قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ (56)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((من مال وبنين) [55] وقف حسن على هذا المذهب الذي رواه خلف عن الكسائي أنه قال: (أنما نمدهم) (أنما) حرف وحد. ومن قال: (أنما) حرفان والخبر ما عاد من (الخيرات) [56] وموضع (نسارع) لم يتم له الوقف على (وبنين). وقال السجستاني: لا يحسن الوقف على (وبنين) لأن (يحسبون) يحتاج إلى مفعولين، فتمام المفعولين في (الخيرات) وهذا خطأ لأن (أن) كافية من اسم (يحسبون) وخبرها، ولا يجوز أن يؤتى بعد (أن) بمفعول ثان (بل لا يشعرن) وقف تام.)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/791-792]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (ومن قرأ (وإن هذه أمتكم) بكسر الهمزة ابتدأ بها وكفى الوقف قبلها، لأنها مستأنفة. ومن فتح الهمزة لم يبتدئ بها لأنها معطوفة على ما في قوله: {بما تعملون عليم} فلا يقطع من ذلك.
{بينهم زبرًا} تام. {من مالٍ وبنين} كاف. و{أن} كافية من مفعول الحسبان. ومثله {في الخيرات}.
{بل لا يشعرون} تام.)[المكتفى: 401]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({صالحًا- 51- ط}. {عليم- 51- ط} لمن قرأ: «وإن» بالكسر. {زيرا- 53- ط}. {وبنين- 55- لا} لأن: «نسارع» مفعول ثان للحسبان، تقديره: أيحسبون إمدادنا لهم بالمال والبنين مسارعة في الخيرات لهم.. {في الخيرات- 56- ط}.)[علل الوقوف: 2/729 - 730]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (ومعين (تام) للابتداء بيا النداء بناءً على أنَّ ما بعده خطاب لنبينا وحده كقوله الذين قال لهم الناس وهو نعيم بن مسعود الأشجعي وحده ليدل بذلك على أنَّ الرسل أمروا بأكل الطيبات وهو الحلال الذي طيبه الله لآكليه وليس بوقف لمن قال إنَّ خطاب لعيسى ابن مريم واحتج بما روي أنَّ عيسى كان يأكل من غزل أمه ومن حيث كونه رأس آية يجوز
صالحين (جائز) وقيل كاف.
عليم (تام) لمن قرأ وإنَّ هذه بكسر الهمزة عطفًا على إنَّي وهو حمزة والكسائي وعاصم، وليس بوقف لمن قرأ بفتحها عطفًا على بما فتكون إنَّ في موضع خفض والتقدير عليم بأنَّ هذه وبها قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وإن نصبت بإضمار فعل نحو واعلموا أنَّ فتكون أنَّ في موضع نصب كان الوقف على عليم جائزًا .
أمة واحدة (كاف) على استئناف ما بعده
فاتقون (كاف)
زبرًا (حسن)
فرحون (أحسن منه)
حتى حين (كاف) وقد اختلف في ما من إنَّما هل هي مصدرية حرف واحد أو موصولة فهي حرفان فعلى أنَّها مصدرية حرف واحد هو مذهب الكسائي رواه خلف عنه وعليه يوقف على بنين لأنَّه قد حصل بعد فعل الحسبان نسبة من مسند ومسند إليه نحو حسبت إنَّما ينطلق زيد وإنَّما يضرب بكر فينسبك منها ومما بعدها مصدر هو اسم إنَّ والجملة خبر إنَّ وقيل لا يوقف على بنين لأنَّ نسارع خبر إنَّ على أنَّ إنَّما حرفان وما بمعنى الذي بدليل عود الضمير من به إليها وهي اسم إنَّ وصلتها نمدهم ومن مال حال من الموصول أو بيان له ونسارع خبر إنَّ والعائد محذوف أي نسارع لهم به أو فيه قاله أبو اسحق وهشام بن معاوية الضرير كما تقول أبو سعيد رويت عن الخدري تريد رويت عنه فأظهرت الهاء فقلت عن الخدري قال الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء = نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا
أي لا أرى الموت يسبقه شيء فأظهر الهاء وقول من قال إنَّ يحسبون يتعدى لمفعولين وأن نسارع لهم المفعول الثاني والتقدير أيحسبون أنّ إمدادنا لهم بالمال والبنين مسارعة منا لهم في الخيرات فغلط ومخالفة لقول أبي حاتم إنَّ إنّ إذا وقعت بعد حسب وأخواتها لم تحتج إلى مفعول ثان قال تعالى يحسب أنَّ ماله أخلده وهنا قد نابت أنَّ عن المفعولين فأنَّ كافية عن اسم يحسبون وخبرها فلا يؤتى بمفعول ثان بعد أنَّ وقرأ إنَّما بكسر الهمزة على الاستئناف وعليها فمفعولا حسب محذوفان اقتصارًا أو اختصارًا وقرأ يسارع بالتحتية أي يسارع الله أو يسارع لهم الذي يمدون به وقرئ يسارع بالتحتية مبنيًا للمفعول وفي الخيرات نائب الفاعل والجملة خبر إنَّ والعائد محذوف أي يسارع لهم به وقرئ نسرع لهم بالنون من أسرع والحذف اختصارًا ما كان لدليل والحذف اقتصارًا ما كان لغير دليل وهذا غاية في بيان هذا الوقف ولله الحمد .
في الخيرات (كاف)
بل لا يشعرون (تام) وهو إضراب عن الحسبان المستفهم عنه استفهام تقريع)[منار الهدى: 262-263]
- أقوال المفسرين