تفسير قوله تعالى: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون (84) سيقولون للّه قل أفلا تذكّرون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المكذّبين بالآخرة من قومك: لمن ملك الأرض ومن فيها من الخلق إن كنتم تعلمون من مالكها؟). [جامع البيان: 17/97-98]
تفسير قوله تعالى: (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ثمّ أعلمه أنّهم سيقرّون بأنّها للّه ملكًا، دون سائر الأشياء غيره. {قل أفلا تذكّرون} يقول: فقل لهم إذا أجابوك بذلك كذلك: أفلا تذكّرون فتعلمون أنّ من قدر على خلق ذلك ابتداءً، فهو قادرٌ على إحيائهم بعد مماتهم وإعادتهم خلقًا سويًّا بعد فنائهم؟). [جامع البيان: 17/98]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون * بل آتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون * ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون * عالم الغيب والشهادة فتعالى الله عما يشركون * قل رب إما تريني ما يوعدون * رب فلا تجعلني في القوم الظالمين * وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون.
أخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن هرون قال: في مصحف أبي بن كعب {سيقولون لله} كلهن بغير ألف). [الدر المنثور: 10/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن عاصم الجحدري قال: في الإمام مصحف عثمان بن عفان، قال: الذي كتب للناس لله لله كلهن بغير ألف). [الدر المنثور: 10/596-597]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أسيد بن زيد قال: في مصحف عثمان بن عفان {سيقولون لله} ثلاثتهن بغير ألف). [الدر المنثور: 10/597]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن الحميد عن يحيى بن عتيق قال: رأيت في مصحف الحسن لله لله بغير ألف في ثلاثة مواضع). [الدر المنثور: 10/597]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن الحميد عن عاصم أنه قرأ {لله} بغير ألف كلهن). [الدر المنثور: 10/597]
تفسير قوله تعالى: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل من ربّ السّموات السّبع وربّ العرش العظيم (86) سيقولون للّه قل أفلا تتّقون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم يا محمّد: من ربّ السّماوات السّبع، وربّ العرش المحيط بذلك؟ سيقولون: ذلك كلّه للّه، وهو ربّه. فقل لهم: أفلا تتّقون عقابه على كفركم به، وتكذيبكم خبره وخبر رسوله؟
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {سيقولون للّه} فقرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز والعراق والشّام: {سيقولون للّه}، سوى أبي عمرٍو، فإنّه خالفهم فقرأه: (سيقولون اللّه) في هذا الموضع، وفي الآخر الّذي بعده، اتّباعًا لخطّ المصحف، فإنّ ذلك كذلك في مصاحف الأمصار إلاّ في مصحف أهل البصرة، فإنّه في الموضعين بالألف، فقرءوا بالألف كلّها اتّباعًا لخطّ مصحفهم. فأمّا الّذين قرءوه بالألف فلا مؤنة في قراءتهم ذلك كذلك، لأنّهم أجروا الجواب على الابتداء، وردّوا مرفوعًا على مرفوعٍ.
وذلك أنّ معنى الكلام على قراءتهم: قل: من ربّ السّماوات السّبع وربّ العرش العظيم؟ سيقولون: ربّ ذلك اللّه. فلا مؤنة في قراءة ذلك كذلك. وأمّا الّذين قرءوا ذلك في هذا والّذي يليه بغير ألفٍ، فإنّهم قالوا: معنى قوله {قل من ربّ السّموات} لمن السّموات؟ لمن ملك ذلك؟ فجعل الجواب على المعنى، فقيل: للّه؛ لأنّ المسألة عن ملك ذلك لمن هو؟ قالوا: وذلك نظير قول قائلٍ لرجلٍ: من مولاك؟ فيجيب المجيب عن معنى ما سئل، فيقول: أنا لفلانٍ؛ لأنّه مفهومٌ بذلك من الجواب ما هو مفهومٌ بقوله: مولاي فلانٌ. وكان بعضهم يذكر أنّ بعض بني عامرٍ أنشده:
وأعلم أنّني سأكون رمسًا = إذا سار النّواعج لا يسير
فقال السّائلون لمن حفرتم = فقال المخبرون لهم وزير
فأجاب المخفوض بمرفوعٍ، لأنّ معنى الكلام: فقال السّائلون: من الميّت؟ فقال المخبرون: الميّت وزيرٌ؛ فأجابوا عن المعنى دون اللّفظ.
والصّواب من القراءة في ذلك أنّهما قراءتان قد قرأ بهما علماءٌ من القرّاء، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ. غير أنّي مع ذلك أختار قراءة جميع ذلك بغير ألفٍ، لإجماع خطوط مصاحف الأمصار على ذلك سوى خطّ مصحف أهل البصرة). [جامع البيان: 17/98-99]
تفسير قوله تعالى: (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل من ربّ السّموات السّبع وربّ العرش العظيم (86) سيقولون للّه قل أفلا تتّقون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم يا محمّد: من ربّ السّماوات السّبع، وربّ العرش المحيط بذلك؟ سيقولون: ذلك كلّه للّه، وهو ربّه. فقل لهم: أفلا تتّقون عقابه على كفركم به، وتكذيبكم خبره وخبر رسوله؟
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {سيقولون للّه} فقرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز والعراق والشّام: {سيقولون للّه}، سوى أبي عمرٍو، فإنّه خالفهم فقرأه: (سيقولون اللّه) في هذا الموضع، وفي الآخر الّذي بعده، اتّباعًا لخطّ المصحف، فإنّ ذلك كذلك في مصاحف الأمصار إلاّ في مصحف أهل البصرة، فإنّه في الموضعين بالألف، فقرءوا بالألف كلّها اتّباعًا لخطّ مصحفهم. فأمّا الّذين قرءوه بالألف فلا مؤنة في قراءتهم ذلك كذلك، لأنّهم أجروا الجواب على الابتداء، وردّوا مرفوعًا على مرفوعٍ.
وذلك أنّ معنى الكلام على قراءتهم: قل: من ربّ السّماوات السّبع وربّ العرش العظيم؟ سيقولون: ربّ ذلك اللّه. فلا مؤنة في قراءة ذلك كذلك. وأمّا الّذين قرءوا ذلك في هذا والّذي يليه بغير ألفٍ، فإنّهم قالوا: معنى قوله {قل من ربّ السّموات} لمن السّموات؟ لمن ملك ذلك؟ فجعل الجواب على المعنى، فقيل: للّه؛ لأنّ المسألة عن ملك ذلك لمن هو؟ قالوا: وذلك نظير قول قائلٍ لرجلٍ: من مولاك؟ فيجيب المجيب عن معنى ما سئل، فيقول: أنا لفلانٍ؛ لأنّه مفهومٌ بذلك من الجواب ما هو مفهومٌ بقوله: مولاي فلانٌ. وكان بعضهم يذكر أنّ بعض بني عامرٍ أنشده:
وأعلم أنّني سأكون رمسًا = إذا سار النّواعج لا يسير
فقال السّائلون لمن حفرتم = فقال المخبرون لهم وزير
فأجاب المخفوض بمرفوعٍ، لأنّ معنى الكلام: فقال السّائلون: من الميّت؟ فقال المخبرون: الميّت وزيرٌ؛ فأجابوا عن المعنى دون اللّفظ.
والصّواب من القراءة في ذلك أنّهما قراءتان قد قرأ بهما علماءٌ من القرّاء، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ. غير أنّي مع ذلك أختار قراءة جميع ذلك بغير ألفٍ، لإجماع خطوط مصاحف الأمصار على ذلك سوى خطّ مصحف أهل البصرة). [جامع البيان: 17/98-99] (م)
تفسير قوله تعالى: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل من بيده ملكوت كلّ شيءٍ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون (88) سيقولون للّه قل فأنّى تسحرون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد: من بيده خزائن كلّ شيءٍ؟.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ملكوت كلّ شيءٍ} قال: خزائن كلّ شيءٍ.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن مجاهدٍ، عن ابن جريجٍ، في قول اللّه: {قل من بيده ملكوت كلّ شيءٍ} قال: خزائن كلّ شيءٍ.
وقوله: {وهو يجير} يقول: وهو يجير من أراد ممّن قصده بسوءٍ، {ولا يجار عليه} يقول: ولا أحد يمتنع ممّن أراده هو بسوءٍ فيدفع عنه عذابه وعقابه {إن كنتم تعلمون} من ذلك صفته، فإنّهم يقولون: إنّ ملكوت كلّ شيءٍ، والقدرة على الأشياء كلّها للّه). [جامع البيان: 17/99-100]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قل من بيده ملكوت كل شيء يعني خزائن كل شيء). [تفسير مجاهد: 434]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن الحميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {من بيده ملكوت كل شيء} قال: خزائن كل شيء). [الدر المنثور: 10/597]
تفسير قوله تعالى: (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :({تسحرون} [المؤمنون: 89] : «تعمون من السّحر»). [صحيح البخاري: 6/99]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تسحرون تعمون من السحر). [فتح الباري: 8/446]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (تسحرون) أي فكيف (تعمون من السحر) حتى يخيل لكم الحق باطلًا مع ظهور الأمر وتظاهر الأدلة وثبت من قوله تجأرون إلى هنا في رواية النسفيّ وسقط لغيره كما نبه عليه في الفتح). [إرشاد الساري: 7/249]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فقل لهم يا محمّد: {فأنّى تسحرون} يقول: فمن أيّ وجهٍ تصرفون عن التّصديق بآيات اللّه، والإقرار بأخباره، وأخبار رسوله، والإيمان بأنّ اللّه القادر على كلّ ما يشاء وعلى بعثكم أحياءً بعد مماتكم، مع علمكم بما تقولون من عظيم سلطانه وقدرته؟.
وكان ابن عبّاسٍ فيما ذكر عنه يقول في معنى قوله {تسحرون} ما:
- حدّثني به عليّ قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فأنّى تسحرون} يقول: تكذّبون.
وقد بيّنت فيما مضى السّحر: أنّه تخييل الشّيء إلى النّاظر أنّه على خلاف ما هو به من هيئته، فذلك معنى قوله: {فأنّى تسحرون} إنّما معناه: فمن أيّ وجهٍ يخيّل إليكم الكذب حقًّا، والفاسد صحيحًا، فتصرفون عن الإقرار بالحقّ الّذي يدعوكم إليه رسولنا محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 17/100-101]
تفسير قوله تعالى: (بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بل أتيناهم بالحقّ وإنّهم لكاذبون (90) ما اتّخذ اللّه من ولدٍ وما كان معه من إلهٍ إذًا لذهب كلّ إلهٍ بما خلق ولعلا بعضهم على بعضٍ سبحان اللّه عمّا يصفون (91) عالم الغيب والشّهادة فتعالى عمّا يشركون}.
يقول: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون باللّه من أنّ الملائكة بنات اللّه وأنّ الآلهة والأصنام آلهةٌ دون اللّه. {بل أتيناهم بالحقّ} اليقين، وهو الدّين الّذي ابتعث اللّه به نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وذلك الإسلام، ولا يعبد شيءٌ سوى اللّه لأنّه لا إله غيره. {وإنّهم لكاذبون} يقول: وإنّ المشركين لكاذبون فيما يضيفون إلى اللّه وينحلونه من الولد والشّريك). [جامع البيان: 17/101]
تفسير قوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ما اتّخذ اللّه من ولدٍ} يقول تعالى ذكره: ما للّه من ولدٍ، ولا كان معه في القديم، ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته، ولو كان معه في القديم، أو عند خلقه الأشياء من تصلح عبادته {من إلهٍ إذًا لذهب} يقول: إذًا لاعتزل كلّ إلهٍ منهم {بما خلق} من شيءٍ، فانفرد به، ولتغالبوا، فلعلا بعضهم على بعضٍ، وغلب القويّ منهم الضّعيف؛ لأنّ القويّ لا يرضى أن يعلوه ضعيفٌ، والضّعيف لا يصلح أن يكون إلهًا. فسبحان اللّه ما أبلغها من حجّةٍ وأوجزها لمن عقل وتدبّر.
وقوله: {إذًا لذهب} جوابٌ لمحذوفٍ، وهو: لو كان معه إلهٌ إذن لذهب كلّ إلهٍ بما خلق؛ اجتزئ بدلالة ما ذكر عليه عنه
وقوله: {سبحان اللّه عمّا يصفون} يقول تعالى ذكره: تنزيهًا للّه عمّا يصفه به هؤلاء المشركون من أنّ له ولدًا، وعمّا قالوه من أنّ له شريكًا، أو أنّ معه في القدم إلهًا يعبد، تبارك وتعالى). [جامع البيان: 17/101-102]
تفسير قوله تعالى: (عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {عالم الغيب والشّهادة} يقول تعالى ذكره: هو عالم ما غاب عن خلقه من الأشياء، فلم يروه ولم يشاهدوه، وما رأوه وشاهدوه. إنّما هذا من اللّه خبرٌ عن هؤلاء الّذين قالوا من المشركين: اتّخذ اللّه ولدًا، وعبدوا من دونه آلهةً، أنّهم فيما يقولون ويفعلون مبطلون مخطئون، فإنّهم يقولون ما يقولون من قولٍ في ذلك عن غير علمٍ، بل عن جهلٍ منهم به؛ وإنّ العالم بقديم الأمور، وبحديثها، وشاهدها وغائبها عنهم، اللّه الّذي لا يخفى عليه شيءٌ، فخبره هو الحقّ دون خبرهم.
وقال: {عالم الغيب} فرفع على الابتداء، بمعنى: هو عالم الغيب، ولذلك دخلت الفاء في قوله: {فتعالى} كما يقال: مررت بأخيك المحسن فأحسنت إليه، فترفع المحسن إذا جعلت فأحسنت إليه بالفاء، لأنّ معنى الكلام إذا كان كذلك: مررت بأخيك هو المحسن، فأحسنت إليه. ولو جعل الكلام بالواو فقيل: وأحسنت إليه، لم يكن وجه الكلام في المحسن إلاّ الخفض على النّعت للأخ، ولذلك لو جاء فتعالى بالواو كان وجه الكلام في عالم الغيب الخفض على الإتباع لإعراب اسم اللّه، وكان يكون معنى الكلام: سبحان اللّه عالم الغيب والشّهادة وتعالى فيكون قوله: وتعالى، حينئذٍ معطوفًا على {سبحان اللّه}.
وقد يجوز الخفض مع الفاء، لأنّ العرب قد تبدأ الكلام بالفاء، كابتدائها بالواو. وبالخفض كان يقرأ: {عالم الغيب} في هذا الموضع أبو عمرٍو، وعلى خلافه في ذلك قرأة الأمصار.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: الرّفع، لمعنيين: أحدهما: إجماع الحجّة من القرّاء عليه، والثّاني: صحّته في العربيّة.
وقوله: {فتعالى عمّا يشركون} يقول تعالى ذكره: فارتفع اللّه وعلا عن شرك هؤلاء المشركين، ووصفهم إيّاه بما يصفون). [جامع البيان: 17/102-103]