الخلاف في فائدة عدّ الحروف والكلمات
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقال بعض من عني بهذا الشأن:
...
وحسبنا حروف القرآن فكان: ثلاثمائة ألف حرف وواحدا وعشرين ألف حرف.
وعددنا الكلمات فكانت : اثنتين وسبعين ألف كلمة.
وقد عدوا كلمات كل سورة وحروفها. وما أعلم لذلك من فائدة، ولأن ذلك إن أفاد؛ فإنما يفيد في كتاب تمكن الزيادة والنقصان منه، والقرآن لا يمكن ذلك فيه.
على أن ما يمكن أن يزاد فيه وينقص منه؛ لا يفيد فيه حصر كلماته وحروفه، فقد تبدل كلمة موضع أخرى، وحرف مكان حرف، والقرآن بحمد الله محفوظ من جميع ذلك.
ثم إني رأيتهم قد اختلفوا في عدد الكلمات والحروف، فلم يحصل من ذلك حقيقة يقطع بها.). [جمال القراء: 1/231 - 233](م)
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (قيل وسبب الاختلاف في عد الكلمات أن الكلمة لها حقيقة ومجاز ولفظ ورسم واعتبار كل منها جائز وكل من العلماء اعتبر أحد الجوائز .
...
والاشتغال باستيعاب ذلك مما لا طائل تحته، وقد استوعبه ابن الجوزي في فنون الأفنان وعد الأنصاف والأثلاث إلى الأعشار وأوسع القول في ذلك فراجعه منه فإن كتابنا موضوع للمهمات لا لمثل هذه البطالات.
وقد قال السخاوي لا أعلم لعدد الكلمات والحروف من فائدة لأن ذلك إن أفاد فإنما يفيد في كتاب يمكن فيه الزيادة والنقصان والقرآن لا يمكن فيه ذلك .
ومن الأحاديث في اعتبار الحروف:
- ما أخرجه الترمذي عن ابن مسعود مرفوعا: من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف.
- وأخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب مرفوعا: القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأه صابرا محتسبا كان له بكل حرف زوجة من الحور العين. رجاله ثقات إلا شيخ الطبراني محمد بن عبيد بن آدم أبي إياس تكلم فيه الذهبي لهذا الحديث وقد حمل ذلك على ما نسخ رسمه من القرآن أيضا إذ الموجود الآن لا يبلغ هذا العدد.). [الإتقان في علوم القرآن:2/455-457]
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَلِيّ مُوسَى (ت: 1429هـ): (قد يقول قائل: إنه لا فائدة من حصر كلمات القرآن الكريم ومعرفة عدد حروفه وقد ورد ذلك عن بعض الفقهاء والعلماء كالإمام السخاوي حيث قال: لا أعلم لعدد الكلمات والحروف من فائدة لأن ذلك إن فاد فإنما يفيد في كتاب يمكن فيه الزيادة والنقص والقرآن لا يمكن فيه ذلك.
وأقول: أنه يجب على علماء المسلمين أن يٌعْنَوْا عناية تامة بهذا النص القرآني الكريم ومن دقة العناية به حصر كلماته وحروفه لكي يمكنهم الرد على من يدعي من أعداء المسلمين كالشيعة وغيرهم أن القرآن فيه زيادة أو نقص، وبمثل هذه العناية نكون قد أعطينا القرآن الكريم حقه من الحفظ والاهتمام بأقدس نص ديني في حياة المسلمين، ولقد أهتم بهذا الأمر كثير من العلماء فقد ورد عدٌّه عن أبي عباس وغيره، وقد استوعبه ابن الجوزي في فنون الأفنان وأهتم به أهل الدراية والفن أيام الحجاج وغيره ويكفى في معرفة عدد حروفه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)). رواه الترمذي.
ففي هذا الحديث الشريف دلالة واضحة على أهمية الحروف في نظر المهتمين بالقرآن الكريم ومن هذه الأهمية عدد حروفه وإحصاؤها وتقسيم القرآن على أساسها تقسيمًا عدلًا حتى تتساوى مقادير الثواب أمام الراغبين في تحصيلها وإذا كنا نرى في عصرنًا هذا إن عناية الصحفيين ومراسلي وسائل الأعلام الحديثة قد بلغت من الدقة إلى حد إنهم يحصون خطب الرؤساء والزعماء والقادة بالحرف وإنهم لا ينقلونها بنصوصها فحسب بل وبتعداد الكلمات التي صيغت منها النصوص فلا أقل من أن نشجع هذه العناية بأقدس نص سماوي في حياة المسلمين.). [التعليق على القول الوجيز: 86-160](م)