشرى.
والباقون يفخمون على الأصل؛ لأن من شبه الهاء بالألف قليل شاذ.
فإن سأل سائل فقال: هل يجوز إمالة جميع ما في القرآن من نحو ذلك أم لا؟
فالجواب في ذلك: أن الكسائي ذكر أربعة أحرف اللواتي قدمت ذكرهن وكل ما ورد عليك مما ضارعه أملته، نحو دابة وحبة. وأما شررة وبررة فإني لا أميل؛ لأني وجدت الألف أصلاً في الإمالة، فإذا كان قبلها حرف من حروف الحلق: [الحاء] الطاء والظاء والصاد والضاد والعين والغين والخاء والقاف امتنعت من الإمالة، وكذلك إذا كان قبله راء نحو فراش وسراج؛ لأن الراء حرف فيه تكرير ففتحها بمنزلة فتحتين كما كانت كسرتها بمنزلة كسرتين في النار والأبرار والقنطار فلما امتنعت الألف في النار والأبرار والقنطار لما تقدمتها راء كانت الهاء المشبهة بالألف أمنع من الإمالة. فإن قيل: هلا تميل الطامة كما تميل الدابة؟
فقل: لا يجوز للطاء التي فيها.
فإن قيل: لم أملت المعصية؟
فقل: لأن الصاد مكسورة وإن كانت من حروف الاستعلاء.
فإن قيل: فقد أمال الآخرة وقبل الهاء راء؟
فقل: إنما حسنت الإمالة لكسرة الخاء. وهذا فصلٌ ما أعلم أن أحدًا علله فأعرفه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/184]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عكرمة: [لا يَنَالُهُم اللَّهُ بِرَحْمَةٍ دَخَلُوا الْجَنَّةَ].
وقرأ طلحة بن مُصرِّف: [بِرَحْمَةٍ أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ] أي: فُعِلَ ذلك بهم.
[المحتسب: 1/249]
قال أبو الفتح: الذي في هاتين القراءتين خطابهم بقوله سبحانه: [لا خوف عليهم ولا هم يحزنون]، وطريق ذلك أن قوله: [أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ] الوقف هنا، ثم يُستأنف فيقال: [دَخَلُوا الجنة]، أو [أُدْخِلُوا الجنة] أي: قد دخَلوا أو أُدخلوا، وإضمار قد موجود في الكلام نحو قوله: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي: قد حصرت صدورهم؛ أي: فقد دخلوا الجنة، فقال لهم: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}، وقد اتسع عنهم حذف القول كقوله تعالى: {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي: يقولون لهم: سلام عليكم، وقال الشاعر:
رَجْلان من ضبة أخبرانا ... إنا رأينا رجلًا عريانا
أي قالا: إنا رأينا، ولذلك كَسَر. هكذا مذهب أصحابنا في نحو هذا من إضمار القول.
وقد يجوز أن يكون قوله: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُون} قولًا مرتجلًا لا على تقدير إضمار القول؛ لكن استأنف الله عز وجل خطابهم، فقال: [أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ]، كما استأنفه تعالى على القراءة المشهورة وهي: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} .
ومثله من ترك كلام إلى كلام آخَرَ بيتُ الكتاب، وهو قوله:
ألا يا بيتُ بالعلياء بيتُ
ألا تراه حمله على أنه نادى البيت، ثم ترك خطابه وأقبل على صاحبه، فقال: بالعلياء بيتُ، ثم رجع إلى خطاب البيت فقال له:
ولولا حب أهلك ما أتيت
وسألني قديمًا بعض مَن كان يأخذ عني، فقال: لِمَ لا يكون "بيت" الثاني تكريرًا على الأول
[المحتسب: 1/250]
كقولك: يا زيد زيد، ويكون بالعلياء في موضع الحال من البيت الأول، كما كان قول النابغة:
يا دارَ ميةَ بالعلياء
قوله: "بالعلياء" في موضع الحال؛ أي: يا دار مية عالية مرتفعة، فيكون كقوله:
يا بؤس للجهل ضَرَّارًا لأقوام
هذا معنى ما أورده بعد أن سددت السؤال ومكنته، فقلت: لا يجوز ذلك هنا؛ وذلك أنه لو كان البيت الثاني تكريرًا على الأول لقال: لولا حُب أهلك ما أتيت، فيكون كقولك: يا زيد، لولا مكانك ما فعلت كذا، وأنت لا تقول: يا زيد، ولولا مكانك لم أفعل كذا، فإذا بَطَلَ هذا ثبت ما قاله صاحب الكتاب من كونه كلامًا بعد كلام، وجملة تتلو جملة.
وهذا واضح، فقوله على هذا: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} جملة لا موضع لها من الإعراب من حيث كانت مرتجلة، وهي في القول الأول منصوب الموضع على الحال؛ أي: دخلوا الجنة أو أُدخلوا الجنة، مقولًا لهم هذا الكلام الذي هو: لا خوف عليكم، وحُذِفَ القول وهو منصوب على الحال، وأقيم مقامه قوله: [لا خوف عليكم] فانتصب انتصابه، كما أن قولهم: كلَّمته فاه إلى فِيّ منصوب على الحال؛ لأنه ناب عن: جاعلًا فاه إلى فِيّ، أو لأنه وقع موقع مشافهة التي هي نائبة عن مشافِهًا له). [المحتسب: 1/251]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:09 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (50) إلى الآية (51) ]

{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:10 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (52) إلى الآية (53) ]

{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}

قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق: [أو نُرَدَّ] بنصب الدال.
[المحتسب: 1/251]
قال أبو الفتح: الذي قبله مما هو متعلق به قوله: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا}، ثم قال: [أَوْ نُرَدَّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ] فعطف "نرد" على "يشفعوا"، وهو منصوب لأنه جواب الاستفهام وفيه معنى التمني؛ وذلك أنهم قد علموا أنه لا شفيع لهم، وإنما يتمنون أن يكون لهم هناك شفعاء، فيردوا بشفاعتهم، فيعملوا ما كانوا لا يعملونه من الطاعة؛ فيصير به المعنى إلى أنه كأنهم قالوا: إن نُرزق شفعاء يشفعوا لنا أو نُرْدَد، وتقديره مع رفع نرد على قراءة الجماعة: أن نُرزق شفعاء يشفعوا لنا، وإن نردد نعمل غير الذي كنا نعمل. وذلك أنهم مع نصب "نرد" تمنوا الشفعاء وقطعوا بالشفاعة، وتمنوا الرد أيضًا وضَمِنُوا عمل ما لم يكونوا يعملونه؛ أي: إن نُردد نعمل غير الذي كنا نعمل كأنه قال: أو هل نرد فنعمل.
فأما قوله سبحانه: [يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ]، فقال فيه أبو الحسن: إنهم إنما تمنوا الرد، وضمنوا ألا يُكَذِّبُوا، وهذا يوجب النصب لأنه جواب للتمني، قال: إلا أنه عُطِفَ في اللفظ والمراد به الجواب، وشَبَّهه بقول الله سبحانه: [وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ] بالجر، قال: فهي في اللفظ معطوفة على المسح، وفي المعنى معطوفة على الغسل، قال ونحو منه: هذا حجر ضَبٍّ خربٍ. وقرأها الحسن: [أو تُريدُ فَنَعْملُ] فهو على هذه القراءة على أنهم تمنوا إرادته عز وجل إيمانَهم وعملَهم.
فإن قيل: وكيف يصح تمنيهم إرادتَه منهم الإيمانَ، ومعلوم أنه هو المراد منهم لقوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وغيره من الآي؟
قيل: يكون معناه إرادة اقتسار لهم على الإيمان لا رَدٍّ منه تعالى الأمر إليهم فيه، فيكون هذا كقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} أي: لو شاء مشيئة إلجاء أو إكراه لا عَرْض وترغيب.
وساغ في هذه القراءة تمنيهم العمل؛ إذ كان بلطف الله -عز وجل- لهم فيه وإعانته إياهم عليه.
[المحتسب: 1/252]
وإن شئت قلت: عطَف "نعمل" بالرفع لفظًا وهو ينوي أنه جواب؛ أي: إن شاء الله ذلك مشيئة إلجاء عملنا لا محالة، فيعطفه لفظًا وهو يريد الجواب على ما مضى). [المحتسب: 1/253]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:22 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة