{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)}
تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {والسّماء ذات البروج...} اختلفوا في البروج، فقالوا: هي النجوم، وقالوا: هي البروج التي تجري فيها الشمس والكواكب المعروفة: اثنا عشر برجاً، وقالوا: هي قصور في السماء، والله أعلم بصواب ذلك). [معاني القرآن: 3/252]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({البروج} كل برج يومين وثلث، وهو للشمس شهرٌ وهي اثنا عشر برجاً، يسير القمر في كل برج يومين وثلث.. فذلك ثمانية وعشرون منزلة، ثم يستسر ليلتين ومجرى الشمس في كل برج منها شهر). [مجاز القرآن: 2/293]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({البروج}: بروج النجوم، وهي اثنا عشر برجا. ويقال: {البروج}: القصور). [تفسير غريب القرآن: 522]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {والسّماء ذات البروج (1)} جواب القسم: {إنّ بطش ربّك لشديد}.
وقيل: {ذات البروج} ذات الكواكب. وقيل: ذات القصور لقصور في السماء). [معاني القرآن: 5/307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْبُرُوجِ} اثنا عشر بُرجاً، وقيل: هي القصور). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 299]
تفسير قوله تعالى: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقول جل وعز: {واليوم الموعود...} ذكروا أنه القيامة، {وشاهدٍ...} يوم الجمعة، {ومشهودٍ...} يوم عرفة، ويقال: الشاهد أيضاً يوم القيامة، فكأنه قال: واليوم الموعود والشاهد، فيجعل الشاهد من صلة الموعود، يتبعه في خفضه). [معاني القرآن: 3/252]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واليوم الموعود}: يوم القيامة). [تفسير غريب القرآن: 522]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({واليوم الموعود (2)} يوم القيامة). [معاني القرآن: 5/307]
تفسير قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ({واليوم الموعود...} ذكروا أنه القيامة، {وشاهدٍ...} يوم الجمعة، {ومشهودٍ...} يوم عرفة، ويقال: الشاهد أيضاً يوم القيامة، فكأنه قال: واليوم الموعود والشاهد، فيجعل الشاهد من صلة الموعود، يتبعه في خفضه). [معاني القرآن: 3/252](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وشاهدٍ} في يوم الجمعة. كأنه أقسم بمن يشهده.
{ومشهودٍ}: يوم الجمعة، ويوم عرفة). [تفسير غريب القرآن: 522]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وشاهد ومشهود (3)} شاهد يوم الجمعة، ومشهود يوم عرفة. وقيل: {وشاهد} يعنى به النبي -صلى الله عليه وسلم.
و{مشهود} يوم القيامة، كما قال تعالى: {ذلك يوم مجموع له النّاس وذلك يوم مشهود}). [معاني القرآن: 5/307]
تفسير قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله جل وعز: {قتل أصحاب الأخدود...} يقال في التفسير: إن جواب القسم في قوله: {قتل}، كما كان جواب {والشّمس وضحاها} في قوله! {قد أفلح}: هذا في التفسير، ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام يستقبل بها أو "لا" أو "إن" أو "ما" فإن يكن كذلك فكأنه مما ترك فيه الجواب: ثم استؤنف موضع الجواب بالخير، كما قيل: يأيها الإنسان في كثير من الكلام). [معاني القرآن: 3/253]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله جل وعز: {أصحاب الأخدود...} كان مالك خدّ لقوم أخاديد في الأرض، ثم جمع فيها الحطب، وألهب فيها النيران، فأحرق بها قوما وقعد الذين حفروها حولها، فرفع الله النار إلى الكفرة الذين حفروها فأحرقتهم، ونجا منها المؤمنون، فذلك قوله عز وجل: {فلهم عذاب جهنّم} في الآخرة {ولهم عذاب الحريق} في الدنيا.
ويقال: إنها أحرقت من فيها، ونجا الذين فوقها. واحتج قائل هذا بقوله: {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ}، والقول الأول أشبه بالصواب، وذلك لقوله: {فلهم عذاب جهنّم، ولهم عذاب الحريق} ولقوله في صفة الذين آمنوا: {ذلك الفوز الكبير}، يقول: فازوا من عذاب الكفار، وعذاب الآخرة، فأكبر به فوزا). [معاني القرآن: 3/253]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قتل أصحاب الأخدود}موضع قسمها -والله أعلم- على {قتل أصحاب الأخدود} أضمر اللام كما قال: {والشّمس وضحاها} {قد أفلح من زكّاها} يريد إن شاء الله "لقد أفلح من زكّاها" وألقى اللام.
وإن شئت على التقديم كأنه قال: {قتل أصحاب الأخدود} {والسّماء ذات البروج}[البروج: 1]، وقال بعضهم {إنّ بطش ربّك لشديدٌ} [البروج: 12]). [معاني القرآن: 4/49]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الأخدود}: الشقّ [العظيم المستطيل] في الأرض. وجمعه: «أخاديد».
وكان رجل من الملوك خدّ لقوم في الأرض أخاديد، وأوقد فيها نارا، ثم ألقي قوما من المؤمنين في تلك الأخاديد). [تفسير غريب القرآن: 522]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قتل أصحاب الأخدود (4)}
{الأخدود}: شق في الأرض، ويجمع أخاديد.
وقيل {أصحاب الأخدود} قوم كانوا يعبدون صنما، وكان معهم قوم يكتمون إيمانهم، يعبدون اللّه عزّ وجلّ ويوحدونه، فعلموا بهم فخدّوا لهم أخدودا وملأوه نارا، وقذفوا بهم في تلك النار فتقحموها ولم يرتدّوا عن دينهم ثبوتا على الإسلام، ويقينا أنهم يصيرون إلى الجنة. فجاء في التفسير أن آخر من ألقي منهم امرأة معها صبي رضيع، فلما رأت النار صدت بوجهها وأعرضت، فقال لها الصبي: يا أمتاه قفي ولا تنافقي، وقيل إنه قال لها: ما هي إلا [غميضة]، فصبرت فألقيت في النار.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوّذ من جهد البلاء. فأعلم اللّه -عزّ وجلّ- قصة قوم بلغت بصيرتهم وحقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على أن يحرقوا بالنار في اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 5/307-308]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْأُخْدُودِ} الشقّ في الأرض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 299]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْأُخْدُودِ}: الشق في الأرض). [العمدة في غريب القرآن: 342]
تفسير قوله تعالى: {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {النار ذات الوقود...} يقول: قتلهم النار، ولو قرئت: "النار ذات الوقود"، بالرفع كان صوابا، وقرأ أبو عبد الرحمن السّلمّي {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} رفع الشركاء بإعادة الفعل: زينه لهم شركاؤهم.
كذلك قوله: {قتل أصحاب الأخدود} قتلتهم النار ذات الوقود. ومن خفض: (النار ذات الوقود) وهي في قراءة العوام ـ جعل النار هي الأخدود إذ كانت النار فيها كأنه قال: قتل أصحاب النار ذات الوقود). [معاني القرآن: 3/253]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({النّار ذات الوقود} جرها على الأول). [مجاز القرآن: 2/293]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({النّار ذات الوقود} وأما قوله: {النّار ذات الوقود} فعلى البدل.
وأما {الوَقُودُ} فالحطب و"الوُقُودُ" الفعل وهو "الاتّقاد"). [معاني القرآن: 4/49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْوَقُودِ}: الحطب {الوقود} المصدر). [العمدة في غريب القرآن: 343]
تفسير قوله تعالى: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6)}
تفسير قوله تعالى: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)}
تفسير قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد (8)} أي ما أنكروا عليهم ذنبا إلا إيمانهم). [معاني القرآن: 5/308]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وما نَقَمُوا منهم} أي: وما أنكروا، و(نَقِمُوا) مثله). [ياقوتة الصراط: 565]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)}
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فتنوا المؤمنين} أي عذبوهم). [تفسير غريب القرآن: 522]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: التعذيب. قال: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج: 10] أي عذّبوهم بالنار.
وقال عز وجل: { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] أي يعذبون. {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [الذاريات: 14] أي يقال لهم: ذوقوا فتنتكم، يراد هذا العذاب بذاك. وقال عز وجل: {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10] أي: جعل عذاب الناس وأذاهم كعذاب الله). [تأويل مشكل القرآن: 472]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم أعلم -عزّ وجلّ- ما أعدّ لأولئك الّذين أحرقوا المؤمنين فقال: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق (10)} أي أحرقوا المؤمنين والمؤمنات، يقال فتنت الشيء، أحرقته، والفتين حجارة سود كأنّها محرقة.
{فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق} فالمعنى واللّه أعلم فلهم عذاب جهنم بكفرهم، ولهم عذاب الحريق بما أحرقوا المؤمنين والمؤمنات). [معاني القرآن: 5/308]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَتَنُوا} عذّبوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 299]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)}