العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير جزء تبارك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 06:38 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي تفسير سورة الإنسان [ من الآية (1) إلى الآية (10) ]

{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)}

روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- أسباب النزول
- الناسخ والمنسوخ الآية رقم (8)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 06:39 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) )

قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا أبو عمر زياد بن أبي مسلم، عن أبي الخليل، أو زياد بن مخراق، أن عمر بن الخطاب سمع رجلًا يقرأ: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا} [الإنسان: 1] فقال عمر: يا ليتها تمت). [الزهد لابن المبارك: 2/103]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني الوليد بن المغيرة عن واهبٍ المعافريّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من أقرئه المصمدة، فقال رجلٌ: أنا، يا رسول اللّه، فأقرأه رسول اللّه سورة يونس؛ ثمّ قال: من أقرئه المحلية، فقال رجلٌ أنا، يا رسول اللّه، فأقرأه طه؛ ثمّ قال: من أقرئه الح بّرة، فقال رجلٌ أنا؛ فأقرأه: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر}). [الجامع في علوم القرآن: 3/35-36]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا قال كان آدم آخر ما خلق الله من الخلق). [تفسير عبد الرزاق: 2/336]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو أسامة، عن مسعرٍ، قال سمعت عون بن عبد الله يقول: قرأ رجلٌ عند عبد الله بن مسعودٍ: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا} فقال عبد الله: ألا ليت ذلك تمّ). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 171]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (يقال: معناه أتى على الإنسان، وهل تكون جحدًا، وتكون خبرًا، وهذا من الخبر، يقول: كان شيئًا، فلم يكن مذكورًا، وذلك من حين خلقه من طينٍ إلى أن ينفخ فيه الرّوح). [صحيح البخاري: 6 / 164]

- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يقال معناه أتى على الإنسان وهل تكون جحدًا وتكون خبرًا وهذا من الخبر كذا للأكثر وفي بعض النّسخ وقال يحيى وهو صوابٌ لأنّه قول يحيى بن زيادٍ الفرّاء بلفظه وزاد لأنّك تقول هل وعظتك هل أعطيتك تقرّره بأنّك وعظته وأعطيته والجحد أن تقول هل يقدر أحدٌ على مثل هذا والتّحرير أنّ هل للاستفهام لكن تكون تارةً للتّقرير وتارةً للإنكار فدعوى زيادتها لا يحتاج إليه وقال أبو عبيدة هل أتى معناه قد أتى وليس باستفهامٍ وقال غيره بل هي للاستفهام التّقريريّ كأنّه قيل لمن أنكر البعث هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا فيقول نعم فيقال فالّذي أنشأه بعد أن لم يكن قادرٌ على إعادته ونحوه ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون أي فتعلمون أنّ من أنشأ قادرٌ على أن يعيد قوله يقول كان شيئًا فلم يكن مذكورا وذلك من حين خلقه من طينٍ إلى أن ينفخ فيه الرّوح هو كلام الفرّاء أيضًا وحاصله انتفاء الموصوف بانتفاء صفته ولا حجّة فيه للمعتزلة في دعواهم أنّ المعدوم شيءٌ). [فتح الباري: 8 / 684]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (يقال معناه أتى على الإنسان وهل تكون جحدا وتكون خبرا وهاذا من الخبر يقول كان شيئا فلم يكن مذكورا وذالك من حين خلقه من طينٍ إلى أن ينفخ فيه الرّوح.
القائل فيه بذلك القرّاء. قوله: (معناه أتى على الإنسان) ، يدل على أن لفظ هل، صلة ولكن لم يقل أحد إن: هل، قد تكون صلة. قوله: (وهل تكون جحدا) ، يعني: نفيا وتكون خبرا يعني إثباتًا يعني يخبر به عن أمر مقرر، ويكون جعل حينئذٍ بمعنى قد للتحقيق، وأشار إليه بقوله: وهذا من الخبر، أراد به أن هل هنا يعني يعني: في قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان} بمعنى: قد، ومعناه. قد أتى على الإنسان وأريد به آدم، عليه الصّلاة والصلام، وقال الزّمخشريّ: إن هل أتى أبد بمعنى: قد وأن الاستفهام إنّما هو مستفاد من همزة مقدرة معها، ونقله في (المفصل) عن سيبويهٍ فقال: وعند سيبويهٍ أن أهل بمعنى قد إلاّ أنهم تركوا الألف قبلها لأنّها لا تقع إلاّ في الاستفهام. قوله: (حين من الدّهر) ، أربعون سنة ملقًى بين مكّة والطائف، قبل أن ينفخ فيه الرّوح. قوله: (لم يكن شيئا مذكورا) ، لا يذكر ولا يعرف ولا يدري ما اسمه، ولا ما يراد به، والمعنى: أنه كان شيئا لكنه لم يكن مذكورا يعني: انتفاء هذا المجموع بانتفاء صفته لا بانتفاء الموصوف، ولا حجّة فيه للمعتزلة في دعواهم أن المعدوم شيء ووقع في بعض النّسخ، وقال يحيى: معناه أتى على الإنسان إلى آخره، ويحيى هذا هو ابن زياد بن عبد الله بن منصور الديلمي الفراء. صاحب كتاب معاني القرآن، وقال بعضهم هو صواب لأنّه قول ويحيى بن زياد الفراء بلفظه. قلت: دعوى الصّواب غير صحيحة لأنّه يجوز أن يكون هذا قول غيره كما هو قوله، ولم يطلع البخاريّ على أنه قول الفراء وحده، فلذلك قال: يقال معناه أو اطلع أيضا على قول غيره مثل قول الفراء فذكر بلفظ يقال: ليشمل كل من قال بهذا القول، فافهم). [عمدة القاري: 19 / 270]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (يقال) وفي بعض النسخ وقال يحيى يعني ابن زياد الفراء (ومعناه {أتى على الإنسان} [الدهر: 1] (وهل تكون جحدًا) أي نفيًا (وتكون خبرًا) يخبر بها عن أمر مقرر فتكون على بابها للاستفهام التقريري ولذلك فسر بقد وأصله أهل كقوله:
سائل فوارس يربوع بشدتنا = أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم
(وهذا) الذي في الآية (من الخبر) الذي بمعنى قد والمعنى كما في الكشاف أقد أتى على التقرير والتقريب جميعًا أي أتى على الإنسان قبل زمن قريب حين من الدهر لم يكن فيه شيئًا مذكورًا أي كان شيئًا منسيًّا غير مذكور أو هي للاستفهام التقريري لمن أنكر البعث كأنه قيل لمن أنكر البعث {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا} فيقول: نعم فيقال له من أحدثه وكوّنه بعد عدمه كيف يمتنع عليه بعثه وإحياؤه بعد موته وهو معنى قوله: ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون أي فهلا تذكرون فتعلمون أن من أنشأ شيئًا بعد أن لم يكن قادر على إعادته بعد موته وعدمه فهي هنا للاستفهام التقريري لا للاستفهام المحض وهذا هو الذي يجب أن يكون لأن الاستفهام لا يرد من الباري جل وعلا إلا على هذا النحو وما أشبهه (يقول: كان) الإنسان (شيئًا فلم يكن مذكورًا) بل كان شيئًا منسيًّا غير مذكور بالإنسانية (وذلك من حين خلقه من طين إلى أن ينفخ فيه الروح) والمراد بالإنسان آدم وحين من الدهر أربعون سنة أو المراد الجنس وبالحين مدة الحمل). [إرشاد الساري: 7 / 406]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا (1) إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعني جلّ ثناؤه بقوله: {هل أتى على الإنسان}. قد أتى على الإنسان؛ وهل في هذا الموضع خبر لا جحدٍ، وذلك كقول القائل لآخر يقرّره: هل أكرمتك؟ وقد أكرمه؛ أو هل زرتك؟ وقد زاره؛ وقد تكون جحدًا في غير هذا الموضع، وذلك كقول القائل لآخر: هل يفعل مثل هذا أحدٌ؟ بمعنى: أنّه لا يفعل ذلك أحدٌ. والإنسان الّذي قال جلّ ثناؤه في هذا الموضع {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر}. هو آدم صلّى اللّه عليه وسلّم كذلك.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {هل أتى على الإنسان} آدم أتى عليه {حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا}. إنّما خلق الإنسان هاهنا حديثًا؛ ما يعلم من خليقة اللّه كانت بعد الإنسان.
حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة قوله: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا}. قال: كان آدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم آخر ما خلق من الخلق.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر}. قال: آدم.
وقوله: {حينٌ من الدّهر}. اختلف أهل التّأويل في قدر هذا الحين الّذي ذكره اللّه في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو أربعون سنةً؛ وقالوا: مكثت طينة آدم مصوّرةً لا تنفخ فيها الرّوح أربعين عامًا، فذلك قدر الحين الّذي ذكره اللّه في هذا الموضع؛ قالوا: ولذلك قيل: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا} لأنّه أتى عليه وهو جسمٌ مصوّرٌ لم تنفخ فيه الرّوح أربعون عامًا، فكان شيئًا، غير أنّه لم يكن شيئًا مذكورًا، قالوا: ومعنى قوله: {لم يكن شيئًا مذكورًا} لم يكن شيئًا له نباهةٌ ولا رفعةٌ، ولا شرفٌ، إنّما كان طينًا لازبًا وحمأً مسنونًا.
وقال آخرون: لا حدّ للحين في هذا الموضع، وقد يدخل هذا القول من أنّ اللّه أخبر أنّه أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر، وغير مفهومٍ في الكلام أن يقال: أتى على الإنسان حينٌ قبل أن يوجد، وقبل أن يكون شيئًا، وإذا أريد ذلك قيل: أتى حينٌ قبل أن يخلق، ولم يقل أتى عليه. وأمّا الدّهر في هذا الموضع، فلا حدّ له يوقف عليه). [جامع البيان: 23 / 529-530]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا محمّد بن عليّ بن دحيمٍ، أنبأ أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مورّقٍ العجليّ، عن أبي ذرٍّ رضي اللّه عنه، قال: قرأ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا حتّى ختمها، ثمّ قال: «إنّي أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السّماء وحقّ لها أن تئطّ ما فيها موضع قدر أربع أصابع إلّا ملكٌ واضعٌ جبهته ساجدًا للّه، واللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا وما تلذّذتم بالنّساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى اللّه تعالى، واللّه لوددت أنّي شجرةٌ تعضد» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2 / 554]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن عمر قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل واستفهم فقال: يا رسول الله فضلتم علينا بالألوان والصور والنبوة أفرأيت إن آمنت به وعملت بمثل ما عملت به إني لكائن معك في الجنة قال: نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام ثم قال: من قال لا إله إلا الله كان له عهد عند الله ومن قال: سبحان الله وبحمده كتبت له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة ونزلت عليه هذه السورة {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} إلى قوله: {وملكا كبيرا} فقال الحبشي: وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة قال: نعم فاشتكى حتى فاضت نفسه، قال ابن عمر: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيده). [الدر المنثور: 15 / 142-143]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن محمد بن مطرف قال: حدثني الثقة أن رجلا أسود كان يسأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن التسبيح والتهليل فقال له عمر بن الخطاب: مه أكثرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مه يا عمر وأنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} حتى إذا أتى على ذكر الجنة زفر الأسود زفرة خرجت نفسه فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: مات شوقا إلى الجنة). [الدر المنثور: 15 / 143]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن وهب عن ابن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه السورة {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} وقد أنزلت عليه وعنده رجل أسود فلما بلغ صفة الجنان زفر زفرة فخرجت نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرج نفس صاحبكم الشوق إلى الجنة). [الدر المنثور: 15 / 143]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه عن أبي ذر قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} حتى ختمها ثم قال: إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق له أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا ملك واضع جبهته ساجدا لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش لخرجتم إلى الصعدات تجارون). [الدر المنثور: 15 / 144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} قال: الإنسان أتى عليه حين من الدهر {لم يكن شيئا مذكورا} قال: إنما خلق الإنسان ههنا حديثا ما يعلم من خليقة الله خليقة كانت بعد إلا هذا الإنسان). [الدر المنثور: 15 / 144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المبارك وأبو عبيد في فضائله، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه سمع رجلا يقرأ {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} فقال عمر: ليتها تمت). [الدر المنثور: 15 / 144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن مسعود أنه سمع رجلا يتلو هذه الآية {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} فقال ابن مسعود: يا ليتها تمت فعوتب في قوله: هذا فأخذ عودا من الأرض فقال: يا ليتني كنت مثل هذا). [الدر المنثور: 15 / 145]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} قال: إن آدم آخر ما خلق من الخلق). [الدر المنثور: 15 / 145]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {هل أتى على الإنسان} قال: كل إنسان). [الدر المنثور: 15 / 145]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: إن من الحين حينا لا يدرك، قال الله: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} والله ما يدري كم أتى عليه حتى خلقه الله). [الدر المنثور: 15 / 145]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه تلا هذه الآية {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} قال: أي وعزتك يا رب فجعلته سميعا بصيرا وحيا وميتا). [الدر المنثور: 15 / 145]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله أمشاج نبتليه قال الأمشاج إذا اختلط الماء والدم ثم كان علقة ثم كان مضغة). [تفسير عبد الرزاق: 2/336]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({أمشاجٍ} [الإنسان: 2] : الأخلاط، ماء المرأة وماء الرّجل، الدّم والعلقة، ويقال: إذا خلط مشيجٌ كقولك: خليطٌ، وممشوجٌ مثل: مخلوطٍ). [صحيح البخاري: 6 / 164]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أمشاجٍ الأخلاط ماء المرأة وماء الرّجل الدّم والعلقة ويقال إذا خلط مشيجٌ كقولك خليطٌ وممشوجٌ مثل مخلوطٍ هو قول الفرّاء قال في قوله أمشاجٍ نبتليه وهو ماء المرأة وماء الرّجل والدّم والعلقة ويقال للشّيء من هذا إذا خلط مشيجٌ كقولك خليط وممشوج كقولك مخلوط وأخرج بن أبي حاتمٍ من طريق عكرمة قال من الرّجل الجلد والعظم ومن المرأة الشّعر والدّم ومن طريق الحسن من نطفةٍ مشجت بدمٍ وهو دم الحيض ومن طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ أمشاجٍ قال مختلفة الألوان ومن طريق بن جريجٍ عن مجاهدٍ قال أحمر وأسود وقال عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة الأمشاج إذا اختلط الماء والدّم ثمّ كان علقةً ثمّ كان مضغةً وأخرج سعيد بن منصورٍ عن بن مسعودٍ قال الأمشاج العروق). [فتح الباري: 8 / 684]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (أمشاجٍ: الأخلاط ماء المرأة وماء الرّجل الدّم، والعلقة. ويقال: إذا خلط مشيجٌ كقولك له خليطٌ وممشوجٌ مثل مخلوطٍ.
أشار به إلى قوله تعالى: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج} (الإنسان: 2) وفسّر: (الأمشاج) بقوله: (الأخلاط) والأمشاج جمع مشج بفتح الميم وكسرها وقال الثّعلبيّ: الأمشاج جمع وهو في معى الواحد لأنّه نعت للنطفة وهذا كما يقال: برمة أعشار، وثوب أخلاق. قوله: (ماء المرأة وماء الرجل) تفسير الأخلاط يختلط الماآن في الرّحم فيكون منهما جميعًا الولد وماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق، فأيّهما علا صاحبه كان الشّبه له كذا روي عن ابن عبّاس والحسن وعكرمة ومجاهد، والربيع. قوله: (الدّم والعلقة) ، تقديره ثمّ الدّم ثمّ العلقة ثمّ المضغة ثمّ اللّحم ثمّ العظم ينشئه الله تعالى خلقا آخر. قوله: (إذا خلط) يعني: إذا خلط شيء بشيء يقال له مشيج على وزن فعيل بمعنى ممشوج أي: مخلوط، يقال: مشجت هذا بهذا أي خلطته). [عمدة القاري: 19 / 270]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({أمشاج}) أي (الأخلاط) وهي (ماء المرأة وماء الرجل) يختلطان في الرحم فأيهما علا على الآخر كان الشبه له ثم ينتقل بعده من طور إلى طور ومن حال إلى حال وهي (الدم والعلقة) ثم المضعة ثم عظمًا يكسوه لحمًا ثم ينشئه خلقًا آخر.
وعند ابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال: من الرجل الجلد والعظم ومن المرأة الشعر والدم، وقيل إن الله تعالى جعل في النطفة أخلاطًا من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فعلى هذا يكون التقدير من نطفة ذات أمشاج وأمشاج نعت لنطفة ووقع الجمع صفة لمفرد لأنه في معنى الجمع لأن المراد بها مجموع مني الرجل والمرأة وكلٌّ منهما مختلف الأجزاء في الرقة والقوام والخواص ولذلك يصير كل جزء منهما مادّة عضو.
(ويقال إذا خلط) شيء بشيء (مشيج) بفتح الميم بوزن فعيل (كقولك له خليط) وسقط لفظ له لغير أبي ذر (وممشوج مثل مخلوط) ). [إرشاد الساري: 7 / 406-407]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه}. يقول تعالى ذكره: إنّا خلقنا ذرّيّة آدم من نطفةٍ، يعني: من ماء الرّجل وماء المرأة، والنّطفة: كلّ ماءٍ قليلٍ في وعاءٍ كان ذلك ركيّةً أو قربةً، أو غير ذلك، كما قال عبد اللّه بن رواحة:
هل أنت إلاّ نطفةٌ في شنّه
وقوله: {أمشاجٍ} يعني: أخلاطٌ، واحدها: مشجٌ ومشيجٌ، مثل خدنٍ وخدينٍ؛ ومنه قول رؤبة بن العجّاج:
يطرحن كلّ معجلٍ نشّاج
لم يكس جلدًا في دمٍ أمشاج
يقال منه: مشجت هذا بهذا: إذا خلطته به، وهو ممشوجٌ به ومشيجٌ: أي مخلوطٌ به، كما قال أبو ذؤيبٍ:
كأنّ الرّيش والفوقين منه = خلاف النّصل سيط به مشيج
واختلف أهل التّأويل في معنى الأمشاج الّتي عنى بها في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو اختلاط ماء الرّجل بماء المرأة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ وأبو هشامٍ الرّفاعيّ قالا: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ابن الأصبهانيّ، عن عكرمة، {أمشاجٍ نبتليه}. قال: ماء الرّجل وماء المرأة يمشج أحدهما بالآخر.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن ابن الأصبهانيّ، عن عكرمة، قال: ماء الرّجل وماء المرأة يختلطان.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا زكريّا، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ، قال: ماء المرأة وماء الرّجل يمشجان.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، قال: أخبرنا إسرائيل، عن السّدّيّ، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ، قال: ماء المرأة وماء الرّجل يختلطان.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: أخبرنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: إذا اجتمع ماء الرّجل وماء المرأة فهو أمشاجٌ.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا المبارك، عن الحسن، قال: مشج ماء المرأة مع ماء الرّجل.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، قال: أخبرنا عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ، قال: خلق اللّه الولد من ماء الرّجل وماء المرأة، وقد قال اللّه: {يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى}.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: خلق من تارات ماء الرّجل وماء المرأة.
وقال آخرون: أنّما عني بذلك: إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ ألوانٍ ينتقل إليها، يكون نطفةً، ثمّ يصير علقةً، ثمّ مضغةً، ثمّ عظمًا، ثمّ كسي لحمًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه} الأمشاج خلقٌ من ألوان، خلقٌ من ترابٍ، ثمّ من ماء الفرج والرّحم، وهي النّطفة، ثمّ علقةٍ، ثمّ مضغةٍ، ثمّ عظمٍ، ثمّ من لحمٍ، ثمّ أنشأه خلقًا آخر، فهو ذلك.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ، عن عكرمة، في هذه الآية {أمشاجٍ}. قال: نطفةٌ، ثمّ علقةٌ، ثمّ مضغةٌ، ثمّ عظمًا.
- حدّثنا الرّفاعيّ، قال: حدّثنا وهب بن جريرٍ ويعقوب الحضرميّ، عن شعبة، عن سماكٍ، عن عكرمة، قال: نطفةٌ، ثمّ علقةٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ} أطوار الخلق، طورًا نطفةً، وطورًا علقةً، وطورًا مضغةً، وطورًا عظامًا، ثمّ كسى اللّه العظام لحمًا، ثمّ أنشأه خلقًا آخر، أنبت له الشّعر.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {أمشاجٍ نبتليه}. قال: الأمشاج: اختلط الماء والدّم، ثمّ كان علقةً، ثمّ كان مضغةً.
وقال آخرون: عني بذلك اختلاف ألوان النّطفة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {أمشاجٍ نبتليه}. يقول: مختلفة الألوان.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: ألوان النّطفة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: أيّ الماءين سبق أشبه عليه أعمامه وأخواله.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {أمشاجٍ نبتليه} قال: ألوان النّطفة؛ نطفة الرّجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة حمراء وخضراء.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال آخرون: بل هي العروق الّتي تكون في النّطفة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ وأبو هشامٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا المسعوديّ، عن عبد اللّه بن المخارق، عن أبيه، عن عبد اللّه، قال: أمشاجها: عروقها.
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، قال: حدّثنا أسامة بن زيدٍ، عن أبيه، قال: هي العروق الّتي تكون في النّطفة.
وأشبه هذه الأقوال بالصّواب قول من قال: معنى ذلك {من نطفةٍ أمشاجٍ}: نطفة الرّجل ونطفة المرأة، لأنّ اللّه وصف النّطفة بأنّها أمشاجٌ، وهي إذا انتقلت فصارت علقةً، فقد استحالت عن معنى النّطفة فكيف تكون نطفةً أمشاجًا وهي علقةٌ؟ وأمّا الّذين قالوا: إنّ نطفة الرّجل بيضاء وحمراء، فإنّ المعروف من نطفة الرّجل أنّها سحراء على ألوانٍ، وهي لونٌ واحدٌ، وهي بيضاء تضرب إلى الحمرة، وإذا كانت لونًا واحدًا لم تكن ألوانًا مختلطةً، وأحسب أنّ الّذين قالوا: هي العروق الّتي في النّطفة قصدوا هذا المعنى.
- وقد: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّما خلق الإنسان من الشّيء القليل من النّطفة، ألا ترى أنّ الولد إذا انتكث يرى له مثل الرّير؟ وإنّما خلق ابن آدم من مثل ذلك من النّطفة {أمشاجٍ نبتليه}.
وقوله: {نبتليه}: نختبره وكان بعض أهل العربيّة يقول: المعنى: جعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه، فهي مقدّمةٌ معناها التّأخير، إنّما المعنى خلقناه وجعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه، ولا وجه عندي لما قال يصحّ، وذلك أنّ الابتلاء إنّما هو بصحّة الآلات وسلامة العقل من الآفات، وإن عدم السّمع والبصر، وإنّما إخباره إيّانا أنّه جعل لنا أسماعًا وأبصارًا في هذه الآية، فتذكيرٌ منه لنا بنعمه، وتنبيهٌ على موضع الشّكر؛ فأمّا الابتلاء فبالخلق مع صحّة الفطرة، وسلامة العقل من الآفة، كما قال: {وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون}.
وقوله: {فجعلناه سميعًا بصيرًا}. يقول تعالى ذكره: فجعلناه ذا سمعٍ يسمع به، وذا بصرٍ يبصر به، إنعامًا من اللّه على عباده بذلك، ورأفةً منه لهم، وحجّةً له عليهم). [جامع البيان: 23 / 531-537]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا قيس بن الربيع عن سعيد بن مسروق عن عكرمة قال الأمشاج ماء الرجل وماء المرأة مشج أحدهما بالآخر). [تفسير مجاهد: 2/711]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال يقول مشج ماء الرجل بماء المرأة فخلق منهن خلقا). [تفسير مجاهد: 2/712]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عبد الله بن مسعود قال: إذا جئناكم بحديث أتيناكم بتصديقه من كتاب الله إن النطفة تكون في الرحم أربعين ثم تكون مضغة أربعين فإذا أراد الله أن يخلق الخلق نزل الملك فيقول له اكتب فيقول ماذا أكتب فيقول: اكتب شقيا أو سعيدا ذكرا أو أنثى وما رزقه وأثره وأجله فيوحي الله بما يشاء ويكتب الملك ثم قرأ عبد الله {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه} ثم قال عبد الله: أمشاجها عروقها). [الدر المنثور: 15 / 145-146]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: {أمشاج} قال: العروق). [الدر المنثور: 15 / 146]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {من نطفة أمشاج} قال: من ماء الرجل وماء المرأة حين يختلطان). [الدر المنثور: 15 / 146]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: {من نطفة أمشاج} قال: هو نزول الرجل والمرأة يمشج بعضه ببعض). [الدر المنثور: 15 / 146]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {من نطفة أمشاج} قال: اختلاط ماء الرجل وماء المرأة إذا وقع في الرحم، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت أبا ذؤيب وهو يقول:
كأن الريش والفوقين منه = خلال النصل خالطه مشيج). [الدر المنثور: 15 / 146-147]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال مشج ماء الرجل بماء المرأة فصار خلقا). [الدر المنثور: 15 / 147]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الربيع قال: إذا اجتمع ماء الرجل وماء المرأة فهو أمشاج). [الدر المنثور: 15 / 147]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة قال: الأمشاج إذا اختلط الماء والدم ثم كان علقة ثم كان مضغة). [الدر المنثور: 15 / 147]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن في الآية قال: خلق من نطفة مشجت بدم وذلك الدم الحيض إذا حملت ارتفع الحيض). [الدر المنثور: 15 / 147]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {من نطفة أمشاج} قال: مختلفة الألوان). [الدر المنثور: 15 / 148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد {من نطفة أمشاج} قال: ألوان نطفة الرجل بيضاء وحمراء ونطفة المرأة خضراء وحمراء). [الدر المنثور: 15 / 148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الأمشاج الذي يخرج على أثر البول كقطع الأوتار ومنه يكون الولد). [الدر المنثور: 15 / 148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن زيد بن أسلم قال: الأمشاج العروق التي في النطفة). [الدر المنثور: 15 / 148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله: {من نطفة أمشاج} قال: ألوان الخلق). [الدر المنثور: 15 / 148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه} قال: طورا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة وطورا عظما {فكسونا العظام لحما} وذلك أشد ما يكون إلى كسي اللحم {ثم أنشأناه خلقا آخر} قال: أنبت له الشعر {فتبارك الله أحسن الخالقين} فأنباه الله مم خلقه وأنباه إنما بين ذلك ليبتليه بذلك ليعلم كيف شكره ومعرفته لحقه فبين الله له ما أحل له وما حرم عليه ثم قال: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا} لنعم الله {وإما كفورا} بها). [الدر المنثور: 15 / 148]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: الأمشاج منه العظام والعصب والعروق من الرجل واللحم والدم والشعر من المرأة). [الدر المنثور: 15 / 149]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن عكرمة في قوله: {أمشاج} قال: الظفر والعظم والعصب من الرجل واللحم والشعر من المرأة). [الدر المنثور: 15 / 149]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا (3) إنّا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالاً وسعيرًا}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {إنّا هديناه السّبيل} إنّا بيّنّا له طريق الجنّة، وعرّفناه سبيله، إن شكر، أو كفر. وإذا وجّه الكلام إلى هذا المعنى، كانت إمّا وإمّا في معنى الجزاء. وقد يجوز أن تكون {إمّا} وإمّا بمعنى واحدٍ، كما قال: {إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم} فيكون قوله: {إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا} حالاً من الهاء الّتي في هديناه؛ فيكون معنى الكلام إذا وجّه ذلك إلى هذا التّأويل: إنّا هديناه السّبيل، إمّا شقيًّا وإمّا سعيدًا.
وكان بعض نحويّ البصرة يقول ذلك كما قال: {إمّا العذاب وإمّا السّاعة} كأنّك لم تذكر إمّا؛ قال: وإن شئت ابتدأت ما بعدها فرفعته.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {إنّا هديناه السّبيل}. قال: الشّقوة والسّعادة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكرًا} للنّعم {وإمّا كفورًا}: لها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه} إلى {إنّا هديناه السّبيل}. قال: ننظر أيّ شيءٍ يصنع، أيّ الطّريقين يسلك، وأيّ الأمرين يأخذ، قال: وهذا الاختبار). [جامع البيان: 23 / 537-538]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه} قال: طورا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة وطورا عظما {فكسونا العظام لحما} وذلك أشد ما يكون إلى كسي اللحم {ثم أنشأناه خلقا آخر} قال: أنبت له الشعر {فتبارك الله أحسن الخالقين} فأنباه الله مم خلقه وأنباه إنما بين ذلك ليبتليه بذلك ليعلم كيف شكره ومعرفته لحقه فبين الله له ما أحل له وما حرم عليه ثم قال: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا} لنعم الله {وإما كفورا} بها). [الدر المنثور: 15 / 148] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة {إنا هديناه السبيل} قال: السبيل الهدى). [الدر المنثور: 15 / 149]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد {إنا هديناه السبيل} قال: الشقاوة والسعادة). [الدر المنثور: 15 / 149]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن عطية العوفي {إنا هديناه السبيل} قال: الخير والشر). [الدر المنثور: 15 / 149]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن المنذر، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولد يولد على الفطرة حتى يعبر عنه لسانه فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 15 / 149]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (ويقال: (سلاسلًا وأغلالًا) : ولم يجر بعضهم). [صحيح البخاري: 6 / 164]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله سلاسلا وأغلالًا في رواية أبي ذرٍّ ويقال سلاسلًا وأغلالًا قوله ولم يجر بعضهم هو بضمّ التّحتانيّة وسكون الجيم وكسر الرّاء بغير إشباعٍ علامةً للجزم وذكر عياضٌ أنّ في رواية الأكثر بالزّاي بدل الرّاء ورجّح الرّاء وهو الأوجه والمراد أنّ بعض القرّاء أجرى سلاسلًا وبعضهم لم يجرها أي لم يصرفها وهذا اصطلاحٌ قديمٌ يقولون للاسم المصروف مجرًى والكلام المذكور للفرّاء قال في قوله تعالى إنّا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا كتبت سلاسل بالألف وأجراها بعض القرّاء مكان الألف الّتي في آخرها ولم يجر بعضهم واحتج بان العرب قد تئبت الألف في النّصب وتحذفها عند الوصل قال وكلٌّ صوابٌ انتهى ومحصّل ما جاء من القراءات المشهورة في سلاسل التّنوين وعدمه ومن لم ينوّن منهم من يقف بألفٍ وبغيرها فنافعٌ والكسائيّ وأبو بكر بن عيّاشٍ وهشام بن عمار قرؤوا بالتّنوين والباقون بغير تنوينٍ فوقف أبو عمرٍو بالألف ووقف حمزة بغير ألفٍ وجاء مثله في رواية عن بن كثير وعن حفص وبن ذكوان الوجهان أمّا من نوّن فعلى لغة من يصرف جميع ما لا ينصرف حكاها الكسائيّ والأخفش وغيرهما أو على مشاكلة أغلالًا
وقد ذكر أبو عبيدة أنّه رآها في إمام أهل الحجاز والكوفة سلاسلا بالألف وهذه حجّة من وقف بالألف إتباعًا للرّسم وما عدا ذلك واضحٌ واللّه أعلم). [فتح الباري: 8 / 684-685]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (سلاسلاً. وأغلالاً
أشار به إلى قوله تعالى: {إنّا أعتدنا للكافرين سلاسلا وإغلالاً وسعيرا} عندنا هيأنا. والسلاسل جمع سلسلة كل سلسلة سبعون ذراعا والأغلال جمع غل بالضّمّ، فالسلاسل في أعناقهم والأغلال في أيديهم والسعير يوقدون فيه لا يطفى، وقيل: السلاسل القيود، وقرأ نافع والكسائيّ وأبو بكر عن عاصم: سلاسلاً، بالتّنوين وهي رواية هشام عن أهل الشّام، وقرأ حمزة وخلف وحفص وابن كثير وأبو عمرو بالفتحة بلا تنوين.
ولم يجر بعضهم
بضم الياء وسكون الجيم وبالراء من الإجراء أراد به لم يصرف بعضهم سلاسل، يعني: لا يدخلون فيه التّنوين، وهذا على الاصطلاح القديم، يقولون: اسم مجرى واسم غير مجرى، يعني: اسم مصروف واسم لا ينصرف، وذكر عياض أنه في رواية الأكثرين: لم يجز، بالزاي أي بدل الرّاء، وقال بعضهم: وهو إلاّ الأجه ولم يبين وجه إلاّ الأوجهية بل بالراء أوجه على ما لا يخفى). [عمدة القاري: 19 / 270-271]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (ويقال) ولأبي ذر في نسخة ويقرأ (سلاسلًا وأغلالًا) بتنوين سلاسلًا وأغلالًا وهي قراءة نافع وهشام وأبي بكر والكسائي للتناسب لأن ما قبله وما بعده منوّن منصوب، وقال الكسائي وغيره من أهل الكوفة إن بعض العرب يصرفون جميع ما لا ينصرف إلا أفعل التفضيل، وعن الأخفش يصرفون مطلقًا وهم بنو أسد لأن الأصل في الأسماء الصرف وترك الصرف لعارض فيها وإن هذا الجمع قد يجمع وإن كان قليلًا قالوا صواحب وصواحبات فلما جمع شابه المفرد فانصرف.
(ولم يجزه بعضهم) بضم الياء وكسر الجيم وبعد الزاي الساكنة هاء أي لم يجز التنوين بعضهم كذا في الفرع وسقطت الهاء في غيره وفي اليونينية بالراء بدل الزاي وسكون الجيم وضبطه في الفتح بالراء المكسورة من غير هاء. قال: والمراد أن بعض القراء أجرى سلاسل وبعضهم لم يجرها أي لم يصرفها. قال: وهو اصطلاح قديم يقولون للاسم المصروف مجرى، قال: وذكر عياض أن في رواية الأكثر بالزاي وهو الأوجه، وقال العيني: لم يبين وجه الأوجهية بل الراء أوجه على ما لا يخفى وفي البرماوي ولم يجز بعضهم بجيم مكسورة وزاي من الجواز وعند الأصيلي ولم يجر براء مشددة أي لم يصرفه، وقال في الكشاف فأغلظ وأساء، إن صاحب هذه القراءة ممن ضري برواية الشعر ومرن لسانه على صرف ما لا ينصرف. قال في الانتصاف: هو يعني الزمخشري يرى أن القراءات المستفيضة غير موقوفة على النقل والتواتر وجعل التواتر من جملة غلط اللسان والحق أنها متواترة عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- وهي لغة من صرف في منثور الكلام جميع ما لا ينصرف إلا أفعل والقراءات تشتمل على اللغات المختلفة). [إرشاد الساري: 7 / 407]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّا أعتدنا للكافرين سلاسل}. يقول تعالى ذكره: إنّا أعتدنا لمن كفر نعمتنا وخالف أمرنا سلاسل يستوثق بها منهم شدًّا في الجحيم. {وأغلالاً}. يقول: وتشدّ بالأغلال فيها أيديهم إلى أعناقهم.
وقوله: {وسعيرًا}. يقول: ونارًا تسعّر عليهم فتتوقّد). [جامع البيان: 23 / 538]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافورًا (5) عينًا يشرب بها عباد اللّه يفجّرونها تفجيرًا}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين برّوا بطاعتهم ربّهم في أداء فرائضه، واجتناب معاصيه، يشربون من كأسٍ، وهو كلّ إناءٍ كان فيه شرابٌ. {كان مزاجها}. يقول: كان مزاج ما فيها من الشّراب. {كافورًا} يعني: في طيب رائحتها كالكافور، وقد قيل: إنّ الكافور اسمٌ لعين ماءٍ في الجنّة؛ فمن قال ذلك، جعل نصب العين على الرّدّ على الكافور، تبيانًا عنه، ومن جعل الكافور صفةً للشّراب نصبها على العين على الحال، وجعل خبر (كان) قوله: {كافورًا} وقد يجوز نصب العين من وجهٍ ثالثٍ، وهو نصبها بإعمال يشربون فيها فيكون معنى الكلام: إنّ الأبرار يشربون عينًا يشرب بها عباد اللّه، من كأسٍ كان مزاجها كافورًا، وقد يجوز أيضًا نصبها على المدح. فأمّا عامّة أهل التّأويل فإنّهم قالوا: الكافور صفةٌ للشّراب على ما ذكرت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {مزاجها كافورًا}. قال: تمزج.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافورًا}. قال: قومٌ تمزج لهم بالكافور، وتختم لهم بالمسك). [جامع البيان: 23 / 538-539]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} قال: تمزج به {عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا} قال: يقودونها حيث يشاؤوا). [الدر المنثور: 15 / 150]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} قال: قوم يمزج لهم بالكافور ويختم لهم بالمسك {عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا} قال: يستفيد ماؤهم يفجرونها حيث شاؤوا). [الدر المنثور: 15 / 150]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة {كان مزاجها} قال طعمها: {يفجرونها تفجيرا} قال: الأنهار يجرونها حيث شاؤوا). [الدر المنثور: 15 / 150]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال: لما صدر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالأسارى عن بدر أنفق سبعة من المهاجرين على أسارى مشركي بدر منهم أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن وسعد وأبو عبيدة بن الجراح فقالت الأنصار: قتلناهم في الله وفي رسوله وتوفونهم بالنفقة فأنزل الله فيهم تسع عشرة آية {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} إلى قوله: {عينا فيها تسمى سلسبيلا}). [الدر المنثور: 15 / 151-152]

تفسير قوله تعالى: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {عينًا يشرب بها عباد اللّه}. يقول تعالى ذكره: كان مزاج الكأس الّتي يشرب بها هؤلاء الأبرار كالكافور في طيب رائحته من عينٍ يشرب بها عباد اللّه الّذين يدخلهم الجنّة. والعين على هذا التّأويل نصب على الحال من الهاء الّتي في مزاجها ويعني بقوله: {يشرب بها عباد اللّه} يروى بها وينتفع. وقيل: يشرب بها ويشربها بمعنى واحدٍ. وذكر الفرّاء أنّ بعضهم أنشده:
شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت = متى لججٍ خضرٍ لهنّ نئيج
وعني بقوله: (متى لججٍ) من، ومثله: إنّه يتكلّم بكلامٍ حسنٍ، ويتكلّم كلامًا حسنًا.
وقوله: {يفجّرونها تفجيرًا}. يقول تعالى ذكره يفجّرون تلك العين الّتي يشربون بها كيف شاءوا وحيث شاءوا من منازلهم وقصورهم تفجيرًا، ويعني بالتّفجير: الإسالة والإجراء.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {يفجّرونها تفجيرًا}. قال: يعدّلونها حيث شاءوا.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {يفجّرونها تفجيرًا}. قال: يقودونها حيث شاءوا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {يفجّرونها تفجيرًا}. قال: مستقيدٌ ماؤها لهم يفجّرونها حيث شاءوا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، {يفجّرونها تفجيرًا}. قال: يصرّفونها حيث شاءوا). [جامع البيان: 23 / 539-541]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة {كان مزاجها} قال طعمها: {يفجرونها تفجيرا} قال: الأنهار يجرونها حيث شاؤوا). [الدر المنثور: 15 / 150] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن ابن إسحاق قال في قراءة عبد الله: كأسا صفرا كان مزاجها). [الدر المنثور: 15 / 150]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ابن شوذب في قوله: {يفجرونها تفجيرا} قال: معهم قضبان ذهب يفجرون بها تتبع قضبانهم). [الدر المنثور: 15 / 150-151]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربع عيون في الجنة عينان تجريان من تحت العرش إحداهما التي ذكر الله {يفجرونها تفجيرا} والأخرى الزنجبيل وعينان نضاختان من فوق إحداهما التي ذكر الله سلسبيلا والأخرى التسنيم). [الدر المنثور: 15 / 163] (م)

تفسير قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله يوفون بالنذر قال بطاعة الله والصلاة والصوم والحج والعمرة). [تفسير عبد الرزاق: 2/336]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن زيد بن رفيع عن أبي عبيدة بن عبد الله عن ابن مسعود أنه قال إن النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخره ولكن الله يستخرج به من البخيل ولا وفاء لنذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين). [تفسير عبد الرزاق: 2/336]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({مستطيرًا} [الإنسان: 7] : ممتدًّا البلاء). [صحيح البخاري: 6 / 164]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله مستطيرًا ممتدًّا البلاء هو كلام الفرّاء أيضًا وزاد والعرب تقول استطار الصّدع في القارورة وشبهها واستطال وروى بن أبي حاتمٍ من طريق سعيدٍ عن قتادة قال استطار واللّه شرّه حتّى ملأ السّماء والأرض ومن طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ مستطيرًا قال فاشيًا). [فتح الباري: 8 / 685]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (مستطيرا ممتدا البلا
أشار به إلى قوله تعالى: {ويخافون يومًا كان شره مستطيرا} (الإنسان: 7) وفسره بقوله: (ممتدا البلاء) وكذا فسره الفراء، ويقال: ممتدا فاشيا، يقال: استطار الصدع في الزجاجة واستطال إذا اشتدّ). [عمدة القاري: 19 / 271]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({مستطيرًا}) قال الفرّاء (ممتدًّا) والشر (البلاء) والشدة). [إرشاد الساري: 7 / 407]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوفون بالنّذر ويخافون يومًا كان شرّه مستطيرًا (7) ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا (8) إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الأبرار الّذين يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافورًا، برّوا بوفائهم للّه بالنّذور الّتي كانوا ينذرونها في طاعة اللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {يوفون بالنّذر}. قال: إذا نذروا في حقّ اللّه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يوفون بالنّذر} قال: كانوا ينذرون طاعة اللّه من الصّلاة والزّكاة، والحجّ والعمرة، وما افترض عليهم، فسمّاهم اللّه بذلك الأبرار، فقال: {يوفون بالنّذر ويخافون يومًا كان شرّه مستطيرًا}.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {يوفون بالنّذر}. قال: بطاعة اللّه، وبالصّلاة، والحجّ، والعمرة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، قوله: {يوفون بالنّذر}. قال: في غير معصيةٍ.
وفي الكلام محذوفٌ اجتزئ بدلالة الكلام عليه منه، وهو كان ذلك. وذلك أنّ معنى الكلام: إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافورًا، كانوا يوفون بالنّذر، فترك ذكر كانوا لدلالة الكلام عليها؛ والنّذر: هو كلّ ما أوجبه الإنسان على نفسه من فعلٍ، ومنه قول عنترة:
الشّاتمي عرضي ولم أشتمهما = والنّاذرين إذا لم القهما دمي
وقوله: {ويخافون يومًا كان شرّه مستطيرًا}. يقول تعالى ذكره: ويخافون عقاب اللّه بتركهم الوفاء بما نذروا للّه من برٍّ في يومٍ كان شرّه مستطيرًا، ممتدًّا طويلاً فاشيًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ويخافون يومًا كان شرّه مستطيرًا} استطاروا اللّه شرّ ذلك اليوم حتّى ملأ السّموات والأرض وأمّا رجلٌ يقول عليه نذرٌ أن لا يصل رحمًا، ولا يتصدّق، ولا يصنع خيرًا، فإنّه لا ينبغي أن يكفّر عنه، ويأبى ذلك.
ومنه قولهم: استطار الصّدع في الزّجاجة واستطال: إذا امتدّ، ولا يقال ذلك في الحائط؛ ومنه قول الأعشى:
فبانت وقد أثأرت في الفؤا = د صدعًا على نأبها مستطيرا
يعني: ممتدًّا فاشيًا). [جامع البيان: 23 / 541-543]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة {يوفون بالنذر} قال: كانوا يوفون بطاعة الله من الصلاة والزكاة والحج والعمرة وما افترض عليهم فسماهم الله الأبرار لذلك فقال: {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} قال: استطاروا لله شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض). [الدر المنثور: 15 / 151]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {يوفون بالنذر} قال: إذا نذروا في حق الله). [الدر المنثور: 15 / 151]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {يوفون بالنذر} قال: كل نذر في شكر). [الدر المنثور: 15 / 151]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق في المصنف والطبراني عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النّبيّ فقال: إني نذرت أن أنحر نفسي فشغل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذهب الرجل فوجد يريد أن ينحر نفسه فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعل في أمتي من وفي بالنذر ويخاف {يوما كان شره مستطيرا} أهد مائة ناقة). [الدر المنثور: 15 / 151]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كان شره مستطيرا} قال: فاشيا). [الدر المنثور: 15 / 152]

تفسير قوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثنا محمد بن مسلم عن ابن أبي نجيح
[الجامع في علوم القرآن: 2/102]
عن مجاهد في قول الله: {يتيما وأسيرا}، قال: الأسير: المسجون). [الجامع في علوم القرآن: 2/103]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وأسيرا قال كان أسيرهم يومئذ المشرك فأخوك المسلم أحق أن تطعمه). [تفسير عبد الرزاق: 2/336]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى وأسيرا قال هو المسجون). [تفسير عبد الرزاق: 2/336]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله وأسيرا قال هو المشرك). [تفسير عبد الرزاق: 2/337]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون} سمعت مجاهدًا يقول: كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى الأشعري أن ابتاع لي جاريةً من سبي جلولاء، ثمّ افتتح سعدٌ مدائن كسرى. قال: فدعاها عمر قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وأعتقها عمر وهي مثل قوله: {ويطعمون الطّعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} ومثل قوله عزّ وجلّ: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 76-77] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينًا}. يقول تعالى ذكره: كان هؤلاء الأبرار يطعمون الطّعام على حبّهم إيّاه، وشهوتهم له.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ويطعمون الطّعام على حبّه}. قال: وهم يشتهونه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا أبو العريان، قال: سألت سليمان بن قيسٍ أبا مقاتل بن سليمان عن قوله: {ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينًا}. قال: على حبّهم للطّعام.
وقوله: {مسكينًا}. يعني جلّ ثناؤه بقوله: {مسكينًا}: ذوي الحاجة الّذين قد أذلّتهم الحاجة {ويتيمًا} وهو الطّفل الّذي قد مات أبوه ولا شيء له {وأسيرًا} وهو الحربيّ من أهل دار الحرب يؤخذ قهرًا بالغلبة، أو من أهل القبلة يؤخذ فيحبس بحقٍّ؛ فأثنى اللّه على هؤلاء الأبرار بإطعامهم هؤلاء تقرّبًا بذلك إلى اللّه وطلب رضاه، ورحمةً منهم لهم.
واختلف أهل العلم في الأسير الّذي ذكره اللّه في هذا الموضع، فقال بعضهم: بما: حدّثنا به بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا}. قال: لقد أمر اللّه بالأسراء أن يحسن إليهم، وإنّ أسراهم يومئذٍ لأهل الشّرك.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {وأسيرًا}. قال: كان أسراهم يومئذٍ المشرك، وأخوك المسلم أحقّ أن تطعمه.
- قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرٍو، أنّ عكرمة، قال في قوله: {ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا}. زعم أنّه قال: كان الأسرى في ذلك الزّمان المشرك.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن مسعدة، قال: حدّثنا أشعث، عن الحسن، {ويتيمًا وأسيرًا}. قال: ما كان أسراؤهم إلاّ المشركين.
وقال آخرون: عني بذلك: المسجون من أهل القبلة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الأسير: المسجون.
- حدّثني أبو شيبة بن أبي شيبة، قال: حدّثنا عمر بن حفصٍ، قال: حدّثني أبي عن حجّاجٍ، قال: حدّثني عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: {مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا} من أهل القبلة وغيرهم، فسألت عطاءً، فقال مثل ذلك.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ الرّمليّ، حدّثنا يحيى - يعني ابن عيسى -، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وأسيرًا}. قال: الأسير: هو المحبوس.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه وصف هؤلاء الأبرار بأنّهم كانوا في الدّنيا يطعمون الأسير، والأسير الّذي قد وصفت صفته؛ واسم الأسير قد يشتمل على الفريقين، وقد عمّ الخبر عنهم أنّهم يطعمونهم، فالخبر على عمومه حتّى يخصّه ما يجب التّسليم له. وأمّا قول من قال: لم يكن لهم أسيرٌ يومئذٍ إلاّ أهل الشّرك، فإنّ ذلك وإن كان كذلك، فلم يخصّص بالخبر الموفون بالنّذر يومئذٍ، وإنّما هو خبرٌ من اللّه عن كلّ من كانت هذه صفته يومئذٍ وبعده إلى يوم القيامة، وكذلك الأسير معنيٌّ به أسير المشركين والمسلمين يومئذٍ، وبعد ذلك إلى قيام السّاعة). [جامع البيان: 23 / 545-546]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 8 - 23.
أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد في قوله: {ويطعمون الطعام على حبه} قال: وهم يشتهونه {وأسيرا} قال: هو المسجون {إنما نطعمكم لوجه الله} الآية قال: لم يقل القوم ذلك حين أطعموهم ولكن علم الله من قلوبهم فأثنى عليه به ليرغب فيه راغب). [الدر المنثور: 15 / 152]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن المنصور، وابن أبي شيبة، وابن مردويه عن الحسن قال: كان الأسارى مشركين يوم نزلت هذه الآية {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}). [الدر المنثور: 15 / 153]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: لقد أمر الله بالأسارى أن يحسن إليهم وأنهم يومئذ لمشركون فوالله لأخوك المسلم أعظم عليك حرمة وحقا). [الدر المنثور: 15 / 153]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد في غريب الحديث والبيهقي في شعب الإيمان في قوله: {وأسيرا} قال: لم يكن الأسير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من المشركين.
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال: لم يكن النّبيّ صلى الله عليه وسلم يأسر أهل الإسلام ولكنها نزلت في أسارى أهل الشرك كانوا يأسرونهم في الفداء فنزلت فيهم فكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يأمر بالإصلاح لهم). [الدر المنثور: 15 / 153]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وأسيرا} قال: هو المشرك). [الدر المنثور: 15 / 153]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله: {وأسيرا} قال: ما أسرت العرب من الهند وغيرهم فإذا حبسوا فعليكم أن تطعموهم وتسقوهم حتى يقتلوا أو يفدوا). [الدر المنثور: 15 / 153-154]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين قال: كنت مع شقيق بن سلمة فمر عليه أسارى من المشركين فأمرني أن أتصدق عليهم ثم تلا هذه الآية {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}). [الدر المنثور: 15 / 154]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير وعطاء {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} قالا: من أهل القبلة وغيرهم). [الدر المنثور: 15 / 154]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن أبي سعيد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله الله: {مسكينا} قال: فقيرا {ويتيما} قال: لا أب له {وأسيرا} قال: المملوك والمسجون). [الدر المنثور: 15 / 154]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ويطعمون الطعام على حبه} الآية قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 15 / 154]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن أم الأسود سرية الربيع بن خيثم قالت: كان الربيع يعجبه السكر يأكله فإذا جاء السائل ناوله فقلت: ما يصنع بالسكر الخبز له خير قال: إني سمعت الله يقول: {ويطعمون الطعام على حبه}). [الدر المنثور: 15 / 154-155]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن سالم الأفطس عن مجاهد في قوله تعالى إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا قال لم يقله القوم الذين أطعموا ولكن علمه الله منهم فأثنى به عليهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/337]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّما نطعمكم لوجه اللّه}. يقول تعالى ذكره: يقولون: إنّما نطعمكم إذا هم أطعموهم لوجه اللّه، يعنون طلب رضا اللّه، والقربة إليه، {لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا}. يقولون للّذين يطعمونهم ذلك الطّعام: لا نريد منكم أيّها النّاس على إطعامناكم ثوابًا ولا شكورًا.
وفي قوله: {ولا شكورًا} وجهان من المعنى: أحدهما أن يكون جمع الشّكر كما الفلوس جمع فلسٍ، والكفور جمع كفرٍ. والآخر: أن يكون مصدرًا واحدًا في معنى جمعٍ، كما يقال: قعد قعودًا، وخرج خروجًا.
- وقد: حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن سالمٍ، عن مجاهدٍ، {إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا}. قال: أما إنّهم ما تكلّموا به، ولكن علمه اللّه من قلوبهم، فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغبٌ.
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا محمّد بن مسلم بن أبي الوضّاح، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، {إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا}. قال: أما واللّه ما قالوه بألسنتهم، ولكن علمه اللّه من قلوبهم، فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغبٌ). [جامع البيان: 23 / 546]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 8 - 23.
أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد في قوله: {ويطعمون الطعام على حبه} قال: وهم يشتهونه {وأسيرا} قال: هو المسجون {إنما نطعمكم لوجه الله} الآية قال: لم يقل القوم ذلك حين أطعموهم ولكن علم الله من قلوبهم فأثنى عليه به ليرغب فيه راغب). [الدر المنثور: 15 / 152] (م)

تفسير قوله تعالى: (إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى قمطريرا قال القمطرير تقبيض الجباه
قال معمر وناس يقولون القمطرير الشديد). [تفسير عبد الرزاق: 2/337]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (والقمطرير: الشّديد، يقال: يومٌ قمطريرٌ ويومٌ قماطرٌ، والعبوس والقمطرير والقماطر، والعصيب: أشدّ ما يكون من الأيّام في البلاء). [صحيح البخاري: 6 / 164]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله والقمطرير الشّديد يقال يوم قمطرير ويوم قماطر والعبوس والقمطرير والقماطر والعصيب أشد ما يكون من الأيّام في البلاء هو كلام أبي عبيدة بتمامه وقال الفرّاء قمطريرٌ أي شديدٌ ويقال يومٌ قمطريرٌ ويومٌ قماطرٌ وقال عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة القمطرير تقبيض الوجه قال معمر وقال يوم الشّديد). [فتح الباري: 8 / 685]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (والقمطرير الشّديد يقال يومٌ قمطرير ويومٌ قماطرٌ والعبوس والقمطرير والقماطر والعصيب أشدّ ما يكون من الأيّام في البلاء.
أشار به إلى قوله عز وجل: {إنّا نخاف من ربنا يومًا عبوسا قمطريرا} (الإنسان: 10) والباقي ظاهر، وقماطر، بضم القاف، وعن ابن عبّاس: العبوس: الضّيق، والقمطرير: الطّويل، وعن مجاهد القمطرير الّذي يقلص الوجوه ويقنص الحياة وما بين الأعين من شدته. وعن الكسائي، يقال: أقمطر اليوم وأزمهر قمطرارا وازمهرارا وهو الزّمهرير). [عمدة القاري: 19 / 271]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (والقمطرير) هو (الشديد) الكريه (يقال يوم قمطرير) شديد (ويوم قماطر) بضم القاف وبعد الميم ألف فطاء مكسورة فراء قال الشاعر:
ففروا إذا ما الحرب ثار غبارها = ولج بها اليوم الشديد القماطر
والقمطرير أصله كما قال الزجاج من اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها ورنت بأنفها (والعبوس) في قوله ({يومًا عبوسًا} [الدهر: 10] (والقمطرير) بفتح القاف (والقماطر) بضمها (والعصيب) في قوله: {يوم عصيب} (أشد ما يكون من الأيام في البلاء) وأطولها). [إرشاد الساري: 7 / 407]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّا نخاف من ربّنا يومًا عبوسًا قمطريرًا (10) فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسرورًا}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن هؤلاء القوم الّذين وصف صفتهم أنّهم يقولون لمن أطعموه من أهل الفاقة والحاجة: ما نطعمكم طعامًا نطلب منكم عوضًا على إطعامناكم ولا شكورًا، ولكنّا نطعمكم رجاءً منّا أن يؤمّننا ربّنا من عقوبته في يومٍ شديدٍ هوله، عظيمٍ أمره، تعبس فيه الوجوه من شدّة مكارهه، ويطول بلاء أهله، ويشتدّ. والقمطرير: هو الشّديد، يقال: هو يومٌ قمطريرٌ، أو يومٌ قماطر، ويومٌ عصيبٌ وعصبصبٌ، وقد اقمطرّ اليوم يقمطرّ اقمطرارًا، وذلك أشدّ الأيّام وأطوله في البلاء والشّدّة؛ ومنه قول بعضهم:
بني عمّنا هل تذكرون بلاءنا = عليكم إذا ما كان يومٌ قماطر
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل على اختلافٍ منهم في العبارة عن معناه، فقال بعضهم: هو أن يعبس أحدهم، فيقبض بين عينيه حتّى يسيل من بين عينيه مثل القطران.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مصعب بن سلاّمٍ التّميميّ، عن سعيدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {عبوسًا قمطريرًا}. قال: يعبس الكافر يومئذٍ حتّى يسيل من بين عينيه عرقٌ مثل القطران.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {يومًا عبوسًا قمطريرًا}. قال: القمطرير: المقبض بين عينيه.
- حدّثني سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن الصّلت، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عبّاسٍ، عن قوله: {قمطريرًا}. قال: يقبض ما بين العينين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {يومًا عبوسًا قمطريرًا}. قال: يقبض ما بين العينين.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّا نخاف من ربّنا يومًا عبوسًا قمطريرًا}. قال: يومٌ يقبض فيه الرّجل ما بين عينيه ووجهه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّا نخاف من ربّنا يومًا عبوسًا قمطريرًا}: عبست فيه الوجوه، وقبضت ما بين أعينها كراهية ذلك اليوم.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {قمطريرًا}. قال: تقبض فيه الجباه؛ وقومٌ يقولون: القمطرير: الشّديد.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: المقبض ما بين العينين.
- قال: وثنا وكيعٌ، عن عمر بن ذرٍّ، عن مجاهدٍ، قال: هو المقبض ما بين عينيه.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرٍو، عن عكرمة، قال: القمطرير: ما يخرج من جباههم مثل القطران، فيسيل على وجوههم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {قمطريرًا}. قال: يقبض الوجه بالبسور.
وقال آخرون: العبوس: الضّيّق، والقمطرير: الطّويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {عبوسًا}. يقول: ضيّقًا. وقوله: {قمطريرًا}. يقول: طويلاً.
وقال آخرون: القمطرير: الشّديد. ذكر من قال ذلك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في: {إنّا نخاف من ربّنا يومًا عبوسًا قمطريرًا}. قال: العبوس: الشّرّ، والقمطرير: الشّديد). [جامع البيان: 23 / 546-549]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يوما عبوسا} قال: ضيقا {قمطريرا} قال: طويلا). [الدر المنثور: 15 / 155]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {يوما عبوسا قمطريرا} قال: يقبض ما بين الأبصار). [الدر المنثور: 15 / 155]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر من طرق ابن عباس قال: القمطرير الرجل المنقبض ما بين عينيه ووجهه). [الدر المنثور: 15 / 155]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {يوما عبوسا قمطريرا} قال: الذي ينقبض وجهه من شدة الوجع، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول الشاعر وهو يقول:
ولا يوم الحسار وكان يوما * عبوسا في الشدائد قمطريرا
قال: أخبرني عن قوله: {ولا زمهريرا} قال: كذلك أهل الجنة لا يصيبهم حر الشمس فيؤذيهم ولا البرد، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الأعشى وهو يقول:
برهوهة الخلق مثل العتيق = لم تر شمسا ولا زمهريرا). [الدر المنثور: 15 / 155-156]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة {يوما عبوسا قمطريرا} قال: يوما تقبض فيه الحياة من شدته). [الدر المنثور: 15 / 156]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {يوما} قال: يوم القيامة {عبوسا} قال: العابس الشفتين {قمطريرا} قال: تقبض الوجوه بالسوء وفي لفظ انقباض ما بين عينيه ووجهه). [الدر المنثور: 15 / 156]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 06:43 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله تبارك وتعالى: {هل أتى على الإنسان حينٌ مّن الدّهر...} معناه: قد أتى على الإنسان حين من الدهر.
"وهل" قد تكون جحدا، وتكون خبرا. فهذا من الخبر؛ لأنك قد تقول: فهل وعظتك؟ فهل أعطيتك؟ تقرره بأنك قد أعطيته ووعظته والجحد أن تقول: وهل يقدر واحد على مثل هذا؟). [معاني القرآن: 3/213]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله تبارك وتعالى: {لم يكن شيئاً مّذكوراً...} يريد: كان شيئا، ولم يكن مذكورا. وذلك من حين خلقه الله من طين إلى أن نفخ فيه الروح). [معاني القرآن: 3/213]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({هل أتى على الإنسان} مجازها: قد أتى على الإنسان، ليس باستفهام ويخفق ذلك قول أبي بكر: ليتها كانت تمت فلم نبتل). [مجاز القرآن: 2/279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({هل أتى}: قد أتى). [غريب القرآن وتفسيره: 404]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({هل أتى على الإنسان} قال المفسرون: «أراد: قد أتي على الإنسان»). [تفسير غريب القرآن: 502]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (هل: تكون للاستفهام...، والمفسّرون يجعلونها في بعض المواضع بمعنى: «قد»، كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}، أي قد أتى وقوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، و: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}، و: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ}، و: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}؟. هذا كله عندهم بمعنى: (قد)). [تأويل مشكل القرآن: 538]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («الباء» مكان «من» تقول العرب: شربت بماء كذا وكذا، أي من ماء كذا. قال الله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}، و{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}. ويكون بمعنى يشربها عباد الله ويشرب منها.
قال الهذليّ وذكر السّحائب:
شربنَ بماءِ البحر ثم ترفَّعت = مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ
أي شربن من ماء البحر.
وقال عنترة:
شَرِبَت بماءِ الدُّحْرُضَينِ فَأَصْبَحَتْ = زَوْراءَ تَنْفِرُ عَن حِيَاضِ الدَّيْلَمِ
وقال عز وجل: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ}، أي من علم الله). [تأويل مشكل القرآن: 575-576](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {هل أتى على الإنسان حين من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا} المعنى ألم يأت على الإنسان حين من الدّهر، - وقد كان شيئا إلّا أنّه كان ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الروح فلم يكن قبل نفخ الروح فيه شيئا مذكورا، ويجوز أن يكون يعنى به جميع الناس، ويكون المعنى أنهم كانوا نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى أن صاروا شيئا مذكورا.
ومعنى {هل أتى}: قد أتى على الإنسان، أي ألم يأت على الإنسان حين من الدهر). [معاني القرآن: 5/257]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({هل أتى} أي: قد أتى). [ياقوتة الصراط: 547]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({هَلْ أَتَى} أي قد أتى). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 287]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({هَلْ أَتَى}: قد أتى). [العمدة في غريب القرآن: 327]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {أمشاجٍ نّبتليه...}. [معاني القرآن: 3/213]
الأمشاج: الأخلاط، ماء الرجل، وماء المرأة، والدم، والعلقة، ويقال للشيء من هذا إذا خلط: مشيج؛ كقولك: خليط، وممشوج، كقولك: مخلوط.
وقوله: {نّبتليه...} والمعنى والله أعلم: جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه، فهذه متقدّمة معناها التأخير، إنما المعنى: خلقناه وجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه). [معاني القرآن: 3/214]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أمشاجٍ} خلطين. قال رؤبة: من دمٍ أمشاج.
وقال أبو ذؤيب:
كأن الرّيش والفوقين منه = خلاف النّصل سيط به مشيج).
[مجاز القرآن: 2/279]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّا خلقنا الإنسان من نّطفةٍ أمشاجٍ نّبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً} قال: {أمشاجٍ} واحدها: "المشج"). [معاني القرآن: 4/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أمشاج}: أخلاط واحدها مشج ومشيج). [غريب القرآن وتفسيره: 404]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أمشاجٍ}: أخلاط، يقال: مشجته فهو مشيخ. يريد: اختلاط ماء الرجل بماء المرأة، {نبتليه}...: أي إنا جعلناه سمعيا بصيرا، لنبتليه بذلك). [تفسير غريب القرآن: 502]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا}
{أمشاج} أخلاط منيّ ودم، ثم ينقل من حال إلى حال.
وواحد الأمشاج [مشيج]، ومعنى نبتليه نختبره يدل عليه: {فجعلناه سميعا بصيرا} أي جعلناه كذلك لنختبره). [معاني القرآن: 5/257]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَمْشَاجٍ} أخلاط). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 287]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَمْشَاجٍ}: أخلاط). [العمدة في غريب القرآن: 327]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله تبارك وتعالى: {إنّا هديناه السّبيل...} وإلى السبيل، وللسبيل. كل ذلك جائز في كلام العرب.
يقول: {هديناه}: عرّفناه السبيل، شكر أو كفر، و(إما) ها هنا تكون جزاء، أي: إن شكر وإن كفر، وتكون على (إما) التي مثل قوله: {إما يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم} فكأنه قال: خلقناه شقيا أو سعيدا). [معاني القرآن: 3/214]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً} وقال: {إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً} كذلك {إمّا العذاب وإمّا السّاعة} كأنك لم تذكر "إمّا" وإن شئت ابتدأت ما بعدها فرفعته). [معاني القرآن: 4/40]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكرا وإمّا كفورا} معناه هديناه الطريق إما لشقوة وإما لسعادة). [معاني القرآن: 5/257]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {سلاسل وأغلالاً...} كتبت "سلاسل" بالألف، وأجراها بعض القراء لمكان الألف التي في أخرها. ولم يجر بعضهم. وقال الذي لم يجر: العرب تثبت فيما لا يجرى الألف في النصب، فإذا وصلوا حذفوا الألف، وكلٌّ صواب.
ومثل ذلك قوله: {كانت قواريراً} أثبتت الألف في الأولى؛ لأنها رأس آية، والأخرى ليست بآية.
- فكان ثبات الألف في الأولى أقوى لهذه الحجة، وكذلك رأيتها في مصحف عبد الله، وقرأ بها أهل البصرة، وكتبوها في مصاحفهم كذلك.
- وأهل الكوفة والمدينة يثبتون الألف فيهما جميعا، وكأنهم استوحشوا أن يكتب حرف واحد في معنًى نصب بكتابين مختلفين.
فإن شئت أجريتهما جميعا، وإن شئت لم تجرهما، وإن شئت أجريت الأولى لمكان الألف في كتاب أهل البصرة.
ولم تجر الثانية إذ لم يكن فيها الألف). [معاني القرآن: 3/214]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إنّا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا} الأجود في العربية ألا يصرف سلاسل، ولكن لما جعلت رأس آية صرفت ليكون آخر الآي على لفظ واحد). [معاني القرآن: 5/258]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً...}
يقال: إنها عين تسمى الكافور، وقد تكون كان مزاجها كالكافور لطيب ريحه، فلا تكون حينئذ اسماً، والعرب تجعل النصب في أي هذين الحرفين أحبوا.
قال حسان:
كأنّ خبيئةً من بيت رأسٍ = يكون مزاجها عسلٌ وماء
وهو أبين في المعنى: أن تجعل الفعل في المزاج، وإن كان معرفة، وكل صواب. تقول: كان سيدهم أبوك، وكان سيدهم أباك.
والوجه أن تقول: كان سيدهم أبوك؛ لأن الأب اسم ثابت والسيد صفة من الصفات). [معاني القرآن: 3/214-215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} الأبرار واحدهم برّ.
{يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} يجوز في اللغة أن يكون طعم الطيب فيها والكافور، وجائز أن يمزج بالكافور فلا يكون في ذلك ضرر لأن أهل الجنة لا يمسهم فيما يأكلون ويشربون ضرر ولا نصب.
و"الكأس" في اللغة: الإناء إذا كان فيه الشراب. فإذا لم يكن فيه الشراب لم يسم كأسا.
قال الشاعر:
صددت الكأس عنّا أمّ عمر = وكان الكأس مجراها اليمينا ).
[معاني القرآن: 5/258]

تفسير قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {عيناً...} إن شئت جعلتها تابعة للكافور كالمفسّرة، وإن شئت نصبتها على القطع من الهاء في {مزاجها}.
وقوله عز وجل: {يشرب بها...}، و"يشربها" سواء في المعنى، وكأن {يشرب بها}: يروى بها، وينقع. وأما "يشربونها" فبيّن.
وقد أنشدني بعضهم:
شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت = متى لججٍ خضرٍ لهنّ نئيج
ومثله: إنه ليتكلم بكلام حسن، ويتكلم كلاماً حسناً.
وقوله عز وجل: {يفجّرونها تفجيراً...} أيها أحب الرجل من أهل الجنة فجرها لنفسه). [معاني القرآن: 3/215]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({عيناً يشرب بها عباد اللّه يفجّرونها تفجيراً}
وقال: {عيناً يشرب بها عباد اللّه} فنصبه من ثلاثة أوجه:
- إن شئت فعلى قوله: {يشربون}، {عيناً}.
- وإن شئت فعلى {يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً}، {عيناً}.
- وإن شئت فعلى وجه المدح، كما يذكر لك الرجل فتقول أنت: "العاقل واللبيب" أي: ذكرت العاقل اللبيب.
على "أعني عيناً"). [معاني القرآن: 4/40-41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والباء تزاد في الكلام، والمعنى إلقاؤها؛ كقوله سبحانه: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}،وقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أي اسم ربك.
و{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أي يشربها). [تأويل مشكل القرآن: 248](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (هل: تكون للاستفهام...، والمفسّرون يجعلونها في بعض المواضع بمعنى: «قد»، كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}، أي قد أتى وقوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، و: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه: 9]، و: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ}، و: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}؟ .. هذا كله عندهم بمعنى: (قد) ). [تأويل مشكل القرآن: 538]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («الباء» مكان «من» تقول العرب: شربت بماء كذا وكذا، أي من ماء كذا. قال الله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}، و{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}. ويكون بمعنى يشربها عباد الله ويشرب منها.
قال الهذليّ وذكر السّحائب:
شربنَ بماءِ البحر ثم ترفَّعت = مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ
أي شربن من ماء البحر.
وقال عنترة:
شَرِبَت بماءِ الدُّحْرُضَينِ فَأَصْبَحَتْ = زَوْراءَ تَنْفِرُ عَن حِيَاضِ الدَّيْلَمِ
وقال عز وجل: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ}، أي من علم الله). [تأويل مشكل القرآن: 575-576](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {عينا يشرب بها عباد اللّه يفجّرونها تفجيرا}
{عينا} جائز أن يكون من صفة الكأس. والأجود أن يكون المعنى من عين.
قوله: {يفجّرونها تفجيرا}: معناه تجري لهم تلك العين كما يحبّون). [معاني القرآن: 5/258]

تفسير قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {يوفون بالنّذر...} [معاني القرآن: 3/215]
هذه من صفاتهم في الدنيا، كأن فيها إضمار كان: كانوا يوفون بالنذر.
وقوله عز وجل: {ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً...} ممتد البلاء، والعرب تقول: استطار الصدع في القارورة وشبهها، واستطال). [معاني القرآن: 3/216]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({شرّه مستطيراً} فاشياً). [مجاز القرآن: 2/279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كان شرّه مستطيراً} أي فاشيا منتشرا. يقال: استطار الحريق، إذا انتشر. واستطار الفجر: إذا انتشر الضوء). [تفسير غريب القرآن: 502]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {يوفون بالنّذر ويخافون يوما كان شرّه مستطيرا} معناه يبلغ أقصى المبالغ فيه). [معاني القرآن: 5/258]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُسْتَطِيراً} أي فاشيا منتشراً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 287]

تفسير قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينا ويتيما وأسيرا}
هذه الهاء تعود على الطعام، المعنى يطعمون الطعام أشد ما تكون حاجتهم إليه للمسكين، ووصفهم الله بالأثرة على أنفسهم.
{ويتيما وأسيرا} الأسير قيل كان في ذلك الوقت من الكفّار، وقد مدح من يطعم الأسير وهو كافر، فكيف بأسارى المسلمين. وهذا يدل على أن في إطعام أهل الحبوس ثوابا جزيلا، وأهل الحبوس أسراء). [معاني القرآن: 5/258-259]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً} [وقال] {ولا شكوراً} إن شئت جعلته جماعة "الشكر" وجعلت "الكفور" جماعة "الكفر" مثل "الفلس" و"الفلوس". وإن شئت جعلته مصدرا واحدا في معنى جميع مثل: "قعد قعودا" و"خرج خروجا"). [معاني القرآن: 4/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومما يزاد في الكلام: (الوجه)، يقول الله عز وجل: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أي: يريدونه بالدعاء. و{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} أي: إلا هو.
و{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي: فثمّ الله. و{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} أي: لله). [تأويل مشكل القرآن: 254](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الإسلام: هو الدخول في السّلم، أي: في الانقياد والمتابعة.
قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}أي: انقاد لكم وتابعكم. والاستسلام مثله. يقال: سلّم فلان لأمرك واستسلم وأسلم. أي دخل في السّلم. كما تقول: أشتى الرجل: إذا دخل في الشتاء، وأربع: دخل في الربيع، وأقحط: دخل في القحط. فمن الإسلام متابعة وانقياد باللّسان دون القلب. ومنه قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي: أنقذنا من خوف السيف. وكذلك قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} أي: انقاد له وأقرّ به المؤمن والكافر.
ومن الإسلام: متابعة وانقياد باللسان والقلب، ومنه قوله حكاية عن إبراهيم: {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}. وقوله: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} أي: انقدت لله بلساني وعقدي.
والوجه زيادة؛ كما قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، يريد: إلا هو. وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} أي لله.
قال زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية:
أسلمت وجهي لمن أسلمت = له المزن تحمل عذبا زلالا
أي: انقادت له المزن). [تأويل مشكل القرآن: 479-480]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} المعنى يقولون إنما نطعمكم لوجه اللّه، أي لطلب ثواب اللّه - عزّ وجلّ - وجائر أن يكونوا يطعمون ولا ينطقون هذا القول ولكن معناهم في أطعامهم هذا، فترجم ما في قلوبهم، وكذلك: {إنّا نخاف من ربّنا يوما عبوسا قمطريرا}). [معاني القرآن: 5/259]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {عبوساً قمطريراً...}. والقمطرير: الشديد، يقال: يوم قمطرير، ويوم قماطر، أنشدني بعضهم:
بني عمّنا، هل تذكرون بلاءنا = عليكم إذا ما كان قماطر).
[معاني القرآن: 3/216]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({عبوساً}: العبوس. و(القمطرير)، والقماطر والعصيب، والعصيب: أشد ما يكون من الأيام وطوله في البلاء). [مجاز القرآن: 2/279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({عبوسا قمطريرا}: العبوس المقبض ما بين العينين.
والقمطرير والعصيب: أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء). [غريب القرآن وتفسيره: 404]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يوماً عبوساً} أي يوما تعبس فيه الوجوه. فجعل "عبوسا" من صفة اليوم، كما قال: {في يومٍ عاصفٍ} [سورة إبراهيم آية: 18]، أراد: عاصف الريح.
و(القمطرير): الصعب الشديد. [يقال]: يوم قمطرير وقماطر، [إذا كان صعبا شديدا أشدّ ما يكون من الأيام، وأطوله في البلاء].
ويقال: المعبس الوجه). [تفسير غريب القرآن: 502]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({إنّا نخاف من ربّنا يوما عبوسا قمطريرا} العبوس الذي يعبّس الوجوه، وهذا مثل قوله: {ووجوه يومئذ باسرة}.
و{قمطريرا}، يقال يوم قمطرير ويوم قُماطر إذا كان شديدا غليظا، وجاء في التفسير أن {قمطريرا} معناه: تعبس فيجمع ما بين العينين، وهذا سائغ في اللغة؛ يقال اقمطرت النّاقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها ورمت بأنفها). [معاني القرآن: 5/259]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({عَبُوساً} أي يعبس فيه الوجه. (القمطرير): الصعب الشديد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 287]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({عَبُوسًا}: تقديراً.
{قَمْطَرِيرًا}: شديداً). [العمدة في غريب القرآن: 327]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 06:45 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومنها هَلْ وهي للاستفهام؛ نحو قولك: هل جاء زيد؟ وتكون بمنزلة قد في قوله عز وجل: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر}؛ لأنها تخرج عن حد الاستفهام، تدخل عليها حروف الاستفهام؛ نحو قولك: أم هل فعلت؟ وإن احتاج الشاعر إلى أن يلزمها الألف فعَلَ كما قال:
سائل فوارس يربوعٍ بشـدتـنـا = أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم).
[المقتضب: 1/181-182]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وهل تخرج من حد المسألة فتصير بمنزلة قد نحو: قوله عز وجل: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً} ). [المقتضب: 3/289]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} بموضع ما، وتكون استفهامًا وتكون خبرًا وتكون جزاء. وقد قال الفراء: تكون أمرًا. قال: وسمعت أعرابيًا يقول هل أنت ساكت، أي اسكت. مثله: {هل أنتم منتهون} ). [مجالس ثعلب: 588]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وهل حرف من الأضداد؛ تكون استفهاما عما يجهله الإنسان ولا يعلمه؛ فتقول: هل قام عبد الله؟ ملتمسا للعلم وزوال الشك، وتكون (هل) بمعنى (قد) في حال
العلم واليقين وذهاب الشك؛ فأما كونها على معنى الاستفهام فلا يحتاج فيه إلى شاهد، وأما كونها على معنى (قد)، فشاهده قول الله عز وجل: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر}، قال جماعة من أهل العلم: معناه قد أتى على الإنسان؛ والإنسان في هذا الموضع آدم صلى الله عليه. والحين أربعون سنة، كان جل وعز خلق صورة آدم ولم ينفخ فيه الروح أربعين سنة، فذلك قوله: {لم يكن شيئا مذكورا}. وقال النبي عليه السلام في بعض غزواته: ((اللهم هل بلغت))!، هل بلغت، فمعناه: قد بلغت.
وقال بعض أهل اللغة: إذا دخلت (هل) للشيء المعلوم فمعناها الإيجاب، والتأويل: ألم يكن كذا وكذا! على جهة التقرير والتوبيخ، من ذلك قوله جل وعز: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا}، ومنه أيضا: {فأين تذهبون}، لم يرد بهذين الاستفهامين حدوث هلم لم يكن؛ وإنما أريد بهما التقرير والتوبيخ، ومن ذلك قول العجاج:
أطربا وأنت قنسري = والدهر بالإنسان دواري
أراد بالتقرير. وأنشدنا ثعلب أبو العباس:
أحافرة على صلع وشيب = معاذ الله ذلك أن يكونا
وقول الله عز وجل: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}، معنى (هل) (قد) عند بعض الناس، والتأويل: قد امتلأت، فقالت جهنم مؤكدة، لقول الله عز وجل: {هل من مزيد}، أي ما من مزيد يا رب، فـ (هل) الثانية معناها الجحد، وهو معنى لها معروف يخالف المعنيين الأولين، قال الله عز وجل: {هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم}ـ معناه ما ينظرون؛ وقال الشاعر:
فهل أنتم إلا أخونا فتحدبوا = علينا إذا نابت علينا النوائب
وقال الآخر:
فهل أنا إلا من غزية إن غوت = غويت وإن ترشد غزية أرشد
وقال الآخر:
هل ابنك إلا ابن من الناس فاصبري = فلن يرجع الموتى حنين النوائح
معناه: ما ابنك إلا ابن من الناس. وأنشد الفراء:
فقلت لا بل ذاكما يا بيبا = أجدر إلا تفضحا وتحربا
هل أنت إلا ذاهب لتلعبا
معناه: ما أنت. وأنشد الفراء أيضا:

تقول إذا اقلولى وأقردت = ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم
وقال أبو الزوائد الأعرابي وتزوج امرأة فوجدها عجوزا:

عجوز ترجي أن تكون فتية = وقد لحب الجنبان واحدودب الظهر
تدس إلى العطار ميرة أهلها = وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
وما راعني إلا خضاب بكفها = وكحل بعينيها وأثوابها الصفر
وزوجتها قبل المحاق بليلة = فكان محاقا كله ذلك الشهر
فأجابته:

عدمت الشيوخ وأبغضهم = وذلك من بعض أفعاليه
ترى زوجة الشيخ مغبرة = وتضحي لصحبته قاليه
فلا بارك الله في له = ولا في غضون استه الباليه
وقال بعض الناس: معنى الآية: {يوم نقول لخزنة جهنم هل امتلأت، وتقول الخزنة هل من مزيد؟}، فحذف (الخزنة) وأقيمت (جهنم) مقامهم؛ كما تقول العرب: استتب المجلس، وهم يريدون أهل المجلس، وكما يقولون: يا خيل الله اركبي، وهم يريدون أهل المجلس، وكما يقولون: يا خيل الله اركبي، وهم يريدون يا فرسان خيل الله اركبوا
وقال بعض أهل العلم: لا يجوز هذا من (جهنم)، إلا بعقل يركبه الله عز وجل فيها، فتعرف به معنى الخطاب والرد، كما جعل للبعير عقلا، حتى سجد صلى الله عليه وسلم، وكما جعل للشجرة عقلا حتى أجابته عليه السلام حين دعاها.
وقال ثعلب: ظاهر الخطاب لجهنم؛ ومعنى التوبيخ لمن حضر ممن يستحق دخولها، كما قال جل اسمه: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}، لعيسى عليه السلام، وقد علم أنه ما قال هذا قط إلا ليوبخ الكفار بإكذاب من ادعوا عليه هذه الدعوى الباطلة إياهم). [كتاب الأضداد: 191-195]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
كأن الريش والفوقين منه = خلاف النصل سيط به مشيج
...
(مشيج) دم مختلط بماء وفرث من بطن الرمية.
...
وهو من قول الله عز وجل: {أمشاج} (مشج مشجا) خلط خلطا). [شرح أشعار الهذليين: 2/619]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومن التشبيه الحسن قول الشاعر:
كأن المتن والشرخين منه = خلاف النصل سيط به مشيج
يريد سهمًا رمي به فأنفذ الرمية وقد اتصل به دمها، والمتن: متن السهم، وشرخ كل شيء: حده، فأراد شرخي الفوق، وهما حرفاه. والمشيج: اختلاط الدم بالنطفة، وهذا أصله، قال الشماخ:
طوت أحشاء مرتجة لوقت = على مشج سلالته مهين
وقال الله جل وعز: {مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ}. وفي الحديث: "اقتلوا مسان المشركين واستبقوا شرخهم"، أي الشباب، لأن الشرخ الحد، قال حسان بن ثابت:
إن شرخ الشباب والشعر الأس = ود ما لم يعاص كان جنونا
قال أبو العباس: وأنشدنا عمرو بن مرزوق. قال أنشدنا شعبة. قال: أنشدنا سماك بن حرب في هذا الحديث:
إن شرخ الشباب تألفه البيض = وشيب القذال شيء زهيد).
[الكامل: 2/1016-1017]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب: العنقر: ضرب من النبت. وفي قوله عز وجل: {أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} قال: أخلاط). [مجالس ثعلب: 6]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وإِمّا بالخبر بمنزلة أَو، وبينهما فصل.
وذلك أنك إذا قلت: جاءني زيد، أو عمرو، وقع الخبر في زيد يقينا حتّى ذكرت أَوْ فصار فيه وفي عمرو شكّ؛ وإِمّا تبتدئ بها شاكّاً. وذلك قولك: جاءني إمّا زيدٌ، وإمّا عمرو: أي: أحدهما. وكذلك وقوعها للتخيير؛ تقول: اضرب إمّا عبد الله، وإمّا خالدا. فالآمر لم يشكّ ولكنّه خيّر المأمور؛ كما كان ذلك في أَوْ. ونظيره قول الله عزّ وجلّ: {إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكراً وإمّا كفورا} وكقوله: {فإمّا منّا بعد وإمّا فداء} ). [المقتضب: 1/149]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب أمّا وإمّا
أما المفتوحة فإن فيها معنى المجازاة. وذلك قولك: أما زيدٌ فله درهم، وأما زيد فأعطه درهماً. فالتقدير: مهما يكن من شيءٍ فأعط زيدا درهماً، فلزمت الفاء الجواب؛ لما فيه من معنى الجزاء. وهو كلام معناه التقديم والتأخير. ألا ترى أنك تقول: أما زيدا فاضرب؛ فإن قدمت الفعل لم يجز؛ لأن أما في معنى: مهما يكن من شيء؛ فهذا لا يتصل به فعلٌ، وإنما حد الفعل أن يكون بعد الفاء. ولكنك تقدم الاسم؛ ليسد مسد المحذوف الذي هذا معناه، ويعمل فيه ما بعده. وجملة هذا الباب: أن الكلام بعد أما على حالته قبل أن تدخل إلا أنه لا بد من الفاء؛ لأنها جواب الجزاء؛ ألا تراه قال - عز وجل - {وأما ثمود فهديناهم} كقولك: ثمود هديناهم. ومن رأى أن يقول: زيدا ضربته نصب بهذا فقال: أما زيدا فاضربه. وقال: {فأما اليتيم فلا تقهر} فعلى هذا فقس هذا الباب. وأما إما المكسورة فإنها تكون في موضع أو، وذلك قولك: ضربت إما زيدا، وإما عمرا؛ لأن المعنى: ضربت زيدا أو عمرا، وقال الله عز وجل: {إما العذاب وإما الساعة} وقال: {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً}. فإذا ذكرت إما فلا بد من تكريرها، وإذا ذكرت المفتوحة فأنت مخير: إن شئت وقفت عليها إذا تم خبرها. تقول: أما زيد فقائم، وأما قوله: {أما من استغنى. فأنت له تصدى. وما عليك ألا يزكى. وأما من جاءك يسعى. وهو يخشى. فأنت عنه تلهى} فإن الكلام مستغنٍ من قبل التكرير، ولو قلت: ضربت إما زيداً، وسكت، لم يجز؛ لأن المعنى: هذا أو هذا؛ ألا ترى أن ما بعد إما لا يكون كلاماً مستغنياً). [المقتضب: 3/27-28] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقال أعرابي أنشدنيه أبو العالية:
ألا تسأل ذا العلم ما الذي = يحل من التقبيل في رمضان؟
فقال لي المكي:
أما لزوجةٍ = فسبع، وأما خلةٍ فثماني
.....
"وقوله: "أما لزوجة" فهذه مفتوحة، وهي التي تحتاج إلى خبر، ومعناها: إذا قلت: أما زيدٌ فمنطلقٌ مهما يكن من شيء فزيدٌ منطلقٌ. وكذلك: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} إنما هي: مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم، وتكسر إذا كانت في معنى "أو" ويلزمها التكرير، تقول: ضربت إما زيدًا وإما عمرًا، فمعناه ضربت زيدًا أو عمرًا، وكذلك: {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}، وكذلك: {إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ}، و{إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}، وإنما كررتها لأنك إذا قلت: ضربت زيدًا أو عمرًا، أو قلت: اضرب زيدًا أو عمرًا فقد ابتدأت بذكر الأول، وليس عند السامع أنك تريد غير الأول، ثم جئت بالشك، أو التخيير، وإذا قلت: ضربت إما زيدًا وإما عمرًا، فقد وضعت كلامك بالابتداء على التخيير أو على الشك، وإذا قلت: ضربت إما زيدًا وإما عمرًا، فالأولى وقعت لبنية الكلام عليها، والثانية للعطف، لأنك تعدل بين الثاني والأول، فإنما تكسر في هذا الموضع.
وزعم سيبويه أنها إن ضمت إليها "ما" فإن اضطر شاعر فحذف "ما" جاز له ذلك لأنه الأصل، وأنشد في مصداق ذلك:
لقد كذبتك نفسك فاكذبنها = فإن جزعًا وإن إجمال صبر
ويجوز في غير هذا الموضع أن تقع "إما" مكسورة، ولكن "ما" لا تكون لازمة، ولكن تكون زائدة في "إن" التي هي للجزاء. كما تزداد في سائر الكلام نحو: أين تكن أكن، وأينما تكن أكن، وكذلك متى تأتني آتك، ومتى ما تأتني آتك، فتقول: إن تأتني آتك، وإما تأتني آتك، تدغم النون في الميم لاجتماعهما في الغنة، وسنذكر الإدغام في موضع نفرده به إن شاء الله، كما قال امرؤ القيس:

فإما تريني لا أغمض ساعةٌ = من الليل إلا أن أكب فأنعسا
فيا رب مكروب كررت وراءه = وطاعنت عنه الخيل حتى تنفسا
وفي القرآن: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} وقال: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا} فأنت في زيادة "ما" بالخيار في جميع حروف الجزاء، إلا في حرفين، فإن "ما" لابد منها لعلة نذكرها إذا أفردنا باباٌ للجزاء إن شاء الله، والحرفان: حيثما تكن أكن، كما قال الشاعر:
حيثما تستقم يقدر لك الله = نجاحاٌ في غابر الأزمان).
[الكامل: 1/377-379] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) }تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)}
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224هـ): (الكسائيُّ: الكافور: هو الذي يُجعَل في الطِّيب، وكذلك طَلع النَّخل). [الغريب المصنف: 1/162]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت: 291هـ): ({مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا}.
قال: لو كان اسمًا للعين لم يجر، ولكن تشبيه فأجرى. قال: وقال الفراء: " سلسبيل " إن لم يكن نعتًا لها فلا يجوز). [مجالس ثعلب: 585]

تفسير قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)}

تفسير قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)}

تفسير قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)}
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224هـ): (في حديث عمر رضي الله عنه أن رجلا أتاه فذكر أن شهادة الزور قد كثرت في أرضهم، فقال عمر: لا يؤسر أحد في الإسلام بشهداء السوء فإنا لا نقبل إلا العدول.
حدثنيه إسحاق بن عيسى الأزرق، عن مالك بن أنس، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، يرويه عن عمر.
قوله: لا يؤسر يعني لا يحبس، وأصل الأسر: الحبس وكل محبوس فهو أسير.
وكذلك يروى عن مجاهد في قوله عز وجل: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} قال: الأسير: المسجون). [غريب الحديث: 4/205-206]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)}

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:41 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:41 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:41 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:41 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئاً مذكوراً (1) إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً (2) إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً (3) إنّا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيراً (4) إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً (5) عيناً يشرب بها عباد اللّه يفجّرونها تفجيراً (6)
هل في كلام العرب قد يجيء بمعنى «قد». حكاه سيبويه. لكنها لا تخلو من تقرير وبابها المشهور الاستفهام المحض والتقرير أحيانا. فقال ابن عباس وقتادة هي هنا بمعنى «قد»، والإنسان يراد به آدم عليه السلام، و «الحين»: هي المدة التي بقي طينا قبل أن ينفخ فيه الروح أي أنه شيء ولم يكن مذكورا منوها به في العالم وفي حالة العدم المحض قبل لم يكن شيئاً ولا مذكوراً، وقال أكثر المتأولين: هل تقرير، و «الإنسان» اسم الجنس، أي إذا تأمل كل إنسان نفسه علم بأنه قد مر حينٌ من الدّهر عظيم لم يكن هو فيه شيئاً مذكوراً، أي لم يكن موجودا، وقد يسمى الموجود شيئاً فهو مذكور بهذا الوجه، و «الحين» هنا: المدة من الزمن غير محدودة تقع للقليل والكثير، وإنما تحتاج إلى تحديد الحين في الأيمان، فمن حلف أن لا يكلم أخاه حينا، فذهب بعض الفقهاء إلى أن الحين سنة، وقال بعضهم: ستة أشهر، والقوي في هذا أن «الإنسان» اسم جنس وأن الآية جعلت عبرة لكل أحد من الناس ليعلم أن الصانع له قادر على إعادته). [المحرر الوجيز: 8/ 485-486]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إنّا خلقنا الإنسان هو هنا اسم الجنس بلا خلاف. لأن آدم لم يخلق من نطفةٍ، وأمشاجٍ معناه أخلاط واحدها مشج بفتح الميم والشين قاله ابن السكيت وغيره، وقيل: مشج مثل عدلوأعدال، وقيل: مشيج مثل شريف وأشراف، واختلف في المقصود من الخلط، فقيل هو أمشاجٍ ماء الرجل بماء المرأة، وأسند الطبري حديثا وهو أيضا في بعض المصنفات «إن عظام ابن آدم وعصبة من ماء الرجل، ولحمه وشحمه من ماء المرأة». وقيل هو اختلاط أمر الجنين بالنقلة من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى غير ذلك. فهو أمر مختلط، وقيل هو اختلاط الدم والبلغم والصفراء والسوداء فيه، ونبتليه معناه نختبره بالإيجاد والكون في الدنيا هو حال من الضمير في خلقنا كأنه قال: مختبرين له بذلك، وقوله تعالى: فجعلناه عطف جملة تعم على جملة تعم، وقال بعض النحويين إنما المعنى فنبتليه جعلناه سميعاً بصيراً، ثم ترتب اللفظ موجزا متداخلا كأنه قال نبتليه فلذلك جعلناه، والابتلاء على هذا إنما هو بالإسماع والإبصار لا بالإيجاب وليس نبتليه حالا). [المحرر الوجيز: 8/ 486]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إنّا هديناه السّبيل يحتمل أن يريد السّبيل العامة للمؤمن والكافر فذلك يختلق الحواس وموهبة الفطرة ونصب الصنعة الدالة على الصانع، ف هديناه على هذا بمعنى أرشدناه كما يرشد الإنسان إلى الطريق ويوقف عليه، ويحتمل أن يريد السّبيل اسم الجنس، أي هدى المؤمن لإيمانه والكافر لكفره ف هديناه على هذا معناه أريناه وليس الهدى في هذه الآية بمعنى خلق الهدى والإيمان، وقوله تعالى: إمّا شاكراً وإمّا كفوراً. حالان وقسمتهما إمّا، قال أبو عمرو الداني: وقرأ أبو العاج «إما شاكرا وإما كفورا» وأبو العاج كثير بن عبد الله السلمي شامي ولى البصرة لهشام بن عبد الملك). [المحرر الوجيز: 8/ 486-487]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأعتدنا معناه أعددناه، وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم «سلاسلا» بالصرف وهذا على ما حكاه الأخفش من لغة من يصرف كل ما لا يصرف إلا أفعل وهي لغة الشعراء. ثم كثر حتى جرى في كلامهم، وقد علل بعبة وهي أنه لما كان هذا الضرب من الجموع يجمع لشبه الآحاد فصرف، وذلك من شبه الآحاد موجود في قولهم صواحب وصاحبات وفي قول الشاعر [الفرزدق]: [الكامل]
... ... ... ... = ... ... نواكسي الأبصار
بالياء جمع نواكس، وهذا الإجراء في «سلاسلا وقواريرا» أثبت في مصحف ابن مسعود ومصحف أبيّ بن كعب ومصحف المدينة ومكة والكوفة والبصرة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة: «سلاسل»، على ترك الصرف في الوقف والوصل، وهي قراءة طلحة وعمرو بن عبيد، وقرأ أبو عمرو وحمزة فيما روي عنهما: «سلاسل» في الوصل و «سلاسلا» دون تنوين في الوقف، ورواه هشام عن ابن عامر لأن العرب من يقول رأيت عمرا يقف بألف، وأيضا فالوقوف، بالألف «سلاسلا» اتباع لخط المصحف). [المحرر الوجيز: 8/ 487-488]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و«الأبرار» جمع بار كشاهد وأشهاد، وقال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر، ولا يرضون الشر، و «الكأس»: ما فيه نبيذ ونحوه مما يشرب به، قال ابن كيسان: ولا يقال الكأس إلا لما فيه نبيذ ونحوه، ولا يقال ظعينة إلا إذا كان عليها امرأة ولا مائدة إلا وعليها طعام وإلا فهي خوان. والمزاج: ما يمزج به الخمر ونحوها، وهي أيضا مزاج له لأنهما تمازجا مزاجا، قال بعض الناس: «المزاج» نفس الكافور، وقال قتادة نعم قوم يمزج لهم بالكافور ويختم لهم بالمسك، وقال الفراء: يقال إنه في الجنة عين تسمى كافوراً. وقال بعض المتأولين إنما أراد كافوراً في النكهة والعرف كما تقول إذا مزجت طعاما هذا الطعام مسك). [المحرر الوجيز: 8/ 488]

تفسير قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: عيناً هو بدل من قوله كافوراً، وقيل هو مفعول بقوله يشربون، أي يشربون ماء هذه العين من كأس عطرة كالكافور، وقيل نصب عيناً على المدح أو بإضمار أعني، وقوله يشرب بها بمنزلة يشربها. فالباء زائدة، وقال الهذلي:
شربن بماء البحر ... ... = ... ... ... ...
أي شربن ماء البحر، وقرأ ابن أبي عبلة: «يشربها عباد الله»، وعباد اللّه هنا خصوص في المؤمنين الناعمين لأن جميع الخلق عباده، ويفجّرونها معناه يبثقونها بعود قصب ونحوه حيث شاؤوا، فهي تجري عند كل أحد منهم، هكذا ورد الأثر، وقال الثعلبي: وقيل هي عين في دار النبي صلى الله عليه وسلم تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين، وهذا قول حسن). [المحرر الوجيز: 8/ 488-489]

تفسير قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يوفون بالنّذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً (7) ويطعمون الطّعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً (8) إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً (9) إنّا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً (10) فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسروراً (11) وجزاهم بما صبروا جنّةً وحريراً (12) متّكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً (13)
وصف الله تعالى حال الأبرار أنهم كانوا يوفون بالنّذر، أي بكل ما نذروه وأعطوا به عهدا. يقال وفى الرجل وأوفى، و «اليوم» المشار إليه يوم القيامة، ومستطيراً معناه متصلا شائعا كاستطارة الفجر والصدع في الزجاجة. وبه شبه في القلب، ومن ذلك قول الأعشى: [المتقارب]
فبانت وقد أسأرت في الفؤاد = صدعا على نأيها مستطيرا
وقول ذي الرمة: [الوافر]
أراد الظاعنون لحيزنوني = فهاجوا صدع قلبي فاستطاروا
). [المحرر الوجيز: 8/ 489-490]

تفسير قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: على حبّه يحتمل أن يعود الضمير على الطعام، أي وهو محبوب للفاقة والحاجة.
وهذا قول ابن عباس ومجاهد. ويحتمل أن يعود على الله تعالى أي لوجهه وابتغاء مرضاته، قاله أبو سليمان الدراني. والأول أمدح لهم لأن فيه الإيثار على النفس. وعلى الاحتمال الثاني فقد يفعله الأغنياء أكثر.
وقال الحسين بن الفضل: الضمير عائد على الإطعام، أي محبين في فعلهم ذلك لا رياء فيه ولا تكلف، و «المسكين» الطواف المتكشف في السؤال، و «اليتيم» الصبي الذي لا أب له من الناس. والذي لا أم له من البهائم وهي صفة قبل البلوغ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد حلم». و «الأسير» معروف. فقال قتادة: أراد أسرى الكفار وإن كانوا على غير الإسلام، وقال الحسن: ما كان أسراهم إلا مشركين، لأن كل كبد رطبة ففيها أجر. وقال بعض العلماء: هذا إما نسخ بآية السيف وإما أنه محكم لتحفظ حياة الأسير إلى أن يرى الإمام فيه ما يرى، وقال مجاهد وابن جبير وعطاء: أراد المسجونين من الناس. ولهذا يحض على صدقة السجن، فهذا تشبيه، ومن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يؤسر أحد في الإسلام بغير العدول. وروى الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الأسير هنا بالمملوك والمسجون. وقال: أراد أسرى المسلمين الذين تركوا في بلاد الحرب رهائن وخرجوا في طلب الفداء، وقال أبو حمزة الثمالي: الأسير هنا المرأة، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم»). [المحرر الوجيز: 8/ 490-491]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إنّما نطعمكم لوجه اللّه المعنى يقولون لهم عند الإطعام، وهذا إما أن يكون المطعم يقول ذلك نصا فحكي ذلك. وإما أن يكون ذلك مما يقال في الأنفس وبالنية فمدح بذلك، هذا هو تأويل ابن مجاهد وابن جبير، وقرأ أبو عمرو في رواية عباس بجزم الميم من «نطعمكم»، قال أبو علي أسكن تخفيفا، و «الشكور»: مصدر الشكر). [المحرر الوجيز: 8/ 491]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ووصف اليوم بعبوس هو على التجوز، كما تقول ليل نائم أي فيه نوم، و «القمطرير» والقماطر: هو في معنى العبوس والارتداد، تقول اقمطر الرجل إذا جمع ما بين عينيه غضبا، ومنه قول الشاعر [القرطبي]: [الطويل]
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا = عليكم إذا ما كان يوم قماطر
وقال الآخر:
ففروا إذا ما الحرب ثار غبارها = ولج بها اليوم العبوس القماطر
وقال ابن عباس: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه مثل القطران. وعبر ابن عباس عن «القمطرير» بالطويل. وعبر عنه ابن الكلبي بالشديد، وذلك كله قريب في المعنى). [المحرر الوجيز: 8/ 491-492]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:42 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:42 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا (1) إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا (2) إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا (3)}
يقول تعالى مخبرًا عن الإنسان أنّه أوجده بعد أن لم يكن شيئًا يذكر لحقارته وضعفه، فقال: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا}؟). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 285]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ بين ذلك فقال: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ} أي: أخلاطٍ. والمشج والمشيج: الشّيء الخليط، بعضه في بعضٍ.
قال ابن عبّاسٍ في قوله: {من نطفةٍ أمشاجٍ} يعني: ماء الرّجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا، ثمّ ينتقل بعد من طورٍ إلى طورٍ، وحالٍ إلى حالٍ، ولونٍ إلى لونٍ. وهكذا قال عكرمة، ومجاهدٌ، والحسن، والرّبيع بن أنسٍ: الأمشاج: هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة.
وقوله: {نبتليه} أي: نختبره، كقوله: {ليبلوكم أيّكم أحسن عملا} [الملك: 2]. {فجعلناه سميعًا بصيرًا} أي: جعلنا له سمعًا وبصرًا يتمكّن بهما من الطّاعة والمعصية). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 285-286]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّا هديناه السّبيل} أي: بيّنّاه له ووضّحناه وبصّرناه به، كقوله: {وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى} [فصّلت: 17]، وكقوله: {وهديناه النّجدين} [البلد: 10]، أي: بيّنّا له طريق الخير وطريق الشّرّ. وهذا قول عكرمة، وعطيّة، وابن زيدٍ، ومجاهدٍ -في المشهور عنه-والجمهور.
وروي عن مجاهدٍ، وأبي صالحٍ، والضّحّاك، والسّدّيّ أنّهم قالوا في قوله: {إنّا هديناه السّبيل} يعني خروجه من الرّحم. وهذا قولٌ غريبٌ، والصّحيح المشهور الأوّل.
وقوله: {إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا} منصوبٌ على الحال من "الهاء" في قوله: {إنّا هديناه السّبيل} تقديره: فهو في ذلك إمّا شقيٌّ وإمّا سعيدٌ، كما جاء في الحديث الّذي رواه مسلمٌ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّ النّاس يغدو، فبائعٌ نفسه فموبقها أو معتقها". وتقدّم في سورة "الروم" عند قوله: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} [الرّوم: 30] من رواية جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّ مولودٍ يولد على الفطرة حتّى يعرب عنه لسانه، فإذا أعرب عنه لسانه، فإمّا شاكرًا وإمّا كفورًا".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو عامرٍ، حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، عن عثمان بن محمّدٍ، عن المقبريّ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من خارجٍ يخرج إلّا ببابه رايتان: رايةٌ بيد ملك، ورايةٌ بيد شيطان، فإن خرج لما يحبّ الله اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتّى يرجع إلى بيته. وإن خرج لما يسخط اللّه اتّبعه الشّيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشّيطان، حتّى يرجع إلى بيته".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن ابن خثيم، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن جابر بن عبد اللّه: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لكعب بن عجرة: "أعاذك اللّه من إمارة السّفهاء". قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال: "أمراءٌ يكونون من بعدي، لا يهتدون بهداي، ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منّي ولست منهم، ولا يردون على حوضي. ومن لم يصدّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منّي وأنا منهم، وسيردون على حوضي. يا كعب بن عجرة، الصّوم جنّةٌ، والصّدقة تطفئ الخطيئة، والصّلاة قربانٌ -أو قال: برهانٌ-يا كعب بن عجرة، إنّه لا يدخل الجنّة لحمٌ نبت من سحت، النّار أولى به. يا كعب، النّاس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائعٌ نفسه فموبقها".
ورواه عن عفّان، عن وهيب، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، به). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 286]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالًا وسعيرًا (4) إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافورًا (5) عينًا يشرب بها عباد اللّه يفجّرونها تفجيرًا (6) يوفون بالنّذر ويخافون يومًا كان شرّه مستطيرًا (7) ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا (8) إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا (9) إنّا نخاف من ربّنا يومًا عبوسًا قمطريرًا (10) فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسرورًا (11) وجزاهم بما صبروا جنّةً وحريرًا (12)}
يخبر تعالى عمّا أرصده للكافرين من خلقه به من السّلاسل والأغلال والسّعير، وهو اللّهب والحريق في نار جهنّم، كما قال: {إذ الأغلال في أعناقهم والسّلاسل يسحبون * في الحميم ثمّ في النّار يسجرون} [غافر: 71، 72]). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 287]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولمّا ذكر ما أعدّه لهؤلاء الأشقياء من السّعير قال بعده: {إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافورًا} وقد علم ما في الكافور من التّبريد والرّائحة الطّيّبة، مع ما يضاف إلى ذلك من اللّذاذة في الجنّة.
قال الحسن: برد الكافور في طيب الزّنجبيل؛ ولهذا قال: {عينًا يشرب بها عباد اللّه يفجّرونها تفجيرًا} أي: هذا الّذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عينٌ يشرب بها المقرّبون من عباد اللّه صرفًا بلا مزجٍ ويروون بها؛ ولهذا ضمّن يشرب "يروى" حتّى عدّاه بالباء، ونصب {عينًا} على التّمييز.
قال بعضهم: هذا الشّراب في طيبه كالكافور. وقال بعضهم: هو من عينٍ كافورٍ. وقال بعضهم: يجوز أن يكون منصوبًا بـ {يشرب} حكى هذه الأقوال الثّلاثة ابن جريرٍ.
وقوله: {يفجّرونها تفجيرًا} أي: يتصرّفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالّهم.
والتّفجير هو الإنباع، كما قال تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90]. وقال: {وفجّرنا خلالهما نهرًا} [الكهف: 33].
وقال مجاهدٌ: {يفجّرونها تفجيرًا} يقودونها حيث شاؤوا، وكذا قال عكرمة، وقتادة. وقال الثّوريّ: يصرفونها حيث شاؤوا). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 287]

تفسير قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يوفون بالنّذر ويخافون يومًا كان شرّه مستطيرًا} أي: يتعبّدون للّه فيما أوجبه عليهم من [فعل] الطّاعات الواجبة بأصل الشّرع، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر.
قال الإمام مالكٌ، عن طلحة بن عبد الملك الأيليّ، عن القاسم بن مالكٍ، عن عائشة، رضي اللّه عنها، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من نذر أن يطيع اللّه فليطعه، ومن نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه"، رواه البخاريّ من حديث مالكٍ.
ويتركون المحرّمات الّتي نهاهم عنها خيفةً من سوء الحساب يوم المعاد، وهو اليوم الّذي شره مستطيرٌ، أي: منتشرٌ عامٌّ على النّاس إلّا من رحم اللّه.
قال ابن عبّاسٍ: فاشيًا. وقال قتادة: استطار -واللّه-شرّ ذلك اليوم حتّى ملأ السّماوات والأرض.
قال ابن جريرٍ: ومنه قولهم: استطار الصّدع في الزّجاجة واستطال. ومنه قول الأعشى:
فبانت وقد أسأرت في الفؤا = د صدعًا، على نأيها مستطيرًا
يعني: ممتدًّا فاشيًا). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 287-288]

تفسير قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ويطعمون الطّعام على حبّه} قيل: على حبّ اللّه تعالى. وجعلوا الضّمير عائدًا إلى اللّه عزّ وجلّ لدلالة السّياق عليه. والأظهر أنّ الضّمير عائدٌ على الطّعام، أي: ويطعمون الطّعام في حال محبّتهم وشهوتهم له، قاله مجاهدٌ، ومقاتلٌ، واختاره ابن جريرٍ، كقوله تعالى: {وآتى المال على حبّه} [البقرة: 177]، وكقوله تعالى: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون} [آل عمران: 92].
وروى البيهقيّ، من طريق الأعمش، عن نافعٍ قال: مرض ابن عمر فاشتهى عنبًا -أوّل ما جاء العنب- فأرسلت صفيّة -يعني امرأته- فاشترت عنقودًا بدرهمٍ، فاتّبع الرسول السّائل، فلمّا دخل به قال السّائل: السّائل. فقال ابن عمر: أعطوه إيّاه. فأعطوه إيّاه. ثمّ أرسلت بدرهمٍ آخر فاشترت عنقودًا فاتّبع الرسول السائل، فلمّا دخل قال السّائل: السّائل. فقال ابن عمر: أعطوه إيّاه. فأعطوه إيّاه. فأرسلت صفيّة إلى السّائل فقالت: واللّه إن عدت لا تصيب منه خيرًا أبدًا. ثمّ أرسلت بدرهمٍ آخر فاشترت به.
وفي الصّحيح: "أفضل الصّدقة أن تصدّق وأنت صحيحٌ، شحيحٌ، تأمل الغنى، وتخشى الفقر" أي: في حال محبّتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه؛ ولهذا قال تعالى: {ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا} أمّا المسكين واليتيم، فقد تقدّم بيانهما وصفتهما. وأمّا الأسير: فقال سعيد بن جبيرٍ، والحسن، والضّحّاك: الأسير: من أهل القبلة. وقال ابن عبّاسٍ: كان أسراؤهم يومئذٍ مشركين. ويشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدرٍ أن يكرموا الأسارى، فكانوا يقدّمونهم على أنفسهم عند الغداء، وهكذا قال سعيد بن جبير، وعطاء، والحس، وقتادة.
وقد وصّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بالإحسان إلى الأرقاء في غير ما حديثٍ، حتّى إنّه كان آخر ما أوصى أن جعل يقول: "الصلاة وما ملكت أيمانكم".
وقال عكرمة: هم العبيد -واختاره ابن جريرٍ-لعموم الآية للمسلم والمشرك.
قال مجاهدٌ: هو المحبوس، أي: يطعمون لهؤلاء الطّعام وهم يشتهونه ويحبّونه، قائلين بلسان الحال: {إنّما نطعمكم لوجه اللّه} أي: رجاء ثواب اللّه ورضاه {لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا} أي: لا نطلب منكم مجازاةً تكافئونا بها ولا أن تشكرونا عند النّاس.
قال مجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ: أما واللّه ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم اللّه به من قلوبهم، فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغبٌ).[تفسير القرآن العظيم: 8/ 288-289]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّا نخاف من ربّنا يومًا عبوسًا قمطريرًا} أي: إنّما نفعل هذا لعلّ اللّه أن يرحمنا ويتلقّانا بلطفه، في اليوم العبوس القمطرير.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ {عبوسًا} ضيّقًا، {قمطريرًا} طويلًا.
وقال عكرمة وغيره، عنه، في قوله: {يومًا عبوسًا قمطريرًا} أي: يعبس الكافر يومئذٍ حتّى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران.
وقال مجاهدٌ: {عبوسًا} العابس الشّفتين، {قمطريرًا} قال: تقبيض الوجه بالبسور.
وقال سعيد بن جبيرٍ، وقتادة: تعبس فيه الوجوه من الهول، {قمطريرًا} تقليص الجبين وما بين العينين، من الهول.
وقال ابن زيدٍ: العبوس: الشّرّ. والقمطرير: الشّديد.
وأوضح العبارات وأجلاها وأحلاها، وأعلاها وأولاها -قول ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنه.
قال ابن جريرٍ: والقمطرير هو: الشّديد؛ يقال: هو يومٌ قمطريرٌ ويومٌ قماطر، ويومٌ عصيب وعصبصب، وقد اقمطرّ اليوم يقمطرّ اقمطرارًا، وذلك أشدّ الأيّام وأطولها في البلاء والشّدّة، ومنه قول بعضهم:
بني عمّنا، هل تذكرون بلاءنا؟ = عليكم إذا ما كان يوم قماطر
). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 289]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة