{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}
تفسير قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون...} يقول القائل: قد شهدوا للنبي صلى الله عليه، فقالوا: {واللّه يعلم إنّك لرسوله} فكيف كذّبهم الله؟ يقال: إنما أكذب ضميرهم؛ لأنهم أضمروا النفاق، فكما لم يقبل إيمانهم وقد أظهروه، فكذلك جعلهم كاذبين؛ لأنهم أضمروا غير ما أظهروا). [معاني القرآن: 3/158]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول اللّه واللّه يعلم إنّك لرسوله واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون} أكذبهم فيما تعتقده قلوبهم، وفي أنهم يحلفون باللّه إنهم لمنكم.ويحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر). [معاني القرآن: 5/175]
تفسير قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {اتّخذوا أيمانهم جنّةً} أي استتروا بالحلف: كلّما ظهر [النبيّ] على شيء منهم يوجب معاقبتهم، حلفوا كاذبين.ومن قرأ: (إيمانهم) بكسر الألف، أراد: تصديقهم باللّه جنة [ووقاية] من القتل). [تفسير غريب القرآن: 467]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {اتّخذوا أيمانهم جنّة فصدّوا عن سبيل اللّه إنّهم ساء ما كانوا يعملون} أي سترة يستترون بها منه، ودليل ذلك أنهم حلفوا على ما وصفنا. وقد قرئت: (اتّخذوا إيمانهم) بكسر الهمزة -أي إظهارهم الإيمان {جنّة فصدّوا عن سبيل اللّه}). [معاني القرآن: 5/175]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} أي استتروا باليمين الكاذبة. ومن كسر الهمزة أراد تصديقهم في الظاهر جعلوه [جُنّة] من القتل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 270]
تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فمن الإيمان: تصديق باللسان دون القلب، كإيمان المنافقين. يقول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا}، أي آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم. كما كان من الإسلام انقياد باللسان دون القلب.
ومن الإيمان: تصديق باللسان والقلب. يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}، كما كان من الإسلام انقياد باللسان والقلب.
ومن الإيمان: تصديق ببعض وتكذيب ببعض. قال الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}، يعني مشركي العرب، إن سألتهم من خلقهم؟ قالوا: الله، وهم مع ذلك يجعلون له شركاء.
وأهل الكتاب يؤمنون ببعض الرّسل والكتب، ويكفرون ببعض. قال الله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا}، يعني: ببعض الرسل والكتب، إذ لم يؤمنوا بهم كلّهم). [تأويل مشكل القرآن: 481-482](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} وقرئت فطبع على قلوبهم. ورويت فطبع الله على قلوبهم. والقراءة المعروفة المجمع عليها ههنا فطبع، على ما لم يسمّ فاعله. ويجوز في العربيّة (فطبع عّلى قلوبهم) على إدغام العين في العين لأنهما من مخرج واحد، ولاجتماع الحركات لأنه يجتمع لست حركات، ومن ترك الإدغام فلأن الحرفين من كلمتين وأن العين من الحلق وحروف الإدغام في حروف الفم أكثر منها في حروف الحلق نحو: مدّ، وشدّ، وقرّ، وردّ، وأكثر من باب دعّه يدعّه). [معاني القرآن: 5/175-176]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم...}.من العرب من يجزم بإذا، فيقول: إذا تقم أقم، أنشدني بعضهم:
وإذا نطاوع أمر سادتنا = لا يثننا جبن ولا بخل
وقال آخر:
واستغن ما أغناك ربّك بالغنى = وإذا تصبك خصاصةٌ فتجمّل
وأكثر الكلام فيها الرفع؛ لأنها تكون في مذهب الصفة، ألا ترى أنك تقول:
الرّطب إذا اشتد الحر، تريد في ذلك الوقت. فلما كانت في موضع صفة كانت صلة للفعل الذي يكون قبلها، أو بعد الذي يليها، كذلك قال الشاعر:
وإذا تكون شديدةٌ أدعى لها = وإذا يحاس الحيس يدعى جندب). [معاني القرآن: 3/158]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كأنّهم خشبٌ مّسنّدةٌ...}.خفف الأعمش، وثقل إسماعيل بن جعفر المدني عن أصحابه وعاصم، فمن ثقل فكأنه جمع خشبة خشابا، ثم جمعه فثقل، كما قال: ثمار وثمرٌ. وإن شئت جمعته، وهو خشبة على خشب، فخففت وثقلت، كما قالوا: البدنة، والبدن والبدن، والأكم والأكم.
والعرب تجمع بعض ما هو على صورة خشبة أرى على فعل؛ من ذلك: أجمة وأجم، وبدنة وبدن، وأكمة وأكم. ومن ذلك [من] المعتل: ساحة وسوح، وساق وسوق، وعانة وعون، ولابة ولوب، وقارة وقور، وحياة وحي، قال العجاج:
* ولو ترى إذ الحياة حي *
وكان ينبغي أن يكون: حوى، فكسر أولها لئلا تتبدل الياء واوا، كما قالوا: بيض وعين). [معاني القرآن: 3/158-159]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم...}.جبنا وخوفا، ثم قال: "هم العدو"، ولم يقل: هم الأعداء، وكل ذلك صواب). [معاني القرآن: 3/159]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({كأنّهم خشبٌ مسنّدة} جماعة خشب). [مجاز القرآن: 2/259]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنّهم خشبٌ مّسنّدةٌ يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم هم العدوّ فاحذرهم قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون} قال: {خشبٌ مّسنّدةٌ} وكما قال: "عمدٌ" و"عمدٌ" وهو مثل "الخشب" ويقول بعضهم "الخشب"). [معاني القرآن: 4/31]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({خشب}: من خففها فواحدها خشبة مثل بدنة وبدن وقال بعضهم جمع خشباء، وبعضهم يقول: خشب فيثقلها). [غريب القرآن وتفسيره: 378]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({كأنّهم خشبٌ مسنّدةٌ}: جمع «خشبة». كما يقال: بدنة وبدن، وأكمة وأكم، ورحمة ورحم. ومن المعتل: قادة وقود.
[تفسير غريب القرآن: 467]
ومن قرأ: (خشب). جعله جمعا لـ «خشب»، [وخشب جمع «خشبة». مثل ثمرة وثمر وثمر.
{يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم} أي كلما صلح صائح، ظنّوا أن ذاك أمر عليهم: جبنا [منهم]. كما قال الشاعر:
ولو أنها عصفورة لحسبتها = مسومة تدعوا عبيدا وأزنما
أي لو طارت عصفورة لحسبتها - من جبنك - خيلا تدعو هاتين القبيلتين.
ثم قال: {هم العدوّ فاحذرهم} أي فهم الأعداء). [تفسير غريب القرآن: 468]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله في المنافقين: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ} فدلّ على جبنهم، واستشرافهم لكل ناعر، ومرهج على الإسلام وأهله.
وأخذه الشاعر- وأنّى له هذا الاختصار- فقال:
ولو أنّها عصفورة لحسبتها = مسوّمة تدعو عبيدا وأزنما
يقول: لو طارت عصفورة لحسبتَها مِن جُبنِكَ خيلا تدعو هاتين القبيلتين.
وقال الآخر:
ما زلت تحسب كل شيء بعدهم = خيلا تكرّ عليكم ورجالا). [تأويل مشكل القرآن: 8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه واحد يراد به جميع:
كقوله: {هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ}، وقوله: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وقوله: {نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}.
وقوله: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} والتفريق لا يكون إلا بين اثنين فصاعدا.
وقوله: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}.
والعرب تقول: فلان كثير الدرهم والدينار، يريدون الدراهم والدنانير.
وقال الشاعر:
هم المولى وإن جنفوا علينا = وإنّا من لقائهم لزور
وقال الله عز وجل: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ}، أي الأعداء، {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}، أي رفقاء.
وقال الشاعر:
فقلنا: أسلموا إنّا أخوكم = وقد برئت من الإحن الصّدور). [تأويل مشكل القرآن: 284-285](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنّهم خشب مسنّدة يحسبون كلّ صيحة عليهم هم العدوّ فاحذرهم قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون} كأنه وصفهم بتمام الصور وحسن الإبانة، ثم أعلم أنهم في تركهم التّفهّم والاستبصار بمنزلة الخشب فقال: {كأنّهم خشب مسنّدة} ويقرأ (خشب مسنّدة) بإسكان الشين؛ فمن قرأ بإسكان الشين فهو بمنزلة بدنة وبدن. ومن قال خشب -بضم الشين- فهو بمنزلة ثمرة وثمر. ويجوز (خشب مسنّدة)، فلا تقرأ بها إلا أن تثبت بها رواية، وخشبة وخشب مثل شجرة وشجر.
وقوله: {يحسبون كلّ صيحة عليهم} وصفهم اللّه تعالى بالجبن، ويكون أمر كل من خاطب النبي عليه السلام فإنّما يخاطبه في أمرهم بكشف نفاقهم.
وقوله: {هم العدوّ فاحذرهم} أي هم العدو الأدنى، فاحذرهم لأنهم كانوا أعداء النبي -صلى الله عليه وسلم- ويظهرون أنّهم معه.
وقوله عزّ وجلّ: {قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون} ومعنى {أنّى يؤفكون} من أين يصرفون عن الحق إلى الباطل). [معاني القرآن: 5/176]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خُشُبٌ}: جمع خشبة). [العمدة في غريب القرآن: 306]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لوّوا رءوسهم...}.حركوها استهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعائه. وقرأ بعض أهل المدينة: "لووا رءوسهم" بالتخفيف). [معاني القرآن: 3/159]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مّستكبرون}[وقال] {لوّوا رءوسهم} لأن كلام العرب إذا كان في السّخريّ أو في التكثير قيل {لوّى لسانه} و"رأسه". وخفّف بعضهم واحتج بقول الله عز وجل: {ليّاً بألسنتهم} ). [معاني القرآن: 4/31]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون} قرأ أبو عمرو يستغفر لّكم -بإدغام الراء في اللام- وهي عند سيبويه لا تجوز، وقد بيّنّا ذلك في سورة الصف. [معاني القرآن: 5/176]
وقوله: {لوّوا رءوسهم} على فعّلوا، وقرئت (لووا رءوسهم) بالتخفيف. وهذه قيل إنها نزلت في عبد اللّه بن أبيّ). [معاني القرآن: 5/177]
تفسير قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه...} كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة من غزواته، فالتقى رجل من المسلمين يقال له: جعال وآخر من المنافقين على الماء فازدحما عليه، فلطمه جعال، فأبصره عبد الله بن أبي، فغضب، وقال: ما أدخلنا هؤلاء القوم دارنا إلاّ لنلطم ما لهم؟ وكلهم الله إلى جعال، وذوي جعال!، [معاني القرآن: 3/159]
ثم قال: إنكم لم منعتم أصحاب هذا الرجل الطعام لتفرقوا عنه، وانفضوا، فذلك قوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا...} ثم قال عبد الله بن أبي: {لئن رّجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} وسمعها زيد بن أرقم، فأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن: {وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين...}، ويجوز في القراءة: "ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ" كأنك قلت: ليخرجن العزيز منها ذليلا، قرأ بعضهم: لنخرجن الأعزّ منها الأذل أي: لنخرجن الأعزّ في نفسه ذليلا). [معاني القرآن: 3/159-160]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({حتّى ينفضّوا} حتى يتفرقوا). [مجاز القرآن: 2/259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ينفضوا}: يتفرقوا). [غريب القرآن وتفسيره: 378]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا وللّه خزائن السّماوات والأرض ولكنّ المنافقين لا يفقهون} هذه أيضا نزلت في عبد الله بن أبيّ. وذلك أنه قال لقوم ينفقون على بعض من مع رسول اللّه: لا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا عنه.
{وللّه خزائن السّماوات والأرض ولكنّ المنافقين لا يفقهون} أي أن اللّه يرزقهم وهو رازقهم في حال إنفاق هؤلاء عليهم). [معاني القرآن: 5/177]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ) : ({حتى ينفضوا} أي: حتى يتفرقوا). [ياقوتة الصراط: 517]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَنفَضُّوا}: يتفرقوا). [العمدة في غريب القرآن: 306]
تفسير قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه...}.كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة من غزواته، فالتقى رجل من المسلمين يقال له: جعال وآخر من المنافقين على الماء فازدحما عليه، فلطمه جعال، فأبصره عبد الله بن أبي، فغضب، وقال: ما أدخلنا هؤلاء القوم دارنا إلاّ لنلطم ما لهم؟ وكلهم الله إلى جعال، وذوي جعال!، [معاني القرآن: 3/159]
ثم قال: إنكم لم منعتم أصحاب هذا الرجل الطعام لتفرقوا عنه، وانفضوا، فذلك قوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا...} ثم قال عبد الله بن أبي: {لئن رّجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} وسمعها زيد بن أرقم، فأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن: {وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين...}، ويجوز في القراءة: "ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ" كأنك قلت: ليخرجن العزيز منها ذليلا، قرأ بعضهم: لنخرجن الأعزّ منها الأذل أي: لنخرجن الأعزّ في نفسه ذليلا). [معاني القرآن: 3/160] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون} يعنون أيضا عبد الله بن أبيّ، فأعلم اللّه أنه مظهر دينه على الدين كله ومعزّ رسوله ومن معه من المؤمنين فقال: {وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين}). [معاني القرآن: 5/177]
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} حضهم الله على إدامة الذكر له وأن لا يضنوا بأموالهم فقال: {وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدّق وأكن من الصّالحين}). [معاني القرآن: 5/177]
تفسير قوله تعالى:{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فأصّدّق وأكن مّن الصّالحين...} يقال: كيف جزم (وأكن)، وهي مردودة على فعل منصوب؟فالجواب في ذلك أن -الفاء- لو لم تكن في أصدق كانت مجزومة، فلما رددت (وأكن)، ردّت على تأويل الفعل لو لم تكن فيه الفاء، ومن أثبت الواو ردّه على الفعل الظاهر فنصبه، وهي في قراءة عبد الله، "وأكون من الصالحين".
وقد يجوز نصبها في قراءتنا، وإن لم تكن فيها الواو؛ لأن العرب قد تسقط الواو في بعض الهجاء، كما أسقطوا الألف من سليمن وأشباهه، ورأيت في بعض مصاحف عبد الله: فقولا: فقلا بغير واو). [معاني القرآن: 3/160]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فيقول ربّ لولا أخّرتني} مجازها: هلا.
{فأصّدّق} نصبت على جواب بالفاء للاستفهام منصوب تقول: من عندك فآتيك، هلا فعلت هذه كذا وكذا فأفعل كذا وكذا ثم تبعتها {وأكن من الصّالحين} بغير الواو قال أبو عمرو: وأكون من الصالحين " وذهبت الواو من الخط كما يكتب أو جاد أبجد هجاء، قال آخرون: يجوز الجزم على غير موالاةٍ ولا شركة "وأكون " ولكنه أشركه في الكلام الأول كأنه قال "هلا أخرتني أكن"، فهذه الفاء شلاركة في موضع الفاء الأولى والفاء الأولى التي في " فأصدق " في موضع الجزم قال:
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها = خطانا إلى أعدائنا فنضارب). [مجاز القرآن: 2/259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن ذلك: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} أكثر القرّاء يقرؤون فأصدق أكن بغير واو. واعتلّ بعض النحويين في ذلك بأنها محمولة على موضع فأصّدّق، لو لم يكن فيه الفاء، وموضعه جزم، وأنشد:
فأبلوني بَلِيَّتكم لعلّي = أصالحكم وأستدرجْ نويّا
فجزم وأستدرج، وحمله على موضع أصالحكم لو لم يكن قبلها (لعلّي) كأنه قال: فأبلوني بليتكم أصالحكم وأستدرج.
وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ: (فأصدق وأكون) بالنصب، ويذهب إلى أن الكاتب أسقط الواو، كما تسقط حروف المد واللين في (كلمون) وأشباه ذلك.
وليست تخلو هذه الحروف من أن تكون على مذهب من مذاهب أهل الإعراب فيها، أو أن تكون غلطا من الكاتب، كما ذكرت عائشة رضي الله عنها.
فإن كانت على مذاهب النحويين فليس هاهنا لحن بحمد الله.
وإن كانت خطأ في الكتاب، فليس على رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم، جناية الكاتب في الخط.
ولو كان هذا عيبا يرجع على القرآن، لرجع عليه كل خطأ وقع في كتابة المصحف من طريق التّهجّي: فقد كتب في الإمام: (إن هذان لساحران) بحذف ألف التثنية.
وكذلك ألف التثنية تحذف في هجاء هذا المصحف في كل مكان، مثل: قال رجلن و{فَآَخَرَنِ يَقُومَانِ } وكتبت كتّاب المصحف: الصلاة والزكوة والحيوة، بالواو، واتّبعناهم في هذه الحروف خاصة على التّيمّن بهم، ونحن لا نكتب: (القطاة والقناة والفلاة) إلا بالألف، ولا فرق بين تلك الحروف وبين هذه). [تأويل مشكل القرآن: 56-58]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (10- {لولا أخرتني}: هلا). [غريب القرآن وتفسيره: 378]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدّق وأكن من الصّالحين} أي من قبل أن يعاين ما يعلم معه أنه ميت.
{فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدّق وأكن من الصّالحين} فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدّق وأكن من الصّالحين وقرئت (فأصّدّق وأكون من الصالحين)، فجاء في التفسير أنه ما قصّر أحد في الزكاة أو في الحج إلا سأل الكرة؛ فمن قال (فأصّدّق وأكن من الصّالحين).(فأصّدّق) جواب (لولا أخّرتني) ومعناه هلّا أخّرتني.
وجزم (وأكن) على موضع (فأصّدّق)، لأنه على معنى إن أخرتني أصّدّق وأكن من الصالحين.
ومن قرأ وأكون فهو على لفظ (فأصّدّق) وأكون). [معاني القرآن: 5/177-178]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَوْلَا}: هلا). [العمدة في غريب القرآن: 306]
تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}