تفسير قوله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {سبّح للّه ما في السّموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {سبّح للّه} صلّى للّه وسجد له {ما في السّموات وما في الأرض} من خلقه، {وهو العزيز الحكيم} يقول: وهو العزيز في انتقامه ممّن انتقم من خلقه على معصيته إيّاه {الحكيم} في تدبيره إيّاهم). [جامع البيان: 22/496]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا الحاكم الفاضل أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الحافظ إملاءً في ذي الحجّة سنة أربعمائةٍ
- أخبرني أبو عبد اللّه محمّد بن عليٍّ الصّنعانيّ بمكّة، ثنا عليّ بن المبارك الصّنعانيّ، ثنا زيد بن المبارك الصّنعانيّ، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كانت غزوة بني النّضير وهم طائفةٌ من اليهود على رأس ستّة أشهرٍ من وقعة بدرٍ وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حتّى نزلوا على الجلاء، وعلى أنّ لهم ما أقلّت الإبل من الأمتعة والأموال إلّا الحلقة، يعني السّلاح، فأنزل اللّه فيهم {سبّح للّه ما في السّموات وما في الأرض} إلى قوله {لأوّل الحشر ما ظننتم أن يخرجوا} [الحشر: 2] فقاتلهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشّام وكانوا من سبطٍ لم يصبهم جلاءٌ فيما خلا وكان اللّه قد كتب عليهم ذلك ولولا ذلك لعذّبهم في الدّنيا بالقتل والسّبي، وأمّا قوله {لأوّل الحشر} [الحشر: 2] فكان جلاؤهم ذلك أوّل حشرٍ في الدّنيا إلى الشّام «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/525] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 1 - 7
أخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت: كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكان منزلهم ونخلهم في ناحية المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح فأنزل الله فيهم {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض} إلى قوله: {لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا} فقاتلهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى صالحهم على الجلاء وأجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا وكان الله قد كتب ذلك عليهم ولولا ذلك لعذبهم الله في الدنيا بالقتل والسبي وأما قوله: {لأول الحشر} فكان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام، وأخرجه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم والبيهقي عن عروة مرسلا قال البيهقي: وهو المحفوظ). [الدر المنثور: 14/331-332]
تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري في قوله تعالى من ديارهم لأول الحشر قال هم بنو النضير قاتلهم النبي حتى صالحهم رسول الله على الجلاء فأجلاهم إلى الشام وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من شيء إلا الحلقة والحلقة السلاح وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسباء وأما قوله لأول الحشر وكان جلاؤهم ذلك أول الحشر في الدنيا إلى الشام). [تفسير عبد الرزاق: 2/282]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة قال تجيء نار من مشرق الأرض تحشر الناس إلى مغربها تسوقهم سوق البرق الكسير تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل من تخلف منهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/282]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري في قوله تعالى يخربون بيوتهم بأيديهم قال لما صالحوا النبي كانوا لا تعجبهم خشبة إلا أخذوها فكان ذلك تخريبهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/282]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر قال قتادة وكان المسلمون يخربون ما يليهم من ظاهرها ليدخلوا عليهم ويخربها اليهود من داخلها). [تفسير عبد الرزاق: 2/283]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنّوا أنّهم مانعتهم حصونهم من اللّه فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرّعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر}. اللّه الّذي أخرج الّذين جحدوا نبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من أهل الكتاب، وهم يهود بني النّضير من ديارهم، وذلك خروجهم عن منازلهم ودورهم، حين صالحوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أن يؤمّنهم على دمائهم ونسائهم وذراريّهم، وعلى أنّ لهم ما أقلّت الإبل من أموالهم، ويخلو له دورهم، وسائر أموالهم، فأجابهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى ذلك، فخرجوا من ديارهم، فمنهم من خرج إلى الشّام، ومنهم من خرج إلى خيبر، فذلك قول اللّه عزّ وجلّ {هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمر، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر}. قال: النّضير حتّى قوله: {وليخزي الفاسقين}.
ذكر ما بين ذلك كلّه فيهم:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر}. قيل: الشّام، وهم بنو النّضير حيٌّ من اليهود، فأجلاهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المدينة إلى خيبر، مرجعه من أحدٍ.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ {من ديارهم لأوّل الحشر}. قال: هم بنو النّضير قاتلهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشّام، وعلى أنّ لهم ما أقلّت الإبل من شيءٍ إلاّ الحلقة والحلقة: السّلاح كانوا من سبطٍ لم يصبهم جلاءٌ فيما مضى، وكان اللّه عزّ وجلّ قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك عذّبهم في الدّنيا بالقتل والسّباء.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر}. قال: هؤلاء النّضير حين أجلاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، قال: حدّثنا ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: نزلت في بني النّضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم اللّه عزّ وجلّ به من نقمته، وما سلّط عليهم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وما عمل به فيهم، فقال: {هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر}. الآيات.
وقوله: {لأوّل الحشر} يقول تعالى ذكره: لأوّل الجمع في الدّنيا، وذلك حشرهم إلى أرض الشّام.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قوله: {لأوّل الحشر} قال: كان جلاؤهم أوّل الحشر في الدّنيا إلى الشّام.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: تجيء نارٌ من مشرق الأرض، تحشر النّاس إلى مغاربها، فتبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتأكل من تخلّف.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: بلغني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا أجلى بني النّضير، قال: امضوا فهذا أوّل الحشر، وإنّا على الأثر.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لأوّل الحشر} قال: الشّام حين ردّهم إلى الشّام، وقرأ قول اللّه عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها} قال: من حيث جاءت أدبارها أن رجعت إلى الشّام، من حيث جاءت ردّوا إليه.
وقوله: {ما ظننتم أن يخرجوا}. يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما ظننتم أن يخرج هؤلاء الّذين أخرجهم اللّه من ديارهم من أهل الكتاب من مساكنهم ومنازلهم {وظنّوا أنّهم مانعتهم حصونهم من اللّه}. وإنّما ظنّ القوم فيما ذكر أنّ عبد اللّه بن أبيٍّ وجماعةً من المنافقين بعثوا إليهم لمّا حصرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمرونهم بالثّبات في حصونهم، ويعدونهم النّصر.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، أنّ رهطًا من بني عوف بن الخزرج منهم عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ ووديعة ومالكٌ ابنا قوقلٍ وسويد وداعسٌ، بعثوا إلى بني النّضير أن اثبتوا وتمنّعوا، فإنّا لن نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن خرجتم خرجنا معكم، فتربّصوا لذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وكانوا قد تحصّنوا في الحصون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين نزل بهم.
وقوله: {فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا}. يقول تعالى ذكره: فأتاهم أمر اللّه من حيث لم يحتسبوا أنّه ياتيهم، وذلك الأمر الّذي أتاهم من اللّه حيث لم يحتسبوا، قذف في قلوبهم الرّعب بنزول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بهم في أصحابه، يقول جلّ ثناؤه: {وقذف في قلوبهم الرّعب}.
وقوله: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} يعني جلّ ثناؤه بقوله: {يخربون بيوتهم} بني النّضير من اليهود، وأنّهم يخربون مساكنهم، وذلك أنّهم كانوا ينظرون إلى الخشبة فيما ذكر في منازلهم ممّا يستحسنونه، أو العمود أو الباب، فينزعون ذلك منها {بأيديهم وأيدي المؤمنين}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين}. جعلوا يخربونها من أجوافها، وجعل المؤمنون يخربون من ظاهرها.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال: لمّا صالحوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا لا يعجبهم خشبةٌ إلاّ أخذوها، فكان ذلك خرابها.
وقال قتادة: كان المسلمون يخربون ما يليهم من ظاهرها، وتخربها اليهود من داخلها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: احتملوا من أموالهم يعني بني النّضير ما استقلّت به الإبل، فكان الرّجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، قال: فذلك قوله: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} = وذلك هدمهم بيوتهم عن نجف أبوابهم إذا احتملوها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} قال: هؤلاء النّضير، صالحهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على ما حملت الإبل، فجعلوا يقلعون الأوتاد، يخربون بيوتهم.
وقال آخرون: إنّما قيل ذلك كذلك، لأنّهم كانوا يخربون بيوتهم ليبنوا بنقضها ما هدم المسلمون من حصونهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار}. قال: يعني بني النّضير، جعل المسلمون كلّما هدموا شيئًا من حصونهم جعلوا ينقضون بيوتهم ويخربونها، ثمّ يبنون ما يخرّب المسلمون، فذلك هلاكهم.
- حدّثت، عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين}. يعني أهل النّضير جعل المسلمون كلّما هدموا من حصنهم جعلوا ينقضون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، ثمّ يبنون ما خرّب المسلمون.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والمدينة والعراق سوى أبي عمرٍو: {يخربون} بتخفيف الرّاء، بمعنى: يخرجون منها ويتركونها معطّلةً خرابًا، وكان أبو عمرٍو يقرأ ذلك (يخرّبون) بالتّشديد في الرّاء بمعنى يهدمون بيوتهم. وقد ذكر عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ والحسن البصريّ أنّهما كانا يقرأان ذلك نحو قراءة أبي عمرٍو. وكان أبو عمرٍو فيما ذكر عنه يزعم أنّه إنّما اختار التّشديد في الرّاء لما ذكرت من أنّ الإخراب: إنّما هو ترك ذلك خرابًا بغير ساكنٍ، وإنّ بني النّضير لم يتركوا منازلهم، فيرتحلوا عنها، ولكنّهم خرّبوها بالنّقض والهدم، وذلك لا يكون فيما قال إلاّ بالتّشديد.
وأولى القراءتين في ذلك بالصّواب عندي قراءة من قرأه بالتّخفيف لإجماع الحجّة من القرّاء عليه. وقد كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يقول: التّخريب والإخراب بمعنًى واحدٍ، وإنّما ذلك في اختلاف اللّفظ لا اختلافٍ في المعنى.
وقوله: {فاعتبروا يا أولي الأبصار}. يقول تعالى ذكره: فاتّعظوا يا معشر ذوي الأفهام بما أحلّ اللّه بهؤلاء اليهود الّذين قذف اللّه في قلوبهم الرّعب، وهم في حصونهم من نقمته، واعلموا أنّ اللّه وليّ من والاه، وناصر رسوله على كلّ من ناوأه، ومحلٌّ من نقمته به نظير الّذي أحلّ ببني النّضير. وإنّما عنى بالأبصار في هذا الموضع أبصار القلوب، وذلك أنّ الاعتبار بها يكون دون الإبصار بالعيون). [جامع البيان: 22/496-503]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (كعب بن مالك - رضي الله عنه -): قال: نزل قوله تعالى: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} [الحشر: 2] في اليهود، حين أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أنّ لهم ما أقلّت الإبل من أمتعتهم، فكانوا يخربون البيت عن عتبته وبابه وخشبه، قال: فكان نخل بني النّضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، أعطاه الله إيّاها، وخصّه بها. أخرجه رزين). [جامع الأصول: 2/382]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وسميت سورة الحشر لقوله تعالى: {هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر} (الحشر: 2) الآية. يعني الله هو الّذي أخرج الّذين كفروا من بني النّضير الّذين كانوا بيثرب، وعن ابن إسحاق كان جلاء بني النّضير مرجع النّبي صلى الله عليه وسلم من أحد، وكان فتح قريظة عند مرجعه من الأحزاب وبينهما سنتان، وإنّما قال: {لأوّل الحشر} لأنهم أول من حشروا من أهل الكتاب. ونفوا من الحجاز وكان حشرهم إلى الشّام، وعن مرّة الهمداني: كان هذا أول الحشر من المدينة والحشر الثّاني من خيبر وجميع جزيرة العرب إلى أذرعات وأريحا من الشّام في أيّام عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وعن قتادة: كان هذا أول الحشر والحشر الثّاني نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا وتأكل منهم من تخلف). [عمدة القاري: 19/223]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 1 - 7
أخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت: كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكان منزلهم ونخلهم في ناحية المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح فأنزل الله فيهم {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض} إلى قوله: {لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا} فقاتلهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى صالحهم على الجلاء وأجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا وكان الله قد كتب ذلك عليهم ولولا ذلك لعذبهم الله في الدنيا بالقتل والسبي وأما قوله: {لأول الحشر} فكان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام، وأخرجه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم والبيهقي عن عروة مرسلا قال البيهقي: وهو المحفوظ). [الدر المنثور: 14/331-332] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن قال: لم أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير قال: هذا أول الحشر وأنا على الأثر). [الدر المنثور: 14/332]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال: من شك أن المحشر بالشام فليقرا هذه الآية {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: اخرجوا قالوا: إلى أين قال: إلى أرض المحشر). [الدر المنثور: 14/332-333]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن قيس قال: قال جرير لقومه فيما يعظهم: والله إني لوددت أني لم أكن بنيت فيها لبنة ما أنتم إلا كالنعامة استترت وإن أرضكم هذه خراب يسراها ثم يتبعها يمناها وإن المحشر ههنا وأشار إلى الشام). [الدر المنثور: 14/333]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {لأول الحشر} قال: فتح الله على نبيه في أول حشر حشر عليهم في أول ما قاتلهم وفي قوله: {ما ظننتم} النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن يخرجوا من حصونهم أبدا). [الدر المنثور: 14/333]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن مردويه عن ابن عباس أن سورة الحشر نزلت في النضير وذكر الله فيها الذي أصابهم من النعمة وتسليط رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم حتى عمل بهم الذي عمل بإذنه وذكر المنافقين الذين كانوا يراسلونهم ويعدونهم النصر فقال: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} إلى قوله: {وأيدي المؤمنين} من هدمهم بيوتهم من تحت الأبواب ثم ذكر قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل وقول اليهود له يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد فما بال قطع النخل فقال: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} يخبرهم أنها نعمة منه ثم ذكر مغانم بني النضير فقال: {وما أفاء الله على رسوله منهم} إلى قوله: {قدير} أعلمهم أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث يشاء ثم ذكر مغانم المسلمين مما يوجف عليه الخيل والركاب ويفتح بالحرب فقال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين، وابن السبيل} فذا مما يوجف عليه الخيل والركاب ثم ذكر المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول ومالكا داعسا ومن كان على مثل رأيهم فقال: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم} إلى {كمثل الذين من قبلهم قريبا} يعني بني قينقاع الذين أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 14/338-339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} قبل الشام وهم بنو النضير حي من اليهود أجلاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى خيبر مرجعة من أحد). [الدر المنثور: 14/339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم} قال: النضير إلى قوله: {وليخزي الفاسقين} قال: ذلك ما بين كله). [الدر المنثور: 14/339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: من شك أن المحشر إلى بيت القدس فليقرأ هذه الآية {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} فقد حشر الناس مرة وذلك حين ظهر النّبيّ صلى الله عليه وسلم على المدينة أجلى اليهود). [الدر المنثور: 14/339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وأبو داود، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن كفار قريش كتبوا إلى عبد الله بن أبي بن سلول ومن كان يعبد الأوثان معه من الأوس والخزرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر يقولون: إنكم قد آويتم صاحبنا وإنكم أكثر أهل المدينة عددا وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لنخرجنه ولنستعدين عليكم العرب ثم لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم وأبناءكم، فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن معه من عبدة الأوثان تراسلوا واجتمعوا وأجمعوا لقتال النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما بلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم لقيهم في جماعة من أصحابه فقال: لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ما كانت لتكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم فأنتم هؤلاء تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم، فلما سمعوا ذلك من النّبيّ صلى الله عليه وسلم تفرقوا فبلغ ذلك كفار قريش وكانت وقعة بدر بعد ذلك فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء وهي الخلاخيل، فلما بلغ كتابهم اليهود اجتمعت بنو النضير بالغد وأرسلوا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك وليخرج إليك منا ثلاثون حبرا حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك ويسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا، فخرج النّبيّ صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبرا من اليهود حتى إذا برزوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض: كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله فأرسلوا: كيف نفهم ونحن ستون رجلا أخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا فيسمعوا منك فإن آمنوا بك آمنا كلنا وصدقناك، فخرج النّبيّ صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت امرأة ناصحة من بين [ بني ] النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته خبر ما أراد بنوا النضر من الغدر برسول الله صلى اللله عليه وسلم فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فساره بخبرهم قبل أن يصل إليهم فرجع النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحصرهم فقال لهم: إنكم والله لا تأمنون عندي إلا بعهد تعاهدونني عليه فأبوا أن يعطوه عهدا فقاتلهم يومه ذلك هو والمسلمون ثم غدا الغد على بني قريظة بالكتائب وترك بني النضير ودعاهم إلى أن يعاهدواه فعاهدوه فانصرف عنهم إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل إلا الحلقة والحلقة السلاح فجلت بنو النضير واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها وكانوا يخربون بيوتهم فيهدمونها فيحتملون ما وافقهم من خشبها وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام وكان بنو النضير من سبط من أسباط بني إسرائيل لم يصبهم جلاء منذ كتب الله الجلاء على بني إسرائيل فلذلك أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلولا ما كتب الله عليهم من الجلاء لعذبهم في الدنيا كما عذبت بنو قريظة فأنزل الله {سبح لله ما في السماوات والأرض} حتى بلغ {والله على كل شيء قدير} فكان نخيل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فأعطاه الله إياها وخصه بها فقال: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} يقول: بغير قتال فأعطى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أكثرها المهاجرين وقسمها بينهم وقسم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجة لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة). [الدر المنثور: 14/339-342]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك أن قريظة والنضير قبيلتين من اليهود كانوا حلفاء لقبيلتين من الأنصار الأوس والخزرج في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأسلمت الأنصار وأبت اليهود أن يسلموا سار المسلمون إلى بني النضير وهم في حصونهم فجعل المسلمون يهدمون ما يليهم من حصونهم ويهدم الآخرون ما يليهم سقط أن يقع عليهم حتى أفضوا إليهم فنزلت {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم} إلى قوله: {شديد العقاب} فلما أفضوا إليهم نزلوا على عهد بينهم وبين نبي الله صلى الله عليه وسلم على أن يجلوهم وأهليهم ويأخذوا أموالهم وأرضهم فأجلوا ونزلوا خيبر وكان المسلمون يقطعون النخل فحدثني رجال من أهل المدينة أنها نخل أصفر كهيئة الدقل تدعى اللينة، فاستنكر ذلك المشركون فأنزل الله عذر المسلمين {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} فأما قول الله {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} قال: لم يسيروا إليهم على خيل ولا ركاب إنما كانوا في ناحية المدينة وبقيت قريظة بعدهم عاما أو عامين على عهد بينهم وبين نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء المشركون يوم الأحزاب أرسل المشركون إليهم أن اخرجوا معنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليهم اليهود أن ارسلوا إلينا بخمسين من رهنكم فجاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى المسلمين فحدثهم وكان نعيم يأمن في المسلمين والمشركين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قد أرسلوا إلى المشكرين يسألونهم خمسين من رهنهم ليخرجوا معهم فأبوا أن يبعثوا إليهم بالرهن فصاروا حربا للمسلمين والمشركين فبعث إليهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وخوات بن جبير، فلما أتياهم قال عظيمهم كعب بن الأشرف: أنه قد كان لي جناحان فقطعتم أحدهما فإما أن تردوا علي جناحي وإما أن أتخذ عليكم جناحا فقال خوات بن جبير: إني لأهم أن أطعنه بحربتي، فقال له سعد: إذن يسبق القوم ويأخذون فمنعه فرجعا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فحدثاه بالذي كان من أمرهما وأذن الله فيهم ورجع الأحزاب ووضع النّبيّ صلى الله عليه وسلم سلاحه فأتاه جبريل فقال: والذي أنزل عليك الكتاب ما نزلت عن ظهرها منذ نزل بك المشركون حتى هزمهم الله فسر فإن الله قد أذن لك في قريظة، فأتاهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه فقال لهم: يا إخوة القردة والخنازير، فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فحاشا، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ وكان من القبيلة الذين هم حلفاؤهم فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتقسم غنائمهم وأموالهم، ويذكرون أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: حكم بحكم الله فضرب أعناقهم وقسم غنائمهم وأموالهم). [الدر المنثور: 14/342-344]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن سعيد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير في حاجة فهموا به فأطلعه الله على ذلك فندب الناس إليهم فصالحهم على أن لهم الصفراء والبيضاء وما أقلت الإبل ولرسول الله صلى الله عليه وسلم النخل والأرض والحلقة قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين ولم يعط أحدا من الأنصار منها شيئا إلا سهل بن حنيف وأبا دجانة). [الدر المنثور: 14/344-345]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا يوما إلى النضير ليسألهم كيف الدية فيهم فلما لم يروا مع رسول الله كثير أحد أبرموا بينهم على أن يقتلوه ويأخذوا أصحابه أسارى ليذهبوا بهم إلى مكة ويبيعوهم من قريش، فبينما هم على ذلك إذا [ إذ ] جاء من اليهود من المدينة فلما رأى أصحابه يأتمرون بأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لهم: ما تريدون قالوا: نريد أن نقتل محمدا ونأخذ أصحابه، فقال لهم: وأين محمد قالوا: هذا محمد قريب، فقال لهم صاحبهم: والله لقد تركت محمدا داخل المدينة، فأسقط بأيديهم وقالوا: قد أخبر أنه انقطع ما بيننا وبينه من العهد، فانطلق منهم ستون حبرا ومنهم حيي بن أخطب والعاصي بن وائل حتى دخلواعلى كعب وقالوا: يا كعب أنت سيد قومك ومدحهم أحكم بيننا وبين محمد، فقال لهم كعب: أخبروني ما عندكم قالوا: نعتق الرقاب ونذبح الكوماء وإن محمدا انبتر من الأهل والمال، فشرفهم كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقلبوا فأنزل الله {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} سورة النساء الآية 51 إلى {فلن تجد له نصيرا} ونزل عليه لما أرادوا أن يقتلوه {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يكفيني كعبا فقال ناس من أصحابه فيهم محمد بن مسلمة: نحن نكفيك يا رسول الله ونستحل منك شيئا، فجاؤوه فقالوا: يا كعب إن محمدا كلفنا الصدقة فبعنا شيئا، قال عكرمة: فهذا الذين استحلوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم كعب: أرهنوني أولادكم، فقالوا: إن ذاك عار فينا غدا تبيح أن يقولوا عبد وسق ووسقين وثلاثة، قال كعب: فاللامة، قال عكرمة: وهي السلاح، فأصلحوا أمرهم على ذلك فقالوا: موعد ما بيننا وبينك القابلة، حتى إذا كانت القابلة راحوا إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلى يدعو لهم بالظفر فلما جاؤوا نادوه يا كعب، وكان عروسا فأجابهم فقالت امرأته: وهي بنت عمير: أين تنزل قد أشم الساعة ريح الدم، فهبط وعليه ملحفة مورسة وله ناصية فلما نزل إليهم قال القوم: ما أطيب ريحك، ففرح بذلك فقام إليه محمد بن مسلمة فقال قائل المسلمين: أشمونا من ريحه فوضع يده على ثوب كعب وقال: شموا فشموا وهو يظن أنهم يعجبون بريحه ففرح بذلك، فقال محمد بن مسلمة: بقيت أنا أيضا، فمضى إليه فأخذ بناصيته ثم قال: اجلدوا عنقه، فجلدوا عنقه، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا إلى النضير فقالوا: ذرنا نبك سيدنا، قال: لا، قالوا فحزة على حزة، قال: نعم حزة على حزة، فلما رأوا ذلك جعلوا يأخذون من بطون بيوتهم الشيء لينجوا به والمؤمنون يخربون بيوتهم من خارج ليدخلوا عليهم، فلولا أن كتب الله عليهم الجلاء، قال عكرمة: والجلاء يجلون منهم ليقتلهم بأيديهم، وقال عكرمة: إن ناسا من المسلمين لما دخلوا على بني النضير أخذوا يقطعون النخل فقال بعضهم لبعض: وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها، وقال قائل من المسلمين: لا يقطعون واديا ولاينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح فأنزل الله {ما قطعتم من لينة} وهي النخلة {أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} قال: ما قطعتم فبإذني وما تركتم فبإذني). [الدر المنثور: 14/345-348]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} قال: كان المسلمون يخربون ما يليهم من ظاهرها ليدخلوا عليهم ويخربها اليهود من داخلها). [الدر المنثور: 14/348]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج البيهقي في الدلائل عن مقاتل بن حيان في قول الله عزوجل: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتلهم فإذا ظهر على درب أو دار هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال وكانت اليهود إذا غلبوا على درب أو دار نقبوها من أدبارها ثم حصنوها ودربوها فيقول الله عز وجل: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} وقوله: {ما قطعتم من لينة} إلى قوله: {وليخزي الفاسقين} يعني باللينة النخل وهي أعجب إلى اليهود من الوصف يقال لثمرها اللون فقالت اليهود عند قطع النّبيّ صلى الله عليه وسلم نخلهم وعقر شجرهم: يا محمد زعمت أنك تريد الإصلاح أفمن الإصلاح عقر الشجر وقطع النخل والفساد فشق ذلك على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ووجد المسلمون من قولهم في أنفسهم من قطعهم النخل خشية أن يكون فسادا فقال بعضهم لبعض: لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا فقال الذين يقطعونها: نغيظهم بقطعها فأنزل الله {ما قطعتم من لينة} يعني النخل فبإذن الله وما تركتم قائمة على أصولها فبإذن الله فطابت نفس النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنفس المؤمنين، {وليخزي الفاسقين} يعني يهود أهل النضير، وكان قطع النخل وعقر الشجر خزيا لهم). [الدر المنثور: 14/348-349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن الزهري في قوله: {يخربون بيوتهم بأيديهم} قال: ما صالحوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا لا يعجبهم خشبة إلا أخذوها فكان ذلك تخريبها). [الدر المنثور: 14/349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {يخربون بيوتهم} من داخل الدار لا يقدرون على قليل ولا كثير ينفعهم إلا خربوه وأفسدوا لئلا يدعوا شيئا ينفعهم إذا رحلوا وفي قوله: {وأيدي المؤمنين} ويخرب المؤمنون ديارهم من خارجها كيما يخلصوا إليهم وفي قوله: {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا} قال: لسلط عليهم فضربت أعناقهم وسبيت ذراريهم ولكن سبق في كتابه الجلاء لهم ثم أجلوا إلى أذرعات وأريحا). [الدر المنثور: 14/349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} قال: كانت بيوتهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها وكانوا يخربونها من داخل والمسلمون من خارج). [الدر المنثور: 14/350]
تفسير قوله تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب
{الجلاء} [الحشر: 3] : الإخراج من أرضٍ إلى أرضٍ). [صحيح البخاري: 6/147]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الجلاء الإخراج من أرضٍ إلى أرضٍ هو قول قتادة أخرجه بن أبي حاتمٍ من طريق سعيدٍ عنه.
وقال أبو عبيدة يقال الجلاء والإجلاء جلّاه أخرجه وأجليته أخرجته والتّحقيق أنّ الجلاء أخصّ من الإخراج لأنّ الجلاء ما كان مع الأهل والمال والإخراج أعمّ منه). [فتح الباري: 8/629]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {الجلاء: الإخراج من أرضٍ إلى أرضٍ} )
أشار به إلى قوله تعالى: {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدّنيا} (الحشر: 3) الآية، وكذا فسره قتادة أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد عنه، والجلاء أخص من الإخراج لأن الجلاء ما كان مع الأهل والمال والإخراج أعم منه). [عمدة القاري: 19/223]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (الجلاء) هو (الإخراج من أرض إلى أرض) وسقط لغير أبي ذر الإخراج قاله قتادة فيما وصله ابن أبي حاتم). [إرشاد الساري: 7/374]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولولا أن كتب اللّه عليهم الجلاء لعذّبهم في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب النّار (3) ذلك بأنّهم شاقّوا الله ورسوله ومن يشاقّ الله فإنّ الله شديد العقاب}.
يقول تعالى ذكره: ولولا أنّ اللّه قضى وكتب على هؤلاء اليهود من بني النّضير في أمّ الكتاب الجلاء، وهو الانتقال من موضعٍ إلى موضعٍ، وبلدةٍ إلى أخرى.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولولا أن كتب اللّه عليهم الجلاء}. خروج النّاس من البلد إلى البلد.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {ولولا أن كتب اللّه عليهم الجلاء}. والجلاء: إخراجهم من أرضهم إلى أرضٍ أخرى.
قال: ويقال: الجلاء: الفرار يقال منه: جلا القوم من منازلهم، وأجليتهم أنا.
وقوله: {لعذّبهم في الدّنيا} يقول تعالى ذكره: {ولولا أن كتب اللّه عليهم الجلاء}. من أرضهم وديارهم {لعذّبهم في الدّنيا} بالقتل والسّبي، ولكنّه رفع العذاب عنهم في الدّنيا بالقتل، وجعل عذابهم في الدّنيا والجلاء {ولهم في الآخرة عذاب النّار}. مع ما حلّ بهم من الخزي في الدّنيا بالجلاء عن أرضهم ودورهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال: كان النّضير من سبطٍ لم يصبهم جلاءٌ فيما مضى، وكان اللّه قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك لعذّبهم في الدّنيا بالقتل والسباء.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، {ولولا أن كتب اللّه عليهم الجلاء}. وكان لهم من اللّه نقمةً، {لعذّبهم في الدّنيا}: أي بالسّيف {ولهم في الآخرة عذاب النّار}.مع ذلك.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولولا أن كتب اللّه عليهم الجلاء لعذّبهم في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب النّار}. قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد حاصرهم حتّى بلغ منهم كلّ مبلغٍ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم، ويسيّرهم إلى أذرعات الشّام، وجعل لكلّ ثلاثةٍ منهم بعيرًا وسقاءً.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ولولا أن كتب اللّه عليهم الجلاء}. أهل النّضير، حاصرهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى بلغ منهم كلّ مبلغٍ، فأعطوا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما أراد، ثمّ ذكر نحوه وزاد فيه: فهذا الجلاء). [جامع البيان: 22/504-506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة قال: أمر الله رسوله بإجلاء بني النضير وإخراجهم من ديارهم وقد كان النفاق كثيرا بالمدينة فقالوا: أين تخرجنا قال: أخرجكم إلى المحشر فلما سمع المنافقون ما يراد بإخوانهم وأوليائهم من أهل الكتاب أرسلوا إليهم فقالوا: إنا معكم محيانا ومماتنا إن قوتلتم فلكم علينا النصر وإن أخرجتم لا نتخلف عنكم ومناهم الشيطان الظهور فنادوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إنا والله لا نخرج ولئن قاتلتنا لنقاتلنك فمضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم لأمر الله وأمر أصحابه فأخذوا السلاح ثم مضى إليهم وتحصنت اليهود في دورهم وحصونهم فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ازقتهم أمر بالأدنى من دورهم أن يهدم وبالنخل أن يحرق ويقطع وكف الله أيديهم وأيدي المنافقين فلم ينصروهم وألقى الله في قلوب الفريقين الرعب ثم جعلت اليهود كلما خلص رسول الله صلى الله عليه وسلم من هدم ما يلي مدينتهم ألقى الله في قلوبهم الرعب فهدموا الدور التي هم فيها من أدبارها ولم يستطيعوا أن يخرجوا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلما كادوا أن يبلغوا آخر دورهم وهم ينتظرون المنافقين وما كانوا منوهم فلما يئسوا مما عندهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان عرض عليهم قبل ذلك فقاضاهم على أن يجليهم ولهم أن يتحملوا بما استقلت به الإبل من الذي كان لهم إلا ما كان من حلقة السلاح فذهبوا كل مذهب وكانوا قد عيروا المسلمين حين هدموا الدور وقطعوا النخل فقالوا: ما ذنب شجرة وأنتم تزعمون أنكم مصلحون فأنزل الله {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض} إلى قوله: {وليخزي الفاسقين} ثم جعلها نفلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجعل منها سهما لأحد غيره فقال: {وما أفاء الله على رسوله منهم} إلى قوله: {قدير} فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أراه الله من المهاجرين الأولين). [الدر المنثور: 14/333-335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق العوفي عن ابن عباس قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ فأعطوه ما أراد منهم فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم وأن يسيرهم إلى أذرعات الشام وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء). [الدر المنثور: 14/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البغوي في معجمه عن محمد بن مسلمة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثا). [الدر المنثور: 14/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي، وابن المنذر، وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير والجلاء إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرى). [الدر المنثور: 14/335-336]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة قال: الجلاء خروج الناس من البلد إلى البلد). [الدر المنثور: 14/350]
تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ذلك بأنّهم شاقّوا اللّه ورسوله}. يقول تعالى ذكره: هذا الّذي فعل اللّه بهؤلاء اليهود ما فعل بهم من إخراجهم من ديارهم، وقذف الرّعب في قلوبهم من المؤمنين، وجعل لهم في الآخرة عذاب النّار بما فعلوا هم في الدّنيا من مخالفتهم اللّه ورسوله في أمره ونهيه، وعصيانهم ربّهم فيما أمرهم به من اتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. {ومن يشاقّ الله فإنّ الله شديد العقاب}.
يقول تعالى ذكره: ومن يخالف اللّه في أمره ونهيه فإنّ اللّه شديد العقاب). [جامع البيان: 22/506]