تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لاّ يفقهون بها ولهم أعينٌ لاّ يبصرون بها ولهم آذانٌ لاّ يسمعون بها}؛
يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس، يقال منه: ذرأ اللّه خلقه يذرؤهم ذرءًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن الحسين الأزديّ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس}؛ قال: ممّا خلقنا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن مباركٍ، عن الحسن، في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنّم}؛ قال: خلقنا.
- قال: حدّثنا زكريّا، عن عتّاب بن بشيرٍ، عن عليّ بن بذيمة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: أولاد الزّنا ممّا ذرأ اللّه لجهنّم.
- قال: حدّثنا زكريّا بن عديٍّ، وعثمان الأحول، عن مروان بن معاوية، عن الحسن بن عمرٍو، عن معاوية بن إسحاق، عن جليسٍ له بالطّائف، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، قال: «إنّ اللّه لمّا ذرأ لجهنّم ما ذرأ، كان ولد الزّنا ممّن ذرأ لجهنّم».
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولقد ذرأنا لجهنّم} يقول: خلقنا.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنّم} قال: لقد خلقنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ولقد ذرأنا لجهنّم} خلقنا.
وقال جلّ ثناؤه: {ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس}؛ لنفاذ علمه فيهم بأنّهم يصيرون إليها بكفرهم بربّهم.
وأمّا قوله: {لهم قلوبٌ لا يفقهون بها}؛ فإنّ معناه: لهؤلاء الّذين ذرأهم اللّه لجهنّم من خلقه قلوبٌ لا يتفكّرون بها في آيات اللّه، ولا يتدبّرون بها أدلّته على وحدانيّته، ولا يعتبرون بها حججه لرسله، فيعلموا توحيد ربّهم، ويعرفوا حقيقة نبوّة أنبيائهم، فوصفهم ربّنا جلّ ثناؤه بأنّهم لا يفقهون بها؛ لإعراضهم عن الحقّ وتركهم تدبّر صحّة الرّشد وبطول الكفر.
وكذلك قوله: {ولهم أعينٌ لا يبصرون بها}؛ معناه: ولهم أعينٌ لا ينظرون بها إلى آيات اللّه وأدلّته، فيتأمّلوها ويتفكّروا فيها، فيعلموا بها صحّة ما تدعوهم إليه رسلهم، وفساد ما هم عليه مقيمون من الشّرك باللّه وتكذيب رسله، فوصفهم اللّه بتركهم إعمالها في الحقّ بأنّهم لا يبصرون بها. وكذلك قوله: {ولهم آذانٌ لا يسمعون بها}؛ آيات كتاب اللّه فيعتبروها ويتفكّروا فيها، ولكنّهم يعرضون عنها، ويقولون: {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون}؛ وذلك نظير وصف اللّه إيّاهم في موضعٍ آخر بقوله: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون}؛ والعرب تقول ذلك للتّارك استعمال بعض جوارحه فيما يصلح له، ومنه قول مسكينٍ الدّارميّ:
أعمى إذا ما جارتي خرجت ....... حتّى يواري جارتي السّتر
وأصمّ عمّا كان بينهما ....... سمعي وما بالسّمع من وقر
فوصف نفسه لتركه النّظر والاستماع بالعمى والصّمم.
ومنه قول الآخر:
وعوراء اللّئام صممت عنها ....... وإنّي لو أشاء بها سميع.
وبادرةٍ وزعت النّفس عنها ....... ولو بينت من العصب الضّلوع
وذلك كثيرٌ في كلام العرب وأشعارها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول في قوله: {لهم قلوبٌ لا يفقهون بها} قال: لا يفقهون بها شيئًا من أمر الآخرة. {ولهم أعينٌ لا يبصرون بها} الهدى. {ولهم آذانٌ لا يسمعون بها} الحقّ، ثمّ جعلهم كالأنعام، ثمّ جعلهم شرًّا من الأنعام، فقال: {بل هم أضلّ} ثمّ أخبر أنّهم هم الغافلون وهي كما قال ابن عبّاسٍ.
القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {أولئك كالأنعام} هؤلاء الّذين ذرأهم لجهنّم هم كالأنعام، وهي البهائم الّتي لا تفقه ما يقال لها ولا تفهم ما أبصرته ممّا يصلح وما لا يصلح ولا تعقل بقلوبها الخير من الشّرّ فتميّز بينهما، فشبّههم اللّه بها؛ إذ كانوا لا يتذكّرون ما يرون بأبصارهم من حججه، ولا يتفكّرون فيما يسمعون من آي كتابه. ثمّ قال: {بل هم أضلّ} يقول: هؤلاء الكفرة الّذين ذرأهم لجهنّم أشدّ ذهابًا عن الحقّ وألزم لطريق الباطل من البهائم؛ لأنّ البهائم لا اختيار لها ولا تمييز فتختار وتميّز، وإنّما هي مسخّرةٌ ومع ذلك تهرب من المضارّ وتطلب لأنفسها من الغذاء الأصلح. والّذين وصف اللّه صفتهم في هذه الآية، مع ما أعطوا من الأفهام والعقول المميّزة بين المصالح والمضارّ، تترك ما فيه صلاح دنياها وآخرتها وتطلب ما فيه مضارّها، فالبهائم منها أسدّ وهي منها أضلّ، كما وصفها به ربّنا جلّ ثناؤه.
وقوله: {أولئك هم الغافلون} يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين وصفت صفتهم، القوم الّذين غفلوا، يعني سهوا عن آياتي وحججي، وتركوا تدبّرها والاعتبار بها والاستدلال على ما دلّت عليه من توحيد ربّها، لا البهائم الّتي قد عرّفها ربّها ما سخّرها له). [جامع البيان: 10/ 591-595]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون (179)}
قوله تعالى: {ولقد ذرأنا}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ولقد ذرأنا لجهنّم}؛ يقول: خلقنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس.
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ، ثنا يزيد، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنّم}؛ قال: خلقنا لجهنّم، وروي عن عمر مولى عمرة مثل ذلك
قوله تعالى: {ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس}؛
- حدّثنا أبي، ثنا سويد بن سعيدٍ، ثنا مروان بن معاوية، عن الحسن بن عمرٍو، عن معاوية بن إسحاق، عن جليسٍ له بالطّائف، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«إنّ اللّه لمّا ذرأ لجهنّم من ذرأ قال: ولد الزّنا من ذرأ لجهنّم».
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى بن عتّاب بن بشيرٍ، عن عليّ بن بذيمة عن سعيد بن جبيرٍ قال: ممّا ذرأ لجهنّم أولاد الزّنا.
قوله تعالى: {لهم قلوبٌ لا يفقهون ... الآية}؛
- وحدّثنا أبي، ثنا حسين بن الأسود العجليّ، ثنا أبو أسامة، ثنا يزيد بن سنانٍ أبو فروة، عن أبي منيبٍ الحمصيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن أبي الدّرداء قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «خلق اللّه الإنس ثلاثة أصناف، صنفا كالبهائم قال تعالى: {لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها}»). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1621-1622]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم} يقول: خلقنا لجهنم). [تفسير مجاهد: 251]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولقد ذرأنا} قال: خلقنا.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن {ولقد ذرأنا لجهنم} قال: خلقنا لجهنم.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«إن الله لما ذرأ لجهنم من ذرأ كان ولد الزنا ممن ذرأ لجهنم».
- وأخرج الحكيم الترمذي، وابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وأبو يعلى، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خلق الله الجن ثلاثة أصناف، صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض وصنف كالريح في الهواء وصنف عليهم الحساب والعقاب، وخلق الله الإنس ثلاثة أصناف، صنف كالبهائم قال الله: {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل} وجنس أجسادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أرواح الشياطين وصنف في ضل الله يوم لا ظل إلا ظله».
- وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم} قال: لقد خلقنا لجهنم، {لهم قلوب لا يفقهون بها} قال: لا يفقهون شيئا من أمر الآخرة {ولهم أعين لا يبصرون بها} الهدى {ولهم آذان لا يسمعون بها} الحق ثم جعلهم كالأنعام ثم جعلهم شرا من الأنعام فقال: {بل هم أضل} ثم أخبر أنهم الغافلون، والله أعلم). [الدر المنثور: 6/ 682-683]
تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} يقول في آياته قال: يشركون). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 244]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الّذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون}.
يقول تعالى ذكره: {وللّه الأسماء الحسنى}، وهي كما قال ابن عبّاسٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها} ومن أسمائه: العزيز الجبّار، وكلّ أسماء اللّه حسنٌ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن هشام بن حسّان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، قال: «إنّ للّه تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلاّ واحدًا، من أحصاها كلّها دخل الجنّة».
وأمّا قوله: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه} فإنّه يعني به المشركين. وكان إلحادهم في أسماء اللّه أنّهم عدلوا بها عمّا هي عليه، فسمّوا بها آلهتهم وأوثانهم، وزادوا فيها ونقصوا منها، فسمّوا بعضها اللاّت اشتقاقًا منهم لها من اسم اللّه الّذي هو اللّه، وسمّوا بعضها العزّى اشتقاقًا لها من اسم اللّه الّذي هو العزيز.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}؛ قال: إلحاد الملحدين أن دعوا اللاّت في أسماء اللّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}؛ قال: اشتقّوا العزّى من العزيز، واشتقّوا اللاّت من اللّه.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {يلحدون} فقال بعضهم: يكذّبون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه} قال: الإلحاد: التّكذيب.
وقال آخرون: معنى ذلك: يشركون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {يلحدون} قال: يشركون.
وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدول عن القصد، والجور عنه، والإعراض، ثمّ يستعمل في كلّ معوجٍّ غير مستقيمٍ، ولذلك قيل للحد القبر لحدٌ؛ لأنّه في ناحيةٍ منه وليس في وسطه، يقال منه: ألحد فلانٌ يلحد إلحادًا، ولحد يلحد لحدًا ولحودًا وقد ذكر عن الكسائيّ أنّه كان يفرّق بين الإلحاد واللّحد، فيقول في الإلحاد: إنّه العدول عن القصد، وفي اللّحد إنّه الرّكون إلى الشّيء، وكان يقرأ جميع ما في القرآن يلحدون بضمّ الياء وكسر الحاء، إلاّ الّتي في النّحل، فإنّه كان يقرؤها: (يلحدون) بفتح الياء والحاء، ويزعم أنّه بمعنى الرّكون. وأمّا سائر أل المعرفة بكلام العرب فيرون أنّ معناهما واحدٌ، وأنّهما لغتان جاءتا في حرفٍ واحدٍ بمعنًى واحدٍ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض البصريّين والكوفيّين: {يلحدون} بضمّ الياء وكسر الحاء من ألحد يلحد في جميع القرآن. وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: (يلحدون) بفتح الياء والحاء من لحد يلحد.
والصّواب من القول في ذلك أنّهما لغتان بمعنًى واحدٍ فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب في ذلك. غير أنّي أختار القراءة بضمّ الياء على لغة من قال: ألحد؛ لأنّها أشهر اللّغتين وأفصحهما. وكان ابن زيدٍ يقول في قوله: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}: إنّه منسوخٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه} قال: هؤلاء أهل الكفر، وقد نسخ، نسخه القتال.
ولا معنى لما قال ابن زيدٍ في ذلك من أنّه منسوخٌ؛ لأنّ قوله: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه} ليس بأمرٍ من اللّه لنبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بترك المشركين أن يقولوا ذلك حتّى يأذن له في قتالهم، وإنّما هو تهديدٌ من اللّه للملحدين في أسمائه ووعيدٌ منه لهم، كما قال في موضعٍ آخر: {ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا ويلههم الأمل} الآية، وكقوله: {ليكفروا بما آتيناهم وليتمتّعوا فسوف يعلمون} وهو كلامٌ خرج مخرج الأمر بمعنى الوعيد والتّهديد، ومعناه: إن تمهل الّذين يلحدون يا محمّد في أسماء اللّه إلى أجلٍ هم بالغوه، فسوف يجزون إذا جاءهم أجل اللّه الّذي أجّله إليهم جزاء أعمالهم الّتي كانوا يعملونها قبل ذلك من الكفر باللّه والإلحاد في أسمائه وتكذيب رسوله). [جامع البيان: 10/ 595-599]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الّذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (180)}
قوله تعالى: {وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها}
- حدثنا أبي، ثنا محمد وبن غيلان، ثنا عليّ بن الحسين بن واقدٍ، حدّثني أبي، عن مطرٍ، وهشام، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها قال: إنّ للّه مائةٌ غير اسمٍ واحدٍ من أحصاها دخل الجنّة».
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ الواسطيّ، ثنا إسحاق الأزرق، عن ابن عونٍ، عن محمّد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ للّه تسعةٌ وتسعين اسمًا مائةٌ غير واحدٍ من أحصاها دخل الجنّة».
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي حدّثني عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها قال: ومن أسمائه العزيز والجبار وكلّ أسماء اللّه حسنٌ.
قوله تعالى: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {الّذين يلحدون في أسمائه} التّكذيب.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}؛ قال: الإلحاد، الملحدين أن دعوا اللات والعزّى في أسماء اللّه عزّ وجلّ.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً عليه، أخبرني محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه، وأمّا يلحدون في آياتنا قال: الإلحاد المضاهاة.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة قوله: {يلحدون} قال: يشركون.
- حدّثنا أبو عامرٍ سعيد بن عمرو بن سعيدٍ الحمصيّ السّكونيّ، ثنا إبراهيم ابن العلا الزّبيديّ، ثنا أبو عبد الملك عبد الواحد بن ميسرة القرشيّ الزّيتونيّ حدّثني مبشّر بن عبيدٍ القرشيّ قال: قال الأعمش: يلحدون بنصب الياء والحاء من اللّحد قال: وسألته عن تفسيرها فقال: يدخلون فيها ما ليس منها). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1622-1623]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة وأبو عوانة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان والطبراني وأبو عبد الله بن منده في التوحيد، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر»
- وأخرج أبو نعيم، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«لله مائة اسم غير اسم من دعا بها استجاب الله له دعاءه».
- وأخرج الدار قطني في الغرائب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:«قال الله عز وجل: لي تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة».
- وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس، وابن عمر قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة».
- وأخرج الترمذي، وابن المنذر، وابن حبان، وابن منده والطبراني والحاكم، وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن البر التواب المنتقم العفو الرؤوف المالك الملك ذو الجلال والإكرام الوالي المتعال المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور».
- وأخرج ابن أبي الدنيا في الدعاء والطبراني كلاهما وأبو الشيخ والحاكم، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة اسأل الله الرحمن الرحيم الإله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير الحنان المنان البديع الغفور الودود الشكور المجيد المبدئ المعيد النور البادئ وفي لفظ: القائم الأول الآخر الظاهر الباطن العفو الغفار الوهاب الفرد وفي لفظ: القادر الأحد الصمد الوكيل الكافي الباقي المغيث الدائم المتعالي ذا الجلال والإكرام المولى النصير الحق المبين الوارث المنير الباعث القدير وفي لفظ: المجيب المحيي المميت الحميد وفي لفظ: الجميل الصادق الحفيظ المحيط الكبير القريب الرقيب الفتاح التواب القديم الوتر الفاطر الرزاق العلام العلي العظيم الغني المليك المقتدر الأكرم الرؤوف المدبر المالك القاهر الهادي الشاكر الكريم الرفيع الشهيد الواحد ذا الطول ذا المعارج ذا الفضل الكفيل الجليل».
- وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس، وابن عمر قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«إن لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة وهي في القرآن».
- وأخرج أبو نعيم عن محمد بن جعفر قال: سألت أبي جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء التسعة والتسعين التي من أحصاها دخل الجنة فقال: هي في القرآن ففي الفاتحة خمسة أسماء، يا ألله يا رب يا رحمن يا رحيم يا مالك، وفي البقرة ثلاثة وثلاثون اسما: يا محيط يا قدير يا عليم يا حكيم يا علي يا عظيم يا تواب يا بصير يا ولي يا واسع يا كافي يا رؤوف يا بديع يا شاكر يا واحد يا سميع يا قابض يا باسط يا حي يا قيوم يا غني يا حميد يا غفور يا حليم يا إله يا قريب يا مجيب يا عزيز يا نصير يا قوي يا شديد يا سريع يا خبير، وفي آل عمران: يا وهاب يا قائم يا صادق يا باعث يا منعم يا متفضل، وفي النساء: يا رقيب يا حسيب يا شهيد يا مقيت يا وكيل يا علي يا كبير، وفي الأنعام: يا فاطر يا قاهر يا لطيف يا برهان، وفي الأعراف: يا محيي يا مميت، وفي الأنفال: يا نعم المولى يا نعم النصير، وفي هود: يا حفيظ يا مجيد يا ودود يا فعال لما يريد، وفي الرعد: يا كبير يا متعال، وفي إبراهيم: يا منان يا وارث، وفي الحجر: يا خلاق، وفي مريم: يا فرد، وفي طه: يا غفار، وفي قد أفلح: يا كريم، وفي النور: يا حق يا مبين، وفي الفرقان: يا هادي، وفي سبأ: يا فتاح، وفي الزمر: يا عالم، وفي غافر: يا غافر يا قابل التوبة يا ذا الطول يا رفيع، وفي الذاريات: يا رزاق يا ذا القوة يا متين، وفي الطور: يا بر، وفي اقتربت: يا مليك يا مقتدر، وفي الرحمن: ياذا الجلال والإكرام يا رب المشرقين يا رب المغربين يا باقي يا مهيمن، وفي الحديد: يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن، وفي الحشر: يا ملك يا قدوس يا سلام يا مؤمن يا مهيمن يا عزيز يا جبار يا متكبر يا خالق يا بارئ يا مصور، وفي البروج: يا مبدئ يا معيد، وفي الفجر: يا وتر، وفي الإخلاص: يا أحد يا صمد.
- وأخرج البيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«من أصابه هم أو حزن فليقل: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك ناصيتي في يدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور بصري وذهاب همي وجلاء حزني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قالهن مهموم قط إلا أذهب الله همه وأبدله بهمه فرجا، قالوا: يا رسول الله افلا نتعلم هذه الكلمات قال: بلى فتعلموهن وعلموهن».
- وأخرج البيهقي عن عائشة، أنها قالت: يا رسول الله علمني اسم الله الذي إذا دعى به أجاب، قال لها: «قومي فتوضئي وادخلي المسجد فصلي ركعتين ثم ادعي حتى أسمع»، ففعلت فلما جلست للدعاء قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «اللهم وفقها»، فقالت: اللهم إني أسالك بجميع أسمائك الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم واسألك بإسمك العظيم الأعظم الكبير الأكبر الذي من دعاك به أجبته ومن سألك به أعطيته، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«أصبته أصبته، قوله تعالى: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه}».
- أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الإلحاد التكذيب.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} قال: اشتقوا العزى من العزيز واشتقوا اللات من الله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في الآية قال: الإلحاد الضاهاة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش أنه قرأ (يلحدون) بنصب الياء والحاء من اللحد وقال تفسيرها يدخلون فيها ما ليس منها.
- وأخرج عبد الرزاق وعبد حميد، وابن جرير عن قتادة: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} قال: يشركون، واخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {يلحدون في أسمائه} قال: يكذبون في أسمائه). [الدر المنثور: 6/ 683-689]
تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادةـ، في قوله تعالى: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}؛ قال: هذه الأمة يهدون بالحق وبه يعدلون). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 244]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}.
يقول تعالى ذكره: ومن الخلق الّذين خلقنا أمّةٌ، يعني جماعةً، يهدون يقول: يهتدون بالحقّ، {وبه يعدلون}؛ يقول: وبالحقّ يقضون وينصفون النّاس، كما قال ابن جريجٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} قال ابن جريجٍ: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: هذه أمّتي قال: وبالحقّ يأخذون ويعطون ويقضون.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} بلغنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول إذا قرأها: «هذه لكم، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها، {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}»). [جامع البيان: 10/ 599-600]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون (181)}
قوله تعالى: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}؛
- حدّثنا أبي، ثنا محمد بن عبدا لأعلى الصّنعانيّ، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة قوله: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}؛ قال: يعني هذه الأمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}؛ قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ من أمّتي قومًا على الحقّ حتّى ينزل عيسى ابن مريم متى أنزل»). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1623]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق}؛ قال: ذكر لنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال هذه أمتي بالحق يحكمون ويقضون ويأخذون ويعطون.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق}؛ قال: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأها هذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق} قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم متى ما نزل».
- وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: لتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة يقول الله: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} فهذه هي التي تنجو من هذه الأمة). [الدر المنثور: 6/ 690]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {سنستدرجهم} : «أي نأتيهم من مأمنهم» ، كقوله تعالى: {فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا} [الحشر: 2] ). [صحيح البخاري: 6/ 59]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {سنستدرجهم}: نأتيهم من مأمنهم، كقوله تعالى: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا}.
قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {سنستدرجهم} الاستدراج أن يأتيه من حيث لا يعلم ومن حيث يتلطّف به حتّى يغيّره انتهى وأصل الاستدراج التّقريب منزلةً منزلةً من الدّرج لأنّ الصّاعد يرقى درجةً درجةً). [فتح الباري: 8/ 301]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( {سنستدرجهم} أي نأتيهم من مأمنهم كقوله تعالى: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا} أشار به إلى قوله تعالى: {والّذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} وفسّر قوله: {سنستدرجهم}، بقوله: نأتيهم من ما منهم، أي: من موضع أمنهم، وأصل الاستدراج التّقريب منزلة من الدرج لأن الصاعد يترقى درجة درجة. قوله: كقوله تعالى: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا} [الحشر: 2] وجه التّشبيه فيه هو أخذ الله إيّاهم بغتة، كما قال في آية أخرى: {حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة} [الأنعام: 44] ). [عمدة القاري: 18/ 237]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: ({سنستدرجهم} أي نأتيهم من مأمنهم) أي من موضع أمنهم وثبت قوله أي للأبوين كقوله تعالى: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا} [الحشر: 2] وجه التشبيه أخذ الله إياهم بغتة، وأصل الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة أي نأخذهم قليلًا إلى أن تدركهم العقوبة وذلك أنهم كلما جدّدوا خطيئة لهم نعمة فظنوا ذلك تقريبًا من الله تعالى وأنساهم الاستغفار). [إرشاد الساري: 7/ 126]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين كذّبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: والّذين كذّبوا بأدلّتنا وأعلامنا، فجحدوها ولم يتذكّروا بها، سنمهله بغرّته ونزيّن له سوء عمله، حتّى يحسب أنّه هو فيما عليه من تكذيبه بآيات اللّه إلى نفسه محسنٌ، وحتّى يبلغ الغاية الّتي كتب له من المهل، ثمّ يأخذه بأعماله السّيّئة، فيجازيه بها من العقوبة ما قد أعدّ له. وذلك استدراج اللّه إيّاه. وأصل الاستدراج اغترار المستدرج بلطفٍ من حيث يرى المستدرج أنّ المستدرج إليه محسنٌ حتّى يورّطه مكروهًا.
وقد بيّنّا وجه فعل اللّه ذلك بأهل الكفر به فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 10/ 600]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({والّذين كذّبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (182)}
قوله تعالى: {سنستدرجهم}؛
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}؛ يقول: سنأخذهم من حيث لا يعلمون.
قوله تعالى: {من حيث لا يعلمون}؛
- وبه عن السّدّيّ قوله: {من حيث لا يعلمون}؛ يقول: سنأخذهم من حيث لا يعلمون، يقول عذاب بدرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي: {سنستدرجهم} يقول: سنأخذهم {من حيث لا يعلمون} قال: عذاب بدر.
- وأخرج أبو الشيخ عن يحيى بن المثنى {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}؛ قال: كلما أحدثوا ذنبا جددنا لهم نعمة تنسيهم الاستغفار.
- وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن سفيان في قوله: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}؛ قال: نسبغ عليهم النعم ونمنعهم شكرها). [الدر المنثور: 6/ 690-691]
تفسير قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأملي لهم إنّ كيدي متينٌ}.
يقول تعالى ذكره: وأؤخّر هؤلاء الّذين كذّبوا بآياتنا ملاءةً بالكسر والضّمّ والفتح من الدّهر، وهي الحين، ومنه قيل: انتظرتك مليًّا، ليبلغوا بمعصيتهم ربّهم المقدار الّذي قد كتبه لهم من العقاب والعذاب ثمّ يقبضهم إليه. {إنّ كيدي} والكيد: هو المكر. وقوله: {متينٌ} يعني: قويّ شديدٌ، ومنه قول الشّاعر:
عدلن عدول النّاس واقبح يبتلى ....... أفاسٌ من الهرّاب شدّ مماتن
يعني: سيرًا شديدًا باقيًا لا ينقطع). [جامع البيان: 10/ 601]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن السدي {وأملي لهم إن كيدي متين} يقول: كف عنهم وأخرجهم على رسلهم أن مكري شديد ثم نسخها الله فأنزل الله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الآية.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كيد الله العذاب والنقمة). [الدر المنثور: 6/ 691]