تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظّالمون}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم بطانةً وأصدقاء تفشون إليهم أسراركم وتطلعونهم على عورة الإسلام وأهله، وتؤثرون المكث بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام. {إن استحبّوا الكفر على الإيمان} يقول: إن اختاروا الكفر باللّه على التّصديق به والإقرار بتوحيده. {ومن يتولّهم منكم} يقول: ومن يتّخذهم منكم بطانةً من دون المؤمنين، ويؤثر المقام معهم على الهجرة إلى رسول اللّه ودار الإسلام {فأولئك هم الظّالمون} يقول: فالّذين يفعلون ذلك منكم هم الّذين خالفوا أمر اللّه، فوضعوا الولاية في غير موضعها وعصوا اللّه في أمره.
وقيل: إنّ ذلك نزل نهيًا من اللّه المؤمنين عن موالاة أقربائهم الّذين لم يهاجروا من أرض الشّرك إلى دار الإسلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام} قال: أمروا بالهجرة، فقال العبّاس بن عبد المطّلب: أنا أسقي الحاجّ، وقال طلحة أخو بني عبد الدّار: أنا صاحب الكعبة فلا نهاجر، فأنزلت: {لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء} إلى قوله: {يأتي اللّه بأمره} بالفتح، في أمره إيّاهم بالهجرة، هذا كلّه قبل فتح مكّة).
[جامع البيان: 11/383-384]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظّالمون (23)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: سقاية الحاجّ أمروا بالهجرة فقال العبّاس بن عبد المطّلب: أنا أسقي الحاجّ، وقال طلحة أخو بني عبد الدّار: أنا أحجب الكعبة، فلا نهاجر، فأنزلت لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى ثنا محمّد بن عليّ بن الحسين أنبأ محمّد بن مزاحمٍ حدّثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظّالمون يعني: الهجرة، يقول: هاجروا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: إن استحبّوا الكفر
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباطٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله استحبّوا قال: اختاروا).
[تفسير القرآن العظيم: 6/1770]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 23 - 24
أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: أمروا بالهجرة فقال العباس بن عبد المطلب: أنا أسقي الحاج، وقال طلحة أخو بني عبد الدار أنا أحجب الكعبة فلا نهاجر فأنزلت {لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه في هذه الآية قال: هي في الهجرة).
[الدر المنثور: 7/293]
تفسير قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها: (وإن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم) [الآية: 24]).
[تفسير الثوري: 124]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من اللّه ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي اللّه بأمره واللّه لا يهدي القوم الفاسقين}.
يقول تبارك وتعالى لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد للمتخلّفين عن الهجرة إلى دار الإسلام المقيمين بدار الشّرك: إن كان المقام مع آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم. وكانت {أموالٌ اقترفتموها} يقول: اكتسبتموها. {وتجارةٌ تخشون كسادها} بفراقكم بلدكم. {ومساكن ترضونها} فسكنتموها. {أحبّ إليكم} من الهجرة إلى اللّه ورسوله من دار الشّرك ومن جهادٍ في سبيله، يعني في نصرة دين اللّه الّذي ارتضاه. {فتربّصوا} يقول: فتنظّروا. {حتّى يأتي اللّه بأمره} حتّى يأتي اللّه بفتح مكّة. {واللّه لا يهدي القوم الفاسقين} يقول: واللّه لا يوفّق للخير الخارجين عن طاعته وفي معصيته.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {حتّى يأتي اللّه بأمره} بالفتح.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {فتربّصوا حتّى يأتي اللّه بأمره} فتح مكّة.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها} يقول: تخشون أن تكسد فتبيعوها. {ومساكن ترضونها} قال: هي القصور والمنازل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأموالٌ اقترفتموها} يقول: أصبتموها). [جامع البيان: 11/384-385]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من اللّه ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي اللّه بأمره واللّه لا يهدي القوم الفاسقين (24)
قوله تعالى: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا اللّيث بن سعدٍ ثنا إبراهيم بن نشيطٍ الوعلانيّ عن عليّ بن بحيرٍ المعافريّ أنّ رجلا أراد الجهاد في سبيل اللّه فمنعته أمّه فأتى عمرو بن يزيد الخولانيّ يسأله عن ذلك، فقال له عمرو بن يزيد: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها الآية.
- حدّثنا أبي ثنا القاسم بن عثمان الجوعيّ ثنا عبيد بن عيّاشٍ عن عليّ بن بكّارٍ عن ابن عونٍ قال: كان إذا شاوره أحدٌ في الغزو وله أبوان فتلا عليه هذه الآية قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم إلى آخر الآية، ثمّ سكت فلا يقول له: اخرج ولا أقم.
قوله تعالى: وأموالٌ اقترفتموها
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: وأموالٌ اقترفتموها يقول: أصبتموها.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ- ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ ثنا شيبان عن قتادة وأموالٌ اقترفتموها قال: اغتصبتموها.
قوله تعالى: وتجارةٌ تخشون كسادها
- أخبرنا أحمد بن عثمان- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وتجارةٌ تخشون كسادها يقول: تخشون أن تكسد فتبيعونها.
قوله تعالى: ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من اللّه ورسوله
- وبه عن السّدّيّ ومساكن ترضونها قال: هي القصور والمنازل.
قوله تعالى: وجهادٍ في سبيله
- قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان وجهادٍ في سبيله يعني: الهجرة إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمرها بها.
قوله تعالى: فتربّصوا حتّى يأتي اللّه بأمره
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: فتربّصوا حتّى يأتي اللّه بأمره بالفتح، أمر إيّاهم بالهجرة هذا كلّه قبل فتح مكّة.
- قرأت على محمّدٍ ثنا محمّدٌ ثنا بكيرٌ عن مقاتلٍ قوله: حتّى يأتي اللّه بأمره وكان أمره فيهم القتل.
قوله تعالى: واللّه لا يهدي القوم الفاسقين
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- أنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: واللّه لا يهدي القوم الفاسقين قال: الكاذبين). [تفسير القرآن العظيم: 6/1771-1772]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره قال يعني بالفتح فتح مكة وهذا حين أمروا بالهجرة قال العباس وطلحة ما قالا وهذا كله قبل فتح مكة
). [تفسير مجاهد: 275]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وأموال اقترفتموها} قال: أصبتموها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله {وتجارة تخشون كسادها} يقول: تخشون أن تكسد فتبيعونها {ومساكن ترضونها} قال: هي القصور والمنازل.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} قال: بالفتح في أمره بالهجرة هذا كله قبل فتح مكة.
وأخرج أحمد والبخاري عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: والله لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه والله أعلم).
[الدر المنثور: 7/293-294]