تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) }
تفسير قوله تعالى: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) }
تفسير قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (قوله: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قال: القيامة). [مجالس ثعلب: 559]
تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) }
تفسير قوله تعالى: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) }
تفسير قوله تعالى: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) }
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) }
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) }
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال حاتم طيء الجواد:
...
فقد علمت غوث بأنا سراتها = إذا علنت بعد النجي أمورها
«علنت»: ظهرت. و«النجي»: السرار). [النوادر في اللغة: 350]
تفسير قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) }
تفسير قوله تعالى: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) }
تفسير قوله تعالى: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) }
تفسير قوله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (ومن الأضداد أيضا: رجوت من الرجاء. ورجوت: خفت. قال الله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقارا}، أي: تخافون الله. وقال الشاعر:
وأعتقنا أسارى من نمير = لخوف الله أو نرجو العقابا
وقال أبو ذؤيت الهذلي:
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها = وحالفها في بيت نوب عواسل
أي: لم يخف لسعها. وقال النابغة أيضا:
مجلتهم ذات الإله ودينهم = قويم فما يرجون غير العواقب
أي: ما يخافون. وقال الآخر:
تعسفتها وحدي ولم أرج هولها = بحرف كقوس الضال باق هبابها
فقال: رجوت. يريد لم أبال هولها). [الأضداد: 93-94]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : ( *رجا* ويقال ما رجوت فلانا أي ما أملته وما رجوته أي ما خفته، وقال الله جل وعز: {ما لكم لا ترجون لله وقارا} أي: لا تخافون لله عظمة، قال أبو ذؤيب (الطويل):
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها = وحالفها في بيت نوب عواسل).
[كتاب الأضداد: 23-24]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} أي: لا تخشون لله عظمة). [مجالس ثعلب: 20]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والظن يكون بمعنى الشك والعلم، لأن المشكوك فيه قد يُعْلَم.
كما قيل راج للطمع في الشيء، وراج للخائف، لأن الرجاء يقتضي الخوف إذ لم يكن صاحبه منه على يقين، قال الله عز وجل: {وترجون من الله ما لا يرجون}، فقال الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: معناه: وتخافون من الله ما لا يخافون.
وقال الفراء: العرب لا تذهب بالرجاء مذهب
الخوف إلا مع الجحد، كقولهم: ما رجوت فلانا، أي ما خفته، قال الله عز وجل: {ما لكم لا ترجون لله وقارا}، فمعناه: لا تخافون لله عظمة.
وقال أبو ذؤيب:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها = وحالفها في بيت نوب عوامل
أراد: لم يخف لسعها
...
وقال الهاشمي عبيدة بن الحارث –قتل مع حمزة يوم أحد-:
لعمرك ما أرجو إذا مت مسلما = على أي جنب كان في الله مصرعي
معناه ما أخاف.
وأنشد يونس البصري:
إذا أهل الكرامة أكرموني = فلا أرجو الهوان من اللئام
وأنشد الفراء:
ما ترتجي حين تلاقي الذائدا = أسبعة لاقت معا أم واحدا
أراد ما تخاف.
قال أبو بكر: فكلام العرب في الرجاء على ما ذكر الفراء. وقال المفسرون خلاف ما روى الكلبي في المعنى الذي أبطل صحته الفراء: وترجون من ثواب الله وتطمعون من حسن العاقبة والظفر والغلبة لأعدائكم فيما لا يطمع أعداؤكم، ولا يؤملون مثله). [كتاب الأضداد: 9-10] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} قال: خلقًا مختلفة). [مجالس ثعلب: 299]
تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) }
تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) }
تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما جاء المصدر فيه على غير الفعل لأن المعنى واحد
وذلك قولك اجتوروا تجاوراً وتجاوروا اجتواراً لأن معنى اجتوروا وتجاوروا واحد ومثل ذلك انكسر كسراً وكسر انكساراً لأن معنى كسر وانكسر واحد وقال الله تبارك وتعالى: {والله أنبتكم من الأرض نباتا} لأنه إذا قال أنبته فكأنه قال قد نبت وقال عز وجل: {وتبتل إليه تبتيلا} لأنه إذا قال تبتل فكأنه قال بتل وزعموا أن في
قراءة ابن مسعود: (وأنزل الملائكة تنزيلا) لأن معنى أنزل ونزّل واحد). [الكتاب: 4/81-82]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن الفعلين إذا اتفقا في المعنى جاز أن يحمل مصدر أحدهما على الآخر؛ لأن الفعل الذي ظهر في معنى فعله الذي ينصبه. وذلك نحو قولك: أنا أدعك تركاً شديداً، وقد تطويت انطواءً، لأن تطويت في معنى انطويت. قال الله عز وجل: {وتبتل إليه تبتيلا} لأن تبتل وبتل بمعنى واحد. وقال: {والله أنبتكم من الأرض نباتاً} ولو كان على أنبتكم لكان إنباتا، قال امرؤ القيس:
ورضت فدلت صعبةً أي إذلال
ولو كان على ذلت لكان: أي ذل. لكن رضت في معنى أذللت). [المقتضب: 1/211-212] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب
ما جرى مجرى الفعل وليس بفعل ولا مصدر
ولكنها أسماءٌ وضعت للفعل تدل عليه، فأجريت مجراه ما كانت في مواضعها؛ ولا يجوز فيها التقديم والتأخير؛ لأنها لا تصرف تصرف الفعل؛ كما لم تصرف إن تصرف الفعل، فألزمت موضعاً واحداً، وذلك قولك: صه ومه، فهذا إنما معناه: اسكت، واكفف، فليس بمتعدٍّ، وكذلك: وراءك وإليك، إذا حذرته شيئاً مقبلاً عليه، وأمرته أن يتأخر، فما كان من هذا القبيل فهو غير متعدٍّ. ومنها ما يتعدى وهو قولك: عليك زيدا، ودونك زيدا، إذا أغريته. وكذلك: هلم زيدا، إذا أردت: هات زيدا فهذه اللغة الحجازية: يقع هلم فيها موقع ما ذكرنا من الحروف، فيكون للواحد وللاثنين والجمع على لفظٍ واحد، كأخواتها المتقدمات. قال الله عز وجل: {والقائلين إخوانهم هلم إلينا}. فأما بنو تميم فيجعلونها فعلاً صحيحاً، ويجعلون الهاء زائدة، فيقولون: هلم يا رجل، وللاثنين: هلما، وللجماعة: هلموا، وللنساء: هلممن؛ لأن المعنى: الممن، والهاء زائدة. فأما قول الله عز وجل: {كتاب الله عليكم}، فلم ينتصب كتاب بقوله: {عليكم}، ولكن لما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} أعلم أن هذا مكتوبٌ عليهم، فنصب كتاب الله للمصدر؛ لأن هذا بدلٌ من اللفظ بالفعل؛ إذ كان الأول في معنى: كتب الله عليكم، وكتب عليكم. ونظير هذا قوله: {وترى الجبال تحسبها جامدةٌ وهي تمر مر السحاب صنع الله}؛ لأنه قد أعلمك بقوله: {وهي تمر مر السحاب} أن ثم فعلاً، فنصب ما بعده؛ لأنه قد جرى مجرى: صنع الله. وكذلك: {الذي أحسن كل شيءٍ خلقه}. قال الشاعر:
ما إن يمس الأرض إلا منكـبٌ = منه وحرف الساق طي المحمل
لأنه ذكر على ما يدل على أنه طيان من الطي، فكان بدلاً من قوله طوى، وكذلك قوله:
إذا رأتني سقطت أبصارها = دأب بكارٍ شايحت بكارها
لأن قوله: إذا رأتني معناه: كلما رأتني، فقد خبر أن ذلك دأبها؛ فكأنه قال: تدأب دأب بكار؛ لأنه بدل منه. ومثل هذا - إلا أن اللفظ مشتقٌّ من فعل المصدر، ولكنهما يشتبهان في الدلالة -قوله عز وجل: {وتبتل إليه تبتيلا} على: وبتل غليه، ولو كان على تبتل لكان تبتلاً. وكذلك: {والله أنبتكم من الأرض نباتاً}. لو كان على أنبت لكان إنباتاً. ولكن المعنى - والله أعلم -: أنه إذا أنبتكم نبتم نباتاً). [المقتضب: 3/202-204] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (التبع أي الإتباع وأخرجه على الاسم ولم يخرجه على المصدر وفي القرآن: {والله أنبتكم من الأرض نباتًا} والمصدر: إنباتًا). [شرح المفضليات: 386]
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) }
تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) }
تفسير قوله تعالى: {لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) }
تفسير قوله تعالى: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) }
تفسير قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) }
تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) }
تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) }
تفسير قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) }
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال عمرو بن ملقط جاهلي:
مهما لي الليلة مهما ليه = أودى بنعلي وسرباليه
...
«مهما» تجيء للجزاء فجاء بها في غير موضعها كأنه قال: مالي سرقت نعلي مالي.
...
قال أبو الحسن قوله: «مهما لي» ما الثانية زائدة للتوكيد وهي غير لازمة كما تلزم في الجزاء إذا قلت مهما تصنع أصنع فهي في الجزاء ما ضمت إليها أخرى وجعلتا للشرط كحرف واحد وأبدلوا الهاء من الألف لخفاء الألف وأنها حرف هاز لا مستقر لها فكرهوا اجتماع ميمين ليس بينهما إلا الألف وهي لخفائها وأنها تهوي في مخرجها حاجز ليس بحصين فكأنهم جمعوا بين ميمين فأبدلوا منها الهاء لما كانت شريكتها في الخفاء ولم تكن هاوية بمنزلة الحركة. فهذا الشاعر زاد ما
للتوكيد كما في قوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم} و{مما خطيآتهم} وزيادتها للتوكيد تكثر جدا، وإنما المعتمد عليه ما الأولى وهي التي للاستفهام، والثانية موكدة، واستثقال الجمع بين ميمين هاهنا كاستثقاله في الجمع بين ميمين هاهنا كاستثقاله في الجزاء لما بينت لك، فعوضت الهاء من ألف ما الأولى فهذا الشرح. ومما يدلك على ما قلنا تعويض العرب الهاء من الألف في موضع الاستثقال فيه، وليس فيه أكثر من أن الألف لا معتمد لها في الفم). [النوادر في اللغة: 267-270] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
وصبري عمن كنت ما إن أزايله
إن: زائدة، وهي تزاد مغيرة للإعراب، وتزاد توكيدًا، وهذا موضع ذلك، فالموضع الذي تغير فيه الإعراب هو وقوعها بعد"ما" الحجازية، تقول: ما زيدٌ أخاك، وما هذا بشرًا، فإذا أدخلت إن هذه بطل النصب بدخولها، فقلت: ما إن زيد منطلق، قال الشاعر:
وما إن طبنا جبنٌ ولكن = منايانا ودولة آخرينا
فزعم سيبويه أنها منعت "ما" العمل كما منعت "ما" إن الثقيلة أن تنصب تقول: إن زيدًا منطلق، فإذا أدخلت"ما" صارت من حروف الابتداء، ووقع بعدها المبتدأ وخبره والأفعال، نحو: إنما زيد أخوك، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ولولا "ما" لم يقع الفعل بعد"إن" لأن"إن" بمنزلة الفعل، ولا يلي فعل فعلاً لأنه لا يعمل فيه، فأما كان يقوم زيدٌ، {كاد يزيغ قلوب فريق منهم} ففي كان وكاد فاعلان مكنيان.
و"ما" تزاد على ضربين، فأحدهما أن يكون دخولها في الكلام كإلغائها، نحو {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} أي فبرحمة، وكذلك: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} وكذلك {مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} وتدخل لتغيير اللفظ، فتوجب في الشيء ما لولا هي لم يقع، نحو ربما ينطلق زيد، و{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ولولا" ما" لم تقع رب على الأفعال، لأنها من عوامل الأسماء، وكذلك جئت بعد ما قام زيد، كما قال المرار:
أعلقة أم الوليد بعد ما = أفنان رأسك كالثغام المخلس
فلولا" ما" لم يقع بعدها إلا اسم واحد، وكان مخفوضًا بإضافة" بعد" إليه، تقول: جئتك بعد زيد). [الكامل: 1/440-442] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "لقد ما قصّروا". فما زائدة، مثل قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا}، ولو قال: لقدمًا قصّروا لم يكن جيدًا، ودخل الوليد في الذم). [الكامل: 2/586]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وما حرف من الأضداد. تكون اسما للشيء، وتكون جحدا له، وتكون مزيدة للتوكيد. فيقول القائل: طعامك ما أكلت، وهو يريد طعامك الذي أكلته، فتكون (ما) اسما للطعام، وتقول: طعامك ما أكلت، وهو يريد: طعامك لم آكل. وتقول: طعامك ما أكلت، وهو يريد: طعامك أكلت، فيؤكد الكلام بـ(ما). وتقول أيضا: عبد الله ما قام، على جحد القيام، وعبد الله ما قام على إثباته. و(ما) زيدت
للتوكيد فكون (ما) جحدا لا يحتاج فيه إلى شاهد لشهرته وبيانه، وكونها اسما شاهده قول الله عز وجل: {مما خطيئاتهم أغرقوا} معناه من خطاياهم.
وقوله أيضا: {فبما نقضهم ميثاقهم}، فمعناه فبنقضهم ميثاقهم. وقوله: {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها}، معناه: مثلا بعوضة. وقال نابغة بني ذبيان:
المرء يهوي أن يعيـ = ـش وطول عيش ما يضره
تفنى بشاشته ويبـ = ـقى بعد حلو العيش مره
وتصرف الأيام حتى = ما يرى شيئا يسره
كم شامت بي إن هلكـ = ـت وقائل: لله دره!
أراد وطول عيش يضره، فأكد بـ(ما). ويجوز أن تكون (ما) بمعنى (الذي)، والتأويل: وطول عيش الذي يضره، كما قال أبو صخر الهذلي:
هجرتك حتى قلت ما يعرف القلى = وزرتك حتى قلت ليس له صبر
أراد: حتى قلت الذي يعرفه القلى، ولو كانت جحد لفسد معنى البيت. وقال الآخر:
ذريني إنما خطئي وصوبي = علي وإن ما أنفقت مال
أراد: وإن الذي أنفقت مال). [كتاب الأضداد: 195-197]
تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن أضفت المنادى إلى نفسك ففي ذلك أقاويل: أجودها حذف الياء، وذلك كقولك: يا غلام أقبل، ويا قوم لا تفعلوا، ويا جاريت أقبلي. قال الله عز وجل: {يا قوم لا أسألكم عليه أجراً}، وقال: {يا عباد فاتقون}.
وكذلك كل ما كان في القرآن من ذا. كقوله: {رب لا تذر على الأرض} و{رب إني أسكنت من ذريتي} ). [المقتضب: 4/245-246] (م)
تفسير قوله تعالى: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وأما أمر الأطفال فإن نبي الله نوحًا عليه السلام كان أعلم بالله - يا نجدة - مني ومنك، فقال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}، فسماهم بالكفر وهم أطفال، وقبل أن يولدوا، فكيف كان ذلك في قوم نوح ولا نكون نقوله ببني ومنا! والله يقول: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}، وهؤلاء كمشركي العرب، لا نقبل منهم جزية، وليس بيننا وبينهم إلا السيف أو الإسلام). [الكامل: 3/1217]
تفسير قوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) }