العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:39 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (106) إلى الآية (108) ]

{يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)}

قوله تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ (106)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج والشعبي والحسن والأشهب: [شهادةٌ بَيْنَكم] رفع، وعن الأعرج بخلاف: [شهادةً بينَكم] نصب.
قال أبو الفتح: أما الرفع بالتنوين فعلى سمت قراءة العامة {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} بالإضافة، فحذف التنوين فانجرَّ الاسم.
وأما [شهادةً بينَكم] بالنصب والتنوين، فنصبها على فعل مضمر؛ أي: ليُقِمْ شهادةً بينكم اثنان ذوا عدل منكم، كما أن من رفع فنَوَّن أو لم يُنوِّن فهو على نحو من هذا؛ أي: مقيمُ شهادةِ بينِكم أو شهادةٍ بينَكم اثنان ذوا عدل منكم، ثم حُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه.
وإن شئت كان المضاف محذوفًا من آخر الكلام؛ أي: شهادةٌ بينَكم شهادةُ اثنين ذوَي عدل منكم؛ أي: ينبغي أن تكون الشهادة المعتمدة هكذا). [المحتسب: 1/220]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي -كرم الله وجهه- والشعبي بخلاف ونعيم بن ميسرة: [شهادةً آلله].
ورُوي عن الشعبي: [شهادةً أًللهِ] مقصور وينون شهادة.
ورُوي عنه أيضًا: [شهادهْ آللهِ] مجزومة الهاء ممدودة الألف.
ورُوي عنه [شهادهْ أللهِ] بجزم شهادة وقصر الله.
فهذه أربعة أوجه رُويت عن الشعبي، وتابعه على [شهادةً أَللهِ] السلمي ويحيى وإبراهيم وسعيد بن جبير ويحيى بن يعمر والحسن والكلبي.
قال أبو الفتح: أما [شهادةً] فهي أعم من قراءة الجماعة: {شَهَادَةَ اللَّهِ} بالإضافة، غير أنها بالإضافة أفخم وأشرف وأحرى بترك كتمانها لإضافتها إلى الله سبحانه، وأما [ألله] مقصورة بالجر فحكاها سيبويه: أن منهم من يحذف حرف القسم ولا يعوض منه همزة الاستفهام، فيقول: أللهِ لقد كان كذا، قال: وذلك لكثرة الاستعمال.
وأما [آلله] بالمد، فعلى أن همزة الاستفهام صارت عوضًا من حرف القسم، ألا تراك لا تجمع بينهما فتقول: أولله لأفعلن؟
وأما سكون هاء [شهادة]، فللوقف عليها ثم استؤنف القسم، وهو وجه حسن؛ وذلك ليُستأنف القسم في أول الكلام فيكون أوقر له وأشد هيبة من أن يدرج في عرض القول؛ وذلك أن القسم ضرب من الخبر يُذْكَر ليؤكد به خبر آخر، فلما كان موضع توكيد مُكِّنَ من صدر الكلام، وأُعطي صورة الإعلاء والإعظام.
ويزيد في وضوح هذا المعنى وبيانه أنه لما نون شهادة فأَدرج وقَّر الهمزة عن حذفها كما يجب فيها من حيث كانت همزة وصل، فأقرها مقطوعة كما تُقطع مبتدأة، فقد جمع في هذه القراءة بين حالي الوصل والوقف.
أما الوصل فلتنوين شهادة، وأما الوقف فلإثباته همزة الوصل التي إنما تُقطع إذا وُقف على ما قبلها ثم استؤنفت، والعناية بقطعها واستئنافها ما قدمت ذكره لك من تمكن حال القسم بتوفية
[المحتسب: 1/221]
اللفظ جميع وجوهها، وقُطع ليكون في حال إدراجها في لفظ المبدوء بها لا الآتية مأتى النَّيِّف الذي لم يُوَفَّ من صدر الكلام ما يجب لها، فافهمه.
ويؤكد عندك شدة الاهتمام بهذا القسم لما فيه مجيئُه وحرفُ الاستفهام قبله، فكأنه- والله أعلم- قال: أنقسم بالله إنا إذن لمن الظالمين"، ففي هذا تهيب منهم للموضع، وتكعكع عن القسم عليه باستحقاق الظلم عنه؛ كأنه يريد القسم بالله عليه كما أقسم في الأخرى بلا استفهام، ثم إنه هاب ذلك فأخذ يشاور في ذلك كالقائل: أَؤُقدِم على هذه اليمين يا فلان أم أتوقف عنها؛ إعظامها لها ولا أرتكب ما أُقسِم عليه بها؟). [المحتسب: 1/222]

قوله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (107)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من الّذين استحقّ عليهم الأوليان... (107)
قرأ أبو بكر وحمزة ويعقوب:، (استحق) بضم التاء، (عليهم الأوّلين) على الجميع، وقرأ الأعشى عن أبي بكر وحفص عن عاصم: (استحقّ عليهم) بفتح التاء (الأوليان) على التثنية.
وقرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير (من الّذين استحقّ عليهم الأوليان).
قال أبو منصور: أما من قرأ (من الّذين استحقّ عليهم الأوليان)
بالرفع والتثنية فلمعنى الاسم الذي في (يقومان)، كأنه قال: فآخران يقومان من الذين استحق عليهم يقوم الأوليان، وهو التثنية الأولى، أي: الأحق، وهذا قول الزجاج.
[معاني القراءات وعللها: 1/341]
وأما من قرأ (الأوّلين) فإنه يرده على الأسماء المضمرة في الهاء والميم من قوله: (عليهم)، وإن شئت رددته على (الذين).
ومن قرأ (من الذين استحقّ عليهم الأوليان) فعليهم بمعنى منهم، واستحقّ فعل للأولين، وقد أشبعت هذه الآية في كتاب على حدة، وأقصرت على هذا المقدار في هذا الكتاب، اعتمادًا على الكتاب المؤلف فيه، والله الموفق). [معاني القراءات وعللها: 1/342]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {استحق عليهم الأوليان} [107] روى حفص عن عاصم ونصير بن علي عن أبيه عن ابن كثير {استحق} بفتح التاء والحاء.
وقرأ الباقون بضم التاء وكسر الحاء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/149]
وقرأ أهل الكوفة إلا حفصًا عن عاصم [و] أبو بكر وحمزة {الأولين}.
وقرأ الباقون {الأوليان} يعنون: اليهود والنصارى، كقوله تعالى: {أو آخران من غيركم} [106] أي من غير أهل دينكم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/150]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في التثنية والجمع في قوله: استحق عليهم الأوليان [المائدة/ 107].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: من الذين استحق عليهم مضمومة التاء، الأوليان على التثنية.
وروى نصر بن عليّ عن أبيه عن قرّة قال: سألت ابن كثير فقرأ: استحق بفتح التاء الأوليان على التثنية.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة استحق بضم التاء الأولين* جماع.
[الحجة للقراء السبعة: 3/260]
وروى حفص عن عاصم استحق بفتح التاء. الأوليان على التثنية.
قال الواقديّ: حدثنا أسامة بن زيد عن أبيه قال: كان تميم الداريّ وأخوه عديّ نصرانيّين، وكان متّجرهما إلى مكّة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدم ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص المدينة وهو يريد الشام تاجرا، فخرج هو وتميم الداري وأخوه عديّ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق مرض ابن أبي مارية، فكتب وصية بيده ودسّها في متاعه، وأوصى إليهما، فلما مات فتحوا متاعه، فوجدوا وصيّته وقد كتب ما خرج به، ففقدوا شيئا فسألوهما فقالا: لا ندري، هذا الذي قبضنا له، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم [المائدة/ 106] فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما بالله ما قبضا له غير هذا ولا كتماه. قال الواقدي: فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر، فمكثا ما شاء الله، ثمّ ظهر على إناء من فضة منقوش بذهب معهما، فقالوا: هذا من متاعه، فقالا: اشتريناه منه، وارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية: فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما [المائدة/ 107] قال: فأمر
[الحجة للقراء السبعة: 3/261]
رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيّبا. قال الواقدي: فحلف عبد الله بن عمرو والمطّلب بن أبي وداعة، فاستحقّا، ثمّ إنّ تميما أسلم، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: صدق الله وبلّغ رسوله، أنا أخذت الإناء.
قال: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان فشهادة مرتفع بالابتداء، واتّسع في بين، وأضيف إليه المصدر، وهذا يدل على قول من قال: إن الظروف التي تستعمل أسماء يجوز أن تستعمل أسماء في غير الشعر، ألا ترى أنّه قد جاء ذلك في التنزيل وكذلك:
لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94] في قول من رفع، فجاء في غير الشعر، كما جاء في الشعر نحو قوله:
فصادف بين عينيه الجبوبا
[الحجة للقراء السبعة: 3/262]
فأمّا قوله: إذا حضر أحدكم الموت [المائدة/ 106] فيجوز أن يتعلّق بالشهادة فيكون معمولها، ولا يجوز أن يتعلّق بالوصية لأمرين: أحدهما أنّ المضاف إليه لا يعمل في ما قبل المضاف، لأنّه لو عمل فيما قبله للزم أن يقدّر وقوعه في موضعه، فإذا قدر ذلك لزم تقديم المضاف إليه على المضاف، ومن ثمّ لم يجز:
القتال زيدا حين نأتي. والآخر: أنّ الوصية مصدر فلا يتعلّق به ما يتقدم عليه، فأما قوله: حين الوصية فلا يجوز أن تحمله على الشهادة، لأنّه إذا عمل في ظرف من الزمان لم يعمل في ظرف آخر منه، ولكن تحمله على ثلاثة أوجه، أحدها: أن تعلّقه بالموت، كأنه الموت من ذلك الحين، وهذا إنّما يكون على ما قرب منه. يدلّك على ذلك قوله عزّ وجل: حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن [النساء/ 18]، وكذلك قوله: حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا [الأنعام/ 61]، وقوله: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون [المؤمنون/ 99] فلو كان هذا على وقوعه، ولم يكن على مقاربته، لم يجز أن يسند إليه القول بعد الموت. والثاني: أن تحمله على حضر، أي: إذا حضر في هذا الحين. والثالث: أن تحمله على البدل من إذا، لأنّ ذلك الزمان في المعنى هو ذلك الزمان، فتبدله منه كما تبدل الشيء
[الحجة للقراء السبعة: 3/263]
من الشيء إذا كان إياه. وقوله تعالى: اثنان ذوا عدل منكم [المائدة/ 106]، هو خبر المبتدأ الذي هو شهادة بينكم، والتقدير شهادة بينكم شهادة اثنين، فأقام المضاف إليه مقام المضاف، ألا ترى أنّ الشهادة لا تكون إلّا باثنين. وقوله: منكم، صفة لقوله: اثنان، كما أنّ ذوا عدل صفة لهما وفي الظرف ضميرهما.
وقوله: أو آخران من غيركم تقديره: أو شهادة آخرين من غيركم، ومن غيركم صفة للآخرين كما كان منكم صفة الاثنين، وأما من غيركم فقيل في تفسيره: إنّه من غير أهل ملّتكم.
حدّثنا الكندي قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا إسماعيل عن هشام بن حسان عن محمد قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم قال: اثنان ذوا عدل من أهل الملّة، أو آخران من غيركم من غير أهل الملة، وهو فيما زعموا قول ابن عباس وسعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، وقيل فيهما: من غير أهل قبيلتكم.
وقوله: إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت [المائدة/ 106] اعتراض بين الصفة والموصوف، وعلم به أن شهادة الآخرين اللّذين هما من غير أهل ملّتنا إنّما تجوز في السفر. واستغني عن جواب إن* بما تقدم من قوله: أو آخران من غيركم
[الحجة للقراء السبعة: 3/264]
لأنّه وإن كان على لفظ الخبر فالمعنى على الأمر، كأن المعنى: ينبغي أن تشهدوا إذا ضربتم في الأرض آخرين من غير أهل ملتكم. ويجوز أيضا أن يستغنى عن جواب إذا في قوله: إذا حضر أحدكم الموت بما تقدمها من قوله: شهادة بينكم فإن جعلت إذا بمنزلة حين، ولم تجعل له جوابا، كان بمنزلة الحين، وينتصب الموضع بالمصدر الذي هو شهادة بينكم كما تقدم.
وإن قدّرت له جوابا فإن قوله: شهادة بينكم يدل عليه ويكون موضع إذا في قوله: إذا حضر أحدكم الموت نصبا بالجواب المقدّر المستغني عنه بقوله: شهادة بينكم لأنّ المعنى ينبغي أن تشهدوا إذا حضر أحدكم الموت، وقوله: تحبسونهما من بعد الصلاة صفة ثانية لقوله: أو آخران من غيركم. وقوله: من بعد الصلاة معلّق، وإن شئت لم تقدر الفاء في قوله: فيقسمان بالله لعطف جملة على جملة ولكن تجعله جزاء كقول ذي الرّمّة:
وإنسان عيني يحسر الماء مرّة... فيبدو وتارات يجمّ فيغرق
تقديره عندهم: إذا حسر بدا، فكذلك إذا حبستموهما أقسما. وقال: من بعد الصلاة، لأنّ الناس فيما ذكروا كانوا يحلّفون بالحجاز بعد صلاة العصر، لاجتماع الناس وتكاثرهم في ذلك الوقت.
[الحجة للقراء السبعة: 3/265]
وقوله: فيقسمان بالله إن ارتبتم أي: ارتبتم في قول الآخرين اللّذين ليسا من أهل ملّتنا، أو غير قبيلة الميت، فغلب في ظنكم خيانتهما.
وقوله: لا نشتري به ثمنا: لا نشتري جواب ما يقتضيه قوله: فيقسمان بالله لأنّ أقسم ونحوه، يتلقّى بما يتلقّى به الأيمان. وقوله: لا نشتري به ثمنا: لا نشتري بتحريف شهادتنا ثمنا، فحذف المضاف وذكّر الشهادة، لأنّ الشهادة قول، كما جاء:
وإذا حضر القسمة ثمّ قال: فارزقوهم منه [النساء/ 8] لما كان القسمة يراد به المقسوم، ألا ترى أنّ القسمة التي هي إفراز الأنصباء لا يرزق منه، إنما يرزق من التركة المقسومة؟ وتقدير لا نشتري به ثمنا: لا نشتري به ذا ثمن، ألا ترى أنّ الثمن لا يشتري، وإنّما الذي يشتري المبيع دون ثمنه؟ وكذلك قوله: اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا أي: ذا ثمن، والمعنى: أنّهم آثروا الشيء القليل على الحق، فأعرضوا عنه وتركوه له. ولا يكون اشتروا في الآية بمعنى باعوا، وإن كان ذلك يجوز في اللغة، لأنّ بيع الشيء إخراج وإبعاد له من البائع، وليس المعنى هنا على الإبعاد، إنّما هو على التمسك به والإيثار له على الحق. ولو كان ذا قربى التقدير: ولو كان المشهود له ذا قربى. وخصّ ذو القربى بالذكر لميل الناس إلى قراباتهم ومن يناسبونه. ولا نكتم شهادة الله إنّا إن كتمناها لمن الآثمين. وقال: شهادة الله، فأضيفت الشهادة إليه سبحانه لأمره بإقامتها والنهي عن كتمانها في قوله: ومن يكتمها فإنه آثم قلبه [البقرة/ 283]. وقوله وأقيموا الشهادة لله [الطلاق/ 2] فإن عثر على أنهما استحقا إثما
[الحجة للقراء السبعة: 3/266]
[المائدة/ 107] أي غير أهل الميت أو من يلي أمره، على أنّ الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا استحقّا إثما بقصدهما في شهادتهما إلى غير الاستقامة، ولم يتحرّيا الحق فيها، فآخران يقومان مقامهما، أي: مقام الشاهدين اللذين هما من غيرنا من الذين استحق عليهم الأوليان- فقوله: من الذين صفة للآخرين.
فأما الأوليان فلا يخلو ارتفاعه من أن يكون على الابتداء وقد أخر، كأنّه في التقدير: فالأوليان بأمر الميت آخران من أهله، أو من أهل دينه يقومان مقام الخائنين اللذين عثر على خيانتهما كقولهم: تميمي أنا. أو يكون خبر مبتدأ محذوف كأنه: فآخران يقومان: مقامهما، هما الأوليان. أو يكون بدلا من الضمير الذي في يقومان فيصير التقدير: فيقوم الأوليان. أو يكون مسندا إليه استحق.
وقد أجاز أبو الحسن شيئا آخر وهو أن يكون الأوليان صفة لقوله: فآخران لأنّه لما وصف اختصّ فوصف من أجل الاختصاص الذي صار له بما يوصف به المعارف.
ومعنى الأوليان: الأوليان بالشهادة على وصية الميت، وإنّما كانا أولى به ممن اتّهم بالخيانة من غيرنا، لأنّهما أعرف بأحوال الميت وأموره، ولأنّهما من المسلمين، ألا ترى أن وصفهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/267]
بأنّه استحقّ عليهم يدل على أنّهم مسلمون، لأنّ الخطاب من أوّل الآية مصروف إليهم. فأما ما يسند إليه استحقّ فلا يخلو من أن يكون الأنصباء أو الوصية أو الإثم أو الجارّ والمجرور، وإنّما جاز: استحقّ الإثم لأن آخذه بأخذه آثم، فسمّي إثما كما سمي ما يؤخذ منا بغير حق مظلمة. قال سيبويه: المظلمة اسم ما أخذ منك، فكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر.
وأمّا قوله عليهم فيحتمل ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يكون على فيه بمنزلة قولك: استحقّ على زيد مال بالشهادة، أي: لزمه ووجب عليه الخروج منه، لأنّ الشاهدين لما عثر على خيانتهما استحقّ عليهما ما ولياه من أمر الشهادة والقيام بها ووجب عليهما الخروج منها وترك الولاية لها، فصار إخراجهما منها مستحقّا عليهما كما يستحقّ على المحكوم عليه الخروج مما وجب عليه.
والآخر: أن يكون على* فيه بمنزلة «من»، كأنّه: من الذين استحق منهم الإثم، ومثل هذا قوله: إذا اكتالوا على الناس [المطففين/ 2] أي: من الناس.
والثالث: أن يكون «على» بمنزلة «في» كأنّه استحق فيهم، وقام «على» مقام «في» كما قام «في» مقام «على» في قوله تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/268]
لأصلبنكم في جذوع النخل [طه/ 71] والمعنى: من الذين استحق عليهم بشهادة الآخرين اللذين هما من غيرنا.
فإن قلت: فهل يجوز أن يسند استحق إلى الأوليان؟
فالقول: إن ذلك لا يجوز لأنّ المستحقّ إنّما يكون الوصية أو شيئا منها والأوليان بالميت لا يجوز أن يستحقّا فيسند استحقّ إليهما.
وأمّا من قرأ: من الذين استحق عليهم الأولين فتقديره: من الأوّلين الذين استحقّ عليهم الأنصباء أو الإثم، وإنّما قيل لهم الأوّلين من حيث كانوا الأولين في الذكر، ألا ترى أنّه قد تقدّم: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم وكذلك اثنان ذوا عدل منكم ذكرا في اللفظ، قبل قوله: أو آخران من غيركم.
واحتجّ من قرأ الأولين* على من قرأ: الأوليان بأن قال:
أرأيت إن كان الأوليان صغيرين؟ أراد أنّهما إذا كانا صغيرين لم يقوما مقام الكبيرين في الشهادة ولم يكونا لصغرهما أولى بالميت، وإن كانا لو كانا كبيرين كانا أولى به فيقسمان بالله، أي: يقسم
[الحجة للقراء السبعة: 3/269]
الآخران اللذان يقومان مقام الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا.
وقوله: لشهادتنا أحق من شهادتهما متلقّى به فيقسمان بالله وما اعتدينا فيما قلناه من أن شهادتنا أحق من شهادتهما.
وأمّا من قرأ: من الذين استحق عليهم الأوليان فتقديره: من الذين استحقّ عليهم الأوليان بالميّت وصيّته التي أوصى بها إلى غير أهل دينه، والمفعول محذوف، وحذف المفعول من هذا النحو كثير). [الحجة للقراء السبعة: 3/270]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فآخران يقومان مقامهما من الّذين استحق عليهم الأوليان}
قرأ حمزة وأبو بكر {من الّذين استحق} بضم التّاء (الولين) على الجميع قال الفراء كان ابن عبّاس أيضا يقرأ {الأوّلين} يجعله نعتا ل الّذين وحجته ما قاله ابن عبّاس قال أرأيت إن كان الأوليان صغيرين كيف يقومان مقامهما
قرأ حفص {من الّذين استحق} بفتح التّاء {الأوليان} على التّثنية و{الأوليان} رفع ب استحق المعنى استحق عليهم الأوليان رد الأيمان
وقرأ الباقون {من الّذين استحق} بضم التّاء {عليهم الأوليان} وتأويلها الأولى فالأولى والأقرب قال الفراء الأوليان أراد وليي
[حجة القراءات: 238]
الموروث يقومان مقام النصرانيين إذا أتهما أنّهما قد خانا فيحلفان بعد حلف النصرانيي وظهر على خيانتهما قال ومن قرأ {الأوّلين} فهو جمع الأول وهو على البدل من الّذين استحق
اختلف أهل العربيّة في السّبب الّذي من أجله رفع {الأوليان} فقال الزّجاج رفعهما على البدل من الألف في {يقومان} المعنى فليقم الأوليان بالميت مقام هذين الخائنين فيقسمان باللّه لشهادتنا أحق من شهادتهما وقال آخرون بدل من قوله {فآخران} فهذا بدل المعرفة من النكرة وقالوا يجوز أن يكون الأوليان خبر الابتداء الّذي هو {فآخران} ويجوز أن يكون {الأوليان} مبتدأ وآخران خبرا مقدما التّقدير فالأوليان آخران يقومان مقامهما). [حجة القراءات: 239]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (39- قوله: {من الذين استحق عليهم الأوليان} قرأ حفص
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/419]
«استحق» بفتح التاء والحاء، وقرأ الباقون بضم التاء وكسر الحاء، قرأ أبو بكر وحمزة «الأولين» جمع أول المسلم المخفوض، وقرأ الباقون «الأوليان» تثنية أولى المرفوع.
وحجة من فتح التاء أنه بنى الفعل للفاعل، فأضاف الفعل إلى «الأوليان» فرفعهما بـ «استحق»، التقدير: من الذين استحق عليهما أوليان بالميت وصيته التي أوصى بها إلى غير أهل دينه، أو إلى غير قبيلته.
40- وحجة من ضم التاء أنه بنى الفعل للمفعول، وهو الأوليان، فأقام الأوليان مقام الفاعل على تقدير حذف مضاف، والمعنى: من الذين استحق عليهم إثم الأوليين، لأن الأوليين لا تستحق نفساهما، إنما استحق الوصية أو الإثم، ويجوز ذلك، وقد بينا رفع الأوليان وما يجوز فيه، في كتاب تفسير مشكل الإعراب.
41- وحجة من قرأ «الأوليان» أنه جعله تثنية أولى، أي: أولى بالشهادة على وصية الميت، وقيل: معناه أولى بالميت من غيره.
42- وحجة من قرأ «الأولين» أنه جعله جمع أول، والتقدير: من الأولين الذين استحق عليهم الإيصاء أو الإثم، وإنما قيل لهم الأولين لتقدم ذكرهم في أول القصة، وهو قوله: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} وهذه الآية في قراءتها وإعرابها وتفسرها ومعانيها وأحكامها من أصعب آية في القرآن وأشكلها، ويُحتمل أن يبسط ما فيها من العلوم في ثلاثين ورقة أو أكثر، وقد ذكرنا من ذلك طرفًا صالحًا في «كتاب الهداية» وذكرنا من مشكل إعرابها طرفا في تفسير مشكل الإعراب، ثم ذكرناها مشروحة بجميع وجوهها في تفسير إعراب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/420]
في كتاب مفرد، والذي عليه الجماعة في قراءتها هو الاختيار، ضم التاء، والأوليان تثنية أولى أي: أولى بالوصية، أو بالميراث، أو بالميت، على الاختلاف في ذلك، وقد تقدم ذكر «طائرا» في آل عمران وحجته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/421]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ} [آية/ 107]:-
بفتح التاء والحاء، قرأها عاصم وحده -ص-.
والوجه أن أسند الفعل إلى الأوليين، والتقدير: من الذين استحق عليهم الأوليان بالميت وصية التي أوصى بها إلى غير أهل دينه، والمفعول محذوف،
[الموضح: 452]
وهو الوصية، وقيل: استحق الأوليان اليمين، وحذف المفعول مما لا يحصى كثرة.
وقرأ الباقون {اسْتَحَقَّ} بضم التاء وكسر الحاء على ما لم يسم فاعله.
والقائم مقام الفاعل فيه، إما أن يكون الإيصاء أو الإثم أو الجار (و) المجرور الذي هو «عليهم»، وكل واحد من هذه الأشياء يجوز أن يقام مقام الفاعل ههنا، ولا يجوز أن يقام {الْأَوْلَيَانِ} مقام الفاعل لفساد المعنى، ألا ترى أن المستحق إنما هو الوصية أو شيء منها، ولا يصح أن يستحق الأوليان، وإنما يرتفع الأوليان بالابتداء وتقديم الخبر، والتقدير: فالأوليان بأمر الميت آخران يقومان مقامهما، ويجوز أن يرتفع على أنه بدل من الضمير الذي في {يَقُومَانِ}، والتقدير: فيقوم الأوليان). [الموضح: 453]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {الْأَوْلَيَنِ} [آية/ 107]:-
على الجمع، قرأها عاصم -ياش- وحمزة ويعقوب.
وهو جمع الأول، كما أن {الْأَوْلَيَانِ} تثنيه، و{الْأَوْلَيَنِ} يجوز أن يكون صفة للذين أو بدلا منه، والتقدير: من الأولين الذين استحق عليهم الإيصاء أو الإثم.
وقرأ الباقون {الْأَوْلَيَانِ} بالتثنية، وقد مضى الكلام فيه). [الموضح: 453]

قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:40 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (109) إلى الآية (110) ]

{يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (110)}

قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (109)}

قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (110)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إلّا سحرٌ مبينٌ (110)
هنا وفي يونس وهود والصف.
قرأ ابن كثير وعاصم في يونس: (لساحرٌ مبينٌ) بألف، والباقي بغير ألف، وقرأهن نافع وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي أربعهن (سحرٌ) على (فعل)، وقرأهن حمزة والكسائي (ساحر).
قال أبو منصور: من قرأ (سحرٌ) فهو مصدر سحر يسحر سحرًا، ومثله خدع يخدع خدعًا، و(مبين) نعت له.
ومن قرأ (لساحرٌ) فهو نعت على (فاعل)، و(مبين)، أي: ظاهر السحر). [معاني القراءات وعللها: 1/342]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (17- وقوله تعالى: {فتكون طيرا} [110].
قرأ نافع وحده {فتكون طائرًا} بالألف على التوحيد. وقرأ الباقون {طيرًا} على الجمع، فطائر ويطير مثل صاحب وصحب وقد مرّت علة ذلك في سورة (آل عمران) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/150]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {إن هذا إلا سحر مبين} [110].
اختلفوا في أربعة مواضع هاهنا، وفي أول (يونس) و(هود) و(الصف) قرأهن حمزة والكسائي {ساحر} بألف، يعنون النبي الذي كان في زمانهم.
وقرأ ابن كثير وعاصم في أول يونس {ساحر} بألف والباقي {سحر}.
وقرأ الباقون كل ذلك {سحر} بغير ألف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/150]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله تعالى: إن هذا إلا سحر مبين [المائدة/ 110] في اسم الفاعل والمصدر.
فقرأ ابن كثير وعاصم هاهنا وفي هود [7] والصف إلا سحر مبين [الآية/ 6] بغير ألف.
وقرأ في يونس: لساحر مبين [2] بألف.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر في كلّ ذلك: سحر مبين بغير ألف.
وقرأ حمزة والكسائيّ في المواضع الأربعة: ساحر بألف.
[الحجة للقراء السبعة: 3/270]
قال [أبو علي: قال تعالى]: وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين فمن قرأ: إلا سحر مبين جعله إشارة إلى ما جاء به، كأنه قال: ما هذا الذي جئت به إلّا سحر، ومن قال: إلا ساحر، أشار إلى الشخص لا إلى الحدث الذي أتى به، وكلاهما حسن لاستواء كلّ واحد منهما في أنّ ذكره قد تقدم، وكذلك ما في سورة الصف في قصة عيسى أيضا وهو قوله: فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين [6] وكذلك ما في هود في قوله: ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين [7] فمن قال: سحر جعل الإشارة إلى الحدث ومن قال: ساحر فإلى الشخص.
فأما اختيار من اختار ساحر* في هذه المواضع لما ذهب إليه من أنّ الساحر يقع على العين والحدث، فإنّ وقوع اسم فاعل على الحدث، ليس بالكثير، إنّما جاء في حروف قليلة. ولكن لمن اختار سحرا أن يقول: إنّه يجوز أن يراد به الحدث والعين جميعا، ألا ترى أنّه يستقيم أن يقول: إن هذا إلا سحر وأنت تريد به:
[الحجة للقراء السبعة: 3/271]
ذو سحر، كما جاء ولكن البر من آمن بالله [البقرة/ 177] وأ جعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام [التوبة/ 19] أي: أهلها، ألا ترى قوله: كمن آمن بالله. وقالوا: إنّما أنت سير، وما أنت إلّا سير.
....... وإنّما هي إقبال وإدبار فيجوز أن يريد بسحر، ذا سحر.
وساحر لا يجوز أن يراد به سحر، وقد جاء فاعل يراد به المصدر في حروف ليست بالكثيرة نحو: عائذا بالله من شرها، أي: عياذا، ونحو: العاقبة. ولم تصر هذه الحروف من الكثرة بحيث يسوغ القياس عليها. وحكي أنّ أبا عمرو كان يقول: إذا كان بعده: مبين* فهو سحر*، وإذا كان بعده عليم* فهو ساحر*، ولا إشكال في الوصف بعليم أنّه لا ينصرف إلى الحدث، ولكن مبين* يقع على الحدث كما يقع على العين، فإذا كان كذلك لم يمتنع: ساحر مبين، كما لم يمتنع: سحر مبين). [الحجة للقراء السبعة: 3/272]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد بن موسى: قرأ نافع وحده: طائرا بألف مع الهمز.
وقرأ الباقون طيرا بغير ألف. [المائدة/ 110].
حكى أبو الحسن الأخفش: طائرة، وطوائر، ونظير ما حكاه من ذلك قولهم: ضائنة، وضوائن. فأما الطير فواحده طائر. مثل ضائن وضان، وراكب وركب، والطائر كالصفة الغالبة، وقد قالوا: أطيار، فهذا مثل صاحب وأصحاب، وشاهد وأشهاد، وشبّهوا فيعلا بفاعل، فقالوا: ميّت وأموات، ويمكن أن يكون أطيار جمع طير، جعله مثل بيت وأبيات، وجمعوه على العدد القليل كما قالوا: جمالان ولقاحان، وإذا جاز أن يثنّى، جاز العدد القليل أيضا فيه، وكما جمع على أفعال كذلك جمع على
[الحجة للقراء السبعة: 3/276]
العدد الكثير، فقالوا: طيور فيما حكاه أبو الحسن.
ولو قال قائل: إنّ الطائر قد يكون جمعا مثل الجامل، والباقر. والسامر، فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا، لكان قياسا. ويقوي ذلك ما حكاه أبو الحسن من قولهم: طائرة، فيكون [على هذا] من باب شعيرة وشعير.
فأما قوله: أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير [آل عمران/ 49] وفي هذه: فتنفخ فيها [المائدة/ 110] وفي آل عمران: فأنفخ فيه فالقول في ذلك أنّ الضمير الذي في قوله فيها لا يخلو من أن يعود إلى ما تقدم له ذكر في الكلام، أو إلى ما وقعت عليه دلالة من اللفظ، فمما تقدم ذكره: الطين، والهيئة، والطير، فلا يجوز أن يعود إلى الطين لتأنيث الضمير [الراجع إليه] وتذكير ما يعود الضمير إليه، ولو كان الذكر مذكرا لم يسهل أن يعود إليه، ألا ترى أنّ النفخ إنّما يكون في طين مخصوص، وهو ما كان منه مهيّأ للنفخ، والطين المتقدم ذكره عامّ، فلا يكون العائد على حسب ما يعود إليه. فإن قلت: يعود الذكر من فيها* إلى الهيئة. فإنّ النفخ لا يكون في الهيئة إنّما يكون في المهيّأ، ذي الهيئة، إلّا أن تجعل الهيئة التي هي
[الحجة للقراء السبعة: 3/277]
المصدر في موضع المهيّأ، كما يقع الخلق موضع المخلوق.
وإذا ذكّر فقال: أنفخ فيه جاز أن يكون الضمير عائدا على ذي الهيئة، كما قال: وإذا حضر القسمة أولوا القربى... فارزقوهم منه إذ جعلت القسمة المقسوم. ويجوز أن يعود إلى الطير لأنّها مؤنّثة، قال: أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات [الملك/ 19].
ويجوز أن يعود الذكر إذا ذكّر على ما وقعت عليه الدّلالة في اللفظ، وهو أنّ يخلق يدلّ على الخلق، كما أنّ يبخلون يدل على البخل، فيجوز في قوله: فأنفخ فيه أي: في الخلق، ويكون الخلق بمنزلة المخلوق. ويجوز أن يعود الذكر حيث ذكر إلى ما دلّ عليه الكاف من معنى المثل، أو إلى الكاف نفسه فيمن يجوّز أن يكون اسما في غير الشعر، وتكون الكاف في موضع نصب على أنّه صفة للمصدر المراد، تقديره: وإذ تخلق خلقا من طين كهيئة الطير، فتنفخ في الخلق الذي يراد به المخلوق.
ويجوز في قراءة نافع: فيكون طائرا، أن يكون الذكر المؤنث يرجع إلى الطائر على قوله: أعجاز نخل خاوية
[الحجة للقراء السبعة: 3/278]
[الحاقة/ 7] والموضع الذي ذكّر فيه يكون على قوله: أعجاز نخل منقعر [القمر/ 20] والشجر الأخضر [يس/ 80] ويكون أيضا على من جعله جمعا: كالسامر، والجامل، والباقر، فأما قول الشاعر:
هم أنشبوا زرق القنا في نحورهم... وبيضا تقيض البيض من حيث طائره
فإن الدماغ يسمى الفرخ، فيما روى لنا محمد بن السريّ، وتقيض: تكسر. وقد قال غيره: الدماغ يقال له الفرخ، فوضع الطائر موضع الفرخ، لأنّه في المعنى طائر وحرّف الاسم عمّا كان عليه لما احتاج إليه من إقامة القافية، كما حرّف لإقامة الوزن في نحو ما أنشدناه علي بن سليمان:
بني ربّ الجواد فلا تفيلوا... فما أنتم فنعذركم لفيل
أراد ربيعة الفرس، فوضع الجواد موضعه، وأنشدنا علي بن سليمان:
[الحجة للقراء السبعة: 3/279]
كأنّ نزو فراخ الهام بينهم... نزو القلات زهاها قال قالينا
فأراد بفراخ الهام الدماغ. فقوله: فراخ الهام ليس يضيف الشيء إلى نفسه، ولكن الهام جمع هامة، فتشمل الدماغ وغيره، فصار بمنزلة نصل السيف، لأنّ السيف يقع على النصل وغيره [وعلى نفسه] فأضاف الطائر إلى البيض في قوله: «من حيث طائره» لالتباسه به كما قال: وليلبسوا عليهم دينهم [الأنعام/ 137] يريد الدين الذي شرع لهم، فأضافه إليهم لالتباسهم به من حيث شرع لهم ودعوا إليه، وإن لم يتدينوا به.
وقوله:
هم أنشبوا زرق القنا على حذف المضاف التقدير: هم أنشبوا زرق أسنة القنا، لأنّ الذي يوصف بالزرقة السنان دون الرماح، ألا ترى أنّ الرماح
[الحجة للقراء السبعة: 3/280]
توصف بالسّمرة في نحو قوله:
وأسمر خطيّا كأنّ كعوبه ووصفت الأسنة بالزرقة في نحو قوله:
وزرق كستهنّ الأسنّة هبوة... أرقّ من الماء الزّلال كليلها
الأسنّة: واحدها سنان، وهي المسانّ، فإذا كان الكليل أرقّ من الماء الزّلال، فكيف الحادّ، وما لم يكلّ، وإن شئت جعلت الزرق الأسنّة على إقامة الصفة مقام الموصوف، كأنّه: هم أنشبوا أسنّة القنا. فأمّا قول الكميت:
وليس التفحّش من شأنهم... ولا طيرة الغضب المغضب
فقوله: طيرة الغضب، يحتمل ضربين: أحدهما مصدر طار الغضب يطير طيرة، وقد قالوا: طار طير فلان إذا غضب وخفّ، وأنشد بعض أصحاب الأصمعي:
فلمّا أتاني ما يقول تطايرت... عصافير رأسي وانتشيت من الخمر
[الحجة للقراء السبعة: 3/281]
ويجوز في قوله: طيرة الغضب أن يكون سمّى الطائر الذي استعمل في الغضب باسم المصدر). [الحجة للقراء السبعة: 3/282]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فقال الّذين كفروا منهم إن هذا إلّا سحر مبين}
قرأ حمزة والكسائيّ (إن هذا إلّا ساحر مبين) بالألف وكذلك
[حجة القراءات: 239]
في يونس وهود والصف دخل معهما عاصم وابن كثير في يونس وحجتهم إجماع الجميع على قوله {فقالوا ساحر كذّاب}
وقرأ الباقون {إن هذا إلّا سحر مبين} وحجتهم قوله {إن هذا إلّا سحر يؤثر} وقوله {سحر مستمر} وأخرى ذكرها اليزيدي عن أبي عمرو فقال ما كان في القرآن مبين فهو سحر بغير ألف وما كان عليم فهو ساحر بالألف فكأن أبا عمرو ذهب إلى أنه إذا وصفه بالبيان دلّ على أنه عنى السحر الّذي يبين عن نفسه أنه سحر لمن تأمله وإذا نعت ب عليم لم يجز أن يسند العلم إلى السحر فجعله لفاعل السحر والسحر عنده أوعب معنى لأنّه يدل على فاعله والساحر قد يوجد ولا يوجد معه السحر والسحر لا يوجد إلّا مع ساحر). [حجة القراءات: 240]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (43- قوله: {إلا سحر مبين} قرأ حمزة والكسائي «ساحر» هنا وفي أول هود والصف، وقرأ الكوفيون وابن كثير «ساحر» بألف في أول يونس، وقرأ الباقون في الأربعة بغير ألف.
وحجة من قرأ بغير ألف أنه جعل الإشارة إلى ما جاء به النبي، فأخبر عنهم أنهم جعلوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم سحرا، ويجوز أن تكون الإشارة إلى النبي، وفي الكلام تقدير حذف مضاف، أي: إن هذا إلا ذو سحر، فيكون مثل القراءة بألف، وهذا الحذف كثير في القرآن.
44- وحجة من قرأ بألف أنه جعل الإشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر عنهم أنهم قالوا: إن هذا إلا ساحر، فأخبر عن الاسم باسم الفاعل، وهو بابه، ويجوز أن يكون «ساحر» بمعنى سحر؛ لأن الاسم قد يقع موضع المصدر، كقولهم: عائذًا بالله من شرها، أي: عياذًا، فتكون القراءة بالألف كالقراءة بغير ألف، وكان أبو عمرو يقول: إذا كان بعده «مبين» فهو سحر، وإذا كان بعده «عليم» فهو ساحر، والمبين يصلح للسحر وللساحر، فلا حجة له في ذلك، فأما «عليم» فلا يكون إلا للساحر،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/421]
فهو صحيح، فالقراءتان متداخلتان حسنتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/422]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {فَتَكُونُ طَائْرًا} [آية/ 110]:-
بالألف، قرأها نافع ويعقوب.
يجوز أن يكون واحدًا وهو الأشهر، ويجوز أن يكون جمعًا كالباقر والجامل.
وقرأ الباقون {طَيْرًا} بغير ألف، وهو جنس، وقيل هو كراكب وركب، وضائن وضأن، وقد سبق في آل عمران). [الموضح: 454]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [آية/ 110]:-
بالألف، قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في يونس {لَسَاحِرٌ}، وفي أول هود والصف {سَاحِرٌ} بالألف في الأربعة.
وقرأ ابن كثير وعاصم حرفًا واحدًا بالألف وهو {لَسَاحِرٌ} في أول يونس، والباقي {سِحْر} بغير ألف.
عل قراءة من قرأ {سَاحِر} بالألف، أن الإشارة إلى الشخص الآتي لا إلى الحدث الذي أتى به، وكل واحد منهما قد تقدم ذكره، فجازت الإشارة إليه، والمعنى على هذه القراءة: ليس هذا الشخص إلا ساحرة مبينا.
[الموضح: 454]
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب {سِحْرٌ} بغير ألف في الأربعة الأحرف.
ووجه ذلك أن الإشارة إلى الحد الذي جاء به، لا إلى الشخص الذي جاء، فكأنه قال: ما هذا الذي جئت به إلا سحر مبين). [الموضح: 455]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:41 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (111) إلى الآية (115) ]

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115)}

قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)}

قوله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (هل يستطيع ربّك... (112)
قرأ الكسائي والأعشى عن أبي بكر (هل تستطيع ربّك) بالتاء ونصب الباء من (ربّك)، وقرأ الباقون (هل يستطيع ربّك) بالياء ورفع الباء من (ربّك).
وأخبرني المنذري عن أبي اليزيدي عن أبي زيد أنه قال في قول الله جلّ وعزّ: (هل تستطيع ربّك) معناه عندنا: هل تدعو ربّك؟ هل تستطيع بدعائك أن ينزّل؟
قال أبو منصور: ومن قرأ بالياء فمعناه: هل يفعل ربّك؟ لأن القوم لم ينكروا ولم يشكّوا أنه يستطيع.
وقال نصير النحوي: الاختيار: (هل تستطيع ربّك)، على معنى: هل يستجيب لك ربّك؟ هل تسأله ذلك؟.
قال: وكانت عائشة تنكر القراءة الأخرى وتقول: كان
[معاني القراءات وعللها: 1/343]
القوم أعلم بالله من أن يقولوا: (هل يستطيع ربّك) ؟.
وقال الفراء: من قرأها (هل يستطيع ربّك) هذا كقولك: هل يستطيع فلانٌ القيام معنا؟
وأنت تعلم أنه يستطيع ذلك، فهذا وجه هذه القراءة). [معاني القراءات وعللها: 1/344]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (19- وقوله تعالى: {هل يستطيع ربك} [112].
قرأ الكسائي وحده {هل تستطيع ربك} بالتاء ونصب {ربك} ومعناه: هل تستطيع سؤال ربك؟
وقرأ الباقون {هل يستطيع} بالياء جعلوا الفعل له. [و] ربك: رفع، وإنما
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/150]
قالوا: هل يستطيع ربك وهم يعلمون أنه يستطيع ولكن هذا كما تقول لصاحبك: هل تقدر أن تقوم معي، أي: قم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/151]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الياء والتاء من قوله جل وعز: هل يستطيع ربك [المائدة/ 112].
[الحجة للقراء السبعة: 3/272]
فقرأ الكسائي وحده: هل تستطيع ربك بالتاء، ونصب الباء واللام مدغّمة في التاء.
وقرأ الباقون: هل يستطيع ربك بالياء ورفع الباء.
[قال أبو علي] وجه قراءة الكسائي: تستطيع* بالتاء أن المراد: هل تستطيع سؤال ربك، وذكروا الاستطاعة في سؤالهم له لا لأنّهم شكّوا في استطاعته، ولكن كأنّهم ذكروه على وجه الاحتجاج عليه منهم، كأنّهم قالوا: إنّك مستطيع فما يمنعك؟! ومثل ذلك قولك لصاحبك: أتستطيع أن تذهب عني فإنّي مشغول؟ أي:
اذهب لأنّك غير عاجز عن ذلك. وأما أن* في قوله: هل تستطيع ربك أن ينزل فهو من صلة المصدر المحذوف، ولا يستقيم الكلام إلّا على تقدير ذلك، ألا ترى أنّه لا يصح: هل تستطيع أن يفعل غيرك؟ وأنّ الاستفهام لا يصح عنه، كما لا يصح في الإخبار: أنت تستطيع أن يفعل زيد، فأن في قوله: أن ينزل علينا متعلّق بالمصدر المحذوف على أنّه مفعول به. فإن قلت: هل يصح هذا على قول سيبويه، وقد قال: إن بعض الاسم لا يضمر في قوله:
.... إلّا الفرقدان فإن ذلك لا يمتنع، لأنّه في تقدير المذكور في اللفظ وإن
[الحجة للقراء السبعة: 3/273]
كان محذوفا منه، إذ كان الكلام لا يصحّ إلّا به، كما ذهب إليه في قوله:
........... ونار توقّد بالليل نارا إلى أنّ كلّا في تقدير الملفوظ به من حيث لو لم تقدره كذلك لم يستقم عنده، فكذلك قياس الآية على قوله.
وأمّا قراءة من قرأ: هل يستطيع ربك فليس على أنّهم شكّوا في قدرة القديم سبحانه على ذلك، لأنّهم كانوا مؤمنين عارفين، ولكن كأنّهم قالوا: نحن نعلم قدرته على ذلك
فليفعله بمسألتك إياه، ليكون علما لك ودلالة على صدقك، وكأنّهم سألوه ذلك ليعرفوا صدقه وصحّة أمره من حيث لا يعترض عليهم منه إشكال ولا تنازعهم فيه شبهة، لأنّ علم الضرورة لا تعرض فيه الشبه التي تعرض في علوم الاستدلال، فأرادوا علم أمره من هذا الوجه فمن ثم قالوا: وتطمئن قلوبنا [المائدة/ 113] كما قال إبراهيم عليه السلام: بلى ولكن ليطمئن قلبى [البقرة/ 260] بأن أعلم ذلك، من حيث لا يكون لشبهة ولا إشكال عليّ طريق.
وليس قول عيسى عليه السلام لهم: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين
[الحجة للقراء السبعة: 3/274]
[المائدة/ 112] إنكارا لسؤالهم، ولكن قال لهم هذا، كما جاء:
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته [آل عمران/ 102] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة [المائدة/ 35] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس [الحشر/ 18] ونحو هذا من الآي.
وأمّا إدغام الكسائي اللام في التاء فحسن، ألا ترى أنّ أبا عمرو قد أدغمها في التاء، فيما حكى عنه سيبويه من قوله:
هثوب الكفار [المطففين/ 36] والتاء أقرب إليها من الثاء والإدغام في المتقاربين، إنّما يحسن بحسب قرب الحرف من الحرف، وإذا جاز إدغامها في الشين مع أنها أبعد منها من حروف طرف اللسان والثنايا لأنّها تتصل بمخارج هذه الحروف فأن يجوز في الثاء ونحوها من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا أجدر، وأنشد سيبويه:
تقول إذا استهلكت مالا للذّة... فكيهة هشّيء بكفّيك لائق
[الحجة للقراء السبعة: 3/275]
قال سيبويه: وقد قرئ: بتؤثرون الحياة الدنيا [الأعلى/ 16]) وأنشد:
فذر ذا ولكن هتّعين متيّما... على ضوء برق آخر الليل ناصب). [الحجة للقراء السبعة: 3/276]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السّماء}
قرأ الكسائي (هل تستطيع) بالتّاء {ربك} نصب أي
[حجة القراءات: 240]
هل تقدر يا عيسى أن تسل ربك لأنهم كانوا مؤمنين وكانت عائشة تقول كان القوم أعلم باللّه من أن يقولوا {هل يستطيع ربك} إنّما قالوا (هل تستطيع ربك) وحجته قوله قبلها {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا} والله تعالى سماهم حواريين ولم يكن الله ليسميهم بذلك وهم برسالة رسوله كفرة قال أهل البصرة المعنى هل تستطيع سؤال ربك فحذف السّؤال والقى إعرابه على ما بعده فنصبه كما قال {واسأل القرية} أي أهل القرية
وقرا الباقون {هل يستطيع} بالياء {ربك} أي هل يستجيب لك ربك إن سألته ذلكما كما يقول القائل لآخر أتستطيع أن تسعى معنا في كذا وهو يعلم أنه على ذلك قادر ولكن يريد السّعي معنا فيه وإنّما أرادوا بذلك أن يأتيهم بآية يستدلون بها على صدقه وحجته قول عيسى لهم {اتّقوا الله إن كنتم مؤمنين} استعظاما لما قالوه فقالوا {نريد أن نأكل منها} الآية). [حجة القراءات: 241]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (45- قوله: {هل يستطيع ربك} قرأه الكسائي بالتاء نصب «ربك»، وقرأ الباقون بالياء ورفع «ربك»، وأدغم الكسائي اللام من «هل، وبل» في التاء على أصله المذكور.
وحجة من قرأ بالتاء أنه أجراه على مخاطبة الحواريين لعيسى، وفيه معنى التعظيم للرب جل ذكره، على أن يستفهم عيسى عن استطاعته، إذ هو تعالى مستطيع لذلك، فإنما معناه: هل تفعل ذلك على معنى افعل ذلك، وقد علموا أن عيسى يستطيع السؤال، ولابد من إضمار السؤال، إذ لا يجوز أن يقال: هل تستطيع أن يفعل غيرك كذا، فـ «أن» مفعول بالمصدر المحذوف، وهو السؤال، وهذا كما تقول للرجل: هل تسطيع أن تكلمني، وقد علمت أنه مستطيع لذلك، فإنما معناه: هل تفعل ذلك على معنى افعل ذلك، وقد روي عن عائشة رضي الله عنه أنها قالت: كان القوم أعلم بالله عز وجل من أن يقولوا: هل يستطيع ربك، ولكن: هل تستطع ربك، وروي عنها أنها قالت: كان الحواريون لا يشكون أن الله يقدر على إنزال مائدة عليهم، ولكن قالوا: هل تستطيع ذلك، وعن معاذ بن جبل أنه قال: أقرأنا النبي عليه السلام: هل تستطيع ربك، قال معاذ: وسمعت النبي عليه السلام مرارًا يقرأ بالتاء في «تستطيع» وبذلك قرأ أيضًا علي بن أبي طالب.
46- وحجة من قرأ بالياء أنه على معنى: هل يفعل ربك ذلك، لأنهم لم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/422]
يشكوا في استطاعة البارئ على ذلك، لأنهم كانوا مؤمنين، فإنما هو كقولك للرجل هل يستطيع فلان أن يأتي، وقد علمت أنه مستطيع، فالمعنى: هل يفعل ذلك، وهل يجيبني إلى ذلك، وقد كانوا عالمين باستطاعة الله لذلك ولغيره علم دلالة وخبر ونظر، فأرادوا معاينة لذلك، كما قال إبراهيم: {رب أرني كيف تحيي الموتى} «البقرة 260» وقد كان عَلِم أن الله يحيي الموتى استدلال وحي، ونظر فأراد عِلْم المعاينة التي لا يعترضها شيء، ولذلك قال إبراهيم: {بلى ولكن ليطمئن قلبي} أي: لا تدخل عليه في ذلك شبهة، لأن عِلم النظر والخبر تدخله الشبهات والاعتراضات وعلمُ المعاينة لا يدخله شيء من ذلك، ولذلك قال الحواريون: {وتطمئن قلوبنا} والاختيار ما عليه الجماعة من الياء، ورفع {ربك} على المعنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/423]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} بالتاء، والنصب من {رَبُّكَ} [آية/ 112]:-
قرأها الكسائي وحده.
ووجه ذلك أن المراد: هل تستطيع سؤال ربك، فحذف المضاف، ومعنى سؤالهم عن استطاعته مسألة الله، أنه محمول على الاحتجاج منهم (عليه) عليه السلام، أي إنك مستطيع فما يمنعك؟، كما تقول لصاحبك: هل تستطيع أن تذهب عني فإني مشغول، أي اذهب فإنك غير عاجز عن ذلك، فكذلك قولهم: هل تستطيع سؤال ربك، أي إنك مستطيع فاسأل.
وقرأ الباقون {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} بالياء، ورفع {رَبُّكَ}.
ووجه ذلك أن الفعل مسند إلى الرب تبارك وتعالى، وليس المعنى على أنهم كانوا شاكين في قدرة الله تعالى على ذلك، لأنهم كانوا مؤمنين، ولكن كأنهم قالوا: نحن نعلم قدرته على ذلك، فليفعله بمسأليك إياه، لتكون دلالة على صدقك، ولتبين صحة أمرك من حيث لا يبقى فيه إشكال، لأن علوم
[الموضح: 455]
الضرورة لا تعرض (فيها) الشبه التي تعرض في علوم الاستدلال، فأرادوا علم أمره من هذا الوجه.
وقيل معناه: هل يستجيب لك ربك، وذلك لأن استطاع تأتي بمعنى أطاع، وأطاع بمعنى أجاب، يقال دعوت فلانة إلى شيء فلم يغني أي لم يجبني). [الموضح: 456]

قوله تعالى: {قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)}

قوله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)}

قوله تعالى: {قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (20- وقوله تعالى: {إني منزلها عليكم} [115].
قرأ نافع وعاصم وابن عامر {منزلها} مشددة من نزل ينزل.
ومن قرأ {منزلها} فمن أنزل ينزل. وكذلك قرأ الباقون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/151]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال [أحمد بن موسى]: قرأ نافع وعاصم وابن عامر منزلها [المائدة/ 115] مشدّدة.
وقرأ الباقون: خفيفة.
وجه التخفيف أنّه قال: أنزل علينا مائدة فقال: إني منزلها فيكون الجواب كالسؤال. ومن قال: منزلها فلأنّ نزّل وأنزل، قد استعمل كلّ واحد منهما موضع الآخر، قال: نزل عليك الكتاب بالحق [آل عمران/ 3] وقال: وأنزل الفرقان [آل عمران/ 4] وقال تعالى: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده [الفرقان/ 1] وقال: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب [الكهف/ 1] فقد صار كل واحد من هاتين اللفظتين يستعمل موضع الأخرى). [الحجة للقراء السبعة: 3/282]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال الله إنّي منزلها عليكم}
قرأ نافع وابن عامر وعاصم {قال الله إنّي منزلها عليكم} بالتّشديد من نزل ينزل
وقرأ الباقون {منزلها} بالتّخفيف وحجتهم قوله قبلها {ربنا أنزل علينا مائدة من السّماء} ). [حجة القراءات: 242]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (47- قوله: {إني منزلها} قرأه نافع وعاصم وابن عامر بالتشديد، على أنه اسم فاعل من نزّل، وقرأ الباقون بالتخفيف على أنه اسم من فاعل من أنزل، واللغتان موجودتان في القرآن، قد أجمع على كل واحدة منهما فالقراءتان متساويتان، غير أن التشديد فيه معنى التكثير). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/423]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} [آية/ 115] بالتشديد:-
قرأها نافع وعاصم وابن عامر.
والوجه أن نزل بالتشديد مشابه أنزل في أن كل واحد منهما متعدي نزل بالتخفيف، يقال نزل فلان، وأنزلته ونزلته أنا، قال الله تعالى {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}، وقال {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ}، وكل واحد من اللفظين يستعمل موضع الآخر.
وقرأ الباقون {مُنَزِّلُهَا} بالتخفيف.
وقد تقدم أن أنزل ونزل بمعنى واحد، وأنزل أليق بهذا الموضع؛ لأنه جواب لقوله {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} فقال {إِنِّي مُنَزِّلُهَا}، فيكون
[الموضح: 456]
لفظ الجواب موافق للفظ السؤال). [الموضح: 457]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:42 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (116) إلى الآية (120) ]

{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116)}

قوله تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)}

قوله تعالى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)}

قوله تعالى: {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال اللّه هذا يوم ينفع الصّادقين صدقهم... (119)
قرأ نافع وحده (يوم ينفع) بنصب الميم، وقرأ الباقون (هذا يوم ينفع) بالرفع.
قال أبو منصور: من قرأ (يوم ينفع) بالرفع رفعه بـ (هذا)، ورفع (هذا) به، وهي القراءة الجيدة.
ومن قرأ (هذا يوم ينفع) بالنصب ففيه قولان:
قال الفراء: (يوم ينفع) في موضع الرفع، وإنما نصب لأنه أضيف إلى الفعل، فكذا إذا أضيف إلى اسم غير متمكن، كقوله: (هذا يوم لا ينطقون) فيه ما في هذا.
وقال الزجاج: من قرأ (هذا يوم ينفع) فهو منصوب على الظرف، قال: ومن زعم أن (يوم) منصوب لأنه مضاف إلى (ينفع) وهو في موضع الرفع بمنزلة يومئذٍ فهو عند البصريين خطأ، لا يجيزون: (هذا يوم آتيك)؛ لأن (آتيك) فعل مضارع، والإضافة إليه لا تزيل الإعراب عن جهته). [معاني القراءات وعللها: 1/344]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (21- وقوله تعالى: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} [119].
قرأ نافع وحده {هذا يوم ينفع} بالنصب.
وقرأ الباقون بالرفع. فمن رفع جعل هذا رفعًا، بالابتداء، وجعل اليوم خبره، ومن نصبه ففيه وجهان:
أحدهما: أن يكون جعله ظرفًا، والتقدير: هذا يوم نفع الصادقين.
والوجه الثاني: أن العرب إذا أضافت اسم الزمان إلى الفعل الماضي والمستقبل فتحت؛ لأن الإضافة إلى الأفعال إضافة غير محضة، كما قال الشاعر:
على حين عاينت المشيب بمفرقي = وقلت ألما أصح والشيب وازع
فأضاف اسم الزمان إلى الأفعال في المعنى، والتقدير: هذا يوم نفع الصادقين: لأن الجملة في معنى المصدر، وكذلك تقول العرب زرتك أيام الحجاج أمير، أي: وقت إمارته). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/151]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في نصب الميم ورفعها من قوله تعالى: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم [المائدة/ 119].
فقرأ نافع وحده: هذا يوم ينفع بنصب الميم.
وقرأ الباقون هذا يوم برفع الميم.
[الحجة للقراء السبعة: 3/282]
من رفع يوما جعله خبر المبتدأ الذي هو هذا* وأضاف يوما إلى ينفع، والجملة التي من المبتدأ وخبره في موضع نصب بأنّه مفعول القول، كما تقول: قال زيد: عمرو أخوك.
ومن قرأ: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم احتمل أمرين: أحدهما أن يكون مفعول قال*، تقديره: قال الله هذا القصص، أو هذا الكلام: يوم ينفع الصادقين صدقهم، فيوم ظرف للقول، وهذا إشارة إلى ما تقدم ذكره من قوله: وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم [المائدة/ 116]، وجاء على لفظ المضي وإن كان المراد به الآتي: كما قال: ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة [الأعراف/ 50] ونحو ذلك، وليس ما بعد قال* حكاية في هذا الوجه، كما كان إياها في الوجه الآخر. ويجوز أن يكون المعنى على الحكاية تقديره: قال الله هذا يوم ينفع. أي: هذا الذي اقتصصنا يقع، أو يحدث يوم ينفع الصادقين، فيوم خبر المبتدأ الذي هو هذا لأنّه إشارة إلى حدث، وظروف الزمان تكون أخبارا عن الأحداث، والجملة في موضع نصب بأنّها في موضع مفعول. قال: ولا يجوز أن تكون في موضع رفع وقد فتح لإضافته إلى الفعل، لأنّ المضاف إليه معرب، وإنّما يكتسي البناء من المضاف إليه، إذا كان المضاف إليه مبنيا، والمضاف مبهما، كما يكون ذلك في هذا الضرب من الأسماء إذا أضيف إلى ما كان مبنيا، نحو: ومن خزي يومئذ [هود/ 66] ومن عذاب يومئذ [المعارج/ 11]. وصار في المضاف البناء للإضافة إلى المبني كما صار فيه الاستفهام للإضافة إلى المستفهم به نحو: غلام من
[الحجة للقراء السبعة: 3/283]
أنت؟ وكما صار فيه الجزاء في نحو: غلام من تضرب أضرب وليس المضارع في هذا كالماضي في نحو قوله:
على حين عاتبت المشيب على الصبا لأنّ الماضي مبني والمضارع معرب، فإذا كان معربا، لم يكن شيء يحدث من أجله في المضاف البناء، ولا يلزم أن تقدّر في الفعل هنا عائدا إلى شيء، لأنّ الفعل قد أضيف إليه وليس بصفة، ولا يلزم أن يكون في المضاف ذكر من المضاف إليه، فليس قوله: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم فيمن رفع أو نصب كقوله: واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا [البقرة/ 48] لأنّ الفعل هنا صفة للنكرة، فلا بدّ من ذكر عائد منه إلى الموصوف، ولو نوّن اليوم هنا لكان ينفع صفة له، ولما لم ينوّن كان مضافا إليه، والإضافة إلى الفعل نفسه في الحقيقة لا إلى مصدره، ولو كانت الإضافة إلى المصدر لم يبن المضاف لبناء المضاف إليه في نحو:
على حين عاتبت المشيب على الصبا). [الحجة للقراء السبعة: 3/284]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال الله هذا يوم ينفع الصّادقين صدقهم} 119
قرأ نافع {هذا يوم ينفع الصّادقين} المعنى قال الله جلّ وعز هذه الأشياء وهذا الّذي ذكرناه تقع في يوم ينفع الصّادقين أي هذا الجزاء يقع يوم نفع الصّادقين
وقرأ الباقون {هذا يوم} بالرّفع هذا رفع بالابتداء ويوم خبره أي هذا اليوم يوم منفعة الصّادقين فإن سأل سائل فقال لم أضفت اليوم إلى الفعل والفعل لا يدخله الجرّ وعلامة الإضافة سقوط التّنوين من يوم فالجواب عنه أن إضافة أسماء الزّمان إلى الأفعال في المعنى ومعناه أنّك تضيف إلى المصادر التّقدير هذا يوم نفع الصّادقين وكذلك قوله {يوم تبيض وجوه} أي يوم ابيضاض الوجوه ويوم اسوداد الوجوه وإنّما أضفناه إلى المصادر). [حجة القراءات: 242]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (48- قوله: {يوم ينفع} قرأه نافع بالنصب، ورفع الباقون.
وحجة من نصب أنه جعل الإشارة بـ {هذا} إلى غير اليوم، مما تقدّم ذكره من الخبر والقصص في قوله: {وإذ قال الله يا عيسى} «116»، وليس ما بعد القول حكاية، فإن جعلته حكاية أضمرت ما يعمل في {يوم}، والتقدير: قال الله هذا الذي اقتص عليكم يحدث أو يقع في يوم ينفع، وإن لم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/423]
نجعله حكاية، فأعمل القوم في {اليوم} على أنه ظرف للقول، والمعنى: قال الله تعالى هذا القصص الذي قُص عليكم أو هذا الخبر الذي أخبتم به في يوم ينفع الصادقين، أي: سيقوله في ذلك اليوم، وأفعال الله جل ذكره التي يُخبر أنها ستكون بمنزلة الكائنة الواقعة لصحة وقوعها، على ما أخبر به عنها، فلذلك يُخبر عما يستقبل من أفعاله بلفظ الماضي، وهو كثير في القرآن، فـ {يوم}، وهو منصوب، ظرف خبر الابتداء الذي هو هذا، لأنه حدث، وظروف الزمان تكون أخبارًا عن الأحداث، تقول: القتال اليوم، والخروج الساعة، والجملة في موضع نصب بالقول، ومذهب الكوفيين في فتح {يوم} أنه في موضع رفع على خبر {هذا}، و{هذا} إشارة إلى {اليوم} ولكن فُتح عندهم، وفتحه بناء لإضافته إلى الفعل؛ لأنه غير متمكن في الإضافة إليه، والبصريون إنما يبنون الظرف إذا أضيف إلى فعل مبني، فإن أضيف إلى فعل معرب لم يبن.
49- وحجة من رفع أنه جعله {يوم ينفع} خبرًا لـ {هذا}، والجملة في موضع نصب بالقول، وهو محكي لا يعمل في لفظ القول، و{هذا} إشارة إلى {يوم القيامة}، وهو اليوم الذي ينفع فيه الصادقين صدقهم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/424]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ} [آية/ 119] بالنصب:-
قرأها نافع وحده.
ووجه ذلك أن {يَوْمُ} منصوب على الظرف للقول، والتقدير: قال الله هذا القول أو هذا القصص أو هذا الكلام يوم ينفع الصادقين صدقهم، و{هَذَا} مفعول قال.
ويجوز أن يكون المعنى على الحكاية و{هَذَا} مرفوع بالابتداء و{يَوْمُ يَنْفَعُ} نصب على الظرف لعامل مضمر وهو خبر المبتدأ، والتقدير: هذا واقع يوم ينفع الصادقين، و{هَذَا} إشارة إلى مصدر، ولهذا جاز أن يكون ظرف الزمان خبرًا عنه، لأن ظروف الزمان يجوز أن تكون أخبارا عن الأحداث، فكأنه قال: هذا الاقتصاص أو الإخبار واقع يوم ينفع، فـ {هَذَا} مبتدأ، و{يَوْمُ} خبره، والجمل حكاية للقول.
وقرأ الباقون {يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ} بالرفع.
والوجه أن اليوم خبر المبتدأ الذي هو {هَذَا}، واليوم مضاف إلى {يَنْفَعُ}، وهو فعل معرب، فلذلك صار يوم معربًا في كلتا القراءتين، ولم يبن إذ لم يكن مضافًا إلى مبني، والجملة التي هي {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ}، في
[الموضح: 457]
موضع نصب؛ لأنه حكاية لقال كما سبق، وما كان حكاية للقول فموضعه نصب بأنه مفعول القول). [الموضح: 458]

قوله تعالى: {لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة