شرح ابن القيم (ت:751هـ)[الشرح المطول]
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( ( الجَمِيلُ ):
([اللهُ] سبحانَهُ [هوَ] (( الجميلُ )) الذي لا أَجْمَلَ منهُ، بلْ لوْ كانَ جمالُ الخلقِ كلِّهِم على رجلٍ واحدٍ منهم، وكانوا جَمِيعُهُم بذلكَ الجمالِ لَمَا كانَ لِجَمَالِهِم قطُّ نِسْبَةً إلى جمالِ اللهِ، بلْ كانت النسبةُ أَقَلَّ منْ نسبةِ سراجٍ ضعيفٍ إلى حِذاءِ جِرْمِ الشمسِ {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60].
وقدْ رَوَى عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولَهُ: ((إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)) عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العاصِ ([1])، وأبو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ ([2])، وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ([3])، وعبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ ([4])، وثابتُ بنُ قَيْسٍ ([5])، وأبو الدَّرْدَاءِ([6])، وأبو هُرَيْرَةَ ([7])، وأبو رَيْحَانَةَ ([8]) رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
ومِنْ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى: (( الجميلُ ))، وَمَنْ أَحَقُّ بالجمالِ مِمَّنْ كُلُّ جمالٍ في الوجودِ فهوَ منْ آثارِ صُنْعِهِ؛ فَلَهُ:
- جمالُ الذاتِ.
- وجمالُ الأوصافِ.
- وجمالُ الأفعالِ.
- وجمالُ الأسماءِ.
فأسماؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى، وصفاتُهُ كُلُّهَا كمالٌ، وأفعالُهُ كلُّهَا جميلةٌ، فلا يَسْتَطِيعُ بَشَرٌ النظرَ إلى جلالِهِ وجمالِهِ في هذهِ الدارِ، فإذا رَأَوْهُ سبحانَهُ في جنَّاتِ عدنٍ أَنْسَتْهُم رُؤْيَتُهُ ما هُمْ فيهِ من النعيمِ، فلا يَلْتَفِتُونَ حينئذٍ إلى شيءٍ غيرِهِ.
ولوْلا حِجَابُ النورِ على وَجْهِهِ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى ما انْتَهَى إليهِ بَصَرُهُ منْ خلقِهِ، كما في صحيحِ البخاريِّ منْ حديثِ أبي موسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قامَ فِينَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمسِ كلماتٍ فَقَالَ: ((إِنَّ اللهَ لا يَنَامُ وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ القِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)) ([9])...
وفي الصحيحَيْنِ منْ حديثِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ في اسْتِفْتَاحِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيامَ الليلِ: ((اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ)) ([10]).
وفي سُنَنِ ابنِ مَاجَهْ وَحَرْبٍ الكِرْمَانِيِّ منْ حديثِ الفضلِ بنِ عيسى الرَّقَاشِيِّ عنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عنْ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ في نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ, فَإِذَا الرَّبُّ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ فَيَقُولُ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} [يس: 58]، فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّعِيمِ حَتَّى يَحْتَجِبَ عَنْهُمْ، فَيَبْقَى نُورُهُ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى دِيَارِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ)) ([11]). لَفْظُ حَدِيثِ حَرْبٍ.
فما ظَنُّ المُحِبِّينَ بِلَذَّةِ النظرِ إلى وجهِهِ الكريمِ في جنَّاتِ النعيمِ؟!!
وقدْ كانَ منْ دُعاءِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجْهِكَ، والشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ)) ([12]). ذَكَرَهُ الإمامُ أحمدُ والنَّسَائِيُّ وابنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ…
قالَ هشامُ بنُ حَسَّانَ عن الحَسَنِ: إذا نَظَرَ أهلُ الجنَّةِ إلى اللهِ تَعَالَى نَسُوا نَعِيمَ الجنَّةِ...
وفي الصحيحَيْنِ منْ حديثِ أبي موسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ؛ آنِيَتُهُمَا وَحِلْيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنيَتُهُمَا وَحِلْيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ)) ([13]))([14]).
(وهوَ الجميلُ على الحقيقةِ كيفَ لا = وجمالُ سائرِ هذهِ الأكوانِ
مِنْ بعضِ آثارِ الجميلِ فَرَبُّهَا = أَوْلَى وأَجْدَرُ عندَ ذِي العرفانِ
فجمالُهُ بالذاتِ والأوصافِ والـ = أَفْعَالِ والأسماءِ بالبرهانِ
لا شَيْءَ يُشْبِهُ ذَاتَهُ وصفاتِهِ = سُبْحَانَهُ عنْ إِفْكِ ذِي البُهْتَانِ)([15])
(فمِن المعلومِ أنَّهُ... لا شَيْءَ أَكْمَلُ مِنْهُ [سبحانَهُ وتَعَالَى]، ولا أَجْمَلُ، فكلُّ كمالٍ وجمالٍ في المخلوقِ منْ آثارِ صنعِهِ سبحانَهُ وتَعَالَى. وهوَ الذي لا يُحَدُّ كمالُهُ، ولا يُوصَفُ جلالُهُ وجمالُهُ، ولا يُحْصِي أحدٌ منْ خلقِهِ ثناءً عليهِ بجميلِ صفاتِهِ وعظيمِ إحسانِهِ وبديعِ أفعالِهِ). ([16])
[فصلٌ: في بيانِ أنَّ مِنْ أَعَزِّ أنواعِ المعرفةِ معرفةَ جمالِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ].
(مِنْ أعزِّ أنواعِ المعرفةِ معرفةُ الربِّ سبحانَهُ بالجمالِ، وهيَ معرفةُ خواصِّ الخلقِ، وكلُّهُم عَرَفَهُ بصفةٍ منْ صفاتِهِ، وأَتَمُّهُم معرفةً مَنْ عَرَفَهُ بكمالِهِ وجلالِهِ وجمالِهِ سبحانَهُ، ليسَ كمثلِهِ شيءٌ في سائرِ صفاتِهِ، ولوْ فَرَضْتَ الخلقَ كلَّهُم على أجـمـلـِهِم صورةً وكُلُّـهُم على تلكَ الصورةِ، وَنَسَبْتَ جمالَهُم الظاهرَ والباطنَ إلى جمالِ الربِّ سبحانَهُ لكانَ أقلَّ منْ نسبةِ سراجٍ ضعيفٍ إلى قُرْصِ الشمسِ.
- ويَكْفِي في جمالِهِ: أنَّهُ لوْ كَشَفَ الحجابَ عنْ وجهِهِ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُهُ ما انْتَهَى إليهِ بَصَرُهُ منْ خلقِهِ.
- وَيَكْفِي في جمالِهِ: أنَّ كلَّ جمالٍ ظاهرٍ وباطنٍ في الدنيا والآخرةِ فَمِنْ آثَارِ صَنْعَتِهِ؛ فما الظنُّ بمَنْ صَدَرَ عنهُ هذا الجمالُ؟!!
- وَيَكْفِي في جمالِهِ أنَّهُ لهُ العِزَّةُ جَمِيعاً، والقوَّةُ جميعاً، والجُودُ كُلُّهُ، والإحسانُ كلُّهُ، والعلمُ كُلُّهُ، والفضلُ كُلُّهُ، ولِنورِ وجهِهِ أَشْرَقَت الظلماتُ، كما قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعاءِ الطائفِ: ((أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)) ([17]).
وقالَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ: ليسَ عندَ ربِّكُم ليلٌ ولا نهارٌ، نورُ السَّمَاواتِ والأرضِ منْ نُورِ وجْهِهِ ".
فهوَ سبحانَهُ نورُ السَّمَاواتِ والأرضِ، ويومَ القيامةِ إذا جاءَ لفَصْلِ القضاءِ تُشْرِقُ الأرضُ بنورِهِ.
ومِنْ أسمائِهِ الحُسْنَى (( الجميلُ ))، وفي الصحيحِ عنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)) ([18]).
وجمالُهُ سُبْحَانَهُ على أَرْبَعِ مَرَاتِبَ:
- جمالِ الذاتِ.
- وجمالِ الصِّفَاتِ.
- وجمالِ الأفعالِ.
- وجمالِ الأسماءِ.
فأسماؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى، وصفاتُهُ كُلُّهَا صفاتُ كمالٍ، وأفعالُهُ كُلُّهَا حكمةٌ ومصلحةٌ وعدلٌ ورحمةٌ.
وأمَّا جمالُ الذاتِ وما هوَ عليهِ فَأَمْرٌ لا يُدْرِكُهُ سِوَاهُ، ولا يَعْلَمُهُ غيرُهُ، وليسَ عندَ المَخْلُوقِينَ منهُ إلاَّ تعريفاتٌ تَعَرَّفَ بها إلى مَنْ أَكْرَمَهُ منْ عبادِهِ؛ فإنَّ ذلكَ الجمالَ مَصُونٌ عن الأَغْيَارِ، محجوبٌ بِسترِ الرداءِ والإزارِ، كما قالَ رسولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يَحْكِي عنهُ: ((الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي)) ([19])، وَلَمَّا كانت الكبرياءُ أَعْظَمَ وأَوْسَعَ كَانَتْ أحقَّ باسمِ الرداءِ؛ فإنَّهُ سبحانَهُ الكبيرُ المتعالُ، فهوَ سبحانَهُ العليُّ العظيمُ.
قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: حَجَبَ الذاتَ بالصِّفَاتِ، وَحَجَبَ الصِّفَاتِ بالأفعالِ، فما ظَنُّكَ بجمالٍ حُجِبَ بأوصافِ الكمالِ، وَسُتِرَ بِنُعُوتِ العظمةِ والجلالِ؟!! ومنْ هذا المعنَى يُفْهَمُ بعضُ معاني جمالِ ذاتِهِ؛ فإنَّ العبدَ يَتَرَقَّى منْ معرفةِ الأفعالِ إلى معرفةِ الصِّفَاتِ، ومنْ معرفةِ الصِّفَاتِ إلى معرفةِ الذاتِ، فإذا شاهَدَ شيئاً منْ جمالِ الأفعالِ اسْتَدَلَّ بهِ على جمالِ الصِّفَاتِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بجمالِ الصِّفَاتِ على جمالِ الذاتِ.
ومِنْ هَا هُنَا يَتَبَيَّنُ أنَّهُ سبحانَهُ لهُ الحمدُ كلُّهُ، وأنَّ أحداً منْ خلقِهِ لا يُحْصِي ثناءً عليهِ، بلْ هوَ كما أَثْنَى على نفسِهِ، وأنَّهُ يَسْتَحِقُّ أنْ يُعْبَدَ لذاتِهِ، وَيُحَبَّ لذاتِهِ، وَيُشْكَرَ لذاتِهِ، وأنَّهُ سبحانَهُ يُحِبُّ نفسَهُ، وَيُثْنِي على نفسِهِ، وَيَحْمَدُ نَفْسَهُ، وأنَّ مَحَبَّتَهُ لِنَفْسِهِ وحمدَهُ لنفسِهِ وثناءَهُ على نفسِهِ وتوحيدَهُ لنفسِهِ هوَ في الحقيقةِ الحمدُ والثناءُ والحبُّ والتوحيدُ؛ فهوَ سبحانَهُ كما أَثْنَى على نفسِهِ، وفوقَ ما يُثْنِي بهِ عليهِ خَلْقُهُ.
وهوَ سبحانَهُ كما يُحِبُّ ذَاتَهُ يُحِبُّ صفاتِهِ وأفعالَهُ، فكلُّ أفعالِهِ حسنٌ محبوبٌ، وإنْ كانَ في مفعولاتِهِ [مخلوقاتِهِ] ما يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ، فليسَ في أفعالِهِ ما هوَ مكروهٌ مسخوطٌ، وليسَ في الوجودِ ما يُحَبُّ لذاتِهِ ويُحْمَدُ لذاتِهِ إلاَّ هوَ سبحانَهُ.
وكلُّ ما يُحَبُّ سِوَاهُ: فإنْ كانتْ مَحَبَّتُهُ تابعةً لمَحَبَّتِهِ سبحانَهُ بحيثُ يُحَبُّ لأجلِهِ، فَمَحَبَّتُهُ صحيحةٌ، وإلاَّ فهيَ مَحَبَّةٌ باطلةٌ.
وهذا هوَ حقيقةُ الإِلهيَّةِ؛ فإنَّ الإلهَ الحقَّ هوَ الذي يُحَبُّ لذاتِهِ ويُحْمَدُ لذاتِهِ، فكيفَ إذا انْضَافَ إلى ذلكَ إحسانُهُ وإنعامُهُ وحِلْمُهُ وتجاوزُهُ وعفوُهُ وبِرُّهُ ورحمتُهُ؟!!
فعلى العبدِ أنْ يَعْلَمَ أنَّهُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، فَيُحِبُّهُ وَيَحْمَدُهُ لذاتِهِ وكمالِهِ، وأنْ يَعْلَمَ أنَّهُ لا مُحْسِنَ على الحقيقةِ بأصنافِ النِّعَمِ الظاهرةِ والباطنةِ إلاَّ هوَ، فَيُحِبُّهُ لإحسانِهِ وإنعامِهِ، ويَحْمَدُهُ على ذلكَ، فَيُحِبُّهُ مِن الوجهَيْنِ جَمِيعاً.
وكما أنَّهُ ليسَ كمثلِهِ شيءٌ، فليسَ كَمَحَبَّتِهِ مَحَبَّةٌ، والمَحَبَّةُ معَ الخضوعِ هيَ العبوديَّةُ التي خُلِقَ الخلقُ لأَجْلِهَا، فإنَّهَا غايَةُ الحبِّ بغايَةِ الذلِّ، ولا يَصْلُحُ ذلكَ إلاَّ لهُ سبحانَهُ، والإشراكُ بهِ في هذا هوَ الشركُ الذي لا يَغْفِرُهُ اللهُ، ولا يَقْبَلُ لصاحبِهِ عملاً.
وحمدُهُ يَتَضَمَّنُ أَصْلَيْنِ:
- الإخبارَ بمحامدِهِ وصفاتِ كمالِهِ.
- والمَحَبَّةَ لهُ عليها.
فمَنْ أَخْبَرَ بمحاسنِ غيرِهِ منْ غيرِ مَحَبَّةٍ لهُ لمْ يكُنْ حامِداً، وَمَنْ أحبَّهُ منْ غيرِ إِخبارٍ بمَحَاسِنِهِ لمْ يكُنْ حَامِداً حتَّى يَجْمَعَ الأمرَيْنِ.
وهوَ سُبْحَانَهُ يَحْمَدُ نفسَهُ بنفسِهِ، ويَحْمَدُ نَفْسَهُ بما يُجْرِيهِ على أَلْسِنَةِ الحامِدِينَ لهُ منْ ملائكتِهِ وأنبيائِهِ وَرُسُلِهِ وعِبَادِهِ المؤمنينَ، فهوَ الحامدُ لنفسِهِ بهذا وهذا، فإنَّ حَمْدَهُم لهُ بمشيئتِهِ وإذْنِهِ وتكوينِهِ، فإنَّهُ هوَ الذي جَعَلَ الحامِدَ حامداً، والمسلمَ مسلماً، والمُصَلِّيَ مُصَلِّياً، والتائبَ تائباً؛ فمنهُ ابْتَدَأَت النِّعَمُ وإليهِ انْتَهَتْ، فَابْتَدَأَتْ بحمدِهِ وانْتَهَتْ إلى حمدِهِ، وهوَ الذي أَلْهَمَ عبدَهُ التوبةَ، وَفَرِحَ بها أعظمَ فَرَحٍ، وهيَ منْ فضلِهِ وجُودِهِ، وَأَلْهَمَ عبدَهُ الطاعةَ، وَأَعَانَهُ عليها، ثُمَّ أَثَابَهُ عليها، وهيَ منْ فضلِهِ وَجُودِهِ.
وهوَ سبحانَهُ غَنِيٌّ عنْ كلِّ ما سِوَاهُ بكلِّ وجهٍ، وما سِوَاهُ فقيرٌ إليهِ بكلِّ وجهٍ، والعبدُ مُفْتَقِرٌ إليهِ لذاتِهِ في الأسبابِ والغاياتِ، فإنَّ ما لا يكونُ بهِ لا يكونُ، وما لا يكونُ لهُ لا يَنْفَعُ.
[فَصْلٌ]:
وقولُهُ في الحديثِ: ((إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ)) ([20]) يَتَنَاوَلُ جمالَ الثيابِ المسئُولَ عنهُ في نفسِ الحديثِ، وَيَدْخُلُ فيهِ بطريقِ العمومِ الجمالُ منْ كلِّ شيءٍ كما في الحديثِ الآخرِ: ((إِنَّ اللهَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ)) ([21]). وفي الصحيحِ: ((إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً)) ([22]). وفي السُّنَنِ: (( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ )) ([23]). وفيها عنْ أبي الأحْوَصِ الجُشَمِيِّ قالَ: رَآنِي النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليَّ أَطْمَارٌ فقالَ: ((هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟)) قُلْتُ: نَعَمْ، قالَ: ((مِنْ أَيِّ المَالِ؟)) قُلْتُ: مِنْ كُلِّ مَا آتَى اللهُ مِنَ الإِبِلِ وَالشَّاءِ، قالَ: ((فَلْتُرِ نِعْمَتَهُ وَكَرَامَتَهُ عَلَيْكَ)) ([24]).
فهوَ سبحانَهُ يُحِبُّ ظُهُورَ أثرِ نعمتِهِ على عبدِهِ؛ فإنَّهُ من الجمالِ الذي يُحِبُّهُ، وذلكَ منْ شُكْرِهِ على نِعَمِهِ، وهوَ جمالٌ باطِنٌ، فَيُحِبُّ أنْ يُرَى على عبدِهِ الجمالُ الظاهرُ بالنعمةِ، والجمالُ الباطنُ بالشُّكْرِ عليها.
وَلِمَحَبَّتِهِ سبحانَهُ للجمالِ أَنْزَلَ على عبادِهِ لباساً وزينةً تُجَمِّلُ ظَوَاهِرَهُم، وَتَقْوَى تُجَمِّلُ بَوَاطِنَهُم، فقالَ: {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26]، وقالَ في أهلِ الجنَّةِ: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)} [الإنسان: 11-12]، فَجَمَّلَ وُجُوهَهُم بالنضرةِ، وبواطِنَهُم بالسرورِ، وأبدانَهُم بالحريرِ.
وهوَ سبحانَهُ كما يُحِبُّ الجمالَ في الأقوالِ والأفعالِ واللباسِ والهيئةِ، يُبْغِضُ القبيحَ من الأقوالِ والأفعالِ والثيابِ والهيئةِ، فَيُبْغِضُ القُبْحَ وأهلَهُ، ويُحِبُّ الجمالَ وأهلَهُ.
ولكنْ ضَلَّ في هذا الموضوعِ فَرِيقَانِ: فريقٌ قالُوا: كلُّ ما خَلَقَهُ جميلٌ، فهوَ يُحِبُّ كلَّ ما خَلَقَهُ، ونَحْنُ نُحِبُّ جميعَ ما خَلَقَهُ، فلا نُبْغِضُ منهُ شَيْئاً، قالُوا: ومَنْ رَأَى الكائناتِ منهُ رَآها كُلَّهَا جَمِيلَةً، وَأَنْشَدَ مُنْشِدُهُم:
وإذا رَأَيْتَ الكائناتِ بِعَيْنِهِم = فجميعُ ما يَحْوِي الوجودُ مَلِيحٌ
واحْتَجُّوا بقولِهِ تَعَالَى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7]، وقولِهِ: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88]، وقولِهِ: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: 3]. والعارفُ عندَهُم، هوَ الذي يُصَرِّحُ بإطلاقِ الجمالِ، ولا يَرَى في الوجودِ قَبِيحاً.
وهؤلاءِ قدْ عُدِمَت الغَيْرَةُ للهِ منْ قلوبِهِم، والبغضُ في اللهِ، والمعاداةُ فيهِ، وإنكارُ المُنْكَرِ، والجهادُ في سبيلِهِ، وإقامةُ حُدُودِهِ.
وَيَرَى جمالَ الصُّوَرِ من الذكورِ والإناثِ من الجمالِ الذي يُحِبُّهُ اللهُ، فَيَتَعَبَّدُونَ بِفِسْقِهِم، وَرُبَّمَا غَلا بَعْضُهُم حتَّى يَزْعُمَ أنَّ معبودَهُ يَظْهَرُ في تلكَ الصورةِ وَيَحِلُّ فيها. وإنْ كانَ اتِّحَادِيًّا قالَ: هيَ مَظْهَرٌ منْ مظاهرِ الحَقِّ!! وَيُسَمِّيهَا المظاهرَ الجماليَّةَ.
[فَصْلٌ]:
وَقَابَلَهُم الفريقُ الثاني فقالُوا: قَدْ ذَمَّ اللهُ سبحانَهُ جمالَ الصُّوَرِ وتمامَ القامةِ والخلقةِ، فقالَ عن المُنَافِقِينَ: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ}[المنافقون: 4]، وقالَ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)} [مريم: 74]؛ أيْ: أَمْوَالاً ومناظرَ. قالَ الحسنُ: هوَ الصوَرُ. وفي صحيحِ مسلمٍ عنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)) ([25]). قالوا: وَمَعْلُومٌ أنَّهُ لمْ يَنْفِ نَظَرَ الإدراكِ، وإنَّمَا نَفَى نظرَ المحبَّةِ.
قالُوا: وقدْ حَرَّمَ علينا لباسَ الحريرِ والذهبِ وآنيَةَ الذهبِ والفضَّةِ، وذلكَ منْ أعظمِ جمالِ الدُّنيا، وقالَ: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه: 131].
وفي الحديثِ: ((الْبَذَاذَةُ مِنَ الإِيمَانِ)) ([26]).
وقدْ ذَمَّ اللهُ المُسْرِفِينَ. والسرفُ كَمَا يكونُ في الطعامِ والشرابِ يكونُ في اللباسِ.
وفصلُ النـزاعِ أنْ يُقَالَ: الجمالُ في الصورةِ واللباسِ والهيئةِ ثلاثةُ أنواعٍ:
- منهُ ما يُحْمَدُ.
- ومنهُ ما يُذَمُّ.
- ومنهُ ما لا يَتَعَلَّقُ بهِ مَدْحٌ ولا ذمٌّ.
فالمحمودُ منهُ: ما كانَ للهِ، وأعانَ على طاعةِ اللهِ، وَتَنْفِيذِ أوامرِهِ، والاستجابةِ لهُ، كما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَمَّلُ للوفودِ، وهوَ نظيرُ لباسِ آلةِ الحربِ للقتالِ، ولباسِ الحريرِ في الحربِ والخُيَلاءِ فيهِ؛ فإنَّ ذلكَ مَحْمُودٌ إذا تَضَمَّنَ إعلاءَ كلمةِ اللهِ ونَصْرَ دينِهِ وغَيْظَ عَدُوِّهِ.
والمذمومُ منهُ: ما كانَ للدنيا والرياسةِ والفخرِ والخُيَلاءِ والتوسُّلِ إلى الشهواتِ، وأنْ يكونَ هوَ غايَةَ العبدِ وأَقْصَى مَطْلَبِهِ، فإنَّ كثيراً من النفوسِ ليسَ لها هِمَّةٌ في سِوَى ذلكَ.
وأمَّا ما لا يُحْمَدُ ولا يُذَمُّ: هوَ ما خَلا عنْ هَذَيْنِ القَصْدَيْنِ، وَتَجَرَّدَ عن الوَصْفَيْنِ([27]).
والمقصودُ: أنَّ هذا الحديثَ الشريفَ مُشْتَمِلٌ على أصلَيْنِ عظيمَيْنِ: فَأَوَّلُهُ معرفةٌ، وآخِرُهُ سلوكٌ، فَيَعْرِفُ اللهَ سبحانَهُ بالجمالِ الذي لا يُمَاثِلُهُ فيهِ شيءٌ، وَيَعْبُدُهُ بالجمالِ الذي يُحِبُّهُ من الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ، فَيُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ أنْ يُجَمِّلَ لسانَهُ بالصدقِ، وقَلْبَهُ بالإخلاصِ والمَحَبَّةِ والإنابةِ والتَّوَكُّلِ، وَجَوَارِحَهُ بالطاعةِ، وَبَدَنَهُ بإظهارِ نِعَمِهِ عليهِ في لباسِهِ وتطهيرِهِ لهُ من الأنجاسِ والأحداثِ والأوساخِ والشعورِ المكروهةِ والختانِ وتقليمِ الأظفارِ، فَيَعْرِفُهُ بصفاتِ الجمالِ، وَيَتَعَرَّفُ إليهِ بالأفعالِ والأقوالِ والأخلاقِ الجميلةِ.
فَيَعْرِفُهُ بالجمالِ الذي هوَ وَصْفُهُ، وَيَعْبُدُهُ بالجمالِ الذي هوَ شَرْعُهُ ودينُهُ. فَجَمَعَ الحديثُ قَاعِدَتَيْنِ: المعرفةَ، والسُّلُوكَ) ([28]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
([1]) رواه الحاكمُ في المستدرَكِ (1/26) في كتابِ الإيمانِ بهذا اللفظِ، وأصلُه في مُسنَدِ الإمامِ أحمدَ (6547) بدونِ هذه الجملةِ.
([2]) رواه أَبُو يَعْلَى في مُسندِه (2/17) الحديثُ (1050).
([3]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (3779) ومسلمٌ في كتابِ الإيمانِ / بابُ تحريمِ الكِبْرِ وبيانُه (261)، والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ البِرِّ والصلةِ / بابُ ما جاءَ في الكِبْرِ (1999)، والحاكمُ في المُستدرَكِ (4/181) في كتابِ اللباسِ، وأبو عَوَانَةَ في المُستخرَجِ (1/31، 39).
([4]) رواه الطَّبَرانِيُّ في الأوسطِ (5/339) الحديثُ (4665).
([5]) رواه ابنُ حِبَّانَ في صحيحِه (7053).
([6]) بَحَثْتُ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ.
([7]) رواه أبو داودَ في كتابِ اللباسِ / بابُ ما جاءَ في الكِبْرِ (4086) وفيه أصلُ القصةِ دُونَ قولِه : "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ".
([8]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (16756)
ورُوِيَ الحديثُ مِن رِوايَةِ :
- جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهما، كما عند الطبرانيِّ في الأوسطِ (7/459) الحديثُ (6902) .
- وعُقْبَةَ بنِ عامرٍ، كما عند الإمامِ أحمدَ في مُسنَدِهِ (169181) . وفيه شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ ورجلٌ مجهولٌ .
- ويَحْيَى بنِ جَعْدَةَ، كما في الزهدِ لهنَّادٍ (2/421) من حديثِ أبي مُعاوِيَةَ عن حجاجِ بنِ أَرْطأَةَ، عن حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ، عن يَحْيَى بنِ جَعْدَةَ مُرْسَلاً، ووَصَلَهُ الطبرانيُّ في الكبيرِ (10/221) عن ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه .
- أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ عند الطبرانيِّ في الكبيرِ (8/203، 245)، قال الهَيْثَمِيُّ في المَجْمَعِ (2/214) : وفيه عُبَيْدُ اللهِ بنُ زَحْرٍ، عن عليِّ بنِ يَزِيدَ، وكلاهما ضعيفٌ.
([9]) سَبَقَ تَخْرِيجُه صفحة 76.
([10]) الحديثُ من روايةِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما، رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (2705) والبُخَارِيُّ في كتابِ التهجدِ / بابُ التهجدِ بالليلِ (1120) ومواضعَ أُخَرَ، ومسلمٌ في كتابِ صلاةِ المسافرينَ / بابُ الدعاءِ في صلاةِ الليلِ وقيامِه (1805)، والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ الدعَواتِ / بابُ ما يقولُ إذا قامَ مِنَ الليلِ إلى الصلاةِ (3418)، والنَّسَائِيُّ في كتابِ قيامِ الليلِ / بابُ ذكرِ ما يُسْتَفْتَحُ به القيامُ (1618)، وأبو داودَ في كتابِ الصلاةِ / بابُ ما يُستفتَحُ به الصلاةُ من الدعاءِ (766)، وابْنُ مَاجَهْ في كتابِ إقامةِ الصلاةِ / بابُ ما جاءَ في الدعاءِ إذا قامَ الرجُلُ من الليلِ (1355).
([11]) رواه ابْن مَاجَهْ في المُقَدِّمَةِ / بابٌ فِيمَا أَنْكَرَتِ الجَهْمِيَّةُ (184).
([12]) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 110.
([13]) رواه البُخَارِيُّ في كتابِ التوحيدِ / بابُ قولِ اللهِ تعالَى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} الحديثُ (7444) ومسلمٌ في كتابِ الإيمانِ / بابُ إثباتِ رؤيةِ المؤمنينَ في الآخرةِ رَبَّهُمْ سبحانَهُ وتعالَى (447) وابْنُ مَاجَهْ في المقدِّمَةِ / بابٌ فيما أَنْكَرَتِ الجَهْمِيَّةُ (186) والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ صفةِ الجنةِ / بابُ ما جاءَ في صفةِ غُرَفِ الجنةِ (2528) والإمامُ أحمدُ في مسنَدِه (19183).
([14]) روضةُ المحبينَ (420-424) .
([15]) القصيدةُ النُّونيَّةُ (240) .
([16]) طَرِيقُ الهِجرتَيَنِ (324 –325) .
وقال رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى في شفاءِ العليلِ (1/279): (ثم يَشهَدُه في علمِه فوقَ كلِّ عليمٍ، وفي قدرتِه فوقَ كلِّ قديرٍ، وفي جُودِه فوقَ كلِّ جوَّادٍ، وفي رحمتِه فوقَ كلِّ رحيمٍ، وفي جَمالِه فوقَ كلِّ جميلٍ، حتى لو كانَ جمالُ الخلائقِ كلِّهم على شخصٍ واحدٍ منهم ثم أُعطِيَ الخلقُ كُلُّهم مثلَ ذلك الجمالِ لَكانَت نِسبَتُه إلى جمالِ الربِّ سبحانَهُ دُونَهُ نِسبةَ سراجٍ ضعيفٍ إلى ضوءِ الشمسِ).
وقال أيضًا في الصواعِقِ المُرسلَةِ (3/1082): (فللهِ سبحانَهُ كلُّ صفةِ كمالٍ وهو موصوفٌ بتلك الصفاتِ كُلِّها، ونَذْكُرُ من ذلك صفةً واحدةً تُعتَبَرُ بها سائِرُ الصفاتِ، وهو أنك لو فَرَضْتَ جمالَ الخلقِ كُلِّهم من أولِهِم إلى آخرِهِم اجتمَعَ لشخصٍ واحدٍ منهُم ثم كانَ الخلقُ كُلُّهم على جمالِ ذلك الشخصِ لكان نِسبَتُه إلى جَمالِ الربِّ تبارَكَ وتعالَى دُونَ نِسبَةِ سراجٍ ضعيفٍ إلى جِرْمٍ الشمسِ وكذلك قُوتُه سبحانَهُ وعِلمُه وسَمْعُه وبَصَرُه).
وقال أيضًا في مَدارجِ السَّالكِينَ (3/269): (فإن القلوبَ مَفطورةٌ على حبِّ الجمالِ والإجمالِ. واللهُ سبحانَهُ جَميلٌ. بل له الجمالُ التامُّ الكاملُ من جميعِ الوجوهِ؛ جمالُ الذاتِ، وجمالُ الصفاتِ، وجمالُ الأفعالِ، وجمالُ الأسماءِ، وإذا جُمِعَ جمالُ المخلوقاتِ كُلُّه على شخصٍ واحدٍ، ثم كانت جَمِيعُها على جمالِ ذلك الشخصِ، ثم نُسِبَ هذا الجمالُ إلى جمالِ الربِّ تَبارَكَ وتَعالَى: كانَ أقلَّ مِن نِسبةِ سراجٍ ضعيفٍ إلى عينِ الشمسِ).
(1) قَالَ الْأَلْبَانِيُّ فِي السِّلْسِلَةِ الضَّعِيفَةِ: (ضَعِيفٌ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ (13/73/181)، وَعَنْهُ الضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ (56/128/1 - 2)، وَابْنُ عَدِيٍّ (284/2)، وَعَنْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ (14/178/2): حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ اللَّيْثِ الرَّاسِبِيُّ - أَمْلَاهُ عَلَيْنَا حِفْظًا - قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ إِمْلَاءً قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ مَاشِيًا عَلَى قَدَمَيْهِ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: فَلَمْ يُجِيبُوهُ، قَالَ فَانْصَرَفَ، فَأَتَى ظِلَّ شَجَرَةٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: فَذَكَرَهُ . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: (هَذَا حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ الرَّاسِبِيِّ، لَمْ نَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُهُ، وَلَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا عَنْهُ) .
قُلْتُ: كَذَا فِي نُسْخَتِنَا مِنْ ابْنِ عَدِيٍّ (الرَّاسِبِيِّ)، وَفِي " التَّارِيخِ " (الرَّاسِنِيُّ)، وَفِي " التَّهْذِيبِ " وَغَيْرِهِ (الرَّسْعَنِيُّ، وَكَذَا فِي الطَّبَرَانِيِّ) وَلَعَلَّهُ الصَّوَابُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ هَذَا رَوَاهُ - بَلْ رَوَى بَعْضَهُ - ابْنُ مَنْدَهْ فِي " التَّوْحِيدِ " (79/1) وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنُ أَبِي صَفْوَانَ.
قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَعِلَّتُهُ عَنْعَنَةُ ابْنِ إِسْحَاقَ عِنْدَ الْجَمِيعِ؛ وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَلَمْ يَسُقْ إِسْنَادَهُ فِي " السِّيرَةِ " وَإِنَّمَا قَالَ (2/61): "فَلَمَّا اطْمَأنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - فِيمَا ذُكِرَ لِي -: اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ..." .
وَالْحَدِيثُ قَالَ فِي (الْمَجْمَعِ) (6/35): (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ ثِقَةٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ) مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ مُعَنْعَنًا أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْأَصْبَهَانِيُّ فِي (الْحُجَّةِ) (ق 166/2)، وَالرَّافِعِيُّ فِي (تَارِيخِ قَزْوِينَ) (2/82).
([18]) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 501.
([19]) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 77.
([20]) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 501.
([21]) رواهُ التِّرْمِذِيُّ في كتابِ الأدبِ / بابُ ما جاءَ في النَّظافَةِ (2799)، وفيه خالدُ بنُ إلياسَ، ويقالُ : إياسٍ، قال فيه أحمدُ بنُ حنبلٍ : متروكُ الحديثِ، وقال يَحيَى بنُ مَعِينٍ : ليس بشيءٍ .
والحديثُ قال فيه التِّرْمِذِيُّ : حديثٌ غريبٌ، وخالدُ بنُ إلياسَ يُضَعَّفُ، ويقالُ : ابنُ إياسٍ.
([22]) رواهُ مُسلمٌ في كتابِ الزكاةِ / بابُ قَبولِ الصدقةِ مِن الكَسْبِ الطيِّبِ (2343)، والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ تفسيرِ القرآنِ / بابٌ "ومِن سُورَةِ البَقَرَةِ" (2989)، ورَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (8148) من حديثِ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه.
([23]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (6669)، والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ الأدبِ / بابُ ما جاءَ إنَّ اللهَ تعالَى يُحِبُّ أن يَرَى أَثَرَ نِعْمَتَهُ على عَبْدِه (2819) من حديثِ عَمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّهِ.
([24]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (15457) والنَّسَائِيُّ في كتابِ الزينةِ / بابُ الجَلاجِلِ (5239) وأبو داودَ في كتابِ اللباسِ / بابٌ في غَسْلِ الثوبِ وفي الخُلْقَانِ (4057).
([25]) رواه مسلمٌ في كتابِ البِرِّ والصلةِ / بابُ تَحريمِ ظُلمِ المُسلمِ (6489) من حديثِ أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنه.
([26]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (27756) وأبو داودَ في كتابِ الترجُّلِ (4155)، وابْنُ مَاجَهْ في كتابِ الزُّهـدِ / بـابُ مَن لا يُؤْبَهُ له (4118).
([27]) وقال رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى في الكلامِ على مسألةِ السَّماعِ (373- 376): (وأهلُ جَمالِ الصورةِ يُبْتَلَوْنَ بالفاحشةِ كثيرًا واسمُِها فإنَّ اللهَ سمَّاها فاحشةً وسُوءًا وفَسادًا وخُبثًا وشُبهةً وإجرامًا وهذه الأشياءُ ضِدُّ الجمالِ فعُلِمَ أن الجمالَ الذي يُحِبُّهُ اللهُ ليس جمالَ الصورةِ، فإن اللهَ لا يَنظُرُ إلى مُجرَّدِ الصورةِ فكيف يكونُ محبوبًا له؟ والجمالُ منه ما يُحبُّه اللهُ ومنه ما يُبغِضُه، فإنَّ اللهَ يُبْغِضُ التجمُّلَ بلباسِ الحريرِ والذهبِ، ويُبغِضُ التجمُّلَ بلباسِ الخُيَلاءِ وإن كان ذلك جمالاً، فالجمالُ ثلاثةُ أنواعٍ، جمالٌ خالٍ عن مُعارَضَةٍ مُفْسِدَةٍ فهذا يُحِبُّهُ اللهُ، وجمالٌ مُشتمِلٌ على مَفْسَدَةٍ مَبغوضةٍ للهِ فهذا يَكْرَهُهُ اللهُ، وجمالٌ فيه شائبةٌ من هذا وهذا، فهذا يَكْرَهُه اللهُ من وجهٍ ويُحبُّهُ من وجهٍ، هذا إذا كان جمالاً كَسبِيًّا، وأما إن كان جمالاً خَلْقِيًّا لا يَتعلَّقُ بكَسْبِ العبدِ فهذا لا يتعلَّقُ به ثوابٌ ولا عقابٌ ولا مدحٌ ولا ذَمٌّ ولا حُبٌّ ولا بُغْضٌ إلا إذا استعانَ به على ما يُحِبُّهُ اللهُ أو يَكْرَهُهُ كما تقدَّمَ، وقد قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ)) وقالَ: ((إنَّ اللهَ يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ)) وقالَ: ((إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفُحْشَ ولا التفحُّشَ)) وكلُّ واحدٍ من الجمالِ والقُبْحِ له مُتعَلِّقا الخَلْقِ والخُلُقِ، والخُلُقُ يَظهَرُ أثرُهُ في القولِ والعملِ، فهاهنا ثمانيةُ أقسامٍ جمالٌ في الخَلْقِ والخُلُقِ والقولِ والفعلِ، فصاحِبُه أَحْمَدُ الخلقِ وأحبُّهُم إلى اللهِ، ويُقابِلُه قُبْحٌ في الخَلْقِ والخُلُقِ والقَوْلِ والفِعْلِ فصاحِبُه أَقْبَحُ الخَلْقِ وأَبْغَضُهم إلى اللهِ، ثم قد يُرَكَّبُ بعضُ هذه الأقسامِ مع بعضٍ فيكونُ للرجلِ جَمالٌ في شيءٍ وقُبْحٌ في غيرِه، وقد يكونُ جَمالُهُ أكثرَ من قُبحِه، فيَغْبَطُهُ ويَسْتُرُه وبالعكسِ، وقد يتعادَلُ فيه هذا وهذا. ومَن تأمَّلَ أحوالَ الخَلْقِ وَجَدَهُمْ كذلك، وفي الغالبِ يكونُ بينَ الظاهرِ والباطنِ تلازمٌ، وبين قُبحِ الظاهرِ والباطنِ تلازمٌ، فإن لكلِّ باطنٍ عُنوانًا من الظاهرِ يَدُلُّ عليه ويُعرَفُ به، وقد جعلَ اللهُ سبحانَهُ بينَ الخلقِ والخُلُقِ والظاهرِ والباطِنِ ارتباطًا والتئامًا وتناسُبًا، ومِن هاهنا تُكُلِّمَ في الفَرَاسَةِ، واستَنْبَطُوا عِلْمَها وهو من أَلْطَفِ العُلومِ وأَدَقِّها، وأصلُه معرفةُ المُشاكَلَةِ والمُناسَبَةِ والأُخُوَّةِ التي عَقَدَها اللهُ سُبحانَهُ بين المُتشاكِلِينَ، ومَن لَمْ يَكُنْ له نصيبٌ منها لم يَكَدْ يَنْتَفِعُ بنفسِه ولا بغيرِه.
وأنت إذا تأمَّلْتَ العالَمَ فقَلَّ أن تَرَى خَلْقًا مُشوَّهًا إلا وثَمَّ خُلُقٌ قبيحٌ وفعلٌ يُناسِبُه وقولٌ يُناسِبُه، اللهُمَّ إلا لمُعارِضٍ مِن تأدُّبٍ وتَعلُّمٍ يُخرِجُه من مُقتضَى طَبْعِه كما يَحْصُلُ لكثيرٍ من الحيوانِ البهيمِ منَ التعليمِ والتأديبِ والتمرينِ ما يُخرِجُه عن مُقتضَى طِباعِه، وَقَلَّ أن تَرَى خَلْقًا جميلاً إلا وثَمَّ خُلُقٌ وفِعلٌ وقولٌ يُناسِبُه اللهُمَّ إلا لمُعارِضِ سُوءٍ أَخْرَجَهُ عن مُقتضَى طِباعِه، كالطفل الذي وُلِدَ على الفِطرَةِ فلو خُلِّيَ لمَا نَشَأَ إلا على فِطرةِ الإسلامِ، لكنَّ مُعارِضَ الكُفْرِ أََخْرَجَهُ عَن فِطْرَتِه، والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ذَكَرَ أنَّ اللهَ جميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ للفرقِ بين الكِبْرِ الذي يُبْغِضُه اللهُ وأنه ليسَ من الجَمالِ، وبينَ الجَمالِ الذي يُحِبُّه، فإنه لَمَّا قالَ: ((لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)) قالوا: يا رسولَ اللهِ، الرجلُ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، ونعلُهُ حَسنًا أفَمِنَ الكِبْرِ ذلك؟ فقال: ((لاَ، إنَّ اللهَ جميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطْرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ)) فأخبرَ أن تحسينَ الثوبِ والنعلِ قد يكونُ من الجمالِ الذي يُحِبُّهُ اللهُ كما قالَ تعالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} فإذا كانَ الظاهرُ جميلاً والباطِنُ جَمِيلاً أَحَبَّهُ اللهُ، وإذا كانَ الباطنُ جميلاً والظاهرُ غيرَ جَمِيلٍ لم يَضُرُّهُ عندَ اللهِ شيئًا، وإن كانَ كاسدًا عندَ الناسِ فإنه عندَ اللهِ عزيزٌ غالٍ، فإذا كانَ للعبدِ صوتٌ حَسَنٌ ولو من أَحْسَنِ الأصواتِ وبَذَا بِصَوْتِهِ واستعملَهُ في الغِناءِ أَبْغَضَ اللهُ صوتَهُ كما يُبْغِضُ الصورةَ المُستعملَةَ في الفواحِشِ ولو كانَت من أجملِ الصُّوَرِ وأَحْسَنِها، فهذا فصلٌ نافعٌ جِدًّا في الفرقِ بينَ الجَمالِ الذي يُحِبُّهُ اللهُ).
([28]) الفوائدُ (258 – 265).