العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 08:54 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (81) إلى الآية (83) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (81) إلى الآية (83) ]

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:06 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قول الله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتب وحكمة قال أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا ثم قال ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال فهذه الآية لأهل الكتاب أخذ الله ميثاقهم أن يؤمنوا لمحمد ويصدقوه). [تفسير عبد الرزاق: 1/124]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: واذكروا يا أهل الكتاب إذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين، يعني حين أخذ اللّه ميثاق النّبيّين، وميثاقهم: ما وثّقوا به على أنفسهم طاعة اللّه فيما أمرهم ونهاهم.
وقد بيّنّا أصل الميثاق باختلاف أهل التّأويل فيه بما فيه الكفاية.
{لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والعراق؛ {لما آتيتكم} بفتح اللاّم من لما، إلاّ أنّهم اختلفوا في قراءة آتيتكم فقرأه بعضهم {آتيتكم} على التّوحيد، وقرأه آخرون: (آتيناكم) على الجمع.
ثمّ اختلف أهل العربيّة إذا قرئ ذلك كذلك فقال بعض نحويّي البصرة: اللاّم الّتي مع ما في أوّل الكلام لام الابتداء، نحو قول القائل: لزيدٌ أفضل منك، لأنّ ما اسمٌ، والّذي بعدها صلةٌ لها، واللاّم الّتي في: {لتؤمننّ به ولتنصرنّه} لام القسم، كأنّه قال: واللّه لتؤمننّ به يؤكّد في أوّل الكلام وفي آخره، كما يقال: أما واللّه أن لو جئتني لكان كذا وكذا، وقد يستغنى عنها فيؤكّد في لتؤمننّ به باللاّم في آخر الكلام، وقد يستغنى عنها، ويجعل خبر ما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ، لتؤمننّ به، مثل: لعبد اللّه واللّه لا آتينّه، قال: وإن شئت جعلت خبر ما من كتابٍ يريد: لما آتيتكم كتابًا وحكمةً، وتكون من زائدةً.
وخطّأ بعض نحويّي الكوفيّين ذلك كلّه، وقال: اللاّم الّتي تدخل في أوائل الجزاء تجاب بما ولا لا فلا يقال لمن قام: لا تتبعه، ولا لمن قام: ما أحسن، فإذا وقع في جوابها ما ولا علم أنّ اللاّم ليست بتوكيدٍ للأولى؛ لأنّه يوضع موضعها ما ولا، فتكون كالأولى، وهي جوابٌ للأولى، قال: وأمّا قوله: {لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} بمعنى إسقاط من غلطٌ؛ لأنّ من الّتي تدخل وتخرج لا تقع مواقع الأسماء، قال: ولا تقع في الخبر أيضًا، إنّما تقع في الجحد والاستفهام والجزاء.
وأولى الأقوال في تأويل هذه الآية على قراءة من قرأ ذلك بفتح اللاّم بالصّواب أن يكون قوله: {لما} بمعنى: لمهما، وأن تكون ما حرف جزاءٍ أدخلت عليها اللاّم، وصيّر الفعل معها على فعل ثمّ أجيبت بما تجاب به الأيمان، فصارت اللاّم الأولى يمينًا إذ تلقّيت بجواب اليمين.
وقرأ ذلك آخرون: (لما آتيتكم) بكسر اللام من لما، وذلك قراءة جماعةٍ من أهل الكوفة
ثمّ اختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله، فقال بعضهم: معناه إذا قرئ كذلك: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين للّذي آتيتكم، فما على هذه القراءة بمعنى: الّذي عندهم. وكان تأويل الكلام: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين من أجل الّذي آتاهم من كتابٍ وحكمةٍ، ثمّ جاءكم رسولٌ: يعني: ثمّ إن جاءكم رسولٌ، يعني ذكر محمّدٍ في التّوراة، لتؤمننّ به، أي ليكوننّ إيمانكم به للّذي عندكم في التّوراة من ذكره.
وقال آخرون منهم: تأويل ذلك إذا قرئ بكسر اللاّم من لما، وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين للّذي آتاهم من الحكمة، ثمّ جعل قوله: لتؤمننّ به من الأخذ، أخذ الميثاق، كما يقال في الكلام: أخذت ميثاقك لتفعلنّ لأنّ أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف، فكان تأويل الكلام عند قائل هذا القول: وإذا استحلف اللّه النّبيّين للّذي آتاهم من كتابٍ وحكمةٍ، متى جاءهم رسولٌ مصدّقٌ لما معهم ليؤمننّ به ولينصرنّه.
وأولى القراءتين في ذلك بالصّواب قراءة من قرأ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم} بفتح اللاّم، لأنّ اللّه عزّ وجلّ أخذ ميثاق جميع الأنبياء بتصديق كلّ رسولٍ له ابتعثه إلى خلقه فيما ابتعثه به إليهم، كان ممّن آتاه كتابًا، أو من لم يؤته كتابًا، وذلك أنّه غير جائزٍ وصف أحدٍ من أنبياء اللّه عزّ وجلّ ورسله، بأنّه كان ممّن أبيح له التّكذيب بأحدٍ من رسله، فإذا كان ذلك كذلك، وكان معلومًا أنّ منهم من أنزل عليه الكتاب، وأنّ منهم من لم ينزل عليه الكتاب، كان بيّنًّا أنّ قراءة من قرأ ذلك: (لما آتيتكم) بكسر اللاّم، بمعنى: من أجل الّذي آتيتكم من كتابٍ، لا وجه له مفهومٌ إلاّ على تأويلٍ بعيدٍ، وانتزاعٍ عميقٍ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل فيمن أخذ ميثاقه بالإيمان بمن جاءه من رسل اللّه مصدّقًا لما معه، فقال بعضهم: إنّما أخذ اللّه بذلك ميثاق أهل الكتاب، دون أنبيائهم، واستشهدوا لصحّة قولهم بذلك بقوله: {لتؤمننّ به ولتنصرنّه} قالوا: فإنّما أمر الّذين أرسلت إليهم الرّسل من الأمم بالإيمان برسل اللّه، ونصرتها على من خالفها، وأمّا الرّسل فإنّه لا وجه لأمرها بنصرة أحدٍ؛ لأنّها المحتاجة إلى المعونة على من خالفها من كفرة بني آدم، فأمّا هي فإنّها لا تعين الكفرة على كفرها ولا تنصرها، قالوا: وإذا لم يكن غيرها وغير الأمم الكافرة، فمن الّذي ينصر النّبيّ، فيؤخذ ميثاقه بنصرته؟.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} قال: هي خطأٌ من الكاتب، وهي في قراءة ابن مسعودٍ: وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين} يقول: وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب، وكذلك كان يقرؤها الرّبيع: وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب، إنّما هي أهل الكتاب، قال: وكذلك كان يقرؤها أبيّ بن كعبٍ، قال الرّبيع: ألا ترى أنّه يقول: {ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه} يقول.: لتؤمننّ بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ولتنصرنّه، قال: هم أهل الكتاب
وقال آخرون: بل الّذين أخذ ميثاقهم بذلك الأنبياء دون أممها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، وأحمد بن حازمٍ، قالا: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيبٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّما أخذ اللّه ميثاق النّبيّين على قومهم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، في قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين} أن يصدّق بعضهم بعضًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه في قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم} الآية، قال: أخذ اللّه ميثاق الأوّل من الأنبياء ليصدّقنّ وليؤمننّ بما جاء به الآخر منهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن هاشمٍ، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روقٍ، عن أبي أيّوب، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: لم يبعث اللّه عزّ وجلّ نبيًّا، آدم فمن بعده، إلاّ أخذ عليه العهد في محمّدٍ: لئن بعث وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه، فقال: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} الآية.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ} الآية، هذا ميثاقٌ أخذه اللّه على النّبيّين أن يصدّق بعضهم بعضًا، وأن يبلّغوا كتاب اللّه ورسالاته، فبلّغت الأنبياء كتاب اللّه ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم فيما بلّغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ويصدّقوه وينصروه.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} الآية قال: لم يبعث اللّه عزّ وجلّ نبيًّا قطّ من لدن نوحٍ إلاّ أخذ ميثاقه: ليؤمننّ بمحمّدٍ، ولينصرنّه إن خرج وهو حيّ، وإلاّ أخذ على قومه أن يؤمنوا به، ولينصرنّه إن خرج وهم أحياءٌ.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا عبد الكبير بن عبد المجيد أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، قال: سألت الحسن، عن قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} الآية كلّها، قال: أخذ اللّه ميثاق النّبيّين: ليبلغنّ آخركم أوّلكم ولا تختلفوا
وقال آخرون: معنى ذلك أنّه ميثاق النّبيّين وأممهم، فاجتزأ بذكر الأنبياء عن ذكر أممها؛ لأنّ في ذكر أخذ الميثاق على المتبوع دلالةً على أخذه على التّبّاع؛ لأنّ الأمم هم تبّاع الأنبياء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: ثمّ ذكر ما أخذ عليهم، يعني على أهل الكتاب، وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه، يعني بتصديق محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم، فقال: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} إلى آخر الآية.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٌ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ مثله.
وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: الخبر عن أخذ اللّه الميثاق من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضًا، وأخذ الأنبياء على أممها، وتبّاعها الميثاق بنحو الّذي أخذ عليها ربّها من تصديق أنبياء اللّه ورسله بما جاءتها به؛ لأنّ الأنبياء عليهم السّلام بذلك أرسلت إلى أممها، ولم يدّع أحدٌ ممّن صدّق المرسلين أنّ نبيًّا أرسل إلى أمّةٍ بتكذيب أحدٍ من أنبياء اللّه عزّ وجلّ، وحججه في عباده، بل كلّها وإن كذّب بعض الأمم بعض أنبياء اللّه بجحودها نبوّته مقرٌّ بأنّ من ثبتت صحّة نبوّته، فعليها الدّينونة بتصديقه فذلك ميثاقٌ مقرٌّ به جميعهم، ولا معنى لقول من زعم أنّ الميثاق إنّما أخذ على الأمم دون الأنبياء، لأنّ اللّه عزّ وجلّ، قد أخبر أنّه أخذ ذلك من النّبيّين، فسواءٌ قال قائلٌ: لم يأخذ ذلك منها ربّها، أو قال: لم يأمرها ببلاغ ما أرسلت، وقد نصّ اللّه عزّ وجلّ أنّه أمرها بتبليغه؛ لأنّهما جميعًا خبران من اللّه عنها، أحدهما أنّه أخذ منها، والآخر منهما أنّه أمرها، فإن جاز الشّكّ في أحدهما جاز في الآخر. وأمّا ما استشهد به الرّبيع بن أنسٍ على أنّ المعنيّ بذلك أهل الكتاب من قوله: {لتؤمننّ به ولتنصرنّه} فإنّ ذلك غير شاهدٍ على صحّة ما قال؛ لأنّ الأنبياء قد أمر بعضها بتصديق بعضٍ، وتصديق بعضها بعضًا، نصرةٌ من بعضها بعضًا.
تمّ اختلفوا في الّذين عنوا بقوله: {ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه} فقال بعضهم: الّذين عنوا بذلك هم الأنبياء، أخذت مواثيقهم أن يصدّق بعضهم بعضًا وأن ينصروه، وقد ذكرنا الرّواية بذلك عمّن قاله.
وقال آخرون: هم أهل الكتاب أمروا بتصديق محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا بعثه اللّه وبنصرته، وأخذ ميثاقهم في كتبهم بذلك، وقد ذكرنا الرّواية بذلك أيضًا عمّن قاله.
وقال آخرون ممّن قال الّذين عنوا بأخذ اللّه ميثاقهم منهم في هذه الآية هم الأنبياء، قوله: {ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم} معنيّ به أهل الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: أخبرنا ابن طاووسٍ، عن أبيه، في قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} قال: أخذ اللّه ميثاق النّبيّين: أن يصدّق بعضهم بعضًا، ثمّ قال: {ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه} قال: فهذه الآية لأهل الكتاب أخذ اللّه ميثاقهم أن يؤمنوا بمحمّدٍ ويصدّقوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثني ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، قال: قال قتادة: أخذ اللّه على النّبيّين ميثاقهم أن يصدّق بعضهم بعضًا، وأن يبلّغوا كتاب اللّه ورسالته إلى عباده، فبلّغت الأنبياء كتاب اللّه ورسالاته إلى قومهم، وأخذوا مواثيق أهل الكتاب في كتابهم، فيما بلّغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ويصدّقوه وينصروه
وأولى الأقوال بالصّواب عندنا في تأويل هذه الآية: أنّ جميع ذلك خبرٌ من اللّه عزّ وجلّ عن أنبيائه أنّه أخذ ميثاقهم به، وألزمهم دعاء أممهم إليه والإقرار به؛ لأنّ ابتداء الآية خبرٌ من اللّه عزّ وجلّ عن أنبيائه أنّه أخذ ميثاقهم، ثمّ وصف الّذي أخذ به ميثاقهم، فقال: هو كذا وهو كذا.
وإنّما قلنا إنّ ما أخبر اللّه أنّه أخذ به مواثيق أنبيائه من ذلك، قد أخذت الأنبياء مواثيق أممها به؛ لأنّها أرسلت لتدعو عباد اللّه إلى الدّينونة، بما أمرت بالدّينونة به في أنفسها من تصديق رسل اللّه على ما قدّمنا البيان قبل.
فتأويل الآية: واذكروا يا معشر أهل الكتاب إذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لمهما آتيتكم أيّها النّبيّون من كتابٍ وحكمةٍ، ثمّ جاءكم رسولٌ من عندي مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به، يقول: لتصدّقنّه ولتنصرنّه.
وقد قال السّدّيّ في ذلك بما:
- حدّثنا به محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {لما آتيتكم} يقول لليهود: أخذت ميثاق النّبيّين بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو الّذي ذكر في الكتاب عندكم.
فتأويل ذلك على قول السّدّيّ الّذي ذكرناه: واذكروا يا معشر أهل الكتاب، إذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم أيّها اليهود من كتابٍ وحكمةٍ، وهذا الّذي قاله السّدّيّ كان تأويلاً لا وجه غيره لو كان التّنزيل بما آتيتكم، ولكنّ التّنزيل باللاّم لما آتيتكم وغير جائزٍ في لغة أحدٍ من العرب أن يقال: أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم، بمعنى: بما آتيتكم). [جامع البيان: 5/535-545]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين بما ذكر، فقال لهم تعالى ذكره: أأقررتم بالميثاق الّذي واثقتموني عليه من أنّكم مهما أتاكم رسولٌ من عندي، مصدّقٌ لما معكم، لتؤمننّ به ولتنصرنّه {وأخذتم على ذلكم إصري} يقول: وأخذتم على ما واثقتموني عليه من الإيمان بالرّسل الّتي تأتيكم بتصديق ما معكم من عندي، والقيام بنصرتهم إصري، يعني عهدي ووصيّتي، وقبلتم في ذلك منّي ورضيتموه.
والأخذ: هو القبول في هذا الموضع، والرّضا من قولهم: أخذ الوالي عليه البيعة، بمعنى: بايعه، وقبل ولايته، ورضي بها.
وقد بيّنّا معنى الإصر باختلاف المختلفين فيه، والصّحيح من القول في ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وحذفت الفاء من قوله: {قال أأقررتم} لأنّه ابتداء كلامٍ على نحو ما قد بيّنّا في نظائره فيما مضى.
وأمّا قوله: {قالوا أقررنا} فإنّه يعني به: قال النّبيّون الّذين أخذ اللّه ميثاقهم بما ذكر في هذه الآية: أقررنا بما ألزمتنا من الإيمان برسلك الّذين ترسلهم مصدّقين لما معنا من كتبك وبنصرتهم). [جامع البيان: 5/545-546]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه، قال اللّه: فاشهدوا أيّها النّبيّون بما أخذت به ميثاقكم من الإيمان بتصديق رسلي الّتي تأتيكم بتصديق ما معكم من الكتاب والحكمة، ونصرتهم على أنفسكم، وعلى أتباعكم من الأمم إذ أنتم أخذتم ميثاقهم على ذلك، وأنا معكم من الشّاهدين عليكم وعليهم بذلك.
- كما: حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن هاشمٍ، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روقٍ، عن أبي أيّوب، عن عليّ بن أبي طالبٍ، في قوله: {قال فاشهدوا} يقول: فاشهدوا على أممكم بذلك {وأنا معكم من الشّاهدين} عليكم وعليهم). [جامع البيان: 5/546]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ يعني قوله: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين قال: إنّما أخذ ميثاق النّبيّين على قومهم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين قال: أخذ اللّه ميثاق النّبيّين أن يصدّق بعضهم بعضًا.
قوله تعالى: لما آتيتكم من كتاب وحكمة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ قال: ما آتيتكم فيقول اليهود: أخذت ميثاق النّاس لمحمّدٍ وهو الّذي ذكر في الكتاب عندكم.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ، أخبرنا محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه يعني قوله: ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم قال: أخذ ميثاق أهل الكتاب لئن جاءهم رسولٌ مصدّقٌ بكتبهم الّتي عندهم الّتي جاء بها الأنبياء ليؤمننّ به ولينصرنّه، فأقرّوا بذلك، وأشهدوا اللّه على أنفسهم فلمّا جاءهم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم صدّق بكتبهم الأنبياء الّتي كانت قبله فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون
قوله تعالى: ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال: لم يبعث نبيٌّ قطّ من لدن نوحٍ إلا أخذ اللّه ميثاقه ليؤمننّ بمحمّدٍ ولينصرنّه إن خرج وهو حيٌّ والأخذ على قومه أن يؤمنوا به وينصرونه إن خرج وهم أحياءٌ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن ابن طاوسٍ عن أبيه: ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال: فهذه الآية لأهل الكتاب أخذ اللّه ميثاقهم أن يؤمنوا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ويصدّقوه.
قوله تعالى: قال أأقررتم
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الربيع قال أأقررتم قال: هم أهل الكتاب.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق قال: قال محمّد بن أبي محمّدٍ قال: ثمّ ذكر ما أخذ عليهم وعلى أنبيائهم الميثاق بتصديقه إذا هو جاءهم وإقرارهم على أنفسهم فقال: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، حدّثني أبي، عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ قوله: وأخذتم على ذلكم إصري عهدي.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة، حدّثني محمّد بن إسحاق قوله: أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري أي ثقل ما حمّلتم من عهدي.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ وقتادة قالوا: عهدي.
قوله تعالى: أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع قوله: قالوا أقررنا. قال: فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين قال: هم أهل الكتاب). [تفسير القرآن العظيم: 2/693-695]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة قال هذا خطأ من الكتاب وهي في قراءة ابن مسعود وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لما آتيتكم). [تفسير مجاهد: 130]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 81 - 82.
أخرج عبد بن حميد والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} قال: هي خطأ من الكتاب، وهي قراءة ابن مسعود {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب}.
وأخرج ابن جرير عن الربيع أنه قرأ {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب} قال: وكذلك كان يقرؤها أبي كعب بن كعب، قال الربيع: ألا ترى أنه يقول {ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه} يقول: لتؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولتنصرنه، قال: هم أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن أصحاب عبد الله يقرؤون (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لما آتيتكم من كتاب وحكمة) ونحن نقرأ {ميثاق النبيين} فقال ابن عباس: إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن طاووس في الآية قال: أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر من وجه آخر، عن طاووس في الآية قال: أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء ليصدقن وليؤمنن بما جاء به الآخر منهم.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لم يبعث الله نبيا
آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه، ثم تلا {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في الآية قال: هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضا وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم وأخذ عليهم فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: لم يبعث الله نبيا قط من لدن نوح إلا أخذ الله ميثاقه، ليؤمنن بمحمد ولينصرنه إن خرج وهو حي وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به وينصروه إن خرج وهم أحياء.
وأخرج ابن جريج عن الحسن في الآية قال: أخذ الله ميثاق النبيين ليبلغن آخركم أولكم ولا تختلفوا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: ثم ذكر ما أخذ عليهم - يعني على أهل الكتاب - وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه - يعني بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم - إذ جاءهم وإقرارهم به على أنفسهم، واخرج أحمد عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه لضللتم، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين
وأخرج أبو يعلى، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إنكم إما أن تصدقوا بباطل وإما أن تكذبوا بحق وإنه - والله - لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ {لما آتيتكم} ثقل لما.
وأخرج عن عاصم أنه قرأ {لما} مخففة {آتيتكم} بالتاء على واحدة يعني أعطيتكم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {إصري} قال: عهدي.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله {قال فاشهدوا} يقول: فاشهدوا على أممكم بذلك {وأنا معكم من الشاهدين} عليكم وعليهم {فمن تولى} عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم {فأولئك هم الفاسقون} هم العاصون في الكفر). [الدر المنثور: 3/646-649]

تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فمن أعرض عن الإيمان برسلي الّذين أرسلتهم بتصديق ما كان مع أنبيائي من الكتب والحكمة، وعن نصرتهم، فأدبر ولم يؤمن بذلك ولم ينصر، ونكث عهده وميثاقه بعد ذلك، يعني بعد العهد والميثاق الّذي أخذه اللّه عليه، فأولئك هم الفاسقون: يعني بذلك أنّ المتولّين عن الإيمان بالرّسل الّذين وصف الله أمرهم ونصرتهم بعد العهد والميثاق اللّذين أخذا عليهم بذلك، هم الفاسقون، يعني بذلك الخارجين من دين اللّه، وطاعة ربّهم.
- كما: حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن هاشمٍ، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روقٍ، عن أبي أيّوب، عن عليّ بن أبي طالبٍ: فمن تولّى عنك يا محمّد بعد هذا العهد من جميع الأمم، فأولئك هم الفاسقون، هم العاصون في الكفر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، قال أبو جعفرٍ يعني الرّازيّ: {فمن تولّى بعد ذلك} يقول: بعد العهد والميثاق الّذي أخذ عليهم، فأولئك هم الفاسقون
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
وهاتان الآيتان وإن كان مخرج الخبر فيهما من اللّه عزّ وجلّ بما أخبر أنّه شهد، وأخذ به ميثاق من أخذ ميثاقه به عن أنبيائه ورسله، فإنّه مقصودٌ به إخبار من كان حوالي مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من يهود بني إسرائيل أيّام حياته صلّى اللّه عليه وسلّم، عمّا للّه عليهم من العهد في الإيمان بنبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومعنى تذكيرهم ما كان اللّه آخذًا على آبائهم وأسلافهم من المواثيق والعهود، وما كانت أنبياء اللّه عرّفتهم وتقدّمت إليهم في تصديقه واتّباعه ونصرته على من خالفه وكذّبه، وتعريفهم ما في كتب اللّه الّتي أنزلها إلى أنبيائه الّتي ابتعثهم إليهم من صفته وعلامته). [جامع البيان: 5/546-547]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (82) أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون (83)
قوله تعالى: فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: فمن تولّى بعد ذلك يقول هذا الميثاق الّذي أخذ عليهم فأولئك هم الفاسقون). [تفسير القرآن العظيم: 2/695-697]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 81 - 82.
...
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله {قال فاشهدوا} يقول: فاشهدوا على أممكم بذلك {وأنا معكم من الشاهدين} عليكم وعليهم {فمن تولى} عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم {فأولئك هم الفاسقون} هم العاصون في الكفر). [الدر المنثور: 3/646-649] (م)

تفسير قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال لي يعقوب: وسألت زيد بن أسلم عن قول الله: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها}، قال: أطاعوه فيما أحبوا أو كرهوا كما قال للسماء والأرض: {ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين). [الجامع في علوم القرآن: 2/124]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال نا معمر عن قتادة في قوله تعالى وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها قال أما المؤمن فأسلم طوعا وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله قال فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا). [تفسير عبد الرزاق: 1/125]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ وغيره عن مجاهدٍ في قوله: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها} قال: هي كقوله: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الآية: 83]). [تفسير الثوري: 78]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: كان طاوسٌ إذا سئل عن الرّجل يفضّل بعض ولده، قرأ: {أفحكم الجاهليّة يبغون} ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1062]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا معتمر بن سليمان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله تعالى: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: الطّائع المؤمن). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 434]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً} قال: سجود المسلم ظلّه وروحه طائعًا، وسجود ظلّ الكافر وهو كارهٌ. ومن يبتغ غير الإسلام ديناً). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 75]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز من مكّة والمدينة وقرّاء الكوفة: (أفغير دين اللّه تبغون)، (وإليه ترجعون)، على وجه الخطّاب. وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز: {أفغير دين اللّه يبغون}، {وإليه يرجعون} بالياء كلتيهما على وجه الخبر عن الغائب، وقرأ ذلك بعض أهل البصرة: {أفغير دين اللّه يبغون} على وجه الخبر عن الغائب، وإليه ترجعون بالتّاء على وجه المخاطبة.
وأولى ذلك بالصّواب قراءة من قرأ: (أفغير دين اللّه تبغون) على وجه الخطّاب (وإليه ترجعون) بالتّاء، لأنّ الآية الّتي قبلها خطابٌ لهم، فإتباع الخطّاب نظيره أولى من صرف الكلام إلى غير نظيره، وإن كان الوجه الآخر جائزًا لما قد ذكرنا فيما مضى قبل من أنّ الحكاية يخرج الكلام معها أحيانًا على الخطاب كلّه، وأحيانًا على وجه الخبر عن الغائب، وأحيانًا بعضه على الخطاب، وبعضه على الغيبة، فقوله: (تبغون)، (وإليه ترجعون) في هذه الآية من ذلك.
وتأويل الكلام: يا معشر أهل الكتاب: (أفغير دين اللّه تبغون) يقول: أفغير طاعة اللّه تلتمسون وتريدون {وله أسلم من في السّموات والأرض} يقول: وله خشع من في السّموات والأرض، فخضع له بالعبوديّة وأقرّ له بإفراد الرّبوبيّة، وانقاد له بإخلاص التّوحيد والألوهيّة {طوعًا وكرهًا} يقول: أسلم للّه طائعًا من كان إسلامه منهم له طائعًا، وذلك كالملائكة والأنبياء والمرسلين، فإنّهم أسلموا للّه طائعين، وكرهًا من كان منهم كارهًا.
واختلف أهل التّأويل في معنى إسلام الكاره الإسلام. وصفته، فقال بعضهم: إسلامه: إقراره بأنّ اللّه خالقه وربّه، وإن أشرك معه في العبادة غيره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {وله أسلم من في السّموات والأرض} قال: هو كقوله: {ولئن سألتهم من خلق السّموات والأرض ليقولنّ اللّه}
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون} قال: كلّ آدميٍّ قد أقرّ على نفسه بأنّ اللّه ربّي وأنا عبده، فمن أشرك في عبادته فهذا الّذي أسلم كرهًا، ومن أخلص لله العبوديّة فهو الّذي أسلم طوعًا.
وقال آخرون: بل إسلام الكاره منهم كان حين أخذ منه الميثاق، فأقرّ به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: حين أخذ الميثاق
وقال آخرون: عنى بإسلام الكاره منهم سجود ظلّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: الطّائع: المؤمن، وكرهًا: ظلّ الكافر.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {طوعًا وكرهًا} قال: سجود المؤمن طائعًا، وسجود الكافر وهو كارهٌ
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كرهًا} قال: سجود المؤمن طائعًا، وسجود ظلّ الكافر وهو كارهٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: سجود وجهه وظلّه طائعًا
وقال آخرون: بل إسلامه بقلبه في مشيئة اللّه واستقادته لأمره، وإن أنكر ألوهته بلسانه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ: {وله أسلم من في السّموات والأرض} قال: استقاد كلّهم له
وقال آخرون: عنى بذلك إسلام من أسلم من النّاس كرهًا حذر السّيف على نفسه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} الآية كلّها، فقال: أكره أقوامٌ على الإسلام، وجاء أقوامٌ طائعين.
- حدّثني الحسن بن قزعة الباهليّ، قال: حدّثنا روح بن عطاءٍ، عن مطرٍ الورّاق، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون} قال: الملائكة طوعًا، والأنصار طوعًا، وبنو سليمٍ وعبد القيس طوعًا، والنّاس كلّهم كرهًا.
وقال آخرون: معنى ذلك أنّ أهل الإيمان أسلموا طوعًا، وأنّ الكافر أسلم في حال المعاينة حين لا ينفعه إسلامٌ كرهًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: (أفغير دين اللّه تبغون) الآية، فأمّا المؤمن فأسلم طائعًا، فنفعه ذلك، وقبل منه؛ وأمّا الكافر فأسلم كارهًا، حين لا ينفعه ذلك، ولا يقبل منه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: أمّا المؤمن فأسلم طائعًا، وأمّا الكافر فأسلم حين رأى بأس اللّه {فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا}.
وقال آخرون: معنى ذلك: أن عبادة الخلق للّه عزّ وجلّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: عبادتهم لي أجمعين طوعًا وكرهًا.
وهو قوله: {وللّه يسجد من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} وأمّا قوله: {وإليه يرجعون} فإنّه يعني: وإليه يا معشر من يبتغي غير الإسلام دينًا من اليهود والنّصارى، وسائر النّاس (ترجعون) يقول: إليه تصيرون بعد مماتكم، فمجازيكم بأعمالكم، المحسن منكم بإحسانه والمسيء بإساءته.
وهذا من اللّه عزّ وجلّ تحذير خلقه أن يرجع إليه أحدٌ منهم، فيصير إليه بعد وفاته على غير ملّة الإسلام). [جامع البيان: 5/548-553]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا مبشّر بن إسماعيل الحلبيّ عن العلاء بن هلالٍ عن الحسن في قوله: وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا قال:
أهل السّموات، والمهاجرون، والأنصار، وأهل البحرين.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو يحيى الزّعفرانيّ، ثنا أبو بكر بن أبان يعني الوكيعيّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر عن سعيد بن المرزبان، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه تعالى:
وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا (قال: هذه مفصولةٌ ومن في الأرض طوعًا)
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا عثمان بن الهيثم، ثنا يحيى بن عبد الرّحمن العصريّ عن الحسن في قوله: وله أسلم من في السماوات والأرض قال: في السّماء الملائكة طوعًا، وفي الأرض الأنصار وعبد القيس طوعًا.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ عن عامرٍ وله أسلم من في السماوات قال: استقادتهم له.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن حمزة بن إسماعيل، أخبرني أبى، ثنا أبى سنانٍ في قوله: وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا قال: المعرفة ليس أحدٌ سأله إلا عرفه.
قوله تعالى: طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون
[الوجه الأول]
- أخبرنا سعيد بن عمرو بن سعيدٍ السّكونيّ فيما كتب إليّ، ثنا بقيّة حدّثني معاوية بن يحيى، عن أبي سنانٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا قال: المعرفة.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا قال: عبادتهم لي أجمعين طوعًا وكرهًا.
- حدّثنا كثير بن شهابٍ، ثنا محمّدٌ يعني ابن سعيد بن سابقٍ، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون كلّ آدميٍّ قد أقرّ على نفسه بأنّ اللّه ربّي وأنا أعبده، فهذا أشرك في عبادته فهذا الّذي أسلم كرهًا، ومنهم من شهد أنّ اللّه ربّي وأنا عبده ثمّ أخلص له العبوديّة فهذا الّذي أسلم له طوعًا.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: طوعًا وكرهًا قال: سجود المؤمن طائعًا وسجود الكافر وهو كارهٌ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ، عن قتادة في قوله: وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا قال: أمّا المؤمن فأسلم طائعًا، وأمّا الكافر فأسلم حين رأى بأس اللّه فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا
الوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا عمر بن عليٍّ، عن سعيد بن المرزبان، عن عكرمة وله أسلم من في السماوات والأرض قال: أسلم من في السّموات والأرض ثمّ استأنف طوعًا وكرهًا، فمن أسلم منهم كرهًا: مشركوا العرب والسّبايا، ومن دخل الإسلام كرهًا.
قوله تعالى: وإليه يرجعون
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية وإليه يرجعون قال: يرجعون إليه بعد الحياة). [تفسير القرآن العظيم: 2/695-697]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله طوعا وكرها قال سجود المؤمن طائعا وسجود ظل الكافر وهو كاره). [تفسير مجاهد: 130]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} [آل عمران: 83].
- عن ابن عبّاسٍ عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - «{وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} [آل عمران: 83] " أمّا من في السّماوات فالملائكة، وأمّا من في الأرض فمن ولد على الإسلام، وأمّا كرهًا فمن أتي به من سبايا الأمم في السّلاسل والأغلال، يقادون إلى الجنّة وهم كارهون».
رواه الطّبرانيّ، وفيه محمّد بن محصّنٍ العكّاشيّ، وهو متروكٌ). [مجمع الزوائد: 6/326]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 83 - 84
أخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} أما من في السموات فالملائكة وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام وأما كرها فمن أتي به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون.
وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} قال: الملائكة أطاعوه في السماء والأنصار وعبد القيس أطاعوه في الأرض.
وأخرج ابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} قال: حين أخذ الميثاق.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في الآية قال: عبادتهم لي أجمعين {طوعا وكرها} وهو قوله (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها) (الرعد الآية 15)، واخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس {وله أسلم من في السماوات} قال: هذه مفصولة {من في السماوات والأرض طوعا وكرها}.
واخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس {وله أسلم} قال: المعرفة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في الآية قال: هو كقوله (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) (لقمان الآية 25) فذلك إسلامهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: كل آدمي أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده، فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرها ومن أخلص لله العبودية فهو الذي أسلم طوعا.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال: أكره أقوام على الإسلام وجاء أقوام طائعين.
وأخرج عن مطر الوراق في الآية قال: الملائكة طوعا والأنصار طوعا وبنو سليم وعبد القيس طوعا والناس كلهم كرها
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: أما المؤمن فأسلم طائعا فنفعه ذلك وقبل منه وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله فلم ينفعه ذلك ولم يقبل منهم (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) (غافر الآية 85).
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: في السماء الملائكة طوعا وفي الأرض الأنصار وعبد القيس طوعا.
وأخرج عن الشعبي {وله أسلم من في السماوات} قال: استقادتهم له.
وأخرج عن أبي سنان {وله أسلم من في السماوات والأرض} قال: المعرفة، ليس أحد تسأله إلا عرفه.
وأخرج عن عكرمة في قوله {وكرها} قال: من أسلم من مشركي العرب والسبايا: ومن دخل في الإسلام كرها، واخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرأوا في أذنه {أفغير دين الله يبغون}.
وأخرج ابن السني في عمل يوم وليلة عن يونس بن عبيد قال: ليس رجل
يكون على دابة صعبة فيقرأ في أذنها {أفغير دين الله يبغون وله أسلم} الآية، إلا ذلت له بإذن الله عز وجل). [الدر المنثور: 3/649-653]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 02:33 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ...}
و{لما آتيتكم} قرأها يحيى بن وثّاب بكسر اللام؛ يريد أخذ الميثاق للذين آتاهم، ثم جعل قوله: {لتؤمننّ به} من الأخذ؛ كما تقول: أخذت ميثاقك لتعملنّ؛ لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف. ومن نصب اللام في (لما) جعل اللام لاما زائدة؛ إذ أوقعت على جزاء صيّر على جهة فعل وصيّر جواب الجزاء باللام وبإن وبلا ويما، فكأنّ اللام يمين؛ إذ صارت تلقى بجواب اليمين. وهو وجه الكلام). [معاني القرآن: 1/225]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {على ذلكم إصري} أي: عهدي). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مّصدّقٌ لّما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذالكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم مّن الشّاهدين}
قال الله تعالى: {لما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مّصدّقٌ لّما معكم لتؤمننّ به} فاللام التي مع "ما" في أول الكلام هي لام الابتداء نحو "لزيدٌ أفضل منك"، لأن {ما آتيتكم} اسم والذي بعده صلة.
واللام التي في {لتؤمننّ به ولتنصرنّه} لام القسم كأنه قال "واللّه لتؤمننّ به" فوكد في أول الكلام وفي آخره، كما تقول: "أما واللّه أن لو اجئتني لكان كذا وكذا"، وقد يستغنى عنها. ووكّد في {لتؤمننّ} باللام في آخر الكلام وقد يستغنى عنها.
جعل خبر {ما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ} {لتؤمننّ به} مثل "ما لعبد الله؟ واللّه لتأتينّه". وإن شئت جعلت خبر (ما) {من كتابٍ} تريد {لما آتيتكم كتابٌ وحكمةٌ} وتكون "من" زائدة).
[معاني القرآن: 1/175-176]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إصري}: عهدي). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وأخذتم على ذلكم إصري} أي: عهدي. وأصل الإصر الثّقل. فسمي العهد إصرا: لأنه يمنع من الأمر الذي أخذ له وثقّل وشدّد). [تفسير غريب القرآن: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (قال تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي}أي عهدي، لأن العهد ثقل وَمَنْعٌ من الأمر الذي أخذ له). [تأويل مشكل القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الإصر: الثُّقْلُ الذي ألزمه الله بني إسرائيل في فرائضهم وأحكامهم، ووضعه عن المسلمين، ولذلك قيل للعهد: إِصْر.
قال تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} أي: عهدي، لأن العهد ثقل ومنع من الأمر الذي أخذ له.
{والأغلال}: تحريم الله عليهم كثيرا مما أطلقه لأمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، وجعله أغلالا لأن التحريم يمنع كما يقبض الغلّ اليد، فاستعير.
قال أبو ذؤيب:
فليس كعهد الدّار يا أمّ مالك = ولكن أحاطت بالرّقاب السّلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل = سوى العدل شيئا فاستراح العواذل
يقول: ليس الأمر كعهدك إذ كنا في الدّار ونحن نتبَسَّط في كل شيء ولا نتوقَّى، ولكن أسلمنا فصرنا من موانع الإسلام في مثل الأغلال المحيطة بالرِّقاب القابضة للأيدي). [تأويل مشكل القرآن: 148-149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الأخذ: أصله باليد، ثم يستعار في مواضع:
فيكون بمعنى: القبول، قال الله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي}أي: قبلتم عهدي). [تأويل مشكل القرآن: 502] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين}
موضع (إذ) نصب - المعنى - واللّه أعلم - واذكر في أقاصيصك {إذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} - إلى قوله {لتؤمننّ به ولتنصرنّه}.
" ما " ههنا على ضربين: -
1-يصلح أن يكون للشرط.
2-والجزاء، وهو أجود الوجهين، لأن الشرط يوجب أن كل ما وقع من أمر الرسل فهذه طريقته، واللام دخلت في ما كما تدخل في " إن " التي للجزاء إذا كان في جواب القسم، قال اللّه عزّ وجلّ:
{ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك}
وقال: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن}.
فاللام في "إن " دخلت مؤكدة موطدة للام القسم. ولام القسم هي التي لليمين لأن قولك: واللّه لئن جئتني لأكرمنك... إنما حلفك على فعلك إلا أن الشرط معلق به فلذلك دخلت اللام على الشرط فإذا كانت ما في معنى الجزاء فموضعها نصب بقوله {لما آتيتكم} والجزاء قوله {لتؤمنن به}.
ويجوز أن يكون في معنى الذي ويكون موضعها رفعا.

المعنى أخذ اللّه ميثاقهم أي استحلفهم للذي آتيتكم، والمعنى آتيتكموه {لتؤمنن به} فتكون ما رفعا بالابتداء ويكون خبر الابتداء {لتؤمنن به} وحذفت الهاء من {لما آتيتكم} لطول الاسم.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ: أنه عهد إلى كل رسول أن يؤمن بغيره من الرسل فصار العهد مشتملا على الجماعة أن يؤمن بعضهم ببعض وأن ينصر بعضهم بعضا.
ومعنى قوله {فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} أي: فتبينوا لأن الشاهد هو الذي يصحح دعوى المدعي وشهادة اللّه للنبيين تبيينه أمر نبوتهم بالآيات المعجزات.
ويجوز - وقد قرئ به - {لما آتيتكم} فتكون اللام المكسورة معلقة بقوله أخذ المعنى أخذ الميثاق لآتيانكم الكتاب والحكمة.
وقرأ بعضهم {لما آتيناكم من كتاب وحكمة} أي: لما آتيناكم الكتاب والحكمة أخذ الميثاق ويكون الكلام يؤول إلى الجزاء - كما تقول: لما جئتني أكرمتك). [معاني القرآن: 1/436-437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة}
قال طاووس: أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء الآخر). [معاني القرآن: 1/430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه}
قال فهذه الآية لأهل الكتاب أخذ الله ميثاقهم بان يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه
وقرا ابن مسعود {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب}.
وقال ابن عباس: إنما أخذ ميثاق النبيين على قومهم
وقال الكسائي: يجوز أن تكون {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} بمعنى: وإذ أخذ الله ميثاق الذين مع النبيين
وقال البصريون: إذا أخذ الله ميثاق النبيين فقد أخذ ميثاق الذين معهم لأنهم قد اتبعوهم وصدقوهم.
و"ما" بمعنى:
الذي
ويجوز أن تكون للشرط ويقرأ (لما) بكسر اللام فتكون ما أيضا بمعنى الذي وتكون متعلقة بأخذ

وقرأ سعيد بن جبير (لما) بالتشديد). [معاني القرآن: 1/430-432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وأخذتم على ذلكم إصري}
قال مجاهد: أي عهدي.
والإصر في اللغة: الثقل فسمي العهد إصرارا لأنه منع وتشديد

ثم قال تعالى: {فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}أي: فبينوا لأن الشاهد هو الذي يبين حقيقة الشيء). [معاني القرآن: 1/432]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إصري} أي: عهدي، وأصله الثقل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إِصْرِي}: عهدي). [العمدة في غريب القرآن: 101]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}
ذلك إشارة إلى أخذ الميثاق بالمعنى: {فمن تولى} أي: أعرض عن الإيمان بعد أخذ الميثاق على النبيين.
وأخذ الميثاق على النبيين مشتمل على: الأخذ على أممهم، أي: فمن تولى بعد أخذ الميثاق وظهور آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - {فأولئك هم الفاسقون} أي: الذين خرجوا عن القصد وعن جملة الإيمان.
ويصلح أن تكون {هم} ههنا اسما مبتدأ، و {الفاسقون} خبره و "هم" " مع " الفاسقون خبر أولئك.
وصلح أن يكون {الفاسقون} مرتفعا بأولئك " وهم " فصل - وهو الذي يسميه الكوفيون العماد). [معاني القرآن: 1/438]

تفسير قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً...}
أسلم أهل السموات طوعا، وأما أهل الأرض فإنهم لمّا كانت السّنّة فيهم أن يقاتلوا إن لم يسلموا أسلموا طوعا وكرها). [معاني القرآن: 1/225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}، أي: يستسلم من في السموات من الملائكة، ومن في الأرض من المؤمنين طوعا، ويستسلم من في الأرض من الكافرين كرها من خوف السيف.
{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} مستسلمة.
وهو مثل قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}). [تأويل مشكل القرآن: 418] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون}أي: أفغير دين اللّه يطلبون، لأنه قد بين أنه دين اللّه وأنهم كفروا وعاندوا وحسدوا بغيا - كما فعل إبليس.
وقوله عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها}.
جاء في التفسير: أنه أسلم من في السّماوات كلهم طوعا، وأسلم بعض من في الأرض طوعا وبعض كرها.
لما كانت السنة فيمن فرض قتاله من المشركين أن يقاتل حتى يسلم سمي ذلك كرها، وإن كان يسلم حين يسلم طائعا، إلا أن الوصلة كانت إلى ذلك بكره، ونصب {طوعا} مصدرا، وضع موضع الحال.
كأنه أسلموا طائعين ومكرهين، كما تقول جئتك ركضا ومشيا، وجئت راكضا وماشيا.
ويجوز أن يكون واللّه أعلم - على معنى وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها - أي: خضعوا من جهة ما فطرهم عليه ودبرهم به، لا
يمتنع ممتنع من جبلّة جبل عليها، ولا يقدر على تغييرها أحب تلك الجبلّة أو كرهها.
{وإليه يرجعون} يدل على تصديق هذا القول لأن المعنى إنّه بدأكم على إرادته شئتم أو أبيتم.
وهو يبعثكم كما بدأكم.
فالتأويل: أتبغون غير الدين الذي هذه صفته). [معاني القرآن: 1/438-439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {أفغير دين الله تبغون}أي: تطلبونن فالمعنى: قل لهم يا محمد أفغير دين الله تبغون.
ومن قرأ (يبغون) بالياء فالكلام عنده متناسق لأن قبله {فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}فالمعنى: أفغير دين الله يبغي هؤلاء). [معاني القرآن: 1/432-433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها}
معنى {وله أسلم}: خضع ثم قال {طوعا وكرها} قيل لما كانت السنة فيمن خالف أن يقاتل سمي إسلامه كرها وإن كان طوعا لأن سببه القتال). [معاني القرآن: 1/433]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 08:44 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وسألته عن قوله عز وجل: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه} فقال ما ههنا بمنزلة الذي ودخلتها اللام كما دخلت على إن حين قلت والله لئن فعلت لأفعلن واللام التي في ما كهذه التي في إن واللام التي في الفعل كهذه التي في الفعل هنا.

ومثل هذه اللام الأولى أن إذا قلت والله أن لو فعلت لفعلت
وقال:



فـأقـسـم أن لـــو التـقـيـنـا وأنــتــملكان لكم يومٌ من الشرّ مظلم

فأن في لو بمنزلة اللام في ما فأوقعت هاهنا لامين لامٌ للأول ولامٌ للجواب ولام الجواب هي التي يعتمد عليها القسم فكذلك اللامان في قوله عز وجل: {لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثم جاءكم رسولٌ مصدقٌ لما
معكم لتؤمنن به ولتنصرنه} لامٌ للأول وأخرى للجواب.
ومثل ذلك: {لمن تبعك منهم لأملأن} إنما دخلت اللام على نية اليمين والله أعلم). [الكتاب: 3/107-108]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (أبو عمرو: ..... وقال: الإصر الذنب). [الغريب المصنف: 3/667] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (



يسدون أبواب القباب بضمرإلى عنن مستوثقات الأواصر

جعل يسدون حالًا أي فإنهم في ذلك الموضع في هذه الحال، يريد أنهم أصحاب خيل يحبسونها بأفنيتهم، وفي بيوتهم، ولا يتركونها ترود، يفعلون ذلك من عزها عليهم، والعنن جمع عنة، وهي حظيرة من شجر تجعل فيها الخيل لتقيها البرد، ويقال لما فيها معنى، قال الشاعر:



قطعت الدهر كالسدم المعنىتـهــدر فـــي دمـشــق ومـــا تــريــم

والأواصر: الأواخي، وهي الأواري أيضًا والآري ما يحبس به الدابة، وقوله: إلى عنن، أي: مع عنن، هذا تفسير أبي عكرمة، وقال أحمد قوله: إلى عنن، أي فيها إبل تسقى الخيل ألبانها، وواحد الأواصر آصرة، وأنشد أحمد:



لها في الصيف آصرة وجلوســـت مـــن كرائـمـهـا غـــزار

ويقال قطعت آصرة ما بيني وبينه من القرابة والإخاء وجمعها الأواصر، ويقال أصرته الرحم إلي وعلي فهي تأصره أصرًا إذا عطفته الرحم إليك وعليك بالصلة والأصر الحبس بالفتح، والإصر العهد بالكسر ومنه قول الله عز وجل: {قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم أصري}، أي: عهدي، وأما قول الله عز وجل: {ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا} فإن الأصر ههنا إثم العهد إذا ضيعوا العهد، ولم يقوموا به، ونزعوا حقه). [شرح المفضليات: 34]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) }
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين الآية، المعنى واذكر يا محمد «إذ» ويحتمل أن يكون «أخذ» هذا الميثاق حين أخرج بني آدم من ظهر آدم نسما، ويحتمل أن يكون هذا الأخذ على كل نبي في زمنه ووقت بعثه، ثم جمع اللفظ في حكاية الحال في هذه الآية، والمعنى: أن الله تعالى أخذ ميثاق كل نبي بأنه يلتزم هو ومن آمن به، الإيمان بمن أوتي بعده من الرسل، الظاهرة براهينهم والنصرة له، واختلف المفسرون في العبارة عن مقتضى ألفاظ هذه الآية، فقال مجاهد والربيع: إنما أخذ ميثاق أهل الكتاب، لا ميثاق النبيين، وفي مصحف أبي بن كعب وابن مسعود: «وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب»، قال مجاهد: هكذا هو القرآن، وإثبات «النبيين» خطأ من الكتاب.
قال الفقيه الإمام: وهذا لفظ مردود بإجماع الصحابة على مصحف عثمان رضي الله عنه، وقال ابن عباس رضي الله عنه: إنما أخذ اللّه ميثاق النّبيّين على قومهم، فهو أخذ لميثاق الجميع، وقال طاوس: أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما بعث الله نبيا، آدم فمن بعده، إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره بأخذه على قومه، ثم تلا هذه الآية، وقاله السدي: وروي عن طاوس أنه قال: صدر الآية أخذ الميثاق على النبيين وقوله: ثمّ جاءكم مخاطبة لأهل الكتاب بأخذ الميثاق عليهم.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: حكاه الطبري وهو قول يفسده إعراب الآية، وهذه الأقوال كلها ترجع إلى ما قاله علي بن أبي طالب وابن عباس، لأن الأخذ على الأنبياء أخذ على الأمم.
وقرأ حمزة وغيره سوى السبعة: «لما» بكسر اللام، وهي لام الجر، والتقدير لأجل ما آتيناكم، إذ أنتم القادة والرؤوس، ومن كان بهذه الحال فهو الذي يؤخذ ميثاقه، و «ما» في هذه القراءة بمعنى الذي الموصولة، والعائد إليها من الصلة تقديره آتيناكموه، و «من» لبيان الجنس، وقوله، ثمّ جاءكم الآية، جملة معطوفة على الصلة، ولا بد في هذه الجملة من ضمير يعود على الموصول، فتقديره عند سيبويه: رسول به مصدق لما معكم، وحذف تخفيفا كما حذف الذي في الصلة بعينها لطول الكلام، كما قال تعالى: أهذا الّذي بعث اللّه رسولًا [الفرقان: 41] والحذف من الصلات كثير جميل، وأما أبو الحسن الأخفش، فقال قوله تعالى: لما معكم. هو العائد عنده على الموصول، إذ هو في المعنى بمنزلة الضمير الذي قدر سيبويه، وكذلك قال الأخفش في قوله تعالى: إنّه من يتّق ويصبر فإنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين [يوسف: 90] لأن المعنى لا يضيع أجرهم، إذ المحسنون هم من يتقي ويصبر، وكذلك قوله تعالى: إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملًا [الكهف: 30] وكذلك ما ضارع هذه الآيات، وسيبويه رحمه الله لا يرى أن يضع المظهر موقع المضمر، كما يراه أبو الحسن، واللام في لتؤمننّ، هي اللام المتعلقة للقسم الذي تضمنه أخذ الميثاق وفصل بين القسم والمقسم عليه بالجار والمجرور وذلك جائز.
وقرأ سائر السبعة: «لما» بفتح اللام، وذلك يتخرج على وجهين، أحدهما أن تكون «ما» موصولة في موضع رفع بالابتداء، واللام لام الابتداء، وهي متلقية لما أجري مجرى القسم من قوله تعالى: وإذ أخذ اللّه ميثاق وخبر الابتداء قوله لتؤمننّ، ولتؤمننّ متعلق بقسم محذوف، والمعنى والله لتؤمنن، هكذا قال أبو علي الفارسي، وفيه من جهة المعنى نظر، إذا تأملت على أي شيء وقع التحليف لكنه متوجه بأن الحلف يقع مرتين تأكيدا فتأمل، والعائد الذي في الصلة، والعائد الذي في الجملة المعطوفة على الصلة هنا في هذه القراءة هما على حد ما ذكرنا هما في قراءة حمزة، أما أن هذا التأويل يقتضي عائدا من
الخبر الذي هو لتؤمننّ فهو قوله تعالى: به فالهاء من به عائدة على «ما» ولا يجوز أن تعود على رسولٌ فيبقى الموصول حينئذ غير عائد عليه من خبره ذكر، والوجه الثاني الذي تتخرج عليه قراءة القراء «لما» بفتح اللام، هو أن تكون «ما» للجزاء شرطا، فتكون في موضع نصب بالفعل الذي بعدها وهو مجزوم وجاءكم معطوف في موضع جزم، واللام الداخلة على «ما» ليست المتلقية للقسم، ولكنها الموطئة المؤذنة بمجيء لام القسم، فهي بمنزلة اللام في قوله تعالى: لئن لم ينته المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ [الأحزاب: 60] لأنها مؤذنة بمجيء المتلقية للقسم في قوله، لنغرينك بهم وكذلك هذه مؤذنة بمجيء المتلقية للقسم في قوله: لتؤمننّ وهذه اللام الداخلة على «أن» لا يعتمد القسم عليها، فلذلك جاز حذفها تارة وإثباتها تارة، كما قال تعالى: وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ [المائدة: 73]. قال الزجاج: لأن قولك، والله لئن جنتني لأكرمنك، إنما حلف على فعلك، لأن الشرط معلق به، فلذلك دخلت اللام على الشرط، وما في هذا الوجه من كونها جزاء لا تحتاج إلى عائد لأنها مفعولة والمفعول لا يحتاج إلى ذكر عائد.
والضمير في قوله تعالى: لتؤمننّ به عائد على رسولٌ، وكذلك هو على قراءة من كسر اللام، وأما الضمير في قوله ولتنصرنّه فلا يحتمل بوجه إلا العود على رسول، قال أبو علي في الإغفال: وجزاء الشرط محذوف بدلالة قوله لتؤمننّ عليه، قال سيبويه: سألته، يعني الخليل عن قوله تعالى: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم فقال: «ما» هنا بمنزلة الذي ودخلتها اللام كما دخلت على إن، حين قلت: لئن فعلت لأفعلن، ثم استمر يفسر وجه الجزاء قال أبو علي: أراد الخليل بقوله: هي بمنزلة الذي، أنها اسم كما أن الذي اسم ولم يرد أنها موصولة كالذي، وإنما فرّ من أن تكون «ما» حرفا كما جاءت حرفا في قوله تعالى: وإنّ كلًّا لمّا ليوفّينّهم ربّك أعمالهم [هود: 111] وفي قوله وإن كلّ ذلك لمّا متاع الحياة الدّنيا [الزخرف: 35]، والله المستعان، وحكى المهدوي ومكي عن سيبويه والخليل: أن خبر الابتداء فيمن جعل «ما» ابتداء على قراءة من فتح اللام هو في قوله: من كتابٍ وحكمةٍ ولا أعرف من أين حكياه لأنه مفسد لمعنى الآية لا يليق بسيبويه، والخليل، وإنما الخبر في قوله، لتؤمننّ كما قال أبو علي الفارسي ومن جرى مجراه كالزجاج وغيره، وقرأ الحسن: «لمّا آتيناكم» بفتح اللام وشدها قال أبو إسحاق:
أي لما آتاكم الكتاب والحكمة أخذ الميثاق، وتكون اللام تؤول إلى الجزاء، كما تقول لما جئتني أكرمتك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويظهر أن «لما» هذه هي الظرفية أي لما كنتم بهذه الحال، رؤساء الناس وأماثلهم، أخذ عليكم الميثاق، إذ على القادة يؤخذ، فيجيء هذا المعنى كالمعنى في قراءة حمزة، وذهب ابن جني في «لما» في هذه الآية إلى أن أصلها «لمن ما»، وزيدت «من» في الواجب على مذهب الأخفش، ثم أدغمت، كما يجب في مثل هذا، فجاء لهما، فثقل اجتماع ثلاث ميمات فحذفت الميم الأولى فبقي «لما»، وتتفسر هذه القراءة على هذا التوجيه المحلق تفسر «لما» بفتح الميم مخففة، وقد تقدم، وقرأ نافع وحده، «آتيناكم» بالنون، وقرأ الباقون، «آتيناكم» بالتاء، ورسولٌ في هذه الآية اسم جنس، وقال كثير من المفسرين: الإشارة بذلك إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وفي مصحف ابن مسعود: «مصدقا» بالنصب على الحال.
قوله تعالى: ... قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين (81)
هذه الآية هي وصف توقيف الأنبياء على إقرارهم بهذا الميثاق والتزامهم له وأخذ عهد الله فيه، وذلك يحتمل موطن القسم، ويحتمل أن يراد بهذه العبارة الجامعة وصف ما فعل مع كل نبي في زمنه، وأخذتم في هذه الآية عبارة عما تحصل لهم من إيتاء الكتاب والحكمة فمن حيث أخذ عليهم أخذوا هم أيضا وقال الطبري: أخذتم في هذه الآية معناه: قبلتم، و «الإصر»: العهد، لا تفسير له في هذا الموضع إلا لذلك، وقوله تعالى فاشهدوا يحتمل معنيين: أحدهما فاشهدوا على أممكم المؤمنين بكم، وعلى أنفسكم بالتزام هذا العهد، هذا قول الطبري وجماعة، والمعنى الثاني، بثوا الأمر عند أممكم واشهدوا به، وشهادة الله تعالى هذا التأويل، وفي التي في قوله وأنا معكم من الشّاهدين هي إعطاء المعجزات وإقرار نبوءاتهم، هذا قول الزجّاج وغيره.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فتأمل أن القول الأول هو إيداع الشهادة واستحفاظها، والقول الثاني هو الأمر بأدائها وحكم الله تعالى بالفسق على من تولى من الأمم بعد هذا الميثاق، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره ويحتمل أن يريد بعد الشهادة عند الأمم بهذا الميثاق على أن قوله، فاشهدوا أمر بالأداء). [المحرر الوجيز: 2/270-274]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (82) أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون (83)
وحكم الله تعالى بالفسق على من تولى من الأمم بعد هذا الميثاق، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره). [المحرر الوجيز: 2/274] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ أبو عمرو: «يبغون» بالياء مفتوحة، و «ترجعون» بالتاء مضمومة، وقرأ عاصم، «يبغون» و «يرجعون» بالياء معجمة من تحت فيهما، وقرأ الباقون بالتاء فيهما، ووجوه هذه القراءات لا تخفى بأدنى تأمل وتبغون معناه: تطلبون، وأسلم في هذه الآية بمعنى: استسلم عند جمهور المفسرين، ومن في هذه الآية تعم الملائكة والثقلين، واختلفوا في معنى قوله طوعاً وكرهاً فقال مجاهد: هذه الآية كقوله تعالى: ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه [الزمر: 38] فالمعنى أن إقرار كل كافر بالصانع هو إسلام كرها.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: فهذا عموم في لفظ الآية، لأنه لا يبقى من لا يسلم على هذا التأويل وأسلم فيه بمعنى استسلم، وقال بمثل هذا القول أبو العالية رفيع، وعبارته رحمه الله: كل آدمي فقد أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده، فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرها، ومن أخلص فهذا الذي أسلم طوعا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بل إسلام الكاره منهم كان حين أخذ الميثاق، وروي عن مجاهد أنه قال: الكره في هذه الآية هو بسجود ظل الكافر فيسجد المؤمن طوعا ويسجد الكافر وهو كاره، وقال الشعبي: الآية عبارة عن استقادة جميع البشر لله وإذعانهم لقدرته وإن نسب بعضهم الألوهية إلى غيره، وذلك هو الذي يسجد كرها.
قال الفقيه الإمام: وهذا هو قول مجاهد وأبي العالية المتقدم وإن اختلفت العبارات، وقال الحسن بن أبي الحسن: معنى الآية: أنه أسلم قوم طوعا، وأسلم قوم خوف السيف، وقال مطر الوراق: أسلمت الملائكة طوعا، وكذلك الأنصار وبنو سليم وعبد القيس، وأسلم سائر الناس كرها حذر القتال والسيف.
قال الفقيه الإمام: وهذا قول الإسلام فيه هو الذي في ضمنه الإيمان، والآية ظاهرها العموم، ومعناها الخصوص، إذ من أهل الأرض من لم يسلم طوعا ولا كرها على هذا الحد، وقال قتادة: الإسلام كرها هو إسلام الكافر عند الموت والمعاينة حيث لا ينفعه.
قال الفقيه الإمام: ويلزم على هذا أن كل كافر يفعل ذلك، وهذا غير موجود إلا في أفراد، والمعنى في هذه الآية، يفهم كل ناظر أن هذا القسم الذي هو الكره إنما هو في أهل الأرض خاصة، والتوقيف بقوله أفغير إنما هو لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من الأحبار والكفار، وقرأ أبو بكر عن عاصم، «أصري»، بضم الألف وهي لغة). [المحرر الوجيز: 2/274-275]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين (81) فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (82)}
يخبر تعالى أنّه أخذ ميثاق كلّ نبيٍّ بعثه من لدن آدم، عليه السّلام، إلى عيسى، عليه السّلام، لمهما آتى اللّه أحدهم من كتابٍ وحكمةٍ، وبلغ أيّ مبلغ، ثمّ جاءه رسولٌ من بعده، ليؤمننّ به ولينصرنّه، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنّبوّة من اتّباع من بعث بعده ونصرته؛ ولهذا قال تعالى وتقدّس: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} أي: لمهما أعطيتكم من كتابٍ وحكمةٍ {ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري}
وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والرّبيع، وقتادة، والسّدّيّ: يعني عهدي.
وقال محمّد بن إسحاق: {إصري} أي: ثقل ما حمّلتم من عهدي، أي ميثاقي الشّديد المؤكّد.
{قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين. فمن تولّى بعد ذلك} أي: عن هذا العهد والميثاق، {فأولئك هم الفاسقون}
قال عليّ بن أبي طالبٍ وابن عمّه عبد اللّه بن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما: ما بعث اللّه نبيًّا من الأنبياء إلّا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث محمدًا وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمّته: لئن بعث محمّدٌ [صلّى اللّه عليه وسلّم] وهم أحياءٌ ليؤمننّ به ولينصرنّه.
وقال طاووس، والحسن البصريّ، وقتادة: أخذ اللّه ميثاق النّبيّين أن يصدق بعضهم بعضًا.
وهذا لا يضادّ ما قاله عليٌّ وابن عبّاسٍ ولا ينفيه، بل يستلزمه ويقتضيه. ولهذا رواه عبد الرّزّاق، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه مثل قول عليٍّ وابن عبّاسٍ.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أنبأنا سفيان، عن جابرٍ، عن الشّعبيّ، عن عبد اللّه بن ثابتٍ قال: جاء عمر إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّي مررت بأخٍ لي من قريظة، فكتب لي جوامع من التّوراة، ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغيّر وجه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم -قال عبد اللّه بن ثابتٍ: قلت له: ألا ترى ما بوجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال عمر: رضينا باللّه ربّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ رسولًا -قال: فسرّي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال: "والّذي نفس محمّدٍ بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السّلام، ثمّ اتّبعتموه وتركتموني لضللتم، إنّكم حظّي من الأمم، وأنا حظّكم من النّبيّين".
حديثٌ آخر: قال الحافظ أبو بكرٍ حدّثنا إسحاق، حدّثنا حمّادٌ، عن مجالد، عن الشّعبيّ، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيءٍ، فإنّهم لن يهدوكم وقد ضلّوا، وإنّكم إمّا أن تصدّقوا بباطلٍ وإمّا أن تكذّبوا بحقٍّ، وإنّه -والله-لو كان موسى حيًّا بين أظهركم ما حلّ له إلا أن يتّبعني".
وفي بعض الأحاديث [له]:"لو كان موسى وعيسى حيّين لما وسعهما إلّا اتّباعي".
فالرّسول محمّدٌ خاتم الأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليه، دائمًا إلى يوم الدّين، وهو الإمام الأعظم الّذي لو وجد في أيّ عصرٍ وجد لكان هو الواجب الطّاعة المقدّم على الأنبياء كلّهم؛ ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لمّا اجتمعوا ببيت المقدس، وكذلك هو الشّفيع في يوم الحشر في إتيان الرّبّ لفصل القضاء، وهو المقام المحمود الّذي لا يليق إلّا له، والّذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين، حتّى تنتهي النّوبة إليه، فيكون هو المخصوص به). [تفسير القرآن العظيم: 2/67-69]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فمن تولّى بعد ذلك} أي: عن هذا العهد والميثاق، {فأولئك هم الفاسقون} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/67] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون (83) قل آمنّا باللّه وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون (84) ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (85)}

يقول تعالى منكرًا على من أراد دينًا سوى دين اللّه، الّذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله، وهو عبادته وحده لا شريك له، الذي {وله أسلم من في السّماوات والأرض} أي: استسلم له من فيهما طوعًا وكرهًا، كما قال تعالى: {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوّ والآصال} [الرّعد:15] وقال تعالى: {أولم يروا إلى ما خلق اللّه من شيءٍ يتفيّأ ظلاله عن اليمين والشّمائل سجّدًا للّه وهم داخرون. وللّه يسجد ما في السّماوات وما في الأرض من دابّةٍ والملائكة وهم لا يستكبرون. يخافون ربّهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} [النّحل: 48 -50].
فالمؤمن مستسلمٌ بقلبه وقالبه للّه، والكافر مستسلمٌ للّه كرها، فإنّه تحت التّسخير والقهر والسّلطان العظيم، الّذي لا يخالف ولا يمانع. وقد ورد حديثٌ في تفسير هذه الآية، على معنًى آخر فيه غرابةٌ، فقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ:
حدّثنا أحمد بن النّضر العسكريّ، حدّثنا سعيد بن حفصٍ النّفيلي، حدّثنا محمّد بن محصن العكّاشيّ، حدّثنا الأوزاعيّ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} أمّا من في السّماوات فالملائكة، وأمّا من في الأرض فمن ولد على الإسلام، وأمّا كرهًا فمن أتي به من سبايا الأمم في السّلاسل والأغلال، يقادون إلى الجنّة وهم كارهون".
وقد ورد في الصّحيح: "عجب ربّك من قومٍ يقادون إلى الجنّة في السّلاسل" وسيأتي له شاهدٌ من وجهٍ آخر ولكنّ المعنى الأوّل للآية أقوى.
وقد قال وكيع في تفسيره: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: هو كقوله: {ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ الله} [لقمان:25].
وقال أيضًا: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: حين أخذ الميثاق.
{وإليه يرجعون} أي: يوم المعاد، فيجازي كلًّا بعمله). [تفسير القرآن العظيم: 2/69-70]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة