قوله تعالى: {ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((ذلك عيسى ابن مريم قول الحق) [34] كان الحسن وابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة يقرؤون: (قول الحق) بالرفع. وكان عاصم وابن أبي إسحاق يقرآن (قول الحق) بالنصب. وكذلك قرأ ابن عامر، فمن قرأ (قول الحق) بالرفع لم يقف على (ابن مريم) لأن (قول الحق) نعت لـ (عيسى). ومن قرأ: (قول الحق) نصبه على وجهين: أحدهما أن ينصبه على المصدر كأنه قال: «أقول قولا حقا». والوجه الآخر أن ينصبه على خبر (ذلك) ويجعل (ذلك) في مذهب «كان» كما تقول: «هذا زيد أخاك» و«هذا الخليفة قادمًا» فتنصبه لأنك قرنت بـ«هذا وذلك» الفعل ونصبت به كما تنصب بـ«كان»، فمن الوجه الأول يحسن الوقف عليه للمضطر. ومن الوجه الثاني لا يحسن الوقف عليه، أعني: على ابن مريم. كما لا يحسن الوقف على اسم كان دون الخبر.
(أن يتخذ من ولد سبحانه) [35] وقف حسن.
(وإن الله ربي وربكم) [36] كان عاصم والأعمش وحمزة والكسائي يكسرون: (إن الله ربي). وكان نافع وأبو عمرو يفتحانها. فمن كسرها وقف على (كن فيكون) وابتدأ بها، ومن فتحها لم يقف على (فيكون) لأنها منسوقة على (وأوصاني بالصلاة) [31] وبـ(أن الله) وقال قوم: هي منسوقة على قوله: (وإذا قضى أمرا) وقضى (أن الله ربي وربكم). ويجوز أن يكون في موضع رفع على معنى «ذلك عيسى ابن مريم وذلك أن الله» فمن الوجه الأول لا يحسن الوقف على قوله: (جبارا شقيا) [32] ومن الوجه الثاني يحسن الوقف عليه.
(ربي وربكم فاعدبوه) تام.)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/763-765]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (وقال يعقوب الحضرمي: {ذلك عيسى ابن مريم} وقف وذلك إذا رفع {قول الحق} بمبتدأ مضمر. والتقدير: هذا الكلام قول الحق. أو هو قول الحق: يراد به عيسى عليه السلام. فإن نصب الـ {قول} لم يوقف على ما قبله ولا ابتدئ به لأنه مصدر يتعلق بما قبله لدلالته عليه. والتقدير: أقول قول الحق.
ومن قرأ {وإن الله ربي وربكم} بكسر الهمزة وقف على (فيكون) وذلك أن الكلام قد تم هنالك ثم استأنف الخبر. ومن فتحها لم يتم الوقف على (فيكون) لأن (وأن الله) معطوفة على {الصلاة والزكاة} المتقدم ذكرهما بتقدير: وأوصاني بالصلاة والزكاة وبأن الله ربي وربكم. فهي داخلة معهما في الإيصاء.
{من ولد سبحانه} كاف. {فاعبدوه} تام. ومثله {مستقيم}. وكذا رؤوس الآي إلى قوله: {يرجعون}.)[المكتفى: 375]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({عيسى بن مريم- 34- ج}
لمن نصب «قول الحق» على تقدير: أقول قول الحق، أو جعله حالاً على نية التنوين، أي: قولا حقا، والعامل معنى الإشارة في «ذلك»، ومن رفع جاز له الوقف على تقدي: هو قول الحق، والوصل أيضًا على أن يكون «قول» بدلاً لعيسى [صلوات الله عليه}. {من ولد- 35- لا} وإن جاز الابتداء بـ«سبحانه»، ولكن قد يوصل استعجالاً إلى التنزيه عن الافتراء بالتشبيه.
{سبحانه- 35- ط}. {كن فيكون- 35- ط} لمن قرأ «وإن الله» بكسر الألف، ومن فتح لم يقف للعطف.
{فاعبدوه- 36- ط}.)[علل الوقوف: 2/679-682]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (ذلك عيسى ابن مريم (كاف) لمن قرأ قول الحق بالنصب وهو عاصم وحمزة وابن عامر على أنَّ قول مصدر مؤكد لمضمون الجملة أي هذا الإخبار عن عيسى ابن مريم ثابت صدق فهو من إضافة الموصوف إلى الصفة كقولهم وعد الصدق أي الوعد الصدق وكذا كاف إن رفع قول على قراءة من قرأه برفع اللام على أنَّه خبر مبتدأ محذوف أي ذلك قول الحق أو ذلك الكلام قول الحق أو هو قول الحق يراد به عيسى ابن مريم لا ما تدعونه عليه فليس هو بابن الله تعالى كما تزعم النصارى ولا لغير رشدة كما تزعم اليهود وليس بوقف إن رفع قول بدلاً من عيسى لأنَّه لا يفصل ببين البدل والمبدل منه بالوقف
يمترون (تام)
سبحانه (حسن) والوقف على من ولد وابتدئ بسبحانه كان الوقف حسنًا أيضًا
كن (جائز)
فيكون (تام) لمن قرأ وإن الله بكسر الهمزة على الابتداء أو خبر مبتدأ محذوف أي والأمر أنَّ الله قاله الكسائي وليس بوقف لمن قرأ بفتحها عطفًا على الصلاة فتكون أن في موضع خفض بإضمار الجار أي وأوصاني بالصلاة وبالزكاة وبأنَّ الله ربي فعلى هذا لا يوقف على فيكون ولا على ما بين أول القصة إلى هنا إلاَّ على سبيل التسامح لطول الكلام وقياس سيبويه أنَّ هذه الآية تكون من المقدم والمؤخر فتكون أن منصوبة بقوله فاعبدوه فكأنَّه قال فاعبدوا الله لأنَّه ربي وربكم أو نصب إن عطفًا على قوله إذا قضى أمرًا أي وقضى بأنَّ الله ربي وربكم فتكون أن في محل نصب
فاعبدوه (تام) ومثله مستقيم)[منار الهدى: 237 - 238]
- أقوال المفسرين