جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ونفخ في الصّور}
- أخبرنا عمرو بن زرارة، قال: حدّثنا إسماعيل، عن سليمان التّيميّ، عن أسلم العجليّ، عن بشر بن شغافٍ، عن عبد الله بن عمرٍو، قال: قال أعرابيٌّ: يا رسول الله، ما الصّور؟ قال: «قرنٌ ينفخ فيه»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/166]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ ونفخ في الصّور فجمعناهم جمعًا (99) وعرضنا جهنّم يومئذٍ للكافرين عرضًا}.
يقول تعالى ذكره: وتركنا عبادنا يوم يأتيهم وعدنا الّذي وعدناهم، بأنّا ندكّ الجبال وننسفها عن الأرض نسفًا، فنذرها قاعًا صفصفًا، بعضهم يموج في بعضٍ، يقول: يختلط جنّهم بإنسهم. كما؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن هارون بن عنترة، عن شيخٍ، من بني فزارة، في قوله: {وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ} قال: إذا ماج الجنّ والإنس، قال إبليس: فأنا أعلم لكم علم هذا الأمر، فيظعن إلى المشرق، فيجد الملائكة قد نطقوا الأرض، ثمّ يظعن إلى المغرب، فيجد الملائكة قد قطعوا الأرض، ثمّ يظعن يمينًا وشمالاً إلى أقصى الأرض، فيجد الملائكة نطقوا الأرض، فيقول: ما من محيصٍ، فبينا هو كذلك، إذ عرض له طريقٌ كالشّراك، فأخذ عليه هو وذرّيّته، فبينما هم عليه، إذ هجموا على النّار، فأخرج اللّه خازنًا من خزّان النّار، قال: يا إبليس ألم تكن لك المنزلة عند ربّك، ألم تكن في الجنان؟ فيقول: ليس هذا يوم عتابٍ، لو أنّ اللّه فرض عليّ فريضةً لعبدته فيها عبادةً لم يعبده مثلها أحدٌ من خلقه، فيقول: فإنّ اللّه قد فرض عليك فريضةً، فيقول: ما هي؟ فيقول: يأمرك أن تدخل النّار، فيتلكّأ عليه، فيقول به وبذرّيته بجناحيه، فيقذفهم في النّار، فتزفر النّار زفرةً فلا يبقى ملكٌ مقرّبٌ، ولا نبيّ مرسلٌ إلاّ جثا لركبتيه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ} قال: هذا أوّل يوم القيامة، ثمّ نفخ في الصّور على أثر ذلك فجمعناهم جمعًا.
{ونفخ في الصّور} قد ذكرنا اختلاف أهل التّأويل فيما مضى في الصّور، وما هو، وما عني به. وأخبرنا بالصّواب من القول في ذلك بشواهده المغنية عن إعادته في هذا الموضع، غير أنّا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكره في ذلك الموضع من الأخبار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: حدّثنا أسلم، عن بشر بن شغافٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ أعرابيًّا سأله عن الصّور، قال: " قرنٌ ينفخ فيه ".
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، عن سليمان التّيميّ، عن العجليّ، عن بشر بن شغافٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، بنحوه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا محمّد بن الحارث القنطريّ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، قال: كنت في جنازة عمر بن ذرٍّ فلقيت مالك بن مغولٍ، فحدّثنا عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى الجبهة، وأصغى بالأذن متى يؤمر " فشقّ ذلك على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: " قولوا حسبنا اللّه وعلى اللّه توكّلنا، ولو اجتمع أهل منًى ما أقالوا ذلك القرن " كذا قال، وإنّما هو ما أقلّوا.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا حفصٌ، عن الحجّاج، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن، وحنى ظهره وجحظ بعينه "، قالوا: ما نقول يا رسول اللّه؟ قال: " قولوا: حسبنا اللّه، توكّلنا على اللّه ".
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن مطرّفٍ، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته يستمع متى يؤمر بنفخٍ فيه " فقال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فكيف نقول؟ قال: " تقولون: حسبنا اللّه ونعم الوكيل، توكّلنا على اللّه ".
- حدّثنا أبو كريبٍ والحسن بن عرفة، قالا: حدّثنا أسباطٌ، عن مطرّفٍ، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، مثله.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا شعيب بن حربٍ، قال: حدّثنا خالدٌ أبو العلاء، قال: حدّثنا عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى الجبهة، وأصغى بالأذن متى يؤمر أن ينفخ، ولو أنّ أهل منًى اجتمعوا على القرن على أن يقلّوه من الأرض، ما قدروا عليه " قال: فأبلس أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وشقّ عليهم، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " قولوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل ".
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن إسماعيل بن رافعٍ المدنيّ، عن يزيد بن فلانٍ، عن رجلٍ، من الأنصار، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن رجلٍ، من الأنصار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " لمّا فرغ اللّه من خلق السّماوات والأرض، خلق الصّور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه شاخصٌ بصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر " قال أبو هريرة: يا رسول اللّه، ما الصّور؟ قال: " قرنٌ " قال: وكيف هو؟ قال: " قرنٌ عظيمٌ ينفخ فيه ثلاث نفخاتٍ: الأولى: نفخة الفزع، والثّانية: نفخة الصّعق، والثّالثة: نفخة القيام لربّ العالمين ".
وقوله: {فجمعناهم جمعًا} يقول: فجمعنا جميع الخلق حينئذٍ لموقف الحساب جميعًا). [جامع البيان: 15/415-419]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الزاهرية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مقفل المسلمين من الملاحم دمشق ومقفلهم من الدجال بيت المقدس ومقفلهم من يأجوج ومأجوج بيت الطور والله أعلم). [الدر المنثور: 9/687]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} قال: ذلك حين يخرجون على الناس). [الدر المنثور: 9/687]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} قال: هذا أول يوم القيامة ثم ينفخ في الصور على أثر ذلك). [الدر المنثور: 9/687]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق هارون بن عنترة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} قال: الجن والإنس يموج بعضهم في بعض). [الدر المنثور: 9/687]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن هرون بن عنترة عن شيخ من بني فزارة في قوله: {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} قال: إذا ماج الجن والإنس بعضهم في بعض قال إبليس: أنا أعلم لكم علم هذا الأمر فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد نطقوا الأرض ثم يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة قد نطقوا الأرض ثم يظعن يمينا وشمالا حتى ينتهي إلى أقصى الأرض فيجد الملائكة قد نطقوا الأرض فيقول: ما من محيص فبينما هو كذلك إذ عرض له طريق كأنه شواظ فأخذ عليه هو وذريته، فبينما هو كذلك إذ هجم على النار فخرج إليه خازن من خزان النار فقال: يا إبليس ألم تكن لك المنزلة عند ربك ألم تكن في الجنان فيقول: ليس هذا يوم عتاب لو أن الله افترض علي عبادة لعبدته عبادة لم يعبده أحد من خلقه، فيقول: إن الله قد فرض عليك فريضة، فيقول: ما هي فيقول: يأمرك أن تدخل النار، فيتلكأ عليه فيقول به وبذريته بجناحه فيقذفهم في النار فتزفر جهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا لركبتيه). [الدر المنثور: 9/687-688]
تفسير قوله تعالى: (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وعرضنا جهنّم يومئذٍ للكافرين عرضًا} يقول: وأبرزنا جهنّم يوم ينفخ في الصّور، فأظهرناها للكافرين باللّه، حتّى يروها ويعاينوها كهيئة السّراب، ولو جعل الفعل لها قيل: أعرضت جهنّم. وذلك إذا استبانت، كما قال عمرو بن كلثومٍ:
وأعرضت اليمامة واشمخرّت = كأسيافٍ بأيدي مصلتينا
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، قال: حدّثنا أبو الزّعراء، عن عبد اللّه، قال: يقوم الخلق للّه إذا نفخ في الصّور، قيام رجلٍ واحدٍ، ثمّ يتمثّل اللّه للخلق فيلقاهم فليس أحدٌ من الخلق كان يعبد من دون اللّه شيئًا إلاّ وهو مرفوعٌ له يتبعه، قال: فيلقى اليهود فيقول: من تعبدون؟ قال: فيقولون: نعبد عزيرًا، قال: فيقول: هل يسرّكم الماء؟ فيقولون نعم، فيريهم جهنّم وهي كهيئة السّراب، ثمّ قرأ {وعرضنا جهنّم يومئذٍ للكافرين عرضًا} ثمّ يلقى النّصارى فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد المسيح، فيقول: هل يسرّكم الماء، فيقولون نعم، قال: فيريهم جهنّم وهي كهيئة السّراب، ثمّ كذلك لمن كان يعبد من دون اللّه شيئًا، ثمّ قرأ عبد اللّه {وقفوهم إنّهم مسئولون} ). [جامع البيان: 15/419-420]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن هرون بن عنترة عن شيخ من بني فزارة في قوله: {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} قال: إذا ماج الجن والإنس بعضهم في بعض قال إبليس: أنا أعلم لكم علم هذا الأمر فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد نطقوا الأرض ثم يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة قد نطقوا الأرض ثم يظعن يمينا وشمالا حتى ينتهي إلى أقصى الأرض فيجد الملائكة قد نطقوا الأرض فيقول: ما من محيص فبينما هو كذلك إذ عرض له طريق كأنه شواظ فأخذ عليه هو وذريته، فبينما هو كذلك إذ هجم على النار فخرج إليه خازن من خزان النار فقال: يا إبليس ألم تكن لك المنزلة عند ربك ألم تكن في الجنان فيقول: ليس هذا يوم عتاب لو أن الله افترض علي عبادة لعبدته عبادة لم يعبده أحد من خلقه، فيقول: إن الله قد فرض عليك فريضة، فيقول: ما هي فيقول: يأمرك أن تدخل النار، فيتلكأ عليه فيقول به وبذريته بجناحه فيقذفهم في النار فتزفر جهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا لركبتيه). [الدر المنثور: 9/687-688] (م)
تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({لا يستطيعون سمعًا} [الكهف: 101] : «لا يعقلون»). [صحيح البخاري: 6/88]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله لا يستطيعون سمعًا أي لا يعقلون وصله الفريابيّ من طريق مجاهدٍ مثله). [فتح الباري: 8/407]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال عبد أخبرني شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {لا يستطيعون سمعا} 101 الكهف قال لا يعقلون سمعا). [تغليق التعليق: 4/247]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (لا يستطيعون سمعاً لا يعقلون
أشار به إلى قوله تعالى: {الّذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا} وفسّر قوله: (لا يستطيعون سمعا) بقوله: (لا يعقلون) وفي التّفسير وصف الله الكافرين بقوله: الّذين كانت أعينهم في غطاء. أي: غشاء وغفلة عن ذكري، أي: عن الإيمان والقرآن لا يستطيعون أي: لا يطيقون أن يسمعوا كتاب الله عز وجل ويتدبرونه ويؤمنون به لغلبة الشّقاء عليهم، والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 19/38]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({لا يستطيعون سمعًا}) في قوله تعالى: {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعًا} [الكهف: 101] أي (لا يعقلون) وهذا وصله الفريابي عن مجاهد أي لا يعقلون عن الله أمره ونهيه والأعين هنا كناية عن البصائر لأن عين الجارحة لا نسبة بينها وبين الذكر والمعنى الذين فكرهم بينها وبين ذكري والنظر في شرعي حجاب وعليها غطاء ولا يستطيعون سمعًا لإعراضهم ونفارهم عن الحق لغلبة الشقاء عليهم). [إرشاد الساري: 7/215]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين كانت أعينهم في غطاءٍ عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعًا}.
يقول تعالى: وعرضنا جهنّم يومئذٍ للكافرين الّذين كانوا لا ينظرون في آيات اللّه، فيتفكّرون فيها ولا يتأمّلون حججه، فيعتبرون بها، فيتذكّرون وينيبون إلى توحيد اللّه، وينقادون لأمره ونهيه {وكانوا لا يستطيعون سمعًا} يقول: وكانوا لا يطيقون أن يسمعوا ذكر اللّه الّذي ذكرهم به، وبيانه الّذي بيّنه لهم في أيّ كتابه، بخذلان اللّه إيّاهم، وغلبة الشّقاء عليهم، وشغلهم بالكفر باللّه وطاعة الشّيطان، فيتّعظون به، ويتدبّرونه، فيعرفون الهدى من الضّلالة، والكفر من الإيمان.
وكان مجاهدٌ يقول في ذلك ما؛
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قالا: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {لا يستطيعون سمعًا} قال: لا يعقلون.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {وكانوا لا يستطيعون سمعًا}، قال: لا يعلمون.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {الّذين كانت أعينهم في غطاءٍ عن ذكري} الآية، قال: هؤلاء أهل الكفر). [جامع البيان: 15/420-421]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وكانوا لا يستطيعون سمعا يقول لا يعقلون ولا يستطيعون أن يسمعوا الخير). [تفسير مجاهد: 381]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 101.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا} قال: كانوا عميا عن الحق فلا يبصرونه صما عنه فلا يسمعونه). [الدر المنثور: 9/688]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لا يستطيعون سمعا} قال: لا يعقلون سمعا، والله أعلم). [الدر المنثور: 9/689]
تفسير قوله تعالى: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفحسب الّذين كفروا أن يتّخذوا عبادي من دوني أولياء إنّا أعتدنا جهنّم للكافرين نزلاً}.
يقول عزّ ذكره: أفظنّ الّذين كفروا باللّه من عبدة الملائكة والمسيح، أن يتّخذوا عبادي الّذين عبدوهم من دون اللّه أولياء لأنفسهم، يقول: أظنوا أنهم لهم أولياء يقول: كلاّ بل هم لهم أعداء.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {أفحسب الّذين كفروا أن يتّخذوا عبادي من دوني أولياء} قال: يعني من يعبد عيسى ابن مريم والملائكة، وهم عباد اللّه، ولم يكونوا للكفّار أولياء.
وبهذه القراءة، أعني بكسر السّين من {أفحسب} بمعنى الظّنّ قرأت هذا الحرف قرّاء الأمصار.
- وروي عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه وعكرمة ومجاهدٍ أنّهم قرءوا ذلك ( أفحسب الّذين كفروا ) بتسكين السّين، ورفع الحرف بعدها، بمعنى: أفحسبهم ذلك: أي أفكفاهم أن يتّخذوا عبادي من دوني أولياء من عباداتي وموالاتي. كما؛
- حدّثت عن إسحاق بن يوسف الأزرق، عن عمران بن حديرٍ، عن عكرمة، {أفحسب الّذين كفروا} قال: أفحسبهم ذلك.
والقراءة الّتي نقرؤها هي القراءة الّتي عليها قرّاء الأمصار {أفحسب الّذين} بكسر السّين، بمعنى أفظنّ لإجماع الحجّة من القرّاء عليها.
وقوله: {إنّا أعتدنا جهنّم للكافرين نزلاً} يقول: إنا أعددنا لمن كفر باللّه جهنّم منزلاً). [جامع البيان: 15/421-422]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 102.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء} قال: ظن كفرة بني آدم أن يتخذوا الملائكة من دونه أولياء). [الدر المنثور: 9/689]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور، وابن المنذر عن علي بن أبي طالب أنه قرأ {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء} قال أبو عبيد: بجزم السين وضم الباء). [الدر المنثور: 9/689]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة أنه قرأ {أفحسب الذين كفروا} يقول: أفحسبهم ذلك). [الدر المنثور: 9/689]